المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا] - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد

[سليمان بن عبد الله آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[كتاب التوحيد]

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌ باب الخوف من الشرك]

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا لله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله]

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُم يَنْصُرُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌ باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ في من عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان]

- ‌ باب ما جاء في السحر]

- ‌باب بيان شيئ من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌ باب ما جاء في النشرة]

- ‌ باب ما جاء في التطير]

- ‌ باب ما جاء في التنجيم]

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌ باب ما جاء في الرياء]

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِ

- ‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

- ‌ باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء في من لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة]ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن أو الرسول]

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي

- ‌باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌ باب لا يقال: السلام على الله]

- ‌ باب قول اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌ باب لا يقول: عبدى وأمتي]

- ‌ باب لا يرد من سئل بالله]

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌باب ماجاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌ باب ما جاء في المصورين]

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك]

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

وتبركهم بمشاهدته وخدمته وإكرامه وتقديمه في المحافل، فأصابت النفس في ذلك أعظم اللذات، وأعظم الشهوات. وهو يظن أن حياته بالله تعالى وبعبادته، وإنما حياته هذه الشهوة الخفية التي تعمى عن دركها العقول الناقدة1. قد أثبت اسمه عند الله من المنافقين، وهو يظن أنه عند الله من عباده المقربين. وهذه مكيدة للنفس لا يسلم منها إلا الصديقون، ولذلك قيل: آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة. انتهى كلامه.

وفي الحديث من الفوائد شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحه لهم، وأن الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال، والحذر من الرياء ومن الشرك الأكبر، إذ كان صلى الله عليه وسلم يخاف الرياء على أصحابه مع علمهم وفضلهم، فغيرهم أولى بالخوف.

1 في الطبعة السابقة: (الظاهر) و (يقتنع) و (فأجبت) و (النافذة) .

ص: 461

[31-‌

‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

قد ظن بعض الناس أن هذا الباب داخل في الرياء، وأن هذا مجرد تكرير فأخطأ، بل المراد بهذا أن يعمل الإنسان عملاً صالحًا يريد به الدنيا كالذي يجاهد للقطيفة والخميلة ونحو ذلك، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبدًا لذلك بخلاف المرائي، فإنه إنما يعمل ليراه الناس ويعظموه، والذي يعمل لأجل الدراهم والقطيفة ونحو ذلك أعقل من المرائي، لأن ذلك عمل لدنيا يصيبها. والمرائي عمل لأجل المدح، والجلالة في أعين الناس، وكلاهما خاسر نعوذ بالله من موجبات غضبه، وأليم عقابه. قال: وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا

} 1.

قال ابن عباس: "من كان يريد الحياة الدنيا أي: ثوابها أي: مآلها وزينتها نوف إليهم: نوفر لهم ثواب أعمالهم

1 سورة هود آية: 15.

ص: 461

بالصحة والسرور في الأهل والمال والولد، وهم فيها لا يبخسون لا ينقصون، ثم نسختها و {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} " رواه النحاس في ناسخه.

وقوله: "ثم نسختها"، أي: قيدتها أو خصصتها، فإن السلف كانوا يسمون التقييد والتخصيص نسخًا، وإلا فالآية محكمة. وقال الضحاك: من عمل صالحًا من أهل الإيمان من غير تقوى، عجل له ثواب عمله في الدنيا، واختاره الفراء. قال ابن القيم: وهذا القول أرجح. ومعنى الآية على هذا: من كان يريد بعمله الحياة الدنيا وزينتها. وقالت طائفة: هذه الآية في حق الكفار بدليل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ} 1 أي: أنهم لم يعملوا إلا للحياة الدنيا وزينتها. {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا} 2. قال بعض المفسرين: أي: وحبط في الآخرة ما صنعوه، أو صنيعهم يعني: لم يكن لهم ثواب، لأنهم لم يريدوا به الآخرة، إنما أرادوا به الدنيا، وقد وفى إليهم ما أرادوا {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3 أي: كان عمله في نفسه باطلاً، لأنه لم يعمل لوجه صحيح، والعمل الباطل لا ثواب له. انتهى.

فإن قيل: الآية على القول الأول تقتضي تخليد المؤمن من المريد بعمله الدنيا في النار.

قيل: إن الله سبحانه ذكر جزاء من يريد بعمله الحياة الدنيا وزينتها، وهو النار، وأخبر بحبوط عمله وبطلانه، فإذا أحبط ما ينجو به وبطل، لم يبق معه ما ينجيه. فإن كان معه إيمان لم يرد به الحياة الدنيا وزينتها، بل أراد به الله والدار الآخرة، لم يدخل هذا الإيمان في العمل الذي حبط وبطل. ونجاة هذا الإيمان من الخلود في النار، وإن دخلها بحبوط عمله الذي به النجاة المطلقة. فالإيمان إيمانان إيمان: يمنع دخول النار، وهو الإيمان الباعث على أن تكون الأعمال لله وحده يبتغي بها وجهه وثوابه، وإيمان يمنع الخلود في النار، فإن

1 سورة هود آية: 16.

2 سورة هود آية: 16.

3 سورة هود آية: 16.

ص: 462

كان مع المرائي شيء منه، وإلا كان من أهل الخلود، فالآية لها حكم نظائرها من آيات الوعيد. ذكره ابن القيم.

وقد سئل شيخ الإسلام المصنف عن معنى هذه الآية فأجاب بما ملخصه: ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعله الناس اليوم، ولا يعرفون معناه.

فمن ذلك العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقة وصلاة وإحسان إلى الناس، وترك ظلم، ونحو ذلك مما يفعله الإنسان، أو يتركه خالصًا لله، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته، أو حفظه أهله وعياله، أو إدامة النعم عليهم، ولا همة له في طلب الجنة، والهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب. وهذا النوع ذكره ابن عباس.

النوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف، وهو الذي ذكر مجاهد في الآية أنها نزلت فيه، وهو أن يعمل أعمالاً صالحة، ونيته رياء الناس لا طلب ثواب الآخرة.

النوع الثالث: أن يعمل أعمالاً صالحة يقصد بها مالًا مثل أن يحج لمال يأخذه، لا لله، أو يهاجر لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر أيضًا هذا النوع في تفسير هذه الآية. وكما يتعلم الرجل لأجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياستهم، أو يتعلم القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد، كما هو واقع كثيرًا، وهؤلاء أعقل من الذين قبلهم، لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها، والذين قبلهم عملوا من أجل المدح والجلالة في أعين الناس، ولا يحصل لهم طائل، والنوع الأول أعقل من هؤلاء، لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له، لكن لم يطلبوا منه الخير الكثير الدائم وهو الجنة، ولم يهربوا من الشر العظيم وهو النار.

ص: 463

النوع الرابع: أن يعمل بطاعة الله مخلصًا في ذلك لله وحده لا شريك له، لكنه على عمل يكفره كفرًا يخرجه عن الإسلام مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم من الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة، يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام وتمنع قبول أعمالهم. فهذا النوع أيضًا قد ذكر في هذه الآية عن أنس بن مالك وغيره. وكان السلف يخافون منها، قال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت، لأن الله يقول:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} 1.

ثم قال: بقي أن يقال: إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج ابتغاء وجه الله طالبًا ثواب الآخرة، ثم بعد ذلك عمل أعمالاً قاصدًا بها الدنيا مثل أن يحج فرضه لله، ثم يحج بعده لأجل الدنيا، كما هو واقع، فهو لما غلب عليه منهما. وقد قال بعضهم: القرآن كثيرًا ما يذكر أهل الجنة الخلص، وأهل النار الخلص، ويسكت عن صاحب الشائبتين وهو هذا وأمثاله. انتهى. وقد أجاد وأفاد رحمه الله.

وفي الآية من الفوائد أن الشرك محبط للأعمال، وأن إرادة الدنيا وزينتها بالعمل كذلك، وأن الله يجازي الكافر بحسناته، وكذلك طالب الدنيا، ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة. الخامسة شدة الوعيد على ذلك. السادسة الفرق بين الحبوط والبطلان.

قال في: الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، وتعس عبد الدرهم، وتعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله

1 سورة المائدة آية: 27.

ص: 464

أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يُشَفَّع" 1.

قوله: "في الصحيح"، أي: صحيح البخاري.

قوله: "تعس عبد الدينار"، هو بكسر العين، ويجوز الفتح، أي: سقط والمراد هنا: هلك، قاله الحافظ. وقال في موضع آخر: وهو ضد سعد، أي: شقي. وقيل معنى التعس: الكبة على الوجه. قال أبو السعادات: يقال: تعس يتعس، إذا عثر، وانكب لوجهه، وهو دعاء عليه بالهلاك.

قوله: "تعس عبد الخميصة"، قال أبو السعادات: هو ثوب خز أو صوف معلم. وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديمًا، وجمعها الخمائص. والخميلة بفتح الخاء المعجمة، قال أبو السعادات: الخميل والخميلة: القطيفة، وهي ثوب له خمل من أي شيء كان، وقيل: الخميل الأسود من الثياب.

قوله: "تعس وانتكس"، قال الحافظ: هو بالمهملة أي: عاوده المرض. وقال أبو السعادات، أي: انقلب على رأسه، وهو دعاء عليه بالخيبة، لأن من انتكس في أمره فقد خاب وخسر. وقال الطيبي: وفيه الترقي بالدعاء عليه، لأنه إذا تعس انكب على وجهه، فإذا انتكس انقلب على رأسه بعد أن سقط.

قوله: "وإذا شيك"، أي: أصابته شوكة فلا انتقش. قال أبو السعادات، أي: إذا شاكته شوكة، فلا يقدر على انتقاشها، وهو إخراجها بالمنقاش. وقال الحافظ: أي: إذا دخلت فيه شوكة لم يجد من يخرجها بالمنقاش، قال: وفي الدعاء عليه بذلك إشارة إلى عكس مقصوده، لأن من عثر فدخلت في رجله الشوكة، فلم يجد من يخرجها يصير عاجزًا عن السعي والحركة في تحصيل مصالح الدنيا.

1 البخاري: الجهاد والسير (2887)، والترمذي: الزهد (2375)، وابن ماجه: الزهد (4136) .

ص: 465

وقال الطّيْبِي: المعنى أنه إذا وقع في البلاء لا يترحم عليه، فإن من وقع في البلاء إذا ترحم له الناس ربما هان الخطب عليه، ويتسلى بعض التسلي، وهؤلاء بخلافه، بل يزيد غيظهم بفرح الأعداء أو شماتتهم.

فإن قيل: لم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدينار والدرهم؟

قيل: لما كان ذلك هو مقصوده ومطلوبه الذي عمل له، وسعى في تحصيله بكل ممكن حتى صارت نيته مقصورة عليه يغضب ويرضى له صار عبدًا له.

قال شيخ الإسلام: فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الدينار والدرهم، وعبد القطيفة، وعبد الخميصة، وذكر فيه ما هو دعاء وخبر. وهو قوله:"تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش"، وهذه حال من أصابه شر لم يخرج منه ولم يفلح لكونه تعس وانتكس، فلا نال المطلوب، ولا خلص من المكروه، وهذه حال من عبد المال. وقد وصف ذلك بأنه إن أعطي رضي وإن منع سخط كما قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} 1. فرضاهم لغير الله، وسخطهم لغير الله، وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو بصورة، أو نحو ذلك من أهواء نفسه إن حصل له رضي، وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له، إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلب واستعبده، فهو عبده

إلى أن قال: وهكذا أيضًا طالب المال فإن ذلك يستعبده ويسترقه.

وهذه الأمور نوعان: فمنها ما يحتاج إليه العبد كما يحتاج إلى طعامه وشربه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك، فهذا يطلبه من الله ويرغب إليه فيه فيكون المال عنده، يستعمله في حاجته بمنْزلة حماره الذي يركبه، وبساطه الذي يجلس عليه من غير أن يستعبدوه فيكون

1 سورة التوبة آية: 58.

ص: 466

هلوعًا. ومنها ما لا يحتاج إليه العبد، فهذه ينبغي أن لا يعلق قلبه بها، فإذا تعلق قلبه بها، صار مستعبدًا لها وربما صار مستعبدًا معتمدًا على غير الله فيها، فلا يبقى معه حقيقة العبودية لله، ولا حقيقة التوكل عليه، بل فيه شعبة من العبادة لغير الله، وشعبة من التوكل على غير الله، وهذا من أحق الناس بقوله صلى الله عليه وسلم:"تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، وتعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة"1. وهذا هو عبد لهذه الأمور، ولو طلبها من الله، فإن الله إذا أعطاه إياه رضي، وإن منعه إياها سخط. وإنما عبد الله من يرضيه ما يرضي الله، ويسخطه ما يسخط الله، ويحب ما أحب الله ورسوله، ويبغض ما أبغض الله ورسوله، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله فهذا الذي استكمل الإيمان. انتهى ملخصًا.

قوله: "طوبى لعبد"، قال أبو السعادات: طوبى اسم الجنة، وقيل: هي شجرة فيها. قلت: قد روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن دراجًا حدثه أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد في حديث: "فقال رجل: يا رسول الله وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"2. رواه حرملة عنه. ورواه أحمد في مسنده من حديث عتبة بن عبد السلمي "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض وذكر الجنة. ثم قال الأعرابي: "وفيها فاكهة؟ قال: نعم. وفيها شجرة تدعى طوبى

" 3 الحديث. قال الزجاج: في قوله: طوبى لهم. معناه: العيش الطيب. وقال ابن الأنباري: الحال المستطابة لهم، لأنه فعلى من الطيب، وقيل: معناه هنيئًا بطيب العيش لهم وهذه الأقوال ترجع إلى قول واحد.

قوله: "أخذ بعنان فرسه في سبيل الله"، أي: في طريق الجهاد.

قوله: "أشعث رأسه"، هو بنصب أشعث صفة لعبد لأنه غير مصروف للصفة ووزن الفعل، ورأسه مرفوع على الفاعلية لأشعث، وهو مغبر الرأس. وفيه فضل إصابة الغبار في سبيل الله.

1 البخاري: الرقاق (6435)، وابن ماجه: الزهد (4136) .

2 أحمد (3/71) .

3 أحمد (4/183) .

ص: 467

قوله: "مغبرة قدماه"، هو كأشعث في الإعراب والمراد به كثرة الغبار له في سبيل الله لكثرة جهاده ومصابرته.

قوله: "إن كان في الحراسة". قال بعضهم: هو بكسر الحاء أي: حماية الجيش ومحافظتهم عن أن يهجم عليهم عدوهم.

قوله: "كان في الحراسة"، أي: امتثل غير مقصر فيها بالنوم والغفلة ونحوهما.

قوله: "وإن كان في الساقة كان في الساقة"، أي: إن جعل في مؤخرة الجيش صار فيها ولزمها. وقال ابن الجوزي: المعنى: أنه خامل الذكر، لا يقصد السمو، فأي موضع اتفق له كان فيه. وقال الخلخالي: المعنى ائتماره لما أمر، وإقامته حيث أقيم لا يفقد من مكانه، وإنما ذكر الحراسة والساقة، لأنهما أشد مشقة وأكثر آفة. قلت: وفيه فضيلة الحرس في سبيل الله.

قوله: "إن استأذن لم يؤذن له"، أي: إن استأذن على الأمراء ونحوهم لم يأذنوا له، لأنه ليس بذي جاه ولا يقصد بعمله الدنيا فيطلبها منهم، ويتردد إليهم لأجلها بل هو مخلص لله.

قوله: "وإن شَفَّع" بفتح أوله وثانيه مبني للفاعل، ويشفع بتشديد الفاء، مبني للمفعول، والمراد والله أعلم أنه لا يشفع عند الملوك ونحوهم، لعدم جاهه عندهم وعلى تقدير شفاعته إن شفع لم يشفع بل يردّون شفاعته.

قال بعضهم: قيل: إن هذا إشارة إلى عدم التفاته إلى الدنيا وأربابها بحيث لا يبتغي مالاً ولا جاهًا عند الناس، بل يكون عند الله وجيهًا ولم يقبل الناس شفاعته، ويكون عند الله شفيعًا مشفعًا، كما في الحديث الذي رواه أحمد [عن أنس بنحوه] ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" 1. وقال الحافظ: فيه ترك حب الرئاسة والشهرة، وفضل الخمول والتواضع.

1 مسلم: البر والصلة والآداب (2622) .

ص: 468