المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القسم القسم مصدر غير جار على أقسم، إذ قياسه إقسام، - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌باب القسم القسم مصدر غير جار على أقسم، إذ قياسه إقسام،

‌باب القسم

القسم مصدر غير جار على أقسم، إذ قياسه إقسام، والحلف والإيلاء استعمل منها حلف، وآلى، والألية ليست خارجة على آلي، واليمين ليس منها فعل جار، ولا غيره، إذ هي اسم للجارحة، ثم سمي القسم بها، وينحصر الكلام في ذلك في رسم القسم وفي المقسم به، وفي حروف القسم، وفي المقسم عليه، وفيما يتلقى به القسم.

فأما القسم، فهو جملة يؤكد بها جملة أخرى خبرية غير تعجبية، وأعني بجملة في اللفظ نحو: أقسمت بالله أو في التقدير نحو: بالله أي أقسمت بالله، والجملة تشمل الجملة الإنشائية نحو: أقسمت، والخبرية نحو «وأقسموا بالله جهد أيمانهم» هو خبر عما صدر عنهم من جملة الإنشاء، واحترز بقوله: يؤكد بها أخرى من نحو: قولهم: زيد قائم زيد قائم، فهذه ليست أخرى بل هي هي، واحترز بقوله خبرية من غير الخبرية، فإنها لا تقع مقسمًا عليها واحترز بقوله غير تعجبية من التعجبية فإنها لا تقع مقسمًا عليها وهي خبرية عند كثير من أصحابنا.

وأما من يقول: إنها إنشائية، فلا يحتاج إلى قوله غير تعجبية فأما قولهم: علمت لزيد قائم، وأشهد أنك لمنطلق يقولون في هذا إنه جملة قسمية لما جاءت

ص: 1763

توكيدًا، وتثبيتًا أطلق عليها قسمية، وقد تلقى علمت وعاهدت وأوثقت بما يتلقى به القسم الصريح وقال تعالى:«قالوا نشهد إنك لرسول الله» ، ثم قال تعالى:«اتخذوا أيمانهم جنة» ، وقال الفراء في قوله تعالى:«وتمت كلمة ربك لأملأن» صار «وتمت كلمة ربك يمينًا» كما تقول: حلفى: لأضربنك وبدا لي لأضربنك، وقال سيبويه: يعلم الله، قال الأستاذ أبو علي: ليس في هذا قسم لا ملفوظ به، ولا مقدر، لكنه لما أشبه القسم من جهة أنه تأكيد للخبر الذي بعده أجيب بجوابه، قال ابن خروف: دخول القسم في علم، ويعلم لا يكون إلا مع اسم الله تعالى، ولا يوجد ذلك إلا بالسماع، وما ضمن معنى القسم من نحو: علمت، وأشهد، فقيل: الجملة في موضع المفعول لعلمت، وأشهد، وقيل: ليست معمولة، لأن القسم لا يعمل في جوابه، وهذا مضمن معناه فلا يعمل، فإن كانت معلقة، ولم تضمن معنى القسم، فهي في موضع معمول، ولا بد انتهى.

أو تبدل في الجملة الصريحة من فعلها المصدر قسمًا وألية نحو:

ألية باليعملات

ونحو:

قسمًا لأصطبرن

...

...

...

...

ص: 1764

وما في معناه نحو:

يمينًا لنعم السيدان

....

...

...

وقضاء الله لأقومن، ويقينًا لأشربن وقال تعالى:«قال فالحق والحق أقول لأملأن» فهذه كلها نابت مناب أقسم.

والمقسم به كأن المقسم يريد تحقيق ما أقسم عليه وتثبيته، فإن كان مقصوده الحنث أقسم بغير معظم نحو قوله:

وحياة هجرك غير معتمد

إلا ابتغاء الحنث في الحلف

ما أنت أحسن من رأيت ولا

كلفى بحبك منتهى كلفي

أقسم بحياة هجرها، وهو غير معظم عنده، رغبة في أن يحنث، فيموت هجرها، قال ابن عصفور: إلا أن القسم على هذا الطريق يقل.

وحروف القسم: الباء والواو، والتاء، واللام، ومن، وأيمن، في مذهب الزجاج، وهو قول مخالف لإجماع البصريين والكوفيين، وحروف التعويض،

ص: 1765

وتقدم ذكرها في حروف الجر، ويجوز حذف الفعل مع الباء، وتدخل على الظاهر، والمضمر فتقول: بك لأنصرن يا رب أي أقسم بك، ولا يظهر الفعل مع الواو فتقول: والله لأقومن، وأجاز ابن كيسان إظهاره فتقول: حلفت والله لأقومن، ولا يظهر مع التاء، ولا مع اللام، وقال قطرب: التاء لا تدخل إلا في موضع واحد بمعنى التعجب، أو القسم فالتعجب تالله ما أكرم زيدًا، والقسم تالله ما علمت هذا، واللام: لله ما أكرم زيدًا، ولا يجوز حذف الحرف، إلا إن كان الباء فقط، فيجوز حذفه، وحذف الفعل وإذا حذفا جاز نصب المقسم به، ورفعه، ورووا:

فقالت يمين الله مالك حيلة

...

...

....

بنصب «يمين الله» ورفعه، فالرفع على أن التقدير: قسمي يمين الله، والنصب قال الفارسي: لما حذف الحرف وصل إليه فعل القسم المضمر، فنصبه، وأجاز ابن خروف، وتبعه ابن عصفور هذا الوجه، وأن ينصب بفعل مضمر يصل بنفسه تقديره:«ألزم نفسي يمين الله» ، وإذا نصب لفظ الله فقلت: الله لأفعلن، فيجوز عند ابن خروف أن يكون الأصل «ألزم نفسي يمين الله» فحذف يمين، وأقيم المضاف إليه مقامه.

الأحسن عندي في نصب يمين الله، ونظائره أن ينصب بفعل متعد إلى واحد، فيكون التقدير: والتزم يمين الله، وفي نصب (الله) أن يكون التقدير: أحلف بالله،

ص: 1766

فلما حذفا معًا، وصل الفعل المحذوف إلى اللفظ بنفسه فنصبه، وإذا كان المقسم به لفظ الله جاز جره، قال ابن مالك: بهمزة مفتوحة تليها ألف نحو: آالله لأفعلن، وأصحابنا يعبرون عن هذه الهمزة بهمزة الاستفهام، وليس استفهامًا حقيقة، أو ها محذوفة الألف، أو ثابتة، مع وصل الألف، أو قطعها، فتجيء صور أربع: هألله، وها الله، وها ألله وهالله، وأصحابنا يعبرون بها للتنبيه، وقد يستغنى في التعويض بقطعها بقول القائل: والله لأخرجن وتقول: أفأ الله ليخرجن، وإن شئت فألله بغير همز الاستفهام، فهمزة القطع عوض عن الحرف.

وقال المبرد: أفأ الله: ألف وصل معاقبة لحرف القسم والفاء للعطف، والألف التي قبلها للاستفهام، ولا تكون ألف الوصل معاقبة لحرف القسم إلا ها هنا، كأن قائلاً قال: لك هذه الدارلي: فقلت أنت مستفهمًا عاطفًا على كلامه بالفاء: أفأ الله لقد كان كذا وكذا ولك أن تقول: فاآلله وتجعل ألف اللام بدلاً من حرف القسم، ولم تأت بألف الاستفهام، فإذا أدخلت الواو فهي حرف قسم، فلا يجوز أن تثبت ألف اللام معها. انتهى.

ولا تستعمل هذه الأعواض إلا في اسم الله تعالى، ولا يجوز معها إلا الجر، فلو جئت بشيء من هذه الأعواض الثلاثة، فيما يقسم به من غير لفظ الله، وحذفت حرف الجر الموضوع للقسم لم يكن إلا النصب تقول: العزيز لأفعلن، ويجوز جر لفظ الله دون عوض حكاه سيبويه، والأخفش وغيرهما تقول: الله لأفعلن، وأجاز بعضهم رفعه فتقول: الله لأقومن، وحكاه الفراء ومنعه بعضهم.

ص: 1767

ومذهب البصريين: أن المقسم به إذا حذف منه الحرف بلا عوض، ولم ينو المحذوف جاز نصبه كائنا ما كان، وقيل: لا يجوز فيه إذ ذاك إلا النصب إلا في لفظ الله فيجوز الجر، وأجاز الكوفيون فيه إذ ذاك الجر والرفع، ولا يجوز النصب عندهم إلا في حرفين: كعبة الله، وقضاء الله قال:

لا كعبة الله ما هجرتكم

إلا وفي النفس منكم أرب

ولا يجوز: تالله وعمرو لأذهبن، ولاها الله وأخيك لأنطلقن؛ لأن التاء، وألف الاستفهام، وهاء التنبيه لا تقع على غير الله تعالى، وأنت إذا عطفت أوقعتها على زيد وعمرو، وأخيك، فإن جعلت الواو للقسم جاز على ما فيه من البعد، وقد لحق لفظ الله في القسم وغيره أنواع من التصرفات قالوا: وله لا أفعل ذلك، ووله لا أفعل كما قالوا: لاه أبوك، ووله، ووله أبوك، ولهي أبوك، وقالوا: له ربي يريدون: الله ربي، وأجاز بعض البصريين تابعًا للكوفيين: الجر في كل اسم يقسم به إذا حذف الحرف، وحكى الجرمي: أن من العرب من يضمر حرف الجر مع كل قسم، ومذهب الأخفش: أن الجر بالعوض نفسه، وهو اختيار ابن عصفور، وابن أبي الربيع، ومذهب غيره أنه بالحرف المحذوف الذي صار

ص: 1768

هذا عوضًا عنه، وهو اختيار ابن مالك تابعًا لمذهب الكوفيين في ذلك، فإن ابتدأ في الجملة الاسمية بمتعين للقسم وجب حذف البخر، والمتعين هو: لعمرك وأيمن لم يستعملا مقرونين باللام إلا في القسم، والتقدير: لعمرك ما أقسم به، وهذه اللام لام الابتداء، قيل: وليست لام قسم محذوف، قيل: لأن القسم لا يدخل على القسم، وقد جاء قوله تعالى:«وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى» . فاللام جواب قسم محذوف، وهو قسم جوابه «إن أردنا إلا الحسنى». وإذا عرى من اللام جاز نصبه تقول: عمر الله وعهد الله، وإن كان غير متعين للقسم جاز حذف الخبر تقول: على عهد الله ويمين الله تلزمني، فيجوز حذف (على) ويلزمني، وقد نص سيبويه وحكى: على عهد الله لأفعلن، فأظهر الخبر، خلافًا لمن أنكر إظهاره من المتأخرين، وحكاية سيبويه ترد عليه، وإذا كان المحذوف منه اللام عمرًا جاز ضم عينه فتقول عمر الله لأفعلن كذا، ودخول الباء عليه قال الشاعر: أنشده ابن مالك.

رقى بعمركم لا تهجرينا

...

...

ص: 1769

وليس بقسم، وقال أبو جعفر بن النحاس إذا قلت: عمر الله، أو عمرك جاز الرفع والنصب، وقد يجوز الخفض بجعل الواو للقسم تقول: وعمرك. انتهى.

وقال:

...

...

...

ولا عمرو الذي أثنى عليه وما رفع

برفع (عمرو) ونصبه، ويلزم إضافة عمر إلى ظاهر أو إلى مضمر مع اللام، ودون اللام وفي معنى (عمر) قولان:

أحدهما: مذهب البصريين أنه بمعنى البقاء يقال: طال عمرك وعمرك والتزموا فتح العين مع اللام في القسم، فالمجرور بعده فاعل والمصدر مضاف إليه.

والثاني: ما ذهب إليه بعض الكوفيين، والهروي أنه مصدر ضد الخلو من عمر الرجل منزله، والمقسم يريد تذكير القلب بذكر الله تأكيدًا للصدق فيه، وقال به السهيلي، فإن كان المتعين للقسم (أيمن)، فمذهب سيبويه أن همزته همزة وصل، ولذلك تسقط في الدرج، ومذهب الفراء أنه جمع يمين، وهمزته همزة قطع، لكنهم يحذفونها لكثرة الاستعمال، ومذهب الزجاج، والمراني: أن (أيمن) حرف لا اسم، وهو قول شاذ، والتفريع على مذهب الجمهور، فـ «أيمن الله» في القسم ملتزم فيه الرفع على الابتداء هكذا استعملته العرب، وخبره واجب الحذف، وذهب ابن درستويه إلى أنه يجوز أن يجر بواو القسم، قال: ما عدا الباء والواو والتاء أسماء يقسم بها، وتدخل عليها الواو

ص: 1770

إلا من ربي، ومن ربي، وام الله فتقول: وأيمن الله، ويمين الله، وعهد الله، ولا تدخل على من ربي ولا ام الله، إنما هي أيمن حذفت منه الهمزة والياء، فأشبهت حروف المعاني لما حذفت، فلا تدخل عليها الواو.

وقد يضاف (أيمن) إلى الكعبة والكاف والذي، تقول: أيمن الكعبة لأقومن، وفي الحديث «وأيم الذي نفسي بيده» ، ومن كلام عروة بن الزبير «ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت ولئن أخذت لقد أبقيت» ، وزعم الفارسي أنها لا تضاف إلا إلى الله، والكعبة، وقد سمع إضافتها إلى غيرهما أنشد الكسائي:

ليمن أبيهم لبئس العذرة اعتذروا

وحكى المفضل عن العرب: ليمين الله بكسر النون إذا لقيها ساكن، فإن لم يلقها ساكن سكنت النون، وعلى هذا فتكون مبنية، وسبب بنائها هو السبب في فتح همزتها وهو شبه الحرف، وقد تصرفت العرب في (أيمن) تصرفا كثيرًا لكثرة استعمالهم لها، قالوا فيها (إيمن) بكسر الهمزة وضم الميم، و (إيمن) بكسر الهمزة وفتح الميم، و (أيمن) بفتح الهمزة والميم، و (أيم) بفتح الهمزة وضم الميم، وحذف النون عن تميم، و (إيم) بكسر الهمزة بعدها ياء وضم الميم، وحذف النون عن سليم، وضمة الميم في هاتين اللغتين علامة رفع، وروى

ص: 1771

(إيم الله) بكسر الهمزة بعدها ياء وكسر الميم، وكسرة الميم جر عند الأخفش بحرف قسم مقدر نحو: الله لأقومن، وقيل هو مبني على السكون في لغة من بناها على السكون، وكسرت الميم لالتقاء الساكنين، و «هيم الله» بإبدال الهمزة هاء كما قالوا: هياك في إياك، وعن بعض العرب «إم الله» بكسر الهمزة والميم، وعن بعضهم «أم الله» بفتح الهمزة وكسر الميم، و «أم الله» بفتحهما، و «إم الله وإم الله» بكسر الهمزة وضم الميم وفتحها، و (من الله) بضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما و (م) الله بميم مضمومة، و (م) الله بميم مكسورة، حكاهما الكسائي، والأخفش وسئل رجل من بني العنبر ما الدهدران؟ فقال:«م ربي الباطل» ، وحكى الهروي: م الله بفتح الميم، وقال الأخفش: وهو مبني لأن الاسم إذا كان على حرف واحد لم يعرب، وزعم بعض النحاة: أن (من وم) بلغاتهما حرفان وليستا بقية (أيمن)، وبه قال المبرد قال: تقول: من الله، ومن ربي لأفعلن إنما دخلت اللام، ومن في القسم، لأن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض نحو: فلان بمكة وفي مكة، ومذهب سيبويه أن (م) و (أيم) و (من) وبقية اللغات أصلها أيمن، وزعم بعضهم أن (م) المفردة بدل من واو القسم، وزعم بعضهم أن (الواو) بدل من الباء، وبعضهم أن (التاء) بدل من الواو.

وزعم السهيلي أن (واو) القسم هي في الأصل (واو) العطف، ولا يقوم دليل على صحة شيء من هذه المذاهب، ولو كان أصلها العطف لم يدخل عليها واو العطف في قول الشاعر:

ص: 1772

أرقت ولم تخدع لعيني هجعة

ووالله ما دهري بعشق ولا سقم

وحكى أبو الحسن في ألف (أيمن) القطع، وحكى سيبويه الوصل، وحكى بعضهم عن أبي الحسن: أن همزة (ايم) همزة وصل، وهمزة (إيم) همزة قطع، وقال الأستاذ أبو علي: أيمن مغير كـ (امرئ)، و (ابن)، فلا يطالب بوزنه، كما لا يطالب بوزن (امرئ)، إذ ليس في الكلام مثله، قال ابن طاهر: هو مغير عند سيبويه من يمين، وقال غيره: بل هو مغير من (فعل) اسم مشتق من اليمن كـ (امرئ) مغير عن (مرئ)، وقال الأخفش: إن سميت بـ (أيمن) ثم صغرته قلت: يمين قال ابن خروف: وهو قول صحيح: وقد يخبر عن اسم الله مقسما به نحو:

لك الله لا ألفي لعهدك ناسيًا

...

...

...

وبعلى نحو قوله:

... ....

ألا فعلى الله أوجد صابيا

ص: 1773

أي لا أوجد صائبًا، وقد يبتدأ بالنذر قسما نحو:

علي إلى البيت المحرم حجة

...

...

ثم قال:

لقد منحت ليلى المودة غيرنا

...

...

ومن أيمان العرب: لا والذي وجهي زمم بيته أي نحو بيته، ولا ومجرى إلا لاهة وهي الشمس، لا ومجرى إلاهة ممنوع الصرف علمًا، ويقولون قسما لأفعلن ذاك، ويمينًا، وألية، ونحبا، وعهدا، ونذرا، وموثقًا، وميثاقًا، وحقًا، ولحقا، وليمينًا، ولقسمًا، ولحق أفعل، يرفعون بغير تنوين، وبإصر وبأصر، ليكونن ذاك، ومعنى (بأصر) حتم لازم، لا والذي أكتع له، ومعنى (أكتع): أؤكد، وتقول عقيل: حرام الله، كقولهم: يمين الله.

والحروف التي يتلقى بها القسم في الإثبات هي اللام، وإن زعم الأخفش أن القسم يجوز أن يتلقى بلام (كي)، وأجازه أبو علي في العسكريات، ورجع عنه في البصريات، والتذكرة، نحو قوله:

ص: 1774

إذا قلت قدني قال بالله حلفة

لتغنى عني ذا إنائك أجمعا

وزعم بعض القدماء من النحويين، أنه قد يتلقى ببل نحو قوله تعالى:«ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق» ، وزعم ابن عصفور: أن (أن) من الحروف التي تربط القسم بالمقسم عليه إن كانت الجملة الواقعة جوابًا لـ (لو) وما دخلت عليه نحو قوله:

أما والله أن لو كنت حرًا

...

...

وقد رد عليه ذلك الأستاذ أبو الحسن بن الضائع، ونص سيبويه على أن (أن) في جواب القسم، كاللام الأولى في «والله لئن فعلت لأفعلن» ، فليست الرابطة للجواب بالقسم، وقد رجع ابن عصفور إلى ما قال سيبويه، وقال سيبويه: ووجه آخر تكون في (أن) لغوا قال: نحو قولك: لما أن جاء، وأما

ص: 1775

والله أن لو فعلت لأكرمتك انتهى، والذي أهذب إليه أنها مخففة من الثقيلة، وقررنا ذلك في الشرح، واللام التي تتلقى بها مفتوحة، ففي الجملة الاسمية نحو: والله لزيد فاضل، وأن مشددة نحو: والله إن زيدًا قائم، والمخففة، والسماء والطارق ثم قال:«إن كل نفس لما عليها حافظ» ، ولم يذكر أصحابنا الاستغناء في الجملة الاسمية عن اللام أو عن (أن)، وذكر ابن مالك أنه قد تسوغ الاستطالة الحذف، ويحسن كما في قول الشاعر:

ورب السموات العلى وبروجها

والأرض وما فيها المقدر كائن

أي للمقدر كائن، وينبغي أن يحمل ذلك على الندور، بحيث لا يحسن ولا يقاس عليه، وما ذهب إليه بعض النحاة من أنه لا يتلقى (بأن)، إلا إذا كان في خبرها اللام ليس بصحيح، ولا يجوز دخول لام القسم على (أن)، ولا على (أن)، ويجوز دخولها على (كأن)، ومنه قول الأعرابي:«وما هذه القنمة والله لكأنا على حششة» ، القنمة: الرائحة الرديئة، والحششة: جمع حُشّ.

وفي الجملة الفعلية إن كانت مصدرة بماض جامد فاللام، ولم تدخل عليه قد نحو:

يمينًا لنعم السيدان وجدتما

...

...

...

أو متصرف جاز دخولهما فتقول: والله لقد قام زيد، ويجوز أن لا تدخل قد نحو قوله:

ص: 1776

حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا

...

...

وقال بعض العرب: والله لكذب زيد كذبًا ما أحسب الله يغفره له ويجوز قد دون اللام نحو قوله تعالى: «قد أفلح من زكاها» جوابًا لقوله تعالى: «والشمس وضحاها» ، ويجوز أن لا يدخلا كقوله تعالى:«قتل أصحاب الأخدود» جوابًا لقوله تعالى: «والسماء ذات البروج» وقد تدخل اللام على ماضي اللفظ مستقبل المعنى كقوله تعالى: «ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا» أي ليظلن، وعلى (ربما)، وما بعدها ماضي اللفظ مستقبل المعنى نحو قوله:

لئن نزحت دار لليلى لربما

غنينا بخير والديار جميع

وعلى معمول الماضي نحو قوله:

لعمري لقد ما عضني الجوع عضة

...

...

ص: 1777

وقال ابن عصفور: إن كان قريبًا من زمان الحال دخلت اللام، وقد، وإن كان بعيدًا فاللام وحدها، أو بمضارع حال، ففي المسألة خلاف، فمن النحاة من أجاز فيقول: والله ليقوم زيد، وقد جاء هذا التركيب في الشعر، وبه استدل من يجيزه، ومنهم من منع، وقال: إذا أريد القسم على فعل الحال أنشئ من المضارع اسم فاعل، وصير خبرًا للمبتدأ، ثم يقسم على الجملة الاسمية نحو: والله لزيد قائم وقال ابن أبي الربيع: وأما في الإيجاب، فترد الجملة الفعلية اسمية فتقول: إن زيدًا يقوم الآن، وقد تأتي قليلاً نحو: والله ليقوم زيد، والله لقد يقوم زيد كما قال:

كذبت لقد أصبى على المرء عرسه

...

... ....

أو بمستقبل مقرون بحرف التنفيس، وهو سوف فاللام نحو: قوله تعالى «ولسوف يعطيك ربك» أو السين واللام أيضًا نحو: والله لسيقوم زيد، هذا مذهب البصريين، قاسوا السين على سوف ولم يسمع، ولا يجيز ذلك الفراء،

ص: 1778

أو مفصول بين اللام والمستقبل بالمعمول، أو بقد فاللام وحدها نحو قوله تعالى:«ولئن متم أو قتلتم لإلي الله تحشرون» ، وقولك: والله قد أقوم غدًا، أو لم يفصل فلا بد من اللام، ونون التوكيد خفيفة أو شديدة نحو قوله تعالى:«ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه» هذا مذهب البصريين، وتعاقب اللام والنون عندهم ضرورة.

وذهب الكوفيون، وتبعهم الفارسي إلى جواز تعاقبهما في الكلام فتقول: والله ليقومن زيد غدًا، ووالله يقومن زيد.

وحروف النفي التي يتلقى بها القسم ما، ولا، و (إن)، وقال ابن مالك: وقد يصدر بـ (لن)، وبـ (لم) نحو قوله:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أواري في التراب دفينا

وحكى الأصمعي أنه قيل لأعرابي: ألك بنون قال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، وقال: ندر نفي الجواب بـ (لن)، وبـ (لم)، وزعم ابن جني أنه قد يتلقى القسم بـ (لن)، وبـ (لم)، في الضرورة، وكان أبو عبد الله محمد بن خلصة الكفيف يجيز أن يتلقى القسم بـ (لم)، ورده عليه ابن السيد، وحكاه ابن الدهان عن بعضهم، ثم الجملة المنفية الواقعة جوابًا للقسم، إما أن تكون

ص: 1779

اسمية، أو فعلية، إن كانت اسمية، فتنفي بما نحو: والله ما زيد قائم، والنظر يقتضي أن تنفى بـ (إن) كما تفنى بها لو لم تكن جوابًا، نحو قوله تعالى:«إن عندكم من سلطان بهذا» فتقول: والله إن زيد قائم، ولا تنفى بـ (لا)، وزعم ابن مالك أنها تنفى بـ (لا)، إلا أنه إذا قدم الخبر، أو كان المخبر عنه معرفة لزم تكرارها في غير الضرورة نحو: والله لا في الدار رجل، ولا امرأة، ولعمري لا أنا هاجرك ولا مهينك.

وفي النهاية: الجملة الاسمية تنفيها بما على اللغتين وبـ (لا) نحو: لا رجل في الدار، ولا يجب تكرارها، لأنك أعملتها، وبـ (لا) التي لا تعمل نحو: والله لا زيد في الدار ولا عمرو، ولأنك لم تعملها، وبـ (لا) التي تعمل عمل ليس نحو: والله لا رجل أفضل منك، وبـ (إن) نحو: والله إن زيد قائم انتهى.

وإن كانت الجملة فعلية مصدرة بماضٍ نفي بـ (ما)، وبـ (إن)، وبـ (لا)، إن أريد به الاستقبال نحو: والله ما قام زيد، ودخول اللام على (ما) ضرورة، ولا يجيزه ابن السراج: والله لما قام زيد، وقد جاء في شعر النابغة، ووالله إن قام زيد وقوله:

ردوا فوالله لاذدناكم أبدًا

ما دام في وردنا ماء لوراد

ص: 1780

وقال المؤمل:

حسب المحبين في الدنيا عذابهم

بالله لا عذبتهم بعدها سقر

وفي النهاية: يجوز: والله قام زيد، يريد: والله لا قام زيد، لأن لو كان إيجابًا لم يخل من اللام، أو (قد) أو كليهما. انتهى، أي لا نذودكم أبدًا، ولا تعذبهم، وقوله تعالى:«ما تبعوا قبلتك» أي ما يتبعوك، وقوله:«إن أمسكهما من أحد من بعده» أي إن يمسكهما من أحد، وإن كان مضارعًا، نفي بـ (ما)، وفي جواز حذف (ما) خلاف، والصحيح المنع، وإن كان مستقبلاً نفي بـ (لا)، ثم إن كان جواب قسم ملفوظ به، أو مقدر جاز حذف (لا) كقوله تعالى:«قالوا تالله تفتؤا تذكر» وكقول الشاعر:

وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم

تلاقونه حتى يئوب المنخل

أي والله لا تلاقونه، فإن كان النفي بـ (لا) دخلت عليه نون التوكيد، كقوله:

تالله لا يحمدن المرء مجتنبًا

فعل الكرام، وإن فاق الورى حسبا

ص: 1781

فلا يجوز حذف (لا)، والأكثر أن لا يؤكد بالنون كقوله تعالى:«وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت» .

وزعم ابن مالك أنه يجوز حذف ما في الجملة الاسمية، و (ما) في الفعل الماضي لأمن اللبس، واستدل بما لا دليل فيه، وتقول: والله لولا زيد لخرجت، والله لو قام زيد لقام عمرو، فجواب (لو) و (لولا) محذوف، وجواب القسم هو هذا المذكور وهو: لخرجت ولقام عمرو، ويلزم مضى جواب القسم لدلالته على جواب (لو) و (لولا) المحذوف، وجوابهما ماضي، ولا فرق في حذف جوابهما بينه وبين حذف أداة الشرط إذا اجتمع هو والقسم، وتقدم القسم على الشرط، فإن الجواب يكون للقسم لا للأداة، كقوله تعالى:«لئن أخرجوا لا يخرجون معهم» ، فجواب (إن) محذوف، ولا يخرجون جواب القسم المقدر قبل لئن.

وكلام ابن مالك يقتضي اضطرابًا زعم أن الجملة المصدرة بـ (لو)، وجوابها هي الجملة المقسم عليها، وأنها واقعة جوابًا للقسم، وكذا (لولا) فإذا قلت: والله لولا زيد لأكرمتك، أو والله لو قام زيد قام عمرو، كانت هذه الجملة نفس جواب القسم قال: ويصدر في الشرط الامتناعي بـ (لو) أو (لولا)، وأصحابنا لا يسمون (لو) ولا (لولا) شرطًا، إلا إن كانت (لو) بمعنى (إن)، وأما إن كانت تعليقًا في الماضي فليست شرطًا، وزعم في الفصل الأول من باب عوامل الجزم: أن جواب القسم محذوف إذا تقدم القسم على (لو)، أو على (لولا)، يغني عنه جواب (لو) و (لولا)، وقد أطلنا الكلام في ذلك في كتابنا

ص: 1782

شرح التسهيل، وتدخل لام التوطئة على (لولا) في الشعر، وإن لم يقدر قبلها قسم محذوف كانت اللام جوابًا لها، فإن كان الفعل جوابًا منفيًا لم يجز حذف القسم، ويأتي توالي الشرطين أو أكثر في باب جوازم المضارع إن شاء الله تعالى.

والذي يتكلم فيه هنا هو اجتماع القسم والشرط، فنقول: إذا اجتمعا فإما أن يتقدم عليهما ما يطلب خبرًا، أو لا إن لم يتقدم، فالجواب للسابق منهما مثال سبق القسم: والله إن زرتني لأكرمتك، ومثال سبق الشرط: إن تزرني والله أكرمك، ويحذف جواب ما تأخر منهما لدلالة جواب ما أثبت جوابه منهما، وإذا أغنى جواب القسم عن جواب الشرط لزم أن يكون جواب القسم مستقبلاً، لأنه مغن عن مستقبل ودال عليه، ولزم أن يكون فعل الشرط بصيغة الماضي أو منفيًا بـ (لم)، فلا يجوز أن تقول: والله إن يقم زيد لأقومن «ولا والله إن لا يقم زيد لأقومن» ، ولا والله إن قام زيد لقمت، إلا أن يكون الماضي وقع موقع المستقبل كقوله تعالى:«ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرًا لظلوا» أي ليظن وهو قليل.

وزعم الفراء، وتبعه ابن مالك: أنه يجوز أن يكون الجواب للشرط مع تقدم القسم عليه فتقول: والله إن قام زيد يقم عمرو، فيستغنى بجواب الشرط عن جواب القسم، ويكون جواب القسم محذوفًا لدلالة جواب الشرط عليه؛ وإن تقدم على القسم والشرط طالب خبر، فالجواب لأداة الشرط دون القسم، وسواء تقدم القسم على الشرط، أم تقدم الشرط على القسم مثال ذلك: زيد والله إن

ص: 1783

يزرنا نزره، وزيد إن زيرنا والله نزره، وهل الحكم لجواب الشرط على سبيل التعيين، أو الجواز [فقال ابن مالك هو على سبيل التحتم، وقال غيره: على سبيل الجواز، فيجوز] عند قائل هذا أن يقول: زيد والله إن قام يقم عمرو، وزيد والله إن قام ليقومن عمرو.

وأجاز بعضهم أن يحذف جواب الشرط والقسم، ويكون ذلك الفعل مرفوعًا خبرًا عن المبتدأ فتقول: زيد والله إن أكرمته يكرمك، وزيد إن أكرمته والله يكرمك، وفي كتاب سيبويه:«أنا والله إن تأتني لا آتك» [لأن هذا الكلام مبني على أنا: ألا ترى أنه حسن أن تقول: أنا والله إن تأتني آتك] انتهى.

وليس في كلامه ما يدل على تحتم، بل ظاهره الجواز لقوله: ألا ترى أنه حسن، وإذا تقدم على القسم وحده ما يطلب صلة، وما يطلب خبرًا جاز أن يبني ما بعده على طالب الخبر، وطالب الصلة، وجاز أن ينبني على القسم، فإذا بنيت على طال بالجزاء والصلة القسم وجوابه: زيد والله يقوم، وجاءني الذي والله يقوم، وزيد والله ليقومن، وجاءني الذي والله ليقومن، ويجوز أن تقع الجملة القسمية جوابًا للشرط نحو: إن تزرني فوالله لأكرمنك.

ص: 1784

وأجاز ابن السراج أن تنوي الفاء فيعطي القسم المؤخر بنيتها ما أعطى بلفظها فتقول في: إن تقم فيعلم الله لأزورن:: إن تقم يعلم الله لأزورنك، على تقدير الفاء، فلو لم ينو الفاء ألغى القسم لتقدم الشرط عليه فقيل: إن تزرني يعلم الله أزرك.

وإذا صرح بالقسم السابق على أداة الشرط، أو أضمر جاز أن تدخل على الأداة لام مفتوحة تسمى الموطئة، والمؤذنة، وسواء أكانت الأداة إن، أو غيرها هذا مذهب البصريين، وزعم الفراء أن هذه اللام لما دخلت على الشرط، أجيب الشرط بجواب القسم، فمن المصرح فيه بالقسم، قوله تعالى:«وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن» ومن إضمار القسم: «لئن أخرجوا لا يخرجون معهم» ومن دخولها على غير (إن) قوله:

ولما رزقت ليأتينك سيبه

...

...

...

وقوله:

لمتى صلحت ليقضين لك صالح

...

...

ص: 1785

ويجوز حذف هذه اللام قال سيبويه: ولا بد من هذه اللام مظهرة، أو مضمرة. انتهى، ومن إضمارها قوله تعالى:«وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا» ، وقوله تعالى:«وإن أطعتموهم إنكم لمشركون» وقوله تعالى: «وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» ، وقوله تعالى:«وإن قوتلتم لننصرنكم» .

وقال الشاعر:

فإن لم تغير بعض ما قد صنعتم

لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه

لم يقل: فلئن، فإذا لم يكن في الكلام ما يدل على أن القسم محذوف قبل أداة الشرط، بأن يكون الفعل المقدر جوابًا منفيًا، وهو يصلح أن يكون جواب الشرط، أو دليلاً عليه منويًا به التقديم وجب إثبات اللام مثال ذلك: إن قام زيد لا يقوم عمرو أو لم يقم عمرو، ففي مثل هذا إذا كان القسم منويًا قبل الأداة أتيت باللام فقلت: لئن قام زيد لا يقوم عمرو أو لم يقم عمرو.

وجواب القسم: إن كان بـ (ما)، أو بـ (إن)، أو بـ (اللام)، داخلة على جملة اسمية فلا يجوز أن يتقدم معمول لما بعدها عليها، أو بـ (لا) داخلة على المضارع ففي جواز التقديم خلاف، منهم من أجاز تقديم المعمول مطلقًا من ظرف، ومجرور، ومفعول على (لا)، ومنهم من منع ذلك مطلقًا، وهو الصحيح، أو باللام داخلة

ص: 1786

على المضارع المؤكد بالنون، وأطلق ابن مالك الجواز، فقال: إن تعلق بجواب القسم جار ومجرور، أو ظرف، جاز تقديمه عليه ومثل بقوله تعالى:«قال عما قليل ليصبحن نادمين» وبوقهل:

... ....

...

...

عوض لا نتفرق

ونصوص أصحابنا على أنه لا يجوز أن يتقدم ما بعد اللام عليها مطلقًا، وفي البسيط: وهذه اللام لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وقد أجازه الفراء، وأبو عبيدة ومنه قوله تعالى:«قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم» جوزوا في الأول أن يكون منصوبًا بـ (لأملأن) كأنه قال: لأملأن حقا، والصواب أنه منصوب بفعل القسم، أما اللام فمعنى لام الجواب وليست لام الابتداء. انتهى.

ص: 1787

ولقد شبه بعض الشعراء (إذ) بـ (إن) فأدخل عليها هذه اللام قال:

غضبت علي بأن شربت بجزة

فلإذ غضبت لأشربن بخروف

وقد يجاء بـ (لئن)، بعدما يغني عن الجواب، فيحكم بزيادة اللام نحو: قول عمر بن أبي ربيعة:

ألمم بزينب إن البين قد أفدا

قل الثواء لئن كان الرحيل غدا

أي إن كان فاللام زائدة، وفي النهاية: إن زيدًا ليقومن والله، ليس (ليقومن) جواب والله هذا، بل جواب قسم محذوف، لأن جواب القسم لا يتقدم عليه، ولا يجوز زيدًا لأضربن، ويجوز إن زيدًا عمرًا ليضرب، وأجاز الكوفيون تقديمه إذا كان ظرفًا نحو: فيك لأرغبن، وعليك لأنزلن، والحال يجري مجرى الظرف، فإذا كانت معمولة للفعل الذي هو جواب القسم، جاز تقديمها عليه. انتهى.

ويستغنى للدليل كثيرًا بالجواب عن القسم، قال ابن مالك: لوقوعه بعد لقد، أو بعد (لئن)، أو مصاحبًا بلام محذوفة، ووجدت بخطى إن ذلك لا يجوز إلا بشرط أن يكون الجواب باللام، أو بـ (إن) فليس يحذف القسم إذا كان متلقي بحرف غيرهما كـ (ما)، و (لا)، و (إن)، وقد اختلف في نحو: لزيد منطلق من غير قسم في اللفظ، فالمنقول عن البصريين أنها ليست لام قسم، بل هي لام

ص: 1788

ابتداء، وقال الكوفيون: هي لام قسم وزعم ابن مالك: أنه قد يستغنى عن الجواب بمعموله قال لقوله تعالى: «يوم ترجف الراجفة» ، أي لتبعثن يوم ترجف الراجفة، ولا يتعين ما قاله في الآية، بل يحتمل وجوها، ولا يثبت مثل هذا الحكم بمحتمل، ويجوز أن يستغنى عن الجواب بقسم مسبوق ببعض حروف الإجابة، وهي (بلى)، و (نعم)، و (لا) ومراد فيها أي وأجل كقوله تعالى:«أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا» أي لهذا الحق.

وتقول لمن قال: أتفعل كذا: لا والله، ونعم والله، وإي والله، وأجل والله، وأما (إن) فقد تقدم لنا ذكر الخلاف فيها، أهي من حروف الإجابة؟ أو (لا)، وأما (جير)، فمذهب سيبويه أنها اسم، وقد تفتح راؤها، وذهب قوم إلى أنها حرف من حروف الإجابة، وقيل هي مصدر، والمعنى حقًا لأفعلن، وبنيت لقلة تمكنها، لأنها لا تستعمل إلا في القسم، وقيل ظرف، وبني لقلة تمكنه وكأنه قال: لا أفعل ذلك أبدًا، وقيل اسم فعل وبنيت، لأن الأصل على الكسر على أصل التقاء الساكنين، وجاء الجمع بين (أجل وجير) قال طفيل:

فقلن على البردي أول مشرب

أجل جير إن كانت رواء أسافله

وتكون بمنزلة (عوض)، وما ذكره الزجاجي من أن (عوض) يستعمل في القسم مذهب كوفي، والبصريون لا يعرفون القسم به.

ص: 1789

وقال صاحب (الملخص): يعوض من القسم، (عوض) اسم، وهو مبني على الضم، لقطعه عن الإضافة، أو على الفتح، لأنه أخف، ولا يقال: عوض والله لأفعلن، وإن جاء فقليل، وهو الأصل، وفيه الجمع بين العوض والمعوض منه، انتهى.

وقال بعض أصحابنا: وأما (عوض 9 و (جير) فمبنيان حذف منهما حرف القسم، فيجوز أن يحكم على موضعهما بالنصب بإضمار فعل، أو بالرفع على الابتداء، أو على خبر ابتداء بمضمر قياسًا على نظائرهما من الأسماء التي حذف منها حرف القسم، ومما جاء من جواب القسم بعد (جير) قوله:

قالوا: قهرت فقلت: جير ليعلمن

عما قليل أينا المقهور

وبعد (لا جرم) حكى الفراء أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت، وقد صرح بعض الأعراب بالقسم مع (لا جرم)، قال لمرادس: لا جرم والله لأفارقنك، فأما قوله تعالى:«لا جرم أن لهم النار» فـ (لا) عند الخليل، وسيبويه رد، و (جرم) فعل ماض فاعله «أن وما بعدها» المنسبك منهما المصدر، وقال الكوفيون:(لا) نافية، و (جرم) اسم لا، و (أن) على تقيدر (من) أي لا بد من كينونة النار لهم، و (إي) من حروف الإجابة، لا يعلم استعمالها إلا مع القسم كقوله تعالى:«قل إي وربي إنه لحق» .

ص: 1790

وإذا أخبرت عن قسم غيرك، فلك أن تقول: أقسم زيد ليضربن عمرًا، لك أن تحكي فتقول: لأضربن عمرا، والاستحلاف يجري مجرى اليمن، وفاعل الفعل في الجواب على حسب الفاعل في غيبة، وخطاب وتكلم نحو: والله ليقومن زيد، والله لتقومن، والله لأقومن، وفي الاستحلاف يجوز استحلفه ليفعلن، ولأفعلن هذا في الغائب، واستحلفك لتفعلن، ولأفعلن في المخاطب، واستحلفني لأفعلن في التكلم وتقول: والله والرحمن والرحيم لأضربن زيدًا، قالوا: والثانية والثالثة واو عطف، لا واو قسم، وتنزلت منزلة القسم الواحد فكان لها جواب واحد كقوله تعالى:«والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى» .

وإذا نويت بكل واحد من القسم، أتيت بواو العطف داخلة على واو القسم فقلت: والله لأفعلن، ووالله لأفعلن، وإذا استأنفت لم تجيء بواو العطف، قيل ذكر جواب الأول، كما لا يجوز مررت بزيد بعمرو، إلا بالتشريك، فكذلك هذا ولو اختلف حرف القسم لم تأت بالثاني حتى يوفى الأول جوابه، قال الخليل العرب لا تقولك تالله بالنبي لأفعلن كذا حتى توفى الأول جوابه فتقول: تالله لأفعلن، بالكعبة لأفعلن.

وقال أبو الحسن: يجوز أن تجمع أيمانًا كثيرة على شيء واحد، يعني، وإن اختلف الحرف لو قلت: والله، بالله، تالله لأفعلن لجاز كما تقول: والله والله لأفعلن، وقال الأستاذ أبو علي: تلخيص مذهب الخليل: أنه لا يجتمع مقسم بهما، إلا أن يكون الثاني هو الأول على التوكيد. انتهى.

وقالت العرب: «لاها الله ذا» ، فالخليل يقول: ذا من جملة المقسم عليه، والتقدير للأمر ذا، فحذف المبتدأ الذي دخلت عليه اللام، و (ذا) خبر عنه فجميع الكلام مقسم به، ومقسم عليه، ويستعمل هذا كلامًا.

ص: 1791

والأخفش يجعل (ذا) توكيدًا للقسم الثاني، و (ذا) مبتدأ خبره محذوف أي ذا قسمي أشار إلى قوله: لا ها الله، وجاء من كلامهم، لا ها الله ذا ما كان كذا، ويقولون: هاالله ذا لقد كان كذا، وهاالله ذا لتفعلن، وفي الحديث من كلام أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه:«لاها الله ذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل في سبيل الله فيعطي غير سلبه» فالظاهر في هذه المنقولات أنها جواب للقسم، وقال الأعلم: تقديره: لعمر الله هذا ما أقسم به، فوافق الأخفش، ومن انتصر للخليل جعل هذه المنقولات جواب قسم محذوف.

ص: 1792