الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصول الإنشاء
والخطابة
(1)
[أصول] الإنشاء
[استهلال]
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الحمد لله منشئ الخلق ومعيده، وواهب البيان لراغبه ومستزيده، والصلاة والسلام على رسوله الذي أيده بمعجِزِ القرآن، وأرسله بالبينات وأنزل معه الكتاب والميزان، وعلى آله وأصحابه أفضل من فَرَع المنابر (2)، وسطرت فخرَه الأقلامُ في الدفاتر، أما بعد:
فإن مزيةَ فنِّ الإنشاء قد ترجمت عنها كثرةُ طالبيه، ونباهةُ شأن النابغين فيه. كيف وهو الذي يُفصِح به المرءُ عما يريد من المقصد، وطالما كفى قلمُ الكاتب مُهِمَّه فما ضره أن لا يُهَزَّ المهنَّد (3). وقد كنتُ أمليتُ على بعض المتعلمين عجالةً تلم بالمُهِمِّ
(1) بهذا العنوان صدر عن مطبعة النهضة بتونس سنة 1339 هـ (1920 م) سفرٌ في ثلاثٍ وسبعين صفحة، مشفوعة بكلمة للمصحح معاوية التميمي وبجدول للخطأ والصواب في ستِّ صفحات (وقد عملنا بمقتضى ذلك الجدول في ضبط النص وتصحيحه). ونظرًا لكون السفر المذكور يشتمل على رسالتين في موضوعين متمايزين (هما الإنشاء والخطابة)، فقد نشرنا الرسالتين مستقلتين عن بعضهما البعض وأتبعنا إحداهما الأخرى تبعًا للمصنف. وقد قام بتحقق هذا السفر الأستاذ ياسر بن حامد المطيري، وصدر سنة 1433 هـ عن مكتبة دار المنهاج بالرياض في حلة قشيبة.
(2)
أي علَوْا المنابر وصعَدوها.
(3)
قال المطيري: "قوله: "فما ضره أن لا يُهَزَّ المهنَّد"، شطرُ بيت من الطويل. وقد يكون جرى على قلم المؤلف دون قصد، فيكون من الانسجام. قال ابن منقذ: "الانسجام أن يأتي كلامُ المتكلم شعرًا من غير أن يقصد إليه، وهو يدل على فور الطبع والغريزة". [أسامة بن منقذ: ] البديع في نقد الشعر، [تحقيق الدكتور أحمد أحمد بدوي وزميله، القاهرة، 1380 هـ]، ص 131".
من أغراضه إلمامًا، وتريش (1) لقُناص شوارده سهامًا، وتمكن بأيديهم لصعابه زِمامًا، تجنبتُ فيها طريقةَ جمهور المؤلفين في هذا الفن؛ إذ ملؤوا كتبهم بمسائل علم المعاني والبيان، وربما تجاوزوا إلى بقية علوم اللسان، وتركوا جانبَ المسائل الخاصة بهذا الفن ظِهريًّا، إلا قليلًا منها لا يفيد المطالع كمالًا أدبيا. وقد تلقفوا ذلك الصنيع، فتابع المتأخرُ المتقدم، وتشبَّه فيه الظالعُ بالضليع (2).
والعُذر للمتقدِّمِين منهم أن علم الأدب لَم يكن في عصرهم منخولًا بعضُ فنونه من بعض (3)، أما المتأخرون فاتبعوا طريقةَ المتقدّمين بعد أن تمايزت الفنون، حتى أصبح طلبةُ هذا الفن إن هم شرعوا فيه نُقلت لهم المسائلُ التي قرأوها في علم البلاغة فلم يجدوا فائدةً يستزيدونها، ولا مُهِمَّةً ينقلونها. فربما أُدخل على أذهانهم بذلك شيءٌ من التهويس (4)، زيادةً على ما أضيع من وقتهم النفيس.
ولذلك جعلنا بعضَ مسائل فنون البلاغة لهذا الفن كالأصول نُحيل عليها المتعلِّم، ونكتفي فيها بتوقيف المعلِّم، لئلا يطولَ الفنُّ بلا طائل. وأخذنا من كلام أئمة الفن المتناثر ما جعلنا له قواعدَ وكليات، وأدرجناه تحتها كالشواهد، فجاء
(1) راشَ السَّهم يريشه رَيْشًا وارتاشه: ركَّب عليه الريش. والمقصود هنا عالج السهم وأصلحه ليكون صالحًا للاستعمال.
(2)
الظالع: الأعرج الذي يغمز في مشيته، وهو كذلك المائل عن الطريق القويم. والضليع: قوي الأضلاع شديدها، وهو كذلك السمين القوي. والكلام مقتبس من خطبة الحريري في مفتتح مقاماته حيث يقول:"فأشار من إشارته غنم إلى أن أنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديع، وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع". مقامات الحريري، ص 11 - 12. وقد استعمل الحريري اللفظتين على سبيل المجاز.
(3)
أي لأن المتقدمين كانوا في طور التأسيس للعلوم يتقصون موادها، ويجمعون شتاتها، ويفرعون مسائلها، لكي لا يفوتهم شيء مما يدخل فيها، ولم تكن عنايتهم متجهة بالقدر نفسه إلى ترتيبها وتمييز بعضها عن بعض، ولذلك فهم معذورون إن جاءت علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة والبيان وغيرها مختلطة في مصنفاتهم، كما هو الحال مثلًا في الكتاب لسيبويه والمقتضب والكامل للمبرد.
(4)
التهويس: الاختلاط والفساد والهوَش.