المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل المضاف إلى ياء المتكلم ليس مثنى، ولا مجموعًا على حد - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل المضاف إلى ياء المتكلم ليس مثنى، ولا مجموعًا على حد

‌فصل

المضاف إلى ياء المتكلم ليس مثنى، ولا مجموعًا على حد المثنى فيه أربعة مذاهب:

أحدها: مذهب الجمهور أنه معرب في الأحوال الثلاثة مقدر فيه الحركات الإعرابية لشغل آخره بالحركة التي تقتضيها ياء المتكلم.

الثاني: مذهب الجرجاني، وابن الخشاب، والمطرزي، وظاهر كلام الزمخشري أنه مبني.

الثالث: مذهب ابن جني أنه لا معرب، ولا مبني، إذ الاسم لا ينحصر عنده في معرب ولا مبني، بل له حالة ثالثة مثل هذا.

الرابع: ما ذهب إليه ابن مالك من أنه ظاهر الحركة الإعرابية حالة الجر مقدرة فيه حالة الرفع والنصب، ولا أعرف له سلفًا في هذا المذهب، ويقول في المثنى: قام غلاماي، ورأيت غلامي، ومررت بغلامي، والخلاف الذي في إعراب المثنى جار فيه إذا أضيف إلى الياء، وتقدم ذكر ذلك.

وتقول في الجمع الذي على حد التثنية هؤلاء ضاربي، ورأيت ضاربي، ومررت بضاربي اللفظ واحد، والخلاف فيه مضافًا إلى الياء كالخلاف مضافًا إلى غير الياء، وتقدم ذكر ذلك.

ص: 1847

وزعم أبو عمرو بن الحاجب، وتبعه ابن مالك أن هذا الجمع حالة الرفع إعرابه بالحرف المقدر، وكما أن الحركة تقدر كذلك الحرف يقدر، وقد بينا في الشرح للتسهيل أن هذا لا تحقيق فيه، وهذه الياء في (ضاربي)، وشبهه مفتوحة كقوله:

أودى بني وأودعوني حسرة

...

...

وفي الحديث: «أو مخرجي هم» وقراءة حمزة: «بمصرخي» بكسر الياء أجازها أبو عمرو بن العلاء، والفراء، وقطرب، وهي لغة بني يربوع، وقال الفراء: قرأ بها الأعمش، ويحيى بن وثاب قال: وزعم القاسم بن معن أنها صواب، وكان ثقة بصيرًا. انتهى.

ص: 1848

وقد رد هذه القراءة على حمزة جعفر الصادق، وقال أخالفك فيها، والفتح قراءة علي بن أبي طالب، وخير (حمزة) في (بمصرخي) بين الفتح والكسر بعد أن أراد أن يتركها.

وقال الكسائي كان نصير النحوي يحمل قراءة حمزة على اللحن، وكان أهل النحو يحسبونه من حمزة غلطًا.

وإذا أضفت المنقوص قلت: قاضي كما تقول: في جمع قاضون إذا أضيفت إلى الياء قاضي، وإذا أضفت المقصور قلت: عصاي في الأحوال الثلاثة والياء مفتوحة، وقد تكسر نحو: عصاي وتسكينها بعد ألف كقراءة نافع «ومحياي» في الوصل من إجراء الوصل مجرى الوقف، وإقرار ألف المقصور حالة الإضافة إلى الياء لغة أكثر العرب، وقد ذكر قبلها (ياء)، وإدغامها في الياء سيبويه عن ناس من العرب لم يعينهم، وحكاها عيسى بن عمر عن قريش، وهي في شعر أبي الأسود الدؤلي، والمنخل اليشكري.

ص: 1849

وعينها صاحب التمهيد، وابن مالك لهذيل، ولا يتحتم ذلك عندهم، بل يجيزون القلب والإقرار الذي عليه أكثر العرب، وهذا القلب لا يختص بحالة النصب، والجر، بل يجوز في حالة الرفع، ومن دعاء بعض العرب: يا سيدي ومولى، وقرئ «يا بشرى هذا غلام» وهدى، وعصى، ومحيى، ومثوى، وروى؛ فإن كانت الألف للتثنية لم تقلب حالة الرفع، فأما في لغة من استعمل المثنى بالألف رفعًا ونصبًا وجرًا، فيحتاج في جواز قلبها على هذه اللغة إلى سماع.

وأما (لدى) و (على)، و (إلى)، فأكثر العرب يقلب ألفها وتدغم فتقول: لدي، وعلي، وإلي، وبعضهم لا يقلب فيقول (لداى، وعلاى، وإلاى).

وإذا أضيفت إلى الياء غير مثنى، ولا مجموع على حده، ولا منقوص ولا مقصور نحو غلامي، وغلماني، وهنداتي، وظبيي، وغزوي، وولي، وعدوي، جاز فتح الياء وإسكانها، فقيل الأصل الفتح، وقيل الأصل: الإسكان وحذف الياء في مثل هذه قليل ومنه «فبشر عباد الذين» فيمن حذفها وصلا ووقفًا، وربما قلبت الياء ألفًا والكسرة قبلها فتحة نحو قوله:

...

...

إلى وأما ويرويني النقيع

ص: 1850

يريد إلى أمي، فأجازه بعضهم، وفي النهاية: أجاز المازني في غير النداء إبدال ياء المتكلم ألفًا، فأجاز: قام غلاما ورأيت غلامًا ومررت بغلامًا يريد: غلامي حكاه ابن السراج في الأصول انتهى.

وقال ابن عصفور: وهذا في الضرورة: وربما استغنى بالفتحة عن الألف فتقول: جاء غلام، تريد: غلامًا أي غلامي، وأما (الضم) نحو: جاء غلام، وأنت تريد الإضافة، فأجازه أبو عمرو وغيره على قلة واستدلوا بقوله:

...

...

...

.... وإنما أهلكت مال

يريد: مالي، ورده أبو زيد الأنصاري، وتأول ما استدل به أبو عمرو، وأما في النداء، فأطلق النحاة فيه خمسة أوجه: فتح الياء: يا غلامي، وإسكانها نحو

ص: 1851

يا غلامي، وقلب الياء ألفًا نحو: يا غلاما، وحذف الياء والاجتراء بالكسرة عن الياء نحو: يا غلام، وحذفها وضم ما قبلها نحو: يا غلام تريد: يا غلامي، وقرئ:«قل: رب احكم» بضم الياء بعد حذف ياء المتكلم يريد: يا ربي حذف حرف النداء وياء المتكلم.

وأجاز الأخفش: والمازني، والفارسي، حذف الألف المنقلبة عن الياء والاجتراء بالفتحة عنها فتقول: يا غلام تريد: يا غلاما، وقاسوا ذلك، ومنعه الأكثرون، وتختلف رتبة هذه الأوجه في الفصاحة، فأفصحها: يا غلام ثم يا غلاما ثم يا غلامي ويا غلامي، وأقلها: يا غلام.

وقال الأستاذ أبو علي: وهذا إذا لم يلبس يعني بالمنادي المقبل عليه، وقال ابن هشام اللخمي: يا غلام أقبل لا يجوز على مذهب الجماعة، إنما أجاز سيبويه الضم، فيما يزاد فيه الإضافة فيما كثر حتى إذا صممته علم أن المراد فيه الإضافة، وقال خطاب الماردي: والخامسة قليلة رديئة وهي: يا غلام بحذف الياء وبضم الميم، وأنت تريد: يا غلامي، وهذا قبيح، لأنه يلتبس المضاف بغيره، كقولك: يا غلام، إذا أردت يا أيها الغلام، وهذه لغة ذكرها أبو القاسم الزجاجي في كتابه، ولم ينص عليها بالضم، ولكن بعض شيوخنا كان يرويه بالضم، وذلك لا يصح، والصواب: يا غلام بالفتح، فحذف الألف المنقلبة عن الياء، كما حذف الياء في يا غلامي، وهي قليلة. لأن الألف خفيفة والياء ثقيلة، فجاز حذف الياء، وقبح حذف الألف انتهى.

ص: 1852

وقال ابن مالك في نحو: يا مكرمي مرادًا به الحال أو الاستقبال إضافته إضافة تخفيف، والياء في نية الانفصال فلا تحذف، ولا تقلب، ولاحظ لها في غير الفتح أو السكون، وهذا تقييد لما أطلقه النحويون، وإطلاقهم يقتضي جواز الحذف والاجتراء بالكسرة، والقلب إلى الألف، والحذف والبناء على الضم.

وفي المجالس لثعلب يا غلام أقبل تسقط الياء منه، ويا ضاربي أقبل لا تسقط الياء منه، وذلك فرق بين الاسم والفعل. انتهى.

وفي النهاية: من قال: يا غلام بضم الميم إنما يفعلون ذلك في الأسماء التي تغلب عليها الإضافة كقولك: يا رب ويا قوم، لأن هذا يضيفونه كثيرًا، كقوله تعالى:«ربنا أخرجنا» و «يا قومنا أجيبوا داعي الله» ، فلما كانوا يضيفونه جعلوه معروفًا بالقصد، فبنوه على الضم، وهذه الضمة كهي في يا رجل إذا قصدت رجلاً بعينه، وقال أيضًا: اسم الفاعل المتعدي المضاف إلى ياء المتكلم إن كان ماضيًا، فإضافته محضة، فتجرى ياؤه مجرى يا غلامي في النداء فيجوز: يا ضارب في النداء، وإن كان حالاً أو مستقبلاً فلا يجوز حذف الياء في النداء، لأن الإضافة في نية الانفصال، فصارت الياء في التقدير اسمًا مستقبلاً فلا يجوز حذفها، وإذا أضفت ابنما وفمًا على لغة من أتبع حركة النون لحركة الميم وحركة الفاء لحركة الميم كسرت ما قبل الميم فتقول: جاء ابنمي ووضعته في فمي، ومن أجري غير ماض مجرى الصحيح، فقال غير ماض إلى أضاف إلى الياء لا تقول: ماضى، بل تقول: ماضي.

وإذا أضفت ما رفع وفيه الواو، ونصب وفيه الألف، وجرو فيه الياء إلى الياء فكحاله إذا أفردت عن الإضافة فتقول: أبي وأخي وحمي وهني، ومن أضاف ذو

ص: 1853

إلى الضمير فقياسه: ذي ويكون أصله: ذوى، وقالوا في فوك: في في الأحوال الثلاثة، ومن أثبت الميم فجعلها حرف الإعراب، أو جعله مقصورًا أضاف كنظيره فتقول: فمي بالتخفيف، وفمي بتشديد الميم، أو فماى، وقول من زعم أن ثبوت الميم مع الإضافة لا يجوز إلا في ضرورة الشعر ليس بصحيح، وأجاز الكوفيون أبي في (أبي) يبقون الواو ويدغمونها في ياء الإضافة، فتصير (أبي)، ولا يجيز ذلك البصريون إلا في الشعر، وقد تبع الكوفيون المبرد، وابن مالك، وزادا إجازة أخي في (أخي) قال ابن مالك ولم أجد شاهدًا على أخي لكن أجيزه قياسًا على أبي كما أجازه المبرد انتهى، وقد جمع أخ وأب بالواو والنون فإذا أضفت إلى الياء قلت: أبي وأخي.

ص: 1854