المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب قول: ما شاء الله وشئت] - تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذى هو حق الله على العبيد

[سليمان بن عبد الله آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌[كتاب التوحيد]

- ‌ باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب]

- ‌ باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب]

- ‌ باب الخوف من الشرك]

- ‌باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا لله

- ‌ باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله]

- ‌ باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه]

- ‌ باب ما جاء في الرقى والتمائم]

- ‌ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما]

- ‌[باب ما جاء في الذبح لغير الله]

- ‌ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله]

- ‌ باب من الشرك النذر لغير الله]

- ‌[باب من الشرك الاستعاذة بغير الله]

- ‌ باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُم يَنْصُرُونَ}

- ‌باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}

- ‌ باب الشفاعة]

- ‌[باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

- ‌باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين

- ‌باب ما جاء من التغليظ في من عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده

- ‌ باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك]

- ‌ باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبدون الأوثان]

- ‌ باب ما جاء في السحر]

- ‌باب بيان شيئ من أنواع السحر

- ‌ باب ما جاء في الكهان ونحوهم]

- ‌ باب ما جاء في النشرة]

- ‌ باب ما جاء في التطير]

- ‌ باب ما جاء في التنجيم]

- ‌ باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء]

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌ باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌ باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله]

- ‌ باب ما جاء في الرياء]

- ‌ باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا]

- ‌ باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله]

- ‌ باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِ

- ‌ باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

- ‌ باب قول الله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب ما جاء في من لم يقنع بالحلف بالله

- ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

- ‌ باب من سب الدهر فقد آذى الله]

- ‌ باب التسمي بقاضي القضاة]ونحوه

- ‌باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌ باب من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن أو الرسول]

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي

- ‌باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}

- ‌ باب قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌ باب لا يقال: السلام على الله]

- ‌ باب قول اللهم اغفر لي إن شئت]

- ‌ باب لا يقول: عبدى وأمتي]

- ‌ باب لا يرد من سئل بالله]

- ‌ باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة]

- ‌باب ماجاء في "لو

- ‌ باب النهي عن سب الريح]

- ‌ باب قول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ

- ‌ باب ما جاء في منكري القدر]

- ‌ باب ما جاء في المصورين]

- ‌ باب ما جاء في كثرة الحلف]

- ‌باب ما جاء في ذمة الله وذمة رسوله

- ‌ باب ما جاء في الإقسام على الله]

- ‌ باب لا يستشفع بالله على خلقه]

- ‌ باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك]

- ‌باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الفصل: ‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

كلا والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني" 1. رواه البخاري وفيه وجهان.

أحدهما: قال القرطبي: "ظاهر قول عيسى عليه السلام للرجل سرقت أنه خبر جازم، لكونه أخذ مالاً من حرز في خفية، وقول الرجل: كلا نفي لذلك، ثم أكده باليمين. وقول عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني أي: صدقت من حلف بالله، وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ سرقة، فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق، أو ما أذن له صاحبه في أخذه، أو أخذه ليقلبه، وينظر فيه ولم يقصد الغصب والاستيلاء".

قلت: وهذا فيه نظر وصدر الحديث يرده وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم "رأى عيسى رجلاً يسرق"، فأثبت صلى الله عليه وسلم سرقته.

الثاني: ما قاله ابن القيم: "إن الله تعالى كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبًا. فدار الأمر بين تهمة الحالف، وتهمة بصره، فرد التهمة إلى بصره، كما ظن آدم عليه السلام صدق إبليس لما حلف له أنه ناصح [كما في الأعراف 21] ".

قلت: هذا القول أحسن من الأول وهو الصواب إن شاء الله تعالى. وحدثت عن المصنف أنه حمل حديث الباب على اليمين في الدعاوي، كمن يتحاكم عند الحاكم فيحكم على خصمه باليمين، فيحلف فيجب عليه أن يرضى.

1 البخاري: أحاديث الأنبياء (3444)، ومسلم: الفضائل (2368)، والنسائي: آداب القضاة (5427)، وابن ماجه: الكفارات (2102) ، وأحمد (2/314 ،2/383) .

ص: 518

[38-‌

‌ باب قول: ما شاء الله وشئت]

أي ما حكم التكلم بذلك، هل يجوز أم لا؟ وإذا قلنا: لا يجوز فهل هو من الشرك أم لا؟ .

قال: عن قتيلة "أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة وأن يقولوا ما شاء الله ثم شئت"1. رواه النسائي وصححه.

ش: هذا الحديث رواه النسائي في "السنن" و "اليوم

1 النسائي: الأيمان والنذور (3773) ، وأحمد (6/371) .

ص: 518

والليلة". وهذا لفظه في "اليوم والليلة" أخبرنا يوسف بن عيسى قال: ثنا الفضل بن موسى قال: أنا مسعر عن معبد بن خالد، عن عبد الله بن يسار، عن قتيلة امرأة من جهينة "أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون و [إنّكم] تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي عليه السلام إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: "ورب الكعبة، ويقول أحدكم: ما شاء الله ثم شئت". ورواه عن أحمد بن حفص حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن طهمان، عن مغيرة عن معبد بن خالد عن قتيلة امرأة من جهينة قالت: دخلت يهودية على عائشة فقالت: إنكم تشركون وساق الحديث، ولم يذكر عبد الله بن يسار، والمشهور ذكره، وقد رواه ابن سعد، والطبراني، وابن منده، وأشار ابن سعد إلى أنها ليس لها غيره.

قوله: "عن قتيلة"، هو بضم القاف وفتح التاء بعدها مثناة تحتية مصغرًا بنت صيفي الجهنية، أو الأنصارية صحابية.

قوله: "إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت". هذا نص في أن هذا اللفظ من الشرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر اليهودي على تسمية هذا اللفظ تنديدًا أو شركًا. ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأرشد إلى استعمال اللفظ البعيد من الشرك.

وقول: "ما شاء الله ثم شئت"، وإن كان الأولى قول: ما شاء الله وحده، كما يدل عليه حديث ابن عباس وغيره، وعلى النهي عن قول: ما شاء الله وشئت جمهور العلماء، إلا أنه حكي عن أبي جعفر الداودي ما يقتضي جواز ذلك احتجاجا بقوله تعالى:{وَمَا نَقَمُوا إِلَاّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} 1. وقوله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} 2. ونحو ذلك. والصواب القول الأول، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك وقال لمن قال له ذلك: أجعلتني لله ندًّا. وأقر اليهودي على تسميته تنديدًا وشركا، ومن المحال أن يكون هذا أمرًا جائزًا. وأما ما احتج من القرآن، فقد ذكروا عن ذلك جوابين:

1 سورة التوبة آية: 74.

2 سورة الأحزاب آية: 37.

ص: 519

أحدهما: أن ذلك لله وحده، لا شريك له، كما أنه تعالى يقسم بما شاء من مخلوقاته فكذلك هذا.

الثاني: أن قوله: "ما شاء الله وشئت"، تشريك في مشيئة الله، وأما الآية فإنما أخبر بها عن فعلين متغايرين، فأخبر تعالى أنه أغناهم وأن رسوله أغناهم. وهو من الله حقيقة، لأنه الذي قدر ذلك، ومن الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة باعتبار تعاطي الفعل، وكذا الإنعام أنعم الله على زيد بالإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم أنعم عليه بالعتق، وهذا بخلاف المشاركة في الفعل الواحد، فالكلام إنما هو فيه، والمنع إنما هو منه.

فإن قلت: قد ذكر النحاة أن "ثم" تقتضي اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم كالواو فلم جاز ذلك بثم؟ ومنع منه الواو. وغاية ما يقال: إن "ثم" تقتضي الترتيب بخلاف الواو، فإنها تقتضي مطلق الجمع، وهذا لا يغير صورة الاشتراك قبل النهي عن ذلك، إنما هو إذا أتى بصورة التشريك جميعًا، وهذا لا يحصل إلا بالواو بخلاف ثم، فإنها لا تقتضي الجمع، إنما تقتضي الترتيب، فإذا أتى بها زالت صورة التشريك والجمع في اللفظ. وأما المعنى، فلله تعالى ما يختص به من المشيئة، وللمخلوق ما يختص به، فلو أتى بثم وأراد أنه شريك لله تعالى في المشيئة كلولا الله ثم فلان، مثلاً لم يوجد ذلك فالنهي باق بحاله، بل يكون في هذه الصورة أشد ممن أتى بالواو مع عدم هذا الاعتقاد. ويشبه ذلك الجمع بين اسم الله واسم غيره في ضمير واحد، ولهذا "أنكره النبي صلى الله عليه وسلم على الخطيب قال: ومن يعصهما فقد غوى، فقال له: بئس الخطيب أنت" 1.

قوله: "فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة"، تقدم ما يتعلق بالحلف بغير الله قريبًا.

وفي الحديث من الفوائد: معرفة اليهود بالشرك الأصغر، وكثير ممن يدعي الإسلام لا يعرف الشرك الأكبر، بل يصرف خالص العبادات من الدعاء والذبح، والنذر لغير الله ويظن أن ذلك

1 مسلم: الجمعة (870)، والنسائي: النكاح (3279)، وأبو داود: الصلاة (1099) والأدب (4981) ، وأحمد (4/256 ،4/379) .

ص: 520

من دين الإسلام، فعلمتَ أن اليهود في ذلك الوقت أحسن حالاً ومعرفة منهم. وفيه فهم الإنسان إذا كان له هوى كما نبه عليه المصنف، وأن المعرفة بالحق لا تستلزم الإيمان ولا العمل، وقبول الحق ممن جاء به، وإن كان عدوًّا مخالفًا في الدين، وإن الحلف بغير الله من الشرك الأصغر لا يمرق به الإنسان من الإسلام.

قال: وله أيضًا عن ابن عباس "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما شاء اللَّه وشئت. قال: "أجعلتني لله ندًّا ما شاء الله وحده" 1.

ش: هذا الحديث رواه النسائي، كما قال المصنف لكن في "اليوم والليلة" وهذا لفظه: أخبرنا علي بن خشرم عن عيسى، عن الأجلح عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في بعض الأمر فقال: ما شاء اللَّه وشئت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجعلتني لله عدلاً؟ قل: ما شاء الله وحده" 2. ورواه ابن ماجة في الكفارات من "السنن" عن هشام بن عمار، عن عيسى نحوه. ولفظه: "إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت

" 3 الحديث. وقد تابع عيسى على هذا الحديث سفيان الثوري، وعبد الرحمن وجعفر بن عون عن الأجلح وكلهم ثقات. وخالفهم القاسم بن مالك وهو ثقة فرواه عن الأجلح، عن أبي الزبير عن جابر، والأول أرجح. ويحتمل أن يكون عن الأجلح عنهما جميعًا.

قوله: "أجعلتني لله ندًّا"، هذه رواية ابن مردويه، والرواية عند النسائي وابن ماجة "أجعلتني لله عدلاً" والمعنى واحد. قال ابن القيم: ومن ذلك أي: من الشرك بالله في الألفاظ قول القائل للمخلوق: ما شاء الله وشئت، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل: ما شاء الله وشئت، وذكر الحديث المشروح. ثم قال: هذا مع أن الله قد أثبت للعبد مشيئة - كقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} 4.

1 أحمد (1/224) .

2 أحمد (1/214) .

3 ابن ماجه: الكفارات (2117) .

4 سورة التكوير آية: 28.

ص: 521

فكيف بمن يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وأنا في حسب الله وحسبك، وما لي إلا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وهذا من يركات الله وبركاتك، والله لي في السماء وأنت لي في الأرض. والله وحياة فلان أو يقول: نذرًا لله ولفلان، وأنا تائب لله ولفلان، وأرجو الله وفلانًا. فوازن بين هذه الألفاظ، وبين قول القائل: ما شاء الله وشئت، ثم انظر أيهما أفحش. يتبين لك أن قائلها أولى بجواب النبي صلى الله عليه وسلم لقائل تلك الكلمة، وأنه إذا كان قد جعله ندًّا بها، فهذا قد جعل من لا يداني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الأشياء، بل لعله أن يكون من أعدائه ندًّا لرب العالمين. فالسجود، والعبادة، والتوكل، والإنابة، والتقوى، والخشية، والتوبة، والنذر، والحلف، والتسبيح، والتكبير، والتهليل، والتحميد، والاستغفار، وحلق الرأس خضوعًا وتعبدًا، والطواف بالبيت والدعاء، كل ذلك محض حق لله الذي لا يصلح ولا ينبغي لسواه، من ملك مقرب ولا نبي مرسل. وفي "مسند" الإمام أحمد:"أن رجلاً أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد أذنب فلما وقف بين يديه قال: اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال: عرف الحق لأهله"1.

قلت: إذا كان هذا كلامه صلى الله عليه وسلم لمن قال له: ما شاء الله وشئت فكيف بمن يقول فيه [البوصيري في البردة] ؟!:

154-

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلم.

ويقول في همزيته:

427-

هذه علتي وأنت طبيبي

ليس يخفى عليك في القلب داء.

وأشباه هذا من الكفر الصريح.

قال: ولابن ماجة عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: "رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عُزَيْر بن الله. قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله، وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم

1 أحمد (3/435) .

ص: 522

تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال:"هل أخبرت بها أحدًا؟ قلت: نعم قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم وإنكم قلتم: كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا: ما شاء الله وحده".

ش: هذا الحديث لم يروه ابن ماجة بهذا اللفظ عن الطفيل، إنما رواه عن حذيفة ولفظه: حدثنا هشام بن عمار ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان "أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أما والله إن كنت لأعرفها لكم قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد"1. ورواه أحمد والنسائي بنحوه. وفي رواية للنسائي أن الراوي لذلك هو حذيفة نفسه. هذه رواية ابن عيينة، ثم ذكر ابن ماجة حديث الطفيل هذا فساق إسناده ولم يذكر اللفظ. فقال: حدثنا ابن أبي الشوارب، ثنا ابن عوانة عن عبد الملك، عن ربعي بن حراش، عن الطفيل بن سخبرة أخي عائشة لأمها، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، هذا لفظ ابن ماجة. وهكذا رواه حماد بن سلمة وشعبة وابن إدريس عن عبد الملك، فقالوا: عن الطفيل وهو الذي رجحه الحفاظ، وقالوا: ابن عيينة وهم في قوله: عن حذيفة فقد تبين أن هذا الحديث المذكور لم يروه ابن ماجة بهذا اللفظ، لكن رواه أحمد والطبراني بنحو مما ذكره المصنف.

1 ابن ماجه: الكفارات (2118) ، وأحمد (5/72)، والدارمي: الاستئذان (2699) .

ص: 523

قوله: "عن الطفيل" هو ابن سخبرة وفي حديثه هذا أنه أخو عائشة لأمها، وكذا قال الحربي. وقال: الذي عندي أن الحارث بن سخبرة قدم مكة، فحالف1 أبا بكر فمات، فخلف أبو بكر على أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وكان لها من الحارث الطفيل بن الحارث، فهو أخو عائشة لأمها. وقيل غير ذلك. وهو صحابي ليس له إلا هذا الحديث قال البغوي: لا أعلم له غيره.

قوله: "رأيت فيما يرى النائم". كما روى أحمد، والطبراني.

قوله: "على نفر من اليهود" وفي رواية أحمد، والطبراني:"كأني مررت برهط من اليهود فقلت: من أنتم فقالوا: نحن اليهود. والنفر رهط الإنسان وعشيرته"، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، ولا واحد له من لفظه. قاله أبو السعادات.

قوله: "فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله"، أي: نعم القوم أنتم لولا ما أنتم عليه من الشرك، والمسبة لله بنسبة الولد إليه وهذا لفظ الطبراني، ولفظ أحمد قال: أنتم القوم.

قوله: "قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد". عارضوه بذكر شيء مما في المسلمين من الشرك الأصغر فقالوا له: هذا الكلام، أي: نعم القوم أنتم لولا ما فيكم من الشرك.

وكذلك جرى له مع النصارى.

قوله: "فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت". وفي رواية أحمد: "فلما أصبح أخبر بها من أخبر"، وفي رواية الطبراني:"فلما أصبحت أخبرت بها أناسًا".

1 في الطبعة السابقة: فخالف وهو تصحيف.

ص: 524

قوله: "ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته". فيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وعدم احتجابه عن الناس كالملوك بحيث إذا أراد أحد الوصول إليه أمكنه ذلك بلا كلفة ولا مشقة، بل يصلون إليه ويقضي حاجتهم ويخبرونه بما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، ويقصون عليه ما يرونه في المنام، بل كان صلى الله عليه وسلم يعتني بالرؤيا لأنها من أقسام الوحي، وكان إذا صلى الصبح كثيرًا ما يقول:"هل رأى أحد منكم رؤيا؟ "1.

قوله: "فحمد الله وأثنى عليه". وفي رواية أحمد: "فلما أصبحوا خطبهم فحمد الله وأثنى عليه". وفي رواية الطبراني: "فلما صلى الظهر قام خطيبًا". ففيه مشروعية حمد الله والثناء عليه في الخطب، وفيه الخطبة في الأمور المهمة. وأما معنى الحمد، فقد تقدم في باب قول الله تعالى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً} 2. وأما الثناء فقال ابن القيم: هو تكرار المحامد.

قوله: "ثم قال: أما بعد". في رواية أحمد، والطبراني:"ثم قال: إن طفيلاً رأى رؤيا"، ولم يذكر أما بعد. وفي رواية للطبراني: فقام نبي الله على المنبر فقال: "إن أخاكم رأى رؤيا قد حدثكم بما رأى". فيه مشروعية "أما بعد" في الخطب في هذا الحديث، وإلا فلا يضر فإنها ثابتة في خطبه عليه السلام، وفي غيره.

قوله: "وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها" وفي رواية أحمد، والطبراني "وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها"3. وهذا الحياء منهم ليس على سبيل الحياء من الإنكار عليهم، بل كان صلى الله عليه وسلم يكرهها ويستحيي أن يذكرها، لأنه لم يأمر بإنكارها، فلما جاء الأمر الإلهي بالرؤيا الصالحة أنكرها، ولم يستحي في ذلك.

وفيه دليل على أنها من الشرك الأصغر، إذ لو كانت من الأكبر لأنكرها من أول مرة قالوها. وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الحياء وأنه من الأخلاق المحمودة.

1 البخاري: الجنائز (1386)، ومسلم: الرؤيا (2275)، والترمذي: الرؤيا (2294) ، وأحمد (5/8 ،5/10 ،5/14) .

2 سورة الأعراف آية: 191.

3 مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (770)، والترمذي: الدعوات (3420)، وأبو داود: الصلاة (767) ، وأحمد (6/156) .

ص: 525