الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجزء الرابع]
باب التمييز
يطلق على التمييز: التبيين والتفسير، والمميز، والمبين والمفسر، والتمييز ينقسم قسمين:
الأول منتصب عن تمام الكلام، وهو ما كان الإبهام فيه حاصلاً في الإسناد، ومنتصب عن تمام الاسم، وهو ما كان الإبهام حاصلاً في الاسم الذي هو جزء كلام.
فالأول ينتصب بعد فعل، أو مصدر ذلك الفعل، أو ما اشتق منه من وصف نحو «واشتعل الرأس شيبا» وزيد طيب نفسا، ومسرور قلبا، وكثير مالاً، وأفره عبدًا، ونصبه بالفعل، أو ما جرى مجراه من المصدر والوصف، واسم الفعل نحو:«سرعان ذا إهالة» هذا مذهب سيبويه، والمازني، والمبرد، ابن السراج، والفارسي.
قال ابن عصفور: ذهب المحققون إلى أن العامل فيه هو الجملة المنتصب عن تمامها لا الفعل، ولا الاسم الذي جرى مجراه، وهو اختيار ابن عصفور.
وهذا التمييز الذي انتصب عن تمام الكلام يكون بعد كل كلام منطو على شيء مبهم إلا في موضعين:
أحدهما: أن يؤدي إلى إخراج اللفظ عن وضعه نحو: ادهنت زيتًا، لا يكون تمييزًا، لأن أصله: بزيت فيلزم حذف الحرف، ونصبه، والتزام التنكير فيه فخرج اللفظ بذلك عن وضعه.
والمسموع من هذا: تفقأ زيد شحما، وامتلأ الكوز ماء، كان الأصل من الشحم، ومن الماء، حذفت (من)، وأسقطت (أل)، وانتصب تمييزًا.
والموضع الآخر أن يؤدي إلى تدافع الكلام نحو: ضرب زيد رجلاً، تجعل (رجلاً) تفسيرًا لما انطوى عليه الكلام من إبهام الفاعل، وقد ذهب بعض النحاة إلى إجازة ذلك، وخرج عليه قوله تعالى:«وإن كان رجل يورث كللة» .
أبهم الوارث فكلالة عنده تمييز يفسر الوارث لا الموروث، وهذا القسم الذي ينتصب عن تمام الكلام تارة يكون منقولاً عن فاعل يصح إسناده للعامل نحو: طاب زيد نفسا، أو للمطاوع نحو: امتلأ الكوز ماء، وتفقأ زيد شحمًا أصله ملأ الماء الكوز، وفقأ الشحم زيدًا.
[وذهب ابن الطراوة، وتلميذه السهيلي إلى أن تصبب زيد عرقًا، وتفقأ زيد شحمًا] انتصب على الحال لا على التمييز، وقد أفصح سيبويه بلفظ الحال في قوله:
.
…
...
…
...
…
... ذهبن كلا كلا وصدورا
انتهى، من الروض الأنف للسهيلي؛ وتارة يكون منقولاً عن مبتدأ نحو: زيد أحسن وجها من عمرو، وتقديره: وجه زيد أحسن من وجه عمرو.
واختلفوا في نقله من المفعول، فذهب أكثر المتأخرين إلى أنه جائز، وحملوا عليه قوله تعالى:«وفجرنا الأرض عيونا» قالوا أصلح: «وفجرنا عيون الأرض» ، وأنكر نقله من المفعول الأستاذ أبو علي، وتلميذه أبو الحسن الأبذي، وأبو الحسين بن أبي الربيع، وحمل عيونًا على الحال الأستاذ أبو علي، وعلى البدل، أو على إسقاط حرف الجر أبو الحسين، وقال الأبذي متأولاً كلام الجزولي: يمكن أن يريد، بقوله منقولاً من المفعول: المفعول الذي لم يسم فاعله نحو: ضرب زيد ظهرًا وبطنًا، وفجرت الأرض عيونًا، وإلى أن التمييز يكون منقولاً، من مفعول: ذهب ابن عصفور، وابن مالك من أصحابنا، وتارة
يكون مشبهًا بالمنقول فقيل منه: امتلأ الكوز ماء، وتفقأ زيد شحمًا، ونعم رجلاً زيد، وحبذا رجلا زيد. قال ابن الضائع: إذا قلت: نعم رجلاً زيد، فالأصل: نعم الرجل، فلما أسندت الفعل إلى ضمير مبهم صار الفاعل تمييزًا، وجعل بعضهم التمييز بعد حبذا ليس منقولاً، ولا مشبها بالمنقول. وقال ابن الضائع: والظاهر من كلام سيبويه أن التمييز في نعم رجلاً زيد ونحوه أشبه بالمقادير.
وعد بعض أصحابنا مما انتصب عن تمام الاسم، محمولاً على المقدار حسبك به فارسا، ولله دره شجاعا، «وكفى بالله وكيلا» ، وويحه رجلا.
وجعل ابن مالك «بالله شهيدا» مما انتصب عن الجملة، وذكر الأخفش في الأوسط: كفاك به رجلا مع حسبك من رجل، وناهيك من رجلن وهدك وشرعك (وكفيك) قال: ولا يثنى ولا يجمع.
ولا يؤنث نحي فيه نحو: كفاك، ونهاك وتقول: احسبوك، واحسباك، ولا يجيء ذلك في شرعك ومن قال: كفاك به رجلاً، قال: كفاك بهم للجميع، وكفاك بهما للاثنين.
وإذا استعملوا هدك، ونهاك، وكفاك، وأحسبك أفعالاً في معنى هدك وناهيك، وكفيك، وحسبك ألحقوها الضمائر، وعلامة التأنيث إذا أسندت إلى المثنى والمجموع والمؤنث، وجاء بعدها التمييز كما جاء بعد الأسماء، والكلام فيها كالكلام في:«وكفى بالله شهيدا» ، وأما: ما أحسن الحليم رجلا، فكان قبل همزة النقل حسن الحليم رجلا، فهذا تمييز ليس منقولاً من فاعل، فهو شبيه بقولهم: كفى بزيد ناصرًا، فيمكن فيه الخلاف الذي فيه.
فإن قلت: ما أحسن الحليم عقلا، كان من قبيل ما انتصب عن تمام الكلام
بلا خلاف، وكان أصله: حسن الحليم عقلاً أي حسن عقل الحليم فهو منقول عن فاعل.
وأما قولهم: داري خلف دارك فرسخا، فالظاهر أنه تمييز بعد تمام الكلام، وهو الظاهر، وقيل من قبيل ما انتصب بعد تمام الاسم، وهو شبيه بقولهم لي مثله فارسا انبهمت مسافة الخلف ففسرت بقوله: فرسخا كما انبهمت المثلية ففسرت بقوله: فارسا.
والتمييز إن صح أن يكون خبرًا للاسم قبله كان له، أو لملابسة المقدر مثال ذلك: كرم زيدا أبا، فهذا يصح أن تقول: زيد أب، فيجوز فيه وجهان أحدهما: أن يكون زيد هو الأب أي كرم زيد نفسه أبا أي ما أكرمه من أب، ولا يكون منقولاً من فاعل، ويجوز دخول (من) عليه.
والوجه الثاني: أن يكون التمييز ليس زيدا، وإنما هو أبوه، فيكون الأصل: كرم أبو زيد أي ما أكرم أباه، ويكون منقولاً من فاعل، ولا يجوز دخول (من) عليه، وإن دل المنصوب على هيئة، وعني به الأول، جاز أن ينتصب على الحال نحو: كرم زيد ضيفا، وجاز أن ينتصب تمييزًا لصلاحية دخول (من) عليه، عند قصد التمييز، وإن لم يعن به الأول تعين أن يكون تمييزًا منقولاً من الفاعل أصله كرم ضيف زيد، ولا يدخل عليه (من).
والتمييز إما أن يتحد بما قبله معنى، أو لا: إن اتحد طابقه في إفراد، وتثنية، وجمع نحو: كرم زيد رجلا، وكرمت زينب امرأة، وكرم الزيدان رجلين، وكرم الزيدون رجالاً، وكذا المؤنث، وإن لم يتحدا معنى فكذلك يطابق نحو حسن زيد وجها، وحسن الزيدون وجوها، فإن لزم بإفراد التمييز إفراد معناه، أو كان مصدرًا
لم يقصد اختلاف أنواع أفرد مثال ذلك: كرم الزيدون أصلاً، إذا كان أصلهم واحدًا، وزكى الزيدون سعيًا، فإن قصد اختلاف أنواع المصدر لاختلاف محاله جاء جمعًا كقوله تعالى:«قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا» وكقولك تخالف الناس آراء، وتفاوتوا أذهانا، وإفراد المباين أولى من الجمع نحو قوله تعالى:«فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا» والزيدون، قروا عينا، ويجوز أنفسا وأعينا.
فإن أوقع في محذور لزمت المطابقة نحو: كرم الزيدون آباءً أي ما أكرمهم من آباء، ولو أفردت توهم أن أباهم واحد متصف بالكرم.
فإن أردت في هذا المثال: كرم أبا الزيدين، لزمت المطابقة، وقد يلزم الجمع أيضًا بعد المفرد المباين إذا كان المفرد لا يفيد معنى الجمع نحو: نظف زيد ثيابًا؛ إذ لو أفردت توهم أ، هـ له ثوب واحد نظيف، ولو فرقت التمييز بالعطف لم يجز مثاله: كرم الزيدان أخا وأبا تريد أخاهما وأبا الآخر، والتمييز في التعجب غير المبوب له في باب نعم وبئس، وحبذا تطابق المميز، وكذلك في حسبك، وأخواته، وكفاك ونهاك، وأحسبك، وفي ويحه وفي كفى.
وفي داري خلف دارك فرسخًا، يجوز أن يثنى ويجمع فتقول فرسخين وفراسخ، وأما المتعجب المبوب له، فإن كان التمييز معنى فالإفراد إلا أن يقصد الأنواع، وإن كان عينًا طابق المتعجب منه.
وأما أفعل التفضيل، فإن كان التمييز معنى، فكتميز المتعجب منه، وإن كان عينًا جاز إفراده وجمعه تقول: الزيدون أحسن الناس وجها، والزيدون أحسن الناس وجوهًا.
القسم الثاني: أن ينتصب عن تمام الاسم، وهو إما عدد نحو: أحد عشر رجلا، وعشرون رجلا، واختلفوا هل هو قسيم للمقدار، أو قسم من المقدار، فمذهب أبي علي أنه قسيم للمقدار، وهو قول ابن عصفور، وابن مالك، وعند شيخنا الأبذي، وابن الضائع أنه قسم من المقادير، قال الأبذي: والمقادير المبهمة تحصرها المعدودات والمكيلات والموزونات.
وقال ابن الضائع: والمقادير أربعة أنواع: معدود، ومكيل، وموزون، وممسوح ومثلا المقدار في العدد بخمسة عشر رجلا.
وقال في البديع: والعدد وإن كان مقدارًا ليس له آلة يعرف بها. انتهى.
وقد يكون سؤالا عن عدد كتمييز (كم) الاستفهامية والتمييز عن المثلية نحو قول بعضهم: ما لنا مثله رجلا، ولنا أمثالها إبلا.
ومذهب سيبويه أن مثله من المقادير، ومذهب الفارسي أنه ليس من المقادير، وقال ابن الضائع:«على التمرة مثلها زيدا» . شبيه بالمقدار؛ لأن المعنى «على التمرة قدر مثلها» ، كما أن المعنى في رطل وقفيز قدر رطل وقفيز.
وهذا مما تم فيه الاسم بالإضافة، وقد يقال: إن هذا من مقدار المساحة أو من مقدار الوزن؛ لأن المعنى قدر مثلها مساحة أو وزنًا، وأما «موضع راحة» فمن المساحة، ونظير «له مثله رجلا» قولهم: لا كزيد فارسًا انتهى.
وقولهم: «عليه شعر كلبين دينا» ، هو على تقدير: مثل شعر، والتمييز عن الغيرية نحو: لنا غيرها شاء، وهذا التمييز يكون بالنص عن جنس المراد، وقد اختلفوا في مسائل:
إحداها: التمييز بما في باب نعم، أجاز ذلك الفارسي فيكون نكرة تامة بمعنى شيء، ومنع ذلك غيره منهم أبو ذر مصعب بن أبي بكر.
الثانية: التمييز بمثل، أجاز ذلك سيبويه فتقول: لي عشرون مثلك، وحكي: لي ملء الدار أمثالك، ومنع ذلك الفراء. وفي كتاب الصفار البطليوسي: لا يجيزه الكوفيون.
الثالثة: التمييز بغير، أجاز ذلك يونس فتقول: له عشرون غيرك، وتلقى سيبويه قول يونس بالقبول: ومنع ذلك الفراء.
الرابعة: التمييز بأيما رجل أجاز ذلك الجمهور فتقول: عندي عشرون أيما رجل ومنع ذلك الخليل وسيبويه، والتمييز عن التعجب مثاله: ويحه رجلا وحسبك
به رجلا ولله دره فارسًا، وأبرحت جارا، وما أنت جارة، ويا طيبها ليلة، ويالك ليلا، وويل أمه مسعر حرب.
وفي (أبرحت) خلاف، ذهب الأعلم إلى أنه منتصب عن تمام الكلام، وأنه منقول عن فاعل، وتقديره: فأبرح جارك نحو: طاب زيد نفسا، وذهب ابن خروف وتبعه ابن مالك إلى أنه ينتصب عن تمام الاسم، وعلى هذا أنشد سيبويه قوله:
تقول ابنتي حين جد الرحيل
…
فأبرحت ربا وأبرحت جارا
واختلف في اشتقاق أبرحت، فقال الأعلم من البراح أي صرت في براح لاشتهار أمرك وقال السيرافي: من البرح، وهو الشدة المتعجب منها؛ أي صرت ذا برح؛ أي جئت بما لم يجيء به غيرك، وقيل: معناها تناهيت، واشتهرت وقيل: عظمت، وقيل: دهوت، وتمام الاسم إما بالإضافة نحو: لله دره فارسًا،
وإما تنوين ظاهر نحو: رطل زيتا قالوا أو مقدار نحو: أحد عشر رجلاً أو نون تثنية نحو: لي منوان سمنًا، قال ابن مالك: أو نون جمع ومثل: «بالأخسرين أعمالا» ، فجعله من هذا القبيل، وهو عند أصحابنا من المنتصب عن تمام الكلام، أو شبه نون الجمع نحو: ثلاثين ليلة، وينصبه مميزه، فإذا قلت: عشرون درهمًا، أو فقيز برًا، أو رطل سمنا، أو ذراع ثوبا، فالناصب للتمييز ما قبله من عشرين وقفيز ورطل وذراع، وكذا أحد عشر وأخواته يتنزل منزلة عشرين إذ الاسم الثاني صار كالنون في عشرين.
وإن كان تمام المفرد بتنوين ظاهر، أو نون تثنية جاز حذف التنوين، والنون بمضاف إلى الاسم فتقول: رطل زيت، وإردب شعير، ومنوا عسل، وإن كان التمام بالإضافة نحو: لله دره رجلاً، وويحه رجلا، فلا يجوز حذف التنوين، والإضافة، لا تقول: لله در رجل، ولا ويح رجل.
وأما التمييز بعد أحد عشر وأخواته وعشرين وأخواته فتقدم الكلام عليه في باب العدد.
ولابن مالك في هذا الباب من كتاب التسهيل والشرح الذي مزجه هو تخليط كثير تكلمنا عليه في شرحنا لكتابه.
وإذا أريد الآلات التي يكال بها، أو يوزن أو يزرع تعينت الإضافة على معنى (اللام)، ولا يجوز النصب فتقول: لي ظرف عسل تريد الوعاء الذي يكون فيه
العسل، وقفيز بر، تريد: الآلة التي يُكال بها البر، ورطل زيت، تريد: به الآلة.
وإذا أريد المقدرات بالآلات، لا الآلات، فذكر أصحابنا فيه أربعة أوجه:
أحدها: النصب على التمييز.
والثاني: الخفض على الإضافة بمعنى من.
والثالث: الصفة فيعرب بإعراب ما قبله، وهو قول سيبويه وضعفه؛ لأنه وصف بالجامد، فلا بد فيه من تكلف الاشتقاق وقال ابن السراج: عندي رطل زيت، ولي مثله رجل وخمسة أثواب هو على البدل.
والرابع: النصب على الحال وفيه أيضًا تكلف تضمن الاشتقاق كالصفة.
وفي البسيط: لا يكون النصب إلا إذا كان الأول مقدرًا كيلاً، أو وزنًا أو ما في حكمهما، ونويت فيه ذا المقدار؛ فإن نقص أحدهما لم يجز النصب، والمقدار كالمثقال، والرطل، والكر، وعدل كذا، ووزن كذا.
وقد تنزل أشياء منزلة المقادير، وإن لم تكن مقادير نحو: عندي بيتان تبنًا، وحزمتان بقلا، وخاتمان ذهبا، وجبتان خزا، لا تنصب إلا حين تريد مقدار الجنس من الخز، والخاتمين من الذهب.
ولو أردت نفس ذلك لخفضك كقولك: ما فعلت جبة الخز، وما فعلت جبتك الخز، اتباعًا إلا أنه يقطع كالنعت وتقول: عندي قضيبان عوسج، وشوحط، ترفع، لأن القضيب وما أشبه ليس مقدار الشيء؛ فإن نويت مقدار قضيب جررت انتهى.
وتقول: عندي جبة خزا، نصبه عند سيبويه على الحال، وعند المبرد على التمييز، فإن اتبعت فصفة وتقدم تضعيف سيبويه له، أو بدل كما قال ابن السراج أو عطف بيان، وهو قول المبرد، والزجاجي، وقال ابن السراج:«إذا قلت: ماء فرات، وتمر شهريز، وقضيبا بان، ونخلتا برني» فذلك ليس بمقدار معروف مشهور، فكلام العرب الخفض، والاختيار فيه الإضافة، أو الإتباع، ولا يجوز فيه التمييز؛ إذ لم يكن مقدارًا انتهى.
وإذا كان المقدار مختلطًا من جنسين، فقال الفراء: لا يجوز عطف أحدهما على الآخر، بل تقول: عندي رطل سمنا عسلا، وقال غيره: يجوز، وتكون الواو جامعة.
ويجوز دخول (من) على ما كان تمييزًا بعد تمام الاسم نحو: إردب من قمح، وملء الأرض من ذهبن وجمام المكوك من دقيق، ولي أمثالها من إبل، وغيرها من شاء، وويحه من رجل، ولله دره من فارس، وحسبك به من رجل، وما أنت من فارس، وأبرحت من جار.
وعلى قول من جعله من تمام الاسم، وويله مسعر حرب، ويا طيبها من ليلة، ويا لك من رجل. و (من) هذه للتبعيض في هذه الأمثلة.
وقال الأستاذ أبو علي: يجوز أن تكون بعد المقادير وما أشبهها زائدة عند سيبويه، كما زيدت في «ما جاءني من رجل» ويدل على صحة ذلك: أنه عطف على موضعه نصبًا قال الحطيئة:
طافت أمامة بالركبان آونة
…
يا حسنه من قوام ما ومنتقبا
واختلف النحويون في التمييز، أيجوز أن يكون معرفة أم لا، فذهب البصريون إلى أن التمييز لا يكون إلا نكرة، وذهب الكوفيون، وابن الطراوة إلى أنه يجوز أن يكون معرفة وورد منه شيء معرفة (بأل) وبالإضافة، وتأوله البصريون على زيادة (أل)، والحكم بانفصال الإضافة واعتقاد التنكير.
وأما ما جاء من قولهم: «سفه زيد نفسه، وغبن رأيه، ووجع بطنه، وألم رأسه» فتأولوه على تضمين الفعل ما يتعدى، فتنصب تلك الأفعال على المفعول به، أو على انتصابها على إسقاط حرف الجر، أو على التشبيه بالمفعول به.
وإذا كان قد تقدم التمييز فعل متصرف، أو ما يعمل عمله، جاز توسيط التمييز بينه وبين المسند إليه الحكم تقول: طاب نفسًا زيد، وحسن وجها عمرو، وضرب ظهرًا وبطنا بكر، وتفقأ شحما خالد، لا نعلم خلافًا في جواز ذلك،
وكذلك ما أحسن وجها منك أحد، ومن زعم أنه قد يكون منقولاً من المفعول يجيز التوسط فيقول: غرست شجر الأرض، وفجرت عيونا الأرض.
وأما دارك خلف داري فرسخًا في قول من جعله تمييزًا عن تمام الكلام فلا يجوز توسيطه لا تقول: داري فرسخًا خلف دارك ومن جعله من تمام الاسم فهو أحرى بالمنع، وكون (فرسخًا) تمييزًا، هو على ما فهم من كلام سيبويه، والمبرد يجعله حالاً، وهو أيضًا متأول على سيبويه.
ولو كان الفعل غير متصرف لم يجز توسيط التمييز بينه وبني مطلوبه، تقول: ما أحسن زيدا رجلا، وأحسن بزيد رجلا، ولا يجوز: ما أحسن رجلا زيدا، على التمييز، ولا أحسن رجلا بزيد.
واختلف النحاة في تقديمه على الفعل المتصرف الذي تمييزه منقول، فذهب سيبويه، والفراء، وأكثر البصريين والكوفيين إلى منعه، وبه قال أبو علي في شرح الأبيات وأكثر متأخري أصحابنا.
وذهب الكسائي، والجرمي، والمازني، والمبرد، إلى جواز
ذلك، وهو اختيار ابن مالك، وهو الصحيح لكثرة ما ورد من الشواهد على ذلك، وقياسًا على الفضلات، فإن كان الفعل غير متصرف لم يجز تقديمه عليه، وكذا إن كان متصرفًا، وكان تمييزه غير منقول نحو: كفى يزيد رجلا، ولا يجوز: رجلا كفى بزيد بإجماع، وإن كان منتصبًا عن تمام الجملة على ما ذهب إليه ابن مالك، والصحيح أنه منتصب عن تمام الاسم.
وأما «سفيه زيد رأيه» وأخواته، فذهب البصريون والكسائي إلى جواز تقديم المنصوب على الفعل، لاعتقادهم أنه غير تمييز، وإن اختلفوا في تقدير نصبه، وقياس قول من أجاز نقل التمييز من المفعول أنه على مذهب من منع أن يمنع إن أعربه بدلا، ويجيزان تأويله على الحال، أو على إسقاط الحرف، وأما من أجاز ذلك، فيتخرج على الخلاف الذي في «طاب زيد نفسا» وأما في «أفعل التفضيل فلا يجوز تقديمه عليه لا تقول: زيد وجها أحسن من عمرو».
وأما الوصف مما قيل أنه يجوز تقديمه على فعله نحو: ما نفسا طيب زيد، وقياس من أجاز: نفسًا طاب زيد أن يجيزه، والاتفاق على أنه إذا كان التمييز عن تمام الاسم لا يجوز تقديم التمييز عليه، فإذا قلت: عندي رطل زيتا فلا يجوز، زيتًا رطل، وكذلك، لي مثله رجلاً، لا يجوز: لي رجل مثله، ووقع في بعض هذا خلاف، وذلك إذا انتصب التمييز بعد اسم شبه به الأول لا بلفظ مثل نحو قولك: زيد القمر حسنًا، وثوبك السلق خضرة، فأجاز الفراء، تقديم هذه التمييز على المشبه به، نحو: زيد حسنًا القمر، وثوبك خضرة السلق، على أن يكون زيد
وثوبك مبتدآن والقمر والسلق خبران؛ فإن عكست لم يجز التقديم، لأن المشبه به ليس بخبر، ولو قلت: مررت بعبد الله القمر حسنًا، لم يجز تقديم حسن على القمر؛ لأن القمر ليس بخبر، ومنع ذلك غير الفراء، بل قد ادعى ابن مالك: الإجماع في أنه لا يجوز تقديمه إذا كان عن تمام الاسم، وليس كما ذكر؛ إذ الخلاف موجود في هذه الصورة التي ذكرنا.
وقد عمل بعض الشعراء المحدثين على مذهب الفراء فقال:
رشأ أتانا وهو حسنا يوسف
…
وغزالة في صحبة بلقيس
ويجوز حذف التمييز إذا قصد إبقاء الإبهام، أو كان الكلام ما يدل عليه، ويجوز أن تبدل من التمييز كقوله تعالى:«ثلاث مائة سنين» في قراءة من نون، و «اثنتي عشرة أسباطا» فـ (سنين) بدلاً من ثلاث مائة. و (أسباطا) بدل من اثنتي عشرة، وتمييزها محذوف تقديره ثلاثمائة زمان أو وقت واثنتي عشرة فرقة، قيل ويكون في المعطوف عليه نحو: ثلاثة وعشرين درهما ونحوه الأصل: ثلاثة دراهم لكنهم تركوه لشبههما بخمسة عشر لدلالة الثاني عليه.
ولا يجوز حذف المميز، وإبقاء التمييز إلا أن يوضع غيره موضعه كقولهم: ما رأيت كاليوم رجلاً، وقد يحذف من غير بدل كقولهم: تالله رجلا أي تالله ما رأيت كاليوم رجلاً.