الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[21-
باب ما جاء في النشرة]
لما ذكر المصنف حكم السحرة والكهانة ذكر ما جاء في النشرة، لأنها قد تكون من قبل الشياطين والسحرة، فتكون مضادة للتوحيد، وقد تكون مباحة، كما سيأتي تفصيله.
قال أبو السعادات: النشرة ضرب من العلاج والرقية، يعالج به من كان يظن أن به مسًّا من الجن، سميت نشرة، لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء، أي: يكشف ويزال.
وقال الحسن: النشرة من السحر، وقد نشرت عنه تنشيرًا، ومنه الحديث:"فلعل طبا أصابه ثم نشره ب {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} " أي: رقاه. وقال غيره: ونشره أيضًا إذا كتب له النشرة، وهي كالتعويذ والرقية. وقال ابن الجوزي: النشرة حل السحر عن المسحور، ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر.
[النشرة من عمل الشيطان]
قال: عن جابر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة، فقال: هي من عمل الشيطان"1. رواه أحمد بسند جيد، وأبو داود، قال: سئل أحمد عنها، فقال ابن مسعود: يكره هذا كله.
ش: هذا الحديث رواه أحمد، ورواه عنه أبو داود في "سننه" والفضل بن زياد في كتاب "المسائل" عن عبد الرزاق عن عقيل بن معقل بن منبه عن عمه وهب بن منبه عن جابر، فذكره، قال ابن مفلح: إسناده جيد، وحسن الحافظ إسناده، ورواه ابن أبي شيبة، وأبو داود في المراسيل عن الحسن رفعه "النشرة من عمل الشيطان"2.
قوله: (سئل عن النشرة) . الألف واللام في النشرة للعهد، أي:
1 أبو داود: الطب (3868) ، وأحمد (3/294) .
2 أبو داود: الطب (3868) ، وأحمد (3/294) .
النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها، هي من عمل الشيطان، لا النشرة بالرقى والتعوذات الشرعية والأدوية المباحة، فإن ذلك جائز كما قرره ابن القيم فيما سيأتي.
قوله: (وقال: سئل أحمد عنها فقال ابن مسعود: يكره هذا كله) . مراد أحمد - والله أعلم - أن ابن مسعود يكره النشرة التي من عمل الشيطان والنشرة التي بكتابة وتعليق كالتمائم، فإن ابن مسعود كان يكره التمائم كلها من القرآن وغير القرآن، أما النشرة بالتعويذ والرقى بأسماء الله وكلامه من غير تعليق، فلا أعلم أحدًا كرهه، وكذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم: كانوا يكرهون التمائم والرقى والنشر. محمول على ما ذكرنا.
قال وفي " البخاري " عن قتادة قلت لابن المسيب: رجل به طب، أو يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه؟ .
ش: هذا الأثر علقه البخاري، ووصله أبو بكر الأثرم في كتاب "السنن" من طريق أبان العطار عن قتادة مثله، ومن طريق هشام الدستوائي عن قتادة بلفظ:(يلتمس من يداويه) . فقال: إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع.
قوله: (عن قتادة) ، هو ابن دعامة بكسر الدال السدوسي البصري ثقة
ثبت فقيه من أحفظ التابعين، يقال: إنه ولد أكمه مات سنة بضع عشرة ومائة.
قوله: (رجل به طب) ، بكسر الطاء، أى: سحر، يقال: طب الرجل بالضم: إذا سحر، ويقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلاً، كما قالوا للديغ: سليم، وقال ابن الأنباري: الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء: طب، والسحر من الداء، يقال له: طب.
قوله: (أو يؤخذ) . بفتح الواو مهموز، وتشديد الخاء المعجمة
وبعدها ذال معجمة، أي: يحبس عن امرأته، ولا يصل إلى جماعها والأخذ بضم الهمزة: الكلام الذي يقوله الساحر.
قوله: (يحل) بضم الياء وفتح الحاء مبني للمفعول.
قوله: (وينشر) ، بتشديد المعجمة.
قوله: (قال لا بأس به
…
) إلى آخره يعني أن النشرة لا بأس بها لأنهم يريدون بها الإصلاح، أي: إزالة السحر، ولم ينه عما يراد به الإصلاح، إنما ينهى عما يضر. وهذا الكلام من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة لا يعلم هل هو نوع من السحر أم لا؟ فأما أن يكون ابن المسيب يفتي بجواز قصد الساحر الكافر المأمور بقتله ليعمل السحر، فلا يظن به ذلك، حاشاه منه، ويدل على ذلك قوله: إنما يريدون به الإصلاح، فأي إصلاح في السحر؟! بل كله فساد وكفر والله أعلم.
قال: وروي عن الحسن أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر.
ش: هذا الأثر ذكره ابن الجوزي في "جامع المسانيد" بغير إسناد، ولفظه:(لا يطلق السحر إلا ساحر) ، وروى ابن جرير في "التهذيب" من طريق يزيد بن زريع عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يرى بأسًا إذا كان بالرجل سحر أن يمشي إلى من يطلق عنه، فقال: هو صلاح، قال قتادة: وكان الحسن يكره ذلك يقول: لا يعلم ذلك إلا ساحر، قال: فقال سعيد بن المسيب: إنما نهى الله عما يضر، ولم ينه عما ينفع.
قوله: (عن الحسن) ، هو ابن أبي الحسن، واسمه يسار بالتحتانية والمهملة البصري الأنصاري مولاهم ثقة فقيه إمام فاضل من خيار التابعين. مات سنة عشر ومائة، وقد قارب التسعين.
[أنواع النشرة]
قوله: قال ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور. وهي نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. وعليه
يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة، فهذا جائز.
ش: هذا الثاني هو الذي يحمل عليه كلام ابن المسيب، أو على نوع لا يدرى هل هو من السحر أم لا؟ وكذلك ما روي عن الإمام أحمد من إجازة النشرة، فإنه محمول على ذلك وغلط من ظن أنه أجاز النشرة السحرية، وليس في كلامه ما يدل على ذلك، بل لما سئل عن الرجل يحل السحر قال: قد رخص فيه بعض الناس. قيل: إنه يجعل في الطنجير ماء ويغيب فيه؟ فنفض يده وقال: لا أدري ما هذا؟ قيل له: أفترى أن يؤتى مثل هذا؟ قال لا أدري ما هذا؟ وهذا صريح في النهي عن النشرة على الوجه المكروه. وكيف يجيزه؟! وهو الذي روى الحديث أنها من عمل الشيطان. ولكن لما كان لفظ النشرة مشتركًا بين الجائزة والتي من عمل الشيطان، ورأوه قد أجاز النشرة ظنوا أنه قد أجاز التي من عمل الشيطان، وحاشاه من ذلك. ومما جاء في صفة النشرة الجائزة ما رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم تصب على رأس المسحور الآية التي في يونس: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} ، إلى قوله:{وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} ، [يونس: من الآيتان: 81-82] . وقوله: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
…
} 1، إلى آخر أربع آيات. وقوله:{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} 2. وقال ابن بطال: في كتاب وهب بن منبه أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل، ثم يحسو منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به فإنه يذهب عنه كل ما به وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.
1 سورة الأعراف آية: 118.
2 سورة طه آية: 69.