الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لفظ "كل" حقيقة في الكثرة أيضًا مثل الشمول
(1)
معلومٌ من اللغة أن كلمة (كل) اسم موضوع للدلالة على الإحاطة، وفيه إبهام اقتضى ملازمته الإضافة إلى اسم ذي أجزاء أو أفراد يبين إبهام "كل". ولكونه دالًّا على الشمول، كان ضدُّه لفظ "بعض" بشهادة فصيح الكلام، ففي الحديث الصحيح أن خرباقًا السلمي الملقب ذا اليدين لَمَّا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم العصرَ فسلم النبي صلى الله عليه وسلم من اثنتين أو ثلاث، قال له خرباق: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن"، قال له خرباق:"بل بعض ذلك قد كان"(2).
(1) المجلة الزيتونية، المجلد 9، العدد 2، 1356/ 1937 (ص 134 - 136). وقد أعيد نشره في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء الثامن، 1955 (ص 193 - 195). وقد جاء في مجلة المجمع الحاشية الآتية:"عُرض هذا البحث لابن عاشور عضو المجمع المراسل على المؤتمر وقرر نشره في المجلة (الجلسة الثانية لمؤتمر 29 من يناير سنة 1950) ".
(2)
صحيح البخاري، "كتاب السهو"، الحديثان 1228 - 1229، ص 196؛ صحيح مسلم، "كتاب المساجد ومواضع الصلاة"، الحديثان 573 - 574، ص 211 - 212؛ الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة: سنن الترمذي، نشرة بعناية خالد عبد الغني محفوظ (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 2، 1427/ 2006)، "أَبوابُ السهو" الحديث 399، ص 121. وذو اليدين - ويقال ذو الشمالين - هو عمير بن عبد عمر بن نضلة بن عمرو بن غُبشان الخُزاعي، ويُكنى أبا محمد. كان يعمل بيديه جميعًا فقيل ذو اليدين. وقيل: آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين يزيد بن الحارث بن فُسْحُم، وقُتِلَا جميعًا ببدر، وكان ذو اليدين ابن بضع وثلاثين سنة، كذا ترجم له ابن سعد. الزهري، محمد بن سعد بن منيع: كتاب الطبقات الكبير، تحقيق علي محمد عمر (القاهرة: مكتبة الخانجي، ط 1، 1421/ 2001)، ج 3، ص 154. ولكن ابن حجر وغيره من العلماء خطَّؤُوا الزهري، قال في الفتح: "قوله: صلى بنا رسول صلى الله عليه وسلم، ظاهرٌ في أن أبا هريرة حضر القصة، وحمله الطحاوي على المجاز فقال: إن المراد به صلى بالمسلمين. وسببُ ذلك قولُ الزهري إن صاحب القصة استشهد ببدر، =
فهذا ما لا سبيلَ إلى الشك فيه من وضع اللغة العربية، فلذلك إذا وقع لفظ "كل" بعد اسم مدلوله ذو أفراد أفاد توكيدَه بشمول أفراده حتى لا يُتوهم أن المتكلم أطلقه على غالب أفراده، وأنه غاب عن ذهنه بعضُ أفراده. وهذا هو المعدود في ألفاظ التوكيد المعنوي والملازم الإضافة إلى ضمير موافق للاسم السابق. وأما إذا وقع غيرَ تابعٍ قبله، فلا بدَّ من إضافته إلى اسم ظاهر أو مضمر لغير قصد التوكيد أو يكون منونًا بتنوين عوض عن لفظ المضاف إليه المعلوم من الكلام نحو قوله تعالى:{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)} [النمل: 87] حتى لا تفارقه الإضافةُ إلى ما يبينه، وهو دالٌّ على شمول أفراد ما أضيف هو إليه.
هذا هو الذي نجده لاستعمالات لفظ "كل" في دواوين اللغة، مثل صحاح الجوهري ولسان العرب ومغني اللبيب. ولكن الفيروز آبادي زاد عليهم زيادةً أدخل بها إشكالًا في اللغة، فقال في القاموس: "وقد جاء (كل) بمعنى بعض،
= فإن مقتضاه أن القصة وقعت قبل بدر، وهي قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين. لكن اتفق أئمةُ الحديث - كما نقله ابن عبد البر وغيره - على أن الزهري وهم في ذلك، وسببُه أنه جعل القصة لذي الشمالين، وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر وهو خُزاعي واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة. وأما ذو اليدين فتأخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة؛ لأنه حدث بهذا الحديث بعد النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخرجه الطبراني وغيره. وهو سلمي، واسمه الخرباق على ما يأتي البحث فيه. وقد وقع عند مسلم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة:"فقام رجل من بني سليم"، فلما وقع عند الزهري بلفظ فقام ذو الشمالين، وهو يعرف أنه قتل ببدر، قال لأجل ذلك إن القصة وقعت قبل بدر. وقد جوز بعضُ الأئمة أن تكون القصة وقعت لكل من ذي الشمالين وذي اليدين، وأن أبا هريرة روى الحديثين فأرسل أحدهما وهو قصة ذي الشمالين، وشاهدَ الآخر وهي قصة ذي اليدين، وهذا محتملٌ من طريق الجمع. وقيل يُحمل على أن ذا الشمالين كان يقال له أيضًا ذو اليدين وبالعكس، فكان ذلك سببًا للاشتباه. ويدفع المجازَ الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ:"بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد اتفق معظمُ أهل الحديث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غيرُ ذي اليدين، ونص على ذلك الشافعي رحمه الله في اختلاف الحديث". ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي: فتح الباري بشرح صحيح البخاري (الرياض: بيت الأفكار الدولية، بدون تاريخ)، ج 1، ص 794.
ضِدٌّ" (1)، وأشار صاحبُ تاج العروس في شرحه إلى أن مستَنَدَه في ذلك إلى كلام الفيومي في "المصباح"، وأشار إليه ابنُ السيد البطليوسي في "الإنصاف" (2).
فأما كلام الفيومي في المصباح، فمخالف لكلام القاموس؛ لأنه قال:"وقد يُستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]، أي كثيرًا؛ لأنها إنما دمرتهم ودمرت مساكنهم دون غيرهم، [ولا يُستعمل إلا مضافًا لفظًا أو تقديرًا] (3)، وهو كلام غير محمود، وأحسن ما فيه قوله: "بمعنى الكثير".
وأما كلام ابن السيد في الإنصاف، فإنما ذكر في باب الخلاف العارض من جهة العموم والخصوص مثالًا، وهو قوله تعالى:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]، فسنتكلم عليه. وأما قوله:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]، فهو من العام المخصوص، خصصه قوله:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25]، فعلم أن المدمَّر عينُ المساكن. فقد توارد كلامُ الفيومي وكلامُ ابن السيد على هذا الشاهد المؤوَّل بأنه من العام المخصوص (4).
(1) الفيروزآبادي: القاموس المحيط، ج 3، ص 520 (باب اللام: فصل الكاف).
(2)
الزبيدي: تاج العروس، ج 30، ص 339. ولفظ كلامه:"وقد أورد بعض ذلك الفيومي في مصباحه، وأشار إليه ابن السِّيد في الإنصاف".
(3)
الفيومي، أحمد بن محمد بن علي: المصباح المنير، نشرة بعناية يحيى مراد (القاهرة: مؤسسة المختار، 1429/ 2008)، ص 325.
(4)
قال ابن السيد أثناء كلامه على العموم والخصوص بصدد قوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)} [البقرة: 116]: "قال قوم هذا خصوص في أهل الطاعة، واحتجوا بأن كلًّا، وإن كانت في غالب أمرهم للعموم، فإنها قد تأتِي للخصوص، كقوله تعالى: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]، وقوله تعالى: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ثم قال: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 25] ". التنبيه على الأسباب التي أوجبت الخلاف بين المسلمين، ص 91.
قال في "تاج العروس" نقلًا عن شيخه: "وعلى استعمال "كل" (1) حُمل قولُ عثمان رضي الله عنه حين قيل له: "أبأمرك هذا"؟ فقال: "كل ذلك [- أي بعضُه -] عن أمري، وبعضه بغير أمري". (2) ومع كون هذا الكلام المنسوب إلى عثمان لم يثبت بلفظه عمن يوثق به من أئمة اللغة، فإنه لا شاهدَ فيه؛ لأن قصاراه أنه عام مخصوصٌ بلفظ متصل به، فلم تخرج كلمةُ (كل) الواقعة فيه عن معنى جميع الأفراد إلا بعد ذكر لفظ آخر. والعام المخصوص مرادٌ عمومه تناولًا، وذلك نظير الاستثناء من لفظ دال على العموم. ثم قال في تاج العروس: "وجعلوا منه أيضًا قوله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: 69]، وقوله تعالى:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] ". (3)
وأقول: أما الآية الأولى فلا شاهدَ فيها؛ لأن الأمر للإلهام والتسخير، فأكلها من كل الثمرات ممكن لها عند تمكنها وما يتيسر لها. وأما الآية الثانية فإن تنوين "شيء" للتعظيم بقرينة استعظام حالة ملكة سبأ، فلا حاجةَ إلى إخراج "كل" عن معنى الإحاطة بما أضيفت إليه. على أن كلامَ القاموس اقتضى أن كلمةَ "كل" تُطلق على مطلق البعض، أي: قليلًا كان أو كثيرًا. ويؤيده قوله: "ضِدٌ"، أي: ضِدٌّ لمعنى جميع الأجزاء؛ لأن أصل الضدية تقتضي تمام المقابلة، ولا أحسب أحدًا يقول بأن لفظ "كل" يطلق على الواحد ولا العدد القليل.
والذي يجب في هذا أن كلمة "كل" تُطلق على الكثير من جنس ما تضاف إليه، وعلى العظيم منه القائم مقامَ الكثير؛ لأن ذلك قريبٌ من أصل المعنى الموضوع له كلمة "كل"، إذ هو مبنيٌّ على تنزيل الأكثر أو المهم منزلةَ الجميع لعدم الاعتداد بما عدا ذلك. وهو استعمالٌ مجازي، ثم شاع وكثر في الكلام؛ لأن كلامَ العرب مبنيٌّ على التوسع، واستغنى عن قرينة المجاز حتى ساوى الإطلاقَ الحقيقيَّ في كثرته أو
(1) أي استعمال كل بمعنى بعض، حسب ابن الأثير شيخ الزبيدي.
(2)
الزبيدي: تاج العروس، ج 30، ص 339.
(3)
المرجع نفسه.
قاربها في مقامات لا يُقصد فيها الادعاء ولا المبالغة. فطرأ بذلك معْنًى جديدٌ لهذا اللفظ خارجٌ عن حد المجاز، لعدم احتياجه إلى القرينة. وقد يكون اللفظُ مجازًا، فيكثر استعمالُه حتى يساويَ الحقيقةَ فيصير حقيقة.
قال السيوطي في المزهر: "إن المجاز متى كثر استعمالُه صار حقيقة عرفًا، وإن الحقيقة متى قل استعمالُها صارت مجَازًا عرفا"(1). وذكر القرافي في تنقيح الفصول أن الوضع يطلق على جعل اللفظ دليلًا على المعنى وهو الوضع اللغوي، ويطلق على غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهرَ فيه من غيره (2).
ومن أسباب كثرة المفردات اللغوية اشتهارُ المجازات، والاتساعُ في الإطلاقات؛ فإن المجاز إذا كثر استعمالُه في الكلام اشتهر فاستغنى عن نصب
(1) أورد المصنف ما نقله عن السيوطي بتصرف تقديمًا وتأخيرًا، ونصه:"فالحقيقة متى قل استعمالُها صارت مجازًا عُرفًا، والمجاز متى كثر استعماله صار حقيقة عرفا". ثم قال: "وأما بالنسبة إلى معنى واحد من وضع واحد فمحال، لاستحالة الجمع بين النفي والإثبات". المزهر، ج 1، ص 291. والحقيقة أن ما قاله السيوطي مبني على كلام الإمام الرازي حيث قال عند كلامه على المباحث المشتركة بين الحقيقة والمجاز:"المسألة الثانية: في أن اللفظَ الواحدَ هل يكون حقيقةً ومجازًا معًا؟ أما بالنسبة إلى معنيين، فلا شك في جوازه. وأما بالنسبة إلى معنى واحد: فإما أن يكون بالنسبة إلى وضعين، أو إلى وضع واحد؛ فأما الأول فجائز؛ لأن لفظ الدابة بالنسبة إلى الحمار حقيقة بحسب الوضع اللغوي، مجازٌ بحسب الوضع العرفي. وأما الثاني فهو محال؛ لامتناع اجتماع النفي والإثبات في جهة واحدة. المسألة الثالثة: في أن الحقيقة قد تصير مجازًا وبالعكس؛ الحقيقة إذا قل استعمالها صارت مجازًا عرفيًّا، والمجاز إذا كثر استعماله صار حقيقة عرفية". الرازي: المحصول، ج 1، ص 343 - 344.
(2)
ص 25 طبع النهضة بتونس. - المصنف. ساق المصنف كلامَ القرافي بتصرف يسير، وتمام لفظه:"فالوضع يقال بالاشتراك على جعل اللفظ دليلًا على المعنى كتسمية الولد زيدًا، وهذا هو الوضع اللغوي، وعلى غلبة استعمال اللفظ في المعنى حتى يصير أشهرَ فيه من غيره، وهذا هو وضع المنقولات الثلاثة: الشرعي نحو الصلاة، والعرفي العام نحو الدابة، والعرفي الخاص نحو الجوهر والعرض عند المتكلمين". القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول من الأصول، نشرة بعناية أحمد فريد المزيدي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1428/ 2007)، ص 48.
القرينة. فحينئذ يساوي الحقيقة، أو يقاربها، أو يصير أشهرَ منها. وقد عدوا من أسبابِ المصير إلى المجاز دون الحقيقة في الكلام شهرةَ المجاز. ولقصد ضبط هذا الاستعمال وضع العلامة الزمخشري كتابه "أساس البلاغة" في اللغة (1).
وما اتسعت اللغةُ وكثرت مفرداتها إلا بمثل هذه التوسعات التي هي مسمى الوضع عند التحقيق، إذ ليس وضعُ اللغة بتصدي أفراد أو جماعات لجمع حروف تتركب منها كلمات تجعل لمعان مخصوصة.
وشواهد استعمال لفظ "كل" غير محتمل إلا معنى الكثرة لا تنحصر، فمن القرآن قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} [يونس: 96، 97]؛ فإن "كل آية" وإن وقعت في حيز المبالغة هنا لا تُتصور إلا على معنى الكثرة الشديدة؛ لأن جنس الآيات الدالة على الصدق لا يقبل النهاية، وقوله تعالى:{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} [الحج: 27]، وقوله تعالى:{وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأنعام: 25]. وقال النابغة:
بِهَا كُلُّ ذَيَّالٍ وَخَنْسَاءَ تَرْعَوِي
…
إِلَى كُلِّ رَجَّافٍ مِنَ الرَّمْلِ فَارِدِ (2)
وقال ذو الرمة:
بِهَا كُلُّ خَوْثَاءِ الحَشَا مَرْئِيَّةٌ
…
رَوَّادٌ يَزِيدُ القُرْطُ سوء قذالُهَا (3)
(1) وقد سبق للمصنف جلبُ شيء من كلام الزمخشري في هذا المعنى، وانظر أساس البلاغة، ج 1، ص 16.
(2)
ديوان النابغة الذبياني، ص 138 (نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم) وص 90 (نشرة ابن عاشور). البيت من قصيدة من بحر الطويل، قالها النابغة حين أغار النعمان بن وائل بن الجُلاح الكلبي على بني ذبيان وسبا سبيًا كانت فيه عقرب ابنة الشاعر نفسه، وفي ذلك قصة.
(3)
ديوان ذي الرمة، ص 241. والبيت من قصيدة طويلة (93 بيتًا) من بحر الطويل، قالها في هجاء بني امرئ القيس. ومعنى خوثاء: المسترخية البطن، ورواد: تذهب وتجيء، والقذال: جَماع مؤخر الرأس.
وقال أيضًا:
بِهَا كُلُّ خَوَّارٍ إِلَى كُلِّ صَعْلَةٍ
…
ضَهُولٍ وَرَفْضِ المُدْرِعَاتِ القَرَاهِبِ (1)
وقد تكرر ذلك في شعر النابغة وذي الرمة، وتكرر هذا المعنى ثلاث مرات في بيتين من شعر عنترة وهو قوله:
جَادَتْ عَلَيْهَا كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ
…
فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ
سَحًّا وَتَسْكَابًا، فكُلَّ عَشِيَّةٍ
…
يَجْرِي عَلَيْهَا المَاءُ لَمْ يَتَصَرَّمِ (2)
لا جرم أن كثرةَ استعمال "كل" في معنى الكثير يوجب إثباتَ هذا المعنى في دواوين اللغة، ويقتضي إصلاحَ قول القاموس:"وقد جاء استعمال كل بمعنى بعض، ضدٌّ"(3)، بقولنا:"وبمعنى الكثير"، ويزاد ذلك أيضًا في المستدركات على لسان العرب وتاج العروس، وتُذكر له شواهد على طريقة لسان العرب والتاج.
(1) المصدر نفسه، ص 31. والبيت من قصيدة عنوانها "ألا طرقت ميّ" من بحر الطويل. والخوار: ولد الغزال، والصعلة: الظبية الصغيرة الرأس. ضهول: قليلة اللبن، والمذرعات: البقر ذوات الأولاد، والقراهب: المسنات.
(2)
سبق توثيق البيت وبيان ما هناك من اختلاف في روايته.
(3)
سبق توثيق كلام الفيروزآبادي.