المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب قول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه} - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد

[سليمان بن عبد الله آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[كتاب التوحيد]

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌ باب الخوف من الشرك]

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا لله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله]

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُم يَنْصُرُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌ باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ في من عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان]

- ‌ باب ما جاء في السحر]

- ‌باب بيان شيئ من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌ باب ما جاء في النشرة]

- ‌ باب ما جاء في التطير]

- ‌ باب ما جاء في التنجيم]

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌ باب ما جاء في الرياء]

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِ

- ‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

- ‌ باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء في من لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة]ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن أو الرسول]

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي

- ‌باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌ باب لا يقال: السلام على الله]

- ‌ باب قول اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌ باب لا يقول: عبدى وأمتي]

- ‌ باب لا يرد من سئل بالله]

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌باب ماجاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌ باب ما جاء في المصورين]

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك]

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌ باب قول الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه}

[45-‌

‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

1]

يخبر تعالى أن له أسماء وصفها بكونها حسنى أي: حسان. وقد بلغت الغاية في الحسن فلا أحسن منها، كما يدل عليه من صفات الكمال، ونعوت الجلال، فأسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها، فليس في الأسماء أحسن منها، ولا يقوم غيرها مقامها. وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرًا بمراد محض، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم، فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى وأبعده، وأنزهه عن شائبة نقص، فله من صفة الإدراكات العليم الخبير دون العالم الفقيه، والسميع البصير دون السامع والباصر، ومن صفات الإحسان البر الرحيم الودود، دون الرفيق والشفيق والمشوق. وكذلك العلي العظيم، دون الرفيع الشريف، وكذلك الكريم، دون السخي. والخالق البارئ المصور، دون الصانع الفاعل المشكل، والعفو الغفور، دون الصفوح الساتر. وكذلك سائر أسماء الله تعالى يجري على نفسه أكملها وأحسنها، ولا يقوم غيره مقامه فأسماؤه أحسن الأسماء، كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا نعدل عما سمى به نفسه إلى غيره، كما لا يتجاوز ما وصف به نفسه،

1 سورة الأعراف آية: 180.

ص: 552

ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما وصفه به المبطلون.

ومن هنا يتبين لك خطأ من أطلق عليه اسم الصانع والفاعل والمربي ونحوها; لأن اللفظ الذي أطلقه سبحانه على نفسه، وأخبر به عنها أتم من هذا، وأكمل وأجل شأنًا، فإنه يوصف من كل صفة كمال بأكملها وأجلها وأعلاها. فيوصف من الإرادة بأكملها، وهو الحكمة وحصول كل ما يريد بإرادته. كما قال تعالى:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، [البروج: 16] ، وبإرادة اليسر لا العسر. كما قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 1

وبإرادة الإحسان وتمام النعمة على عباده كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} 2. فإرادة التوبة له وإرادة الميل لمبتغي الشهوات. وقوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} 3. وكذلك العليم الخبير أكمل من الفقيه العارف، والكريم الجواد أكمل من السخي، والرحيم أكمل من الشفيق، والخالق البارئ المصور أكمل من الفاعل الصانع; ولهذا لم تجئ هذه في أسمائه الحسنى، فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من الأسماء والصفات، والوقوف معها وعدم إطلاق ما لم يطلقه على نفسه، ما لم يكن مطابقًا لمعنى أسمائه وصفاته.

وحينئذ فيطلق المعنى لمطابقته لها دون اللفظ، ولا سيما إذا كان مجملًا، أو منقسما، أو ما يمدح به وغيره، فإنه لا يجوز إطلاقه إلا مقيدًا، وهذا كلفظ الفاعل والصانع، فإنه لا يطلق عليه في أسمائه الحسنى إلا إطلاقًا مقيدًا كما أطلقه على نفسه كقوله:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ،4، وقوله:{وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} 5. وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} فإن اسم الفاعل والصانع منقسم المعنى إلى ما يمدح عليه ويذم، فلهذا المعنى - والله أعلم - لم يجئ في الأسماء الحسنى المريد، كما جاء فيها السميع

1 سورة البقرة آية: 185.

2 سورة النساء آية: 27.

3 سورة المائدة آية: 6.

4 سورة إبراهيم آية: 27.

5 سورة النمل آية: 88.

ص: 553

البصير، ولا المتكلم الآمر الناهي، لانقسام مسمى هذه الأسماء، بل وصف نفسه بكمالاتها، وشرف أنواعها.

ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين، وزلقه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه من كل فعل أخبر به عن نفسه اسمًا مطلقًا، وأدخله في أسمائه الحسنى، فاشتق منها اسم الماكر، والمخادع، والفاتن، والمضل، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. انتهى ملخصًا من كلام الإمام ابن القيم.

وقيل: فصل الخطاب في أسماء الله الحسنى، هل هي توقيفية أم لا؟

وحاصله أن ما يطلق عليه من باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق من باب الإخبار لا يجب أن يكون توقيفيًّا، كالقديم والشيء الموجود، والقائم بنفسه، والصانع، ونحو ذلك.

فادعوه بها، أي: اسألوه، وتوسلوا إليه بها كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. فإن ذلك من أقرب الوسائل وأحبها إليه، كما في"المسند"والترمذي "ألظوا بياذا الجلال والإكرام" 1. والحديث الآخر سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقول:"اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فقال:"والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى" 2. رواه الترمذي وغيره.

وقوله عليه السلام: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"3. حديث صحيح رواه مسلم، وغيره.

ومنه: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام"4. رواه الترمذي بنحوه، واللفظ لغيره.

1 الترمذي: الدعوات (3524) .

2 الترمذي: الدعوات (3475)، وابن ماجه: الدعاء (3857) .

3 مسلم: الصلاة (486)، والترمذي: الدعوات (3493)، والنسائي: التطبيق (1100 ،1130) والاستعاذة (5534)، وأبو داود: الصلاة (879)، وابن ماجه: الدعاء (3841) ، وأحمد (6/58)، ومالك: النداء للصلاة (497) .

4 الترمذي: الدعوات (3544)، والنسائي: السهو (1300)، وأبو داود: الصلاة (1495)، وابن ماجه: الدعاء (3858) ، وأحمد (3/120 ،3/158 ،3/245 ،3/265) .

ص: 554

قال ابن القيم: "فهذا سؤال له، وتوسل إليه بحمده وأنه لا إله إلا هو المنان. فهو توسل إليه بأسمائه، وصفاته، وما أحق ذلك بالإجابة، وأعظمه موقعًا عند السؤال! وأعلم أن الدعاء بها أحد مراتب إحصائها الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة" 1 رواه البخاري، وغيره.

وهي ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها، وأسمائها، وعددها.

المرتبة الثانية: فهم معانيها، ومدلولها.

المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما في الآية، وهو نوعان:

دعاء ثناء وعبادة، ودعاء طلب ومسألة، فلا يثني عليه إلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وكذا لا يسأل إلا بها. فلا يقال: يا موجود ويا شيء ويا ذات اغفر لي، بل يسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيًا لذلك المطلوب. فيكون السائل متوسلاً إليه بذلك الاسم. ومن تأمل أدعية الرسل، لا سيما خاتمهم عليه وعليهم السلام، وجدها مطابقة لهذا كما تقول: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. ولا يحسن: إنك أنت السميع العليم البصير، ولكن أسماؤه تعالى منها ما يطلق عليه مفردًا، وهو غالب الأسماء كالقدير، والسميع، والبصير، والحكيم. فهذا يسوغ أن يدعى به مفردًا، ومقترنًا بغيره. فتقول: يا عزيز، يا حكيم، يا قدير، يا سميع، يا بصير، وإن انفرد كل اسم. وكذلك في الثناء عليه، والخبر عنه. وبه يسوغ لك الإفراد والجمع.

ومنها ما لا يطلق عليه مفردًا، بل مقرونًا بمقابله. كالمانع، والضار، والمنتقم، والمذل، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله، فإنه مقرون بالمعطي، والنافع، والعفو، والعزيز والمعز. فهو المعطي المانع، الضار النافع، المنتقم العفو، المعز المذل; لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذا بمقابله، لأنه يراد به أنه

1 البخاري: الشروط (2736)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677)، والترمذي: الدعوات (3508)، وابن ماجه: الدعاء (3860 ،3861) ، وأحمد (2/258 ،2/267 ،2/427 ،2/499 ،2/503 ،2/516) .

ص: 555

المتفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرف فيهم إعطاء ومنعًا، ونفعًا وضرًا، وانتقامًا وعفواً، وإعزازًا وإذلالاً. فأما الثناء عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار، فلا يسوغ، فهذه الأسماء الممزوجة يجري الاسمان منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه من بعض. ولذلك لم تجئ مفردة، ولم تطلق عليه إلا مقترنة. فلو قلت: يا ضار، يا مانع، يا مذل، لم تكن مثنيًا عليه، ولا حامدًا له حتى تذكر مقابلتها". انتهى ملخصًا من كلام ابن القيم. وفيه بعض زيادة، وبه يظهر الجواب عما قد يرد على ما سبق.

ذكر الأسماء الحسنى التي ورد عدها في الحديث:

لما كان إحصاء الأسماء الحسنى والعمل بها أصلا للعمل بكل معلوم، وكانت سعادة الدنيا والآخرة مرتبة عليها فما حصل من آثارها للعباد، هو الذي أوجب لهم دخول الجنة، ولهذا جاء الحديث الصحيح المتفق عليه أن "من أحصاها دخل الجنة"1. وذكرنا مراتب الإحصاء، لأن العبد محتاج، بل مضطر إلى معرفتها فوق كل ضرورة.

وقد قيل: إن الله ذكرها كلها في القرآن. ولا ريب أن الله تعالى ذكر أكثرها بلفظها، و [ما] لم يذكره بلفظه، ففي القرآن ما يدل عليه.

قال الترمذي: حدثنا إبراهيم بن يعقوب، أخبرنا صفوان بن صالح، أخبرنا الوليد بن مسلم أخبرنا شعيب بن أبي حمزة: عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا إله إلا هو. الرحمن. الرحيم. الملك القدوس. السلام. المؤمن. المهيمن. العزيز. الجبار. المتكبر. الخالق. البارئ. المصور. الغفار. القهار. الوهاب. الرزاق. الفتاح. العليم. القابض. الباسط. الخافض. الرافع. المعز. المذل. السميع.

1 البخاري: الشروط (2736)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677)، والترمذي: الدعوات (3506 ،3507 ،3508)، وابن ماجه: الدعاء (3860 ،3861) ، وأحمد (2/258 ،2/267 ،2/290 ،2/314 ،2/427 ،2/499 ،2/503 ،2/516) .

ص: 556

البصير. الحكم. العدل. اللطيف. الخبير. الحليم. العظيم. الغفور. الشكور. العلي. الكبير. الحفيظ. المقيت. الحسيب. الجليل. الكريم. الرقيب. المجيب. الواسع. الحكيم. الودود. المجيد. الباعث. الشهيد. الحق. الوكيل. القوي. المتين. الولي. الحميد. المحصي. المبدئ. المعيد. المحيي. المميت. الحي. القيوم. الواجد. الماجد. الواحد. الأحد. الصمد. القادر. المقتدر. المقدم. المؤخر. الأول. الآخر. الظاهر. الباطن. الوالي. المتعال. البر. التواب. المنعم. المنتقم. العفو. الرؤوف. مالك الملك. ذو الجلال والإكرام. المقسط. الجامع. الغني. المغني. المانع. الضار. النافع. النور. الهادي. البديع. الباقي. الوارث. الرشيد. الصبور" 1.

قال الترمذي: هذا حديث غريب جدًّا حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث.

وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء الحسنى إلا2 في هذا الحديث، وقد روى آدم بن3 أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح.

قلت: يشير إلى عدد الأسماء سردًا، وإلا فصدر الحديث متفق عليه. وقد خرجه بالعدد المذكور ابن المنذر، وابن خزيمة في"صحيحه"وابن حبان والطبراني، والحاكم في"المستدرك"وغيرهم به، ولم يذكروا فيه"المعطي"، وإسناده صحيح، ولكن المستغرب منه ذكر العدد.

ورواه ابن ماجة من طريق

1 البخاري: الشروط (2736)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677)، والترمذي: الدعوات (3508)، وابن ماجه: الدعاء (3860 ،3861) ، وأحمد (2/258 ،2/267 ،2/427 ،2/499 ،2/503 ،2/516) .

2 سقطت من الطبعة السابقة: "إلا ".

3 في الطبعة السابقة "عن "وهو خطأ.

ص: 557

عبد الملك بن الصنعاني عن زهير بن محمد التميمي عن موسى بن عقبة عن الأعرج، وساق الأسماء، وخالف سياق الترمذي في الترتيب والزيادة والنقص.

فأما الزيادة فهي البارئ الراشد البرهان الشديد الواقي القائم الحافظ الناظر السامع المعطي الأبد المنير التام القديم الوتر".وعبد الملك لين الحديث، وزهير مختلف فيه، وحديث الوليد أصح إسنادًا وأحسن سياقًا، وأجدر أن يكون مرفوعًا ولهذا قال النووي: هو حديث حسن. قال بعضهم: والعلة في كونهما لم يخرجاه بذكر الأسامي تفرد الوليد بن مسلم عالم الشاميين الثقة. وقد قيل: إن العدد المذكور مدرج.

قال في"الإرشاد"ما معناه: ذكر جماعة من الحفاظ المحققين المتقنين أن سرد الأسماء في حديث أبي هريرة مدرج فيه، وأن جماعة من أهل العلم جمعوها من القرآن، كما روي ذلك عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة، وأبي زيد اللغوي. وقال البيهقي: يحتمل أن يكون التفسير للأسماء وقع من بعض الرواة، ولهذا الاحتمال ترك الشيخان إخراج حديث الوليد في"الصحيح".

قال في"البدر": والدليل على ذلك وجهان:

أحدهما: أن أصحاب الحديث لم يذكروها.

والثاني: أن فيها تغييرًا بزيادة ونقصان، وذلك لا يليق بالمرتبة العليا النبوية، كذا قال، وفيه نظر، فإن الزيادة والنقصان قد تكون من الرواة، وإن كان الحديث صحيحًا كما في غير ذلك من الأحاديث. وقد رواه الطبراني في"الدعاء"، والحاكم وغيرهما، فزادوا "الرب الإله الحنان المنان البارئ"وفي لفظ:"القائم الفرد". وفي لفظ:"القادر"بدل: الفرد و"المغيث الدائم الحميد". وفي لفظ:"الجميل الصادق المولى النصير القديم الوتر الفاطر العلام المليك الأكرم المدبر المالك الشاكر الرفيع ذو الطول، ذو المعارج ذو الفضل الخلاق"، ولا أظنه يثبت، وإن كان بعض العدد صحيحًا. وعد جعفر بن محمد منها:

ص: 558

"المنعم المتفضل السريع". وقال ابن حزم: جاءت في إحصائها أحاديث مضطربة، لا يصح منها شيء أصلاً، ونقل عنه أنه قال: صح عندي قريبًا من ثمانين اسما، اشتمل عليها الكتاب، والصحاح من الأخبار، فليطلب الباقي بطريق الاجتهاد.

وقال القرطبي في"شرح الأسماء الحسنى": العجب من ابن حزم ذكر من الأسماء الحسنى نيفًا وثمانين فقط، والله يقول:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 1. ثم ساق ما ذكره ابن حزم. وفيه من الزيادة على ما تقدم "الرب الإله الأعلى الأكبر الأعز السيد السبوح الوتر المحسن الجميل الرفيق الدهر".

وقد عدها الحافظ فزاد "الخفي السريع الغالب العالم الحافظ المستعان". وفي هذا نظر يفهم مما تقدم، وإن كان قد ذكر بعضها فيما لا يثبت من الحديث، فهذه خمسة وستون ومائة اسم، أقربها من جهة الإسناد سياق الترمذي، وما عدا ذلك ففيه أسماء صحيحة ثابتة، وفي بعضها توقف، وبعضها خطأ محض، كالأبد والناظر والسامع والقائم والسريع، فهذه وإن ورد عدادها في بعض الأحاديث، فلا يصح ذلك أصلا.

وكذلك الدهر والفعال والفالق والمخرج والعالم، مع أن هذه لم ترد في شيء من الأحاديث إلا حديث "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر"2. وقد مضى معناه، وبينا خطأ ابن حزم في عده من الأسماء الحسنى هناك.

واعلم أن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تحد بعدد فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، ولا يعلمها ملك مقرب، ولا نبي مرسل، كما في الحديث الصحيح:"أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"3. رواه أحمد وابن حبان في"صحيحه"وغيرهما.

وقال ابن القيم: "فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه، وتعرف به

1 سورة الأنعام آية: 38.

2 البخاري: تفسير القرآن (4826)، ومسلم: الألفاظ من الأدب وغيرها (2246)، وأبو داود: الأدب (5274) ، وأحمد (2/238 ،2/259 ،2/272 ،2/275 ،2/318 ،2/394 ،2/395 ،2/491 ،2/496 ،2/499 ،2/506)، ومالك: الجامع (1846) .

3 أحمد (1/452) .

ص: 559

إلى عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه، فلم يطلع عليه أحدًا من خلقه، ولهذا قال:"استأثرت به"، أي: انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالمسمى به، لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه. ومن هذا قوله عليه السلام في حديث الشفاعة:"فيفتح علي من محامده بما لا أحسنه الآن"1. وتلك المحامد هي بأسمائه وصفاته. ومنه قوله: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"2.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة"3. فالكلام جملة واحدة.

وقوله: "من أحصاها دخل الجنة"4. صفة لا خبر مستقبل، والمعنى: له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا كقولك: لفلان ألف شاة أعدها للأضياف فلا يدل على أنه لا يملك غيرها. وهذا لا خلاف بين العلماء فيه.

وقوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} 5، أي: اتركوهم، وأعرضوا عن مجادلتهم، قال ابن القيم: والإلحاد في أسمائه: هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها، وهو مأخوذ من الميل، كما يدل عليه مادة اللحد، ومنه اللحد وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط، ومنه اللمحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل.

إذا عرف هذا فالإلحاد في أسمائه:

أحدها: أن يسمي الأصنام بها، كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهًا، وهذا إلحاد حقيقة، فهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.

الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله، كتسمية النصارى له أبًا وتسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته، أو علة فاعلة بالطبع، ونحو ذلك.

وثالثها: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص، كقول أخبث اليهود: إنه فقير،

1 البخاري: تفسير القرآن (4712)، ومسلم: الإيمان (194)، والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (2434) وصفة الجنة (2557) .

2 مسلم: الصلاة (486)، والترمذي: الدعوات (3493)، والنسائي: التطبيق (1100 ،1130)، وأبو داود: الصلاة (879)، وابن ماجه: الدعاء (3841) ، وأحمد (6/58)، ومالك: النداء للصلاة (497) .

3 البخاري: الشروط (2736)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677)، والترمذي: الدعوات (3508)، وابن ماجه: الدعاء (3860 ،3861) ، وأحمد (2/258 ،2/267 ،2/427 ،2/499 ،2/503 ،2/516) .

4 البخاري: الشروط (2736)، ومسلم: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2677)، والترمذي: الدعوات (3506 ،3507 ،3508)، وابن ماجه: الدعاء (3860 ،3861) ، وأحمد (2/258 ،2/267 ،2/290 ،2/314 ،2/427 ،2/499 ،2/503 ،2/516) .

5 سورة الأعراف آية: 180.

ص: 560

وقولهم: إنه استراح بعد أن خلق خلقه، وقولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} ، [المائدة، من الآية: 64] ، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.

ورابعها: تعطيل الأسماء الحسنى عن معانيها، وجحد حقائقها، كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم: إنها ألفاظ مجردة، لا تتضمن صفات، ولا معاني، فيطلقون عليه اسم السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم، ويقولون: لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلاً وشرعًا ولغة وفطرة، وهو يقابل إلحاد المشركين، فإن أولئك أعطوا من أسمائه وصفاته لآلهتهم، وهؤلاء سلبوا كماله، وجحدوها وعطلوها، وكلاهما ألحد في أسمائه، ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد، فمنهم الغالي والمتوسط والمتلوث، وكل من جحد شيئًا مما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فقد ألحد في ذلك فليقل أو ليستكثر.

وخامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه، تعالى الله عما يقول المشبهون علوًّا كبيرًا، فهذا الإلحاد في مقابله إلحاد المعطلة، فإن أولئك نفوا صفات كماله وجحدوها، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد، وتفرقت بهم طرقه، وبرأ الله أتباع رسوله، وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله، فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظًا ولا معنى، بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات فكان إثباتهم بريئًا من التشبيه، وتنْزيههم خاليًا من التعطيل، لا كمن شبه كأنه يعبد صنمًا، أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدمًا، وأهل السنة وسط في النحل، كما أن أهل الإسلام وسط في الملل توقد مصابيح معارفهم:{مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} ، [النّور، من الآية: 35] . {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، [الأعراف، من الآية: 180] وعيد وتهديد.

ص: 561