الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صيغ التعجب
صيغة (ما أفعله)، و (أفعل به)، و (أفعل)، فأما (ما أفعله) فنحو: ما أحسن زيدًا، فـ (ما) مبتدأ إجماعًا إلا خلافًا شاذًا عن الكسائي أنه لا موضع له من الإعراب، ومذهب الخليل، وسيبويه وجمهور البصريين أن (ما) نكرة تامة بمعنى شيء، وما بعدها خبر، وذهب الفراء، وابن درستويه إلى أن (ما) استفهامية دخلها معنى التعجب، وتأوله ابن درستويه على الخليل، ونسب كونها استفهامية ابن مالك إلى الكوفيين. وعن الأخفش في (ما) ثلاثة أقوال: أحدها: كقول جمهور البصريين.
والثاني: أن (ما) موصولة، والفعل صلته، والخبر محذوف واجب الحذف، والتقدير: الذي أحسن زيدًا عظيم، وحكى البهاري أنه مذهب الكوفيين، وحكاه ابن بابشاذ عن طائفة منهم.
والثالث: أن (ما) نكرة موصوفة الفعل صفتها، والخبر محذوف واجب الحذف التقدير: شيء أحسن زيدًا عظيم.
و (أفعل) مذهب البصريين، والكسائي أنه فعل و (زيدًا) مفعول به، والهمزة في (أفعل) للتعدية، وفي (أحسن) ضمير فاعل، يعود على (ما)،
وهو مذكر غائب مفرد لا يتبع لا بعطف ولا يؤكد بضمير، ولا بنفس، ولا ببدل، ومذهب الكوفيين غير الكسائي أن (أفعل) اسم، وانتصب الاسم بعده في قول الفراء ومن وافقه من الكوفيين على حد ما انتصب في قولهم: زيد كريم الأب فأصله في نحو: ما أظرف زيدًا: زيد أظرف من غيره، إلا أنهم أتوا (بما) فقالوا: ما أظرف زيدًا على سبيل الاستفهام، نقلوا الصفة من زيد وأسندوها إلى ضمير (ما)، وانتصب زيد بـ (أظرف) فرقًا بين الخبر والاستفهام.
والفتحة في (أفعل) فتحة إعراب، وهو خبر عن (ما)، وإنما انتصب لكونه خلاف المبتدأ الذي هو (ما)، إذ هو في الحقيقة خبر عن زيد، وإنما أتى بـ (ما) ليعود عليها الضمير، والخبر إذا كان خلاف المبتدأ كان منتصبًا بالخلاف على مذهب الكوفيين في زيد خلفك، وزعم بعض الكوفيين، أن (أفعل) اسم مبني، لتضمنه معنى التعجب.
وأما (أفعل به) نحو: أحسن بزيد، فاتفقوا على أنه فعل إلا ما في كلام ابن الأنباري من تصريحه بأنه اسم، ومذهب جمهور البصريين أن صورته صورة الأمر، وهو خبر في المعنى، والهمزة فيه للصيرورة، ومعناه: أحسن زيد، أي صار حسنًا في معنى ما أحسن زيدًا، والمجرور في موضع الفاعل، والباء زائدة لازمة إلا مع (أن) وصلتها فجاء حذفها.
وفي النهاية: لا يجوز حذف الباء من أن وأن في التعجب بل تقول أحبب إلي بأن تزورني، وأهون علي بأن زيدًا يغضب، وفي شعر الشريف الموسوي إسقاطها قال:
أهون علي إذا امتلأت من الكرى
…
أني أبيت بليلة الملسوع
وفي كلام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، حذف الباء من أن وقد جاء:
وقال أمير المسلمين تقدموا
…
وأحبب إلينا أن تكون المقدما
يريد بـ (أن) فحذف الباء وجاء:
تردد فيها ضوؤها وشعاعها
…
فأحسن وأزين لامرئ أن تسربلا
يريد بأن تسربل، وذهب الفراء، والزجاج، والزمخشري وابن خروف إلى أنه أمر حقيقة، والهمزة للنقل، و (بزيد) مفعول والباء زائدة، والمخاطب قال ابن كيسان، وتعبه ابن الطراوة، وهو ضمير المصدر الدال عليه الفعل كأنه قيل يا حسن أحسن بزيد أي ألزمه ودم به.
وقيل الفاعل ضمير المخاطب ولم يبرز باختلاف المخاطب، من تثنية وجمع وتأنيث، لأنه جرى مجرى المثل، وربما أكد (أفعل) بالنون نحو: أحسنن
بزيد، واختلفوا فيما كان على فعل وفعل إذا صير إلى (فعل) هل يحول قبل التصيير إلى (أفعل) إلى (فعل) ثم تدخل عليه همزة النقل فقيل: يحولان إلى (فعل)، وقيل لا يحولان، وهو ظاهر كلام سيبويه وتصحيح عين (أفعل) و (أفعل) وفك (أفعل) المضعف واجب عند الجمهور تقول: ما أبين الحق وما أنوره، وأبين بالحق، وأنور به، وأجلل بزيد.
وذهب الكسائي إلى جواز التصحيح في أفعل كمذهب الجمهور وإلى جواز الإعلال، فتقول: أطول بهذه النخلة وأطل بها، وإلى جواز الفك في (أفعل) كمذهب الجمهور، وإلى جواز الإدغام فتقول: أجلل بزيد وأجل به، وجواز تصغير (أفعل) نحو: ما أحيسن زيدًا، هو نص الكوفيين والبصريين، واقتياسه وتقول في تصغير ما أحيا زيدًا: ما أحيى أصله: ما أحيى، وقول ابن مالك: وشذ تصغير (أفعل) مقصور على السماع خلافًا لابن كيسان في اطراده قول من لم يطلع على كلام النحاة في هذه المسألة.
وأما تصغير (أفعل) نحو: أحسن بزيد فلا يجوز، وأجاز ابن كيسان تصغيره فتقول: أحيسن بزيد قياسًا على ما أحيسن زيدًا، ويجوز حذف المتعجب منه بأفعل للدلالة عليه تقول: زيد ما أعف تريد ما أعفه، وأفعل نحو: زيد أحسن به وأجمل، فمذهب سيبويه أنه لا يجوز حذف الفاعل المجرور ولا جاره، وأجاز ذلك ناس منهم أبو الحسن.
وزعم الفارسي، وقوم من النحاة أنه لم يحذف الفاعل في (أفعل)، بل حذف حرف الجر، فاستتر الفاعل في (أفعل)، وزعم بعض أصحابنا أنه لا يجوز الاقتصار على الاسم بعد (أفعل) و (أفعل) إلا في باب التنازع نحو: ما أحسن وأجمل زيدًا، وأحسن وأجمل بزيد، ويعني أن كل فعل منهما يطلب مفعولاً فلا يجوز أن يقتصر على اسم واحد في باب التنازع قال على خلاف فيه.
والمتعجب منه: مخبر عنه في المعنى، فلا يكون إلا معرفة أو نكرة مختصة، فإن كان معرفًا بـ (أل) للعهد نحو: ما أحسن القاضي: تريد قاضيًا بينك وبين المخاطب عهد فيه، فأجاز ذلك الجمهور، ومنعه الفراء، وإن كان (أيا) الموصولة بفعل ماض نحو: ما أحسن أيهم قال ذلك، فمنعها الكوفيون والأخفش وأجازها غيرهم.
فإن وصلت بمضارع جازت عند الجمع نحو: ما أحسن أيهم يقول ذلك وتقول: ما أحسن ما كان ما كان زيد، والمعنى: ما أحسن ما كانت كينونة زيد فالأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع، أجاز ذلك هشام ومعها غيره.
وقال النحاس: هي جائزة على أصل البصريين وتقول: ما أحسن ما كان زيد ضاحكًا إن كان (كان) تامة، ونصب (ضاحكًا) على الحال جازت عند الجميع، وإن كان (كان) ناقصة أجازها الفراء، ومنعها البصريون وتقول: ما أحسن ما ظننت عبد الله قائمًا، (قائمًا) عند البصريين خبر، فلا يجوز حذفه، وهو عند الفراء حال، فإن شئت لم تأت به وتقول: ما أحسن أحدًا يقول ذلك أجازها الكسائي ومنعها الفراء والبصريون؛ فإن جعلت (أحدًا) بمعنى واحد صحت المسألة، وتقول: ما أحسن ما ليس يذكرك زيد، قال بعض أصحابنا: يجوز قال: لا يجوز: ما ليس زيد قائمًا، وهو مذهب البغداديين وتقول:
ما أحسنك وجهًا، وما أحسن زيدًا رجلاً، تنصب وجهًا ورجلاً على التمييز، وأما (أفعل) فتقدم الكلام فيه في آخر باب نعم وبئس، وفي كيفية بنائه، ولا يؤكد فعل التعجب هذا مذهب الجمهور، وأجاز الجرمي تأكيده فتقول: ما أحسن زيدًا إحسانًا، وأحسن بزيد إحسانًا، والقياس يقتضيه لكنه والله أعلم لم يسمع من العرب، وهذه الصيغ ثلاثة كما ذكرنا، وزاد الكوفيون (أفعل) بغير (ما) مسندة إلى الفعل نحو قوله:
…
...
…
... ....
…
...
…
... .... فأبرحت فارسا
أي ما أبرحت فارسًا، وزاد بعض النحاة في صيغ التعجب (أفعل من) كذا، ولا تتصرف هذه الصيغ لا تستعمل من (ما أفعله) مضارع ولا أمر، ولا من (أفعل به) ماض، ولا مضارع، ولا من (أفعل) مضارع ولا أمر، وشذ هشام فأجاز في (ما أفعل زيدًا) أن يؤتى له بمضارع فتقول: ما يحسن زيدًا وما قاله قياس، ولم يسمع فوجب اطراحه، ولا يفصل بين (أفعل) ومعموله، ولا بين أفعل ومعموله بشيء لا يتعلق بهما لو قلت: ما أحسن بمعروف آمرًا، وما أقبح في الصلاة ضاحكًا، تريد: آمرًا بمعروف وضاحكًا في الصلاة.
قال ابن مالك: لا خلاف في منع الفصل بذلك، فإن تعلق بهما غير ظرف أو حرف جر، فقال ابن مالك: لا خلاف في منع إيلائهما إياه تقول: ما أحسن زيدًا مقبلاً، وأكرم به رجلاً، فلو قلت: ما أحسن مقبلاً زيدًا، وأكرم رجلاً به، لم يجز بإجماع، وكذا قال ابنه في شرح الخلاصة لأبيه، لا خلاف في امتناع الفصل بينه أي بين الفعل، والمتعجب منه بغير الظرف، والجار والمجرور كالحال والمنادي، وما ذكراه ليس بصحيح.
ذهب الجرمي، وهشام، إلى جواز الفصل بينهما بالحال، والجرمي إلى جواز الفصل بينهما بالمصدر نحو: ما أحسن إحسانًا زيدًا، ومذهب الجمهور المنع في المسألتين، وأما الفصل بالمنادي فقال بدر الدين ابن مالك لا خلاف في منع ذلك، وقال أبوه أبو عبد الله بن مالك: قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما قتل عمار بن ياسر: «أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعًا مجدلاً» مصحح لجواز الفصل بالنداء، وإن تعلق الظرف أو المجرور بالفعل فذهب الجرمي، والفراء، والأخفش في أحد قوليه،
والمازني، والزجاج، والفارسي، وابن خروف، والأستاذ أبو علي الشلوبين إلى جواز الفصل، وهو الصحيح المنصور.
وسوى الأستاذ أبو علي بين (أفعل) و (أفعل) في ذلك: وذهب الأخفش في أحد قوليه، والمبرد، وأكثر البصريين إلى المنع، واختاره الزمخشري، ونسبه الصيمري إلى سيبويه، وإذا تعلق بالمفعول ضمير يعود على المجرور وجب تقديم المجرور نحو قولهم: ما أحسن بالرجل أن يصدق و:
ما أحرى بذي اللب أن يرى
…
صبورًا
…
... ....
وزعم بعضهم أن الفصل بالظرف والمجرور قبيح، وأجاز ابن كيسان الفصل بـ (لولا) نحو: ما أحسن لولا بخله زيدًا، وأحسن لولا بخله بزيد،
ولا حجة له على ذلك، ولا يجوز تقديم شيء من معمول أفعل التعجب على الفعل، ولا على (ما).
وإن كان يجوز في نحوه من التركيب الذي ليس فيه تعجب نحو زيد عمرًا ضرب بلا خلاف، وعمرًا زيد ضرب بخلاف، ولا يجوز تأكيد المضمر في (أحسن)، ولا في أحسن على مذهب من اعتقد فيه ضميرًا، ومن علل امتناع ذلك بأنه فصل بين العامل والمعمول أجاز تأكيده متأخرًا نحو: ما أحسن زيدًا نفسه.
وإذا اختلف متعلق (ما أفعل) فلا يجوز حذف (ما) لو قلت: ما أحسن زيدًا، وأقبح خالدًا كان قبيحًا، وأفعل مسلوب الدلالة على المضى، وزمانه حال، وحكاه ابن بابشاذ، وابن الدهان عن المبرد.
فإذا أردت الماضي المنقطع قلت: ما كان أحسن زيدًا، وقيل هو بمعنى الماضي المتصل بزمان الحال، فإن أردت الماضي المنقطع أتيت بـ (كان)، وهذا قول الأكثرين، وقال ابن الحاج: يظهر لي أن ما أحسنه، وأحسن به صالح للأزمنة الثلاثة، وجائز أن يقيد بكل واحد منهما كقولك: ما أحسن زيدًا أمس وغدًا، والآن، إلا أنهم يقيدون في (ما أحسن) إذا أرادوا المضي بكان، وفي المستقبل بيكون نحو: ما أحسن ما يكون زيدًا، وقال تعالى:«أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا» فـ (يوم) ظرف مستقبل، واختلفوا في الوصف المتعجب منه هل هو واجب الثبوت وقت التعجب أو جائزه على قولين، ومن قال بالجواز قال منه: ما أطول ما يكون هذا الزرع، وما أحسن ما تكون هذه الجارية، ومذهب أكثر البصريين، والكوفيين أن كان الداخلة بين (ما) وأفعل زائدة لا اسم لها، ولا خبر، واختاره الفارسي.
وذهب السيرافي، وتبعه خطاب الماردي إلى أنها زائدة، وهي تامة وفاعلها قال السيرافي: ضمير المصدر الدال عليه كان، وقال خطاب: ضميرها عائد على غير (ما)، ولكن يعود على مجهول تقديره: كان الأمر، ومذهب الجرمي أنها كان الناقصة، واسمها ضمير (ما) وخبرها (أفعل)، وعزاه بعضهم إلى البصريين ولا يصح ذلك، وحكى زيادة (يكون) بين (ما) و (أفعل)، قالوا: ما يكون أهون زيدًا، وما يكون أحسن زيدًا.
وذهب الكسائي، والفراء، والأخفش، إلى زيادة (أمسى) و (أصبح) بينهما، حكى من كلامهم:«ما أصبح أبردها، وما أمسى أدفأها» . وهذا شاذ عند جمهور البصريين، وذهب الفراء إلى جواز ذلك في كل فعل يحتاج إلى اسم وفعل يعني إلى اسم وخبر، وعن الكوفيين أنهم قاسوا على كان سائر أخواتها، ما لم يناقض معنى الفعل المزيد معنى التعجب، وأجاز بعض النحاة زيادة كل فعل لا يتعدى مما لا يناقض نحو: ما قام أحسن زيدًا إذا أردت ما أحسن قيام زيد فيما مضى.
وحكى الكسائي عن العرب: «ما مر أغلظ أصحاب موسى» . يعنون موسى الهادي من بني العباس، ومنع هذا الفراء ومعناه ما أغلظ مرور أصحاب موسى، وحكى الكسائي: ما يخرج أطوله، وأجاز الكسائي: ما أظن أظرفك، وما ظننت أظرفك بجعل (أظن) ناصبة في المعنى (لما)، ولأظرف، وتوقع أظرف على الكاف، وأجاز هشام ذلك في الظن وأخواته، ولا يجيز جمهور البصريين أن يفصل بين (ما) والفعل إلا بكان فقط، وتقول: ما أحسن ما كان زيد، وما أحسن ما يكون زيد، ما مصدرية و (زيد) مرفوع على الفاعلية، أوقعت التعجب على
الكون والمراد ذات زيد تجوزًا، وكان تامة، وأجاز المبرد، وجماعة أن تكون ناقصة، و (ما) بمعنى الذي، ومن منع من وقوع (ما) على شخص من يعقل منع هذه المسألة، ولو قلت: ما أحسن من كان زيدًا جاز، وتقول: ما أحسن ما كانت هند، وأجمله، تعيد الضمير على الكون، عطفت الفعل ومتعلقه على الفعل ومتعلقه، ويجوز أن تقول: وأجملها تعيد الضمير على هند قاله الأخفش، وتقول: ما كان أحسن ما كان زيد، يجوز على التوحيد في رفع زيد ونصبه، ولا يجوز: ما كان أحسن ما يكون زيد للتناقض، وإذا كان المجرور المتعلق بهما فاعلاً من حيث المعنى تعدى (أفعل)، و (أفعل) بـ (إلى) نحو: ما أحب زيدًا إلى عمرو، وما أبغض عمرًا إلى بكر، وما أمقت بكرًا إلى خالد، وأحبب بزيد إلى عمرو، وكذا أبغض وأمقت أصله: أحب عمرو زيدًا، وكذا أبغض وأمقت.
وإن لم يكن فاعلاً في المعنى فإما أن يكون من مفهم علم أو جهل، فيتعدى بالباء نحو: ما أعرف زيدًا بالفقه، وما أبصره بالشعر، وأبصر بزيد بالفقه، وأجهل بخالد بالنحو، وإلا؛ فإن كان متعديًا كان باللام نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو، وما أمقت زيدًا لخالد، وما أبغض زيد لبكر قال ابن مالك: وأضرب بزيد لعمرو، وهذا مشكل، لأن معناه أضرب زيدًا أي: صار ذا ضرب، والهمزة للصيرورة، و (أفعل) الذي للصيرورة لا يتعد فلا يجوز هذا التركيب إلا بسماعه من العرب، وإن كان متعديًا بحرف جر، فيتعدى به نحو: ما أعز زيدًا علي، وما أزهد عمرًا في الدنيا [وأعزز بزيد علي، وأزهد ببكر في الدنيا]، وإن كان فيتعدى إلى اثنين من باب (كسا) اقتصرت على الذي كان فاعلاً فقلت: ما أكسى زيدًا، وما أعطى عمرًا، وجاز أن تعديه بعد ذلك إلى أحد المفعولين باللام نحو: ما أكسى زيدًا لعمرو، وما أكسى بكرًا للثياب.
فإن جاء من كلامهم: ما أعطى زيدًا لعمرو الدراهم، وما أكسى زيدًا للفقراء الثياب، فمذهب البصريين أنه ينتصب بإضمار فعل تقديره: أعطاه الدراهم، وأكساهم الثياب، ومذهب الكوفيين أنه منصوب بنفس فعل التعجب، وأجاز ابن كيسان ما أعطى زيدًا لعمرو المال، وحكاه ابن الدهان عن الكوفيين، وإن كان من باب ظن اقتصرت على الفاعل فقط: ما أظن زيدًا وما أزعم عمرًا، هذا مذهب البصريين، وأجاز بعض النحاة: ما أعلمني أنك قائم أو بأنك قائم، قال ابن الحاج: ولا أعلم ما يمنع منه انتهى.
وأجاز الكوفيون ذكرهما بشرط دخول اللام على الأول، ونصب الثاني هذا إن أمن اللبس نحو: ما أظن زيدًا لبكر صديقًا، وإن خيف لبس أدخلت اللام على كل من المفعولين نحو: ما أظن زيدًا لأخيك لأبيك أصله: ظن زيد أخاك أباك.
وخلط ابن مالك في النقل في شرحه لما شرح من التسهيل فقال عن البصريين: «إن كان يتعدى إلى اثنين من باب كسا، أو من باب ظن جررت الأول باللام، ونصبت الثاني بإضمار فعل تقول: ما أكسى زيدًا للفقراء الثياب، وما أظن عمرًا لبشر صديقًا، تقديره عندهم: يكسوهم الثياب، ويظنه صديقًا» . وقال عن الكوفيين أنهم لا يضمرون، بل ينصبون الثاني بفعل التعجب، فذكر عن البصريين تساوى الحكم في باب كسا، وظن، ولم يذكر التفصيل عن الكوفيين.
وفي البسيط (إن كان من باب (ظن) جاز شرط الاقتصار على الفاعل، فإن كان في موضع المفعولين أن، لأنه يتعدى إليها بحرف جر تقول: ما أعلمني بأنك فاضل.