المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد

[سليمان بن عبد الله آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[كتاب التوحيد]

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌ باب الخوف من الشرك]

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا لله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله]

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُم يَنْصُرُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌ باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ في من عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان]

- ‌ باب ما جاء في السحر]

- ‌باب بيان شيئ من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌ باب ما جاء في النشرة]

- ‌ باب ما جاء في التطير]

- ‌ باب ما جاء في التنجيم]

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌ باب ما جاء في الرياء]

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِ

- ‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

- ‌ باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء في من لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة]ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن أو الرسول]

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي

- ‌باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌ باب لا يقال: السلام على الله]

- ‌ باب قول اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌ باب لا يقول: عبدى وأمتي]

- ‌ باب لا يرد من سئل بالله]

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌باب ماجاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌ باب ما جاء في المصورين]

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك]

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌[باب قول الله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت

الشفاعة، وأخبر أنها لا تكون أبدًا، بل أخبر أن ذلك شرك، ونزه نفسه عنه، ونفى أن يكون للمؤمنين ولي أو شفيع من دونه، مع أن الشفاعة يوم القيامة لهم بإذنه، لا للمشركين كما قال تعالى:{يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} 1. فنفى سبحانه أن تنفع الشفاعة أحدًا {إِلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ} قوله وعمله، وهو المؤمن المخلص.

وأما المشرك الداعي لغير الله ليشفع له فلا تنفعه الشفاعة، ولا يؤذن لأحد في الشفاعة فيه. كما قال:{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} . وقال تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} 2.

قوله: وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره. تقدم ما يتعلق بذلك والله أعلم

1 سورة طه آية: 109.

2 سورة القصص آية: 64.

ص: 247

‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ، [القصص: 56] ،] .

أراد المصنف رحمه الله الرد على عباد القبور الذين يعتقدون في الأنبياء والصالحين أنهم ينفعون ويضرون، فيسألونهم مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب، وهداية القلوب، وغير ذلك من أنواع المطالب الدنيوية والأخروية، ويعتقدون أن لهم التصرف بعد الموت على سبيل الكرامة. وقد وقفت على رسالة لرجل منهم في ذلك، ويحتجون على ذلك بقوله:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} يقول قائلهم [البوصيري] في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم الروح والقلم.

فإذا عرف الإنسان معنى هذه الآية ومن نزلت فيه; تبين له بطلان قولهم وفساد شركهم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق

ص: 247

وأقربهم من الله، وأعظمهم جاها عنده، ومع ذلك حرص واجتهد على هداية عمه أبي طالب في حياة أبي طالب وعند موته، فلم يتيسر ذلك ولم يقدر عليه، ثم استغفر له بعد موته، فلم يغفر له حتى نهاه الله عن ذلك.

ففي هذا أعظم البيان، وأوضح البرهان على أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك ضرًا ولا نفعًا، ولا عطاء ولا منعًا، وأن الأمر كله بيد الله، فهو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويعذب من يشاء، ويرحم من يشاء، ويكشف الضر عمن يشاء، ويصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم وهو الذي من جوده الدنيا والآخرة، وهو بكل شيء عليم. ولو كان عنده صلى الله عليه وسلم من هداية القلوب ومغفرة الذنوب وتفريج الكروب شيء ; لكان أحق الناس به، وأولاهم من قام معه أتم القيام ونصره، وأحاطه من بلوغه ثمان سنين إلى ما بعد النبوة بثمان سنين أو أكثر، بل قال تعالى:{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 1. وقال تعالى: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى} 2. فهل يجتمع في قلب عبد الإيمان بهذه الآيات وما أشبهها، والإيمان بذلك البيت وما أشبهه، ولكن قاتل الله أعداءه الذين جاوزوا الحد في إطرائه والغلو فيه.

وأما معنى الآية فقال ابن كثير: يقول تعالى لرسوله: إنك يا محمد لا تهدي من أحببت، أي: ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ، والله يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة كما قال تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 3 وقال: {وَمَا أَكْثَرُ

1 سورة الأعراف آية: 188.

2 سورة الأنعام آية: 50.

3 سورة البقرة آية: 272.

ص: 248

النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} 1. وهذه الآية أخص من هذا كله فإنه قال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 2. أي: أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية. وقد ثبت في "الصحيحين" أنها نزلت في أبي طالب، وقد كان يحوطه وينصره، ويقوم في حقه، ويحبه حبًا طبعيًا لا حبًا شرعيًا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان والدخول في الإسلام فسبق القدر فيه، واختطف من يده، واستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحجة البالغة. فإن قلت: قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3.

فالجمع بينها وبين الآية. المترجم لها، قيل: الهداية التي تصح نسبتها لغير الله بوجه ما هي هداية الإرشاد والدلالة، كما قال:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 4. أي: ترشد وتبين، والهداية المنفية عن غير الله هي هداية التوفيق وخلق القدرة على الطاعة، ذكره بعضهم بمعناه.

قال: في " الصحيح " عن ابن المسيب عن أبيه قال. "لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال: يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أُحَاجُّ لك بها عند الله، فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة] " وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 5.

ش: قوله في "الصحيح". أي "الصحيحين".

قوله: (عن ابن المسيب) ، هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي

1 سورة يوسف آية: 103.

2 سورة القصص آية: 56.

3 سورة الشورى آية: 52.

4 سورة الشورى آية: 52.

5 سورة القصص آية: 56.

ص: 249

وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، الفقهاء الكبار، الحفاظ العباد، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل. وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين، وأبوه المسيب صحابي، بقي إلى خلافة عثمان رضي الله عنه وكذلك جده حزن صحابي، استشهد باليمامة.

قوله: (لما حضرت أبا طالب الوفاة)، أي: حضرت علامات الوفاة وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن. ويدل على ذلك ما وقع من المراجعة بينه وبينهم، ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة، لكن رجا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه، ويسوغ فيه شفاعته صلى الله عليه وسلم ولهذا قال: أجادل لك بها، وأشهد لك بها، وأحاج لك بها. ويدل على الخصوصية أنه بعد أن امتنع من الإقرار بالتوحيد، ومات على الامتناع منه لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة له، بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة إلى غيره. وكان ذلك من الخصائص في حقه.

قوله: (جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة، فإن المذكورين من بني مخزوم وهو أيضًا مخزومي، وكانوا يومئذ كفارًا فمات أبو جهل على كفره، وأسلم الآخران. وقول بعض الشراح: إن هذا الحديث من مراسيل الصحابة مردود، وفي هذا جواز عيادة المشرك إذا رجي إسلامه. وجواز حمل العلم إذا كان فيه مصلحة راجحة على عدمه.

قوله: (يا عم) . منادى مضاف يجوز فيه إثبات الياء وحذفها.

قوله: (قل لا إله إلا الله)، أي: قل هذه الكلمة، عارفًا لمعناها، معتقدًا له في هذه الحال وإن لم تعمل به، إذ لا يمكن عند الموت إلا ذلك، ولا بد مع ذلك من شهادة أن محمدًا رسول الله.

ص: 250

قوله: (كلمة) . قال القرطبي: أحسن ما تقيد "كلمة" بالنصب على أنه بدل من لا إله إلا الله، ويجوز رفعها على احتمال المبتدأ.

قوله: (أحاج لك بها عند الله) . هو بتشديد الجيم من "المحاجة" وهي مفاعلة من الحجة، والجيم مفتوحة، على الجزم جواب الأمر، أي: أشهد لك بها عند الله كما في الرواية الأخرى وفيه دليل على أن الأعمال بالخواتيم، لأنه لو قالها لنفعته، وإن مات على التوحيد نفعته الشفاعة وإن لم يعمل شيئًا غير ذلك، وأن من كان كافرًا يجحدها إذا قالها عند الموت أجريت عليه أحكام الإسلام، فإن كان صادقًا من قلبه نفعته عند الله، وإلا فليس لنا إلا الظاهر، بخلاف من كان يتكلم بها في حال كفره.

قوله: (فقالا له) : أترغب عن ملة عبد المطلب. ذَكَّرَاهُ الحجة الملعونة التي يتعلق بها المشركون من الأولين والآخرين، ويردون بها على الرسل، وهي تقليد الآباء والكبراء، وأخرجا الكلام مخرج الاستفهام مبالغة في الإنكار لعظمة هذه الحجة في قلوب الضالين، وكذلك اكتفيا بها في المجادلة، مع مبالغته صلى الله عليه وسلم وتكريره فلأجل عظمتها ووضوحها عندهم اقتصرا عليها. قال المصنف: وفيه تفسير لا إله إلا الله بخلاف ما عليه أكثر من يدعي العلم. وفيه أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال الرجل: قل لا إله إلا الله. فقبح الله مَن أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام.

قوله: (فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأعادا)، أي: أعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، وأعادا عليه مقالتهما مبالغة منه صلى الله عليه وسلم وحرصًا على إسلام عمه، ومع ذلك لم يقدر النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولا على تخليصه من عذاب الله، بل سبق فيه القضاء المحتوم، واستمر على كفره ليعلم الناس أن لا إله إلا الله فلو كان عند النبي صلى الله عليه وسلم من هداية القلوب، وتفريج الكروب شيء، لكان أحق الناس بذلك وأولاهم عمه الذي فعل معه ما فعل. وفيه الحرص في الدعوة إلى الله والصبر على

ص: 251

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن رد ذلك على صاحبه، وتكريره وعدم الاكتفاء بمرة واحدة.

قوله: (فكان آخر ما قال - هو بنصب آخر على الظرفية-)، أي: آخر زمن تكليمه إياهم، ويجوز رفعه.

قوله: (هو على ملة عبد المطلب) . الظاهر أن أبا طالب قال: أنا، فغيره الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحًا للفظ المذكور، وهي من التصرفات الحسنة، قاله الحافظ وقد رواه الإمام أحمد بلفظ أنا. فدل على ما ذكرناه.

قوله: (وأبى أن يقول لا إله إلا الله) . قال الحافظ: هذا تأكيد من الراوي في نفي وقوع ذلك من أبي طالب، وكأنه استند في ذلك إلى عدم سماعه منه في تلك الحال. كذا قال. وفيه نظر، بل نفيه مستند إلى إباء أبي طالب عن قولها بقوله: وهو على ملة عبد المطلب. قال المصنف: وفيه الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه، ومضرة أصحاب السوء على الإنسان، ومضرة تعظيم الأسلاف والأكابر. أي: زيادة على المشروع بحيث يجعل أقوالهم حجة يرجع إليها عند التنازع.

قوله: فقال النبي: "لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك"1. أقسم صلى الله عليه وسلم ليستغفرن له إلا أن ينهى عن ذلك، كما في رواية مسلم: "أما والله لأستغفرن لك" قال النووي: وفيه جواز الحلف من غير استحلاف، وكأن الحلف هنا لتأكيد العزم على الاستغفار، وتطبيبًا لنفس أبي طالب وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل.

قال ابن فارس: مات أبو طالب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا. وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بثمانية أيام.

1 البخاري: الجنائز (1360)، ومسلم: الإيمان (24)، والنسائي: الجنائز (2035) ، وأحمد (5/433) .

ص: 252

قوله: فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} 1. أي: ما ينبغي لهم ذلك، وهو خبر بمعنى النهي. وقد روى الطبري عن عمرو بن دينار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى نهاني عنه ربي فقال أصحابه: نستغفر لآبائنا كما استغفر نبينا لعمه فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلَاّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} ". وهذا فيه إشكال لأن وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقًا. وقد ثبت "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية"2. وفيه دلالة على تأخر نزول الآية عن وفاة أبي طالب، ولكن يحتمل أن يكون نزول الآية تأخر وإن كان سببها تقدم، ويكون لنُزولها سببان: متقدم: وهو أمر أبي طالب، ومتأخر: وهو أمر أمه ويؤيد تأخر النّزول استغفاره صلى الله عليه وسلم للمنافقين حتى نزل النهي عن ذلك، فإن ذلك يقتضي تأخر النزول وإن تقدم السبب ويشير إلى ذلك أيضًا قوله في حديث الباب، وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} . لأنه يشعر بأن الأولى نزلت في أبي طالب وفي غيره، والثانية فيه وحده. ويؤيد تعدد السبب ما أخرج أحمد عن علي قال: "سمعت رجلا يستغفر لوالديه وهما مشركان، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ

} الآية". قاله الحافظ، وفيه تحريم الاستغفار للمشركين، وتحريم موالاتهم ومحبتهم، لأنه إذا حرم الاستغفار لهم، فموالاتهم ومحبتهم أولى.

1 سورة التوبة آية: 113.

2 ضعيف. وأخرجه مسلم (976) ، بنحوه دون سبب النُّزول.

ص: 253