المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب المجرور الجر يكون بحرف أو بإضافة، وبتبعية، والحرف أحادي، وثنائي، - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌باب المجرور الجر يكون بحرف أو بإضافة، وبتبعية، والحرف أحادي، وثنائي،

‌باب المجرور

الجر يكون بحرف أو بإضافة، وبتبعية، والحرف أحادي، وثنائي، وثلاثي، ورباعي.

الأحادي (الباء)، و (اللام)، و (الكاف)، و (التاء)، و (الواو)، و (م)، وهمزة القطع وهمزة الاستفهام، فالباء حركتها الكسر، وحكى أبو الفتح عن بعضهم أن حركتها الفتح مع الظاهر نحو: مررت بزيد، ولم يذكر لها سيبويه معنى غير الإلصاق، قال أصحابنا: لا تكون إلا بمعنى الإلزاق، والاختلاط حقيقة أو مجازًا إذا لم تكن زائدة، وقد ينجر معها معانٍ أخر، فـ-للإلزاق- حقيقة وصلت هذا بهذا، ومجازًا نحو: مررت بزيد، التزق المرور بمكان قرب زيد، وذكر أصحابنا أن المعاني التي تنجر مع الإلصاق ستة أنواع منها: النقل، ويعبر عنه بالتعدية كقوله تعالى:«ذهب الله بنورهم» ، ويكون الفعل قبلها لازمًا، ومتعديًا نحو: صككت الحجر بالحجر أصله: صك الحجر الحجر، فالإلصاق في هذا واضح، والسببية نحو: مات زيد بالجوع، والاستعانة نحو: كتبت بالقلم، وخضت الماء برجلي، وأدرج ابن مالك هذا في السببية،

ص: 1695

ومثل السببية بقوله تعالى: «فأخرج به من الثمرات» و «ترهبون به عدو الله» والمصاحبة، ويصلح معها (مع) والحال نحو: وهبتك الفرس بسرجه أي مع سرجه، أو مسرجًا، والظرفية وهي التي يصلح مكانها (في) نحو: زيد بالبصرة، والقسمية نحو: بالله لأقومن، ألزقت فعل القسم المحذوف بالمقسم به فهذه الستة التي ذكرها أصحابنا، وذكر ابن مالك، أنها تأتي للتعليل: قال: وهي التي تحسن غالبًا في موضع اللام كقوله تعالى: «إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل» ولم يذكر أصحابنا هذا، وكأن السبب والتعليل واحد، وذكر أيضًا أنها تكون للبدل قال: وهي التي يصلح مكانها بدل، نحو قوله:

فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا

...

...

أي بدلهم، وذكر هذا المعنى بعض أصحابنا عن بعض المتأخرين، قال: والصحيح أن معناها السبب، ألا ترى أن التقدير: هذا مستحق بذلك؛ أي بسببه، وذكر ابن مالك أنها تأتي للمقابلة، وهي الداخلة على الأثمان،

ص: 1696

والأعواض، ثم اشتريت الفرس بألف، وقد تسمى باء العوض، وذكر ابن مالك أنها تكون بمعنى من التبعيضية كقوله:

...

....

شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

أي من برد، وقال: ذكر ذلك في التذكرة للفارسي، وهو مذهب كوفي، تبعهم فيه الأصمعي، والقتبي في قوله:

شربن بماء البحر

...

....

...

...

....

ص: 1697

وتأوله ابن مالك على التضمين أي: روين بماء البحر، وذهب الكوفيون إلى أن الباء قد تأتي بمعنى (عن)، وذلك بعد السؤال نحو:

فإن تسألوني بالنساء

...

...

...

أي عن النساء، وقال الأخفش: ومثله: «فسئل به خبيرا» واستدل ابن مالك لهذا بقوله تعالى: «ويوم تشقق السماء بالغمام» أي عن

ص: 1698

الغمام، وكان الأستاذ أبو علي يتأول فيقول: اسأل بسببه خبيرًا، وبسبب النساء أي لتعلموا حالهن، وذهب الكوفيون أيضًا إلى أن الباء تكون بمعنى (على)، واستدل ابن مالك لذلك، بقوله تعالى:«من إن تأمنه بقنطار» . وقولك: مررت به أي على قنطار، ومررت عليه كما قال:«هل آمنكم عليه» و «لتمرون عليهم» .

وزعم بعض النحويين، ومنهم ابن هشام: أن الباء تدخل حيث يراد التشبيه نحو: لقيت بزيد الأسد، ورأيت به القمر أي لقيت بلقائي إياه الأسد أي شبهه، والصحيح أنها ليست للسبب أي بسبب لقائه، وبسبب رؤيته، وزعم أيضًا أنها تدخل على ما ظاهره أن المراد به غير ذات الفاعل، أو ما أضيف إلى ذات الفاعل نحو قوله:

...

...

... ولم يشهد الهيجا بألوث معصم

فظاهره أن فاعل يشهد غير ألوث معصم، والفاعل في الحقيقة هو ألوث معصم قيل: والصحيح أن الباء في (بألوث معصم) للاستعانة، وزعم ابن مالك أن باء الجر، قد تكف (بما) ويليها الفعل، وتحدث (ما) الكافة في الباء معنى التقليل، فتصير بمعنى ربما، فمعنى (بما) في قول الشاعر:

فلئن صرت لا تحير جوابًا

لبما قد ترى وأنت خطيب

ص: 1699

ربما، والصحيح أن (الباء) للسبب، وأن (ما) بعدها مصدرية لا كافة، وقد بينا ذلك في الشرح، وتكون الباء زائدة، وتقدم في باب كان زيادتها في مواضع.

فأما «وكفى الله» فـ (ذهب) سيبويه أنها زائدة في الفاعل، ولذلك يجوز: كفى بالله شهيدا، كما قال:

...

...

... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيًا

وأجاز ابن السراج هذا، وأجاز وجهًا آخر، وهو أن يكون فاعل (كفى) ضميرًا يعود على المصدر المفهوم من (كفى) كأنه قال: كفى هو أي الاكتفاء بالله، فالباء ليست زائدة.

وقيد الأستاذ أبو جعفر بن الزبير زيادة الباء في (كفى) بأن تكون بمعنى

ص: 1700

حسب، فإن كانت بمعنى (وقى) لم تزد في فاعله كقوله تعالى:«وكفى الله المؤمنين القتال» و: «فسيكفيكهم الله» وتزاد في أفعل في التعجب، وفي فعل فيه نحو: أحسن بزيد، ورحب بالزور، وفي مواضع لا تنقاس كزيادتها في المبتدأ مخصوصًا، بحسبك درهم أي حسبك، وذكروا أنها زيدت في:«وهزي إليك بجذع النخلة» وفي: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وفي: «فليمدد بسبب» ، وفي:«تنبت بالدهن» ، و:«يذهب بالأبصار» ، و:«ومن يرد فيه بإلحاد بظلم» .

وقوله:

...

...

وما ينبغي بعد ابن قيس بشاهد

وقوله:

فلما رجت بالشرب هز لها العصا

...

....

ص: 1701

وقوله:

...

...

أودي بنعلي وسرباليه

قال ابن مالك: وكثرت في مفعول (عرف) وشبهه، وقلت زيادتها في مفعول ذي مفعولين نحو:

...

...

تسقى الضجيع ببارد بسام

وقال الفراء: تقول العرب: هزه وهز به، وخذ الخطام، وبالخطام، ورأسه، وبرأسه، ومده، ومد به، ،منه:«فليمدد بسبب» انتهى.

فأما قوله:

ألم يأتيك والأنباء تنمى

بما لاقت لبون بني زياد

ص: 1702

فقيل الباء في (بما) زائدة، وهي فاعل (يأتيك)، وخرج هذا على الإعمال، توارد على ما يأتيك، وتنمى فأعمل الثاني، وأما قوله:

فكفى بنا فضلاً على من غيرنا

حب النبي محمد إيانا

فقيل الباء في (بنا) زائدة، وهو المفعول، والفاعل (حب) أي فكفينا حب النبي، وخرج هذا على أن (بنا) الباء زائدة في الفاعل، و (حب) بدل، وقيل

ص: 1703

زائدة في: «بأبيكم المفتون» وفي:

...

...

... .... لا يقرأن بالسور

وفي:

...

ونرجو بالفرج

وفي:

ضمنت برزق عيالنا أرماحنا

...

... ....

ص: 1704

وفي:

أتى بي الدهر بما أتى به

أي ما أتى به، وفي:

فأصبحن لا يسألنه عن بما به

...

...

...

خرجه ابن جني على زيادة الباء، أي عن ما به، وزعم الأخفش أنها زائدة في خبر المبتدأ في قوله تعالى:«جزاء سيئة بمثلها» أي مثلها، وزيدت في الخبر في قوله:

...

....

فمنعكها بشيء يستطاع

وقد تؤول أكثر هذه المواضع، وذكر ابن مالك أن الباء تزاد عوضًا وأنشد:

ولا يواسيك فيما ناب من حدث

إلا أخو ثقة فانظر بمن تثق

قال: أراد من تثق به، زاد الباء قبل (من) عوضًا انتهى وقد تأولناه في الشرح على غير الزيادة.

ص: 1705

(اللام)

حركتها الكسر في المشهور، إلا مع المضمر غير (الياء) فالفتح عند أكثر العرب نحو: لنا، ولك، وله، ولها، ولكما، ولكم، ولكن، ولهما، ولهم، ولهن، ،خزاعة تكسر مع المضمر، كالمظهر إلا مع الياء، فاتفقوا على الكسر نحو لي، وتفتح مع المستغاث به غير المعطوف على غيره.

وحكى أبو عمرو، ويونس، وأبو عبيدة، وأبو الحسن، أنهم سمعوا تفتحها مع الظاهر على الإطلاق، فيقولون: المال لزيد، وحكى اللحياني عن بعض العرب غير معين أنهم يكسرونها مع المضمر يقولون: المال له، وهو قليل جدًا.

وحكى مكي بن أبي طالب عن بني العنبر أنهم يفتحونها مع الفعل وحكاه ابن مالك عن بني العنبر، وعكل، وقال أبو زيد: سمعت من يقولك «وما كان الله ليعذبهم» بفتح اللام، وحكى المبرد عن سعيد بن

ص: 1706

جبير أنه قرأ: «وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال» بفتح اللام.

ومعاني اللام: الملك نحو: المال لزيد، وشبه الملك: أدوم لك ما تدوم لي.

والتمليك: وهبت لزيد، وشبه التمليك:«والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا» ، والاستحقاق: الجلباب للجارية، والنسب: لزيد عم هو لعمرو خال، والتعليل:«لتحكم بين الناس» ، والتبليغ: قلت لك، وبينت لك، وأذنت له، واستجبت له، وفسرت له، والتبيين بعد أسماء الأفعال، والمصادر التي شبهها:«هيهات هيهات لما توعدون» ، و:«هيت لك» ، وسقيا لك، وبعد أحب وشبهه في تعجب، أو تفضيل مبينة للمفعول نحو: ما أحب زيدًا لعمرو، «والذين آمنوا أشد حبا لله» والتعجب نحو:

ولله عينا من رأى من تفرق

...

...

وللصيرورة: «فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا»

ص: 1707

أو موافقة في: «القسط ليوم القيامة» ، وعند:«بل كذبوا بالحق لما جاءهم» أي عندما جاءهم، وإلى:«سقناه لبلد ميت» ، وبعد:«أقم الصلاة لدلوك الشمس» . وعلى: «يخرون للأذقان» ومن:

...

...

... ونحن لكم يوم القيامة أفضل

أي منكم انتهت هذه المثل مقتضية من شرح ابن مالك للام، وكونها للاستحقاق عبارة سيبويه، وعبر عن هذا المعنى الفارسي: بالتحقيق، وقال المبرد: معنى اللام جعل الأول لاصقًا بالثاني، وقال أصحابنا معناها العام الاستحقاق، وينجر مع ذلك أنواع أن تكون للسبب، وللقسم الذي فيه معنى التعجب نحو:

لله يبقى على الأيام ذو حيد

...

...

ص: 1708

وللاستغاثة، ولتقوية عمل العامل، وكونها للصيرورة، ويقال أيضًا: للعاقبة والمآل، وهو مذهب الأخفش، وكونها بمعنى (على)، أو (مع)، أو (بعد)، أو (من)، أو (في)، أو (إلى)، أو للتعليل هو مذهب الكوفيين، والقتبي.

وما استدلوا به تأوله أصحابنا، وتجيء اللام مقوية لعمل العامل، ولم يذكر سيبويه زيادة اللام، وتابعه أبو علي، وذهب المبرد إلى زيادتها في:«ردف لكم» ، وفي:«للرؤيا تعبرون» ثم تأوله على معنى التضمين في ردف، وفي البخاري: ردف بمعنى قرب، وقيل هي زائدة في: لا أبالك،

ص: 1709

ويا بؤس للحرب، وفي ضربت لزيد، والذي يجوز أن ما يتعدى لواحد يجوز دخول اللام على مفعوله أن تتقدم، أو كان فرعًا في العمل:«فعال لما يريد» ويقاس على هذين، وما سوى هذين قصرت زيادته على السماع.

(الكاف)

حرف جر لا خلاف، فاعلمه في ذلك إلا ما ذهب إليه صاحب (المشرق): أنها تكون اسمًا أبدًا؛ لأنها بمعنى (مثل)، وسيأتي خلاف الأخفش في كونها تخرج عن الحرفية إلى الاسمية في الكلام لا في الضرورة، وحركتها الفتح ومعناها التشبيه، ويتعلق بالكون المطلق الذي تتعلق سائر الحروف به، خلافًا للأخفش، وتعبه ابن عصفور في بعض تصانيفه، أنها لا تتعلق بشيء لا ظاهر، ولا محذوف، وتجر الظاهر، وشذ جرها الضمير الغائب نحو:

وأم أوعال كها أو أقربا

والمخاطب في قول الحسن: أناكك، والمتكلم في قول الحسن، ما أنت كي، وقول الشاعر:

وإذا الحرب شمرت لم تكن كي

...

...

ص: 1710

والكاف في (كي) مكسورة، وقال سيبويه:(كي) و (كي) خطأ، وجاء في شعر معزو لأبي محمد اليزيدي:

شكوتم إلينا مجانينكم

ونشكو إليكم مجانيننا

فلولا المعافة كنا كهم

ولولا البلاء لكانوا كنا

وقد أدخلت العرب على ضمير الرفع المنفصل، وعلى ضير النصب المنفصل الكاف قالت: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا، وقال:

...

...

ولم يأسر كإياك آسر

وفي البسيط: وقد ورد أيضًا في ضمير الرفع في قولهم: أنت كأنا، وأنت كـ (هو)، وأنكره الكوفيون.

وفي الواضح: أجاز سيبويه وأصحابه: أنت كي، وأنا كك، وضعفه الكسائي، والفراء، وهشام.

وقال الفراء: ومن لم يقل: مررت بي وزيد على اختيار قال مختارًا: أنت كـ (أنا) وزيد، وأنا كأنت وزيد. انتهى.

ص: 1711

وزعم الكوفيون، والأخفش، أنها تجيء بمعنى (على)، وحكى الأخفش عن بعض العرب أنه قيل له: كيف أنت فقال: [كـ (خير)، وحكى الفراء كيف أصبحت فقال:] كـ (خير) يريد على خير، وعلى هذا خرج الأخفش قولهم: كن كما أنت وأول (كخير) على حذف مضاف أي: كـ (صاحب خير) و (كما أنت) على زيادة (ما)، و (أنت) في موضع جر كقولهم: ما أنا كأنت كما زادوها في قوله:

كما راشد تجدن أمرا

أو على أن (ما) كافة، و (أنت) مبتدأ محذوف الخبر تقديره: كما أنت عليه، وقدره بعضهم (كما أنت كائنه) كما صرح بالخبر حين كفت (بما) في قوله:

...

....

إليك كما بالحائمات غليل

وقيل: أنت خبر مبتدأ محذوف و (ما) موصولة أي كالذي هو أنت، وقيل (أنت) فاعل بفعل محذوف انفصل ضميره؛ أي كما كنت.

ص: 1712

واختلفوا هل تكون اسمًا في الكلام، أو يختص ذلك بضرورة الشعر، فذهب الأخفش، والفارسي، في ظاهر قوله: وتبعهما ابن مالك على أنها تكون اسمًا في الكلام، وقد كثر جرها بالحرف (الباء وعلى وعن)، وأضيف إليها، وأسند إليها فاعلة، ومبتدأة، ومفعولة، لكن كل هذا في الشعر، وذهب سيبويه إلى أن استعمالها اسمًا، إنما يجوز في ضرورة الشعر، وتجوز زيادة (ما) بعد الكاف، وهي باقية على عملها الجر، قال:

وننصر مولانا ونعلم أنه

كما الناس مجروم عليه وجارم

ص: 1713

بخفض الناس، وزعم بعضهم أن (ما) تكون كافة للكاف، فتليها الجملة الاسمية، وتكون كما من حروف الابتداء كما قال:

لقد علمت سمراء أن حديثها

نجيع كما ماء السماء نجيع

وهذا إنما يكون إذا قلنا أن (ما) المصدرية لا توصل بالجملة الاسمية أما إذا قلنا أنها توصل بها، فلا تكون (ما) كافة، بل مصدرية، والكاف جارة للمصدر المنسبك من (ما) وصلتها.

وقال سيبويه: وسألته عن قولهم: «هذا حق كما أنك هاهنا» ، فزعم أن العامل في أن: الكاف، وما (لغو) إلا أنها لا تحذف كراهة أن يجيء لفظها كـ (لفظ)(كأن)، وزعم بعض النحويين أن (الكاف) قد تخرج عن التشبيه، ويحدث فيها معنى التعليل. قال ابن برهان في:«ويكأنه لا يفلح الكافرون» ؛ أي أعجب، لأنه لا يفلح الكافرون، ومثل ذلك بعضهم بقوله تعالى:«ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة» وقال به ابن مالك، ومثل بقوله تعالى:«واذكروا كما هداكم» . ونقل ذلك عن الأخفش

ص: 1714

في قوله تعالى: «كما أرسلنا فيكم رسولا» أي لما أرسلنا فيكم فاذكروني، وزعم الخليل: أن الكاف إذا لحقتها (ما) الكافة قد تجعلها العرب بمعنى (لعل) ويصير لها ما للفعل كما صيرت (ربما) للفعل، وجعل من ذلك قولهم: انتظرني كما آتيك قال: والمعنى لعلي آتيك. وجعل من ذلك قول الشاعر:

لا تشتم الناس كما لا تشتم

أي لعلك لا تشتم، وحكى سيبويه: كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه أي أنه لا يعلم، وذهب الفراء إلى أن قولهم:«انتظرني كما آتيك» ، و «لا تشتم الناس كما لا تشتم» الكاف فيهما للتشبيه، والكاف صفة لمصدر محذوف أي انتظرني انتظارًا صادقًا مثل إتياني لك؛ أي فلي بالانتظار كما أفي لك بالإتيان، وانته عن شتم الناس كـ «انتهائهم عن شتمك» .

وفي النهاية: وقد كفوا الكاف (بما) كما كفوا (رب) فتليها الجملة الفعلية والاسمية تقول: زيد قاعد كما عمرو قاعد شبهت جملة بـ (جملة) بكونهما حاصلين في الوجود، وتقول: زيد قاعد كما أن عمرًا قائم، والمعنى قعود زيد لا محالة وقيام عمرو لا محالة، فالأولى فيها تشبيه جملة بجملة، وهذه توجب حصول الأمرين في الوجود، فهذا فرق ما بينهما، وتقول: زرني كما أزورك، فتحتمل (ما) أن تكون مصدرية «أي زرني كزيارتي إياك» ، وأن تكون بمعنى لعل أي؛ لعلي أزورك.

وقال ابن مالك: ربما إذا حدث فيها معنى التعليل تنصب المضارع بها تشبيهًا بكي، وهذه مسألة تقدم الكلام فيها في نواصب المضارع، والمضارع جاء

ص: 1715

مرفوعًا في نحو قوله: كما لا تشتم، وقد تزاد (الكاف)، ولا ينقاس زيادتها، فقيل من زيادتها قوله تعالى:«ليس كمثله شيء» وقد تؤول، وفي قوله:

فصيروا مثل كـ (عصف) مأكول

وقوله:

وصاليات ككما يؤثفين

زيدت لتأكيد التشبيه، وقد زيدت خارجة عن معنى التشبيه في قوله:

لواحق الأقراب فيها كالمقق

المعنى فيها مقق أي طول، وحكى الفراء: أنه قيل لبعض العرب: كيف

ص: 1716

تصنعون الأقط؟ قال: كهين يريد هينا، ومن زيادتها قول بعضهم: كـ (مذ) أخذت في حديثك جوابًا لمن قيل له: مذكم لم تر فلانًا؟ تريد مذ أخذت، واختلفوا في المزيدة في (ككما يؤثفين) فقيل الثانية و (ما) مصدرية، وقيل الأولى والثانية اسم بمعنى (مثل) و (ما) موصولة أي مثل اللاتي يؤثفين، وضمير (يؤثفين) عاد على (ما) على المعنى.

(الواو)

تجر في القسم، وتدخل على كل مضارع ظاهر يحسن الحلف به، والواو أصل، وليست بدلاً من الباء في القسم، خلافًا لزاعمه، ولا يصرح بفعل القسم معها، خلافًا لابن كيسان، والواو تجر أيضًا بمعنى (رب) والجر بها نفسها عند الكوفيين، والمبرد، ومن وافقه، ولا يؤتي برب معها، والمشهور أن الجر بعدها هو بإضمار (رب) بعدها كما أضمرت بعد الفاء (وبل).

(التاء)

تجر في القسم، ولا تدخل إلا على اسم الله، وهي كثيرة في القرآن، وقالوا: أنها بدل من واو القسم، كما قالوا: تخمة وأصله: وخمة، وشذت في قولهم: ترب الكعبة، وتالرحمن وتحياتك.

(م) مثلثة الميم تدخل على اسم الله تعالى تقول: م الله لأفعلن وليست بدلاً من واو القسم، ولا أصلها من، ولا أصلها (أيمن) حذف منها حتى بقيت الميم خلافًا لزاعمي ذلك.

ص: 1717

همزة القطع

نحو: ألله لأفعلن، وهمزة الاستفهام نحو: ألله لأفعلن يذكران في باب القسم.

القسم الثاني: وهو الثنائي (من)، و (في)، و (عن)، و (مع) و (ها) و (كي). (من) ثنائية الوضع، لا ثلاثية، فأصلها (منا) حذفت منها الألف لكثرة الاستعمال، خلافًا للكسائي والفراء في دعواهما ذلك، ومن معانيها ابتداء الغاية في المكان نحو: خرجت من البصرة، ولا تكون لابتداء الغاية في الزمان عند البصريين، وقد كثر ذلك في كلام العرب نثرها ونظمها، وقال به الكوفيون والمبرد، وابن درستويه، وهو الصحيح، وتأويل ما كثر وجوده ليس بجيد.

وذهب ابن الطراوة إلى أنك إذا أردت الابتداء في الزمان والانتهاء في المكان، أتيت بـ (من) و (إلى) كما تكون في المكان، ولا بد من (من) إذا أردتهما، ولا يجوز ما أجازوه من: ما رأيته مذ يوم الجمعة إلى يوم الأحد ومثال دخولها لابتداء الغاية في غير المكان: قرأت من أول سورة البقرة إلى آخرها، وأعطيت الفقراء من درهم إلى دينار، وتقول: إذا كتبت كتابًا من فلان إلى فلان، وفي الحديث:«من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم» .

فأما (من) بعد أفعل التفضيل، فذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية، ولا تخلو من التبعيض، وذهب المبرد، والأخفش الصغير إلى أنها لابتداء الغاية،

ص: 1718

ولا تفيد معنى التبعيض، وذهب ابن ولاد إلى أنها لا تكون بعد أفعل التفضيل لابتداء الغاية، وذهب سيبويه إلى أنها تكون غاية قال تقول: رأيته من ذلك الموضع تجعله غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء، يريد أن (من) دخلت على المحل الذي وقع فيه ابتداء الرؤية وانتهاؤها، ولذلك سماها غاية لما كان محيطًا بغاية الفعل، لأن الغاية هي مدى الشيء أي قدره، فيمكن أن يكون في: زيد أفضل من عمرو، كذلك أي ابتدأ التفضيل منه، وانتهى به، والتبعيض، ذهب الجمهور، والفارسي إلى أن (من) تكون للتبعيض نحو: أكلت من الرغيف، ويصلح مكانها بعض، وذهب المبرد، والأخفش الصغير، وابن السراج وطائفة من الحذاق، ومن أصحابنا السهيلي إلى أنها لا تكون للتبعيض، وإنما هي لابتداء الغاية، وأن سائر المعاني التي ذكروها راجع إلى هذا المعنى، وبيان الجنس، وكونها لهذا المعنى مشهور في كتب المعربين، ويخرجون عليه مواضع من القرآن، وقال به جماعة من القدماء، والمتأخرين منهم النحاس، وابن بابشاذ، وعبد الدائم القيرواني، وبان مضاء وأنكر ذلك أكثر أصحابنا، وانتهاء الغاية أثبت لها هذا

ص: 1719

المعنى الكوفيون، وتبعهم ابن مالك قال كقولهم: قربت منه فإنه مساوٍ لقولك: تقربت إليه، وقال الكوفيون: تقول العرب: شممت الريحان من الطريق، ورأيت الهلال من خلال السحاب، فـ (من) لابتداء الغاية، لأن الابتداء لم يكن من الطريق، ولا الرؤية من خلال السحاب، إنما ابتدأ من غيرهما، ويبين ذلك أنك تقول: شممت الريحان من داري من الطريق، ورأيت الهلال من داري من خلال السحاب، فـ (من) الأولى لابتداء الغاية، والثانية لانتهائها، وأنكر أصحابنا ورودها لهذا المعنى، وتأولوا ما استدلوا به، وذكر ابن مالك أنها تكون للتعليل نحو قوله تعالى:«يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق» و «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل» ، وأنها تكون للبدل كقوله تعالى:«أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة» و «لجعلنا منكم ملائكة» ، وأنها تكون للمجاوزة ومنه قول العرب: حدثته من فلان أي: عن فلان، وللاستعلاء قال كقوله تعالى:«ونصرناه من القوم» أي: على القوم، قال: كذا قاله الأخفش قال: والأحسن أن يضمر الفعل أي معناه: منعناه بالنصر من القوم، وللفصل قال: وهي الداخلة على ثاني المتضادين نحو قوله تعالى: «والله يعلم المفسد من المصلح» وتدخل في المتباينين: لا نعرف زيدًا من عمرو،

ص: 1720

ولموافقة الباء قال نحو: قوله تعالى: «ينظرون من طرف خفي» قال يونس: أي بطرف خفي، وزعم الكوفيون، وتبعهم ابن مالك أنها تأتي لموافقة (في) وأنشد ابن مالك:

عسى سائل ذو حاجة إن منعته

من اليوم سؤلاً أن ييسر في غد

أي في هذا اليوم، وهذا الذي ذكره ابن مالك من المعاني لم يذكره أصحابنا ويتأولون ما ظاهره ذلك، وزعم السيرافي، والأعلم، وابن طاهر، وابن خروف أن (من) إذا كان بعدها (ما) كانت بمعنى ربما، وزعموا أن سيبويه يشير إلى هذا المعنى في كلامه، وأنكر الأستاذ أبو علي وأصحابه ذلك، وردوه وتأولوا ما زعموه من ذلك.

وتنفرد (من) بجر ظروف لا تتصرف: كـ (قبل)، و (بعد)، و (عند)، و (لدي)، و (لدن)، و (مع)، و (عن)، و (على) اسمين مثال ذلك:«لله الأمر من قبل ومن بعد» ، و (من) فيهما لابتداء الغاية، وزعم ابن مالك في شرحه للتسهيل أن من فيهما زائدة، وتقدمه إلى ادعاء زيادتها فيهما غيره من النحاة، ومن عند الله، ومن لديه، ومن لدنه، «هذا ذكر من معي» في قراءة من قرأ كذلك.

ص: 1721

.

...

....

من عن يمين الحبيا نظرة قبل

غدت من عليه

....

...

...

...

و (عن) بعد دخول (من) بمعنى جانب، وعلى بمعنى (فوق) وهما اسمان حين دخول (من) عليهما عند البصريين، وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أن (عن) و (على) إذا دخل عليهما (من) باقيان على حرفيتهما لم ينتقلا إلى الاسمية.

ص: 1722

وزعموا أن (من) تدخل على حروف الجر كلها سوى (مذ) واللام، والباء و (في)، وتختص (من) في القسم بدخولها على الرب، ويجوز ضم ميمها في القسم فتقول: من ربي لأفعلن، وتأتي (من) زائدة، فعند الأخفش، والكسائي، وهشام يجوز أن تزاد في الواجب، وغير الواجب، وداخلة على المعرفة والنكرة، وعند بعض الكوفيين في الواجب وغير الواجب، ويشترط تنكير ما دخلت عليه، نحو ما رووا من قول العرب: قد كان من مطر، وقد كان من حديث فخل عني، وعند جمهور البصريين بشرط أن يكون ما قبلها غير واجب وما دخلت عليه أن يكون نكرة، وغير الواجب عندهم هو النفي، والنهي، والاستفهام، فأما النفي، فتزاد معه في سائر حروفه (لم)، و (لما) و (ما) و (لا) و (أن) و (لن) وذلك في المبتدأ نحو: ما من رجل قائم، ولا من رجل عندي، ولا امرأة، وفي الفاعل نحو: ما قام من رجل، ولم يقم من أحد، وفي اسم كان نحو: ما كان من زاد عندنا، وفي المفعول فيما يتعدى إلى واحد نحو: لم أضرب من أحد، وفي أول ظننت نحو: ما ظننت من أحد يفعل ذلك، وفي أول أعلمت نحو: ما أعلمت من أحد زيدًا مسافرًا، وفي ثاني أعطيت وفي أوله نحو: ما أعطيت من درهم أحدًا، وما أعطيت من أحد درهمًا، وفي ما لم يسم فاعله، نحو: ما ضرب من أحد، وأما النهي فنحو: لا يقم من أحد، ولا تضرب من أحد، ولا يضرب من

ص: 1723

أحد، وأما الاستفهام فليس عامًا في جميع أدواته، إنما يحفظ ذلك مع (هل) في جميع ما ورد في النفي نحو: هل في الدار من رجل، وقوله تعالى:«هل تحس منهم من أحد» .

[وفي إلحاق الهمزة بـ (هل) في ذلك نظر، ولا أحفظه من لسان العرب] ولو قلت: كيف تضرب من رجل، أو كيف خرج من رجل، أو أين تضرب من رجل، أو متى يقوم من رجل لم يجز.

و (قلما) إذا كانت للنفي المحض جاز دخول من فتقول: قلما يأتيني من أحد في معنى: ما يأتيني من أحد، وتدخل مع المتسع فيه من ظرف، ومن مصدر، نحو: ما ضرب من ضرب شديد، وما سير من سير، وما صيم من يوم، وزعم بعض البصريين أنها تزاد في الشرط، بشرطها عند الجمهور من النكرة، تقول: إن زارني من رجل أكرمته، والصحيح المنع، وذهب لكذة الأصبهاني إلى أن (من) زائدة في قول الهذلي:

فما العمران من رجلي عدى

وما العمران من رجلي فئام

وادعى أنه منحول، وليس من شعر الهذلي، ومن زائدة، ولا يقال: ما زيد من رجل الحرب، ولا ما الزيدان من رجلي الحرب، والصحيح أن (ما) في بيت الهذلي ليست بنافية، بل هي استفهامية على معنى التعظيم والتعجب، و (من) هي الداخلة على التمييز، فذلك نحو قول الشاعر:

يا سيدًا ما أنت من سيدٍ

...

... ....

ص: 1724

ومذهب سيبويه: أن الزائدة بالشرطين المذكورين هي لتأكيد استغراق الجنس في نحو: ما قام من أحد، وما قام من رجل، وقال المبرد في: ما قام من رجل لا ينبغي أن يقال أنها زائدة، لأنها أفادت استغراق الجنس، إذا كان قبل دخول (من) يحتمل وجوهًا.

وأما في «ما جاءني من أحد» فهي زائدة، وزعم علي بن سليمان أن (من) التي قيل فيها زائدة في نحو: ما قام من رجل هي لابتداء الغاية ابتداء النفي من هذا النوع، ثم عرض أن يقتصر بها على هذا النوع انتهى.

وقالت العرب: أما رجل ينصفنا، بخفض رجل بإضمار (من) يريدون أما (من) رجل، و (من) زائدة، وقالوا: ألا رجل بالخفض بعد (ألا)، خفضوا بعدها كما خفضوا بعد أما، ومن يجوز إظهارها بعد أما، ولا يجوز استعمالها بعد ألا.

(في)

للظرفية حقيقة نحو: المال في الكيس، أو مجازًا نحو: زيد ينظر في العلم هذا مذهب سيبويه، والمحققين في معنى (في) أنها لات كون إلا للوعاء حقيقة أو مجازًا، وزعم الكوفيون، وتبعهم القتبي، وابن مالك، أنها تكون

ص: 1725

للمصاحبة نحو قوله تعالى: «ادخلوا في أمم» أي مع أمم، وذهب هؤلاء إلى أن (في) توافق (على) نحو قوله تعالى:«ولأصلبنكم في جذوع النخل» أي على جذوع النخل، وبمعنى الباء نحو قوله:

...

...

(يصيرون في طعن الأباهر والكلى

أي يصيرون بطعن، وزعم الأصمعي، والكوفيون، والقتبي، أنها تأتي بمعنى (من) نحو قول امرئ القيس:

وهل يعمن من كان أحدث عصره

ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال

أي من ثلاثة أحوال، وذكر ابن مالك أنها تكون للتعليل نحو: قوله تعالى: «لمسكم في ما أفضتم فيه» ، وما روى في الأثر:«دخلت امرأة النار في هرة حبستها» أي لأجلها، وأنها تكون للمقايسة، وهي الداخلة على تالٍ يقصد

ص: 1726

تعظيمه وتحقيره، بمتلوه كقوله تعالى:«فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل» ، وزعم الفارسي أن (في) تزاد في ضرورة لاشعر نحو قوله:

أنا أبو سعد إذا الليل دجا

يخال في سواده يرندجا

المعنى، يخال سواده يرندجا، وهو من القلة بحيث لا يقاس عليه، وهذا الذي ذكروه من خلاف، كون (في) للوعاء، تأوله أصحابنا وردوه إلى معنى الوعاء، (عن): للمجاوزة تقول: أطعمته عن جوع، وسقيته عن العيمة، وكسوته عن العرى أي جعلت الجوع مجاوزًا له، ومتصرفًا عنه، والعيمة والعرى قد تراخيا عنه، وذهب الكوفيون، والقتبي، وتبعهم ابن مالك إلى أنها تكون للاستعلاء كقوله:

...

لا أفضلت في حسب

عني

....

ص: 1727

أي علي، وتكون عندهم للاستعانة نحو قوله تعالى:«وما ينطق عن الهوى» أي بالهوى وتكون عندهم لموافقة بعد نحو: قوله تعالى: «لتركبن طبقا عن طبق» أي بعد طبق، وزعم ابن مالك أنها تأتي للتعليل نحو قوله تعالى:«إلا عن موعدة وعدها إياه» وكقوله تعالى: «وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك» ، وللبدل نحو قولهم: حج فلان عن أبيه، وقوله تعالى:«لا تجزي نفس عن نفس شيئًا» ، وبمعنى (في) في قوله:

...

....

ولاتك عن حمل الرباعة وانيا

أي في حمل، وأنها تزاد عوضًا نحو قوله:

...

...

....

فهلا التي عن بين جنبيك تدفع

ص: 1728

قال ابن جني: أراد فهلا عن التي بين جنبيك تدفع، فحذف (عن) وزادها بعد التي عوضًا، ونص سيبويه على أن (عن) لا تزاد، وذهب أبو عبيدة إلى أنها زائدة في قوله تعالى:«فليحذر الذين يخالفون عن أمره» أي يخالفون أمره، وكل ما ذكروه مما خالف معنى المجاوزة، واستدلوا عليه تأوله المخالف لهم، وتقدم الخلاف في (عن) إذا جرت أهي اسم، أم هي باقية على حرفيتها، ودخول (من) عليها كثير، وقد دخل عليها (على) قال:

على عن يميني مرت الطير سنحا

وكيف سنوح واليمين قطيع

وذهب بعض أصحابنا إلى أنها اسم في قوله:

دع عنك نهبا صيح في حجراته

...

...

...

وهو مستقرأ من كلام الأخفش في (على)، وسيأتي ذلك عند الكلام على (على).

(مع) ساكنة العين، قيل إنها حرف، والصحيح أنها اسم كحالها إذا كانت مفتوحة العين.

ص: 1729

(ها) للتنبيه يكون الجر بعدها في باب القسم عوضًا من الواو، وتختص باسم الله، وفي الجر بها خلاف أهو بها نفسها، أو الواو وسيأتي إن شاء الله.

(كي): عند البصريين تكون حرف جر، فتجر اسم الاستفهام وهو، وإذا أضمرت أن بعدها كانت جارة لمصدر مقدر منسبك من (أن)، والفعل بعدها، وتقدم الكلام عليها في نواصب المضارع.

والثلاثي: (إلى)، و (على)، و (رب)، و (منذ)، و (خلا)، و (عدا)، و (متى)، و (بله)

(إلى) للانتهاء مطلقًا، فتعم الزمان والمكان نحو: سرت إلى البصرة، وسرت إلى نصف الليل، ومذهب سيبويه، والمحققين إلى أن (إلى) تنتهي لابتداء الغاية، وإما أن تكون آخرًا، أو غير آخر ففيه تفصيل، واختلاف وذلك أن ما بعد (إلى)، إما أن تدل قرينة على دخوله فيما قبلها نحو قولك: اشتريت الشقة إلى طرفها، أو خروجه نحو قوله تعالى:«أتموا الصيام إلى الليل» ، فهو على حسب القرينة، نحو: اشتريت البستان إلى الشجرة الفلانية، فالذي عليه أكثر المحققين أن لا تدخل، فلا تدخل الشجرة في المشتري، وقال بعض النحاة: تدخل، وقال عبد الدايم القيرواني: إذا لم تكن قرينة، وما بعد (إلى) من جنس ما قبلها احتمل أن يدخل وألا يدخل، والأظهر أنه لا يدخل. انتهى.

وذهب الكوفيون، وكثير من البصريين إلى أن (إلى) تأتي بمعنى المصاحبة، وقاله كثير من المفسرين في قوله تعالى:«من أنصاري إلى الله» قال الفراء: وهو حسن.

ص: 1730

وإنما تجعل (إلى) بمعنى (مع) إذا ضممت شيئًا إلى شيء كقول العرب: الذود إلى الذود (إبل)؛ فإن لم يكن ضم لم يكن جمع، فلا يقال في مع فلان مال كثير: إلى فلان مال كثير انتهى.

وإذا قال له: على من واحد إلى عشرة كان إقرار بجملة العشرة، كما أنك إذا قلت: هي أحسن الناس من قرن إلى قدم، فقد عم الحسن ما بينهما، فإن قال هي أحسن الناس قرنًا فقدما لم يجز، وأجاز ذلك هشام، وذهب الكوفيون، والقتبي وتبعهم ابن مالك إلى أن (إلى) تكون بمعنى (من) وأنشدوا قول ابن أحرم:

تقول وقد عاليت بالكور فوقها

أيسقي فلا يروي إلى ابن أحمرا

يريد قالوا فلا يروى مني، وزعم الكوفيون، والقتبي أنها تكون بمعنى (عند)، قال أبو كبير الهذلي:

أم لا سبيل إلى الشباب وذكره

أشهى إلي من الرحيق السلسل

ص: 1731

وزعم الأخفش أن (إلى) تكون بمعنى الباء، وخرج عليه قوله تعالى:«وإذا خلوا إلى شياطينهم» أي بشياطينهم، وذكر ابن مالك: أنها تأتي للتبيين قال وهي المتعلقة في تعجب، أو تفضيل كقوله تعالى:«قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه» وأنها تكون بمعنى (في) وأنشد:

فلا تتركني بالوعيد كأنني

إلى الناس مطلى به القار أجرب

أي في الناس، وأنها تكون موافقة (اللام)، نحو قوله تعالى:«والأمر إليك» ، «وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم». وذهب الفراء إلى أن (إلى) قد تزاد وجعل من ذلك قوله تعالى:«فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم» في قراءة من فتح الواو، أي تهوى إليهم، أي تحبهم، وكل هذه المعاني التي تخالف انتهاء الغاية تأولها المخالف على الغاية.

(على) التي ينجر ما بعدها مشهور مذهب البصريين أنها حرف جر، وذهب ابن

ص: 1732

الطراوة، وابن طاهر، وابن خروف، وأبو علي الرندي، وأبو الحجاج بن معزوز، والأستاذ أبو علي في أحد قوليه إلى أنها اسم، ولا تكون حرفًا، وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه، وكونها حرفًا هو مذهب الكوفيين، فإذا دخلت عليها (من)، ففيها خلاف البصريين، والفراء المذكور في (عن)، وقد استدل الأخفش على اسمية (على) بقول العرب:«سويت علي ثيابي» ولا يجوز: فرحت بي، إنما تقول: فرحت بنفسي، فسويت علي ثيابي، معناه: سويت فوق ثيابي، وعلى قول الأخفش مجيء قول الشاعر:

هون عليك فإن الأمو

ر بكف الإله مقاديرها

ولا يدل ما قاله الأخفش على أن (على) اسم، فقد جاء «وهزي إليك بجذع النخلة» و «اضمم إليك جناحك من الرهب» ولا نعلم أحدًا ذهب إلى أن (إلى) اسم، فسويت على ثيابي، وهون عليك من هذا القبيل القليل.

ومن قال: إنها لا تكون إلا اسمًا يقولك إنها معربة، ومن جوز فيها إذا كانت حرفية أن تنتقل إلى الاسمية بدخول (من) عليها، أو على مذهب الأخفش في

ص: 1733

نحو: سويت على ثيابي، اختلفوا فقال بعض أشياخنا: هي معربة إذ ذاك، وقال أبو القاسم بن القاسم: هي مبنية، والألف فيها كألف هذا، و (ما) فهي كعن، وكاف التشبيه، و (مذ)، و (منذ) إذا كن أسماء، ومعنى (على) الاستعلاء حسا كقوله تعالى:«كل من عليها فان» ، أو معنى كقوله تعالى:«الرسل فضلنا بعضهم على بعض» ، وزعم الكوفيون، والقتبي، وابن مالك أن (على) تكون للمصاحبة نحو قوله تعالى:«وآتى المال على حبه» وأنها تكون للمجاوزة كوقوعها بعد (بعد وخفى) وقوله:

إذا رضيت علي بنو قشير

...

...

أي عني، وللظرفية نحو: قوله تعالى: «واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان» أي في ملك سليمان، وموافقة من: كقوله تعالى: «الذين إذا

ص: 1734

اكتالوا على الناس» أي من الناس، وبمعنى الباء كقوله تعالى:«حقيق علي أن لا أقول» أي بألا أقول، وزعم الكوفيون والقتبي أنها تكون بمعنى اللام وأنشدوا قول الراعي:

رعته أشهرا وخلا عليها

فطار الني فيها واستغارا

أي خلالها، وذكر ابن مالك أنها تأتي للتعليل قال كقوله تعالى:«ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم» انتهى، وهذا كله تأوله المخالف، وقد جاء حذف (على) في الشعر نحو قوله:

...

... وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني

يريد لقضى علي، وأجاز أبو الحسن حذفها في الكلام، ونصب ما بعدها مفعولاً به، وجعل من ذلك قوله تعالى حكاية عن إبليس:«لأقعدن لهم صراطك المستقيم» .

ص: 1735

ونص سيبويه على أن (عن) و (على) لا تزادان، وتقدم قول ابن مالك في (عن) أنها تزاد عوضًا، وقال: تزاد (على) وأنشد:

أبى الله إلا أن سرحة مالك

على كل أفنان العضاة تروق

قال: زاد على، لأن راق متعدية مثل أعجب تقول: راقني حسن الجارية، وقال تزاد عوضا وأنشد:

إن الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد يومًا على من يتكل

وتبع في ذلك ابن جني: قال ابن جني: أراد إن لم يجد يومًا من يتكل عليه فحذف عليه، وزاد (على) قبل (من) عوضًا. انتهى.

وما استدلوا به على الباء، و (عن)، و (على)، تزاد عوضًا لم يقم عليه دليل، وقد ذكرنا في الشرح تأويل ذلك على أحسن وجه، ولم يكف ابن مالك أن

ص: 1736

استدل بشيء محتمل مخالف لنص سيبويه حتى قال: ويجوز عندي أن يعامل بهذه المعاملة (من) واللام و (إلى) وفي قياسًا على (عن)، و (على)، و (الباء) فيقال: عرفت ممن عجبت، ولمن قلت، وإلى من أويت، وفي من رغبت والأصل: عرفت من عجبت منه، ومن قلت له، ومن أويت إليه، ومن رغبت فيه، فحذف ما بعد (من)، وزيد ما قبلها عوضًا انتهى ما قاله، وما أجازه ليس بصحيح، ولو استدل بشيء لا يحتمل التأويل لكان من القلة بحيث لا يقاس عليه.

(رب): عند البصريين حرف جر، وعند الكوفيين، وابن الطراوة: اسم وفي الإفصاح: قال الفراء، وجماعة من الكوفيين: إن (رب) اسم معمولة لجوابها كـ (إذا)، أو حين في الظروف، وتقدمت عندهم لاقتضائها الجواب، وهي مبنية قالوا: وقد يبتدأ بها فيقال: رب رجل أفضل من عمرو، ويقال: رب ضربة ضربت، ورب يوم سرت، بتقدير الظرف، ورب رجل ضربت مفعول، ورب رجل قام مبتدأ كما يكون ذلك في كم، انتهى.

ومذهب البصريين أنها للتقليل، قال أصحابنا في جنس الشيء، أو في نظيره.

وزعم صاحب كتاب العين أنها للتكثير، ولم يذكر أنها تجيء للتقليل، ونسب ابن خروف هذا المذهب إلى سيبويه، وذهب الكوفيون، والفارسي في كتاب الحروف له: أنها تكون تقليلاً وتكثيرًا، وذهب بعضهم إلى أنها للتكثير في موضع المباهاة والافتخار.

ص: 1737

وذهب بعضهم إلى أنها لم توضع لتقليل، ولا لتكثير، بل ذلك مستفاد من سياق الكلام، وهذا الذي نختاره من المذاهب، وفي البسيط: ذهب البصريون إلى أنها للتقليل كالخليل، وسيبويه، وعيسى بن عمر، ويونس، وأبي زيد، وأبي عمرو بن العلاء، والأخفش، والمازني، والجرمي، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، والزجاجي، والفارسي، والسيرافي، والرماني وابن جني، وجملة الكوفيين كالكسائي والفراء وهشام، وابن سعدان ولا مخالف لهؤلاء إلا صاحب العين، فإنه صرح بكونها للتكثير دون التقليل، وفي الإفصاح وقيل: إنها للتكثير، وقال به جماعة منهم صاحب العين، وابن درستويه، وقال ابن الباذش، وابن طاهر هي لمبهم العدد فيكون تقليلاً، وتكثيرًا، وقال أبو نصر الفارابي في كتاب الحروف له: أكثر ما تكون للتقليل.

ص: 1738

ورب عندنا ثلاثية الوضع، وعرض التصرف فيها خلافًا لابن فضال، إذ زعم أنها ثنائية الوضع فقياسها أن تكون ساكنة كـ (هل)، و (بل)، وإن فتح الباء مع تخفيفها ودون التاء ضرورة لا لغة، ولغاتها: رب، ورب، وربت، وربتا، ورب، وربت، ورب، وربت، ورب، ورب.

وزعم ابن فضال: أن فتح الراء نقله أبو حاتم، وأنه في جميع ذلك شاذ، ومجرور (رب) نكرة، وضمير، ولا يجر معرفًا بأل، وأجاز ذلك بعضهم وأنشد:

ربما الجامل المؤبل فيهم

...

...

...

بخفض الجامل وصفته، فالنكرة تكون معربة، ومبنية، كقوله:

ألا رب من تغشه لك ناصح

...

... ....

ص: 1739

وتجر مضافًا إلى ضمير مجرورها معطوفًا عليه بالواو، ويقاس على ذلك وفاقًا للأخفش نحو: رب رجل وأخيه يقولان ذلك، ويقاس على ما سمع من ذلك، وشذ رب أبيه ورب أخيه، ورب واحد أمه، ولا يجوز الفصل بينها وبين النكرة، وأجاز علي بن المبارك الأحمر: الفصل بينهما بالقسم فتقول: رب والله رجل صالح لقيته، ووهم ابن عصفور في نسبته جواز الفصل بالقسم لخلف الأحمر، وغره شهرة خلف الأحمر، وجاء في الشعر الفصل بينهما بالجار والمجرور ولا يقاس عليه نحو قوله:

رب في الناس موسر كعديم

...

...

....

ونحو قوله:

يا رب عنا غمرة جلاها

وقول زيد الخيل:

ويندب شماح بن عمرو ورهطه

ويا رب منهم دارع وهو أشوس

ص: 1740

واختلفوا في وصف مجرورها النكرة، فذهب الأخفش، والفراء، والزجاج، وأبو الوليد الوقش، وابن طاهر، وابن خروف، إلى أنه لا يلزم وصفه، وهو ظاهر كلام سيبويه.

وذهب ابن السراج، والفارسي، والعبدي، وأكثر المتأخرين منهم الأستاذ أبو علي، وفي البسيط: أنه رأى للبصريين إلى أنه يلزم وصف مجرورها، واختلف النقل عن المبرد، وأكثر وقوعها صدرا، وجاءت خبرًا لإن في قوله:

أماوى إني رب واحد أمه

أخذت فلا قتل لدي ولا أسر

وخبرًا لأن المخففة من الثقيلة كقوله:

تيقنت أن رب امرئ خيل خائنا

أمين وخوان يخال أمينا

وجوابًا لـ (لو) وهو غريب في قوله:

ولو علم الأقوام كيف خلفتهم

لـ (رب) مفد في القبور وحامد

ص: 1741

وليس مجرورها، دائما في موضع نصب خلافًا للزجاج، ومن وافقه، بل يحكم على موضعها بالرفع والنصب على حسب العامل بعدها، ويجوز فيه الاشتغال إذا كان العامل قد عمل في ضميره، أو سببه نصبًا لفظًا، أو محلاً، و (رب) زائدة في الإعراب لا في المعنى وفاقًا للأخفش، والجرمي، ويجوز العطف على موضع مجرورها إن رفعًا فرفع، وإن نصبًا فنصب كما قال امرئ القيس:

وسن كسنيق سناء وسنما

ذعرت بمدلاج الهجير نهوض

وقال أبو بكر عاصم بن أيوب البطليوسي: من جعل سنمًا للبقرة عطفه على موضع: وسن، لأنه في موضع المفعول بـ (ذعرت) تقول: ذعرت بهذا الفرس ثورًا، وبقرة، وهو بعيد عند بعض النحويين أن يجعل لـ (رب) موضع من الإعراب، ومذهب أكثر النحويين منهم المبرد، والفارسي أن العامل يجب أن يكون ماضيًا، وذهب ابن السراج إلى أنه يجوز أن يكون حالاً، ومنع أن يكون مستقبلاً، والصحيح أن العامل يكون ماضيًا في الأكثر، ويجوز أن يكون حالاً ومستقبلاً ومما جاء مستقبلا قول جحدر:

ص: 1742

فإن أهلك ف (رب) فتى سيبكى

علي مهذب رخص البنان

وقال الكسائي: العرب لا تكاد توقع (رب) على أمر مستقبل، وهذا قليل في كلامهم، وإنما يوقعونها عن الماضي، ثم استعذب عن قوله تعالى:«ربما يود» ثم قال ومع هذا يحسن أن يقال في الكلام: إذا رأيت الرجل يفعل ما يخاف عليه منه: ربما يندم، وربما يتمنى أن لا يكون فعل، وهذا كلام عربي حسن، ومثله قال الفراء والمبرد. انتهى.

ومن التزم المعنى في العامل تأول ما ظاهر خلافه، وهذا كله مبني على أن (رب) يتعلق، وفي ذلك خلاف، وذهب الجمهور إلى أنها تتعلق بالعامل، وذهب الرماني، وابن طاهر، إلى أنها لا تتعلق، واختلف من قال: إنها تتعلق في حذف ما يتعلق به فذهب الخليل، وسيبويه إلى أن حذفه للعلم به نادر، وذهب الفارسي إلى أن حذفه كثير، وتبعه الجزولي، وذهب لكذة الأصبهاني إلى أنه لا يجوز حذفه ألبتة، ولحن ما روى من ذلك.

وذهب بعضهم إلى أنه يلزم حذفه، لأنه معلوم كما حذف في تالله، وبسم الله، وفصل بعض أصحابنا فقال: إذا كان ثم ما يدل على العامل، ولم تقم الصفة مقامه، فإن شئت حذفته، وإن شئت أظهرته، وإذا كانت الصفة تقوم مقامه فلا يجوز إظهار العامل مثال ذلك: أن تسمع إنسانًا يقول: ما لقيت رجلاً عالمًا فتقول:

ص: 1743

رب رجل عالم لقيت فلك ألا تذكر لقيت، وتكتفي برب رجل عالم جوابًا له.

وإذا كان ذلك ابتداء فلا بد من إظهار الفعل، لأنك لو حذفته لم يعلمه سامعك، ومثل ما لا يظهر الفعل فيه، لأن الصفة تقوم مقامه قولك: رب رجل يفهم هذه المسألة لمن قال لك: قد فهمتها، والتقدير: رب رجل يفهم هذه المسألة وجدت، فمثل هذا لا يظهر، فتخلص في الحذف خمسة أقوال: الوجوب، والمنع، والندور، والكثرة، والتفصيل، والمفرد بعد (رب) في معنى جميع، إلا إذا حصرته قرينة في واحد نحو قوله:

ألا رب مولود وليس له أب

...

...

ويكثر وقوعها صدر جواب شرط مصحبوة بـ (يا) نحو قوله:

فإن أمس مكروبًا فيا رب قينة

...

...

...

ص: 1744

وغير مصحوبة بـ (يا) نحو قوله:

فإن أهلك فرب فتى سيبكي

...

...

وقد يصحبها (يا) في غير ذلك نحو: يا رب رجل عالم لقيته، و (يا) تنبيه ويجوز أن يلتقي القسم بالجملة التي هي صدرها مع اللام نحو: والله لرب رجل عالم صحبته، ووصف مجرورها كوصف غيره من الأسماء، فتوصف بالمفرد وبالجملة الفعلية، والاسمية نفيًا وإثباتًا، وأكثر ما تكون المثبتة مصدرة بماض، وتجيء بالمضارع وبالمفتتح بحرف التنفيس، وأكثر ما يأتي الفعل الذي يتعلق به ماضيًا، وقد يكون (لو) وجوابها نحو: رب رجل صالح لو لقيته لخدمته، ومنفيًا بـ (لن)، ولا يتقدم عليها ما يتعلق به، لا يجوز: لقيت رب رجل عالم، ويتقدم (ألا) الاستفتاحية نحو قوله:

ألا رب يوم صالح قد شهدته

...

...

...

وتضمر بعد الفاء في جواب الشرط نحو قوله:

وإن أهلك فذي حنق لظاه

...

...

أي فرب ذي حنق، وفي غير الجواب نحو قوله:

ص: 1745

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

...

....

في رواية من خفض (مثلك) وبعد (بل) نحو قوله:

بل بلد ذي صعد وأضباب

وزعم بعض النحويين أن الخفض هو بالفاء، و (بل) لنيابتهما مناب (رب)، وتقدم الكلام في واو (رب)، وأن مذهب المبرد، والكوفيين: أن الجر بها نفسها لا بإضمار (رب) بعدها، وبـ (رب) مضمرة بعد الواو، وهو مذهب البصريين، وقد جاء الجر بها مضمرة بعد ثم حكاه صاحب الكوفي، ودون حرف نحو قوله:

رسم دار وقفت في طلله

...

....

ص: 1746

وواو (رب) هي في الأصل حرف عطف، ولذلك لا تدخل عليها (واو) العطف، إذ هي جواب لسؤال ملفوظ به أو مقدر.

والضمير المجرور بـ (رب) مبهم، وليس جره بقليل ولا شاذ خلافًا لزاعم ذلك، ومذهب الفارسي وكثير من النحاة أنه معرفة، وجرى مجرى النكرة في دخول (رب) عليه لما أشبهها في أنه غير معين.

وذهب بعض النحويين إلى أنه نكرة، وهو اختيار الزمخشري، وابن عصفور، وهو لازم التفسير بنكرة منصوبة غير مفصولة بينها وبين الضمير بشيء، وجاء جره في الشعر في قوله:

...

...

وربه عطبا أنقذت من عطبه

كأنه نوى (من)، وهو شاذ لا يجوز في الكلام، ومن قال: يوصف مجرور «رب» النكرة لا يقول ذلك في تمييز «ربه رجلاً» و «ربه رجلا» أفخم وأمدح من رب رجل، وهذا الضمير عند البصريين يجب أن يكون مفردًا مذكرًا على كل حال سواء أكان التمييز مفردًا أو مثنى أو مجموعًا مذكرًا، أم مؤنثًا، وقال الشاعر:

ربه فتية دعوت إلى ما

يورث المجد دائبًا فأجابوا

ص: 1747

وحكى الكوفيون مطابقة الضمير للتمييز نحو: «ربه رجلا» وربها امرأة، وربهما رجلين، وربهم رجالاً، وربهن نساء.

وزعم ابن أبي الربيع: أن حذف ما تتعلق به (رب) لازم الحذف، وقوله:

...

....

ربه عطبًا أنقذت من عطبه

وربه فتية دعوة

...

... ....

يدل على ذكر الفعل الذي يتعلق به، والعامل في التمييز الهاء أشبهت (عشرين)، وتجيء (ما) زائدة بعد (رب) الجارة النكرة نحو قوله:

ربما ضربة بسيف صقيل

...

...

...

وكافة، فتهيئها لمجيء الفعل الماضي نحو قوله:

ربما أوفيت في علم

...

...

والمضارع نحو قوله تعالى: «ربما يود» ، وقوله:

ربما تكره النفوس من الأمر

...

...

ص: 1748

والكوفيون وابن السراج جعلوا (ربما يود) على إضمار كان، ولا يجوز على مذهب سيبويه، وقال ابن يسعون في قوله تعالى:«ربما يود» : قد تكون (ما) نكرة موصوفة؛ «أي رب ود يوده الذين كفروا» ، والمضارع بعد (ربما) يجوز عند كثير من النحاة أن يكون مستقبلاً، وزعم جماعة أنه لا يكون إلا ماضيًا، فيتأول المضارع بماض، وزعم المبرد أنه يجوز أن يلي (ربما) الجملة الابتدائية كما قال:

...

...

...

ربما ظاعن بها ومقيم

فتصير نحو: إنما إن جاءت الجملة فعلية كانت (ما) مهيئة وإن كانت اسمية كانت كافة، ومذهب سيبويه أن (ربما) إذا لم يكن بعدها مجرور تكون (ما) مهيئة فلا تليها إلا الجملة الفعلية المصدرة، بماضٍ لفظًا، ومعنى يلي ربما نحو: ربما ضربت زيدًا ولا يجوز: ربما زيدًا ضربت إلا في شعر، وربما حذف الفعل بعدها.

ص: 1749

قال في النهاية: ويجوز حذف الفعل بعد (ربما)، لأن (رب) قد كفت عن العمل، فصارت داخلة على الجملة، فالحذف واقع عليها لا على المفرد، يقول القائل: أزرت زيدًا؟ فتقول: ربما؛ أي ربما زرت، فطول الكلام بالتركيب عوض من الفعل المحذوف، ولم يحضرني في ذلك شعر للعرب، ولكني وجدت في شعر أبي تمام:

عسى وطن يدونو بهم ولعلما

وإن تعتب الأيام فبهم فربما

أي فـ (ربما) بشرت أو إعادتهم انتهى.

ويجوز لحاق (التاء) لها تقول: ربتما قام زيد، وإذا وقفت على ما لحقته التاء، فالوقف بالتاء؛ لأنها ليست تعقب الإعراب، فهي كتاء قامت، وبعض النحاة وقف بقلب التاء هاء، وهو مما أجازه الكسائي؛ لأن قبلها فتحة كـ (تاء) شجرة.

(منذ ومذ)

المحذوفة منها إذا جرتا مذهب الجمهور أنهما حرفان، وتقدم الكلام فيهما في الظرف، وفي النهاية: قالوا (مذ) و (منذ) حرفان، وفي هذا نظر إذ قالوا أصل مذ: منذ حتى لو صغر (مذ) اسم رجل قالوا فيه: منيذ، ولو جمعوه لقالوا: أمناذ ويلزم على قولهم: أن تكون (أن) المخففة من أن وإن حرفان، وأن (رب) باعتبار لغاتها عشرة أحرف، وأن يكون ددًا ودد، ودد ثلاثة أسماء، ولا يدعى أن أصل (مذ): منذ إلا بعد تقدم العلم، أن المحذوف من (مذ) العين، وأنها نون، وقد استدل لذلك بالتوافق في أكثر الحروف وفي المعنى.

وتقول بعض العرب: (مذ) بضم الذال، وتقرر أن الكلمة الثنائية اللازمة البناء لا تحرك نحو:(من) و (إن) فلولا أنهم نحوا بها أصلاً ما حركوها.

ص: 1750

وما هذه الضمة إلا عودًا للأصل، كما قالوا: ذهبتم الآن، فضموا ميم الكلمة، وذهب بعض المتأخرين: إلى أن المحذوف من (مذ) لام الكلمة، فلو سميت به لقلت في تصغيره: مذي، وفي تكسيره أمذاء انتهى.

(عدا وخلا)

في الاستثناء تقدم الكلام عليهما فيه، وصح الجر بهما عن العرب.

(متى) تكون ظرفًا وشرطًا، واستفهامًا، وقال أبو سعيد السكري:(متى) بمعنى (من)، ولم ينسبها لهذيل ونسبها بعضهم لبعض، وأنشد أبو سعيد:

...

... ثم ترفعت

متى لجج

... ....

...

... متى أقطارها

... ....

أي من لجج ومن أقطارها.

[وقال] ابن مالك: هي في لغة هذيل حرف جر قال: ومن كلامهم: أخرجها متى كمه: أي من كمه، ونقل بعضهم أن (متى) تكون بمعنى (وسط) فتجر ما بعدها، وحكى: وضعها متى كمه أي وسط كمه، ويحتمل أن يكون متى لجج، ومتى أقطارها أن تكون بمعنى وسط، فيكون ظرفًا مكانيًا.

ص: 1751

(بله): تقدم الكلام عليها في آخر باب الاستثناء والجر بعدها هو المجمع على سماعه من لسان العرب في نحو قوله:

بله الأكف كأنها لم تخلق

واختلفوا فيها، ومذهب الأخفش: أنها حرف جر بمعنى (من)، والرباعي حتى، وحاشا، وأيمن، ولعل، وهذه بسائط، ولولا وهي مركبة من لو، ولا.

(حتى): لها حكم في العطف تذكر فيه، وحكم إذا انتصب الفعل بعدها، وتقدم ذكره في نواصب المضارع، وحكم إذا جاء بعدها المبتدأ والخبر، وحكم في حروف الجر، وهو ما نحن بصدده فمذهب البصريين أنها بنفسها حرف جر.

وقال الفراء: تخفض لنيابتها عن (إلى) كواو القسم، وواو (رب) للنيابة عن الباء، ورب، وربما أظهروا إلى بعدها في بعض المواضع قالوا: جاء الخبر حتى إلينا، جمعوا بينهما على تقدير إلغاء أحدهما انتهى.

والاسم الصريح الجاري بعدها بالنسبة إلى ما يجوز فيه من الإعراب، إما أن يقع بعده ما يصلح خبرًا أو لا، إن لم يقع، فإما أن يتقدم ما يصلح أن يكون ما بعد حتى غاية له أو لا يتقدم، إن لم يتقدم نحو: العجب حتى الخز يلبس زيد، فأجاز الجر فيه الكسائي والفراء، ومنعه البصريون.

وإن تقدم ما يصلح أن يكون غاية له، فإما أن يكون جزاء لما قبلها أو لا، إن لم يكن فالجر نحو: نمت الليل حتى الصباح، وإن كان جزاء واختفت به قرينة تدل

ص: 1752

على أنه غير داخل في حكم ما قبله فالجر نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر، أو لم يختف فالجر، ويجوز التشريك بالعطف فيتبع، والعطف لغة ضعيفة، ويتعين العطف إذا اقترنت به قرينة تدل عليه نحو: ضربت القوم حتى زيدًا أيضًا، ولا يجيز البصريون رفعه على الابتداء والخبر محذوف، وأجازه بعض الكوفيين.

وإن وقع بعد الاسم ما يصلح أن يكون خبرًا فإما أن يكون اسمًا مفردًا، فيتعين أن يكون (حتى) حرف ابتداء نحو: ضربت القوم حتى زيد مضروب، أو ظرفًا، أو مجرورًا، فيجوز الابتداء والجر، والعطف نحو: القوم عندك حتى زيد عندك، والقوم في الدار حتى زيد فيها، أو جملة اسمية، وما بعدها شريك في المعنى، فتلك الأوجه نحو: ضربت القوم حتى زيد أبوه مضروب، وأجاز الكوفيون الجر في: ضربت القوم حتى زيد فتركت، ومنعه البصريون وإن ساوى ما قبله في كونه غير شريك، أو جملة فعلية وهو غير شريك فالرفع بالابتداء، والحمل على إضمار فعل يفسره ما بعد حتى نحو: ضربت القوم حتى زيدًا ضربت أخاه، أو شريك والفعل عامل في ضمير الاسم الذي قبل حتى فالجر والعطف نحو: ضربت القوم حتى زيد ضربتهم، أو في ضمير ما بعد حتى فالابتداء، والجملة خبره، وحمله على إضمار فعل يفسره الفعل بعده، والجر والعطف نحو: ضربت القوم حتى زيد ضربته، وزعم بعض شيوخ الأندلس: أن الخفض والعطف في هذه المسألة لا يجوزان، وزعم الكوفيون: أنه لا يجوز الجر في ضربت القوم حتى زيد ضربته إلا أن تقول فضربته، وأجاز الجر فيها وفي المسألة قبلها البصريون.

ص: 1753

قال أصحابنا: إذا جرت (حتى) لا يكون ما بعدها إلا داخلاً فيما قبلها نحو ضربت القوم حتى زيد، فتكون انتهاء الغاية به، إلا أن تدل قرينة على خلاف ذلك.

وزعم ابن مالك أنه قد يكون انتهاء الغاية عنده لا به، وزعم أن سيبويه، والفراء، أشارا إلى ذلك.

وحكى عن ثعلب أن (حتى) للغاية، والغاية تخرج وتدخل يقال: ضربت القوم حتى زيد، فيكون مرة مضروبًا، وغير مضروب، وقال مثله (صاحب الذخائر)، وفي الإفصاح: اختلف الناس فيما بعد حتى إذا كانت جارة هل تدخل فيما قبلها أم لا، فذهب المبرد. وأبو بكر، وأبو على أنه داخل على كل حال، وقال الفراء، والرماني: تدخل ما لم يكن غير جزء نحو قولهم: إنه لينام حتى الصباح.

وصرح سيبويه: أن ما بعدها داخل فيما قبلها، ولا بد لكنه مثل بما هو

ص: 1754

بعض مما قبله قال: واتفقوا على أنها إذا عطفت دخل ما بعدها فيما قبلها، وأنها لا يعطف بها إلا حيث يجر ولا يلزم العكس، وعلى أنه إذا لم يكن ما قبلها ما يعطف عليه لم يجز إلا الجر نحو:«حتى مطلع الفجر» و «حتى حين» وقال ابن مالك: ولا يلزم أن يكون يعني مجرور حتى آخر جزء أو ملاقي آخر جزء، خلافًا للزمخشري واستدل بقوله:

عينت ليلة فما زلت حتى

نصفها راجيًا فعدت يئوسا

وهذا الذي نقله عن الزمخشري هو قول أصحابنا، وهو أنه لا بد أن يكون آخر جزء من الشيء نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو ملاقي آخر جزء نحو: سرت النهار حتى الليل، ولو قلت: أكلت السمكة حتى وسطها، وسرت النهار حتى نصفه لم يجز ذلك، بل إذا أردت المعنى أتيت بـ (إلى) فقلت: أكلت السمكة إلى وسطها، وسرت النهار إلى نصفه، فـ (إلى) في استعمالها لانتهاء الغاية أقعد من (حتى)، لأنها تدخل على كل ما جعلته انتهاء غاية.

وسواء أن يكون آخر جزء من الشيء، أو ملاقيًا آخر جزء أو لا يكون، وما استدل به ابن مالك لا حجة فيه لما بيناه في شرح كتابه التسهيل، ولا يكون المجرور بحتى ضميرًا هذا مذهب سيبويه، وأجاز الكوفيون، والمبرد جرها الضمير فتجره متكلمًا، ومخاطبًا، وغائبًا، قياسًا على قوله:

ص: 1755

.

...

... فتى حتاك يا ابن أبي زياد

وهذا عند البصريين ضرورة، وقولهم حتى حرف ابتداء ليس المعنى أنه يجب أن يكون بعدها المبتدأ والخبر، بل المعنى على الصلاحية، فـ (متى) كان بعدها المبتدأ، والخبر، أو جملة فعلية مصدرة بماض نحو قوله تعالى:«حتى عفوا» ، أو بمضارع مرفوع أطلق عليها حرف ابتداء، وإبدال الحاء عينًا لغة هذيلية، قرأ عبد الله بن مسعود:«ليسجننه حتى حين» وإمالة ألف حتى لغة يمنية.

(حاشا): ثبت عن العرب أنها تنصب، وتجر، وتقدم الكلام عليها في باب الاستثناء.

(أيمن): الجمهور على أنها اسم، فعند سيبويه اسم مفرد، وألفه ألف وصل، وعند الفراء جمع يمين، فالهمزة همزة قطع، وشذ الزجاج، والرماني، فذهب إلى أن (أيمن) حرف جر.

(لعل): لغة عقيل الجر بها، وتقدم ذكر ذلك في باب إن.

(لولا): الامتناعية إذا جاء بعدها ضمير، فيكون ضمير رفع منفصلاً كقوله تعالى:«لولا أنتم لكنا مؤمنين» ، والخلاف في رافعه كالخلاف في الاسم

ص: 1756

الظاهر ويجوز أن يأتي بعدها ضمير الجر، وأنكر ذلك المبرد، وقال الأستاذ أبو علي: اتفق أئمة الكوفيين والبصريين كالخليل، وسيبويه، والكسائي، والفراء على رواية (لولاك) عن العرب، فإنكار المبرد هذيان. انتهى.

ومذهب سيبويه أن الضمير مجرور الموضع، ومذهب الأخفش والكوفيين أنه مرفوع الموضع، استعير ضمير الجر لضمير الرفع، كما عكسوا في «ما أنا كانت» و «لا أنت كأنا» ، إذا قلنا في الضمير في (لولاك) مجرور، فذكر بعضهم أنها لا تتعلق بشيء وقال بعضهم: تتعلق بفعل واجب الإضمار، فإذا قلت لولاي لكان كذا، فالتقدير: لولا حضرت، فألزقت ما بعدها بالفعل على معناه من امتناع الشيء، ولا يجوز أن يعمل فيه الجواب، لأن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها، وكأنه لما رأى أن (لولا) إذا ارتفع ما بعدها كان الخبر واجب الإضمار جعل الفعل الذي يتعلق به (لولا) إذا ارتفع ما بعدها كان الخبر واجب الإضمار جعل الفعل الذي يتعلق به (لولا) واجب الإضمار، ونص أصحابنا على أنه لا يجوز حذف حرف الجر، وإبقاء عمله إلا إذا عوض منه، إلا في باب القسم على ما قرروه فيه، ويأتي إن شاء الله تعالى.

وتقدم في باب (كم) قول من قال: إن الخفض هو على إضمار (من) والخلاف فيه، وجعلوا قول العرب:«خير عافاك الله» جواب كيف أصبحت من الشاذ الذي لا يقاس عليه، وعند أصحابنا أن قوله:

.... لست مدرك ما مضى

ولا سابقًا شيئًا

....

ص: 1757

من باب العطف على التوهم، والعطف على التوهم لا ينقاس، وكذلك لا يقاس على قوله:

ألا رجل جزاه الله خيرًا

...

...

...

يريد ألا من رجل وعند ابن مالك: يقاس على هذا، وعلى الذي قبله، وقال ابن مالك: ويجر بغير (رب) أيضًا محذوفًا في جواب ما تضمن مثله نحو: زيد في جواب من قال: بمن مررت؟ وبلى زيد في من قال: ما مررت بأحدٍ وهل مررت بأحدٍ، وفي معطوف على ما تضمنه بحرف متصل نحو قوله:

... ....

وللطير مجرى والجنوب مصارع

أو منفصل (بلا) نحو قوله:

ما لمحب جلد أن يهجرا

ولا حبيب رأفة فيجبرا

ص: 1758

أو بلو نحو:

متى عذتم بنا ولو فئة منا

...

... ....

وحكى الأخفش في المسائل أنه يقال: جيء بزيد وعمرو، ولو كليهما، وأجاز في كليهما الجر على تقدير: ولو بكليهما، والنصب بإضمار ناصب، والرفع بإضمار رافع، أو في مقرون بعد ما تضمنه بالهمزة يقال: مررت بزيد فتقول: أزيد ابن عمرو، أو (هلا) يقال: تصدقت بدرهم فتقول: هلا دينار؛ وحكى هذه والتي قبلها الأخفش في المسائل قال: وهذا كثير أو (إن)، أو الفاء الجزائيتين نحو: مررت برجل إن لا صالح فطالح على تقدير: إن لا أمر بصالح، فقد مررت بطالح حكاه يونس، وأجاز: امرر بأيهم هو أفضل إن زيد وإن عمرو، وعلى معنى: إن مررت بزيد، وإن مررت بعمرو، وقال سيبويه: وهو قبيح، وجعل سيبويه إضمار الباء بعد إن، لتضمن ما قبلها إياها، أسهل من إضمار (رب) بعد الواو، فعلم بذلك اطراده عندهم قال ابن مالك: ويقاس على جميعها، خلافًا للفراء في جواب نحو: بمن مررت، فإنه لا يجيز زيد بالجر، بل بالباء.

وجميع هذه المسائل التي ذكر ابن مالك: أنه يجوز الجر فيها على إضمار الحرف ينبغي أن يتثبت في القياس عليها، وقال: وقد يجر بغير ما ذكر كقوله:

ص: 1759

.

...

...

... حتى تبذخ فارتقى الأعلام

و:

...

... ....

أشارت كليب بالأكف الأصابع

و:

...

...

... .... وأما خلة فثمان

أي إلى الأعلام، وإلى كليب، وإما لخلة.

وفي البسيط: فأما من قال: مررت بزيد، فتقول في الاستثبات إذا حذفت الفعل: أبزيد؟ ولا يجوز غيره، وهو مخالف لما قرره ابن مالك من جواز: أزيد بن عمرو؟ ولمن قال: مررت بزيد، فتحذف حرف الجر بعد الهمزة.

ص: 1760

وقال العرب: لاه أبوك يريدون: لله أبوك حذف لام الجر وأل، وهو شاذ لا يقاس عليه ثم قالوا: لهي أبوك، قلبوا، وأبدلوا من الألف ياء كما قالوا: في قلب قفا: قوف، ووجه: جاه، والفتح للبناء كأين، فصارت اللام في لهي لام الكلمة، ولا يلزم في القلب أن يكون المقلوب على مثال المقلوب منه، وزعم ابن ولاد: أن قولهم: «لاه أبوك» محذوف من إلاه ثم قالوا: لهي أبوك قلب، وشبهت الألف الزائدة بالمنقلبة عن الأصل، وزعم المبرد أن المحذوف لام التعريف، ولام الأصل والباقية لام (الجر)، وقد نص سيبويه على أن هذه اللام الباقية هي الأصلية، وأن المحذوف لام الجر ولام التعريف، وقد استدل سيبويه ببناء لهي.

وإنما بني لتضمنه معنى حرف الجر، ولا يجوز الفصل بين حرف الجر ومجروره، وقد سمع شيء من الفصل، وذلك في ضرورة الشعر نحو قوله:

...

...

... وليس إلى منها النزول سبيل

أي إلى النزول منها، وقوله:

إن عمرًا لا خير في اليوم عمرو

...

... ....

وقوله:

...

...

... ألا رب منهم من يعيش بمالكا

ص: 1761

وقوله:

...

...

... واقطع بالخرق الهبوع المراجم

أي لا خير في عمرو اليوم، وألا رب من يعيش منهم، وأقطع الخرق بالهبوع، ومن أقبح الفصل قول الشاعر:

وأسعدنه ربنا لا تشقه

ولا على النار تسلط رقه

أراد ولا تسلط النار على رقه، وندر في النثر الفصل بين الباء ومجرورها بالقسم، حكى الكسائي: اشتريته والله بدرهم.

ص: 1762