الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَلَا أَيُّهَا النُّوَّامُ وَيْحَكُمْ هُبُّوا
…
أُسَائِلُكُمْ: هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الْحُبُّ (1)
كما تقدم في آخر القسم المعنوي.
أحوال الألفاظ المركبة
وللألفاظِ في حال تركيبها أحوالٌ غيرُ أحوالِها مفردة، وهي تُجمع في فصاحة الكلام، ونزاهته، وانسجامه، والاقتصاد من الفضول فيه، واتصالِ جمله، ومناسبتِه للغرض. فأما فصاحةُ الكلام، فقد عُرفت في علم المعاني. وأما النزاهةُ فهي الخلوُّ من الألفاظ المستهجَنَة والشنيعة، ولو باعتبارِ ما يَسْبِقُ الكلمةَ أو يلحقُها. وقد عِيب على أبي تمام قولُه:
أَعْطَيْتَنِي دِيَةَ الْقَتِيلِ وَلَيْسَ لِي
…
عَقْلٌ وَلَا حَقٌّ هُنَاكَ قَدِيمُ (2)
فإنه أراد العقلَ بمعنى العاقلة في القرب من القتيل، إلا أن تركيبَه مع "ليس" و"لي" أعطاه صورةَ نفيِ العقل - بمعنى الإدراك - عن نفسه، كما يُقال: ليس لفلان عقل. ومنه قولُ صاحب "حسن التوسُّل" في وصفِ مقدم سرِيَّة جيش: "أروع للعدى في تطلعه من سَلَّة سيف، حتى يتعجَّب عدوُّ الدين في الاطلاع على عوراتهم من أين دُهِيَ وكيف"(3)، فلو أبدل كلمةَ الاطلاع بالاتباع لَسَلِم من الهُجنة الحاصلة من الجمع بين كلمتي "الاطلاع" و"العورات".
وأما الانسجامُ فهو سهولةُ الكلام في حال تركيبه، بحيث لا يثقلُ على اللسان. ومرجع ذلك للفظ، وهو أخصُّ من فصاحة الكلام، قال الجاحظ عن
(1) سبق توثيق هذا البيت وذكر ما قيل فيه.
(2)
البيت هو الخامس والعشرون من قصيدة طويلة يمدح فيها أبا الحسين محمد بن الهيثم بن شبانة. ديوان أبي تمام، ص 283.
(3)
الحلبي الحنفي، أبو الثناء محمود بن سليمان (توفي سنة 720 هـ): كتاب حسن التوسُّل في صناعة الترسُّل (القاهرة: مطبعة أمين هندية، 1315 هـ)، ص 133.
بعض الأدباء: "إن المعنى إذا اكتسى لفظًا حسنًا، وأعاره البليغُ مخرجًا سهلًا، ومنحَه المتكلِّم قولًا متعشَّقًا، صار في قلبك أحلى، ولصدرك أملا". (1)
ويندرجُ تحت الانسجام سلامةُ الكلام من التكلُّفِ والتصَنُّع، بحيث لا تَعرِف منه كدَّ الذِّهن، ولا تلفيقَ المعاني لأجل الألفاظ، ولا البحثَ عن الألفاظ المستغرَبة. وكذا الإكثارُ من المحسِّنات البديعيَّة المتكلَّفة التي يُعبَّرُ عنها بالصَّنْعة، وإن وقع شيءٌ منها فإنما يقع بدون تكلِّف، أو بخفيفٍ من التكلف عندما تجودُ به فرصةُ المقام. ويُسمَّى الكلامُ المستكثِرُ منها مصنوعًا، وغيرُ المتكلِّف لها مطبوعًا، قال صاحبُ التلخيص:"وأصلُ الحسن في جميع ذلك أن تكونَ الألفاظُ توابع". (2) وممن عيب عليه التكلُّفُ في ذلك إبراهيم بن هلال الصابي - كاتب بني بويه - وعبد الله بن المعتز. وفنُّ الشعر أشدُّ تحملًا للصنعة من النثر.
وأما الاقتصادُ فهو بطرحِ الفُضُولِ في اللفظ، وحذفِ المُكرَّرِ من القول، والاستغناءِ عن كثرة المؤكِّدات. وإن كان لهذا شيءٌ من التعلق بالمعاني، إلا أننا أدرجناه في عدادِ صفات اللفظ، لَمَّا كان المعنى فيه غيرَ معتبر، وإنما الداعي إليه الإكثارُ من الألفاظ أو التهويلُ بها، مثل قولهم:"من غير شك ولا ريب"، وقول بعض مَنْ وصف العفوَ، لا سِيَما إذا عظم الجرمُ وكبر الإثم:"والملوك إنما تُؤثر عنهم الخلالُ الحميدة، والخصالُ الشريفة السعيدة". (3) ومثل زيادة حروف لا حاجةَ
(1) الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 1، ص 174.
(2)
القزويني، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن الخطيب: التلخيص في علوم البلاغة، ضبطه وشرحه عبد الرحمن البرقوقي (القاهرة: دار الفكر العربي)، ص 408. وهذا الكلام في الأصل للسكاكي (وقد سبق للمصنف ذكرُه)، وتمامه: "وأصلُ الحسن في جميع ذلك (أي في أنواع البديع وصوره المختلفة) أن تكون الألفاظُ توابعَ للمعاني، لا أن تكونَ المعاني لها توابع، أعني أن لا تكون متكلَّفة". مفتاح العلوم، ص 542 387 (نشرة هنداوي).
(3)
قال ابن عرب شاه: "وأحسن العفو يا ذا السلوك عفو السلاطين والملوك، لا سيما إذا عظم الجرم وكبر الإثم؛ فإن العفوَ آنذاك صادرٌ عن ملك ذي سلطان قادر. . . وغير الملوك من العاجز والصعلوك عفوهم إنما هو عجز وحشية، أو لتمشية غرض مشية. والملوك إنما يؤثر عنهم =