الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما تسمية العبد بالسيد، فاختلف العلماء في ذلك.
قال العلامة ابن القيم في"بدائع الفوائد": "اختلف الناس في جواز إطلاق السيد على البشر، فمنعه قوم، ونقل عن مالك، واحتجوا بقول"النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: يا سيدنا قال"السيد الله تبارك وتعالى"1. وجوزه قوم، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار "قوموا إلى سيدكم" 2. وهذا أصح من الحديث الأول. قال هؤلاء: السيد أحد ما يضاف إليه، فلا يقال للتميمي: سيد كندة، ولا يقال: الملك سيد البشر. قال: وعلى هذا فلا يجوز أن يطلق على الله هذا الاسم وفي هذا نظر، فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى، فهو في منْزلة المالك، والمولى، والرب، لا بمعنى الذي يطلق على المخلوق. انتهى.
قلت: فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في معنى قول الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} 3، أي: إلهًا وسيدًا، وقال في قول الله تعالى:{اللَّهُ الصَّمَدُ} 4، إنه السيد الذي كمل في جميع أنواع السّؤدد. وقال أبو وائل: هو السّيد الذي انتهى سؤدده. وأما استدلالهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار "قوموا إلى سيدكم" 5، فالظاهر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواجه سعدًا به، فيكون في هذا المقام تفصيل. والله أعلم.
1 أبو داود: الأدب (4806) ، وأحمد (4/25) .
2 البخاري: الجهاد والسير (3043)، ومسلم: الجهاد والسير (1768)، وأبو داود: الأدب (5215) ، وأحمد (3/22 ،3/71) .
3 سورة الأنعام آية: 164.
4 سورة الإخلاص آية: 2.
5 البخاري: الجهاد والسير (3043)، ومسلم: الجهاد والسير (1768)، وأبو داود: الأدب (5215) ، وأحمد (3/22 ،3/71) .
باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
…
}
قال الْمصنِّف ـ رحمه الله تعالى ـ:
[الخاتمة] [61- باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
…
} 1]
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع. فيقول: أنا الملك.
1 سورة الزمر آية: 67.
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقًا لقول الحبر. ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
…
} الآية. متّفق عليه.
وفي رواية لمسلم: "والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن، فيقول: أنا الملك، أنا الله"1.
وفي رواية للبخاري: "يجعل السموات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع"2. أخرجاه.
ولمسلم عن ابن عمر مرفوعًا: "يطوي الله السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع، ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ "3.
وروي عن ابن عباس قال: "ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".
وقال ابن جرير: حدثني يونس أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس".
قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض".
وعن ابن مسعود قال: "بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء. والله فوق العرش; لا يخفى عليه شيء من أعمالكم". أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم بن زر عن عبد الله.
ورواه بنحوه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله.
قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى قال: وله طرق.
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة. وبين السماء السابعة والعرش بحر، بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله تعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم". أخرجه أبو داود وغيره.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 4
الثانية: أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه صلى الله عليه وسلم لم ينكروها ولم يتأولوها.
الثالثة: أن الحبر لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك.
الرابعة: وقوع الضحك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الحبر هذا العلم العظيم.
الخامسة: التصريح بذكر اليدين، وأن السموات في اليد اليمنى والأرضين في الأخرى.
السادسة: التصريح بتسميتها الشمال.
السابعة: ذكر الجبارين والمتكبرين عند ذلك.
الثامنة: قوله: كخردلة في كف أحدكم.
التاسعة: عظم الكرسي بالنسبة إلى السماء.
العاشرة: عظم العرش بالنسبة إلى الكرسي.
الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء.
الثانية عشرة: كم بين كل سماء إلى سماء.
الثالثة عشرة: كم بين السماء السابعة والكرسي.
الرابعة عشرة: كم بين الكرسي والماء.
الخامسة عشرة: أن العرش فوق الماء.
السادسة عشرة: أن الله فوق العرش.
السابعة عشرة: كم بين السماء والأرض. الثامنة عشرة: كثف كل سماء مائة سنة.
التاسعة عشرة: أن البحر الذي فوق السموات أسفله وأعلاه خمسمائة سنة والله أعلم.
قوله: باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 5.
أي: من الأحاديث والآثار في معنى هذه الآية الكريمة.
قال العماد بن كثير رحمه الله تعالى: "يقول تعالى: ما قدر المشركون الله حق قدره، حتى عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته". قال مجاهد: "نزلت في قريش"، وقال السدي:"ما عظموه حق تعظيمه"، وقال محمد بن كعب:"لو قدروه حق قدره ما كذبوه"، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:"هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم، فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره".
وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية، الطريق فيها وفي أمثالها من مذهب السلف وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف. وذكر حديث ابن مسعود كما ذكره المصنف رحمه الله في هذا الباب، قال: ورواه البخاري في صحيحه في غير موضع ومسلم، والإمام أحمد والترمذي والنسائي كلهم من حديث سليمان بن مهران وهو الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن ابن مسعود بنحوه.
قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم،
1 البخاري: تفسير القرآن (4811) والتوحيد (7414 ،7415 ،7451 ،7513)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2786)، والترمذي: تفسير القرآن (3238) ، وأحمد (1/378 ،1/429 ،1/457) .
2 البخاري: تفسير القرآن (4811) والتوحيد (7414 ،7415 ،7451 ،7513)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2786)، والترمذي: تفسير القرآن (3238) ، وأحمد (1/378 ،1/429 ،1/457) .
3 البخاري: التوحيد (7413)، ومسلم: صفة القيامة والجنة والنار (2788)، وابن ماجه: المقدمة (198) والزهد (4275) ، وأحمد (2/87) .
4 سورة الزمر آية: 67.
5 سورة الزمر آية: 67.
عن علقمة عن عبد الله قال: "جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم، أبلغك أن الله تعالى يجعل الخلائق على إصبع، السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول: أنا الملك؟ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال: وأنزل الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
…
} " الآية. وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن الأعمش به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسين بن حسن الأشقر، حدثنا أبو كدينة عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس قال:"مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فقال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السموات على ذه - وأشار بالسبابة - والأرض على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلائق على ذه؟ كل ذلك يشير بإصبعه، فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ". وكذا رواه الترمذي في التفسير بسنده عن أبي الضحى مسلم بن صبيح به، وقال: حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ثم قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير حدثنا الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبض الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، فيقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ " تفرد به من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر وقال البخاري في موضع آخر: حدثنا مقدم بن محمد حدثنا عمي القاسم بن يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يقبض يوم القيامة الأرضين على إصبع، وتكون السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك". تفرد به أيضًا من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر.
وقد رواه الإمام أحمد من طريق آخر بلفظ أبسط من هذا السياق وأطول فقال: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده يحركها يقبل بها ويدبر، يمجد الرب تعالى نفسه:"أنا الجبار المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا: ليخرن1 به" اه.
1 في الطبعة السابقة: ليخزن وهو تصحيف.
قوله:"ولمسلم عن ابن عمر - الحديث"، كذا في رواية مسلم. قال الحميدي: وهي أتم، وهي عند مسلم من حديث سالم عن أبيه. وأخرجه البخاري من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين، وتكون السماء بيمينه"1. وأخرجه مسلم من حديث عبيد الله بن مقسم.
قلت: وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على عظمة الله، وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته، وقد تعرف سبحانه وتعالى إلى عباده بصفاته، وعجائب مخلوقاته، وكلها تعرف تدل على كماله، وأنه هو المعبود وحده، لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، وتدل على إثبات الصفات له على ما يليق بجلال الله وعظمته إثباتًا بلا تمثيل وتنْزيهًا بلا تعطيل، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم على الإسلام والإيمان.
1 البخاري: المزارعة (2324)، ومسلم: فضائل الصحابة (2388)، والترمذي: المناقب (3695) ، وأحمد (2/245 ،2/382) .
وتأمل ما في هذه الأحاديث الصحيحة من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ربه بذكر صفات كماله على ما يليق بعظمته وجلاله وتصديقه اليهود فيما أخبروا به عن الله من الصفات التي تدل على عظمته، وتأمل ما فيها من إثبات علو الله تعالى على عرشه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في شيء منها: إن ظاهرها غير مراد، أو أنها تدل على تشبيه صفات الله بصفات خلقه، فلو كان هذا حقًّا بلغه أمينه أمته، فإن الله أكمل به الدين، وأتم به النعمة فبلغ البلاغ المبين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الدين. وتلقى الصحابة رضي الله عنهم عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ما وصف به ربه من صفات كماله ونعوت جلاله، فآمنوا به، وآمنوا بكتاب الله وما تضمنه من صفات ربهم جل وعلا، كما قال تعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 1. وكذلك التابعون لهم بإحسان وتابعوهم، والأئمة من المحدثين والفقهاء كلهم وصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يجحدوا شيئًا من الصفات، ولا قال أحد منهم: إن ظاهرها غير مراد، ولا إنه يلزم من إثباتها التشبيه، بل أنكروا على من قال ذلك غاية الإنكار، فصنفوا في رد هذه الشبهات المصنفات الكبار المعروفة الموجودة بأيدي أهل السنة والجماعة.
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى: وهذا كتاب الله
من أوله إلى آخره وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين، وكلام سائر الأئمة مملوءة كلها بما هو نص أو ظاهر أن الله تعالى فوق كل شيء، وأنه فوق العرش فوق السموات مستو على عرشه مثل قوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 2 وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 3 وقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 4 وقوله تعالى: {ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} 5 وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ
1 سورة آل عمران آية: 7.
2 سورة فاطر آية: 10.
3 سورة آل عمران آية: 55.
4 سورة النساء آية: 158.
5 سورة المعارج آية: 4-3.
السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} 1 وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} 2 وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} 3 وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 4 وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} 5. فذكر التوحيدين في هذه الآية. وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} 6 وقوله تعالى: {تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 7 وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 8 وقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} 9 وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 10 فذكر عموم علمه وعموم قدرته وعموم إحاطته وعموم رؤيته، وقوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُور ُأَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} 11 وقوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 12 وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} 13 وقوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي
1 سورة السجدة آية: 5.
2 سورة النحل آية: 50.
3 سورة البقرة آية: 29.
4 سورة الأعراف آية: 54.
5 سورة يونس آية: 3.
6 سورة الرعد آية: 2.
7 سورة طه آية: 5-4.
8 سورة آية: 59-58.
9 سورة آية: 5-4.
10 سورة الحديد آية: 4.
11 سورة الملك آية: 17-16.
12 سورة فصلت آية: 42.
13 سورة الزمر آية: 1.
صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} 1. انتهى كلامه رحمه الله.
قلت: وقد ذكر الأئمة رحمهم الله تعالى فيما صنفوه في الرد على نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ونحوهم أقوال الصحابة والتابعين. فمن ذلك ما رواه الحافظ الذهبي في كتاب"العلو". وغيره بالأسانيد الصحيحة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 2. قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. رواه ابن المنذر واللالكائي وغيرهما بأسانيد صحاح [مختصر العلوّ 111] . قال: وثبت عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى أنه قال:"لما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن: كيف الاستواء؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق".
وقال ابن وهب:"كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فأطرق مالك رحمه الله وأخذته الرحضاء. وقال: الرحمن على العرش استوى، كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف؟ و"كيف"عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة. أخرجوه. رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب، ورواه عن يحيى بن يحيى أيضًا. ولفظه قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. قال الذهبي: فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله، وأخبروا أنه معلوم لا يحتاج لفظه إلى تفسير، ونفوا عنه الكيفية. قال البخاري في"صحيحه": قال مجاهد: استوى: علا على العرش. وقال إسحاق ابن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي: ارتفع. وقال محمد بن جرير الطبري في
1 سورة آية: 37-36.
2 سورة طه آية: 5.
قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي: علا وارتفع.
وشواهده في أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم. فمن ذلك قول عبد الله ابن رواحة رضي الله عنه:
شهدت بأن وعد الله حق
…
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف
…
وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة شداد
…
ملائكة الإله مسومينا
وروى الدارمي والحاكم والبيهقي بأصح إسناد إلى علي بن الحسين بن شقيق قال:"سمعت عبد الله بن المبارك يقول: نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته على العرش استوى، بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية". قال الدارمي: حدثنا حسن بن الصباح البزار، حدثنا علي بن الحسين ابن شقيق"عن ابن المبارك: قيل له: كيف نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه".
وقد تقدم قول الأوزاعي: كنا - والتابعون متوافرون - نقول: إن الله تعالى ذكره بائن من خلقه، ونؤمن بما وردت به السنة.
وقال أبو عمر الطلمنكي في كتاب"الأصول": أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته. وقال في هذا الكتاب أيضًا: أجمع أهل السنة على أن الله تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز، ثم ساق بسنده عن مالك قوله: الله في السماء وعلمه في كل مكان، ثم قال في هذا الكتاب: أجمع المسلمون من أهل السنة أن معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} 1، ونحو ذلك من القرآن: أن ذلك علمه، وأن الله فوق السماوات بذاته مستو على عرشه كيف شاء، وهذا لفظه في كتابه.
وهذا كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة، أثبتوا ما أثبته الله في كتابه على لسان رسوله على الحقيقة على ما يليق بجلال الله وعظمته، ونفوا عنه مشابهة المخلوقين، ولم يمثلوا، ولم
1 سورة الحديد آية: 4.
يكيفوا كما ذكرنا ذلك عنهم في هذا الباب.
وقال الحافظ الذهبي: "وأول وقت سمعت مقالة مَن أنكر أن الله فوق عرشه: هو الجعد بن درهم، وكذلك أنكر جميع الصفات، وقتله خالد بن عبد الله القسري وقصته مشهورة، فأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان إمام الجهمية، فأظهرها واحتج لها بالشبهات، وكان ذلك في آخر عصر التابعين، فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الأوزاعي، وأبي حنيفة ومالك، والليث بن سعد، والثوري، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، ومن بعدهم من أئمة الهدى، فقال الأوزاعي إمام أهل الشام على رأس الخمسين ومائة عند ظهور هذه المقالة ما أخبرنا عبد الواسع الأبهري بسنده إلى أبي بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني محمد بن علي الجوهري - ببغداد - حدثنا إبراهيم بن الهيثم، حدثنا محمد بن كثير المصيصي"سمعت الأوزاعي يقول: كنا - والتابعون متوافرون - نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته" أخرجه البيهقي في"الصفات"ورواته أئمة ثقات".
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لله أسماء وصفات لا يسع أحدًا ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه، كما نفى عنه نفسه فقال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1 اه من فتح الباري.
قوله:"وعن العباس بن عبد المطلب ساقه المصنف رحمه الله مختصرًا". والذي في"سنن أبي داود":
عن"العباس بن عبد المطلب قال: "كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة، فنظر إليها، فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب، قال: والمزن قالوا: والمزن. قال: والعنان. قالوا: والعنان - قال أبو داود: لم أتقن العنان جيدًا - قال: هل تدرون ما بعد بين السماء
1 سورة الشورى آية: 11.
والأرض؟ قالوا: لا ندري، قال: إن بعد ما بينهما إما واحدة، أو اثنتان، أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء التي فوقها كذلك، حتى عدد سبع سماوات، ثم فوق السابعة بحر بين أسفله، وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال، بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش، وبين أسفله وأعلاه، كما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك تعالى فوق ذلك". وأخرجه الترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن غريب1.
وقال الحافظ الذهبي: رواه أبو داود بإسناد حسن، وروى الترمذي نحوه من حديث أبي هريرة وفيه "بعد ما بين سماء إلى سماء خمسمائة عام". ولا منافاة بينهما، لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلا، ونيف وسبعون سنة على سير البريد، لأنه يصح أن يقال: بيننا وبين مصر عشرون يوما باعتبار سير العادة، وثلاثة أيام باعتبار سير البريد، وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك فوقفه، هذا آخر كلامه.
قلت: فيه التصريح بأن الله فوق عرشه كما تقدم في الآيات المحكمات، والأحاديث الصحيحة وفي كلام السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم. وهذا الحديث له شواهد في"الصحيحين"وغيرهما، ولا عبرة بقول من ضعفه، لكثرة شواهده التي يستحيل دفعها، وصرفها عن ظواهرها.
وهذا الحديث كأمثاله يدل على عظمة الله وكماله، وعظم مخلوقاته، وأنه المتصف بصفات الكمال التي وصف بها نفسه في كتابه، ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كمال قدرته، وأنه هو المعبود وحده لا شريك له، دون كل ما سواه. وبالله التوفيق.
والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
1 هو حديث ضعيف في سنده عبد الله بن عميرة. قال الذهبي: فيه جهالة.