المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صوغ "مفعلة" من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف مما وسطه حرف علة - جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌المِحْوَر الرَّابعفِي اللُّغَةِ وَالأَدَبِ

- ‌الفَرْع الأَوّلبحُوث وَتحقيقات لُغويَّة

- ‌اللفظ المشترك في اللغة العربية

- ‌الأسباب التي قضت بوقوع المشترك في اللغة:

- ‌محاولة العرب إيجاد فروق بين الألفاظ المشتركة

- ‌أثر المشترك في التخاطب:

- ‌وسائل علاج الأثر السيئ للمشترك:

- ‌كيفية استعمال المشترك:

- ‌مثال من المشترك هو أغرب تصرفاته:

- ‌المترادف في اللغة العربية

- ‌المبحث الأول: في ما هو الترادف وتحقيقه:

- ‌المبحث الثاني: هل المترادف واقع في اللغة العربية

- ‌معنى الوضع:

- ‌مذاهب العلماء في إثبات المترادف:

- ‌المبحث الثالث: أسباب وقوع الترادف في اللغة:

- ‌المبحث الرابع: فوائد المترادف في اللغة:

- ‌التحذير من الغفلة عن الفروق بين الكلمات:

- ‌عطف أحد المترادفين على الآخر:

- ‌فرق لغوي مغفول عنه: "لا ضرر ولا ضرار

- ‌لفظ "كل" حقيقة في الكثرة أيضًا مثل الشمول

- ‌قولهم: "كان مما يفعل كذا

- ‌[تقديم]

- ‌المقصد:

- ‌تذييل:

- ‌الاقتراح:

- ‌صوغُ "مفعلة" من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف مما وسطُه حرفُ علة

- ‌الصوت المجسَّد، تقفية وتأييد

- ‌مراجعة الأستاذ إبراهيم مصطفى:

- ‌جواب المصنف:

- ‌الفَرْعَ الثَّانِيدِراسَات فِي عُلوم البَلَاغَة

- ‌الجزالة

- ‌موجز البلاغة

- ‌[استهلال: ] هذا موجز علم البلاغة:

- ‌مقدمة

- ‌[البلاغة]

- ‌تاريخ علم البلاغة:

- ‌فن المعاني:

- ‌باب الإسناد:

- ‌1 - عوارض الإسناد وأحواله:

- ‌2 - عوارض أحوال المسند إليه:

- ‌3 - عوارض أحوال المسند

- ‌4 - عوارض أحوال متعلقات الفعل:

- ‌القصر

- ‌الإنشاء:

- ‌ الوصل والفصل

- ‌عطف الإنشاء على الخبر وعكسه:

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة:

- ‌فن البيان

- ‌التشبيه

- ‌الحقيقة والمجاز:

- ‌الكناية:

- ‌تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌فن البديع

- ‌ملاحق موجز البلاغة

- ‌1 - تقريض الكتاب بقلم شيخ الإسلام الحنفي

- ‌2 - قرار النظارة العلمية

- ‌‌‌أصول الإنشاءوالخطابة

- ‌أصول الإنشاء

- ‌[استهلال]

- ‌مقدمة

- ‌كيفية الإنشاء للمعنى

- ‌مثال للتمرين:

- ‌أساليب الإنشاء:

- ‌القسم الأول: [الإنشاء] المعنوي

- ‌تعريف المعنى وتقسيمه

- ‌صفات المعنى

- ‌طرق أخذ المعنى

- ‌ترتيب المعاني وتنسيقها وتهذيبها

- ‌أخذ النتائج من المعاني

- ‌مقامات الكلام

- ‌القسم الثاني: [الإنشاء] اللفظي

- ‌أحوال الألفاظ المفردة

- ‌أحوال الألفاظ المركبة

- ‌تمرين

- ‌السجع والترسل

- ‌التمرن على الإجادة

- ‌[خاتمة]

- ‌فنُّ الخطابة

- ‌ما هي الخطابة

- ‌منافع الخطابة

- ‌أصول الخطابة

- ‌ الْخَطِيبَ

- ‌[عيوب الخطابة]

- ‌الخطبة

- ‌التدرب بالخطابة

- ‌الفَرْعُ الثَّالِثدِرَاسَات فِي الأَدَب والنَّقْد

- ‌شرح المقدمة الأدبية لشرح الإمام المرزوقي على ديوان الحماسة لأبي تمام

- ‌متن المقدمة الأدبية

- ‌شرح المقدمة الأدبية

- ‌[تقديم]

الفصل: ‌صوغ "مفعلة" من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف مما وسطه حرف علة

‌صوغُ "مفعلة" من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف مما وسطُه حرفُ علة

(1)

طالعتُ في الجزء الثاني من المجلد الخامس والثلاثين من مجلة المجمع العلمي العربي ص 326 بحثًا أُثيرَ في لجنة المجمع عن صوغ زنة مَفْعَلَة التي تدل على أرض فيها شيء ذو اسم معتل مثل تُوتٍ وخَوْخٍ وتِيْنٍ: هل تُصاغ بإعلال العين فيقال: متَاتة ومَخَاخَة وَمَتَانَة، أو تُصحَّح العينُ فيقال: مَتْوَتَة ومَخْوَخَة ومَتْيَنَة؟

وجاء فيه أن البحثَ أحيل على مجمع اللغة العربية في القاهرة ليقرر فيه ما يسهِّل عملَ واضعي المصطلحات العلمية، وأن لجنةَ الأصول في مجمع اللغة العربية أخذت فيه قرارًا هو:"أن القاعدة في صوغ مفعلة مما وسطه حرفُ علة هي الإعلال، ولكن وردت ألفاظٌ كثيرة بالتصحيح مثل مثْوَبَة ومَشْرَرَة ومَصْيَدَة ومَقْوَدَة ومَبْوَلَة، وأن بقاء الكلمة من غير إعلال أبيَن في الدلالة على المعنى. والإعلال في هذا الباب غير مستحكم، وقد أجيز التصحيح في الأفعال. فالإجازة في الأسماء مقبولة لأن الأسماء في هذا الباب محمولةٌ على الأفعال في الإعلال، وأن مؤتمر المجمع في جلسته يوم 17 ديسمبر 1959 وافق على قرار لجنة الأصول". قال المحرر: "ومنه يتضح جوازُ التصحيح (علاوةً على الإعلال) في صوغ مفعلة من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف (التي ليس لها أفعال) كتُوت وخَوْخ وتِيْن". (2)

(1) مجلة المجمع العربي العلمي بدمشق، المجلد 36، الجزء 1، 1380/ 1961 (ص 36 - 42).

(2)

مجلة المجمع العربي العلمي بدمشق، المجلد 35، الجزء 2، 1379/ 1960 (ص 326 - 327).

ص: 1153

وأنا أُقَفِّي على قرار المجمع اللغوي، ثم أعود إلى ما استخلصته مجلةُ المجمع العلمي العربي، وسأُلفت نظرَ المجمع العلمي إلى ضبط هذه القاعدة وتحديد انتشار استعمالها في الكلام، فأقول:

الصيغة التي جرى البحثُ والتحقيق بصددها هي خصوصُ صيغة مفعلة المصوغة من اسم جامد للدلالة على مكان يكثُر فيه مسمَّى ذلك الاسم. وهذا نوعٌ خاص من أنواع صيغة مَفْعَلة، وهو النوع الذي ليس مصدرًا نحو مَشْوَرَة، ولا اسمًا نحو مَشْيَخَة جمع شيخ، أو مفردًا نحو المشيخة اسمَ ولاية نحو مشيخة الإسلام ومشيخة الأزهر. فهذا النوع إذا كانت عينُه حرفَ علة متحرك إثر حرفٍ صحيح ساكن فتقتضي نقلَ حركة حرف العلة إلى الساكن الصحيح قبله، فينقلب حرفُ العلة إِذَنْ ألفًا.

غير أن هذه القاعدة إنما ضبطها علماءُ العربية بزَكانتهم في الأفعال بالأصالة، وفي الأسماء المشابهة للأفعال المضارعة في حركات الحروف وفي حرف زائد قبل أصول الأسماء. فكانت القاعدةُ مقصورةً على الأسماء المشتقة من أسماء المعاني (الأحداث)؛ لأنها لما أشبهت الأفعالَ في المادة وزادت بشبهها المضارعَ في الصورة استحقت الالتحاقَ بالفعل المضارع في وجوب نقل حركة العين المعتلة إلى الساكن الصحيح قبلها، وكلّ ذلك تعليلٌ وتوجيهٌ لما سُمِع من الكلام العربي الفصيح.

أما صيغة مفعلة المشتقة من أسماء الأعيان الجامدة، فقد سكت أئمةُ التصريف عن التصريح بتطبيق قاعدة النقل والإبدال فيها، وعن استثنائها من تلك القاعدة. فيُظَنُّ أن قياسَ قواعد النقل والإبدال مطَّردٌ فيها، وقد يُشك في ذلك. لكنا قد نأخذ آراءهم فيها من الأمثلة التي يجري التمثيلُ بهل لِمَا استُثْنِيَ من قاعدة نقل حركة العين المعتلة إلى الساكن الصحيح قبلها، مثلما استثنَوْا صيغةَ مِفعال ومِفْعَل من تلك القاعدة، نحو مِسْواك ومِقْياس ومِقْوَل (وهو اللسان؛ لأنه آلةُ القول) ومِخْيَط.

ص: 1154

وعند التأمل نجد هذه المفعَلة قد تَجاذبها ما يقتضي الإعلالَ - وهو قاعدةُ تحرك حرف العلة وانفتاح ما قبله - وما يقتضي التصحيحَ، وهو: أولًا أن التصحيحَ هو الأصل. ثانيًا أن إعلالَ ما أُعِلَّ من الأسماء كان بالحمل على الفعل، فجريانُه في الأسماء المشتقة - وهي الصفاتُ والمصادر - واضحٌ لمشابهتها الأفعالَ في الاشتقاق. ثالثًا أن الإعلالَ إذا لم يكن موجِبُه تعذرَ النطق بالكلمة ولو لم تُعل - وهو الإعلال الذي لا بدَّ منه إذ يتعذر النطقُ بدونه، مثل قلب ألف ضارب واوًا إذا صغَّرتَ فقلتَ: ضويرب لتعذر النطق بالألف بعد ضمة التصغير - فإن موجِبَه طلبُ التخفيف، مثل إعلال الفاء من ميزان؛ فإنك لو أردتَ أن تنطق بالفاء مصححةً فقلت مِوْزان لم يتعذَّرْ عليك، إلا أن إعلالَها بقلبها ياءً لمناسبة الكسرة أخفُّ في النطق.

وهذا غالبُ ما وقع من إعلالٍ في الكلمات العربية، فحقيقٌ جريانُه في الأفعال؛ لأنها كثيرةُ التداول في الكلام. وجريانُه في الأوصاف المشتقة من أسماء الأحداث تابعٌ لجريانه في أفعالها، لكثرة تداولها أيضًا، ولطرد الباب على وتيرة واحدة.

لهذا فإذا كان الإعلالُ مُوقِعًا في اللَّبس، فمراعاةُ دفع اللبس أَوْلَى من طلب التخفيف. ألا ترى أنَّهم أوْجَبوا تصحيحَ صيغة الإِفْعال إذا لم يكن لها فعلٌ ثلاثيّ، مثل أَغْيَمَتْ السماءُ، وأَعْوَل إذا رفع صوتَه بالبكاء؛ فهما مُصحَّحان! (1) وفي الاستفعال المشتق من اسم المعنى (الحدث)، مثل استَحْوَذَ واسْتَيْأَسَ؛ فهما مصححان، والمشتقّ من اسم جامد مثل استَنْوَقَ الجملُ واستَتْيَسَتِ الشاةُ؛ فهما مصحَّحان. وهذا الذي جزم به ابنُ مالك في التسهيل، وجعله قولًا فصْلًا بين إطلاق الجمهور في منع التصحيح في جميع ذلك، وإطلاق أبي زيد الأنصاري في جواز التصحيح في

(1)"جاء في لسان العرب (غيم) ما نصه: وقد غامَت السماء وأغامَت وأَغْيَمَتْ وتَغَيَّمَت وغَيَّمَت كله بمعنى؛ وبه نرى أن (أغيمت) لها فعل ثلاثي فلا يصح التمثيل بهذا الفعل، ويصح مثل (أَعْوَل) بمعنى رفع صوته بالبكاء؛ فإن الثلاثي بمعنى كثرة العيال، ففي اللسان (عول): وعَالَ وأعول وأعيل على المعاقبة عُؤُوْلًا وعِيالَة، كَثُر عِياله. قال الكسائي: عال الرجل يَعول، إذا كَثُر عياله". - لجنة الأصول بمجمع اللغة العربية بالقاهرة.

ص: 1155

جميع ذلك (1)، وكلامُ ابن مالك معضودٌ بالسماع. وقد تحصل من هذا أن التصحيحَ أوضحُ دلالةً على المراد، ولهذا سَمَّى سيبويه التصحيحَ تبيينًا في كتابه (2).

فأما صيغة مفعلة المصوغةُ من اسم جامد فبعيدٌ شبهُها بالفعل في المعنى؛ لأنها غير مشتقةٍ من الأحداث (3)، ولأنها قليلةُ الدَّوران في الكلام، فلا يُحتاج فيها إلى التخفيف، ولأنها لندرة دورانها قد يفضي إعلالها إلى جهل ما أُخذت منه أو التباسها ببعض المصادر الميمية. فتصحيحُ حروفِها متعيِّن؛ لأنه الأصل، وليُؤْمَنَ اللبس، ولضعف الحاجة فيها إلى التخفيف بالإعلال.

ألا ترى أنك لو صُغتَ مَفعلة من اسم عُود، وهو العود الذي يُحرق للتطيب برائحة دخانه، فإنك إن صححته فقلتَ مَعْوَدَة ظهر المرادُ، وإن أعللتَ فقلتَ مَعَادَة التبس ببقعة العَوْد (بفتح العين) وهي المعاد (كما تقول مقام ومقامة) أو بمكان

(1) انظر: ابن مالك، جمال الدين محمد بن عبد الله الطائي الجياني الأندلسي: شرح التسهيل، تحقيق عبد الرحمن السيد ومحمد بدوي المختون (القاهرة: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1410/ 1990)، ج 3، ص 457 - 458.

(2)

قال سيبويه في باب التضعيف في بنات الياء: "وقال ناسٌ كثير من العرب قد حيي الرجل وحييت المرأة فبين، ولم يجعلوها بمنزلة المضاعف من غير الياء. وأخبرنا بهذه اللغة يونس. وسمعنا بعض العرب يقول: أعيياء وأحييةٌ فيبين، وأحسن ذلك أن تخفيها وتكون بمنزلتها متحركة. وإذا قلت يحيى أو معي ثم أدركه النصب فقلت: رأيت معييًا ويريد أن يحييه لم تدغم؛ لأن الحركة غير لازمة ولكنك تخفي وتجعلها بمنزلة المتحركة، فهو أحسن وأكثر. وإن شئت بينت كما بينت حيي. والدليل على أن هذا لا يدغم قوله عز وجل: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} [القيامة: 40]. ومثل ذلك معيية؛ لأنك قد تخرج الهاء فتذهب الحركة، وليست بلازمة لهذا الحرف. وكذلك محييان ومعييان وحييان، إلا أنك إن شئت أخفيت. والتبيين فيه أحسن مما في يائه كسرة؛ لأن الكسرة من الياء فكأنهن ثلاث ياءات. فأما تحيةٌ فبمنزلة أحيية، وهي تفعلة. والمضاعف من الياء قليل؛ لأن الياء قد ثُثَقَّل وحدها لامًا، فإذا كان قبلها ياءٌ كان أثقل لها". الكتاب، ج 4، ص 540 - 541. وانظر كذلك ص 183 - 185 و 491 - 495.

(3)

عبَّرتُ بالأحداث لتجرىَ العبارةُ على ما يناسب رأيَ نحاة البصرة من أن المصدر أصلُ الاشتقاق، وما يناسب رأيَ نحاة الكوفة من أن الفعل هو أصلُ الاشتقاق، وكلٌّ من المصدر والفعل فيه معنى الحدث. - المصنف.

ص: 1156

عيادة المريض أو ساعتها أو ساعة عيادة الطبيب. وكذلك المفعلة من اسم المكان الذي يكثر فيه الحُوتُ والأرض التي يكثر فيها الفِيل؛ فإن مَحْوَتَة ومَفْيَلة أظهرُ في المراد من مَحاتَة ومَفَالة.

وكذلك إذا قلنا متانة للمكان الذي يكثر فيه التِّين يلتبس بمصدر مَتَن على وزن فعالة؛ تقول: باعه الدارَ بمتانتها، فتؤول إلى الغرابة المنافية للفصاحة، كما وقع في قول العجاج:"وفَاحِمًا وَمَرْسِنا مُسَرَّجَا"(1)، فلم يتضح مرادُه: هل أراد كالسراج أو كالسيف السريجي.

وألا ترى أنهم فرَّقوا بين استقام فأَعَلُّوه وبين استنوق الجمل فصححوه؛ لأنه ليس له فعلٌ ثلاثي؟ وكذلك استحوذ واستيأس صححوهما؛ لأنهم لم يَبْنُوا منهما فعلًا ثلاثيًّا، بخلاف استقام لأنهم بنوا منه قَام كما تقدم.

ومما يجب التنبيهُ له أن صيغةَ المفعلة المصوغة لكثرة الشيء صنفان: صنفٌ يدل على محل يكثر فيه المسمَّى من ذوي الأسماء الجامدة، وصنفٌ يدل على سببِ كثرةِ الشيء من أسماء المعاني المشتقة. فالصنف الأول هو ما خُضنا فيه آنفًا، والصنف الثاني - وهو قرينُه - كقولهم في الصحيح منه:"الولد مَجْبَنَة مَبْخَلة"(2)، وقول عنترة:"والكفر مَخبَثَةٌ لنفس المنعم"(3).

(1) هذا عجز البيت التاسع والثلاثين من الأرجوزة رقم 33، وتمامه:

وَمُقْلَةً وَحَاجِبًا مُزَجَّجَا

وفَاحِمًا وَمَرْسِنًا مُسَرَّجَا

وتشتمل هذه الأرجوزة على مائة وسبعة وأربعين بيتًا من مشطور الرجز، ومطلعها:

مَا هَاجَ أَحْزَانًا وَشَجْوًا قَدْ شَجَا

مِنْ طَلَلٍ كَالأَتْحَمِيِّ أَنْهَجَا

ديوان العجاج، ج 2، ص 13 - 82.

(2)

قطعة من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده 2/ 305 برقم (1032)، وتمامه "الولد ثمر القلب وإنه مَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ". وانظر سنن ابن ماجه (3666) ومسند أحمد 29/ 104، رقم (17562).

(3)

هذا عجز البيت الثامن والستين من المعلقة، وصدره:"نُبِّئْتُ عَمْرًا غَيْرَ شَاكِرٍ نِعْمَتِي". القرشي: جمهرة أشعار العرب، ص 220؛ ديوان عنترة، ص 214 (نشرة مولوي).

ص: 1157

وهذا الصنف ورد تصحيحُ المعتل منه عن العرب في قولهم: الحرب مأتمة، وكثرة الشراب مَبْوَلَة (فهذه كلُّها ليست مصادرَ ميمية لعدم اشتقاقها من معنى المصدرية بل هي دالَّةٌ على كثرة الأحداث).

ونحن وإِنْ لَمْ نعثر على مثالٍ مسموع مِمَّا ورد فيه مفعلة للصنف الأول قد أعلوا عينه، فهذه أمثلةٌ لما صُحَّح فيه الصنفُ الثاني الذي هو نظيرُه، فنجعل هذا الصنفَ الثاني أصلًا يقاس عليه. فالذي يجب اعتمادُه في المفعلة المصوغة من الاسم الجامد للدلالة على المكان الذي يكثر فيه مسمَّى ذلك الاسم إذا كانت العين حرفَ علة، أن نجري على تصحيح حرف العلة وأن لا يُترك الخيارُ للمتكلمين بين أن يصححوا أو يعلُّوا، إذ لا بدَّ أن يجريَ كلامُ الشعوب العربية على طريقة متحدة وصريحة لا احتمالَ فيها؛ لأن وضوحَ المراد هو الغايةُ الأصلية من وضع اللغات وتهذيبها.

ومما يؤكِّد ذلك أن الأسماءَ الجامدة التي عينُ كلماتها ألفٌ، لا يمكن صوغُ المفعلة منها إلا بإرجاع الألف إلى الواو نحو سَاج (اسم خشب متين لا ينخره السوس) وبان (اسم شجر ذي حَب يدهن بزيته)، فصوغ مفعلة للمكان الذي يكثر فيه أحدهما يتعين فيه التصحيحُ فنقول مَسْوَجَة ومَبْوَنَة على المعروف في قلب الألف المجهولة الأصل واوًا إذا عرض لها موجِبُ قلب، كما قُلبت ألفُ خاتِم حين جمع على خواتِم. ولو أعللنا العين بعد أن تُرَد إلى أصلها لآل أمرُنا إلى أنا أرجعنا الألف إلى حالتها التي حَولناها عنها، فيذهب عملنا سُدى.

فالظاهر من كلام لجنة المجمع اللغوي أنهم ما أرادوا إلا أن صيغةَ مَفْعلة لِمَا كثر من ذوي الأسماء الجامدة يتعين فيها التصحيحُ ولا يجوز فيها الإعلال، وهو الذي ينبغي الصَّدَرُ عنه لضعف شبه صيغة المفعلة هذه بالأفعال: في مادتها لأنها مأخوذة من الجامد، وفي صيغتها لأنها صيغةٌ لا نظيرَ لها في الأفعال، ولقلة تداولها في الكلام بحيث لا يُتطلَّب لها التخفيفُ بالإعلال، ولأن قلة تداولها قد تُفضي في بعض صور إعلالها إلى التباسِ مراد المتكلِّم كما تقدم؛ لأن أذهان السامعين متفاوتة في إدراك ما يخيِّل اللبس.

ص: 1158

فإذا تقرر هذا، فلنعُدْ إلى ما جاء في مجلة المجمع العلمي بدمشق ونصه:"ومنه يتضح جوازُ التصحيح (علاوةً على الإعلال) في صوغ مفعلة من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف التي ليس لها أفعال، كتوت وخوخ وتين وأشباهها"، فنؤسس له بأن مقصَدَ أئمة العربية من وضع القواعد التصريفية تجنبُ الحيْدة في التكلُّم بكلام عربِي عن غير الاستعمال المستَقْرَى من تتبع فصيح الكلام، والتنبيهُ على ما ندر استعمالُه بينهم بأنه يُحفظ ولا يُقاس عليه، مع بيان المناسبات الدقيقة التي أفاضتها أذواقُ الأئمة المتتبعين لموارد استعمال الكلام العربي عند اشتقاق الكلمات وصوغها، لتكون تلك الأصولُ صونًا لِلِسانِ الناشئ في هذه اللغة من الخطأ ولتُتَّخذ مقياسًا يقاس عليه ما يُراد اشتقاقُه فيما لم يُسمع استعمالٌ فيه عن العرب.

وما أرادوا من صنعهم هذا إلا ليتَّبع الشاجون في اللغة أشهرَ الاستعمال، ويجتنبوا النادرَ تقليلًا من انتشار ذلك النادر؛ لأن لانتشاره فيما سلف من عصور العرب سببًا تعذّر معه الضبط، وهو تعددُ القبائل، وتباعدُ المواطن، وفقدانُ التدوين، واللُّجأُ إلى السماع دون وضع قواعد. وذلك ما أهلُ العربية اليومَ فيه بمنجاةٍ عن تلك العوائق.

فلنبنِ على هذا الأساس أنا نعتمد أحدَ الوجهين في صيغة المفعلة من المعتل العين، وهو وجهُ التصحيح لرجحانه على الإعلال بأن علته تجنبُ اللبس. فإذا سلمنا بأن الوجهين من الإعلال والتصحيح جائزان، فعلينا الأخذُ بأحدهما لتجريَ لغتُنا على طريقة واحدة، فذلك أسعدُ بمقصدنا من ضبط استعمال اللغة وتحديد وتطبيق فروقها، أخذًا بأفصح الوجوه الواردة عن الفصحاء وأشهرها دورانًا في كلامهم، أو أخذًا بأحد الجائزَيْن إذا كان للأخذ به مرجِّحٌ، كما تبين مما سلف.

ص: 1159