الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصلاً. فلا يليق بالمنعم عليه المطلوب منه الشكر أن ينسى من بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، ويضيف النعم إلى غيره، بل يذكرها مضافة منسوبة إلى مولاها والمنعم بها، وهو المنعم على الإطلاق كما قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} 1. فهو المنعم بجميع النعم في الدنيا والآخرة وحده لا شريك له. فإن ذلك من شكرها، وضده من إنكارها. ولا ينافي ذلك الدعاء والإحسان إلى من كان سببًا أو جزء سبب في بعض ما يصل إليك من النعم من الخلق. قال المصنف: وفيه اجتماع الضدين في القلب.
1 سورة النحل آية: 53.
[36-
باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
1]
اعلم أن من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ، وإن لم يقصد المتكلم بها معنى لا يجوز، بل ربما تجري على لسانه من غير قصد، كمن يجري على لسانه ألفاظ من أنواع الشرك الأصغر لا يقصدها.
فإن قيل: الآية نزلت في الأكبر.
قيل: السلف يحتجون بما أنزل في الأكبر على الأصغر، كما فسرها ابن عباس، وغيره فيما ذكره المصنف عنه بأنواع من الشرك الأصغر، وفسرها أيضًا بالشرك الأكبر، وفسرها غيره بشرك الطاعة، وذلك لأن الكل شرك. ومعنى الآية: أن الله تبارك وتعالى نهى الناس أن يجعلوا له أندادًا، أي: أمثالاً في العبادة والطاعة، وهم يعلمون أن الذي فعل تلك الأفعال، فهو ربهم وخالقهم، وخالق من قبلهم، وجاعل على الأرض فراشًا، والسماء بناء، والذي أنزل من السماء ماء فأخرج به من أنواع الثمرات رزقًا لهم. فإذا كنتم تعلمون ذلك فلا تجعلوا له أندادًا. قال ابن القيم: فتأمل
1 سورة البقرة آية: 22.
هذه، وشدة لزومها لتلك المقدمات قبلها، وظفر العقل بها بأول وهلة، وخلوصها من كل شبهة وريب وقادح إذا كان الله وحده هو الذي فعل هذه الأفعال، فكيف تجعلون له أندادًا وقد علمتم أنه لا ند له يشاركه في فعله؟!.
[صور من الشرك الأصغر]
قال المصنف: قال ابن عباس في الآية: "الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلانة، وحياتي. وتقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلان هذا كله به شرك" رواه ابن أبي حاتم.
ش: هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم، كما قال المصنف وسنده جيد.
قوله: "هو الشرك أخفى من دبيب النمل
…
" إلى آخره أي: إن هذه الأمور من الشرك خفية في الناس، لا يكاد يتفطن لها ولا يعرفها إلا القليل، وضرب المثل لخفائها بما هو أخفى شيء وهو أثر النمل، فإنه خفي، فكيف إذا كان على صفاة؟ فكيف إذا كانت سوداء، فكيف إذا كانت في ظلمة الليل؟ وهذا يدل على شدة خفائه على من يدعي الإسلام، وعسر التخلص منه، ولهذا جاء في حديث أبي موسى قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه"1. رواه أحمد والطبراني.
قوله: "وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلانة وحياتي"، أي: إن من الحلف بغير الله، الحلف بحياة المخلوق وسيأتي الكلام عليه.
قوله: "وتقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص"، أي: السراق.
1 أحمد (4/403) .
والمعنى أن من الشرك نسبة عدم السرقة إلى الكلبة التي إذا رأت السراق نبحتهم، فاستيقظ أهلها وهرب السراق. وربما امتنعوا من إتيان المحل الذي هي فيه خوفًا من نباحها، فيعلم بهم أهلها كما روى ابن أبي الدنيا في "الصمت" عن ابن عباس قال:"إن أحدكم ليشرك حتى يشرك بكلبه يقول: لولاه لسرقنا الليلة".
قوله: "ولولا البط في الدار لأتى اللصوص". البط بفتح الموحدة: طائر معروف يتخذ في البيوت، وإذا دخلها غريب صاح1 واستنكره، وهو الإوز بكسر الهمزة وفتح الواو ومعناها كالذي قبله. والواجب نسبة ذلك إلى الله تعالى، فهو الذي يحفظ عباده ويكلؤهم بالليل والنهار كما قال تعالى:{قُلْ مَنْ يَكْلأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} 2.
قوله: "وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت"، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله.
قوله: "وقول الرجل: لولا الله وفلان لا تجعل فيها فلان"، هكذا ثبت بخط المصنف بلا تنوين، والمعنى: لا تجعل فيها أي: في هذه الكلمة فلانًا فتقول: لولا الله وفلان، بل قل: لولا الله وحده، ولا تقل: لولا الله وفلان فهو نهي عن ذلك.
قوله: "هذا كله به". أي: بالله شرك، وأعاد الضمير على الله، لأنه قد تقدم ذكر اسمه عز وجل فتبين أن هذه الأمور ونحوها من الألفاظ الشركية الخفية كما نص عليه ابن عباس رضي الله عنه.
قال: وعن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"3. رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم.
1 في الطبعة السابقة: صلح.
2 سورة الأنبياء آية: 42.
3 سنن الترمذي: كتاب النذور والأيمان (1535)، وسنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور (3251) ، ومسند أحمد (2/69 ،2/86 ،2/125) .
ش: قوله: "عن عمر بن الخطاب". هكذا وقع في الكتاب، وصوابه عن ابن عمر كذلك أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والحاكم. وصححه ابن حبان. وقال الزين العراقي في "أماليه": إسناده ثقات.
قوله: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"1. قال بعضهم ما معناه: رواه الترمذي بأو التي للشك، وفي ابن حبان والحاكم عدمها. وفي رواية للحاكم: "كل يمين يحلف بها دون الله شرك" وفي "الصحيحين "من حديث ابن عمر مرفوعًا: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت"2. وعن بريدة مرفوعًا: "من حلف بالأمانة فليس منا" 3. رواه أبو داود. والأحاديث في ذلك كثيرة، وقد تقدم كلام ابن عباس في عده ذلك من الأنداد، وقال كعب:"إنكم تشركون في قول الرجل: كلا وأبيك، كلا والكعبة، كلا وحياتك، وأشباه هذا، احلف بالله صادقًا أو كاذبًا، ولا تحلف بغيره". رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت". وأجمع العلماء على أن اليمين لا تكون إلا بالله، أو بصفاته، وأجمعوا على المنع من الحلف بغيره. قال ابن عبد البر: لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع. انتهى ولا اعتبار بمن قال من المتأخرين: إن ذلك على سبيل كراهة التنْزيه، فإن هذا قول باطل. وكيف يقال ذلك لما أطلق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كفر أو شرك، بل ذلك محرم. ولهذا اختار ابن مسعودرضي الله عنه أن يحلف بالله كاذبًا، ولا يحلف بغيره صادقًا. فهذا يدل على أن الحلف بغير الله أكبر من الكذب. مع أن الكذب من المحرمات في جميع الملل فدل ذلك أن الحلف بغير الله من أكبر المحرمات.
فإن قيل: إن الله تعالى أقسم بالمخلوقات في القرآن.
قيل: ذلك يختص بالله تبارك وتعالى، فهو يقسم بما شاء من خلقه; لما في ذلك من الدلالة على قدرة الرب ووحدانيته، وإلهيته
1 سنن الترمذي: كتاب النذور والأيمان (1535)، وسنن أبي داود: كتاب الأيمان والنذور (3251) ، ومسند أحمد (2/69 ،2/86 ،2/125) .
2 أبو داود: الجهاد (2612) ، وأحمد (5/352) .
3 الترمذي: الدعوات (3383)، وابن ماجه: الأدب (3800) .
وعلمه وحكمته وغير ذلك من صفات كماله. وأما المخلوق فلا يقسم إلا بالخالق تعالى، فالله تعالى يقسم بما يشاء من خلقه. وقد نهانا عن الحلف بغيره فيجب على العبد التسليم والإذعان لما جاء من عند الله. قال الشعبي: الخالق يقسم بما شاء من خلقه والمخلوق لا يقسم إلا بالخالق، قال: ولأن أقسم بالله فأحنث أحب إلي من أن أقسم بغيره فأبر. وقال مطرف بن عبد الله: "إنما أقسم الله بهذه الأشياء ليعجب بها المخلوقين، ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم، ولدلالتها على خالقها" ذكرهما ابن جرير.
فإن قيل: قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي سأله عن أمور الإسلام فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أفلح وأبيه إن صدق" رواه البخاري، وقال للذي سأله:"أي الصدقة أفضل أما وأبيك لَتُنَبِأَنَّه"1. رواه مسلم ونحو ذلك من الأحاديث.
قيل: ذكر العلماء عن ذلك أجوبة.
أحدها: ما قاله ابن عبد البر في قوله: "أفلح وأبيه إن صدق" هذه اللفظة غير محفوظة، وقد جاءت عن راويها إسماعيل بن جعفر "أفلح والله إن صدق" 2. قال: وهذا أولى من رواية من روى عنه بلفظ: "أفلح وأبيه" لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح، ولم تقع في رواية مالك أصلاً، وزعم بعضهم أن بعض الرواة عنه صحف قوله:"وأبيه" من قوله: "والله" انتهى. وهذا جواب عن هذا الحديث الواحد فقط ولا يمكن أن يجاب به عن غيره.
الثاني: أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير قصد للقسم به، والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف ذكره
1 البخاري: الزكاة (1452)، ومسلم: الإمارة (1865)، والنسائي: البيعة (4164)، وأبو داود: الجهاد (2477) .
2 البخاري: الإيمان (46)، ومسلم: الإيمان (11)، والنسائي: الصلاة (458) والصيام (2090) والإيمان وشرائعه (5028)، وأبو داود: الصلاة (391) والأيمان والنذور (3252) ، وأحمد (1/162)، ومالك: النداء للصلاة (425)، والدارمي: الصلاة (1578) .
البيهقي وقال النووي: إنه المرضي.
قلت: هذا جواب فاسد، بل أحاديث النهي عامة مطلقة ليس فيها تفريق بين من قصد القسم وبين من لم يقصد، ويؤيد ذلك أن سعد بن أبي وقاصرضي الله عنه حلف مرة باللات والعزى، ويبعد أن يكون أراد حقيقة الحلف بهما، ولكنه جرى على لسانه من غير قصد على ما كانوا يعتادونه قبل ذلك، ومع هذا نهاه النبي صلى الله عليه وسلم. غاية ما يقال: أن من جرى ذلك على لسانه من غير قصد معفو عنه، أما أن يكون ذلك أمرًا جائزًا للمسلم أن يعتاده فكلا. وأيضًا فهذا يحتاج إلى نقل أنّ ذلك كان يجري على ألسنتهم من غير قصد للقسم، وأن النهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف وأنى يوجد ذلك؟
الثالث: أن مثل ذلك يقصد به التأكيد لا التعظيم، وإنما وقع النهي عما يقصد به التعظيم.
قلت: وهذا أفسد من الذي قبله، وكأن من قال ذلك لم يتصور ما قال، فهل يراد بالحلف إلا تأكيد المحلوف عليه بذكر من يعظمه الحالف والمحلوف له؟ فتأكيد المحلوف عليه بذكر المحلوف به مستلزم لتعظيمه. وأيضًا فالأحاديث مطلقة ليس فيها تفريق، وأيضًا فهذا يحتاج إلى نقل أن ذلك جائز للتأكيد دون التعظيم وذلك معدوم.
الرابع: أن هذا كان في أول الأمر ثم نسخ، فما جاء من الأحاديث فيه ذكر شيء من الحلف بغير الله فهو قبل النسخ، ثم نسخ ذلك ونهي عن الحلف بغير الله. وهذا الجواب ذكره الماوردي. قال السهيلي: أكثر الشراح عليه، حتى قال ابن العربي: روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يحلف بأبيه حتى نهي عن ذلك قال السهيلي: ولا يصح ذلك، وكذلك قال غيرهم. وهذا الجواب هو الحق، يؤيده أن ذلك كان مستعملاً شائعًا. حتى ورد النهي عن ذلك كما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب يسير في ركب يحلف بأبيه فقال:"ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت"1.
1 البخاري: الزكاة (1452)، ومسلم: الإمارة (1865)، والنسائي: البيعة (4164)، وأبو داود: الجهاد (2477) .
رواه البخاري، ومسلم. وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله"1. وكانت قريش تحلف بآبائها فقال: "ولا تحلفوا بآبائكم" 2. رواه مسلم. وعن سعد بن أبي وقاصرضي الله عنه قال: حلفت مرة باللات والعزى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم انفث عن يسارك ثلاثًا وتعوذ ولا تعد"3. رواه النسائي، وابن ماجة، وهذا لفظه. وفي هذا المعنى أحاديث، فما ورد فيه ذكر الحلف بغير الله، فهو جار على العادة قبل النهي، لأن ذلك هو الأصل حتى ورد النهي عن ذلك.
وقوله: "فقد كفر أو أشرك"، أخذ به طائفة من العلماء فقالوا: يكفر من حلف بغير الله كفر شرك، قالوا: ولهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتجديد إسلامه بقول: لا إله إلا الله. فلولا أنه كفر ينقل عن الملة لم يؤمر بذلك. وقال الجمهور: لا يكفر كفرًا ينقله عن الملة، لكنه من الشرك الأصغر كما نص على ذلك ابن عباس وغيره، وأما كونه أمر من حلف باللات والعزى أن يقول: لا إله إلا الله، فلأن هذا كفارة له مع استغفاره كما قال في الحديث الصحيح:"ومن حلف فقال في حلفه: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله"4. وفي رواية: "فليستغفر"، فهذا كفارة له في كونه تعاطى صورة تعظيم الصنم، حيث حلف به لا أنه لتجديد إسلامه، ولو قدر ذلك فهو تجديد لإسلامه لنقصه بذلك لا لكفره لكن الذي يفعله عباد القبور إذا طلبت من أحدهم اليمين بالله، أعطاك ما شئت من الأيمان صادقًا أو كاذبًا. فإذا طلبت منه اليمين بالشيخ أو تربته أو حياته، ونحو ذلك، لم يقدم على اليمين به إن كان كاذبًا. فهذا شرك أكبر بلا ريب، لأن المحلوف به عنده أخوف وأجل وأعظم من الله. وهذا ما بلغ إليه شرك عباد الأصنام، لأن جهد اليمين عندهم هو الحلف بالله كما قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ
1 أحمد (3/361) .
2 البخاري: المناقب (3836)، ومسلم: الأيمان (1646)، والترمذي: النذور والأيمان (1533 ،1534)، والنسائي: الأيمان والنذور (3766 ،3767 ،3768)، وأبو داود: الأيمان والنذور (3249)، وابن ماجه: الكفارات (2094) ، وأحمد (2/7 ،2/8 ،2/11 ،2/17 ،2/20 ،2/76 ،2/98 ،2/142)، ومالك: النذور والأيمان (1037)، والدارمي: النذور والأيمان (2341) .
3 أحمد (4/55) .
4 النسائي: الزينة (5103) .
يَمُوتُ} 1 فمن كان جهد يمينه الحلف بالشيخ أو بحياته، أو تربته فهو أكبر شركًا منهم، فهذا هو تفصيل القول في هذه المسألة.
والحديث دليل على أنه لا تجب الكفارة بالحلف بغير الله مطلقًا، لأنه لم يذكر فيه كفارة للحلف بغير الله ولا في غيره من الأحاديث، فليس فيه كفارة إلا النطق بكلمة التوحيد، والاستغفار. وقال بعض المتأخرين: تجب الكفارة بالحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وهذا قول باطل ما أنزل الله به من سلطان، فلا يلتفت إليه وجوابه المنع.
قال المصنف: وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا".
ش: هكذا ذكر المصنف هذا الأثر عن ابن مسعود ولم يعزه. وقد ذكره ابن جرير بغير سند أيضًا. قال: وقد جاء عن ابن عباس وابن عمر نحوه، ورواه الطبراني بإسناد موقوفًا هكذا. قال المنذري: ورواته رواة الصحيح.
قوله: "لأن أحلف بالله
…
" إلى آخره. "أن" هي المصدرية، والفعل بعدها منصوب في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء. و "أحب" خبره، ومعناه ظاهر. وإنما رجح ابن مسعودرضي الله عنه الحلف بالله كاذبًا على الحلف بغيره صادقًا، لأن الحلف بالله توحيد، والحلف بغيره شرك، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك. ذكره شيخ الإسلام. وفيه دليل على أن الحلف بغير الله صادقًا أعظم من اليمين الغموس، وفيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر. وفيه شاهد للقاعدة المشهورة وهي: ارتكاب أقل الشرين ضررًا إذا كان لا بد من أحدهما.
قال: وعن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقولوا ما شاء الله
1 سورة النحل آية: 38.