المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب عطف النسق - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب عطف النسق

‌باب عطف النسق

تابع بأحد الحروف، ولا يحتاج إلى حد، والنسق عبارة الكوفيين، وأكثر ما يقول سيبويه باب الشركة، وهذه الحروف على قسمين متفق عليه، ومختلف فيه، المتفق عليه أنه من حروف العطف الواو، والفاء، وثم، وأو، وبل، ولا، ويأتي تفصيل أحكامها إن شاء الله تعالى.

والمختلف فيه (لكن)، و (إما)، و (إلا)، و (ليس)، و (أي)، و (حتى)، و (أم)، و (لولا)، و (هلا)، ومن الأدوات (كيف) و (متى)، و (أين)، أما (لكن) ففيها خمسة مذاهب:

أحدها: أنها ليست بحرف عطف، وهو مذهب يونس، بل هي حرف استدراك والعطف بالواو وتقول: ما قام سعد ولكن سعيد، ولا تزر زيدًا ولكن عمرًا.

الثاني: أنها حرف عطف، وهو مذهب أكثر النحويين منهم الفارسي فتكون عاطفة، ولا تحتاج إلى الواو تقول: ما قام زيد لكن عمرو، وما ضربت زيدًا لكن عمرًا، وما مررت بزيد لكن عمرو.

الثالث: أنها عاطفة بنفسها، ولا بد في العطف بها من الواو قبلها، والواو زائدة قبلها إذا عطفت، وهو اختيار ابن عصفور.

والرابع: أن العطف بها وأنت مخير بين أن تأتي بالواو، وألا تأتي بها وهو قول ابن كيسان.

ص: 1975

والخامس: أن العطف هو من عطف الجمل لا من عطف المفردات، والواو هي العاطفة، فإذا قلت: ما قام سعد ولكن سعيد، فالتقدير: ولكن قام سعيد وكذلك في النصب، وفي الترشيح: ولو قلت ما قام زيد ولكن عمرو لم يجز، لأنه لا يجمع بين حرفي عطف انتهى.

وأما (إما) وهي التي تدخل عليها الواو، فذكر ابن مالك: أن مذهب يونس، وابن كيسان، وأبي علي: على أنها ليست بحرف عطف، وأن العطف بالواو لا بـ (إما) إذا قلت: قام إما زيد، وإما عمرو، وذكر ابن عصفور اتفاق النحويين على أن (إما) ليست من حروف العطف لا الأولى ولا الثانية انتهى.

وقد عد سيبويه (وإما) في حروف العطف، وحمل بعضهم كلام سيبويه على ظاهره فقال: الواو رابطة بين إما الثانية وبين (إما) الأولى، وقال بعض المتأخرين: الواو عطف إما على (إما)، وإما (الثانية) عطفت الاسم على الاسم الذي بعد (إما) الأولى، وقال الرماني (إما) الثانية حرف عطف، وتأول بعض النحاة كلام سيبويه بأنه لما كانت صاحبة المعنى، ومخرجة للواو عن الجمع، والتابع يليها سماها عاطفة مجازًا، وأما (إلا): فذهب الأخفش، والفراء إلى أنها

ص: 1976

قد تكون حرف عطف، وجعل الأخفش من ذلك قوله تعالى:«لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم» ، وأجاز الفراء في قوله تعالى:«خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك» أي وما شاء ربك.

وذهب الجمهور إلى أن (إلا) لا تكون حرف عطف، وفي محفوظي أن أحمد بن يحيى ذهب إلى أنها حرف عطف في مثل: ما قام القوم إلا زيد، وما ضربت القوم إلا زيدًا، وما مررت بالقوم إلا زيد.

وأما (ليس) فحكى النحاس، وابن بابشاذ عن الكوفيين أنهم ذهبوا إلى أنها قد تكون حرف عطف، وحكاه ابن عصفور عن البغداديين، وقال أبو جعفر النحاس: قال هشام: ضربت عبد الله ليس زيدًا، وقام عبد الله ليس زيد، ومررت بعبد الله ليس بزيد، لأنك لا تضمر المرور والباء، ولا يجيز حذف الباء، ولا يجيزون: إن زيدًا ليس عمرًا قائم، لأنهم يضمرون العامل بعد الاسم، فيجيزان: زيدًا ليس عمرًا إن قائم، ولو قلت: ظننت زيدًا ليس عمرًا قائم جاز عندهم، لأن ظننت تعمل فيما قبلها، والعطف بـ (ليس) عند البصريين خطأ، وقال ابن كيسان: قال الكسائي: هي على بابها ترفع اسمًا وتنصب خبرًا، وأجريت في النسق مجرى (لا) مضمرًا اسمها فإذا قلت: رأيت زيدًا ليس عمرًا، ففيها اسم مجهول، وهو الأمر، ورأيت محذوفة اكتفاءً بالتي تقدمها، وعمرو محمول على المحذوف لا على العطف على ما قبله. قال ابن كيسان: وهذا الذي أذهب إليه، لأن ليس فعل، ولا بد للفعل من اسم، فإذا عملت في اسم فلا بد من خبر، والخبر حذفه جائز انتهى.

ص: 1977

وفي الحقيقة ليست (ليس) عندهم أداة عطف، لأنهم أضمروا الخبر في قولهم: قام زيد ليس عمرو، وفي النصب والجر جعلوا الاسم ضميرًا لمجهول، وأضمروا الفعل بعدها، وذلك الفعل المضمر في موضع خبر ليس، هذا تحرير مذهبهم، فليس يعطف مفردًا على مفرد على ما يفهم من كلام ابن عصفور، وابن مالك، وهشام، وابن كيسان أعرف بتقدير مذهب الكوفيين منهما.

وأما (أي) فذهب الكوفيون، وتبعهم ابن السكاكي الخوارزمي من أهل المشرق، وأبو جعفر بن صابر من أهل المغرب إلى أنها حرف عطف تقول: رأيت الغضنفر أي الأسد، وضربت بالعضب أي السيف، والصحيح أنها حرف تفسير يتبع بعدها الأجلي للأخفى، وهو عطف بيان يوافق في التعريف والتنكير ما قبله.

وأما (حتى): فذهب الكوفيون إلى أنها ليست بحرف عطف، وإنما يعربون ما بعدها بإضمار، والعطف بها رواه سيبويه، وأبو زيد، وغيرهما عن العرب لكن ذلك لغة ضعيفة، ولذلك قال أبو الحسن في الأوسط له: زعموا أن قومًا يقولون: جاءني القوم حتى أخوك، وضربت القوم حتى أخاك وليس بالمعروف.

وأما (أم): فذكر النحاس فيها خلافًا، وأن أبا عبيدة ذهب إلى أنها بمعنى الهمزة فإذا قال: أقام زيد أم عمرو فالمعنى أعمرو قام، فتصير على مذهبه استفهامين، وقال محمد بن مسعود الغزني في كتابه المسمى البديع: أما (أم)

ص: 1978

فعديل همزة الاستفهام، وليس بحرف العطف، ولذلك تقع بعدها جملة مستفهم عنها كما بعد الهمزة نحو: أضربت زيدًا أم قتلته، وأبكر في الدار أم خالد أي: أم خالد فيها، ولتساوى الجملتين بعدهما في الاستفهام حسن وقوعها بعد سواء، وإذا كان معنى الهمزة معنى [أم] أي: الأمرين، فكيف تكون حرف العطف، لكنه من حيث يتوسط بين محتملي الوجود لتعيين أحدهما بالاستفهام كتوسط (أو) بين اسمين محتملي الوجود قيل أنه حرف عطف انتهى.

وأما (لولا): فحكى أحمد بن يحيى عن الكسائي أنه أجاز: مررت بزيد فلولا عمرو بحذف الباء، وأتى ذلك الفراء، ولولا هذه هي التحضيضية.

وأما (هلا)، فذهب الكوفيون إلى أنها من أدوات العطف قالوا: تقول العرب: جاء زيد فهلا عمرو، وضربت زيدًا فهلا عمرًا، فمجيء الاسم موافقًا للأول في الإعراب دل على العطف، والصحيح أنها ليست من أدوات العطف والرفع، والنصب هو على إضمار الفعل بدليل امتناع الجر في نحو: ما مررت برجل فهلا امرأة.

وأما (كيف) فذهب هشام إلى أنها حرف نسق، وزعم أنه لا ينسق بها إلا بعد نفي وأجاز: مررت بزيد فكيف بعمرو وقال يونس: امرر على أيهم

ص: 1979

أفضل إن زيد وإن عمرو، يعني إن مررت بزيد، وإن مررت بعمرو، قال سيبويه: وهذا يشبه قول النحويين: (ما مررت بزيد فكيف أخيه) قال: وهذا رديء لا تتكلم به العرب، وزعم يونس أن الجر خطأ، ونسب ابن عصفور: العطف بكيف للكوفيين، وقال ابن بابشاذ: لم يذهب إلى العطف بـ (كيف) إلا هشام وحده.

وأما (متى) فحكى ثعلب عن الكسائي أنه أجاز: مررت بزيد فمتى عمرو بالجر ومنع ذلك الفراء كالبصريين، وأما (أين) فذهب الكوفيون إلى أنها من أدوات العطف وقالوا: قالت العرب هذا زيد أين عمرو.

ص: 1980