الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب حبذا
أصل (حب) فعل، وهو متعد ثم بني على فعل، لإنشاء المدح فلا يتعدى، وقد جاء بعده فاعلاً ليس اسم إشارة كقوله:
…
... وحب من يتحبب
…
...
…
...
…
...
وإذا كان بعدها ذا، ولم تلحظ إشارته بل أريد المدح كان ذا مفردًا لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث تقول: حبذا زيد، حبذا هند، حبذا الزيدان، حبذا الزيدون، واختلف النحاة في الإعراب في (حبذا)، فذهب ابن درستويه، وابن كيسان، والفارسي في البغداديات، وابن برهان، وابن خروف، إلى أن (ذا) فاعل، ونسب إلى الخليل وسيبويه، وهذا قول من لم يدع التركيب، وأفرد، لأنه كالمثل، أو أريد به جنس شائع، أو على حذف أي: حبذا أمر زيد (أقوال).
وذهب المبرد، وابن السراج، والسيرافي، والأكثرون إلى أنهما تركبا وصارا اسمًا واحدًا مرفوعًا بالابتداء، ونسب هذا إلى الخليل وسيبويه، وذهب قوم منهم الأخفش، وخطاب
الماردي، إلى أنهما تركبا وصارا فعلاً، والمخصوص هو الفاعل.
وقالت العرب: لا تحبذه، وتدخل (لا) على حبذا، فتكون للذم قال:
لا حبذا أنت يا صنعاء من بلد
…
...
…
...
…
...
ودخول (لا) على حبذا مشكل على كل إعراب حبذا، ومن قال بأنه اسم مركب أعربه مبتدأ، والمخصوص الخبر، قاله المبرد، أو عكسه، واختاره الفارسي، ومن أعرب (ذا) فاعلاً، فالمخصوص مبتدأ والجملة خبر، والرابط اسم الإشارة.
وقال ابن كيسان: ليس مبتدأ، بل هو بدل من (ذا) لازم التبعية، وهو اختيار ابن الحاج: قال: ولا يلزم منه (حب زيد)، لأنه استعمل استعمال الأمثال، وقال بعضهم: هو عطف بيان وقيل: مبتدأ محذوف الخبر، وقيل خبر مبتدأ محذوف، وقاله الصيمري.
وذهب (دريود) إلى أن (ذا) صلة يعني زائدًا، وليس اسمًا مشارًا إليه بدليل حذفه في:(رجز).
…
...
…
...
…
وحب دينا
ولا يدخل على حبذا زيد النواسخ، ولا يقدم المخصوص بخلاف نعم لا تقول: كان حبذا زيد لا برفع زيد ولا نصبه، ولا تقول: زيد حبذا، ويجيء قبل المخصوص، وبعده اسم نكرة منصوب نحو: حبذا راكبًا زيد، وحبذا زيد راكبًا، وتأخيره عند الفارسي أولى، وتقديمه عند ابن مالك أولى، وهذا المنصوب يطابق المخصوص في إفراد وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث، واختلف النحاة في هذا المنصوب بعد (حبذا)، فذهب الأخفش، والفارسي، والربعي، وخطاب، وجماعة من البصريين إلى أنه منصوب على الحال لا غير وسواء أكان جامدًا أم مشتقًا، وذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أنه منصوب على التمييز لا غير جامدًا كان أو مشتقًا، وأجاز الكوفيون، وبعض البصريين نصبه على التمييز، وفصل بعض النحاة فقال: إن كان مشتقًا فهو حال، وإن كان جامدًا فهو تمييز، والذي يظهر أنه إن كان جامدًا كان تمييزًا، وإن كان مشتقًا فمقصدان للمتكلم إن أراد تقييد المبالغة في مدح المخصوص بوصف كان حالاً، وإن أراد عدم التقييد، بل تبيين جنس المبالغ في مدحه كان تمييزًا مثال الأول:
يا حبذا المال مبذولاً بلا سرف
…
...
…
....
ومثال الثاني: حبذا راكبًا زيد، وهذا يدخل عليه (من) فتقول: من راكب، وفي البسيط: جواز نصبه على إضمار أعني فلا يكون تمييزًا، ولا حالاً، وهو قول غريب، وإذا كان النصب على الحال؛ فإن كانت الحال لاسم الإشارة ناسب أن يليه فتقول: حبذا (راكبًا زيد)، وإن كانت الحال من المخصوص ناسب أن يليه نحو: حبذا زيد راكبًا.
وإذا كان النصب على التمييز، فالأحسن أن يلي (ذا)، ولا يكون بعد (زيد)، ولا شك أنه يقال: حبذا رجلا زيد، وحبذا زيد رجلاً، وحبذا راكبًا زيد، وحبذا زيد راكبًا، وقال ابن خروف: تقديم التمييز على المخصوص أحسن، وسوى بين التقديم والتأخير في الحال، وقال الجرمي في الفرخ: إذا كان المنصوب تمييزًا قبح تقديمه قبل زيد، وجعله متصلاً بـ (ذا)، وإن كان حالاً، فإن شئت قدمت، وإن شئت أخرت، وهذا بناء من الجرمي على أن زيدًا فاعل بـ (حبذا) قال والتمييز: إنما يكون بعد الفاعل، وهذا يدل على أنه لا يجوز عنده: امتلأ ماء الإناء.
وحكى الفارسي عن الكوفيين أنهم لا يجيزون (حبذا رجلا زيد) وحذف المخصوص بعد حبذا قليل، ومنه:
فحبذا ربا
أي الإله: وزعم ابن مالك أنه قد يستغنى بالتمييز عن (ذا) واستدل بقوله:
وحب دينا
ولا دليل في ذلك إذ قوله: (وحب دينا) من باب نعم رجلاً أي: وحب دينًا ديننا، أضمر في (حب) كما أضمر في نعم، و (دينا) تمييز لذلك المضمر، وحذف المخصوص لدلالة المعنى عليه، ومن ذهب إلى أن (ذا) فاعل في حبذا لا يجيز اتباعه لا بنعت، ولا تأكيد، ولا بدل، ولا عطف، ويجوز ذلك في المخصوص، ويجوز أن يكون المخصوص اسم إشارة مخالف في الرتبة لـ (ذا)، والفصل بالنداء بين (حبذا) والمخصوص، وقد جمع ذلك في قوله:
…
...
…
...
…
... ألا حبذا ياعز ذاك التساتر
ويجوز تأكيد (حبذا) التأكيد اللفظي، أنشد أبو الفتح في المنصف
ألا حبذا حبذا حبذا
…
حبيب تحملت فيه الأذى
وما كان على (فعل) أصلاً، أو تحويلاً، يجوز نقل ضمة العين إلى الفاء إذا أريد به مدح أو ذم كان فاؤه حرف حلق كحسن، وحب ولا كضرب، فإن كان مضعفًا، وأسند إلى ما يسكن آخر الفعل له لم يجز النقل نحو: حببت يا هذا، وحببت يا هند.
وفي النهاية: يجوز أن تعمل (حبذا) في الظرف، كما عملت في التمييز، والحال، ولا تعمل في المصدر، لأنه غير متصرف فلا مصدر له،
ولا يجوز حبذا إلا إخوتك القوم، ويجوز حبذا القوم إلا أخوتك، إن جعلت (القوم) بدلاً، وإلا لم يجز، ويجوز أن يعمل في المفعول له، والمفعول معه نحو: حبذا زيد إكرامًا له، وحبذا وعمرًا زيد انتهى.
ولا يقدم على شيء من هذه التراكيب إلا بسماع من العرب.