المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌باب نعم وبئس

‌باب نعم وبئس

أوردوا الخلاف فيهما على طريقتين:

إحداهما: أن مذهب البصريين والكسائي أنهما فعلان، وذهب الفراء، وكثير من الكوفيين إلى أنهما اسمان، وعلى هذه الطريقة ذكر أكثر أصحابنا الخلاف فيهما.

والطريقة الثانية: أن الخلاف إنما هو بين الفريقين بعد إسناد نعم، وبئس إلى الفاعل، فذهب البصريون إلى أن (نعم الرجل) جملة، وكذلك (بئس الرجل)، وذهب الكسائي إلى أنهما اسمان محكيان بمنزلة (تأبط شرا) و (برق نحره).

فـ (نعم الرجل) عنده اسم للممدوح، و (بئس الرجل) اسم للمذموم وهما جملتان في الأصل، نقلاً عن أصلهما وسمى بهما، وذهب الفراء: إلى أن الأصل: رجل نعم الرجل زيد، ورجل بئس الرجل بكر، حذف الموصوف، وأقيمت الصفة مقامه، فنعم الرجل، وبئس الرجل رافعان لزيد وعمرو، وكما أنك لو قلت ممدوح زيد، ومذموم عمرو لكانا مرفوعين بهما، ونعم وبئس لإنشاء المدح والذم، ولا يعملان في مصدر، ولا ظرف، وقد يقطع الاستمرار بـ (كان) تقول: لقد كان نعم الرجل ويدل على الصيرورة فتقول: لقد صار نعم [الرجل، وأصلهما فعل وقد يردان كذلك، ويقال: نعم] وبئس بإسكان حرف الحلق، ونعم

ص: 2041

وبئس بكسر الفاء هو الكثير في السماع، وحكى الأخفش، وأبو علي (بيس) بفتح الباء، وإبدال الهمزة ياء على غير قياس، و (نعم وبئس) بكسر فاء الكلمة اتباعًا لحركة العين.

ويظهر أن تجويز هذه الأوجه بعضها بالسماع، وبعضها بالقياس، وهو نعم بفتح النون وسكون العين، وبأس كذلك، وبئس بكسرهما، وفي تعليقة الصفار أجاز السيرافي: بئس وبئس وبأس، والمسموع إنما هو بئس بالهمزة وتركه.

وسمع: نعيم الرجل زيد بالإشباع، وأجازوا في كل ما كان على وزن فعل فعلاً كان أو اسمًا، إذا كانت عينه حرف حلق الأوجه الأربعة التي في نعم نحو: سئم، وشهد، ونهم، وسخر، ووغر، ووحر، وفخذ، وفئر، ووحل وسهل، ووعر، وزعر، وذلك بشرطين: أن لا تكون العرب شذت في فكه نحو: (لححت عينه) أو اتصل بآخر الفعل ما يسكن له نحو: شهدت، أو كان اسم فاعل من فعل معتل اللام نحو: ضح من قولهم: ضحى الثوب ضحى، فهو ضح إذا اتسخ، وسخ من سخى البعير ظلع من وثوبه بالحمل الثقيل، فلا يجوز تسكين العين، وفاعل (نعم) و (بئس) ظاهر معرف (بأل) نحو:«نعم المولى» و «لبئس المهاد» أو مضافًا إلى ما هما فيه مباشرًا نحو: «ولنعم دار المتقين» «فلبئس مثوى المتكبرين» أو بواسطة نحو:

ص: 2042

فنعم ابن أخت القوم غير مكذب

...

...

و (أل) هذه ذهب الجمهور إلى أنها جنسية، فقال قوم: حقيقة، فالجنس كله هو الممدوح، وزيد مندرج في الجنس، لأنه فرد من أفراده، قال سيبويه: لأنك تريد أن تجعله من أمة كلهم صالح، وقال قوم: هي جنسية مجازًا جعلت (زيدًا) جميع الجنس مبالغة، وذهب قوم إلى أنها عهدية في الذهن لا في الخارج، وذهب قوم إلى أنها عهدية شخصية، وهو مذهب أبي إسحاق بن ملكون من أصحابنا، وأبي منصور الجواليقي من أهل بغداد، ومحمد بن مسعود من نحاة عزنة، ورجحه الأستاذ أبو عبد الله الشلويين الصغير، وقال خطاب لا يكفيى تصوره، بل وجوده في الخارج في أشخاص، و (أل) عنده جنسية قال لو قلت: نعمت الشمس هذه، ونعم القمر هذا لم يجز، فلو قلت: نعم الشمس هند، ونعم القمر زيد جاز على التشبيه، ولو قلت: نعم القمر ما يكون لأربع عشرة، ونعمت الشمس شمس السعود جاز، وقال أيضًا: وقد يجوز نعم الزيد زيد بن حارثة، ونعم العمر عمر بن الخطاب، لأنك أردت واحدًا من جماعة، فصار جيدًا حسنًا لكل من له هذا الاسم انتهى.

وإذا جاءت (ما) بعد (نعم وبئس)، فإما أن يكون ما بعدها اسم أو فعل، إن كان بعدها اسم نحو: بئس ما تزويج ولا مهر، ونعم ما زيد، فقيل مذهب البصريين أن (ما) تمييز نكرة غير موصوفة، وقد أضمروا في الفعل، والمرفوع بعد (ما)، هو

ص: 2043

المخصوص بالمدح أو بالذم، وقيل (ما) معرفة تامة فاعل بالفعل، وهو قول سيبويه، والمبرد، وابن السراج، والفارسي، وأحد قولي الفراء، وروى عن الكسائي، قال سيبويه في:(غسلته غسلا نعما) أي نعم الغسل وقال الكسائي في (بئس ما تزويج) بئس التزويج، وقال المبرد في (دققته دقا نعما) أي نعم الدق، وقال قوم منهم الفراء: ما بعد نعم وبئس كالشيء الواحد لا موضع لها من الإعراب، فالمرفوع فاعل (بنعما وبئسما)، ومن قال بئست المرأة هند لم يقل بئست ما هند، ومن أجاز: نعمت المنزل مكة لم يلزمه أن يقول: نعمت ما جاريتك، فتحصل فيما إذا جاء بعدها اسم ثلاثة أقوال: النصب على التمييز، والرفع على الفاعل، والتركيب مع الفعل فلا موضع لها من الإعراب.

وإن وقع بعد (ما) فعل نحو: نعم ما صنعت ففيها عشرة أقوال:

أحدها: أن يكون (ما) فاعلاً اسمًا تامة معرفة، والمخصوص محذوف والفعل صفة له: التقدير: نعم الشيء شيء صنعت، وهذا هو مذهب المحققين من أصحاب سيبويه.

الثاني: أن يكون (ما) نكرة منصوبة على التمييز، والفعل صفة لمخصوص محذوف التقدير: نعم شيئًا شيء صنعت.

الثالث: أن (ما) نكرة منصوبة على التمييز، والفعل بعدها صفة (لما)

ص: 2044

والمخصوص محذوف، وهو مذهب الأخفش، والزجاج وتبعهما الزمخشري.

الرابع: أنها موصولة والفعل صلتها، والمخصوص محذوف قاله الفارسي.

الخامس: أنها موصولة وهي المخصوص، وما أخرى تمييز محذوف التقدير: نعم شيئًا الذي صنعته، وهو قول الفراء.

السادس: أن (ما) تمييز، والمخصوص (ما) أخرى موصولة، والفعل صلة لما الموصولة المحذوفة، وهو قول الكسائي.

السابع: أنه لا حذف هنا و (ما) مصدرية، وتأويله: بئس صنعك، ولا يحسن في الكلام بئس صنعك حتى تقول: بئس الصنع صنعك، كما تقول: أظن أن تقوم، ولا تقول: أظن قيامك.

الثامن: ما ذكره ابن مالك عن الفراء، والفارسي أن (ما) فاعلة موصولة يكتفي بها وبصلتها عن المخصوص.

التاسع: أن (ما) كافة لنعم، كما كفت (ما) قل، فصارت تدخل على الجملة الفعلية.

العاشر: أن (ما) نكرة موصوفة مرفوعة، ويجوز أن يتبع فاعل (نعم) و (بئس) الظاهر بعطف وبدل، يجوز مباشرتهما لنعم وبئس، ولا يجوز وصفه عند البصريين وأجازه قوم منهم ابن السراج، والفارسي، ولا يجوز توكيده توكيدًا معنويًا باتفاق.

ص: 2045

وقال ابن مالك: ولا يمتنع التأكيد اللفظي فتقول: نعم الرجل الرجل زيد انتهى.

ومن ذهب إلى أن (أل) عهدية شخصية فلا يبعد أن يجيز: نعم الرجل نفسه زيد، وينبغي أن لا يجوز التأكيد اللفظي إلا بسماع من العرب.

وقال ابن أبي الربيع: لا يجوز أن يفصل بين نعم وفاعلها بشيء، ولا بظرف، ولا مجرور لا تقول: نعم في الدار الرجل زيد، ويجوز: نعم الرجل في الدار زيد، وفي البسيط: يصح الفصل بين الفعل والفاعل لتصرفه في رفعه الظاهر والمضمر، وعدم التركيب انتهى.

فإن كان معمولاً للفاعل نحو: نعم فيك الراغب زيد، فأجازه الكسائي، ومنع من ذلك الجمهور، وقد جاء في الشعر ما يدل على الجواز قال:

...

...

... وبئس من المليحات البديل

ووجدت في شعر العرب الفصل بـ (إذن) قال:

...

...

لبئس إذن راعي المودة والوصل

ص: 2046

وبالقسم قال:

بئس عمر الله قوم طرقوا

فقروا أضيافهم لحما وحر

وقال ابن الحاج في تعليقه على المقرب: قال الصيمري: أما أن تقدمه على التمييز نحو: نعم فيك راغبًا زيد فجائز بإجماع، قال ابن السراج وفيه نظر، وأما نعم طعامك آكلاً زيد فلا يجوز، وقال أبو علي في التذكرة:«نعم فيك الراغب زيد» فيك يتعلق بنعم انتهى.

ولا يكون فاعلها نكرة مفردة، ولا مضافة هذا مذهب سيبويه وعامة النحويين إلا في الضرورة، وأجاز ذلك الكوفيون، والأخفش، وابن السراج، ونقل الأخفش أن ناسًا من العرب يرفعون بهما النكرة المفردة.

ونقل في الأوسط: أن ناسا من العرب يرفعون بهما النكرة المفردة.

ونقل في الأوسط: أن ناسا من العرب يرفعون بهما النكرة إذا أضافوهما إلى نكرة يقولون: نعم أخو قوم أنت، فمن قال ذا قال: نعم أخو قوم، وصاحبهم أنت إذا جعلت الثاني نكرة، فإن جعلته معرفة لم يجز.

وقال الفراء: يجوز رفع النكرة المضافة إلى نكرة ونصبها تقول: نعم غلام سفر غلامك، ونعم غلام سفر غلامك، ومن كلام الحارث بن عابد:«نعم قتيل أصلح الله به بين ابني وائل» .

ص: 2047

وجاء في الشعر: كون الفاعل نكرة مفردة، ونكرة مضافة وأجاز بعض النحاة أن يكون الفاعل ما أضيف إلى ضمير ذي (أل) نحو:

فنعم أخو الهيجا ونعم شهابها

والصحيح المنع، وهذا يحفظ ولا يقاس عليه، وقالت العرب:(نعم رجلاً زيد) فذهب سيبويه، ومعظم البصريين إلى أن في (نعم) ضميرًا مستكنًا هو فاعل بـ (نعم)، و (رجلا) تمييز لذلك الضمير، وذهب الكسائي، والفراء أنه لا ضمير ثم، والفاعل بنعم هو زيد، والمنصوب عند الكسائي حال، وتبعه دريود.

وعند الفراء تمييز من قبيل المنقول، والأصل: رجل نعم الرجل زيد حذف رجل، وقامت صفته مقامه، ثم نقل الفعل إلى اسم الممدوح فقيل: نعم رجلا زيد، ويقبح عنده تأخيره، ويجوز عند الكسائي تأخير المنصوب فتقول: نعم زيد رجلاً، ويمتنع تقديمه عندهما على نعم.

وفي البسيط عن الكوفيين: أن انتصاب رجلا هو على التفسير للمدوح، ولا يقدرون فاعلاً، وكأنك قلت: زيد الممدوح رجلاً، وذهب ابن الطراوة إلى أنه لا إضمار في الفعل، وأن الفاعل محذوف، وقاله أبو سعد علي بن مسعود صاحب المستوفى قال: المشهور أن فاعل (نعم) محذوف بشريطة التفسير فكأن التقدير: نعم الرجل رجلاً زيد، انتهى.

ص: 2048

والقائلون بأن في (نعم) ضميرًا، والمنصوب بعده تمييزًا اختلفوا فمن قال:(أل) في نعم الرجل جنس اختلفوا هنا فقال بعضهم: الضمير هنا شخص كأنك قلت: زيد نعم هو رجلا وقيل هو جنس، ومن قال بأن (الرجل) أل فيه عهدية شخصية قال الضمير هنا شخص.

وإذا فرعنا على أن في (نعم) رجلاً زيد ضميرًا، فقالوا: يمتنع أن يعطف عليه، وأن يبدل منه، وأن يؤكد بضمير أو غيره لا يجوز: نعم هو رجلاً زيد، وأما ما روى من نحو: نعم هم قوما أنتم فشاذ، و (هم) تأكيد للضمير المستكن في نعم على المعنى، وهذا المنصوب بعد (نعم) تقدم الخلاف فيه أهو حال أو تمييز، والتفريع على أنه تمييز، وهو مؤخر عن (نعم)، وأما تأخيره عن المخصوص فتقول:(نعم زيد رجلا).

فذهب البصريون إلى المنع من ذلك، وذهب الكوفيون إلى جواز ذلك، وهو قبيح عند الفراء، وما روى من قول بعضهم: نعم زيد رجلاً شاذ، وقد منع سيبويه ذلك في كتابه، وشرط هذا التمييز أن يكون مبينا للنوع الذي قصد به المدح، أو الذم فلا يجوز: نعم غيرك زيد ونحوه مما هو متوغل في الإبهام كـ (مثل) و (أي)، وأن لا يكون فيه معنى المفاضلة فلا يجوز: نعم أفضل منك زيد، ولا نعم أفضل رجل، وألا يكون عاما في الوجود فلو قلت: نعم شمسا هذه الشمس، ونعم قمرًا هذا القمر لم يجز، فلو قلت: نعم شمسًا شمس هذا اليوم، ونعم قمرًا قمر هذه الليلة جاز، ويلزم ذكر هذا التمييز، ولا يجوز حذفه نص على ذلك سيبويه، وأجازه بعضهم على قلة.

ص: 2049

وقال بعض أصحابنا: (فبها ونعمت) شاذ، وخرجه ابن عصفور على تقدير: فبالرخصة أخذ، ونعمت رخصة الوضوء، وابن هشام على تقدير ونعمت الفعلة الآخذ بالسنة، ويجوز وصف هذا المفسر فتقول: نعم رجلا صالحا زيد، وقالوا: حسن إيمانًا نفعك، ورجح عقلاً ردعك قاله في البسيط.

وإذا كان المضمر مفسرًا بمؤنث، فنص أبو غانم في كتابه (المحلى) على إلحاق التاء فتقول: نعمت جارية جاريتك، وبئست جارية جاريتك، ونص خطاب على التخيير في ذلك فتقول: نعم جارية هند، وبئست جارية جمل، أجرى الضمير مجرى الظاهر المؤنث، تقول: نعم المرأة هند، ونعمت المرأة هند.

ونص ابن أبي الربيع، على أنها لا تلحق لا تقول: نعمت امرأة هند، إنما يقال: نعم امرأة هند، استغناء بتأنيث المفسر، وقال ابن أبي الربيع: لا يجوز الفصل بين نعم، وبئس ومفسر المضمر لا تقول: نعم في الدار رجلاً زيد، والصحيح جوازه قال تعالى:«بئس للظالمين بدلا» وأجاز المبرد، وابن السراج، والفارسي الجمع بين الفاعل الظاهر، والتمييز نحو: نعم الرجل

ص: 2050

رجلا زيد، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز، وبه قال السيرافي، وجماعة، واختاره ابن عصفور، ومما ورد من ذلك في النثر قول الحارث بن عباد:«نعم القتيل قتيلا أصلح بين بكر وتغلب» هكذا جاء قتيلا بالنصب، ومما ورد في النظم قول الشاعر:

نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت

رد التحية نطقًا أو بإيماء

وفصل بعض أصحابنا، فقال: إن أفاد التمييز معنى لم يفده الفاعل جاز الجمع بينهما نحو: نعم الرجل رجلاً فارسًا زيد، ولا يجوز دخول (من) على هذا التمييز لا يقال: نعم من رجل زيد، فإن جاء فضرورة، ولا يجوز أن يكون فاعل (نعم) و (بئس) موصولاً، نص عليه الجرمي في (الفرخ) وهو مذهب الكوفيين، وكثير من البصريين، وأجاز المبرد، والفارسي إسنادهما إلى الذي الجنسية، وجاء ذلك في كلام العرب قال الشاعر:

لعمري لئن أنزفتم أو هجرتم

لبئس الذي ما أنتم آل أبجرا

ص: 2051

وأجاز ذلك قوم في (من وما) الموصولتين، وظاهر قول الأخفش أنه يجيز (نعم الذي يفعل زيد)، ولا يجيز (نعم من يفعل زيد)، والضمير المرفوع بـ (نعم) المفسر بالنكرة عند سيبويه، والبصريين، مفرد دائمًا سواء أكان مفسرًا بمفرد أم مثنى أم مجموع، وأجاز قوم من الكوفيين تثنيته وجمعه مطابقًا للتمييز تقول: أخواك نعما رجلين، وقومك نعموا رجالاً، وروى ذلك الكسائي عن العرب، وحكى الأخفش عن بعض بني أسد:(نعما رجلين الزيدان)، ونعموا رجالاً الزيدون، ونعمت رجالاً، ونعمت نساء الهندات ثم قال: لا آمن أن يكون فيهم التلقين انتهى.

وروى نعم بها قومًا أي: نعم هم، زاد الباء في الفاعل، وقالوا: نعم عبد الله خالد، وبئس عبد الله أنا إن كان كذا، وشهدت صفين وبئست صفون، وخرج على حذف التمييز، ونعم وبئس مسندان إلى ضمير وعبد الله، و (صفون) هما المخصوص، وعلى هذا خرجه ابن مالك، لاعتقاده جواز

ص: 2052

حذف التمييز، وأجاز الجرمي أن يقاس على نعم عبد الله خالد فتقول: نعم عبد الله زيد، فـ (عبد الله) مرفوع بنعم، و (زيد) المخصوص.

وإن كان فاعل (نعم) مضافًا إلى الله وهو علم، ومنع ذلك عامة النحاة سواء كان عبد الله علمًا، أم كان واحدًا من العبيد أضيف إلى الله تعالى وجاء في الشعر:

بئس قوم الله قوم طرقوا

...

...

وجاء أيضًا ما ظاهره إسناد بئس إلى اسم الإشارة متبوعًا بذي اللام قال:

بئس هذا الحي حيا ناصرًا

...

...

...

والمخصوص بالمدح والذم يجوز حذفه إذا دل عليه الدليل نحو: قوله تعالى: «نعم العبد» أي أيوب، و «فنعم الماهدون» أي نحن، وذهب بعض المتأخرين إلى أنه لا يجوز حذفه إلا إذا تقدم ذكره، والأكثرون لم يشترطوا في جواز حذفه التقديم، ويجوز أن يذكر قبلهما مبتدأ نحو: زيد نعم الرجل، وزيد نعم رجلاً وجوزوا في قول من قال: باسمية نعم وبئس إعرابهما مبتدأ، والمخصوص الخبر والعكس.

وإذا كان (زيد) مبتدأ، فالجملة بعده في موضع الخبر، والعموم هو الرابط، لأن (أل) للجنس، وقال ابن السيد: الرابط هو: (هو) محذوف، فالتقدير:

ص: 2053

زيد هو نعم الرجل، وقال ابن الطراوة: نعم الرجل تحمل الضمير، لأن التركيب أصار الجملة اسمًا بمعنى الممدوح، أو المذموم، فتحمل الضمير الذي تحملاه، ومن قال بأن (أل) للعهد، جعل الرابط تكرار المبتدأ باسم هو المبتدأ من حيث المعنى، وإذا قلت: زيد نعم رجلاً فتجيء هذه المذاهب إلا مذهب ابن الطراوة، فالرابط هو الضمير الذي رفعته (نعم) و (بئس) ثم حذف.

وتدخل بعض النواسخ على هذا الاسم تقول: كان زيد نعم الرجل، وإن زيدًا نعم الرجل، وظننت زيدًا نعم الرجل، ويجوز أن تؤخر المخصوص بعد (نعم) و (بئس) فتقول: نعم الرجل زيد، فـ (زيد) مبتدأ والجملة قبله خبر عنه كحاله إذا تقدم هذا مذهب سيبوبه والأخفش، وقيل: خبر مبتدأ محذوف تقديره هو زيد، ونسب هذا إلى سيبويه، وقال به جماعة منهم الجرمي، والمبرد، والزجاج، وابن السراج، والسيرافي، والفارسي، وابن جني، والصيمري.

وأجاز جماعة أن يكون مبتدأ محذوف الخبر تقديره: زيد هو، أو زيد الممدوح، وذكر ابن عصفور أن هذين الإعرابين مذهب الجمهور، وذهب

ص: 2054

أبو سعد صاحب المستوفى: إلى أنه بدل من الرجل، قال: ولا يلزم أن يقال نعم زيد، لأنه قد يجوز في الاسم إذا وقع بدلاً ما لا يجوز فيه إذا ولى العامل، فإنهم قد حملوا: إنك أنت قائم على البدل، وإن كان لا يجوز إن أنت، وإن كان الرجل كليا، وزيد خاص، فيكون من بدل الاشتمال، انتهى.

وإن تأخر جاز أن يكون معمولاً لبعض النواسخ نحو: نعم الرجل كان زيد، ونعم الرجل ظننت زيدًا، فتكون الجملة في موضع خبر كان، وفي موضع المفعول الثاني لظن، والغالب كون المخصوص معرفة أو قريبًا من المعرفة بالتخصيص نحو: نعم الفتى رجل من قريش، وقالوا: نعم البعير جمل، ونعم الإنسان رجل، ونعم مالاً ألف، ونعم المال أربعون، والمخصوص يصلح الإخبار به عن الفاعل موصوفًا بالممدوح بعد نعم وبالمذموم بعد بئس، كقولك: في نعم الرجل زيد: الرجل الممدوح زيد، وفي بئس الولد العاق أباه، الولد المذموم العاق أباه قاله ابن مالك.

ولا يسوغ هذا إلا إذا رفع (نعم) و (بئس) الظاهر أما إذا رفع (المضمر) فلا يصلح ذلك فيه، بل يعتبر ذلك في التمييز، فإذا قلت: نعم رجلاً زيد، فالإخبار بما ذكر يكون في التمييز، فتقول: الرجل الممدوح زيد، وكذا في بئس، وما ذكره هو معنى ما ذكره أصحابنا من أن شرط المخصوص أن لا يكون أعم، ولا مساويًا، بل يكون أخص فلو قلت: نعم الرجل الإنسان، أو نعم الرجل المرء لم يجز، فإن باينة أول كقوله تعالى:«بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله» أي مثل الذين كذبوا، حذف (مثل)، وهو المخصوص بالذم وقام (الذين) مقامه، وقد يحذف المخصوص وتخلفه صفته اسمًا نحو: نعم الرجل حليم كريم أي رجل حليم كريم، أو فعلاً.

ص: 2055

قال ابن مالك: ويكثر ذلك إذا كانت الصفة فعلا نحو: نعم الصاحب تستعين به، فيعينك، أي: رجل تستعين به، وهذه المسألة فيها خلاف أجاز ذلك الكسائي، وأجاز:(نعم الرجل عندي)، ومنع ذلك فيها أكثر النحاة، وأما قوله:

بئس مقام الشيخ أمرس أمرس

فأول على أن التقدير مقام مقول فيه، أو يقال فيه أمرس، أمرس، حذف المخصوص وصفته، وأبق متعلق الصفة وهذا في غاية الشذوذ، وإذا كان المذكر كنى به عن مؤنث، أو المؤنث كنى به عن مذكر، جاز أن يعامل معاملة ما كنى به عنه تقول: هذه الدار نعمت البلد، وهذا البلد نعم الدار، ويجوز في الأول نعم البلد، وفي الثانية: نعمت الدار، وترك التاء أجود إذا كان الفاعل مذكرًا قد كنى به عن مؤنث، والأحسن في نعمت الجارية أختك التاء، وكذا في التثنية وترك التاء أحسن في الجماعة من النساء: نحو: نعم النساء أخواتك.

ويلحق (بنعم وبئس) في الأحكام (فعل) موضوعًا كـ (لؤم)، و (ظرف)، أو محولاً من فعل وفعل إلى (فعل): عقل، وبخس، فيثبت لـ (فعل) أحكام (نعم وبئس)، ويصير المتعدى من فعل، وفعل بالتحويل إلى فعل لازمًا نحو: ساء الرجل زيد، ونص النحاة على أن العرب شذت في ثلاثة أفعال، فلم تحولها واستعملتها استعمال نعم وبئس، وهي (علم وجهل

ص: 2056

وسمع): علم الرجل، زيد، وجهل الرجل بكر، وسمع الرجل خالد، إذا أرادوا المبالغة في علمه، وجهله، وسمعه، كذا قال الكسائي: أنه يجوز أن يبنى على (فعل) إلا في هذه الأفعال الثلاثة، ومن النحويين من أجاز فيها سمع وجهل وعلم بضم عين الكلمة، وقال خطاب الماردي في كتاب الترشيح: إن تعجبت من الرباعي فصاعدًا، أو الألوان والعاهات، فإنهم عدلوا فيه عن الأصل في هذا الباب، واستغنوا فيه بأفعل الفعل فعله تقول: أشد الحمرة حمرته، وأسرع الانطلاق انطلاقه، وأفحس الصمم صممه، وكان القياس أن يقولوا: لفحش الصمم صممه، ولشدة الحمرة حمرته، فيرفعونه من حيث رفعوا لكرم الرجل زيد، ولكنهم استغنوا عنه بما ذكرت لك انتهى.

وإذا استعمل (فعل) هذا لمدح أو ذم، فمذهب الفارسي وأكثر النحويين إلحاقها بباب (نعم وبئس) فقط، فتثبت له جميع أحكام (نعم وبئس)، وذهب الأخفش، والمبرد أنه يجوز إلحاقه بباب التعجب، وحكى الأخفش الاستعمالين له في الكبير عن العرب تقول: حسن الرجل، ولحسن زيد في معنى ما أحسنه، وكيفية بناء فعل جارية مجرى نعم وبئس أو مرادًا بها التعجب، إن كان صحيح العين واللام، وأجريته مجرى نعم: نحو: حسن الوجه وجهك، فيجوز فيه إقرار ضمه العين وتسكينها ونقلها إلى فاء الكلمة، وإن أجريته مجرى فعل التعجب جاز الضم والتسكين، ولا يجوز النقل تقول: لحسن الرجل في معنى ما أحسنه.

وإن كان مضاعفًا فالإدغام تقول: لحب الرجل، ويجوز النقل إلى الفاء نحو: لحب الرجل زيد، وإن كان معتلهما من باب قوة قلبت الضمة كسرة واللام ياء نحو: لقوى الرجل زيد، أو من باب شوى قلبت الياء واوًا، وتفعل به ما فعلت بباب قوة فتقول: لشوى الرجل زيد، ويجوز التسكين فيهما فتقول: لقوى ولشوى، ولا تدغم.

ص: 2057

وإن كان معتل العين نحو: جاد وباع لزم قلبها ألفًا، فتقول: إذا كان حسن القول والبيع: قال الرجل زيد، وباع الرجل بكر، وإن كان معتل اللام على فعل وصفا نحو: سرو قلت: سرو الرجل زيد، ويجوز التسكين، أو على فعل أو فعل نحو: رمى، وغزا، وخشى، ولهى، فذهب الجمهور إلى تحويلهما إلى فعل، فتظهر (الواو) في ما أصله الواو نحو: غزو، وتنقلب الياء فيما أصلها ياء واوًا فتقول: رمو وخشو، ولهو، وإذا سكنت عين الكلمة مما لامه (ياء)، لم ترد اللام إلى أصلها من الياء، وذهب بعض النحاة إلى أن هذا النوع يقر على حاله فتقول: لرمى الرجل زيد، ولغزى الرجل بكر، وذكره أبو بكر في الأصول عن الكسائي، وذكر سيبويه والأخفش وغيرهما القلب فيه.

وقالت العرب: لقضوا الرجل زيد، ويجوز دخول اللام على فعل كان مستعملاً استعمال نعم، أو مرادًا به التعجب، وإذا كان (فعل) مرادًا به التعجب جاز جرّ فاعله بالياء نحو: حسن بزيد رجلاً، تريد: ما أحسن زيدًا رجلاً، حكى الكسائي عن العرب:«مررت بأبيات جدن أبياتا، وجاد بهن أبياتا» .

وفاعل (فعل) هذا يكون معرفة، ونكرة وكثر جره بالباء في الشعر، ويضمر على وفق ما قبله من إفراد وتثنية وجمع نحو: زيد لكرم وهند لكرمت، والزيدان كرما رجلين، والزيدون كرموا رجالا تريد معنى ما أكرم.

وقال خطاب: اللام لام قسم، ويجوز حذفها: كرم الرجل، وشرف الغلام يعني ما أكرمه وما أشرفه، ولا يقع هذا الفعل في التعجب إلا على ما فيه ألف ولام خاصة في قول الأخفش ومن وافقه، وقد رأيت في كتاب المقتضب لأبي العباس أنه يجيء: كرم زيد، وشرف عمرو، وهو يريد التعجب ولا أدري ما قوله.

ص: 2058