المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد

[سليمان بن عبد الله آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[كتاب التوحيد]

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌ باب الخوف من الشرك]

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا لله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله]

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُم يَنْصُرُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌ باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ في من عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان]

- ‌ باب ما جاء في السحر]

- ‌باب بيان شيئ من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌ باب ما جاء في النشرة]

- ‌ باب ما جاء في التطير]

- ‌ باب ما جاء في التنجيم]

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌ باب ما جاء في الرياء]

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِ

- ‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

- ‌ باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء في من لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة]ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن أو الرسول]

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي

- ‌باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌ باب لا يقال: السلام على الله]

- ‌ باب قول اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌ باب لا يقول: عبدى وأمتي]

- ‌ باب لا يرد من سئل بالله]

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌باب ماجاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌ باب ما جاء في المصورين]

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك]

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌ باب قول الله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}

قوله: (قال: المودة) : أي: المحبة التي كانت بينهم في الدنيا وتقطعت بهم وخانتهم أحوج ما كانوا إليها، وتبرأ بعضهم من بعض، كما قال تعالى عن إبراهيم الخليل عليه السلام: أنه قال لقومه: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} 1. وهذه الآية وإن كانت نزلت في المشركين عباد الأوثان الذين يحبون أندادهم وأوثانهم كحب الله، فإنها عامة، لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولهذا "قال قتادة: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة، من الآية: 166] . قال: أسباب الندامة يوم القيامة". والأسباب: المواصلة التي يتواصلون بها ويتحابون بها، فصارت عداوة يوم القيامة، يلعن بعضهم بعضًا. رواه عبد بن حميد وابن جرير فهذا حال من كانت مودته لغير الله فاحذر من ذلك.

1 سورة العنكبوت آية: 25.

ص: 416

[26-‌

‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

1]

[الخوف على ثلاثة أقسام] .

الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها، فلذلك قال المصنف بوجوب إخلاصه بالله تعالى. وقد ذكره الله تعالى في كتابه عن سادات المقربين من الملائكة والأولياء والصالحين قال الله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} 2. وقال الله تعالى: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} 3.

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} 4. وقال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَاّ اللَّهَ} 5. وأمر بإخلاصه له فقال تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} 6. وقال تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} 7. وقال تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} 8 [النحل: 53] وهو على ثلاثة أقسام.

1 سورة آل عمران آية: 175.

2 سورة النحل آية: 50.

3 سورة الأنبياء آية: 28.

4 سورة المؤمنون آية: 57.

5 سورة الأحزاب آية: 39.

6 سورة البقرة آية: 40.

7 سورة المائدة آية: 44.

8 سورة النحل آية: 52.

ص: 416

أحدها: خوف السر وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء من مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك بقدرته ومشيئته، سواء ادعى أن ذلك كرامة للمخوف بالشفاعة، أو على سبيل الاستقلال، فهذا الخوف لا يجوز تعلقه بغير الله أصلاً، لأن هذا من لوازم الإلهية، فمن اتخذ مع الله ندًّا يخافه هذا الخوف فهو مشرك.

وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وآلهتهم ولهذا يخوفون بها أولياء الرحمن كما خوفوا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال لهم: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1. وقال تعالى عن قوم هود إنهم قالوا له: {إِنْ نَقُولُ إِلَاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} 2. وقال تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} 3.

وهذا القسم هو الواقع اليوم من عباد القبور، فإنهم يخافون الصالحين بل الطواغيت، كما يخافون الله بل أشد. ولهذا إذا توجهت على أحدهم اليمين بالله أعطاك ما شئت من الأيمان كاذبًا أو صادقًا، فإن كان اليمين بصاحب التربة لم يقدم على اليمين إن كان كاذبًا، وما ذاك إلا لأن المدفون في التراب أخوف عنده من الله. ولا ريب أن هذا ما بلغ إليه شرك الأولين، بل جهد أيمانهم اليمين بالله تعالى، وكذلك لو أصاب أحدًا منهم ظلم لم يطلب كشفه إلا من المدفونين في التراب. وإذا أراد أن يظلم أحدًا فاستعاذ بالله أو ببيته لم يعذه، ولو استعاذ بصاحب التربة أو بتربته لم يقدم عليه أحدًا ولم يتعرض له بالأذى حتى إن بعض الناس أخذ من التجار أموالاً عظيمة أيام موسم الحاج، ثم بعد أيام أظهر الإفلاس، فقام عليه أهل الأموال، فالتجأ إلى قبر في جدة يقال له: المظلوم فما تعرض له

1 سورة آية: 80-81.

2 سورة آية: 54-55.

3 سورة الزمر آية: 36.

ص: 417

أحد بمكروه خوفًا من سر المظلوم وأشباه هذا من الكفر، وهذا الخوف لا يكون العبد مسلمًا إلا بإخلاصه لله تعالى وإفراده بذلك دون من سواه.

الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر إلا لخوف من الناس، فهذا محرم، وهو الذي نزلت فيه الآية المترجم لها وهو الذي جاء فيه الحديث:"إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذا رأيت المنكر أن لا تغيره فيقول: يا رب خشيت الناس، فيقول إياي كنت أحق أن تخشى" 1 رواه أحمد.

الثالث: خوف وعيد الله الذي توعد به العصاة وهو الذي قال الله فيه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} 2.

وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} 3. وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} 4. وقال تعالى: {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} 5. وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان، ونسبة الأول إليه كنسبة الإسلام إلى الإحسان وإنما يكون محمودًا إذا لم يوقع في القنوط واليأس من روح الله، ولهذا قال شيخ الإسلام: هذا الخوف ما حجزك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك، فهو غير محتاج إليه.

بقي قسم رابع وهو الخوف الطبيعي، كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق ونحو ذلك، فهذا لا يذم وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلاة والسلام في قوله:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} 6.

إذا تبين هذا فمعنى قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} 7، أي: يخوفكم أولياءه ويوهمكم أنهم ذو بأس وشدة. قال الله تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 8. أي: فإذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا على الله فإنه كافيكم وناصركم عليهم كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ

1 ابن ماجه: الفتن (4008 ،4017) ، وأحمد (3/47) .

2 سورة إبراهيم آية: 14.

3 سورة الرحمن آية: 46.

4 سورة الطور آية: 26.

5 سورة الإنسان آية: 7.

6 سورة القصص آية: 21.

7 سورة آل عمران آية: 175.

8 سورة آل عمران آية: 175.

ص: 418

مِنْ دُونِهِ

} 1، إلى قوله:{قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 2. وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} 3. قاله ابن كثير.

وقال ابن القيم: ومن كيد عدو الله أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه لئلا يجاهدوهم ولا يأمروهم بمعروف، ولا ينهوهم عن منكر. فأخبر تعالى أن هذا من كيده وتخويفه، ونهانا أن نخافهم، قال: والمعنى عند جميع المفسرين: يخوفكم بأوليائه قال قتادة: يعظمهم في صدوركم، ولهذا قال:{فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 4. فكلما قوي إيمان العبد زال من قلبه خوف أولياء الشيطان، وكلما ضعف إيمان العبد قوي خوفه منهم. قلت: فأمر تعالى بإخلاص هذا الخوف له، وأخبر أن ذلك شرط في الإيمان، فمن لم يأت به لم يأت بالإيمان الواجب، ففيه أن إخلاص الخوف لله من الفرائض.

قال: وقوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ

} 5 الآية.

لما نفى تبارك وتعالى عمارة المساجد عن المشركين بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ

} 6 الآية إذ لا تنفعهم عمارتها مع الشرك، كما قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} 7. أثبت تعالى في هذه الآية عمارة المساجد بالعبادة للمؤمنين بالله تعالى واليوم الآخر، المقيمين الصلاة المؤتين الزكاة، الذين لا يخشون إلا الله، ولا يخشون معه إلهًا آخر. كما قال تعالى: {وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} 8، فهذه هي العمارة النافعة، وهي الخالصة من الشرك، فإنه نار تحرق الأعمال.

وقوله: {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} 9. قال ابن عطية: يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة، ولا محالة أن الإنسان يخشى غيره، ويخشى المحاذير الدنيوية، وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه.

1 سورة الزمر آية: 36.

2 سورة الزمر آية: 38.

3 سورة النساء آية: 76.

4 سورة آل عمران آية: 175.

5 سورة التوبة آية: 18.

6 سورة التوبة آية: 17.

7 سورة الفرقان آية: 23.

8 سورة الأحزاب آية: 39.

9 سورة التوبة آية: 18.

ص: 419

قلت: ولهذا قال ابن عباس في الآية: لم يعبد إلا الله، فإن الخوف كما قال ابن القيم: عبودية القلب، فلا يصلح إلا لله، كالذل والإنابة والمحبة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب.

وقوله: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} 1. قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: إن أولئك المهتدون، كقوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 2. وكل "عسى" في القرآن فهي واجبة. وتضمنت الآية أن من عَمَّر المساجد من المسلمين بالعبادة، هو من المؤمنين كما في حديث:"إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان" قال الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} 3". رواه أحمد والترمذي والحاكم.

قال وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ

} 4.

قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرًا عن قوم من الذين يدعون الإيمان بألسنتهم ولم يثبت الإيمان في قلوبهم بأنهم إذا جاءتهم محنة في الدنيا اعتقدوا أنها من نقمة الله بهم، فارتدوا عن الإسلام". قال ابن عباس: "يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله". وقال ابن القيم:"الناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين: إما أن يقول أحدهم: آمنا، وإما أن لا يقول ذلك، بل يستمر على السيئات والكفر، فمن قال: آمنا امتحنه ربه وابتلاه وفتنه، والفتنة: الابتلاء والاختبار، ليتبين الصادق من الكاذب، ومن لم يقل: آمنا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه فمن آمن بالرسل وأطاعهم، عاداه أعداؤهم وآذوه، فابتلي بما يؤلمه، ومن لم يؤمن بهم، ولم يطعهم، عوقب في الدنيا والآخرة، وحصل له ما يؤلمه، وكان هذا الألم أعظم وأدوم من ألم اتباعهم، فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنت، أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة،

1 سورة التوبة آية: 18.

2 سورة الإسراء آية: 79.

3 الترمذي: الإيمان (2617)، وابن ماجه: المساجد والجماعات (802) ، وأحمد (3/76)، والدارمي: الصلاة (1223) .

4 سورة العنكبوت آية: 10.

ص: 420

والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء، ثم يصير له الألم الدائم. والإنسان لا بد أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات، فيطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه، وعذبوه، وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب، تارة منهم، وتارة من غيرهم، كمن عنده دين وتقى حل بين قوم فجار ظلمة، ولا يتمكنون من فجورهم إلا بموافقته لهم أو سكوته عنهم، فإن وافقهم أو سكت عنهم سلم من شرهم في الابتداء، ثم يتسلطون عليه بالإهانة والأذى أضعاف ما كان يخافه ابتداء لو أنكر عليهم وخالفهم، وإن سلم منهم، فلا بد أن يهان ويعاقب على يد غيرهم، فالحزم كل الحزم بما قالت أم المؤمنين لمعاوية:"من أرضى الله بسخط الناس، كفاه الله مؤنة الناس ومن أرضى الناس بسخط الله، لم يغنوا عنه من الله شيئًا". فمن هداه الله، وألهمه رشده، ووقاه شر نفسه، امتنع من الموافقة على فعل المحرم، وصبر على عداوتهم، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، كما كانت للرسل وأتباعهم".

ثم أخبر عن حال الداخل في الإيمان بلا بصيرة، وأنه إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس له، وهي أذاهم له، ونيلهم إياه بالمكروه، وهو الألم الذي لا بد أن ينال الرسل وأتباعهم ممن خالفهم، جعل ذلك في قراره منه وتركه السبب الذي يناله به كعذاب الله الذي فر منه المؤمنون بالإيمان. فالمؤمنون لكمال بصيرتهم فروا من ألم عذاب الله إلى الإيمان، وتحملوا ما فيه من الألم الزائل المفارق عن قرب، وهذا لضعف بصيرته فر من ألم أعداء الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم، ففر من ألم عذابهم إلى ألم عذاب الله، فجعل ألم فتنة الناس في الفرار منه بمنْزلة ألم عذاب الله، وغبن كل الغبن إذا استجار من الرمضاء بالنار، وفر من ألم ساعة إلى ألم الأبد، وإذا نصر الله جنده وأولياءه قال: إني كنت معكم والله عليم بما انطوى عليه صدره من النفاق انتهى.

قلت: وإنما حمل ضعيف البصيرة على أن {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ

ص: 421

كَعَذَابِ اللَّهِ} ، هو الخوف منهم أن ينالوه بما يكره بسبب الإيمان بالله، وذلك من جملة الخوف من غير الله، وهذا وجه مطابقة الآية للترجمة، وفي الآية رد على المرجئة والكرامية، وفيها الخوف على نفسك، والاستعداد للبلاء إذ لا بد منه مع سؤال الله العافية.

[من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله] .

قال: عن أبي سعيد مرفوعًا: "إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمدهم على رزق الله، وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره".

ش: هذا الحديث رواه أبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي، وأعله بمحمد بن مروان السدي، وقال: ضعيف، وفيه أيضًا عطية العوفي، أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين، وقال: ضعفوه وموسى بن بلال، قال الأزدي: ساقط.

قلت: إسناده ضعيف، ومعناه صحيح، وتمامه:"وإن الله بحكمته جعل الروح والفرح في الرضى واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط".

قوله: (إن من ضعف اليقين)، قال في "المصباح": والضعف بفتح الضاد في لغة تميم وبضمها في لغة قريش: خلاف القوة والصحة. واليقين المراد به: الإيمان كله كما قال ابن مسعود: "اليقين الإيمان كله، والصبر نصف الإيمان"رواه الطبراني بسند صحيح، ورواه أبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في "الزهد"

ص: 422

من حديثه مرفوعًا ولا يثبت رفعه. قاله الحافظ: ويدخل في ذلك تحقيق الإيمان بالقدر السابق كما في حديث ابن عباس مرفوعًا: "فإن استطعت أن تعمل بالرضى في اليقين فافعل، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا". وفي رواية أخرى في إسنادها ضعف: "قلت: يا رسول الله: كيف أصنع باليقين؟ قال: أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك"1.

قوله: (أن ترضي الناس بسخط الله) . أي: تؤثر رضاهم على رضي الله، فتوافقهم على ترك المأمور، أو فعل المحظور استجلابًا لرضاهم فلولا ضعف اليقين لما فعلت ذلك، لأن من قوي يقينه علم أن الله وحده هو النافع الضار، وأنه لا مُعَوَّل إلا على رضاه، وليس لسواه من الأمر شيء كائنًا ما كان فلا يهاب أحدًا، ولا يخشاه لخوف ضرر يلحقه من جهته كما قال تعالى:{وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} 2.

قوله: (وأن تحمدهم على رزق الله)، أي: تحمدهم وتشكرهم على ما وصل إليك على أيديهم من رزق، بأن تضيفه إليهم وتنسى المنعم المتفضل على الحقيقة وهو الله رب العالمين الذي قدر هذا الرزق لك، وأوصله إليك بلطفه ورحمته فإنه لطيف لما يشاء وهو العليم الحكيم فإذا أراد أمرًا قيض له أسبابًا ولا ينافي ذلك حديث:"من لا يشكر الناس لا يشكر الله". لأن المراد هنا إضافة النعمة إلى السبب ونسيان الخالق، والمراد بشكر الناس عدم كفر إحسانهم ومجازاتهم على ذلك بما استطعت، فإن لم تجد فجازهم بالدعاء.

قوله: (وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله)، أي: إذا طلبتهم شيئًا فمنعوك ذممتهم على ذلك، فلو علمت يقينًا أن المتفرد بالعطاء والمنع هو الله وحده، وأن المخلوق مُدَبَّر {لا يَمْلِكُ} لنفسه {ضَرّاً وَلا

1 أبو داود: السنة (4700) .

2 سورة الأحزاب آية: 39.

ص: 423

نَفْعاً} فضلاً عن غيره، وأن الله لو قدر لك رزقًا; أتاك ولو اجتهد الخلق كلهم في دفعه، وإن أرادك بمنع لم يأتك مرادك ولو اجتمع الخلق كلهم في إيصاله إليك; لقطعت العلائق عن الخلائق وتوجهت بقلبك إلى الخالق تبارك وتعالى، ولهذا قرر ذلك بقوله:"إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره". فلا ترض الخلق بما يسخط الله، ولا تحمدهم على رزق الله، ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله طلبًا لحصول رزق من جهتهم، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، [فاطر: 2] .

قال شيخ الإسلام: اليقين يتضمن اليقين في القيام بأمر الله وما وعد الله أهل طاعته ويتضمن اليقين بقدر الله وخلقه وتدبيره، فإذا أرضيتهم بسخط الله لم تكن موقنًا لا بوعد الله ولا برزق الله، فإنه إنما يحمل الإنسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم فيترك القيام فيهم بأمر الله لما يرجوه منهم، وإما ضعف تصديقه بما وعد الله أهل طاعته من النصر والتأييد والثواب في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أرضيت الله نصرك ورزقك وكفاك مؤنتهم، وإرضاؤهم بما يسخطه إنما يكون خوفًا منهم، ورجاء لهم وذلك من ضعف اليقين، وإذا لم يقدر لك ما تظن أنهم يفعلونه معك فالأمر في ذلك إلى الله لا لهم، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإذا ذممتهم على ما يقدر، كان ذلك من ضعف يقينك فلا تخفهم ولا ترجهم، ولا تذمهم من جهة نفسك وهواك، ولكن من حمده الله ورسوله منهم فهو المحمود، ومن ذمه الله ورسوله فهو المذموم، ولما قال بعض وفد بني تميم:"أي محمد أعطني فإن حمدي زين وذمي شين"= قال صلى الله عليه وسلم: "ذاك الله" ت.

وفي الحديث أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال داخلة في الإيمان وإلا لم تكن هذه الثلاث من ضعفه وأضدادها من قوته.

ص: 424

[من التمس رضي الناس بسخط الله سخط الله عليه] .

قال: وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس"1. رواه ابن حبان في " صحيحه".

ش: هذا الحديث رواه ابن حبان بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف، ورواه الترمذي عن رجل من أهل المدينة. قال:"كتب معاوية إلى عائشة أن اكتبي لي كتابًا توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة إلى معاوية: سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّلَه الله إلى الناس. والسلام عليك" رواه أبو نعيم وغيره.

قوله: "من التمس"، أي: طلب قال شيخ الإسلام: "وكتبت عائشة إلى معاوية وروي أنها رفعته من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئًا"، هذا لفظ المرفوع ولفظ الموقوف:"من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس له ذامًّا". هذا اللفظ المأثور عنها، وهذا من أعظم الفقه في الدين والمأثور أحق وأصدق، فإن من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه. وكان عبده الصالح والله يتولى الصالحين وهو كافٍ عبده {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} 2. والله يكفيه مؤنة الناس بلا ريب، وأما كون الناس كلهم يرضون عنه فقد يحصل ذلك، لكن يرضون إذا سلموا من الإعراض، وإذا تبين لهم العاقبة، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئًا، كالظالم الذي يعض على يديه، وأما كون حامده ينقلب ذامًّا، فهذا يقع كفرًا ويحصل في العاقبة، فإن العاقبة للتقوى لا تحصل ابتداء

1 الترمذي: الزهد (2414) .

2 سورة آية الطّلاق: 2-3.

ص: 425

عند أهوائهم.

قلت: وإنما يحمل الإنسان على إرضاء الخلق بسخط الخالق هو الخوف منهم، فلو كان خوفه خالصًا لله لما أرضاهم بسخطه، فإن العبيد فقراء عاجزون لا قدرة لهم على نفع ولا ضر البتة، وما بهم من نعمة فمن الله، فكيف يحسن بالموحد المخلص أن يؤثر رضاهم على رضاء رب العالمين الذي له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، ومنه الخير كله، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} ، [هود، من الآية: 123] ، {لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، [آل عمران، من الآية: 6] . وقد أخبر تعالى أن ذلك من صفات المنافقين في قوله: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} وما أحسن ما قيل:

إذا صح منك الود يا غاية المنى

فكل الذي فوق التراب تراب

قال ابن رجب: فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب، فهو تراب، فكيف يقدم طاعة من هو تراب على طاعة رب الأرباب؟! أم كيف يرضي التراب بسخط الملك الوهاب؟! {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ، [صّ، من الآية: 5] .

وفي الحديث عقوبة من خاف الناس وآثر رضاهم على رضي الله، وأن العقوبة قد تكون في الدين عياذًا بالله من ذلك. فإن المصيبة في الأديان أعظم من المصيبة في الأموال والأبدان. وفيه شدة الخوف على عقوبات الذنوب، لا سيما في الدين، فإن كثيرًا من الناس يفعل المعاصي ويستهين ولا يرى أثرًا لعقوبتها، ولا يدري المسكين بماذا أُصيب فقد تكون عقوبته في قلبه كما قال تعالى:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} . اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

ص: 426