الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} ، [الأعراف، من الآية: 180] يشركون، أي يشركون غيره في أسمائه كتسميتهم الصنم إلهًا، ويحتمل أن المراد الشرك في العبادة، لأن أسماءه تعالى تدل على التوحيد، فالإشراك بغيره إلحاد في معاني أسمائه سبحانه وتعالى لا سيما مع الإقرار بها، كما كانوا يقرون بالله ويعبدون غيره، فهذا الاسم وحده أعظم الأدلة على التوحيد، فمن عبد غيره; فقد ألحد في هذا الاسم، وعلى هذا بقية الأسماء، وهذا الأثر لم يروه ابن أبي حاتم عن ابن عباس إنما رواه عن قتادة فاعلم ذلك.
قوله:"وعنه: سمو اللات من الإله، والعزى من العزيز".
هذا الأثر معطوف على سابقه، أي: رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وكذلك الأثر الثاني عن الأعمش معطوف على سابقه أي: رواه ابن أبي حاتم عنه.
والأعمش اسمه سليمان بن مهران أبو محمد الكوفي الفقيه ثقة حافظ ورع مات سنة 147 وكان مولده أول سنة 61.
قوله:"يدخلون فيها ما ليس منها"، أي: كتسمية النصارى له أبًا ونحوه كما سبق.
[46-
باب لا يقال: السلام على الله]
لما كان حقيقة لفظ الإسلام السلامة والبراءة والخلاص والنجاة من الشر والعيوب، فإذا قال المسلم: السلام عليكم فهو دعاء للمسلم عليه، وطلب له أن يسلم من الشر كله، والله هو المطلوب منه لا المطلوب له، وهو المدعو لا المدعو له، وهو الغني له ما في السموات وما في الأرض، استحال أن يسلم عليه سبحانه وتعالى، بل هو المسلم على عباده كما قال تعالى:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} 1 وقال: {وَسَلامٌ عَلَى
1 سورة النمل آية: 59.
الْمُرْسَلِينَ} 1 وقال: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} 2 فهو السلام ومنه السلام لا إله غيره ولا رب سواه.
في"الصحيح"عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام"3.
ش: قوله:"في"الصحيح"" أي"الصحيحين".
قوله:"قلنا: السلام على الله"، أي: يقولون ذلك في التشهد الأخير كما هو مصرح به في بعض ألفاظ الحديث: "كنا نقول قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله هو السلام، ولكن قولوا التحيات لله"4.
قوله:"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا السلام على الله"، أي: - والله أعلم - لما تقدم، ولأن السلام اسمه، كما يرشد إليه آخر الحديث.
قوله:"فإن الله هو السلام". أنكر عليه السلام التسليم على الله، وأخبر أن ذلك عكس ما يجب له سبحانه، فإن كل سلام ورحمة له ومنه فهو مالكها ومعطيها، وهو السلام. قال ابن الأنباري: أمرهم أن يعرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة، وقال غيره: وهذا كله حماية منه صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد حتى يعرف لله تعالى ما يستحقه من الأسماء والصفات وأنواع العبادات.
قوله: "السلام على فلان وفلان". اختلف العلماء في معنى السلام المطلوب عند التحية على قولين:
أحدهما: أن المعنى اسم السلام عليكم، والسلام هنا هو الله عز وجل. ومعنى الكلام: نزلت بركة اسم السلام عليكم، وحملت عليكم فاختير في هذا المعنى من أسمائه اسم السلام دون غيره، ويدل عليه قوله في آخر الحديث.
قوله:"فإن الله هو السلام". فهذا صريح في كون السلام اسمًا من أسمائه، فإذا قال المسلم: السلام عليكم;
1 سورة الصافات آية: 181.
2 سورة الأحزاب آية: 44.
3 البخاري: الأذان (835)، ومسلم: الصلاة (402)، والنسائي: التطبيق (1168 ،1169) والسهو (1298)، وأبو داود: الصلاة (968)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، وأحمد (1/382 ،1/413 ،1/427 ،1/431 ،1/464)، والدارمي: الصلاة (1340) .
4 البخاري: التوحيد (7381)، ومسلم: الصلاة (402)، والنسائي: التطبيق (1168 ،1169) والسهو (1298)، وأبو داود: الصلاة (968)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، وأحمد (1/382 ،1/413 ،1/427 ،1/431)، والدارمي: الصلاة (1340) .
كان معناه: اسم السلام عليكم، يدل عليه ما رواه أبو داود، عن ابن عمر أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى استقبل الجدار، ثم تيمم ورد عليه وقال:"إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر"1. ففي هذا بيان أن السلام ذكر لله وإنما يكون ذكرًا إذا تضمنت اسمًا من أسمائه.
الثاني: أن السلام مصدر بمعنى السلامة، وهو المطلوب المدعو به عند التحية، لأنه ينكر بلا ألف ولام، فيجوز أن يقول المسلم: سلام عليكم، ولو كان اسمًا من أسمائه تعالى لم يستعمل كذلك، بل كان يطلق عليه معرفًا كما يطلق على سائر أسمائه الحسنى. فيقال: السلام، المؤمن، المهيمن، فإن التنكير لا يصرف اللفظ إلى معين، فضلاً عن أن يصرفه إلى الله وحده، بخلاف المعرف فإنه ينصرف إليه تعيينًا إذا ذكرت أسماؤه الحسنى. ويدل على ذلك عطف الرحمة والبركة عليه في قوله: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولأنه لو كان اسمًا من أسمائه تعالى لم يستقم الكلام بالإضمار، وذلك خلاف الأصل ولا دليل عليه، ولأنه ليس المقصود من السلام هذا المعنى، وإنما المقصود منه الإيذان بالسلامة خبرًا ودعاء.
قال ابن القيم: "والصواب في مجموعهما أي: القولين، وذلك أن من دعا الله بأسمائه الحسنى يسأل في كل مطلوب ويتوسل إليه بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله، حتى كأن الداعي مستشفع إليه، متوسل به. فإذا قال: رب اغفر لي، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم الغفور، فقد سأله أمرين، وتوسل إليه باسمين من أسمائه، مقتضيين لحصول مطلوبه وهذا كثير جدًّا وإذا ثبت هذا فالمقام لما كان مقام2 طلب السلامة التي هي أهم ما عند الرجل أتى في طلبها بصيغة اسم من أسمائه تعالى، وهو السلام الذي تطلب منه السلامة.
1 النسائي: الطهارة (38)، وأبو داود: الطهارة (17)، وابن ماجه: الطهارة وسننها (350) ، وأحمد (4/345)، والدارمي: الاستئذان (2641) .
2 في الطبعة السابقة: هذا المقام لما كان طلب.