المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وحكّ الجلد، وفتل الأصابع، وكثرة حركة الأيدي والبدن، والتمخط، وغيره. - جمهرة مقالات ورسائل الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور - جـ ٣

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌المِحْوَر الرَّابعفِي اللُّغَةِ وَالأَدَبِ

- ‌الفَرْع الأَوّلبحُوث وَتحقيقات لُغويَّة

- ‌اللفظ المشترك في اللغة العربية

- ‌الأسباب التي قضت بوقوع المشترك في اللغة:

- ‌محاولة العرب إيجاد فروق بين الألفاظ المشتركة

- ‌أثر المشترك في التخاطب:

- ‌وسائل علاج الأثر السيئ للمشترك:

- ‌كيفية استعمال المشترك:

- ‌مثال من المشترك هو أغرب تصرفاته:

- ‌المترادف في اللغة العربية

- ‌المبحث الأول: في ما هو الترادف وتحقيقه:

- ‌المبحث الثاني: هل المترادف واقع في اللغة العربية

- ‌معنى الوضع:

- ‌مذاهب العلماء في إثبات المترادف:

- ‌المبحث الثالث: أسباب وقوع الترادف في اللغة:

- ‌المبحث الرابع: فوائد المترادف في اللغة:

- ‌التحذير من الغفلة عن الفروق بين الكلمات:

- ‌عطف أحد المترادفين على الآخر:

- ‌فرق لغوي مغفول عنه: "لا ضرر ولا ضرار

- ‌لفظ "كل" حقيقة في الكثرة أيضًا مثل الشمول

- ‌قولهم: "كان مما يفعل كذا

- ‌[تقديم]

- ‌المقصد:

- ‌تذييل:

- ‌الاقتراح:

- ‌صوغُ "مفعلة" من أسماء الأعيان الثلاثية الأحرف مما وسطُه حرفُ علة

- ‌الصوت المجسَّد، تقفية وتأييد

- ‌مراجعة الأستاذ إبراهيم مصطفى:

- ‌جواب المصنف:

- ‌الفَرْعَ الثَّانِيدِراسَات فِي عُلوم البَلَاغَة

- ‌الجزالة

- ‌موجز البلاغة

- ‌[استهلال: ] هذا موجز علم البلاغة:

- ‌مقدمة

- ‌[البلاغة]

- ‌تاريخ علم البلاغة:

- ‌فن المعاني:

- ‌باب الإسناد:

- ‌1 - عوارض الإسناد وأحواله:

- ‌2 - عوارض أحوال المسند إليه:

- ‌3 - عوارض أحوال المسند

- ‌4 - عوارض أحوال متعلقات الفعل:

- ‌القصر

- ‌الإنشاء:

- ‌ الوصل والفصل

- ‌عطف الإنشاء على الخبر وعكسه:

- ‌الإيجاز والإطناب والمساواة:

- ‌فن البيان

- ‌التشبيه

- ‌الحقيقة والمجاز:

- ‌الكناية:

- ‌تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر

- ‌فن البديع

- ‌ملاحق موجز البلاغة

- ‌1 - تقريض الكتاب بقلم شيخ الإسلام الحنفي

- ‌2 - قرار النظارة العلمية

- ‌‌‌أصول الإنشاءوالخطابة

- ‌أصول الإنشاء

- ‌[استهلال]

- ‌مقدمة

- ‌كيفية الإنشاء للمعنى

- ‌مثال للتمرين:

- ‌أساليب الإنشاء:

- ‌القسم الأول: [الإنشاء] المعنوي

- ‌تعريف المعنى وتقسيمه

- ‌صفات المعنى

- ‌طرق أخذ المعنى

- ‌ترتيب المعاني وتنسيقها وتهذيبها

- ‌أخذ النتائج من المعاني

- ‌مقامات الكلام

- ‌القسم الثاني: [الإنشاء] اللفظي

- ‌أحوال الألفاظ المفردة

- ‌أحوال الألفاظ المركبة

- ‌تمرين

- ‌السجع والترسل

- ‌التمرن على الإجادة

- ‌[خاتمة]

- ‌فنُّ الخطابة

- ‌ما هي الخطابة

- ‌منافع الخطابة

- ‌أصول الخطابة

- ‌ الْخَطِيبَ

- ‌[عيوب الخطابة]

- ‌الخطبة

- ‌التدرب بالخطابة

- ‌الفَرْعُ الثَّالِثدِرَاسَات فِي الأَدَب والنَّقْد

- ‌شرح المقدمة الأدبية لشرح الإمام المرزوقي على ديوان الحماسة لأبي تمام

- ‌متن المقدمة الأدبية

- ‌شرح المقدمة الأدبية

- ‌[تقديم]

الفصل: وحكّ الجلد، وفتل الأصابع، وكثرة حركة الأيدي والبدن، والتمخط، وغيره.

وحكّ الجلد، وفتل الأصابع، وكثرة حركة الأيدي والبدن، والتمخط، وغيره. قال مَنْ ذَمَّ خطيبًا:

مَلِيٌّ بِبُهْرٍ وَالْتِفَاتٍ وَسَعْلَةٍ

وَمَسْحَةِ عُثْنُونٍ وَفَتْلِ الأَصَابِعِ (1)

‌الخطبة

قد عرفت حقيقتها مما تقدم وليس لمقدارها حد محدود، ولكنها تكون بحسب الغرض الذي دعى الخطيب للكلام، ثم تكون بحسب ذلك الغرض بين موجزة ومطنبة ومتوسطة بحسب ما يأتي في المقامات. ولذلك تكلم الفقهاء على أقل مقدار خطبة الجمعة والعيدين. والمروي في المذهب أن مسمعى الخطبة حمد الله وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحذير وتبشير وقرآن، وذلك لأن غرض الخطبة الدينية لا يقصر عن ذلك، إلا أن الخطبة التامة تطول وتقصر بحسب الحاجة. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر الخطبةَ الجُمُعية وأطال خطبةَ الحج؛ لأن الأولى تتكرر فيقتصر فيها على ما دعت إليه الحاجةُ في تلك الجمعة، بخلاف الأخرى. ومتى نظرنا إلى أغراضٍ الخطباء في تركيب الخطب، نجد الخطبةَ تعتمد أركانًا سبعة.

الركنُ الأول: الديباجةُ، وهي فاتحة الخطبة المشتملة على حمد وثناء على الله وصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وما هو من ذلك القبيل. قال أبو هلال: "لأن النفوسَ

= وسكنت الضوضاءُ لهيبته، ازدلف إلى مسنده، ومسح سَبْلَتَه (لحيته) بيده" إلخ. ومسح اللحية عادة عربية عند ابتداء الكلام في غرض مهم، قال الشاعر:

فَأَقْسَمَ لَوْ أنْدَي النَّدِيُّ سَوَدَاهُ

لمَا مَسَحَتْ تِلْكَ المَسَالَاتِ عَامِرُ

المسالات، جمع مسالة، وهي اللحية. وعامر قبيلة، أراد أنهم إذا اجتمعوا في النوادي لا يستطيعون الكلام. - المصنف. انظر كلام الحرير على التوالي في: مقامات الحريري، ص 320 (المقامة الرملية) وص 311 - 312 (المقامة الصورية). قال الميساوي: البيت من شواهد اللغة والنحو، وهو من بحر الطويل، ولم أعثر له على نسبة.

(1)

الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 1، ص 8.

ص: 1353

تتشوق للثناء على الله [تعالى]، فهو داعيةٌ إلى الاستماع" (1)، وقال الجاحظ: "مازال السلفُ يسمون الخطبة التي لم يفتح صاحبها بالتحميد البتراء، والتي لم توشح بالقرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الشوهاء". (2)

ومن أجل ذلك لُقِّبتْ خطبةُ زياد بن أبي سفيان بالبتراء، وهي التي خطبها بالبصرة وأولها:"أما بعد فإن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والغي الموفي بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور العظام، ينبت فيها الصغير، ولا يتحاشى منها الكبير. . ." إلخ (3). وفي التسمية إشارةٌ إلى حديث: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بإسم الله فهو أبتر". (4) وسميت خطبة سحبان بالشوهاء،

(1) العسكري: كتاب الصناعتين، ص 349.

(2)

ساق المصنف كلام الجاحظ باختصار، وتمامه:"وعلى أن خطباء السلف الطيب وأهل البيان من التابعين بإحسان ما زالوا يسمون الخطبة التي لم يبتدئ صاحبُها بالتحميد ويستفتح كلامه بالتمجيد البتراء، ويسمون التي لم توشح بالقرآن وتزين بالصلاة على النبي الشوهاء". البيان والتبيين، ج 1/ 2، ص 3.

(3)

انظر النص الكامل للخطبة المذكورة في: الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 2، ص 40 - 42؛ الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج 5، ص 218 - 221.

(4)

لم أجده بهذا اللفظ في دواوين السنة المعتبرة، وقد أخرجه السيوطي نقلًا عن عبد القادر الرهاوي عن أبي هريرة بلفظ:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع". وأخرج أبو داود عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلُّ كلامٍ لا يُبدأ فيه بالحمد لله، فهو أجذم"، ثم قال أبو داود عند ذكر سند الحديث:"حدثنا أبو توبة قال: زعم الوليد، عن الأوزاعي، عن قرّة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. . ." إلخ، ثم قال بعد سوق الحديث:"رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا". وأخرجه ابن ماجه وابن حبان بلفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد، أقطع"، وفي رواية أخرى عند ابن حبان:"فهو أقطع". وقد ضعفه الألباني في تعليقه على سنن ابن ماجه. وقد أفاض البلوشي في تتبع ألفاظ الحديث واستقصاء أسانيده بما لا يتسع المجال لجلبه، فانظره في مكانه. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: جامع الأحاديث، الحديث 15761، ج 6، ص 430؛ سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الأدب"، الحديث 4841، ص 760؛ سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي (القاهرة: مطبعة دار إحياء الكتب العربية، بدون تاريخ)، "كتاب النكاح"، الحديث 1894، ج 1، ص 610؛ الفارسي، علاء الدين بن بلبان: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، =

ص: 1354

خطب بها في مجلس معاوية، وقيل سميت بذلك لحسنها (1).

ويُستحسَنُ في الديباجة الإيجازُ والارتباطُ بالمقصود، ويُسمَّى ذلك ببراعة الاستهلال (2)، كما يُستحسَنُ فيها الاعتناءُ بالبلاغة والصناعة. ويحسن وقعُ السَّجْعِ فيها؛ لأنه يضارع الشعرَ فينشط النفسَ ويهيئ الأذهانَ إلى ما سيلقى إليها. وليس يصعب على الخطيب الحاذق التأني في الفاتحة؛ لأنها لما كانت مشتملةً على أمورٍ عمومية أمكن تحضيرُها من قبل في النفس، وإنما يظهر الحذق في حسن مناسبتها للغرض وإشارتها إليه. وقد عد علماء البلاغة فاتحةَ الكلام من مواضع تأنق المتكلم.

[الركنُ] الثاني: التخلصُ، وهو موقع "أما بعد" ونحوها، مثل "أيها الناس". والشرط فيه أن تكون الديباجةُ قد هيأت النفوسَ وأشعرت بالغرض المطلوب.

[الركنُ] الثالث: المقدمةُ، وهي مبدأ الخطبة في الحقيقة، ونعني بها الكلام الذي يقصد منه تهيئة نفوس السامعين لتلقي ما سيلقى إليهم بالتسليم. وطريقة ذلك أن يستعين الخطيب بما يعلم من سجايا الأقوام ومقادير انفعالاتهم على اختلاف الطبقات والعصور والعقائد، فيأتي لكل فريق بمقدمات تهيئ لقبول

= بدون تاريخ)، الحديثان 1 و 2، ج 1، ص 173 - 174؛ سنن ابن ماجه بشرح الإمام أبي الحسن الحنفي المعروف بالسندي، تحقيق خليل مأمون شيحا (بيروت: دار المعرفة، ط 1، 1416/ 1996)، "كتاب النكاح"، الحديث 1894/ 3، ج 2، ص 436؛ سنن ابن ماجه، علق عليه محمد ناصر الدين الألباني، نشرة بعناية أبي عبيد مشهور بن حسن آل سلمان (الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط 1، بدون تاريخ)، "كتاب النكاح"، الحديث 1894، ص 330؛ البلوشي، عبد الغفور ابن عبد الحق بن حسين:"تفصيل المقال على حديث كل أمر ذي بال"، مجلة البحوث الإسلامية (تصدر عن الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية)، العدد 39، 1414 هـ.

(1)

إذ الشوهاء في كلام العرب قد يطلق على العابسة والجميلة. - المصنف.

(2)

وقد قرر ذلك عبد الله بن المقفع في عبارة رشيقة حيث قال: "وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك". الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 1، ص 85.

ص: 1355

الغرض. ولذلك لم يلزم أن تكون المقدمة صحيفة بل يكفي أن تكون مقبولة مسلمة ولو كانت وهمية.

وقصدُ الخطيب قمعُ الهوى، ومحاولةُ الإصلاح، والهوى حائلٌ قويٌّ دون الحق. فإذا أُرِيدَ الإقناعُ بشيء، فمن الواجب أن لا يَنْقَضَّ عليه، بل يحوم حوله وينتهز الفرصةَ لتحصيله. وبمقدار الظنِّ ببعد نفوس السامعين عن الاعتراف بالحق، ينبغي للخطيب الإبعادُ بالمقدمات. ويتوصل الخطيبُ إلى انتهاز الفرصة التي تقوم مقامَ تطويل المقدمة بالاستعانة بأمور:

أحدُها: المعتقداتُ الثابتة في النفوس، ولو كانت غيرَ صحيحة، كما أشرنا إليه. ويظهر اختيارُ بعضِ طرائقِ الانفعال دون بعض في هذا المجال، وهو من أهم ما يتفطن له الخطيبُ اللبيب. ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب النساءَ ورغَّبهنَّ في الصدقة قال:"يا معشر النساء تصدقن، رُبَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة". (1)

(1) جمع المصنف في هذا النص بين حديثين مختلفين، فنصفه الأول - وهو قوله عليه السلام:"يا معشر النساء تصدقن" - جزء من حديث رواه البخاري وغيره عن ابن عمر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وغيرهم، أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب النساء فقال (واللفظ للبخاري):"يا معشر النساء تصدقن، فإني أُريتكن أكثر أهل النار"، فقلن: وبم يا رسول الله؟ فقال: "تُكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهبَ للب الرجل الحازم من إحداكن"، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ "، قلن: بلى، قال:"فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ "، قلن: بلى، قال:"فذلك من نقصان دينها"". صحيح البخاري، "كتاب الحيض"، الحديث 304، ص 53؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث 132، ص 50 - 51؛ سنن الترمذي، "كتاب الإيمان"، الحديث 2613، ص 616؛ المستدرك على الصحيحين، "كتاب النكاح"، الحديث 2831، ج 2، ص 226 - 227؛ "كتاب الفتن والملاحم"، الحديث 8844، ج 5، ص 68. أما النصف الثاني - قوله: "رُبَّ كاسية. . ." - فما أخرجه البخاري (واللفظ له) والترمذي عن أم سلمة قالت: "استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "سبحان الله، ماذا أنزل من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، مَنْ يوقِظ صواحبَ الحجر - يريد به أزواجه حتى يصلين - رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة"". صحيح البخاري، "كتاب"، الحديث 6218، ص 1082؛ سنن الترمذي، "كتاب الفتن"، الحديث 2196، ص 530.

ص: 1356

فقد كانت طرقٌ أخرى من التحذير أشدَّ من هذا، إلا أن النساء لَمَّا كُنَّ يتقين العراءَ والكشف، كان ذكرُه من أشد ما تنفعل له نفوسُهن.

ثانيها: القضايا الكلية والمسلَّمة، كقولِ عثمان رضي الله عنه في خطبةٍ له في شأن الناقمين عليه وتحذيرِ المسلمين من سوء نواياهم (1):"أما بعد، فإن لكل شيء آفة، ولكل نعمة عاهة، وإن آفة هذا الدين وعاهة هذه الملة، قوم عيابون طعانون، يُرونكم ما تحبون، ويسرون ما تكرهون. [أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار، لقد عبتم علي أشياء ونقمتم أمورًا] قد أقررتم لابن الخطاب مثلَها، ولكنه وَقَمَكم وقمعكم" إلخ (2).

ثالثُها: النوازلُ الحادثة؛ فإنها فُرَصٌ للموعظة، والنفوسُ عند نزولها سريعةُ الانفعال، رقيقةُ الوجدان. وللنفوس غِرَّةٌ كغرة الصيد، فإذا لم يضَيِّعْها الخطيبُ أصاب منها الغرض، ولهذا سُنَّتْ الموعظةُ عند خسوف الشمس.

ولقد أجاد الحريريُّ ما شاء حين تخيل أبا زيدٍ خطيبًا إثر دفن الجنازة في المقامة الحادية عشرة إذ قال: "فلما ألحدوا الميْتَ، وفات قولُ ليتَ، أشرف شيخٌ من رباوة، متخصِّرًا بهِراوة، [وقد لفَّع وجهه بردائه، ونكَّر شخصَه لدهائه، ] فقال: لمثل هذا فليعمل العاملون. فادَّكِروا أيها الغافلون، وشمّروا أيها المقصّرون، وأحْسنوا أيها المبتصّرون. ما لكم لا يحزنكم دفنُ الأتراب، ولا يهولُكم هيلُ التراب! . . ." إلخ (3). فأنت تراه كيف جعله مستغنيًا بذلك عن مقدمة الخطبة.

(1) الصواب أن "نية" تجمع على "نيات"، أما جمعها على "نوايا" فمن الأخطاء الشائعة، وقد نبه المصنف إلى هذا في مقال "أخطاء الكتاب في العربية: رد على نقد"، فانظره في موضعه من هذا المجموع.

(2)

ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: الإمامة والسياسة (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 2، 1427/ 2006)، ص 28. ومعنى وَقَمكم: جعلكم تغتاظون. وقمعكم: قهركم وصرفكم عما تريدون.

(3)

الحريري: مقامات الحريري، ص 107 - 108 (المقامة الساوية).

ص: 1357

ولما أفلس الأُسَيْفِعُ الجُهني في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب عمر فقال: "أما بعد، فإن الأُسيفع، أسيفع جهينة، قد رضيَ لدينه وأمانته أن يُقال إنه سبق الحاج، إلا وإنه قد تداين معرضًا، فأصبح وقد رِينَ به. فمن كان له عليه شيء، فليأتنا غدًا نَقْسمُ مالَه بالمسجد. وإياكم والدَّيْن، فإن أوله هم، وآخره حَرَب"(1)، فتراه قد استغنى بالواقعة المشاهدة عن تقديم المقدمة.

[الركنُ] الرابع من أركان الخطبة: الغرضُ، وهو الذي لأجله انتصب الخطيبُ ليخطب، فوِزانُه وِزانُ المطلوب في القياس المنطقي، ويُعَبَّر عنه بالنتيجة عند حصوله.

[الركنُ] الخامسُ: البيانُ، أعنى بيانَ الغرض وإيضاحه. وذلك إما بالاستدلال، أو التمثيل، أو الاستطراد، أو الإنشاء. فالبيانُ بالاستدلال كثيرٌ بإقامة الدليل على صحة الغرض النضال عنه.

وأما التمثيل فبابٌ واسع من البيان للعامة؛ لأنه أخصرُ من الدليل، والأذهان إلى إدراكه أسرع. قال صاحبُ الكشاف: "ولضرب العرب الأمثال، واستحضار العلماء المثل والنظائر، شأنٌ ليس بالخفي في إبراز خبيات المعاني، ورفع الأستار عن

(1) المراد بسبقه الحاج أنه كان يسبق فيكتري دوابَّ أهل مكة ليحتكرها فيكريَها للحجاج بغلاء. وقوله حرب بالتحريك، مصدر حربه كطلبه، بمعنى سلب ماله فهو محروبٌ وحريب. - المصنف. روى مالك عن عبد الرحمن بن دَلاف المزني، "أن رجلًا من جُهينة كان يسبق الحاج فيشتري الرواحلَ فيُغلي بها، ثم يُسرع السير فيسبق الحاج، فأفلس، فرُفع أمره إلى عمر بن الخطاب، فقال: أما بعد، فإن الأسيفع، أسيفع جهينة، قد رضيَ من دينه وأمانته بأن يُقال: سبق الحاج، ألا وإنه قد دان معرضًا، فأصبح قد رِين به. فمن كان له عليه دين، فليأتنا بالغداة نقْسمُ مالَه بينهم. وإياكم والدَّيْن، فإن أوله هم وآخره حرب". موطأ الإمام مالك برواياته الثمانية، "كتاب الوصية"، الحديث 1593، ج 4، ص 23 - 24؛ موطأ الإمام مالك برواية يحيى الليثي، نشرة بعناية أحمد راتب عمروش (بيروت: دار النفائس، ط 12، 1414/ 1994)، "كتاب الوصية"، الحديث 1456، ص 547. وقريبٌ من هذه الرواية ما أورده البيهقي، ولكن بدون قوله: "وإياكم والدَّيْن. . ." البيهقي: السنن الكبرى، "كتاب آداب القاضي"، الحديث 20490، ج 10، ص 238. ومعنى "رين عليه"، أحاط بماله الدَّيْن.

ص: 1358

الحقائق، حتى تريَك المتخيَّلَ في صورة المحقَّق، [والمتوَّهمَ في معرِض المتَيَقَّن]، والغائبَ كأنه مشاهد. وفيه تبكيتٌ للخصم الألد، وقمعٌ لسَوْرة الجامح الأبي. [ولأمر مّا أكثر الله في كتابه المبين وفي سائر كتبه أمثاله، وفشت في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الأنبياء والحكماء]، قال الله تعالى:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)} [العنكبوت: 43] ". (1)

والتمثيلُ يكون بذكرِ الأمثال، ويكون بالبناء على اعتقادٍ أو قصة. وقد خطب عبد الملك بن مروان بالمدينة خطبةً اقتصر فيها على ذكر المثل، روى شارحُ ديوان النابغة عن أبي عبيدة قال:"لما حج عبد الملك أول حجة حجها في خلافته، قدم المدينة فخطب، فقال: يا أهلَ المدينة، والله لا تحبوننا ولا نحبكم أبدًا وأنتم أصحاب عثمان، إذ نفيتمونا عن المدينة، ونحن أصحابُكم يوم الحرة. فإنما مَثَلُنا ومثَلُكم كما قالوا: إنه كانت حيَّةٌ مجاورةً رجلًا فوكعته فقتلته، ثم إنها دعت أخاه إلى أن يصالحها على أن تدِيَ له أخاه فعاهدها، ثم كانت تعطيه يومًا ولا تعطيه يومًا، فلما تَنَجَّز عامة ديته قالت له نفسه: لو قتلتها وقد أخذتَ عامة الدية [فيجتمعان لك! ] فأخذ فأسًا، فلما خرجت لتعطيه [الدينارَ] ضربها على رأسها وسبقته فأخطأها، وندم فقال: تعالَي نتعاقد ولا نغدر [وتُنجزي آخر ديتي]، فقالت: أَبى الصلحَ القبرُ الذي بين عينيك والضربةُ التي فوق رأسي، فلن تحبني أبدًا ما رأيت قبر أخيك، ولن أحبك ما كانت الضربة برأسي"(2).

(1) الزمخشري: الكشاف، ج 1، ص 79.

(2)

ذكر هذا شارح الديوان عند ذكر النابغة هاته القصة في قصيدته الهائية التي طالعها: "أَلَا أَبْلِغَا ذُبْيَانَ عَنِّي رِسَالَهْ"، وقال في آخرها عن قول الحية:

أَبَى لِي قَبْرٌ لَا يَزَالُ مُقَابِلي

وَضَرْبَةُ فَأْسٍ فَوْقَ رَأْسِي فَاقِرِهْ

وشارح ديوان النابغة الذي أشار إليه المصنفُ هو الوزير أبو بكر عاصم بن أيوب البَطَلْيُوسي، اللغوي الأديب، توفي سنة 494 هـ، قال فيه ابن بشكوال:"وكان من أهل الصرفة بالآداب واللغات، ضابطًا لهما، مع خير وفضل". من شيوخه أبو عمر الصفاقسي ومكي بن أبي طالب. =

ص: 1359

ورُوِيَ أن عليًّا رضي الله عنه لما رأى اختلافَ جنده قال: "ألا إنما أُكِلْتُ يوم أُكِلُ الثور الأبيض"، يريد أن الاختلافَ ابتدأ ظهورُه من يوم اختلاف الأمة على عثمان رضي الله عنه. وأشار بهذا إلى قصةٍ عند العرب، وذلك أنهم زعموا أن أسدًا وثورًا أحمر وثورًا أسود [وثورًا أبيض] اصطحبوا في أَجَمَةَ، فقال الأسد يومًا للثورين الأحمر والأسود: هذا الثور الأبيض يفضحنا بلونه، فلو تركتماني آكله أمِنَّا، فأذنا له في أكله فأكله، ثم قال للأحمر: هذا الأسودُ يخالف لونَنَا فدعني آكله فأذن له فأكله، ثم قال للأحمر لم يبق إلا أنا وأنت وأريد أن آكلك، فقال: إن كنتَ فاعلًا فدعني أصعدْ تلك الهضبة وأصيح ثلاثة أصوات، قال افعل، فصعد وصاح: ألا إنما أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض، ثلاثا (1).

= من أهم تصانيفه "شرح الأشعار الستة الجاهلية"(شرح فيه دواوين امرئ القيس، والنابغة الذبياني، وعلقمة الفحل، وزهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد، وطرفة بن العبد). وللأسف فإن النشرة المحققة لهذا الشرح لا تحتوي على قصيدة النابغة التي جاءت في سياقها القصة المذكورة، مما يدل على أن محققيه لم يستقصيا كل النسخ المخطوطة الموجودة للشرح، وأن ابن عاشور كانت لديه نسخة أو أكثر تختلف عما اعتمد عليه محققاه. وقد ساق البغداديُّ قصة الحية مفصلة، وذكر قصيدةَ النابغة ثم قال:"وهذه الأبيات موقوفة على سماع حكاية من أكاذيب العرب، قال أبو عمرو الشيباني وابن الأعرابي: ذكروا أن أخوين كانا فيما مضى في إبل لهما، فأجدبت بلادُهما وكان ثريبًا منهما واد يقال له عُبيدان فيه حية قد أحمته"، ثم ساق بقيةَ الحكاية وما جرى من قتل الحية أحدَ الأخوين، ثم اتفاق أخيه مع الحية على ديته، إلى آخر القصة. وعلى هذه القصة بنى النابغة الذبياني قصيدته الهائية يعاتب بني مُرة على إيثارهم وتحالفهم عليه وعلى قومه، واجتماع قومه عليه. انظر: ابن بشكوال: الصلة، تحقيق إبراهيم الأبياري (القاهرة: دار الكتاب المصري/ بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط 1، 1410/ 1989)، ص 656 (الترجمة 976)؛ البغدادي: خزانة الأدب، ج 8، ص 415 - 419؛ ديوان النابغة الذبياني، ص 129 - 135 (نشرة ابن عاشور)؛ البطليوسي، الوزير أبو بكر عاصم بن أيوب: شرح الأشعار الستة الجاهلية، تحقيق ناصيف سليمان عواد ولطفي التومي (بيروت: المعهد الألماني للأبحاث الشرقية، 1429/ 2008).

(1)

ليست هذه القصة في "نهج البلاغة" ولم أجدها فيما راجعته من كتب التراجم والتاريخ، وإنما ذكرها الميداني في المثل 81 من أمثاله. الميداني، أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري: مجمع الأمثال، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (القاهرة: مطبعة السنة المحمدية، =

ص: 1360

وأما الاستطرادُ فيكون بمدح أو ذم أو ثواب، وأحسنُه ما اشتدت فيه المشابهة كقول أبي حمزة الخارجي (1) في خطبة له خطبها بالمدينة:"يا أهل الحجاز، أتعيرونني بأصحابي وتزعمون أنهم شباب؟ ! وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابًا؟ أما والله إني لعالم بتتابعكم فيما يضركم في معادكم، ولولا اشتغالي بغيركم عنكم ما تركتُ الأخذَ فوق أيديكم. شبابٌ والله مُكتَهِلُون في شبابهم، غَضِيضةٌ (2) عن الشر أعينُهم، ثقيلةٌ عن الباطلِ أرجلُهم، أنضاءُ عبادة، وأطلاعُ سهر، قد نظر الله إليهم في جوف الليل منحنيةً أصلابُهم على أجزاء القرآن. . ." إلخ (3).

= 1374/ 1955)، ج 1، ص 25. وقد ساق أبو هلال العسكري المثلَ والقصةَ مختصرةً، وذكر إنها مما جاء في كتاب "كليلة ودمنة"، ولم أجدها فيه. جمهرة الأمثال، ج 1، ص 61.

(1)

أبو حمزة اسمه يحيى بن المختار، كان من خطباء الإباضية ونساكهم. وهذه الخطبةُ له ذكرها الجاحظ في البيان والتبيين. وقد يكون الاستطرادُ لا مناسبة فيه، كقول كعب بن زهير: شجت يدي شبم من ماء محنية، البيتين. - المصنف. البيتان من قصيدة "بانت سعاد" وتمامهما:

شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِنْ مَاءِ مَحْنِيَةٍ

صَافٍ بِأَبْطَحَ أَضْحَى وَهُوَ مَشْمُولُ

تَجْلُو الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ

مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ

السكري: شرح ديوان كعب بن زهير، ص 7.

(2)

في إحدى نسخ البيان "غبية" عوض "غضيضة".

(3)

جزء من خطبة طويلة قالها أبو حمزة الخارجي في مكة حسب رواية الجاحظ، يستعرض فيها التطورات والتحولات التي لحقت بالخلافة ويصور فيها الحالة العقدية والفكرية التي نجمت في اتصال مع تقلبات الأوضاع السياسية. وقد أورد المصنف المقطع بتصرف وسقناه بلفظه. البيان والتبيين، ج 1/ 2، ص 79 - 82؛ البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر: كتاب جمل من أنساب الأشراف، تحقيق سهيل زكار ورياض زركلي (بيروت: دار الفكر، ط 1، 1417/ 1996)، ج 9، ص 290 - 294. أما قائلها فهو أبو حمزة يحيى بن المختار الخارجي "أحد نساك الإباضية وخطبائهم"، كما قال أبو عثمان. خرج أبو حمزة سنة 129 هـ من قبل عبد الله بن يحيى، مظهرًا للخلاف على مروان بن محمد، ودخل مكة في موسم الحج بغير قتال، وفي عام 130 هـ دخل المدينة التي انسحب منها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك الذي كان واليًا عليها وعلى مكة، والتقى مقاتلوه بجيوش مروان في وادي القرى حيث كانت هزيمتهم وقتلهم. انظر تفاصيل ذلك في: الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج 7، ص 374 - 375 و 393 - 399.

ص: 1361

وقد يكون البيان بالإشارة، كما خطب مصعب بن الزبير حين قدم العراق، فإنه صعد المنبر ثم قال:"بسم الله الرحمن الرحيم، {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} ، وأشار بيده نحو الشام، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)} ، وأشار بيده نحو الحجاز، {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)} [القصص: 1 - 6]، وأشار بيده نحو الشام"(1)، يريد بالأولى عبد الملك، وبالثانية أنصار أخيه بمكة، وبالثالثة الحجاج وأنصاره.

[الركنُ] السادس: الغايةُ، وهي التحريض أو التحذير، وشأنها أن تقع آخرَ الخطبة، وقد يقدمها الخطيبُ ثم يأتي بعدها بغيرها، فتصير المقدمة دليلًا إذا تأخرت، وتعرى الخطبةُ عن المقدمة حينئذ.

[الركنُ] السابع: خاتمةُ الخطبة، ويحسن فيها أن تكون كلامًا جامعًا لما تقدمه، أو إشارة إلى أنه قد أتى على المقصود وانتهى منه، أو أمرًا بالتثبيت أو دعاءً، أو نحو ذلك. وإنما يكون ذلك عند إتيان الكلام المتقدم على الغرض المقصود واستيفائه. وقد يكون ذكر الشعر في الخطبة إشارة إلى نهايتها كما سيأتي.

وللبحث عن كيفية تنسيق الخطبة ونسجها مزيدُ تعلقٍ بهذا الفن، حسبما أشرنا إليه عند الكلام على أصول الخطابة. ولا يكاد يستطيع أحدٌ حصرَ الضوابط في هذا الغرض؛ لأنه يأتي على جميع فنون البلاغة والأدب، فيوُكَل ذلك إلى حُسْنِ اختيارِ الألمعِيِّ ورشيقِ توقيف المدرس النِّحرير. إلا أن جملةَ القول أنه لا يعدو المطابقةَ لمقتضى أحوال السامعين، واختلاف الأذواق باختلاف مراتب الأذهان والعصور والبلدان. فيكون على منوالِ كلِّ ذلك نسيجُ معاني الخطب وتنسيقُ

(1) الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج 6، ص 93. أورد المصنف نص الخطبة بشيء من تصرف، وسقناه كاملًا كما رواه الطبري.

ص: 1362

ألفاظها، وهو ما يُعبَّر عنه باختلاف المقامات، وخطاب كل قوم بما يفهمون. وقد تقدم الإلمامُ بذلك في قسم الإنشاء، وفي ذكر الانفعالات في هذا القسم الخطابي.

فإذا خطب الخطيبُ في العامة، فعليه بسهل المعاني؛ لأن تركيب المعنى ودقتَه لا يَتوصَّل لفهمه الذهنُ البسيط. وبالضرورة يستدعي ذلك سهولةَ دلالةِ الألفاظ؛ إذ هي قوالبُ للمعاني، مع انتخاب سهلِها ومتعارَفِها بدون ابتذال، كما تقدم في الإنشاء. وإذا خطب في الخاصة، فَلْيأتِ بالمعاني الرائقة، والحِكَمِ العالية، والألفاظِ العزيزة المعبَّر عنها بـ "السهل الممتنع"(1)؛ لأنه إذا أتى بما دون ذلك لا يُثيرُ انفعالَهم، ولا يَرُوقُ كلامُه في أسماعِهم، فلا يحفلون به.

ولقد سمعتُ خطيبًا يخطب يومَ الجمعة بخطبة من الخطب العتيقة في الحض على شكر النعمة، فكان مما قاله:"ومن النعم نعمة خاصة كالمال، وقد كاد أن لا يكون شُكرُها إلا عندها لَا بِها". فانظرْ كيف خاطب العامةَ بلفظٍ معقَّد لا يُسرع الذِّهنُ المتوسِّط لاستخلاص معناه؛ إذ جمع بين ستِّ أدواتٍ في جملةٍ واحدة، وهي "كاد" و"إن" و"لا" و"يكون" و"إلا" و"لا"، ثم جمع بين نفيٍ مستفادٍ من "لا" وإثباتين مستفاد أحدُهما من "كاد" والآخر من "إلا"، متوجِّهٌ جميعُها إلى جهةٍ واحدة. وأما من جهة المعنى، فقد أتاهم بمعنى غريبٍ دقيق مقتَبَسٍ مما يقرره المتكلمون في الكسب، وهو قولهم:"إن الفعل يحصل عند القدرة لا بها". (2)

(1) عرف ابن النقيب السهل الممتنع بأنه "الذي يظن مَنْ سَمِعَه لِسهولةِ ألفاظه وعذوبةِ معانيه أنه قادرٌ على الإتيان بمثله، فإذا أراد الإتيانَ بمثله عز عليه مثالُه، وامتنع عن طالب معارضته فلا يناله". ابن النقيب، أبو عبد الله جمال الدين محمد بن سليمان البلخي المقدسي الحنفي: مقدمة تفسير ابن النقيب في علم البيان والمعاني والبديع وإعجاز القرآن، تحقيق زكريا سعيد علي (القاهرة: مكتبة الخانجي، ط 1، 1415/ 1995)، ص 464. (ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا الكتاب قد نشر بدون تحقيق ونُسب وهمًا إلى ابن قيم الجوزية بعنوان "الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان".

(2)

وأصل ذلك ما جاء في كلام أبي الحسن الأشعري عن الاستطاعة. الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل: كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، تحقيق حموده غرابه (القاهرة: مطبعة مصر، 1955)، ص 93 - 114.

ص: 1363

وقد رُويَ أن عمر رضي الله عنه كان همَّ أن يخطب في الحج في أمر الخلافة لَمَّا بلغه أن امرؤًا قال: لئن مات عمرُ لأُبايعنَّ فلانًا، فما كانت بيعةُ أبي بكر إلا فلتة فتمت. فقال له ابن عباس رضي الله عنهما:"يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاعَ الناس، فربما سمعوا منك الكلمةَ فطيروها عنك كل مطير، فتربَّص إلى أن ترجع إلى المدينة فتخلص إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل العلم". (1) فرأيُ حَبرِ الأمة وموافقة عمر رضي الله عنهما أدلُّ دليلٍ على أن من الأغراض ما يُضَنُّ به عن غيرِ أهله. وفي الحديث: "لا تؤتوا الحكمةَ غيرَ أهلِها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلَها فتضيِّعوها". (2) فبذلك فلْتَقْتَدُوا.

(1) ساق المصنف المحاورة التي جرت بين عمر وابن عباس رضي الله عنهم بتصرف واختصار. انظر: صحيح البخاري، "كتاب الحدود"، الحديث 6830، ص 1176 - 1177؛ البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتكي: البحر الزخار المعروف بمسند البزار، تحقيق عادل بن سعد (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1426/ 2005)، الحديث 194، ج 1، ص 299 - 302 (مسند عمر بن الخطاب).

(2)

أخرجه ابن عبد البر بصيغة التمريض: "ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قام أخي عيسى عليه السلام في بني إسرائيل خطيبًا فقال: يا بني إسرائيل، لا تؤتوا الحكمةَ غيرَ أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلَها فتظلموهم". ابن عبد البر القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد: جامع بيان العلم وفضله، تحقيق مسعد عبد الحميد السعدني (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 2، 1428/ 2007)، "باب آفة العلم وغائلته وإضاعته وكراهية وضعه"، الحديث 491، ص 153 (ولم يخرجه محقق الكتاب). وأخرجه الديلمي من حديث ابن عباس دون قوله "فتظلموها"، وجاء عنده بلفظ "لا تكلموا" عوض "لا تؤتوا". الديلمي، أبو شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه: الفردوس بمأثور الخطاب (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1406/ 1986)، الحديث 4633، ج 3، ص 218. وأخرجه بلفظ مختلفٍ ابنُ عساكر عن محمد بن كعب (القرظي) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل قال: يا معشر الحَوَاريين لا تحدثوا بالحكمة غيرَ أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلَها فتظلموهم. والأمور ثلاثة: بَيِّنٌ رشدُه فاتبعوه، وأمرٌ تبيَّن لكم غيُّه فاجتنبوه، وأمرٌ اختلف عليكم فيه فردُّوا علمَه إلى الله تعالى". ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 57، ص 458. وقد رواه القاضي عياض في: الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، تحقيق السيد أحمد صقر (القاهرة: دار التراث/ تونس: المكتبة العتيقة، ط 1، 1389/ 1970)، ص 233؛ وأورده العجلوني في: كشف الخفاء، الحديث 3124، ج 2، ص 373؛ وذكره الماوردي من قبل في: كتاب أدب الدنيا والدين، ص 236.

ص: 1364

ومثلُ ذلك يُقال في أساليبِ تنسيق الخُطَب على حَسَب الأغراض، فلكلِّ غرضٍ لهجةٌ ونسق، فليست خطبةُ الجمعة كخطبةٍ في حفلة سياسية أو أدبية. ولذلك يحسن التأنقُ في بعضها والبساطةُ في بعض، كما أنه يحسن الإرسالُ في بعضها، ويحسن السجعُ في بعض. وقد تتبعتُ - ما استطعتُ - مواقعَ السجع في الخطب النبوية وخطب فصحاء العرب في الجاهلية والإسلام، فرأيتُ مواقعَ السجع عندهم في حيث يُرادُ الحفظُ للقول، كالوصايا والآداب والخطب الأدبية العلمية.

ويُرشِدُ إلى هذا ما روى الجاحظ عن عبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشي أنه قيل له: "لِمَ تُؤْثِرُ السجعَ على المنثور [وتُلزم نفسك القوافيَ وإقامة الوزن]؟ قال: إن كلامي لو كنت لا آمُلُ فيه إلا سماعَ الشاهد لقل خلافي عليك، ولكني أريدُ الغائبَ والحاضر، والراهن (الحال) والغابر (المستقبل)؛ فالحفظُ إليه (أي السجع) أسرع، والآذان لسماعه أنشط، وهو أحق بالتقييد وبقلة التفلُّت". (1)

وعندي أن هذا هو مُرادُ الشيخ عبد القاهر بقوله في مقدمة كتابه أسرار البلاغة حيث قال: "والخُطَبُ من شأنها أن يُعتمد فيها الأوزانُ والاسجاع؛ فإنها تُرْوَى وتُتَنَاقلُ تناقلَ الأشعار". (2) وليس مرادُه أن تناقلَ ذلك شأنُ الخطب كلها، لما هو معلومٌ لمن لا يفوتُه من أساليب خطب العرب وخطب الصدر الأول.

ولذلك كان مقامُ السجعِ كلَّ مقامٍ يحضر للقول من قبل، فقد رأينا العربَ لم تكن تحفل بالسجع إلا هنالك، كما في خطبة قُس بن ساعدة التي خطبها في سوق

(1) الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 1، ص 196. وعبد الصمد بن الفضل بن عيسى الرقاشي أبوه أبو عيسى الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي البصري، الواعظ، القاص، كان خطيبًا بارعًا، ومتكلمًا على طريقة المعتزلة، روى أبو عيسى الحديث روى عن عمه يزيد بن أبان الرقاشي، وعن أنس بن مالك، وأبي عثمان النهدي، ومحمد بن المنكدر، والحسن البصري، وقد ضعفه العلماء بالحديث والرجال، وقالوا: منكر الحديث. توفي أبو عيسى نحو سنة 145 هـ. أما ابنه عبد الصمد فلم أعثر له على ترجمة.

(2)

الجرجاني: كتاب أسرار البلاغة، ص 9.

ص: 1365

عكاظ، وهي مشهورة (1). وكلُّ مقامٍ يظهر فيه الارتجالُ لا يتأتَّى فيه السجع، فيحسن حتى بالمولَّدين أن يتجنبوه هنالك، وإن كانوا لا يتكلمون إلا بتروٍّ سابق.

(1) هو قس بن ساعدة بن عمرو - وقيل شِمر - بن عدي بن مالك بن أيدعان بن النَّمر بن واثلة بن الطَّمَثان بن زيد - وقيل عوذ - مناة بن يقدم بن أفصَى بن دُعمي بن إياد، وإلى الأخير يُنسب. توفي قس حوالي سنة 23 قبل الهجرة. قال الأصفهاني:"خطيب العرب وشاعرها، وحليمها وحكيمها في عصره. يقال إنه أول مَنْ علا على شرفٍ وخطب عليه، وأول من قال في كلامه: أما بعد، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا. وأدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، ورآه بعكاظ فكان يأثِر عنه كلامًا سمعه منه، وسئل عنه فقال: يُحشر أمة وحده". الأغاني، ج 5/ 15، ص 640 (نشرة الحسين). أما خطبته المشهورة التي أشار إليها المصنف، فقد جاءت بعدة روايات مختلفة اللفظ والعبارة متحدة المعنى، منها ما روى البيهقي بسنده عن أنس بن مالك قال:"قدم وفدُ إياد على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما فعل قس بن ساعدة الإيادي؟ " قالوا: هلك. قال: "أما إني سمعت منه كلامًا ما أرى أحفظه"، فقال بعض القوم: نحن نحفظه يا رسول الله، فقال: "هاتوا"، قال: فقال قائلهم: إنه وقف بسوق عكاظ فقال: يا أيها الناس، استمعوا واسمعوا وعوا: كل من عاش مات، وكل مَنْ مات فات، وكل ما هو آتٍ آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مُرساة، وأنهارٌ مجراة، إن في السماء لخبرًا، وإن في الأرض لعبرا. أرى الناس يمرون ولا يرجعون، أرَضوا بالإقامة فاقاموا؟ أم تُركوا فناموا؟ ثم أنشأ يقول: يُقسم قسٌّ قسمًا بالله لا إثم فيه: إن لله تعالى دينًا هو أرضى مما أنتم عليه، ثم أنشأ يقول:

فِي الذَّاهِبِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ القُرُونِ لَنَا بَصَائِر

لمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِر

وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا يَمْضِي الأَكَابِرُ

أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ القَوْمُ صَائِر".

وفي رواية أخرى أنه عليه السلام سأل وفد إياد: "هل وُجد لقُس بن ساعدة وصية؟ فقالوا: نعم وجدنا له صحيفة تحت رأسه مكتوبًا فيها:

يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالأَمْوَاتِ فِي جَدثٍ

عَلَيْهِمْ مِنْ بَقَايَا ثَوْبهِمْ خِرَقُ

دَعْهُمْ فَإِنَّ لهمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ

كَمَا يُنَبَّهُ مِنْ نَوْمَاتِهِ الصَّعِقُ

مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمَوْتَى في ثِيَابِهِمْ

مِنْهَا الجَدِيدُ وَمِنْهَا الأَوْرَقُ الخَرِقُ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي بعثني بالحق لقد آمن قس بالبعث"". البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين: دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق عبد المعطي قلعجي (بيروت: دار الكب العلمية/ القاهرة: دار البيان للتراث، ط 1، 1408/ 1988)، ج 2، ص 101 - 104. وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يرحم الله قسًّا، إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة وحده". الأصفهاني: الأغاني، ج 5/ 15، ص 641. وانظر: الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 2، ص 209 - 210.

ص: 1366

ولذلك لا نَعُدُّ خطبةَ منذر بن سعيد البلُّوطي التي ارتجلها في مجلس الأمير الناصر بقرطبة - حين وَفَدَ رُسلُ ملِكِ الروم وحين أُرتِج على أبي علي القالي - إلا من حُسْنِ استعداده للحوادث، وعلمِه بأن مَنْ عُيِّن للخطابة لا يُحسنها (1). وقد قدمنا في فن الإنشاء طرفًا من هذا.

هذا ومما يلتحق بالكلام على نسج الخطب اشتمالُها على شيء من الشعر، وكان ذلك قليلًا عند العرب، كما في خطبة قس بن ساعدة إذ ختمها بأبيات، وكما في

(1) انظر خطبة قس في أول البيان والتبيين، وانظر خطبة منذر في ترجمته من مطمح الأنفس للفتح بن خاقان. - المصنف. الجاحظ: البيان والتبيين، ج 1/ 1، ص 209 - 210؛ الفتح بن خاقان، أبو نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله القيسي الإشبيلي: مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس، تحقيق محمد علي شوابكة (عمان: دار عمار/ بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 1، 1403/ 1983)، ص 240 - 244. وقد أنشد البلوطي (الذي تقدمت الترجمة له في حاشية على مقال العلم عند الله في القسم الأول من هذا المجموع) في ختام خطبته القصيدة التالية:

مَقَالٌ كَحَدِّ السَّيْفِ وَسْطَ الْمَحَافِلِ

فَرَقْتُ بِهِ مَا بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلِ

بِقَلْبٍ ذَكِيٍّ تَرْتَمِي جَنَبَاتُهُ

كَبَارِقِ رَعْدٍ عِنْدَ رَعْشِ الأَنَامِلِ

فَمَا دَحَضَتْ رِجْلِي وَلَا زَلَّ مِقْوَلِي

وَلَا طَاشَ عَقْلِي يَوْمَ تِلْكَ الزَّلَازِلِ

لِخَيْرِ إِمَامٍ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ

لِمُقْتَبَلٍ أَوْ فِي الْعُصُورِ الأَوَائِلِ

وَقَدْ حَدَّقَتْ نَحْوي عُيُونٌ إخَالُهَا

كَمِثْلِ سِهَامٍ أُثْبِتَتْ فِي المَقَاتِلِ

تَرَى النَّاسَ أَفْوَاجًا يَؤُمُّونَ دَارَهُ

وَكُلُّهُمْ مَا بَيْنَ رَاضٍ وَآمِل

وُفُودُ مُلُوكِ الرُّومِ وَسْطَ فِنَائِهِ

مَخَافَةَ بَأْسٍ أَوْ رَجَاءً لِنَائِلِ

فَعِشْ سَالمًا أَقْصَى حَيَاةِ مُعَمَّرٍ

فَأَنْتَ غِيَاثُ كُلِّ حَافٍ وَنَاعِلِ

وقد ذكر المقري هذه الحكاية والقصيدة وغيرها مما هو على غير رويها. المقري التلمساني: نفح الطيب، ج 1، ص 364 - 365 و 368 - 374. (وفيه زيادة بيت، كما جاء فيه لفظ "بابه" بدل "داره"، و "راج" عوض "راض"). وخطبة قس بن ساعدة قيل إن الرسول عليه الصلاة والسلام شهدها وإنه قال: "فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام، وهو على جمل أحمر، وهو يخطب الناس، وهو يقول: أيها الناس، اجتمعوا واستمعوا وعُوا، مَنْ عاش مات، ومَنْ مات فات، وكلُّ ما هو آتٍ آت. . ." ابن كثير: البداية والنهاية، ج 3، ص، 300.

ص: 1367