المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل الفعل لازم ومتعد، والتعدي تجاوز الفعل فاعله إلى مفعول أو - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل الفعل لازم ومتعد، والتعدي تجاوز الفعل فاعله إلى مفعول أو

‌فصل

الفعل لازم ومتعد، والتعدي تجاوز الفعل فاعله إلى مفعول أو أكثر، فإن تعدى إلى غيره من المنصوبات، لم يسم متعديًا، ويبنى منه اسم مفعول نحو: مضروب ومقتول، وقد يكون الفعل الواحد لازمًا ومتعديًا بنفسه نحو (فغرفاه) أي فتحه، و (فغرفوه) أي انفتح، ومتعديًا بنفسه تارة، وبحرف جر أخرى نحو:(شكرت زيدًا وشكرت لزيد) وكذلك نصحت، ولما تساويا في الاستعمال صارا قسمًا برأسه، خلافًا لمن منع هذا القسم وزعم أن الأصل فيه حرف الجر، وكثر فيه الأصل والفرع، وصحح هذا القول ابن عصفور، وردة عليه الشلوبين الصغير، وقيل: أصل هذا القسم أن يتعدى بنفسه، وحرف الجر زائد، وزعم ابن درستويه أن (نصح) يتعدى لواحد بنفسه، وللآخر بحرف الجر، والأصل: نصحت لزيد رأيه، وما زعم لم يسمع في موضع.

وفي كتاب البهي المنسوب للكسائي أنك تقول: شكرت لك ونصحت لك، ولا تقول: شكرتك ولا نصحتك، هذا كلام العرب قال تعالى:«واشكروا لي» «وأنصح لكم» انتهى، وجاء في شعر النابغة (نصحت) معدى بغير اللام قال:

نصحت بني عوف فلم يتقبلوا

وصاتي، ولم تنجح لديهم وسائلي

ص: 2088

وذكروا من هذا: كلت زيدًا، وكلت لزيد، وزنت زيدًا، ووزنت لزيد، ووعدت زيدًا، ووعدت لزيد، وقد يعلق اللازم بمفعول به معنى، فيعدى بحرف الجر مخصوصًا، ومدرك هذا السماع نحو: مررت بزيد، وغضبت على عمرو، ويبنى منه اسم مفعول معدى بالحرف نحو: زيد ممرور به، وعمرو مغضوب عليه، فإن الفعل لا يقتضيه بخصوصه نحو: خرجت إلى زيد، فقال ابن هشام الخضراوي لا يسمى هذا تعديًا بخلاف: خرجت من الدار، فيسمى تعديًا، لضرورة أن الخروج يقتضي مخروجًا منه، والصحيح أنه يسمى متعديًا، وإن كان لا يقتضيه بخصوصه والحكم سواء، وقد ينحذف الحرف شذوذًا نحو:(لقضاني) يريد: لقضى علي، أو لكثرة الاستعمال نحو: دخلت الدار فيقال عليه: دخلت البلد والبيت، وإن لم يكثر قيل: ولم يقس عليه نحو: ذهبت الشام، وتوجهت مكة، ومطرنا السهل والجبل، وضرب زيد الظهر والبطن، أو لتضمن معنى يوجب ذلك نحو قول نصر بن سيار:«أرحبكم الدخول في طاعة ابن الكرماني» أي أوسعكم.

وحكى أن بعض العرب قال في (كاثرناهم): كثرناهم وهو قبيح، وإذا أشربت اللازم معنى فعل متعد فأكثر ما يكون فيما يتعدى بحرف الجر، فيصير يتعدى بنفسه، فمن النحاة من قاس ذلك لكثرته، ومنهم من قصره على السماع.

وقد جاء تضمين ما يتعدى معنى اللازم قال تعالى: «فليحذر الذين يخالفون عن أمره» أي يخرجون وينفصلون، واطرد حذف حرف الجر المتعين مع (أن وأن) نحو: غضبت أن تخرج، وعجبت أنك تقوم، أي من أن تخرج، ومن أنك تقوم، فإن أتيت بصريح المصدر لم يجز الحذف نحو: عجبت من

ص: 2089

قيامك، فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، وذلك بأن يكون الفعل يتعدى بحرفين مختلفي المعنى نحو: رغبت في أنك تقوم، ورغبت عن أن تقوم.

وإذا حذف حرف الجر من (أن وأن)، ففي كتاب سيبويه النص عن الخليل أن موضعه نصب، واتفق ابن مالك، وصاحب البسيط على أن مذهب الكسائي أنه جر، وأن الفراء قال: هو في موضع نصب، قال في البسيط:«أكثر النحويين على أنه في موضع نصب» ، ووهم ابن مالك، وصاحب البسيط، فنقلاً أن مذهب الخليل أنه في موضع جر، ووهم ابن مالك فنقل أن مذهب سيبويه أنه في موضع نصب كالفراء.

ولم يصرح سيبويه فيه بمذهب، إنما ذكر مذهب الخليل أنه في موضع نصب ثم قال: لو قال إنسان إن (أن) في موضع جر، لكان قولاً قويًا وله نظائر نحو قولهم: لاه أبوك، فإن كان الذي جر بحرف غير (أن وأن) لم يجز حذفه قال الأخفش الأصغر فيما نقل ابن مالك: يجوز الحذف، والنصب فيما لا لبس فيه نحو قوله:

...

... وأخفى الذي لولا الأسى لقضانى

والصحيح أن يتوقف فيه على السماع، وأورد أصحابنا خلاف الأخفش هذا على غير ما أورده ابن مالك، أوردوه فيما يتعدى إلى اثنين: أحدهما بنفسه، والآخر بحرف الجر، قالوا في هذا: لا يجوز حذف الحرف إلا مع (أن وأن) وفي أفعال مسموعة، وهي: اختار، واستغفر، وأمر، وسمى، وكنى، ودعا، وزوج، وصدق، وعير، وهدى، وفرق، وفزع، وجاء، واشتاق، وراح، وتعرض،

ص: 2090

ونأى، وحل، وخشن تقول: اخترت زيدًا من الرجال، واستغفرت الله من الذنب، وأمرت زيدًا بالخير، وسميت ولدي بأحمد، ودعوت ولدي بزيد، وكنيته بأبي الحسن، وزوجته بامرأة، وصدقت زيدًا في الحديث، أو في القتال، أو في ظني، وعيرت زيدًا في الحديث، أو في القتال، أو في ظني، وعيرت زيدًا بسواده، وهديت زيدًا إلى الطريق، وفرقت من زيد، وفزعت من بكر، وجئت إلى البصرة، واشتقت إلى زيد، ورحت القوم، ورحت إليهم، وتعرضت معروفه، وتعرضت لمعروفه، ونأيتهم، ونأيت عنهم، وحللتهم، وحللت بهم، وخشنت صدره، وخشنت بصدره.

ويجوز حذف الحرف من هذه، وزعم الجرجاني: أن من باب اختار قولهم: كلته كذا وكذا، ووزنته كذا درهمًا أصله كلت له، ووزنت له حذف اللام، كما حذف (من)، والباء في اختار وأمر، فتعدى الفعل إلى مفعولين، وجرى مجرى (أعطيت) في الظاهر قال تعالى:«وإذا كالوهم أو وزنوهم» والمعنى: كالوا لهم، ووزنوا لهم، ولم يذكر المكيل والموزون، وزعم ابن الطراوة وتلميذه السهيلي أن استغفر ليس أصلها التعدية إلى الثاني بحرف الجر، بل الأصل أن يتعدى إليه بنفسه، وتعديته بـ (من) إنما هو بتضمينه طلب التوبة، والخروج من الذنب، وزعم علي بن سليمان الأخفش، وتبعه ابن الطراوة أنه يجوز حذف الحرف إذا تعين، وتعين مكانه قياسًا على تلك الأفعال، فأجاز:(بريت القلم بالسكين)، فإن اختل الشرطان، أو أحدهما منع نحو: رغبت الأمر لا يجوز، لأنه لا يعلم هل أردت رغبت في الأمر، أو رغبت عن الأمر.

وكذلك لا يجوز: اخترت إخوتك الزيدين، لأن كل منهما يصلح لدخول (من) عليه، والصحيح أنه لا يجوز ذلك، وإن وجد الشرطان فلا يقال: أحببت الرجال زيدًا، ولا اصطفيت الرجال عمرًا تريد من الرجال وقولهم:

ص: 2091

تمرون الديار

...

...

...

...

و:

...

...

...

...

.... لقضاني

و:

...

.... فرشنني

هراسا

...

...

يريد على الديار، ولقضى علي، وفرش لي ضرورة شعر لا يقاس عليه ولا خلاف في شذوذ:

...

...

...

أشارت كليب بالأكف الأصابع

و:

...

...

... حتى تبذخ فارتقى الأعلام

يريد إلى كليب، وإلى الأعلام، وذهب السهيلي إلى أنه لا يجوز الحذف إلا إذا تؤول في الفعل معنى فعل يصل بنفسه، وبشرط ألا يفصل بين الذي يحذف منه الحرف فلا تقول أمرتك يوم الجمعة الخير، وبشرط ألا يكون على حذف فلا تقول: أمرتك زيدًا تريد: بزيد، أي: بأمره وشأنه، ولما كان معنى أمرتك، كلفتك جاز، ولم يشترط أصحابنا ما اشترطه السهيلي.

والتعدي تارة يكون بالهمزة، وتارة بالتضعيف، فإن كان الفعل لازمًا صار

ص: 2092

متعديًا إلى واحد، وإن كان يتعدى إلى واحد صار يتعدى إلى اثنين نحو: كفل زيد عمرًا وأكفلت زيدًا عمرًا، وإن كان يتعدى إلى اثنين، وليس من باب علم، لم يتعد إلى ثلاثة نحو: كسوت زيدًا ثوبًا لا بهمزة ولا بتضعيف بإجماع، وفي التعدي بالهمزة مذهب:

أحدها: أنه سماع في اللازم والمتعدي، وهو مذهب المبرد.

الثاني: أنه قياس فيهما، وهو مذهب أبي الحسن، وظاهر مذهب أبي علي.

والثالث: أنه قياس في اللازم، إذا لم تدخل عليه الهمزة لمعنى آخر سماع في المتعدي، وهو ظاهر مذهب سيبويه، وقال السهيلي: وقد ذكر الفعل اللازم النقل بالهمزة مذهب سيبويه أنه مسموع، ومذهب غيره أنه مقيس على الإطلاق.

والرابع: أنه مقيس في كل فعل إلا في باب علم، وهو مذهب أبي عمرو وجماعة، وقال السهيلي: الصحيح التفصيل، فإن كان الفعل يكتسب منه الفاعل صفة في نفسه لم تكن فيه قبل الفعل نحو: قام، وقعد، ففي مثل هذا يقال فيه أفعلته أي جعلته على الصفة نحو: أنمته، وأقمته، وإن كان لا يصير على هيئة لم يكن عليها، ولا حصل في ذاته وصف باق نحو: اشتريت زيدًا ماء، قبح التعدي، وكذلك لا تقول: أذبحته الكبش: أي جعلته يذبحه، لأن الفاعل لم يصر على هيئة لم يكن عليها، وفي التعدي بالتضعيف مذهبان:

أحدهما: أنه سماع من اللازم والمتعدي.

والثاني: أنه قياس، ونقل ابن هشام: أنه لا خلاف أن النقل بالتضعيف لا يقاس، ولا يتعدى ما سمع منه غير صحيح، وقد يتعاقب التضعيف والهمزة نحو: أنزلت الشيء ونزلته، وأبنت الشيء وبينته، والصحيح أن معناهما واحد.

ص: 2093

وذهب الزمخشري، والسهيلي، ومن وافقهما إلى أن التعدية لا تدل على التكرير، وأن التعدية بالتضعيف تدل على تكرار في الفعل وتمهل.

وفي البديع: تضعيف الفعل اللازم، والمتعدي للتكثير، وقد جاء عنهم بالعكس قالوا: مجدت الإبل مخففًا إذا علفتها ملء بطنها، ومجدتها مشددًا، إذا علفتها نصف بطنها، وهذا الباد قد شبعت غنمه إذا أكلت أكل الشبع، وشبعت غنمه إذا أكلت نصف الشبع، وقد تكون التعدية بالتضعيف حيث لا يكون بالهمزة نحو قويت الشيء، وهيأته وحكمت فلانًا، وطهرت الشيء، ما لم تكن عين الكلمة همزة، إلا شاذًا نحو: أنأيت، وأثأيت، والشاذ نحو: ذأبت ومنه:

...

... ....

إلى سند مثل الغبيط المذأب

وقل ذلك في غير الهمزة من حروف الحلق عينات نحو: أذهبته وألحمته، وأسعدته، وأوعلته، وأدخلته، وقد يتعاقب في هذا النوع أفعل، وفعل نحو أوهنه، ووهنه، وأنعمه، ونعمه، وزاد بعض النحاة في المعديات بالحركة: ذهب زيد، وذهبت بزيد أي: أذهبته، وزاد بعضهم تضعيف اللام، وهو غريب، وكذلك صغر خده، وصعررته، والسين والتاء نحو: حسن زيد، واستحسنته، وقبح الشيء واستقبحته، وطعم زيد الخبز، واستطعمته الخبز.

ص: 2094

وألف المفاعلة نحو: سار زيد، وسايرته، والمعتبر بحركة العين، شترت عين الرجل، وشترها الله، وكسى زيد الثوب، وكسى زيد عمرًا ثوبًا، ولا ينقاس شيء من التعدية بهذه، ومن الأفعال ما جاء ثلاثيه متعديًا، وبالهمزة قاصرًا خلاف المعهود من ذلك: أكب الرجل، وكببته أنا، وأقشع الغيم، وقشعته الريح، وأنسل ريش الطائر، ونسلته أنا، وأنزفت البئر، ونزفتها أنا، وأمرت الناقة: در لبنها، ومريتها أنا، وأشنق البعير: رفع رأسه، وشنقته أنا، وأجفل الظليم وجفلته أنا، وتعدى الفعل تارة يكون إلى واحد نحو: ضرب زيد عمرًا، وتارة إلى اثنين، فأصل أحدهما حرف الجر، وهو (اختار) وما ذكر معه، وتارة إلى اثنين بنفسه وذلك نحو: كسا وأعطى، وتارة إلى اثنين وأصلهما مبتدأ وخبر، وتارة إلى ثلاثة مفاعيل وهو (أعلم) وأخواته.

ص: 2095