الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطلقًا وهو الصحيح لظاهر الأحاديث، وهي لم تفرق بين وليمة العرس وغيرها، وإن كانت وليمة العرس آكد وأوجب.
قوله:"ومن صنع إليكم معروفًا فكافؤوه". المعروف: اسم جامع لمخير.
وقوله:"فكافؤوه"، أي: على إحسانه بمثله أو خير منه، وقد أشار شيخ الإسلام إلى مشروعية المكافأة، لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، فهو إذا أحسن إليه ولم يكافئه يبقى في قلبه نوع تأله لمن أحسن إليه، فشرع قطع ذلك بالمكافأة، فهذا معنى كلامه. وقال غيره: إنما أمر بالمكافأة ليخلص القلب من إحسان الخلق ويتعلق بالحق. ولفظ أبي داود: "من أتى إليكم معروفًا
…
" 1.
قوله:"فإن لم تجدوا ما تكافئوه". هكذا ثبت بحذف النون في خط المصنف، وهكذا هو في غيره من أصول الحديث. قال الطيبي: سقطت من غير ناصب ولا جازم، إما تخفيفًا أو سهوًا من الناسخ.
قوله:"فادعوا له
…
" إلى إلخ يعني من أحسن إليكم أيَّ إحسان فكافئوه بمثله، فإن لم تقدروا فبالغوا في الدعاء له جهدكم حتى تحصل المسألة، ووجه المبالغة أنه رأى في نفسه تقصيرًا في المجازاة لعدم القدرة عليها، فأحالها إلى الله، ونعم المجازي هو، وهذا الحديث رواه أيضًا أحمد بإسناد صحيح، وابن حبان، والحاكم، وصححه النووي. وقد روى الترمذي وصححه النسائي وابن حبان عن أسامة بن زيد مرفوعًا: "من صنع إليكم معروفًا فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء" 2.
1 النسائي: الزكاة (2567)، وأبو داود: الزكاة (1672) والأدب (5109) ، وأحمد (2/68) .
2 الترمذي: البر والصلة (2035) .
[50-
باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]
أي إعظامًا وإجلالاً وإكرامًا لوجه الله أن يسأل به إلا غاية المطالب، وهذا من معاني قوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} 1.
1 سورة الرحمن آية: 27.
قال: عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة"1. رواه أبو داود أيضًا.
ش: قوله:"عن جابر". هو جابر بن عبد الله.
قوله: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة" 2 روي بالنفي والنهي، وروي بالبناء للمجهول، وهو الذي في الأصل، وروي بالخطاب للمفرد، وفيه إثبات الوجه خلافًا للجهمية ونحوهم، فإنهم أَوَّلُوا الوجه بالذات، وهو باطل، إذ لا يسمى ذات الشيء وحقيقته وجهًا، فلا يسمى الإنسان وجها، ولا تسمى يده وجهًا، ولا تسمى رجله وجهًا. والقول في الوجه عند أهل السنة كالقول في بقية الصفات، فيثبتونه لله على ما يليق بجلاله وكبريائه من غير كيف ولا تحديد، إثبات بلا تمثيل، وتنْزيه بلا تعطيل.
قوله:"إلا الجنة"، كأن يقول:"اللهم إني أسألك بوجهك الكريم أن تدخلني الجنة". وقيل: المراد لا تسألوا من الناس شيئًا بوجه الله"كأن يقول: أعطني شيئًا بوجه الله، فإن الله أعظم من أن يسأل به شيء من الحطام.
قلت: والظاهر أن كلا المعنيين صحيح، قال الحافظ العراقي:"وذكر الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص، فلا يسأل بوجهه في الأمور الدنيئة، بخلاف الأمور العظام تحصيلاً أو دفعًا، كما يشير إليه استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم به".
قلت: والظاهر أن المراد لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، أو ما هو وسيلة إليها، كالاستعاذة بوجه الله من غضبه ومن النار ونحو ذلك مما هو وارد في أدعيته صلى الله عليه وسلم وتعوذاته،"ولما نزل قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ} 3. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أعوذ بوجهك". {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} 4 قال: "أعوذ بوجهك" رواه البخاري. وهذا الحديث رواه في"المختارة"أيضًا ولكن في
1 أبو داود: الزكاة (1671) .
2 أبو داود: الزكاة (1671) .
3 سورة الأنعام آية: 65.
4 سورة الأنعام آية: 65.