المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الإضافة الإضافة في اللغة: الإمالة، ومنه ضافت الشمس إلى الغروب - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌باب الإضافة الإضافة في اللغة: الإمالة، ومنه ضافت الشمس إلى الغروب

‌باب الإضافة

الإضافة في اللغة: الإمالة، ومنه ضافت الشمس إلى الغروب أي مالت، وأضفت ظهري إلى الحائط: أملته، وفي اصطلاح النحاة: يطلق على النسب، وعلى هذا الباب الذي نتكلم فيه، ورسم الإضافة: نسبة بين اسمين تقيدية توجب لثانيهما الجر أبدًا، فـ (بين اسمين) احتراز من قام زيد، والإضافة إلى الجمل مقدرة الجمل باسم، وتقيدية احتراز من «زيد قائم» ، وتوجب لثانيهما الجر احتراز من «زيد الخياط قائم» ، والخياط صفة، و (أبدًا) احتراز من: مررت بزيد الخياط، فإنه لكونه نعتًا لا يلزم الجر أبدًا؛ إذ لو تبع مرفوعًا رفع أو منصوبًا نصب.

وجر الثاني هو بالاسم المضاف إليه هذا مذهب سيبويه، وزعم الزجاج: أن (الجر) هو بمعنى اللام، وعند قوم إن اللام أو (من) هو الخافض، ولم يمنع ذلك من الإضافة، والإضافة تكون على معنى اللام نحو: دار زيد، وعلى معنى (من) وهي إضافة الشيء إلى كله نحو: ثوب خز، ويقال فيه إضافة الشيء إلى جنسه.

وشرطها أن يصح الإخبار بالثاني عن الأول احترازًا من: يد زيد، فإنه إضافة بعض إلى كل، لكنه لا يصح الإخبار فيه لا تقول: اليد زيد، وتقول الثوب خز، وذهب قوم منهم ابن كيسان، والسيرافي: إلى أنه وإن لم يصح فيه الإخبار، فإنه إضافة بمعنى (من)، ومذهب ابن السراج، والفارسي وأكثر المتأخرين

ص: 1799

أنها إضافة بمعنى اللام، وتقدم الكلام في باب التمييز على الأوجه الجائزة في (خز) من قولك: ثوب خز.

واختلفوا في الإضافة في العدد في نحو قولهم: ثلاثة أثواب، فذهب ابن السراج إلى أنها بمعنى (من)، وذهب الفارسي إلى أنها بمعنى اللام، فإن أضفت العدد إلى عدد مثله نحو: ثلاثمائة، فاتفقا على أن الإضافة بمعنى (من)، وأثبت ابن مالك الإضافة بمعنى (في)، وقال: أغفل أكثر النحويين التي بمعنى (في)، وهي ثابتة في الكلام الفصيح بالنقل الصحيح. انتهى.

وعند عبد القاهر أن ثم إضافة تتقدر بـ (في) وذلك في قولنا: فلان ثبت الغدر، أي ثبت في الغدر، والغدر: المكان الصلب، لا يمتنع حمل هذا على اللام هو أن يكون اختصاص ثبوته بهذا المكان، كما يقال هذه مطية حرب أي مطية لهذا الأمر قاله في النهاية، وزاد الكوفيون: الإضافة بمعنى (عند) قال: تقول: هذه ناقة رقود الحلب معناه: رقود عند الحلب.

وإلى تقسيم الإضافة المحضة على معنى (من)، وعلى معنى (اللام) ذهب الجرمي، وأكثر المتأخرين، وذهب شيخنا الأستاذ أبو الحسن بن الضائع إلى أن الإضافة التي هي بمعنى (من) من الإضافة التي بمعنى اللام، لأن الخز مستحق

ص: 1800

للثوب لكونه أصله، فالإضافة بمعنى اللام على كل حال، ومعنى اللام: الاستحقاق على كل حال، والملك نوع من أنواع الاستحقاق، كما أن الجنسية نوع من معانيه انتهى.

والذي أذهب إليه أن الإضافة تفيد الاختصاص، وأنها ليست على تقدير حرف (من) ما ذكروه، ولا على نيته، وإن جهات الاختصاص متعددة، يبين كل منهما الاستعمال فإذا قلت: غلام زيد، ودار عمرو كانت الإضافة للملك، وإذا قلت: سرج الدار، وحصير المسجد كانت للاستحقاق، وإذا قلت هذا شيخ أخيك، وتلميذ زيد كانت لمطلق الاختصاص.

وما فيه تنوين أو نون تشبهه تزال عند الإضافة نحو: غلام تقول: غلام زيد، واثنان وعشرون تقول: اقبض اثنيك وعشريك، وذهب الفراء، وتبعه ابن مالك إلى أن ما فيه تاء التأنيث قد تزال للإضافة إن أمن اللبس، وجعل الفراء من ذلك قوله تعالى:«وإقام الصلاة» و «من بعد غلبهم» ، بناء منه على أنه لا يقال إلا إقامة وغلبة، وإن حذفت التاء لأجل الإضافة، وأنشد على ذلك أبياتًا، ولا يذهب أصحابنا إلى ذلك، بل هو عندهم في الأبيات من الترخيم الواقع في غير النداء ضرورة.

وقسم النحاة الإضافة إلى إضافة تخصيص، وهي الإضافة إلى نكرة، وإلى إضافة تعريف، وهي الإضافة إلى معرفة، فجعلوا القسم قسيمًا، وذلك أن التعريف تخصيص، فهو قسم من التخصيص، والإضافة إنما تفيد التخصيص، لكن أقوى مراتبه التعريف، فإذا أضيف إلى معرفة اقتضى التخصيص التام من الإضافة.

ص: 1801

والإضافة محضة، غير محضة، وغير المحضة مضافة إلى معرفة، وتؤول بنكرة نحو: لا أباك، ورب رجل وأخيه، وكم ناقة وفصيلها، وفعل ذلك جهده، وإضافة غيرك وأخواتها، مأخذها السماع والمسموع: غيرك، وشبهك ومثلك، وخدنك، وتربك، وضربك، ونحوك، وندك، وناهيك من رجل، وحسبك من رجل، وكافيك، وهمك، وهدك، وشرعك، وكفيك مثلث الكاف، وكافيك، وقيد الأوابد، وعبر الهواجر، وجارية شكل النجار، وحجر ملء الكف، ولا يثنى بتثنية الموصوف، ولا يجمع بجعه، فأما (شبيهك) فمعرفة، وأما (قرة عينه) من قول الشاعر:

إذا هو أمسى آب قرة عينه

فذهب الفارسي إلى إنه بمنزلة حسبك، فينصبه على الحال، مع أنه مضاف إلى معرفة، وأصله مصدر في الأصل، وقيل: الأولى أن يكون على إسقاط الحرف أي آب إلى قرة عينه، ،هو ما يسره، وأما (واحد أمه)، و (عبد بطنه) فالأكثر

ص: 1802

أن يكون معرفتين، وبعض العرب يجعلهما نكرتين، كأنه لاحظ في (واحد أمه) مفرد أمه، وفي (عبد بطنه): خادم بطنه، والضمير فيهما لا يرجع إلى واحد، ولا إلى عبد، وإنما يرجع إلى غيرهما مما تقدم ذكره، ومن العرب من يجعل (أخًا) و (أبًا) مضافين إلى معرفة نكرتين، وذهب ابن السراج إلى أن المغاير، والمماثل إذا كان واحدًا كانت (غير) و (مثل) نكرتين، وإن أضيفا إلى معرفة، وجعل من ذلك:«غير المغضوب» ومررت بالجامد غير المتحرك، وزعم السيرافي أن (غير) تتعرف، وجعل من ذلك «غير المغضوب» ، وذهب المبرد إلى أنه لا يتعرف (غير) بحال، والمثلية تكون في الجنس، وفي الوصف، والوصف ظاهر كالطول والقصر، وباطن كالجهل والعلم.

واختلفوا في إضافة الظروف، فذهب بعضهم إلى أن إضافتها غير محضة، سواء أضيفت إلى المفرد أم أضيفت إلى الجملة، ومن غير المحضة إضافة اسم الفاعل، واسم المفعول، والأمثلة إذا أضيفت إلى المفعول وكانت بمعنى الحال والاستقبال، وإضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل، هذا مجمع عليه من أصحابنا، وذكروا أنه يقصد التعريف في ذلك، فتضافرت النصوص على أنها لا تعرف بحال، وفي المقنع عن الكوفيين أنهم أجازوا في (حسن الوجه) وما أشبهه أن يكون صفة للمعرفة، وقال: وذلك خطأ عند البصريين؛ لأن حسن

ص: 1803

الوجه نكرة، فإن أردت تعريفه أدخلت عليه الألف واللام انتهى.

وقال الأعلم: لا يبعد أن يقصد في (حسن الوجه) التعريف، وقال المبرد: كلها تتعرف إلا غيرك، فلو كان اسم الفاعل، وما عطف عليه لم يضف إلى المفعول كانت إضافته محضة نحو: ضارب القاضي، وشهيد الدار، وقول الحطيئة:

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة

...

...

أي الذي يضرب للقاضي، والذي يكسب لهم، وهذه الإضافات التي هي غير محضة في اسم الفاعل، وما عطف عليه لم تفد إلا تخفيف اللفظ، وهو حذف التنوين أو النون من الوصف فقط، والتخصيص كان حاصلا قبل الإضافة بخلاف الإضافة المعنوية، فإنها أفادت التخصيص.

وزعم بعض أصحابنا أن الإضافة في اسم الفاعل، وفي الأمثلة، واسم المفعول المضاف إلى مفعول كان منصوبًا نحو: مررت برجل معطي الدراهم هي على معنى اللام لجواز وصولها إليه باللام كقوله تعالى: «فمنهم ظالم لنفسه» ، و «بظلام للعبيد» ، وقول الشاعر:

مطعم للصيد

...

...

...

...

...

ص: 1804

ولما كانت هذه الإضافة غير محضة، لم تمنع من دخول (أل) على المضاف إلى ما فيه ألف نحو: الضارب الرجل، والحسن الوجه، فتصير معرفة (بأل)، وشرط أكثر النحاة في هذه الإضافة، أن يكون الثاني غير الأول، فلا يجوز: زيد ضارب أبيه عمرًا يريد: ضارب أبوه عمرًا، وحكى الخليل كائن أخيك، فعلى قياس هذا يكون جائزًا.

ومذهب الجمهور أن إضافة المصدر لمرفوعه، أو منصوبه محضة وذهب ابن برهان، وابن الطراوة إلى أنها غير محضة فلا تعرف، وذهب سيبويه، والأكثرون إلى أن إضافة أفعل التفضيل محضة، وذهب الكوفيون، والفارسي، وأبو الكرم بن الدباس صاحب كتاب (العرف) إلى أنها غير محضة، وقال ابن السراج إن أضيفت على معنى (من) فتكون في حكم الانفصال، ولا تتعرف، أو على غير (من) فتتعرف، وذهب الفارسي، وأبو الكرم بن الدباس وغيرهم إلى أن إضافة الاسم إلى صفته غير محضة، فلا تتعرف وحكى هذا عن الأستاذ أبي علي، وذهب غيرهم إلى أنها محضة وإلى هذين القسمين قسم الناس الإضافة، وهما محضة وغير محضة، وذهب ابن مالك إلى أن هذه الإضافة شبيهة

ص: 1805

بالمحضة، ولا أعلم له سلفًا في ذلك، ومثال ذلك: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، ودار الآخرة، وبقلة الحمقاء، وحبة الخضراء، وليلة القمراء، ويوم الأول، وساعة الأولى، وليلة الأولى، وباب الحديد، فهذه كلها أصلها الصلاة الأولى، وكذلك باقيها هي قبل الإضافة كـ (موصوف) وصفته ولما كانت الإضافة من هذا الأصل لا يسوغ؛ لأن الصفة هي الموصوف، وإضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز، اختلفوا، فذهب الكوفيون إلى أن الصفة ذهب بها مذهب الجنس، فجعلت الخضراء جنسًا لكل أنثى موصوفة بالخضرة، وكذلك باقيها، وذهب الأخفش، وابن السراج، والفارسي، وجمهور البصريين إلى أن من أضاف، فإنما أضاف في الأصل إلى موصوف محذوف، والتقدير: صلاة الساعة الأولى من زوال الشمس، ومسجد الوقت الجامع، أو اليوم الجامع، ودار الحياة الآخرة، أو الساعة الآخرة، وبقلة الحبة الحمقاء، وليلة الساعة القمراء، ويوم الوقت الأول، وساعة الوقت الأول، وباب البند الحديد، وقبح ذلك لإقامة النعت، وليس بخاص مقام المنعوت المحذوف، وما جاء منه حفظ، ولم يقس عليه.

وذهب بعض النحاة إلى أنه من قبيل ما أضيف فيه المسمى إلى الاسم كأنك قلت: البقلة التي هي صاحبة هذا الاسم، وكذلك باقيها، وفي الإيضاح: الفراء والكوفيون يجيزون الإضافة من غير دعوى نقل ولا حذف وبه قال الزمخشري وابن الطراوة، وابن طاهر، وابن خروف، وأبو القاسم بن القاسم وجماعة قال الفراء، ولدار الآخرة: أضيفت إلى الآخرة وهي الآخرة، والعرب قد تضيف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه كيوم الخميس وشهر رمضان و «وعد الصدق» و «مكر السيء» و «حق اليقين» ، و «نساء المؤمنات»

ص: 1806

وقول الشاعر:

إذا حاض عينيه كرى النوم لم يزل

به كالئ من قلب شيمان فاتك

و «حب الحصيد» و «حبل الوريد» ، قال ابن الطراوة: وهذا من إضافة الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظين، فنسبها بما اختلف لفظه ومعناه، وفي النهاية: ما اتحد معناه، واختلف لفظًا أو اتفق لا يجوز عند البصريين إضافة بينهما، والكوفيون يجيزون ذلك في ما اختلف لفظهما انتهى.

وذكر ابن مالك من الإضافة الشبيهة بالمحضة عنده على ما اختار من تقسيم الإضافة إلى محضة، وغير محضة، وشبيهة بالمحضة، إضافة المسمى إلى الاسم قال: كـ «شهر رمضان» ، و (يوم الخميس)، وإضافة الصفة إلى الموصوف نحو قوله:

...

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

أي الناس الكرام، وسحق عمامة، وجرد قطيفة، وسمل سربال أصله: عمامة سحق وقطيفة جرد، وسربال سمل، ومنه:«وأنه تعالى جد ربنا» في

ص: 1807

قراءة من ضم الجيم، أي ربنا الجد أي العظيم، وهذه الإضافة ذهب ابن عصفور إلى أنها غير محضة، وغيره إلى أنها محضة، وابن مالك إلى أنها شبيهة بالمحضة.

وذهب بعض النحاة إلى جواز إضافة الصفة إلى الموصوف نحو: كريم زيد، أي زيد الكريم، وأنكر ذلك أبو علي، وقال العرب لا تقول: قائم زيد ولا قاعد عمرو، ويريدون: زيد القائم وعمرو القاعد، قال ابن هشام: وقد جاء هذا الذي منعه أبو علي قال:

وكأن عافية النسور عليهم

حج بأسفل ذي المجاز نزول

وإنما أراد النسور العافية، وذكر ابن مالك من الإضافة التي هي شبيهة بالمحضة أيضًا إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف، وإضافة المسمى إلى الاسم، وإضافة المؤكد إلى المؤكد، والملغي إلى المعتبر، والمعتبر إلى الملغي، ومثال الأول:

علا زيدنا يوم الوغي رأس زيدكم

أي علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم ومثال الثاني قوله:

على كل ذي ميعة سابح

يقطع ذو أبهريه الجزاما

ص: 1808

أي يقطع أبهراه، ومثال الثالث قوله:

لم يبق من زغب طار الشتاء به

على قرى ظهره إلا شماليل

أضاف القرى إلى الظهر، وهما شيء واحد ومثال الرابع قوله:

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

...

...

...

أي ثم السلام عليكما، ومثال الخامس قوله:

فلو بلغت عوا السماء قبيلة

لزادت عليها نهشل وتعلت

انتهى.

وقالت العرب: هذا حي زيد، وتداعين باسم الشيب، ونفيت عنه مقام الريب، وأتيت وحي زيد قائم، وأتيتك وحي فلانة شاهد، وسمع أبو الحسن أعرابيًا يقول في أبيات قالهن في حي رباح ممن أنت: قال: من حي رباح وأنشد أبو زيد:

ياقر إن أباك حي خويلد

قد كنت خائفة على الإحماق

ص: 1809

وأنشد أبو علي في كتاب الشعر:

أبو بحر أشد الناس منا

علينا بعد حي أبي المغيرة

فقيل (حي) واسم، ومقام، زوائد، والتقدير: هذا زيد، وتداعين بالشيب، ونفيت الريب، وقال الخوارزمي: وفائدة هذه الزيادة أنها تؤذن بضرب من الذم، فإذا قال: هذا حي زيد، فإنما يريد أن زيدًا المذكور ليس فيه إلا أنه حي، فأما غير ذلك إذا طلب منه ما طلب في الرجال فلا، وقد زعموا أن حيا في هذا زائد، وأقول ليس بزائد في كل وجه، فإنهم قالوا أتيتك وحي فلانة شاهد، فلما قالوا: شاهد علمنا أنه ليس زائدًا من كل وجه إذ لو كان زائدًا لقالوا: شاهدة.

ص: 1810