المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه] - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد

[سليمان بن عبد الله آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[كتاب التوحيد]

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌ باب الخوف من الشرك]

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا لله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله]

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُم يَنْصُرُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌ باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ في من عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان]

- ‌ باب ما جاء في السحر]

- ‌باب بيان شيئ من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌ باب ما جاء في النشرة]

- ‌ باب ما جاء في التطير]

- ‌ باب ما جاء في التنجيم]

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌ باب ما جاء في الرياء]

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِ

- ‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

- ‌ باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء في من لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة]ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن أو الرسول]

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي

- ‌باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌ باب لا يقال: السلام على الله]

- ‌ باب قول اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌ باب لا يقول: عبدى وأمتي]

- ‌ باب لا يرد من سئل بالله]

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌باب ماجاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌ باب ما جاء في المصورين]

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك]

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

قوله: وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب. يعني أن ما يأتي بعد هذه الترجمة من الأبواب شرح للتوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، لأن معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، أن لا يُعْبَدُ إلا الله ولا يعتقد النفع والضر إلا في الله، وأن يكفر بما يعبد من دون الله، ويتبرأ منها ومن عابديها، وما بعد هذا من الأبواب بيان لأنواع من العبادات والاعتقادات التي يجب إخلاصها لله تعالى، وذلك هو معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، والله أعلم.

ص: 120

[1ــ‌

‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

ش: رفع البلاء: إزالته بعد حصوله، ودفعه: منعه قبله، ومن هنا ابتدأ المصنف في تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله بذكر شيء مما يضاد ذلك من أنواع الشرك الأكبر والأصغر، فإن الضد لا يعرف إلا بضده.

كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.

فمن لا يعرف الشرك لم يعرف التوحيد وبالعكس، فبدأ بالأصغر الاعتقادي انتقالاً من الأدنى إلى الأعلى فقال:

وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ

} 1.

ش: قال ابن كثير في تفسيرها، أي: لا تستطيع شيئا من الأمر. قل: {حَسْبِيَ اللَّهُ} ، أي: الله كافي مَن توكل عليه، {عَلَيْهِ} يتوكل {الْمُتَوَكِّلُونَ} ، كما قال هود عليه السلام حين قال له قومه:{إِنْ نَقُولُ إِلَاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} 2.

1 سورة الزمر آية: 38.

2 سورة هود آية: 54-56.

ص: 120

قلت: حاصله أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: أرأيتم، أي: أخبروني عن {مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} مّا تدعون من دون الله، أي: تعبدونهم وتسألونهم من الأنداد والأصنام والآلهة المسميات بأسماء الإناث الدالة أسماؤهن على بطلانهن وعجزهن، لأن الأنوثة من باب اللين والرخاوة، كاللات والعزى {إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ} 1، أي: بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} 2، أي: لا يقدرون على ذلك أصلاً {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} 3، أي: صحة، وعافية، وخير، وكشف بلاء. {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} 4. قال مقاتل: فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا، أي: لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها، وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله، لا لأنهم يكشفون الضر ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قال تعالى:{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} 5. وقد دخل في ذلك كل من دعي من دون الله من الملائكة والأنبياء والصالحين، فضلا عن غيرهم فلا يقدر أحد علىكشف ضر ولا إمساك رحمة، كما قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 6.

وإذا كان كذلك بطلت عبادتهم من دون الله، وإذا بطلت عبادتهم فبطلان دعوة الآلهة والأصنام أبطل وأبطل، وليس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه كذلك، فهذا وجه استدلال المصنف بالآية، وإن كانت الترجمة في الشرك الأصغر، فإن السلف يستدلون بما نزل في الأكبر على الأصغر، كما استدل حذيفة وابن عباس وغيرهما وكذلك من جعل رؤوس الْحُمُر ونحوها في البيت والزرع لدفع العين كما يفعله أشباه المشركين، فإنه يدخل في ذلك، وقد يحتجون على ذلك بما رواه أبو داود في المراسيل [540] عن علي بن الحسين مرفوعًا:"احرثوا فإن الحرث مبارك، وأكثروا فيه من الجماجم". وعنه أجوبة:

1 سورة الزمر آية: 38.

2 سورة الزمر آية: 38.

3 سورة الزمر آية: 38.

4 سورة الزمر آية: 38.

5 سورة النّحل آية: 53-54.

6 سورة فاطر آية: 2.

ص: 121

أحدها: أنه حديث ساقط مرسل وأبو داود لم يشترط في مراسيله جمع المراسيل الصحيحة الإسناد، وقد ضعفه السيوطي وغيره.

الثاني: أنه اختلف في تفسير الجماجم، فقيل: هي البذر، ذكره العزيزي في "شرح الجامع". وقيل: الخشبة التي يكون في رأسها سكة الحرث، قاله أبو السعادات بن الأثير في " النهاية ". وقيل: هي جماجم رؤوس الحيوان ذكره العزيزي وغيره. وعلى هذا فقيل: أمر بجعلها لدفع الطير، ذكره العزيزي وغيره، وهذا هو الأقرب لو ثبت الحديث مع أنه باطل وقيل: بل لدفع العين، وفيه حديث ساقط أنه أمر بالجماجم في الزرع من أجل العين، وهو مع ذلك منقطع، ذكره السيوطي وغيره، وهذا المعنى هو الذي تعلق به أشباه المشركين ولا ريب أنه معنى باطل، لم يرده النبي صلى الله عليه وسلم لو كان الحديث صحيحًا، وكيف يريده وقد أمر بقطع الأوتار كما في " الصحيح ".

وقال: "من تعلق شيئًا وكل إليه"1. وقال: "من تعلق ودعة فلا ودع الله له" 2 وكانوا يجعلون ذلك من أجل العين كما سيأتي، فهلا أرخص لهم فيه؟!

الثالث: أن هذا مضاد لدين الإسلام الذي بعث الله به رسله، فإنه تعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبد وحده ولا يشرك به شيء، لا في العبادة ولا في الاعتقاد، وهذا من جنس فعل الجاهلية الذين يعتقدون البركة والنفع والضر فيما لم يجعل الله فيه شيئًا من ذلك، ويعلقون التمائم والودع ونحوهما على أنفسهم لدفع الأمراض والعين فيما زعموا.

فإن قيل: الفاعل لذلك لم يعتقد النفع فيه استقلالاً، فإن ذلك لله وحده، فهو النافع الضار، وإنما اعتقد أن الله جعله سببا كغيره من الأسباب. قيل: هذا باطل أيضًا، فإن الله لم يجعل ذلك سببًا أصلاً

1 الترمذي: الطب (2072) ، وأحمد (4/310) .

2 أحمد (4/154) .

ص: 122

وكيف يكون الشرك سببًا لجلب الخير ولدفع الضر، ولو قدر أن فيه بعض النفع، فهو كالخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما. فإن قيل: كيف يكون شركًا وقد روى أبو داود ذلك في مراسيله وغيره من العلماء يروون الحديث ولم ينكره.

قيل: أهل العلم يروون الأحاديث الضعيفة والموضوعة لبيان حالها وإسنادها لا للاعتماد عليها واعتقادها، وكتب المحدثين مشحونة بذلك، فبعضهم يذكر علة الحديث، ويبين حاله وضعفه إن كان ضعيفًا، ووضعه إن كان موضوعًا، وبعضهم يكتفي بإيراد الحديث بإسناده ويرى أنه قد برئ من عهدته إذا أورده بإسناده لظهور حال رواته، كما يفعل ذلك الحافظ أبو نعيم، وأبو القاسم بن عساكر وغيرهما، فليس في رواية من رواه وسكوته عنه دليل على أنه عنده صحيح أو حسن أو ضعيف، بل قد يكون موضوعًا عنده، فلا يدل سكوته عنه على جواز العمل به عنده، وسيأتي في الكلام على حديث قطع الأوتار ما يدل على النهي عن هذا من كلام العلماء.

قال: عن عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر. فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة. فقال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا"1. رواه أحمد بسند لا بأس به.

ش: هذا الحديث ذكره المصنف بمعناه، أما لفظه فقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، ثنا المبارك عن الحسن قال أخبرني عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة ـ قال: أراه قال: من صفر ـ، فقال: ويحك ما هذه قال من الواهنة قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا" 2. ورواه ابن ماجة دون قوله

1 ابن ماجه: الطب (3531) ، وأحمد (4/445) .

2 ابن ماجه: الطب (3531) ، وأحمد (4/445) .

ص: 123

انبذها إلى آخره، وابن حبان في " صحيحه". وقال: فإنك إن مت وكلت إليها والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي: قال المنذري: رووه كلهم عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمران. ورواه ابن حبان أيضًا بنحوه عن أبي عامر الخزاز، عن الحسن، وهذه متابعة جيدة، إلا أن الحسن اختلف في سماعه من عمران.

قال ابن المديني وغيره: لم يسمع منه،: وقال الحاكم: وأكثر مشايخنا على أنه سمع منه. قلت: رواية الإمام أحمد ظاهرة في سماعه منه وهو الصواب.

قوله: عن عمران بن حصين. أي: ابن عبيد بن خلف الخزاعي أبو نجيد - بنون وجيم مصغر - صحابي ابن صحابي. أسلم عام خيبر، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.

قوله: " رأى رجلاً " في رواية الحاكم: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر. فقال: ما هذه؟ قلت: من الواهنة فقال: انبذها". فالمبهم في رواية أحمد ومن وافقه هو عمران راوي الحديث.

قوله: "فقال ما هذا؟ ". يحتمل أن الاستفهام للاستفصال هل لبسها تحليًا أم لا؟ ويحتمل أن يكون للإنكار فظن اللابس أنه استفصل.

قوله: "من الواهنة". قال أبو السعادات: الواهنة: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها، فيرقى منها. وقيل: هو مرض يأخذ في العضد، وربما علق عليها جنس من الخرز يقال له: خرز الواهنة، وهي تأخذ الرجال دون النساء قال: وإنما نهاه عنها، لأنه اتخذها على معنى أنها تعصمه من الألم، فكان عنده في معنى التمائم المنهي عنه. قلت: وفيه استفصال المفتي واعتبار المقاصد.

ص: 124

قوله: "انزعها"؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا. لفظ الحديث: "انبذها" وهو أبلغ، أي: اطرحها. والنّزع هو الجذب بقوة، والنبذ يتضمن ذلك وزيادة وهو الطرح والإبعاد، أمره بطرحها عنه وأخبر أنها لا تنفعه بل تضره، فلا تزيده إلا وهنًا، أي: ضعفًا. وكذلك كل أمر نهي عنه فإنه لا ينفع غالبًا أصلاً، وإن نفع بعضه، فضره أكبر من نفعه، وفيه النهي عن تعليق الحلق والخرز ونحوهما على المريض أو غيره، والتنبيه على النهي عن التداوي بالحرام. وروى أبو داود بإسناد حسن، والبيهقي عن أبي الدرداء مرفوعًا في حديث:"تداوَوا ولا تداوَوا بحرام"1.

فإن قيل كيف قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزيدك إلا وهنًا" وهي ليس لها تأثير؟ وقيل: هذا - والله أعلم - يكون عقوبة له على شركه لأنه وضعها لدفع الواهنة، فعوقب بنقيض مقصوده.

قوله: "فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا،"، أي:- لأنه مشرك والحالة هذه، والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة.

قال المصنف: فيه شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر الكبائر، وأنه لم يعذر بالجهالة، والإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.

قلت: وفيه أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح أبدًا، ففيه رد على المغرورين الذين يفتخرون بكونهم من ذرية الصالحين، أو من أصحابهم، ويظنون أنهم يشفعون لهم عند الله، وإن فعلوا المعاصي وفيه أن رتب الإنكار متفاوتة فإذا كفى الكلام في إزالة المنكر لم يحتج إلى ضرب ونحوه. وفيه أن المسلم إذا فعل ذنبًا وأنكر عليه فتاب منه فإن ذلك لا ينقصه، وأنه ليس من شرط أولياء الله عدم الذنوب.

قوله: رواه أحمد بسند لا بأس به. هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي، ثم البغدادي; إمام أهل عصره وأعلمهم بالفقه والحديث، وأشدهم ورعًا

1 أبو داود: الطب (3874) .

ص: 125

ومتابعة للسنة. روى عن الشافعي ويزيد بن هارون وابن مهدي ويحيى القطان وابن عيينة وعفان وخلف. وروى عنه ابناه: عبد الله وصالح والبخاري ومسلم وأبو داود وأبو بكر الأثرم والمروزي وخلق لا يحصون، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة.

قال: وله عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"1. وفي رواية: "من تعلق تميمة فقد أشرك" 2.

ش: الحديث الأول رواه أحمد كما قال المصنف، ورواه أيضًا أبو يعلى والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي.

وقوله: "وفي رواية": هذا يوهم أن هذا في بعض الأحاديث المذكورة، وليس كذلك، بل المراد أنه في حديث آخر رواه أحمد أيضًا فقال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا يزيد بن أبي منصور، عن دخين الحجري، عن عقبة بن عامر الجهني "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد. فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وأمسكت عن هذا؟ قال: إن عليه تميمة فأدخل يده فقطعها، فبايعه. وقال: من علق تميمة فقد أشرك" 3. ورواه الحاكم بنحوه، ورواته ثقات.

وقوله: (في هذا الحديث) : فأدخل يده فقطعها. أي: الرجل، بينه الحاكم في روايته.

قوله: (عن عقبة بن عامر) . هو الجهني، صحابي مشهور، وكان فقيهًا فاضلاً ولي إمارة مصر لمعاوية ثلاث سنين ومات قريبًا من الستين.

قوله: "من تعلق تميمة"، أي: متمسكًا بها عليه وعلى غيره من طفل

أو دابة ونحو ذلك. قال المنذري: يقال: إنها خرزة كانوا يعلقونها

1 أحمد (4/154) .

2 أحمد (4/156) .

3 أحمد (4/156) .

ص: 126

يرون أنها تدفع عنهم الآفات واعتقاد هذا الرأي جهل وضلالة إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى.

وقال أبو السعادات: التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطله الإسلام. قال: كأنّهم كانوا يعتقدون أنها تمائم الدواء والشفاء.

قوله: "فلا أتم الله له"، دعاء عليه بأن الله لا يتم له أموره.

قوله: "ومن تعلق ودعة"، بفتح الواو وسكون المهملة. قال [الدّيلمي] في "مسند الفردوس" شيء يخرج من البحر يشبه الصدف، يتقون به العين،

قوله: "فلا ودع الله له"، بتخفيف الدال، أي: لا جعله في دعة وسكون، وقيل: هو لفظ بني من الودعة، أي: لا خفف الله عنه ما يخافه، قاله أبو السعادات. وهذا دعاء عليه، فيه وعيد شديد لمن فعل ذلك، فإنه مع كونه شركًا، فقد دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقيض مقصوده.

قوله: "من تعلق تميمة فقد أشرك". قال ابن عبد البر: إذا اعتقد الذي علقها أنها ترد العين، فقد ظن أنها ترد القدر، واعتقاد ذلك شرك. وقال أبو السعادات: إنما جعلها شركًا، لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.

قال: ولابن أبي حاتم، "عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 1 ".

ش: هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم كما قال المصنف.

ولفظه: حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب، ثنا يونس بن محمد ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود،

1 سورة يوسف آية: 106.

ص: 127

عن عروة قال: دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيرًا1 فقطعه أو انتزعه، ثم قال:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} 2 وابن أبي حاتم هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي التميمي الحنظلي، الحافظ ابن الحافظ، صاحب "الجرح والتعديل"، والتفسير وغيرهما. مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

وحذيفة هو ابن اليمان، واسم اليمان حسيل بمهملتين. مصغرًا ويقال حسل بكسر ثم سكون، العبسي بالموحدة، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين ويقال [له] : صاحب السر، وأبوه أيضًا صحابي، مات حذيفة في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين.

قوله: (رأى رجلاً في يده خيط من الحمى) . أي: من أجل الحمى لدفعها، وكان الجهال يعلقون لذلك التمائم والخيوط ونحوها. وروى وكيع:"عن حذيفة أنه دخل على مريض يعوده، فلمس عضده فإذا فيه خيط فقال: ما هذا؟ فقال: شيء رقي لي فيه، فقطعه فقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك".

قوله: (فقطعه) ، فيه إنكار هذا، وإن كان يعتقد أنه سبب فإن الأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع عدم الاعتماد عليه، فكيف بما هو شرك كالتمائم والخيوط والخرز والطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهال؟ وفيه إزالة المنكر باليد بغير إذن الفاعل، وإن كان يظن أن الفاعل يزيله، وإن إتلاف آلات المنكر واللهو جائزة وإن لم يأذن صاحبها.

قوله: وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَاّ وَهُمْ

1 السّير من الجلد ونحوه، ما يشقّ منه مستطيلاً.

2 سورة يوسف آية: 106.

ص: 128