المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل يجوز عطف الأسماء بعضها على بعض، فيعطف الظاهر على الظاهر، - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل يجوز عطف الأسماء بعضها على بعض، فيعطف الظاهر على الظاهر،

‌فصل

يجوز عطف الأسماء بعضها على بعض، فيعطف الظاهر على الظاهر، وعلى المضمر منفصلاً نحو: إياك وزيدًا رأيت، أو متصلاً نحو: رأيتك وزيدًا، والمضمر المنفصل على المضمر المتصل نحو: زيد ضربته وإياك، ومنفصلين نحو: زيد إياه وإياك أ: رمت، وزيد أنت وهو قمتما، والمنفصل على الظاهر نحو: أكرمت زيدًا وإياك، وقام زيد وأنت.

ووهم شيخنا الأستاذ أبو الحسن الأبذي في أنه لا يجوز: رأيت زيدًا وإياك، وكلام العرب على جوازه ومنه «ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله» ، ولا يشترط صلاحية المعطوف لمباشرة العامل، فيجوز قام زيد وأنا، وقمت أنا وزيد، ورأيت زيدًا وإياك، ورب رجل وأخيه، وإن زيدًا وإياه قائمان، ومررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، وإن زيدًا قائم لا عمرًا، فلو كان العامل لا يمكن قبوله المعطوف بوجه ألبته نحو: أقوم أنا وزيد، و «لا نخلفه نحن ولا أنت» ، ونقوم نحن وزيد، وتقوم أنت وزيد، و «لا تضآر والدة بولدها ولا مولود» وقم أنت وزيد، فزعم ابن مالك أن هذا من عطف الجمل فيقدر وليذهب ربك، وفي أقوم أنا وزيد: ويقوم زيد، وكذا باقي ما مثل به، وما ذهب إليه مخالف لما تضافرت عليه نصوص المعربين والنحويين من أن «وزوجك» معطوف على الضمير المستكن في اسكن المؤكد بأنت.

ولا نعلم خلافًا في جواز: تقوم هند وزيد، وأنه من عطف المفردات وفرق ابن مالك بين هذا النوع، وبين مثل: قام زيد وأنا بصلاحية (قمت) وفي قمت

ص: 2012

وزيد: قام زيد بخلاف هذا فلا تقول (اسكن وزوجك)، وإذا عطفت على الضمير المرفوع المستكن، أو البارز، فذهب البصريون إلى أنه لا يجوز إلا بالفصل بين المتعاطفين بتوكيد بضمير منفصل أو بغيره، وذهب الكوفيون، وابن الأنباري إلى أنه لا يشترط في ذلك الفصل بل يجوز في الكلام قمت وزيد، وحكى عن أبي علي إجازة ذلك من غير فصل، وفي كتاب سيبويه حين ذكر انفصال بعض الضمائر وكذلك (كنا وأنتم ذاهبين)، إلا أن الشراح تأولوه، ولا يعتد عند البصريين بفصل كاف (رويدك)، بل يؤكد إذا عطفت على الضمير المرفوع في (رويدك) فتقول: رويدك أنت وزيد.

وإذا عطفت على الضمير المجرور بغير لولا فيمن قال هو ضمير جر حقيقة فمذهب: جمهور البصريين على المنع إلا بإعادة الجار نحو: مررت بك وبزيد.

الثاني: جواز ذلك في الكلام، ولا يشترط إعادة الخافض، وهو مذهب الكوفيين، ويونس، والأخفش وهو اختيار الأستاذ أبي علي.

الثالث: أنه إن أكد الضمير جاز نحو: مررت بك أنت وزيد، وهو مذهب الجرمي، والزيادي، وقال الفراء: يجوز مررت به نفسه وزيد، ومررت به كلهم وزيد، وكذا القول في (أجمعين، وقضهم وقضيضهم، وخمستهم) إذا خفضت، فإن نصبت (خمستهم) لم يجز، يعني العطف بغير إعادة الجار قال:

ص: 2013

ومن قال: مررت به أجمع، ينوى (بأجمع) النصب لم يجز أن يرد على المخفوض يعني بغير الإعادة قال الفراء: إذا تراخى الكلام توهمت أن الأول ظاهر، وقول الفراء: هذا قول الجرمي، والزيادي، والذي اختاره جواز العطف عليه مطلقًا، لتصرف العرب في العطف عليه فتارة (بالواو) وتارة بلا واو، وتارة (ببل)، وتارة بـ (أو)، وتارة بـ (أم)، وإن كان الأكثر أن يعاد الجار.

ومن قال: إن الضمير المنفصل في نحو: لولاك: هو ضمير جر، فلا يجيز عطف الظاهر عليه فلو رفعت المعطوف على توهم أنك أتيت بضمير الرفع المنفصل، ففي جواز ذلك نظر، ولا يجوز نيابة حرف على أكثر من العاملين وتصوير ذلك أن تقول: إن زيدًا في البيت على فراش، والقصر نطع عمرًا، والتقدير: وإن في القصر على نطع عمرًا، فنابت الواو مناب (إن) ومناب في، ومناب (على) وقبل ذلك: جاء من الدار إلى المسجد زيد، والحانوت البيت عمرو [نابت الواو مناب جاء، ومناب (من)، ومناب إلى، إذ التقدير: وجاء من الحانوت إلى البيت عمرو] فلو ناب مناب عاملين فمذاهب: أحدها: القول بالجواز مطلقًا سواء أكان أحد العاملين جارًا أم لم يكن: فإن لم يكن جارًا نحو: كان آكلاً طعامك زيد، وتمرًا عمرو، أي وكان آكلاً تمرًا عمرو، فذكر ابن مالك في شرحه: الإجماع على منع ذلك، وليس بصحيح، بل ذكر الفارسي في بعض كتبه جواز ذلك مطلقًا عن قوم من النحويين، ونسب للأخفش.

وإن كان أحد العاملين جارًا فقال المهدوي: إن تأخر المجرور نحو: زيد في

ص: 2014

الدار وعمرو القصر لم يجزه أحد، وليس كما ذكر بل من أجاز ذلك مطلقًا أجاز هذه الصورة، ونص بعضهم على أنه لا بد في العطف على عاملين أن يكون أحدهما جارًا، وإذا كان أحدهما جارًا، وتقدم المجرور المعطوف، فالمشهور عن سيبويه المنع مطلقًا، ونقل أبو جعفر النحاس الجواز، وأما الأخفش فعنه في هذه الصورة قولان: أحدهما: الجواز، وهو المشهور عنه، وهو مذهب الكسائي، والفراء، والزجاج، وتبعهم من أصحابنا أبو جعفر بن مضاء، وأبو بكر بن طلحة، والقول الثاني: المنع: ذكره في كتاب المسائل له، وهو مذهب هشام، والمبرد، وابن السراج.

فعلى المشهور من مذهب الأخفش، ومن تبعه يجوز، وسواء أكان المجرور متقدمًا في المعطوف عليه نحو: إن في الدار زيدًا والحجرة عمرًا، أم متأخرًا نحو: إن زيدًا في الدار والحجرة عمرا، وفصل قوم بين أن يتقدم المجرور في المتعاطفين معا فيجوز: إن في الدار زيدًا والقصر عمرًا أولا، فيمتنع نحو: إن زيدًا في الدار والحجرة عمرًا، ونسب هذا لأبي الحجاج الأعلم لتساوي الجملتين، وأنه لم يأت مسموعًا غير هذا، فحصل في هذه المسألة مذاهب: القول بالجواز مطلقًا، والقول بالمنع مطلقًا، والتفصيل بين أن يكون أحد العاملين جارًا، فيجوز، أو ليس بجار فيمتنع.

وإذا كان جارًا فمذهبان أحدهما: إن تقدم المجرور المعطوف جاز وإلا فيمتنع والثاني: إن تقدم المجرور في المتعاطفين جاز، وإلا فلا، وقال ابن الطراوة: العطف

ص: 2015

على عاملين إنما يكون في ما كان العاملان فيه من العوامل اللفظية المؤثرة لفظًا ومعنى، فإن انخرم شرط من هذه لم يكن من هذا الباب وهي جائزة، كأن يكون العاملان ابتداءين، أو أحدهما نحو: زيد في الدار والقصر عمرو، وكأن يكون العامل لفظيًا لا معنويًا، كالباء الداخلة في خبر (ليس)، و (ما)، و (من) في النفي، فهو جائز نحو: ليس زيد بقائم، ولا خارج أخوه، وما شرب من عسل زيد، ولا لبن عمرو، وما شرب زيد من عسل ولا لبن عمرو، وأجاز ابن طلحة: زيد في الدار والقصر عمرو كابن الطراوة.

وفي البديع: العطف على عاملين معناه أن يتقدم مرفوع، ومنصوب، أو مرفوع ومجرور، أو منصوب، ومجرور ثم يعطف عليهما من غير إعادة العامل، ومثاله: قام زيد وضرب عمرًا وبكرًا خالدًا، عطفت بكرًا على زيد وخالدًا على عمرو كأنك قلت: قام زيد وضرب عمرًا، وقام بكر وضرب خالدًا، هذا هو الذي وقع فيه الخلاف، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز: مررت بعمرو، وبكر خالد، فيعطف على الفعل والباء، فإن قلت: مر زيد بعمرو، وخالد بكر فقدمت المجرور على المرفوع فقد أجازه الأخفش، ومن ذهب مذهبه انتهى.

ويجوز أن يعطف بحرف اسم فأكثر على اسم قبله فأكثر نحو: ضرب زيد عمرا وبكر خالدًا، وظن زيد عمرا منطلقا وبشر جعفرًا مقيمًا، وأعطى زيد عمرا درهمًا، وبكر خالدًا دينارًا، وأعلم زيد عمرا بكرا مقيما، وجعفر خالدا زيدا ظاعنا.

ويجوز حذف المعطوف بالواو، وحذف الواو ومنه قوله تعالى:«سرابيل تقيكم الحر» أي والبرد، وذلك إذا دل الدليل على ذلك، فأما قوله تعالى:«أولم يسيروا» ، [و] «أفلم

ص: 2016

يسيروا» فزعم الزمخشري، ومحمد بن مسعود الغزني أن بين همزة الاستفهام، وحرف العطف الذي يلي (لم)، و (لما) في قوله:«أو لما أصبناكم» فعلا محذوفًا.

ومذهب الجمهور أن حرف العطف عطف ما بعده على الجملة قبله، والتقدير: وألم وألما لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام، فقدمت؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، وأما حذف الواو وحدها وإبقاء المعطوف، فقد جاء في كلامهم ما يدل على ذلك ومنه قيل ما حكاه أبو زيد (أكلت لحما سمكا تمرا) أي: وسمكا وتمرا، وذهب الفارسي إلى جواز ذلك، وتبعه ابن عصفور وابن مالك.

وذهب ابن جني، وتبعه السهيلي إلى أنه لا يجوز، وبه قال شيخنا الأستاذ أبو الحسن ابن الضائع. ويجوز حذف الفاء والمعطوف عليه بها ومنه «اضرب بعصاك الحجر فانفجرت» أي فضرب فانفجرت، وزعم ابن عصفور في مثل هذا التركيب أنه لم يحذف حرف العطف، والمعطوف عليه، بل حذف المعطوف عليه وحده، وحذفت الفاء من المعطوف، وأقرت الفاء من

ص: 2017

المعطوف عليه، فاتصلت بالمعطوف، فأبقى من كل منهما ما يدل على المحذوف، وقد حذفت (أم) ومعطوفها في قوله:

...

....

فما أدري أرشد طلابها

يريد (أم غي)، و (أو) دون معطوفها فيما حكى أبو الحسن: أعطه درهما درهمين ثلاثة، يريد: أو درهمين أو ثلاثة، ويغني المعطوف عن المعطوف عليه بالواو كثيرًا بعد بلى وشبهها تقول لمن قال: ألم تضرب عمرًا: بلى وزيدًا أي ضربت عمرًا وزيدًا، وتقول لمن قال: خرج زيد: نعم وعمرو أي خرج وعمرو، وندر ذلك مع (أو) في قوله:

فهل لك أو من والد لك قبلنا

...

...

...

التقدير فهل لك من أخ، أو من والد، وتقول: زيد وعمرو منطلقان، ولا يجوز توسيط مثل هذا الخبر فتقول: زيد منطلقان وعمرو، وأجاز ذلك بعض أصحابنا، وإن ورد ذلك فيكون في شعر ضرورة، ويجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه بخمسة شروط عند أصحابنا:

ص: 2018

أحدها: أن يكون العطف بالواو خاصة، وهو مذهب البصريين، وأجاز ذلك هشام بالفاء، وثم و (أو) و (لا) وقال هو جيد، وقال: وإن كانت الأداة ترفع جاز تقديم النسق تقول: متى وخرج الأمير خروجك، وكذلك في كيف وأين وفي جميع الصفات التامة نحو: خلفك وعبد الله رجل، ولا يجيز: هل وزيد عمرو منطلقان، ولا فيك وزيد عمرو راغبان، وأجاز هذا كله أحمد بن يحيى، ولا يجوز شيء من هذا على مذهب سيبويه لا في التام ولا في الناقص.

الشرط الثاني: أن لا يؤدي إلى وقوع حرف العطف صدرًا لا تقول: وعمرو زيد قائمان تريد: زيد وعمرو قائمان، ولا نعلم خلافًا في هذا الشرط.

الشرط الثالث: أن لا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملاً غير متصرف فلا تقول: إن عمرًا وزيدًا قائمان، ولا ما أحسن وزيدًا عمرًا.

الشرط الرابع: أن لا يكون المعطوف محفوظًا فلا تقول: مررت وعمرو بزيد.

الشرط الخامس: أن يكون الفعل لا يستغنى بفاعل واحد نحو: اختصم زيد وعمرو، فذهب هشام إلى أنه لا يجوز: اختصم وعمرو زيد، وهو مذهب البصريين، وأجاز ذلك أحمد بن يحيى.

وإذا اجتمعت هذه الشروط، فمذهب البصريين أنه لا يجوز ذلك إلا في الشعر، وهو عندهم في المنصوب أقبح منه في المرفوع، ومذهب الكوفيين جواز ذلك في الشعر وفي الكلام، وما أنشد دليلاً على ذلك هو من عطف

ص: 2019

المفردات، وقد جاء من عطف الجمل وأنشدوا:

أأطلال دار بالسباع فحمت

سالت فلما استعجمت ثم صمت

يريد سالت فحمت، وإذا تقدم معطوف بالواو ومعطوف عليه، وتأخر عنهما خبر أو غيره طابق المتعاطفين في عود الضمير في الخبر وغيره فتقول: زيد وعمرو منطلقان، ومررت بزيد وعمرو وأكرمتهما، فإن أفرد الخبر ولم تكن ثم قرينه تعين المتأخر لما يعود عليه نحو: زيد وعمرو قائم ومنه قوله تعالى: «والله ورسوله أحق أن يرضوه» فقال ابن عصفور: لا يجوز الإفراد إلا حيث سمع، ويكون الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، وقال أيضًا: الأحسن أن لا يفرد الخبر انتهى.

وكون المذكور خبر للثاني، وحذف خبر الأول للدلالة هو مذهب ابن السراج، وذهب سيبويه، والمازني، والمبرد، وعلي بن سليمان، إلى أن المذكور خبر للأول، ويدخل الثاني في معناه، ولا يحتاج إلى إضمار، لأن العطف إذ ذاك من عطف المفردات، فإن كان ثم قرينة تعين المتأخر لما يعود عليه كان على حسب القرينة نحو: ما حكى أبو حاتم: زيد وهند قائمة، فهذا خبر عن الثاني، وحكى: زيد وهند قائم فهذا خبر عن الأول.

والخلاف إنما هو إذا لم تكن قرينة، وفي الإفصاح: لو قلت: زيد قائمان وعمرو لم يجز، إنما تقول العرب: زيد وعمرو قائمان، وزيد قائم وعمرو، فتحذف خبر الثاني لدلالة الأول عليه، وزيد وعمرو قائم قيل حذف خبر الأول، وقيل حذف خبر الثاني، وقيل: أنت مخير وهو الصحيح انتهى.

ص: 2020

فإن كان العطف بالفاء، أو بثم، جاز الإفراد والمطابقة فتقول: زيد فعمرو منطلق، وزيد ثم عمرو منطلق، ومررت به، ويجوز: منطلقان، ومررت بهما، والإفراد مع ثم أحسن، وإن كان العطف بـ (أو)، فنقل الأخفش عن العرب أنه يجوز أن يكون الحكم للأول، ويجوز أن يكون للثاني فتقول: زيد أو أمة الله منطلق، ويجوز: زيد أو أمة الله منطلقة.

وقال ابن عصفور: الضمير في (أو) على حسب المتأخر فتقول: زيد أو عمرو قام، وهذا مخالف لما نقل الأخفش عن العرب، وقال ابن عصفور أيضًا: ولا يجوز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم في (أو) إلا شذوذًا لا يقاس عليه، قال الله تعالى:«إن يكن غنيًا أو فقيرًا فالله أولى بهما» ، فأعاد الضمير على الغني، والفقير لتفرقهما في الذكر، وقال أيضًا: إن كانت (أو) مستعملة حيث يجوز الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه كالتي في الإباحة، أو في النهي عن المباح، فيجوز في الخبر الإفراد والجمع نحو: الحسن أو ابن سيرين جالسه، والآثم أو الكفور لا تطعه، وإن شئت جالسهما، ولا تطعهما، والدليل على جواز الجمع قوله تعالى:«إن يكن غنيًا أو فقيرًا فالله أولى بهما» ، وهذا اضطراب من ابن عصفور تارة حمل الآية على الشذوذ، وتارة استدل لها.

وإن كان العطف بـ (لا)، فالذي يقتضيه النظر أن الحكم في ذلك للأول نحو: زيد لا عمرو قائم. قال ابن عصفور: الضمير على حسب المتأخر نحو: زيد لا عمرو قام، وإن كان العطف بـ (بل) أو بـ (لكن)، فالذي يقتضيه النظر أن الحكم فيهما للثاني فتقول: زيد بل عمرو منطلق، وما زيد لكن عمرو خرج، وقال ابن عصفور على حسب المتأخر منهما، وثمرة القولين تظهر إذا كان أحدهما

ص: 2021

مذكرًا والآخر مؤنثًا، ويجوز عطف الفعل على الاسم كقوله تعالى:«صافات ويقبضن» . والاسم على الفعل نحو قوله تعالى: «يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي» ، ولا يكون ذلك إلا إذا كان كل واحد منهما في تقدير الآخر.

وزعم أبو القاسم السهيلي: أنه يحسن عطف الفعل على الاسم إذا كان اسم فاعل، ويقبح عطف الاسم على الفعل نحو: مررت برجل يقوم وقاعد انتهى.

وإذا قلت: الطائر فيغضب زيد الذباب، عطفت الفعل على الاسم حملاً على المعنى، وهذا لا يجيزه المبرد، ولا ابن السراج، وقد ألم بجوازه يسيرًا أبو الحسن قال: لو قلت: الضاربه أنا، وقمت زيد كان جائزًا بالحمل على المعنى، لأن معنى الضاربه: أنا الذي ضربته، والقياس عنده هنا (أل) في الأول والثاني إذا كان لكل منهما ما يرتبط به، ولذلك منع غيره هذه المسألة، لأن إحدى اللامين يخلو من الضمير.

وقال ابن السراج: وقد أجاز قوم: ظننت عبد الله يقوم وقاعدًا، وظننت عبد الله قائمًا ويقعد، وهو عندي قبيح من أجل عطف الفعل على الاسم، والاسم على الفعل، وقد منع من ذلك المازني، والمبرد، والزجاج كل المنع.

واعتمد الفارسي جواز الذي قبحه شيخه ابن السراج، وله شواهد، وذكر أصحابنا أن الجملة الفعلية والجملة الاسمية لا تكون في تقدير مفرد إلا إذا وقعت

ص: 2022

صفة أو حالاً، أو خبرًا أو ثانيًا لظننت أو ثالثًا لأعلمت، ويجوز عطف الجملة الاسمية إذا كانت في تقدير المفرد قال تعالى:«بياتا أو هم قائلون» التقدير: بائتين، أو قائلين، ويجوز عطف الفعل على الفعل بشرط أن يتحدا في الزمان، والأحسن إذ ذاك اتحادهما في الصيغة نحو: زيد قام وخرج، وزيد يقوم ويخرج، ومن الاختلاف في الصيغة «أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة» أي فأصبحت وقوله:

ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيت

...

أي مررت فمضيت ولا تقول (زيد قام ويخرج) تريد قام فيما مضى ويخرج فيما يستقبل على أن يكون من عطف الفعل على الفعل، لأن هذا العطف معدود من عطف المفرد على المفرد، فإذا اختلفا في الزمان صار من عطف الجمل.

وحرف العطف إن كان على حرف واحد (كالواو)، والفاء فلا يجوز الفصل بين الواو، و (الفاء)، وما عطف لا بقسم، ولا ظرف ولا مجرور إلا في ضرورة الشعر نص على ذلك أصحابنا فلا تقول: قام زيد والله عمرو، ولا فوالله عمرو،

ص: 2023

ولا ضربت زيدًا وفي البيت عمرو، ولا خرج زيد والساعة عمرو، قال ابن مالك: وهو قول أبي علي قال: وهو جائز في الكلام المنثور إن لم يكن المعطوف فعلا نحو: قام زيد، وفي الدار قعد، وزيد يقوم ووالله يقعد، أو اسمًا مجرورًا لم يعد جره نحو: مررت بزيد ومن بعده عمرو، وأجاز ذلك الفراء في قوله تعالى:«ومن وراء إسحاق يعقوب» فقال: ينوى به الخفض، فيكون معطوفًا على (بإسحاق) وقد فصل بينهما بالجار والمجرور الذي هو (من وراء إسحاق) والعطف بالواو، وخرج ذلك أبو علي، وأبو الفتح على إضمار فعل تقديره: وآتيناها من وراء إسحاق يعقوب كما قال سيبويه في: مررت بزيد وعمرًا إذ التقدير: ولقيت عمرًا، وهذا الذي استقبحه أبو علي لم يستقبحه سيبويه إلا في النصب، وإنما قبحه في الخفض نحو: أمر اليوم بزيد وغدا عمرو.

وإن كان حرف العطف على أكثر من حرف، جاز الفصل بينه وبين المعطوف بالقسم، وبالظرف وبالجار والمجرور نحو: قام زيد ثم والله عمرو، وقام زيد بل، والله عمرو، وما ضربت زيدًا لكن في الدار عمرو.

ومن أحكام حروف العطف أن ما كان معمولاً لعامل بعدها لا يجوز أن يتقدم ذلك المعمول على حرف العطف فلو قلت: زيد قائم وضارب عمرا ما جاز أن تقول: عمرًا وضارب، ونقلوا أن القيام يكون صلة، ولا قيام هناك، فإذا قلت: قمت فضربت زيدًا قالوا: فإن كان القيام لغوا فلا يجوز تقديم زيد على فضربت،

ص: 2024

وإن كان القيام حقيقة أو أكدته بمصدر نحو: قمت قياما فضربت زيدًا، أو كان في شرط نحو: إن قمت فضربت زيدًا فعبدي حر، فيجوز تقديم المفعول على (فضربت) وهذا مخالف لما قررناه في الأصل.

وإذا اجتمعت التوابع بدأت بالنعت، فعطف البيان، فالتوكيد، فالبدل، فعطف النسق فتقول: مررت بأخيك الكريم محمد نفسه رجل صالح ورجل آخر، وأجاز بعضهم تقديم التأكيد على النعت فتقول: قام زيد نفسه [الكاتب؛ فإن كان التأكيد بتكرار الاسم فكالتأكيد بألفاظ التأكيد فتقول: قام زيد العاقل] زيد نص عليه بعض أصحابنا، وقال ذلك في قوله:(ويل له ويل طويل) قال يجوز أن يكون طويل صفة لويل الأول.

ص: 2025