المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب النواصب للفعل المضارع المعرب - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب النواصب للفعل المضارع المعرب

‌باب النواصب للفعل المضارع المعرب

فمن ذلك (أن)، وهي ثنائية الوضع، وهي التي توصل بالماضي، خلافًا لابن طاهر في زعمه أنها غيرها، فهي على مذهبه مشتركة أو متجوز بها، وتخلص المضارع للاستقبال، خلافًا لمن زعم أ، ها قد تأتي غير مخلصة له.

قالوا: وتوصل بالأمر نحو: كتبت إليه بأن قم، وبالنهي نحو: كتبت إليه بأن لا تفعل، وتقدم شيء من الكلام على هذا في باب الموصول.

ولما كانت مع ما بعدها تتقدر بالاسم، وقعت مبتدأة نحو: قوله تعالى: «وأن تصوموا خير لكم» ، وخبرًا نحو: الأمر أن تفعل كذا، ولا يكون المبتدأ إلا مصدرًا؛ فإن كانت جثة تؤول، ومعمولة لحرف ناسخ نحو: إن عندي أن تخرج، وإن الرأي أن تخرج، ولا بد أن يكون أحد الجزئين مصدرًا، إلا في (لعل) فيجوز أن يكون جثة نحو: لعل زيدا أن يخرج، حملا على عسى، قيل: ولا يصح أن تقع (أن) في موضع الاسم والخبر فيها فيقال: إن أن يقوم زيد، إلا في ليت: فإنه يجوز ذلك فيها لتأويلها بأتمنى، وقد حملت (لعل) عليها، فهذا يقتضي أن يجوز: ليت أن يقوم زيد، ولعل أن يخرج بكر، ولا أحفظ ذلك إلا في

ص: 1637

(أن) المشددة؛ فإنه يجوز أن تقول: ليت أن زيدًا قائم، وأما في (لعل) فأجاز الأخفش: لعل أ، زيدًا أن يخرج قياسًا على ليت، والسماع إنما ورد في ليت وأن المشددة.

فإن كان الحرف غير ناسخ، وكان جارًا؛ فإنه يجوز مطلقًا كان الفعل المتعلق به الحرف قلبيًا أو غير قلبي، ويكثر حذف الحرف إذا لم يلبس نحو: ما منعك أن تأتينا، ولا تلبث أن تأتينا، وحكى سيبويه «أنعم أن تشده» أي من أن تأتينا، وعن أن تأتينا، وفي أن تشده، وإنه أهل أن يفعل، ومستحق أن يفعل، وخليق أن يفعل، وأصلها اللام.

وكذلك المفعول من أجله نحو: «أن تضل إحداهما» ولو حذف الحرف، وكان ما قبله يصلح أ، يضاف إلى «أن والفعل» جاز نحو:«هو أهل أن يفعل» ، خلافًا لابن الطراوة؛ فإنه لا يجوز عنده أن يضاف إلى (أن) ومعمولها والسماع يرد عليه.

حكى الثقات: «مخافة أن يفعل» بالإضافة، وإن كانت معمولة لفعل ناسخ، فيجوز أن تقع اسمًا لكان، وخبرًا لها وفي موضع الأول لظن، وفي موضع الثاني لها نحو: كان أن تقعد خيرًا من قيامك، وتكون عقوبتك أن أعزلك، وظننت أن تقوم خيرًا من أن تقعد، إلا في بعض أفعال المقاربة، فإن (أن) لها حكم ذكر هناك.

ص: 1638

ولا تسد (أن) مسد الاسم والخبر في باب كان، وتسد في ظن وأخواتها، ومذهب الجمهور، وسيبويه، والأخفش، وأبي علي: أن علم الباقية على موضعها لا تقع (أن) بعدها إنما تقع (أن) المشددة، وأجاز ذلك الفراء، وابن الأنباري فتقول: علمت أن يخرج زيد، فإن أول بالظن جاز ذلك نحو: ما علمت إلا أن تقوم المعنى: ما أشرت إليك إلا بأن تقوم.

وذهب المبرد إلى أن (أن) التي تنصب المضارع لا تقع بعد لفظ العلم أصلاً انتهى.

وامتنع علمت أن تقوم، وجاز علمت زيدًا سيقوم، وعلمت زيدًا يقوم غدًا، وإذا استعملت ظن لليقين، وليتها أن المشددة، وأن المخففة منها، وللترجيح فيجوز أن يليها (أن) الناصبة للمضارع نحو: ظننت أن يخرج زيد، والغالب على حسب أن تكون للشك، فالأكثر أن يليها أن الناصبة كقوله تعالى:«أحسب الناس أن يتركوا» ، «أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا» .

ص: 1639

وقد تأتي المشددة كقوله تعالى: «وهم يحسبون أنهم يحسنون» والمخففة منها نحو: «وحسبوا ألا تكون» في قراءة من رفع تكون، ومعمولة لفعل غير ناسخ، فأما أن يكون الفعل جزمًا أو غير جزم، إن كان جزمًا قلبيًا لم يجز إلا بحرف جر نحو: عرفت بأن تقوم، ويجوز حذف الحرف.

وإن كان غير قلبي لم يصح فيه (أن)، لا يجوز أن تقول: فعلت أن تقوم تريد القيام، وإن كان غير جزم جاز نحو: طلبت منك أن تقوم، وأردت أن تخرج سواء كان طلبيًا، أم اعتقاديًا نحو: بدا لي أن تقوم.

والمشهور المتقرر أن ما قبل (أن) إن كان فعل تحقيق نحو: علم وتيقن، وتحقق فهي المخففة من الثقيلة، أو صالحًا لليقين، والترجيح جاز أ، تليه (أن) الناصبة للمضارع والمخففة من الثقيلة، وإن كان عاريًا منهما فكذلك نحو: أحببت أن تقوم، وإنك تقوم، وأن لا تقوم، وكرهت أن تقوم، وأنك تقوم وأن لا تقوم.

وفي إجراء الخوف مجرى العلم لتيقن المخوف، فيليه أن المخففة من الثقيلة خلاف، فتقول: خفت أن لا تقوم، وخشيت أن لا تكرمني بالرفع، ذهب سيبويه والأخفش إلى جواز ذلك.

ص: 1640

وذهب المبرد إلى أنه لا يجوز أن يتقدم معمول معمولها عليها نحو: يعجبني زيدًا أن تضرب قال ابن مالك: خلافًا للفراء فأطلق، وقال ابن كيسان: أجاز الكوفيون والكسائي، والفراء، وهشام، وغيرهم من الكوفيين تقديم بعض هذا في أماكن، فأجازوا: طعامك أريد أن آكل، وطعامك عسى أن آكل، وكأن (أن) عندهم مجتلبة بأريد وعسى، وكان الكلام أصله: طعامك آكل فيما أرى، وفيما أريد، ولا يجوز ذلك عند البصريين، ولا يجوز الفصل بينها وبين معمولها بشيء، هذا مذهب سيبويه والجمهور، وأجاز بعضهم الفصل بينهما بالظرف وشبهه نحو: أريد أن عندي تقعد، وأريد أن في الدار يقعد، وأجاز الكوفيون الفصل بالشرط، وأجازوا أيضًا إلغائها وتسليط الشرط على ما كان يكون معمولاً له لولاه نحو: أردت أن إن تزرني أزورك بنصب أزورك، والفصل بالشرط وأزورك بالجزم جوابًا للشرط، وإلغاء (أن)، وقالوا: النصب على تأخير الشرط، والجزم على أنه خبر وقع موقع الجواب، فغلب عليه حكمه، وهو في النية منصوب (بأن)، وأبطلوا دخول الفاء، وأن يقال: أردت إن تزرني فأزورك على أن الفاء جواب الشرط، وأجازوا ظننت أن إن تزرني أزورك بالنصب وأزرك بالجزم، وفأزورك بالفاء والرفع.

وندر مجيء الجملة الابتدائية بعد (أن) هذه نحو قوله

... ....

فعاش الندى بعد أن هو خامل

ص: 1641

ورفع المضارع بعدها كقراءة مجاهد «لمن أراد أن يتم الرضاعة» تشبيها لها بما المصدرية عند البصريين، وعلى أنها المخففة من الثقيلة عند الكوفيين كذا قال ابن مالك وقال ابن الأنباري، وقد أنشد أبياتًا جاء المضارع بعد (أن) فيها مرفوعًا قال: شبهوا (أن) بالذي إذ كان الفعل يرفع في صلته.

واتفق الكسائي والفراء على أ، ذلك لا يقاس، ولا يحتمل في الكلام. انتهى ملخصًا.

ولا تعمل (أن) زائدة خلافًا للأخفش، ولا حجة له فيما استشهد به، والمشهور عند العرب ا، عمل (أن) في المضارع النصب وقال الرياشي: فصحاء العرب ينصبون بأن وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها انتهى، وحكى الجزم بها أبو عبيدة، واللحياني، وذكر أن الجزم بها لغة بني صباح.

ص: 1642

(لن)

مذهب سيبويه، والجمهور أنها بسيطة، وذهب الخليل والكسائي إلى أنها مركبة من لا و (أن)، وحدث بالتركيب معنى لم يكن قبل التركيب، واستقلت بما بعدها كلامًا، وذهب الفراء إلى أنها (لا) النافية أبدل من ألفها نون، وذهب المبرد إلى أن (لن) والفعل في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف التقدير في لن تقوم «لا أن تقوم» موجود.

والمشهور نصب المضارع بعدها، وحكى اللحياني في نوادره عن بعض العرب جزمه، وهو منفي بها، مخلص للاستقبال، وكذا بقية النواصب كالسين وسوف ولذلك لا يجتمعان، قال ذلك سيبويه وغيره، وخالف في ذلك بعض المتأخرين، حتى ألف في ذلك كتابًا قاله السهيلي، واستقبله محدود بوقت، وبغير وقت، ولا يدل على نفي الفعل في جميع الزمان المستقبل، ونقل ابن مالك أن:

ص: 1643

الزمخشري خص النفي بالتأبيد، ونقل ابن عصفور عنه أنه زعم أن (لن) لتأكيد ما تعطيه لا من نفي المستقبل، وأن مذهب سيبويه والجمهور أن (لن) لنفي المستقبل من غير أن يشترطا أن يكون النفي بها آكد من النفي بلا، ودعوى بعض أهل البيان أن (لن) لنفي ما قرب، ولا يمتد نفي الفعل فيها كما يمتد في النطق (بلا) من باب الخيالات التي لأهل علم البيان.

ولا يكون الفعل معها دعاء خلافًا لقوم حكاه ابن السراج، واختاره ابن عصفور واستدلوا بقول الشاعر:

لن تزالوا كذلك ثم لاز

لت لكم خالدًا خلود الجبال

ولا يجوز الفصل بينها وبين معمولها إلا إنه ورد الفصل (بما) المصدرية الظرفية في ضرورة الشعر نحو قوله:

لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا

ادع القتال وأشهد الهيجاء

هذا مذهب البصريين، وهشام، وأجاز الكسائي، والفراء الفصل بينهما بالقسم نحو: لن والله أكرم زيدا، وزاد الكسائي أنه أجاز الفصل بينهما بمعمول نحو: لن زيدًا أكرم، وزاد الفراء الفصل بأظن نحو: لن أظن أزورك، وبالشرط فتنصب، أو تجزم جوابًا للشرط نحو: لن إن تزرني أزورك وأزرك، فتلغى لن.

ص: 1644

وأصحاب الفراء يفرقون بين (لن)، والمنصوب اختيارًا، ويجوز تقديم معمولها المنصوب نحو: زيدًا لن أضرب، ونقل سيبويه عن العرب: أما زيدًا فلن أضرب إلا أن يكون تمييزًا فلا يجوز تقديمه على مذهب سيبويه والجمهور، لا تقول: عرقًا لن يتصبب زيد، وخالف علي بن سليمان الأخفش، فمنع تقديم معمول المعمول مطلقًا، وطرده بعضهم فيما كان (لن) نفيًا لموجبه نحو: سأضرب زيدًا، فمنع زيدًا سأضرب، ولما كانت لن أضرب، محمولاً على سأضرب لم يجز زيدًا لن يفعل، ولا يضرب بنصب يضرب: لأن الواو كالعامل، وفصلت بينهما وبين المعمول (بلا) وأنت لا تقول: لن لا أضرب وكذلك هذا.

(كي)

حرف باتفاق، ومذهب سيبويه، والأكثرين أنها تكون جارة بمعنى اللام، وناصبة للمضارع، فإذا نصبت، فسيبويه يقول: تنصب هي بنفسها، والخليل والأخفش يقولان: أن مضمرة بعدها، وذهب الكوفيون إلى أنها مختصة بالفعل فلا تكون جارة، وقيل مختصة بالاسم فلا تكون ناصبة للمضارع، وسمع من لسان العرب: جئت كي أتعلم، ولكي أتعلم، ولكيما أن أتعلم بالنصب، وكيما أن أتعلم، وكي لأتعلم،

و

... ....

...

... كيما يضر وينفع

ص: 1645

بالرفع، وقالوا (ما) في هذه مصدرية، ويحتمل عندي أن تكون كافة، وسمع من لسانهم: كيمه، فقال البصريون معناه: لمه، وقال الكوفيون: أصله «كي يفعل ما» استثباتًا، لمن قال:«فعلت كذا كي أفعل كذا» فلم يفهمه المخاطب فاستثبت فقال: «كي تفعل ما» فحذف الفعل، وما منصوبة.

وإذا انتصب المضارع بعد (كي)، فلا تدل على سببية، ولا تتصرف تصرف (أن)، لا تكون مبتدأة، ولا فاعلة، ولا مفعولة، ولا مجرورة بغير اللام، ولا يمنع تأخر معمولها نحو: كي تكرمني جئتك، ونفرع على مذهب سيبويه، فإن دخل عليها اللام كانت هي الناصبة بنفسها، فتقدر مع ما بعدها بالمصدر.

وإن لم تدخل عليها اللام احتمل أن تكون الناصبة بنفسها، فتقدر مع ما بعدها بالمصدر.

وإن لم تدخل عليها اللام احتمل أن تكون الناصبة، وحذفت اللام كما تحذف مع أن، واحتمل أن تكون الجارة، وانبنى على هذا فرع، وهو أنه إن قدرتها الجارة، فلا يجوز دخولها على (لا)، وإن قدرتها الناصبة جاز، وإذا كانت الناصبة، وجاءت أن بعدها فالعمل لها، و (أن) زائدة للتوكيد ضرورة عند البصريين كما زيدت للتأكيد في قوله:

أردت لكيلا أ، تكون كمثلها

...

...

...

ولا تقاس زيادة (أن) بعد كي، وقاسه الكوفيون يقولون: جئت كي أن أزورك، والمحفوظ إظهار (أن) بعد (كي) المتصل بها (ما)، وأما بغير (ما)

ص: 1646

وقال ابن مالك: ينصب بـ (كي) نفسها إن كانت الموصولة وبـ (أن) مضمرة بعدها غالبًا إن كانت الجارة، ومذهب البصريين أن (أن) مضمرة بعدها على سبيل الوجوب، فلا يجوز إظهارها فقوله غالبًا جنوح إلى مذهب الكوفيين، وقال: ويتعين الأولى بعد اللام غالبًا احترازًا من قوله:

... لكيما أن تطير

...

...

...

فيظهر أن النصب عنده (بأن) هذه، وكي حرف جر تأكيد للام، وقال بعض أصحابنا: النصب بكي، و (أن) زائدة، قال: والثانية قبلها هي الجارة إذا جاءت قبل اللام نحو: جئت كي لأقرأ، وهو تركيب نادر، وقال: ويترجح مع إظهار (أن) مرادفة اللام على مرادفة (أن) نحو: لكيما أن تقوم، فيكون حرف جر.

ويجوز الفصل بين كي ومعمولها (بلا) النافية نحو: قوله تعالى: «كي لا يكون دولة» وبما الزائدة كقوله:

تريدين كيما تجمعيني وخالدًا

...

...

...

ص: 1647

وبهما كقوله:

أردت لكيما لا ترى لي عثرة

...

...

وقد تجعل العرب (ما) اللاحقة لها كافة نحو:

...

...

... .... كيما يضر وينفع

برفع الفعلين، وأما الفصل بغير ما ذكر، فلا يجوز عند البصريين وهشام، ومن وافقه من الكوفيين، وذهب الكسائي إلى جواز الفصل بينهما بمعمول الفعل الذي دخلت عليه، وبالقسم، وبالشرط الملاصق لها، فيبطل عملها فتقول: أزورك كي زيدًا تكرم، وأزورك كي والله تزورني، وأزورك كي إن تكافئني أكرمك.

وقال ابن مالك: ولا يبطل عملها الفصل خلافًا للكسائي، وشرح ابنه بدر الدين كلام أبيه، فقال: قد يفصل بالمعمول، أو بجملة شرطية، فيبقى النصب

ص: 1648

من كلامهم: جئت كي فيك أرغب، وجئتك كي إن تحسن أزورك، بنصب أرغب وأزورك، والكسائي يجيز الكلام برفع الفعلين دون نصبهما، وهذا الذي قاله ابن مالك وشرحه ابنه موافق عليه قول ثالث لم يتقدم إليه، ولا يجوز تقديم معمول منصوبها عليها، لا يجوز: جئت النحو كي أتعلم، تريد: كي أتعلم النحو، وأجاز ذلك الكسائي، ولا على المعمول لا يجوز: النحو جئت كي أتعلم، ولا يبعد أن يجرى في هذه المسألة خلاف الكسائي، لكني لم أنقله، وأجاز الكوفيون والمبرد النصب (بكما) بمعنى كيما، ومنعه البصريون، فأولوا ما ورد من سماع ذلك، واتفق الكوفيون على إجازة النصب والرفع بعدها في نحو: أزورك كما تزورني وتزورني، فالنصب (بكما) إذا كانت بتأويل (كيما)، والرفع عندهم من وجوه:

أحدها: أن تكون الكاف للتشبيه، وما مصدرية كأنه قال كزيارتك لي.

والثاني: أن يكون كما وقتًا نحو: ادخل كما يسلم الإمام، وتصرف كما يجلس الوزير؛ أي في ذلك الوقت.

والثالث: أن تقيد التشبيه، ولا تنصم (ما) إلى ما بعدها، ولا تختلط به نحو: أنا عندك كما كنت عندي، وقوله تعالى:«اجعل لنا إلها كما لهم آلهة» فكما بجملتها مفيدة للتشبيه، وما غير مختلطة بما اتصل بها من بعدها، ويعنون بكونها غير مختلطة أنها كافة.

ص: 1649

(إذن)

ذهب الجمهور إلى أنها حرف بسيط، وبعض الكوفيين إلى أنها اسم ظرف، وهو (إذ) ألحقه التنوين، ونقل إلى الجزائية، فبقى منه معنى الربط والسبب.

وأصلها: إذا جئتني أكرمتك، حذف ما تضاف إليه إذا، وعوض منها التنوين كما عوضوا في حينئذ، وحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وذهب الخليل فيما حكى عنه غير سيبويه إلى أنها حرف مركب من (إذ) و (أن)، وغلب عليها حكم الحرفية، ونقلت حركة الهمزة إلى الذال، وحذفت والتزم هذا النقل، فإذا قال: أزورك، فقلت: إذا أزورك، فكأنك قلت: حينئذ زيارتي واقعة، ولا يتكلم بهذا.

وحكى أبو عبيدة عن الخليل إضمار (أن) بعد (إذن) وبه قال الزجاج، والفارسي، وحكى سيبويه عنه أنها تنصب بنفسها، وذهب الأستاذ أبو علي الرندي تلميذ السهيلي إلى أنه مركب من (إذا) و (أن) حذفت همزة (أن) وألف (إذا) لالتقاء الساكنين، فتدل على الربط كـ (إذا) وتنصب بـ (أن).

وتلى (إذن) الجملة الاسمية يقول: أزورك فتقول: إذن أنا مكرم لك، وتتوسط

ص: 1650

بين المبتدأ وخبره نحو: أنا إذن مكرم لك، وبين معمول الناسخ وخبره نحو قوله تعالى:«إنكم إذا مثلهم» ، ولـ (إذن) أحوال مع المضارع التقديم والتوسيط والتأخير؛ فإن تأخرت عن المضارع فلا عمل لها نحو: أكرمك إذن، وإن تقدمت والمضارع حال فلا عمل لها فيه، أو مستقبل وليها، فالمشهور من لسان العرب النصب في المضارع، وحكى عيسى بن عمر: أن بعض العرب يلغيها، وقيل نقله في ذلك البصريون، وأحمد بن يحيى على ندور هذه اللغة، ولم يجز ذلك الكسائي، ولا الفراء، ولا غيرهما ممن وافقهما، وزعم ابن طاهر أن ما رواه عيسى من الرفع إنما جاز ذلك فيه، لأنه فعل حال لا مستقبل.

وإن توسطت ولم يفتقر ما قبلها إلى ما بعدها افتقارًا لا بد منه، وذلك بأن يتقدمها حرف عطف، وكان ما بعدها معطوفًا على ماله محل من الإعراب، فلا عمل لها نحو: زيد يقوم، وإذن يكرمك إذا جعلته معطوفًا على الخبر، وإن تزرني أزرك، وإذن أحسن إليك إذا جعلته معطوفًا على الجزاء، أو على ما ليس له محل من الإعراب، كعطفك من المسألتين على المبتدأ والخبر، وعلى الشرط وجوابه جاز أن تعمل، وألا تعمل، والأكثر ألا تعمل، قال تعالى:«فإذًا لا يؤتون الناس نقيرا» .

ص: 1651

«وإذًا لا يلبثون خلفك إلا قليلا» وقال بعض أصحابنا: إذا عطفت على الجملة المتقدمة عملت، وصار لها حكمها إذا ابتدئت، وإن افتقر كافتقار الشرط إلى جزائه، أو القسم إلى جوابه تعين أن يكون ما يليها جوابًا فلم تعمل نحو: إن تزرني إذن أكرمك ونحو: والله إذن لأكرمنك، وكافتقار الخبر إلى المخبر عنه، فمذهب البصريين أنه لا يجوز الإعمال نحو: زيد إذن يكرمك، كما إذا توسط بين الشرط، والقسم، وجوابهما، وفصل الكوفيون فقالوا: إن وقع بين مبتدأ وخبر نحو: زيد إذن يكرمك، فهشام يجيز النصب والرفع، وبعد اسم إن، فأجاز الكسائي، والفراء ذينك نحو: إن عبد الله إذن يزورك بالرفع والنصب، أو بعد اسم أن، والفاتح الظن وما أشبهه نحو: ظننت أن عبد الله إذن يزورك فالوجهان، أو غير الظن، أو ما أشبهه فإبطال العمل عند الفراء نحو: يعجنبي أن عبد الله إذن يزورك بالرفع لا غير، وقياس قول الكسائي جواز الوجهين [أو بعد اسم كان نحو: كان عبد الله إذن يكرمك فالوجهان عند الكسائي، وإبطال العمل عند الفراء إلا في ضرورة الشعر، فيجوز عنده الإعمال، وبعد الثاني لظننت، فالإبطال عند الفراء، وقياس قول الكسائي جواز الوجهين] ومورد السماع قوله:

ص: 1652

إني إذن أهلك أو أطيرا

فتأوله البصريون، وبنى عليه الكوفيون المسائل، ولا يجوز الفصل بين (إذن) ومنصوبها إلا إذا كان القسم محذوف الجواب، وبلا النافية نحو قوله:

إذن والله نرميهم بحرب

...

...

وقوله تعالى: «فإذًا لا يؤتون» في قراءة من نصب، وأجاز ابن طاهر، وابن بابشاذ، الفصل بينهما بالدعاء والنداء نحو: إذن يا زيد أحسن إليك، وإذن يغفر الله لك يدخلك الجنة، وبعض النحويين بالظرف، وإليه ذهب ابن عصفور، وشيخنا أبو الحسن الأبذي، والصحيح أن ذلك لا يجوز.

ص: 1653

وذهب الكسائي، والفراء، وهشام، إلى جواز الفصل بين (إذن) والفعل بمعمول الفعل نحو: إذن زيدًا أكرم، وإذن فيك أرغب، وأجازوا في المضارع الرفع، واختاره الفراء، وهشام، والنصب واختاره الكسائي.

ولو قدمت معمول الفعل على (إذن) نحو: زيدًا إذن أكرم، جاز ذلك عند الكسائي، والفراء، إلا أن الفراء يبطل عملها، والكسائي يجيز الإبطال والإعمال، ولا نص عند البصريين أحفظه في ذلك، والذي تقتضيه قواعدهم المنع.

وإذا وقع الفعل خبرًا لظن نحو: ظننت زيدًا إذن يقوم، فقال الفراء يبطل عملها، وهو قياس قول الكسائي.

و (إذن) قال سيبويه معناها الجواب، والجزاء، فحمل هذا الكلام الأستاذ أبو علي ظاهره، وتكلف في كل مكان وقعت فيه أنها جواب وجزاء، وفهمه الفارسي على أنه تارة يكون للجواب فقط، نحو: أن يقول لك القائل: أحبك فتقول: إذن أظنك صادقًا، فلا يتصور هنا الجزاء، وتقديره: إذا أجبتني أظنك صادقًا، وتارة تكون للجواب، والجزاء وهو الأكثر فيها نحو أن يقول: أزورك، فتقول: إذن أكرمك، التقدير: إن ترزني أكرمك فهذا جواب وجزاء لقوله: أزورك.

ص: 1654

وإذا أتى بعد (إذن) الماضي مصحوبًا باللام نحو: قوله تعالى: «إذًا لأذقناك» ، فالذي يظهر أن ذلك الفعل جواب قسم مقدر قبل (إذن)، فلذلك دخلت اللام على الماضي، وقال الفراء: لو مقدرة قبل (إذن)، فقدر في قوله:«إذًا لأذقناك» : لو ركنت لأذقناك وفي قوله: «إذًا لذهب» لو كان معه آلهة لذهب وفي قوله: «لاتخذوك خليلا» ولو فعلت لاتخذوك قال بعض أصحابنا: (إذًا) وإن دلت على أن ما بعدها مسبب على ما قبلها على وجهين: أحدهما: أن تدل على إنشاء الارتباط، والشرط بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها في ثاني حال، فإذا قلت أزورك فقلت: إذن أزورك، فإنما أردت أن تجعل فعله شرطًا لفعلك، وإنشاء السببية في ثاني الحال من ضرورته أنها تكون في الجواب، وبالفعلية، وفي زمان مستقبل.

والوجه الثاني: أن تكون مؤكدة جواب ارتبط بمتقدم، أو منبهة على مسبب حصل في الحال نحو: إن أتيتني إذا آتك، ووالله إذن أفعل، وإذن أظنك صادقًا، تقوله لمن حدثك، فلو حذفت إذن فهم الربط، وإذا كان بهذا المعنى، ففي دخولها على الجملة الصريحة نظر نحو: إن يقم زيدًا إذن عمرو قائم، قال: والظاهر الجواز.

ولا يجوز حذف معمول هذه النواصب، وتبقى هي لا اقتصارًا ولا اختصارًا، ولا يجوز في نحو: أتريد أن تخرج؟ أن تقول: أتريد أن، وتحذف تخرج ولو دل دليل على حذفه، ووقع في صحيح البخاري في قوله تعالى: «وجوه

ص: 1655

يومئذ ناضرة» «فيذهب كيما فيعود ظهره طبقًا واحدًا» يريد كيما يسجد، قال بعض أصحابنا هذا كقولهم: جئت ولما، انتهى.

ونحو ما تأوله الكوفيون في قوله لكيما أن أصله (كي) يفعل ما، فحذف معمول (كي) وقد تقدم ذلك.

(لام الجحود)

ناصبة بنفسها عند الكوفيين، ولقيامها مقام (أن) عند ثعلب، وبإضمار (أن) عند البصريين وجوبًا، وشرطها أن يكون قبلها كون ماضٍ لفظًا، أو معنى ناقص منفي بما، أو بلم، نحو:«ما كان الله ليذر» ، ولم يكن زيد ليذهب، ولا يكون النفي هنا بـ (ما)، ولا (بلا)، ولا بـ (لما)، ولا (يكن).

وذهب بعض النحويون إلى جواز ذلك في أخوات كان قياسًا عليها فتقول: ما أصبح زيد ليضرب عمرًا، ولم يصبح زيد ليذهب، وذهب بعضهم إلى جواز ذلك في ظننت فتقول: ما ظننت زيدًا ليضرب عمرا، ولم أظن زيدًا ليضرب عمرا.

وذكروا أن قول العرب: ما كان زيد ليفعل، نفي لقولهم: كان سيفعل،

ص: 1656

فاللام مقابلة السين، ولذلك لا يجوز؛ ما كان سيفعل، ولا سوف يفعل استغناء بقولهم: ما كان زيد ليفعل، وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا، ويحتاج إلى سماع، ولا يجوز في نفي: كان زيد سيفعل أن تقول: ما كان زيد يفعل، فتسقط اللام، وقد أجاز ذلك بعض النحويين على قلة، فأما ما ورد من قولهم: ما كان زيد يفعل، فأن يفعل أريد به الاستقبال، ولما كانت أن مضمرة على مذهب البصريين، وهي تنسبك منها مع الفعل مصدر مقدر جره بلام الجر عندهم لزم أن يكون خبر كان هو المحذوف، الذي يتعلق به اللام، فيكون النفي متسلطًا على ذلك الخبر المحذوف، فينتفي بنفيه متعلقه، فيقدرون في:«وما كان الله ليطلعكم» أي يريد لإطلاعكم، ويكون خبر كان ملتزمًا فيه الحذف في هذا التركيب، ويدل على هذا المحذوف أنه سمع به مصرحًا في قول الشاعر:

سموت ولم تكن أهلا لتسمو

...

...

لكن التصريح به في غاية الندور، وفي البديع لمحمد بن مسعود الغزني:«وما كان الله ليضيع إيمانكم» لا يجوز لأن يضيع إلا بشرط أن يظهر خبر كان فتقول ما كان الله مريدًا؛ لأنه يضيع إيمانكم، وذلك لأن المحذوفات من كلام مشهور إذا أريد ردها فالحق أن ترد كلها حتى يرجع الكلام إلى أصله، أو تضمر

ص: 1657

كلها حتى يبقى الكلام على شهرته نحو: إياك والأسد، فلا يجوز: أن يرد بعضها، ويضمر بعض، لا تضمر، إياك احفظ والأسد، بل احفظ إياك، واحذر الأسد. انتهى.

ولما كان (أن) مضمرة بعد اللام أجاز بعض النحويين من البصريين حذف اللام، وإظهار (أن) نحو: ما كان زيد أن يقوم، وقال ابن الأنباري: العرب تدخل (أن) في موضع لام الجحود فيقولون: ما كان عبد الله لأن يظلمك، ولم يكن محمد أن يختصمك، قال: ولا موضع (لأن) من الإعراب، لأنها أفادت ما أفادت اللام، ولا يجوز: ما كان عبد الله لأن يزورك، بإظهار (أن) بعد اللام عند كوفي ولا بصري. انتهى.

والصحيح أنه لا يكتفي بأن عن اللام، وقد اضطرب في ذلك ابن عصفور، فمرة أجاز، ومرة منع، ولما كانت اللام هي الناصبة عند الكوفيين كان الخبر هو نفس الفعل فالنفي متسلط عليه، واللام عندهم زائدة لمجرد التوكيد، فلذلك أجازوا أن يتقدم معمول الفعل المنصوب بها عليها نحو: ما كان زيد عمرًا ليضرب؛ أي ليضرب عمرًا، وأجاز بعضهم أيضًا إظهار أن بعدها، نحو: ما كان زيد لأن يقوم على سبيل التأكيد، وهذا مخالف لما حكى ابن الأنباري عن الكوفيين أنهم لا يجيزون ذلك، ويتركب من قول ابن مالك مذهب لم يقل به أحد، وذلك أنه زعم أن (أن) لازمة للإضمار، وأن النصب بها، وزعم أن الفعل بعد اللام هو الخبر لكان، وليس هذا بقول بصري ولا كوفي.

ص: 1658

وهذا الذي ذكرناه من خصوصية حرف النفي، والفعل المنفي به هو المشهور والمنصور في لام الجحود.

وزعم بعضهم أنها تكون في كل فعل منفي تقدمه فعل نحو: ما جئت لتكرمني، ومن جعل لام الجحود لام (كي) فساه، ولا يجيء قبل لام الجحود اسم مفرد، بل جملة بالشروط التي ذكرنا فأما قول الشاعر:

فما جمع ليغلب جمع قومي

مقاومة ولا فرد لفرد

فجاء على تقدير: فما قوم يجتمعون، وذكر أبو عبد الله بن هشام الفهري (في كتابه المقرب) أن الفعل الداخل عليه لام الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم السابق لا السببي، فلا يجوز أن تقول: ما كان زيد ليقوم أخوه، لأنه سببي، ولا نعلم أحدًا نبه على هذا إلا ابن هشام.

(لام كي) سميت بذلك، لأنها للسبب كما أن كي للسبب، وهي عند البصريين حرف جر يجوز أن يأتي بعدها (أن) أو (كي)، فإن جاء بعدها (لا) النافية لا الزائدة كقوله:«لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون» ، وجب إظهار أحد الحرفين نحو: أجيئك لئلا تغضب، أو لكيلا تغضب، فإذا قلت: أزورك لتغضب فالنصب عند جمهورهم بإضمار (أن) لا بإضمار (كي).

وأجاز ابن كيسان أن يقدر المضمر (أن) أو (كي)، وذهب الكوفيون إلى

ص: 1659

أن هذه اللام ناصبة بنفسها كما قالوا في لام الجحود، وما ظهر بعد هاتين (أن) أو (كي) مؤكد لها.

وإن جاءت (أن) بعد اللام وكي، فهو جائز يصح عندهم نحو: جئت لكي أن أقصدك، قالوا: وكثير في لسان العرب «جئت لأقصدك» ، وقيل كي لأقصدك.

وذهب ثعلب إلى أن هذه اللام تنصب بنفسها لقيامها مقام (أن)، وزعم الفراء أن العرب تجعل لام (كي) في موضع (أن) في أردت وأمرت، قال تعالى:«يريدون ليطفئوا» و «أن يطفئوا» و «وأمرنا لنسلم» و «أن أسلم» .

وذهب سيبويه وأصحابه إلى أن الفعل مقدر بالمصدر أي إرادتهم ليطفئوا، وأمرنا لنسلم، فينعقد من ذلك مبتدأ وخبر، وقيل اللام زائدة، وأن مضمرة بعدها، والذي نذهب إليه أن متعلق الفعل محذوف واللام لام كي، والتقدير: يريدون ما يريدون من الكفر، ليطفئوا، وأمرنا بما أمرنا لنسلم، وذهب الكوفيون والأخفش، إلى أن اللام تكون للعاقبة، وتسمى أيضًا لام الصيرورة، ولام المآل، ومن قال بذلك من البصريين أضمروا (أن) بعدها نحو قوله تعالى:«فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا» والكوفي على مذهبه في أنها هي الناصبة، وجمهور البصريين تأولوا ما أوهم ذلك.

ص: 1660

واعلم أن لام الجحود، ولام (كي)، كل منهما متميز عن الآخر، لكنهم ذكروا فروقًا تنجر معها أحكام، قالوا: فاعل فعل الجحود لا يكون غير مرفوع (كان)، فلا يجوز: ما كان زيد ليذهب عمرو، ولا يكون قبلها فعل مستقبل (بلن)، فلا يجوز: لن يكون زيد ليفعل، ولا يكون الفعل المنفي مقيدًا بظرف، فلا يجوز: ما كان زيد أمس ليضرب عمرًا، ولا يوجب الفعل معها، لا يجوز: ما كان زيد إلا ليضرب عمرًا، ولا تقع موقعها (كي): لا يجوز: ما كان زيد كي يضرب عمرًا، والمنصوب بعدها لا يكون سببًا فيما قبلها، والنفي معها يتسلط في مذهب البصريين على المحذوف المتعلق به اللام، وأنها تتعلق بذلك المحذوف الواجب حذفه عندهم مقدرًا في كل موضع بما يناسب، وأنها تقع بعد ما لا يستقبل كلامًا فأما قوله:

فما جمع ليغلب جمع قومي

...

...

فقدره الفراء: فما قوم يجتمعون ليغلب جمع قومي، وقدره غيره على إضمار كان؛ أي فما كان جمع، كما قال أبو الدرداء في الركعتين بعد العصر «ما أنا لأدعهما» أي ما كنت لأدعهما، فلما حذف كان انفصل الضمير.

ولام (كي) بخلاف (لام) الجحود في كل ما ذكر من الأحكام. وحركة لام (كي) الكسر والفتح لغة، قرأ سعيد بن جبير «وإن كان مكرهم لتزول» بالفتح، وحكى الكسائي عن أبي حرام العتكي ما كنت لآتيك بفتح اللام.

(حتى)

إذا كان المضارع بعدها منصوبًا، فمذهب سيبويه والبصريين أنها حرف

ص: 1661

جر، والنصب بعدها بإضمار أن، ومذهب الكسائي، أنها ناصبة له بنفسها.

وإذا جاء الجر في الاسم بعدها، فبإضمار (إلى) ويجوز عنده إظهارها، ومذهب الفراء: أنها ناصبة بنفسها، وليست الجارة، وعنه أن الجر للاسم بعدها إنما هو لنيابتها مناب (إلى)، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها ناصبة بنفسها كـ (أن)، جارة بنفسها لشبهها بـ (إلى)، وأجاز هؤلاء القائلون بأنها ناصبة بنفسها إظهار أن بعدها توكيدًا نحو: لأسيرن حتى أن أصبح القادسية، كما أجازوا ذلك بعد لام الجحود.

وذكر النحويون أنه إذا انتصب الفعل بعدها تكون علة وسببًا لما بعدها نحو: أسلمت حتى أدخل الجنة، وللغاية نحو: أسير حتى تطلع الشمس أي إلى أن تطلع الشمس، وذكر ابن هشام، وابن مالك: أنها قد تأتي بمعنى (إلا أن)؛ فتكون للاستثناء المنقطع، واحتجا بما احتمل التأويل فيه بمعنى إلى فتكون للغاية.

وذكر في البسيط عن بعضهم في نحو: لا أقوم حتى يقوم قال المعنى: إلا أن يقوم، وقول سيبويه في قولهم:«والله لا أفعل إلا أن تفعل» المعنى

ص: 1662

حتى تفعل ليس بنص على أن (حتى) إذا انتصب ما بعدها تكون بمعنى (غلا أن)؛ لأن قوله ذلك تفسير معنى.

وإذا عطفت على منصوبها: فقد تظهر (أن) في المعطوف، نحو: أصحبك حتى أتعلم، وأن أسود، وما قبل حتى إما أن يكون واجبًا، أو غير واجب، إن كان غير واجب، نحو: ما سرت حتى أدخل المدينة، فالنصب، وأجاز أبو الحسن الرفع قياسًا، فقيل هي مسألة خلاف بين سيبويه وأبي الحسن، وقيل ليست مسألة خلاف، لأن الوجه الذي منع سيبويه الرفع فيه غير الوجه الذي جوز فيه الأخفش الرفع.

فالوجه الذي منع سيبويه هو أن النفي للسير لا يكون سببًا للدخول، والوجه الذي جوز الأخفش به هو أن يكون أصل الكلام واجبًا، وهو سرت حتى أدخل المدينة ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره، فينتفي أن يكون عندك سير كان عنه دخول، فكأنك قلت: ما وقع السير الذي كان سببًا لدخول المدينة، وصحح ابن عصفور قول الأخفش، وتارة أبطله.

وقد نص الأخفش على أن العرب لم ترفعه، وإنما قاله قياسًا، فكفى مؤنة الرد عليه، وقال أبو عمر في الفرخ: سمعت يونس يقول: إن من العرب من ينصب بـ (حتى) في كل شيء فهذا وجه آخر، ولغة شاذة لا ينبني الكلام عليها. انتهى.

وتقول: سرت حتى أكاد أو أدخل، قال الأخفش: ينصبه النحويون، ويجوز عندي الرفع، فأما التقليل نحو: قلما سرت حتى أدخلها، ولقلما سرت حتى أدخلها، فذلك عند سيبويه مثل: ما سرت حتى أدخلها، تنصب.

ص: 1663

وأجاز أبو علي، والرماني، وابن السيد، وجماعة الرفع بعد (قل) إذا أريد بها التقليل لا النفي، وسيبويه منعه في التقليل من غير تفصيل، كما منعه في النفي، وقال غير أبي علي: إذا أقللت تقليلاً لا يؤدي إلى الدخول نصبت، ولك أن ترفع، وإن قللت إذا أردت أنك مع قلته أدى إلى الدخول والتحقير بعد إنما نحو: إنما سرت حتى أدخلها تنصب، وإن لم تجعله علة ولم تحقره رفعت.

ودخول الاستفهام على الفعل كالنفي نحو: أسرت حتى تدخلها؟ نصبت؛ فإن كان الاستفهام عن فاعل الفعل لا عن الفعل نفسه نحو: من سار حتى يدخلها؟ جاز الرفع؛ فإن كان واجبًا، فإما أن يكون ما قبلها سببًا لما بعدها أو لا، إن لم يكن سببًا نحو: سرت حتى تطلع الشمس، وجب النصب على الغاية، وأجاز الكوفيون فيه الرفع، وحكوا من كلام العرب: سرت حتى تطلع الشمس برفع تطلع، وحكى الكسائي «إنا لجلوس فما نشعر حتى يسقط بيننا حجر» برفع يسقط، وقال الكوفيون: إن أدخلت (لا) اعتدل الرفع والنصب إن صلحت ليس موضع (لا) نحو: إن الرجل ليصادقك حتى لا يكتمك سرًا، وإن لم يصلح لم يجز إلا النصب.

فإن كان الفعل مستقبلاً وافقوا البصريين على وجوب النصب كقوله

ص: 1664

تعالى: «لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى» .

وللكوفيين تفصيل في غير السببي قالوا: الفعل بعد حتى إن كان حادثًا، فالنصب نحو: سرت حتى تطلع الشمس، أو غير حادث فالرفع نحو: سرت حتى يعلم الله أني كال، ووافق البصريون على الرفع، لا لعلة أنه غير حادث بل لكونه فعل حال لا مستقبلاً.

وإن كان ما قبلها سببًا لما بعدها، ووقعت حتى في موضع خبر، فالنصب على الغاية نحو: سيرى حتى أدخل المدينة، وكان سيرى حتى أدخلها، ويكون فاعل الفعل الذي بعد حتى هو المسند إليه ما قبلها كما مثلنا، أو سببي يشعر به اللفظ السابق نحو: سرت حتى يدخل ثقلي، أو راحلتي، أو عبد الله، إن كان من أتباعك مما يكون سيرك سببًا لدخوله، وإن لم يقع في موضع خبر، وكان الفعل متطاولاً جاز النصب على الغاية إن أردتها وعلى التعليل إن أردته، نحو: أصحبك حتى أتعلم.

وإن كن قصيرًا فعلى التعليل نحو: وثبت حتى آخذ بحلقه، خلافًا للفراء: فإنه لا يجيز إذا كان الفعل قيل حتى لا يمتد إلا الرفع، وزعم أنه لم يسمع فيه إلا الرفع.

وأول البصريون ما سمعه على أنه ماضٍ أي: فأخذت بحلقه أو حال، وأما إن كان مستقبلاً فلا يمتنع النصب على معنى (كي) وهو للتعليل.

وتقدم الكلام في مثل (قلما) و (إنما) وقالوا هنا: إن قللت السبب، ولم ترد به النفي المحض، أو وصفت المصدر بقليل أو ضعيف جاز الرفع والنصب أحسن

ص: 1665

نحو: سرت سيرًا قليلاً أو ضعيفًا حتى أدخلها، وكذلك ربما سرت حتى أدخلها، وإن كثرت السبب، أو وصفت المصدر بكثير، أو شديد جازا والرفع أحسن نحو: كثر ما سرت حتى أدخلها، وسرت سيرًا كثيرًا أو شديدًا حتى أدخلها.

وذهبت طائفة من القدماء إلى أنه لا يجوز الرفع في قلما وكثر ما وطالما وربما. وسأل سيبويه العرب عن الذي منعوا فيه الرفع فرفعوه.

وإذا ألحق الكلام عوارض الشك بعد حتى والفعل نحو: سار عبد الله حتى يدخلها بلغني أو أرى أو أظن أو أحسب جاز الرفع والنصب على ما تريده من المعنى خلافًا لقوم من القدماء جعلوا اعتراض الشك مبطلاً للرفع كما يبطله النفي.

فإن اعترض الشك قبل حتى نحو: سيرى أرى حتى أدخل المدينة، لم يتصور الرفع قاله بعض أصحابنا، وقال ابن السيد: يجوز أن يكون ما قبل حتى المرفوع ما بعدها من باب أرى وأفعال الظن والمحسبة، وذلك قولك: أرى عبد الله سار حتى يدخلها، وأظن عبد الله سار حتى يدخلها. انتهى.

وهو رأي سيبويه، أعني جواز الرفع، ولو معنى الكلام على جحد عقيبه استثناء يرده إلى الإيجاب، فكالإيجاب نحو: ما سرت إلا يومًا، أو ما سرت إلا قليلاً حتى أدخلها.

وزعم بعض القدماء أنه إذا حسن القلب جاز الرفع والنصب نحو: سرت حتى أدخلها؛ لأنه يحسن حتى أدخلها سرت، وإذا امتنع القلب لم يجز الرفع نحو: قد سرت حتى أدخلها؛ لأنه يمتنع قد حتى أدخلها سرت، ولم يعتبر سيبويه حسن القلب وامتناعه، بل يجوز الرفع والنصب حسن أو امتنع، وإذا كان المضارع حالاً أي مشروعًا فيه، وما قبل حتى ماضيًا سببًا لما بعدها نحو: مرض حتى لا يرجونه؛ أي

ص: 1666

هو الآن لا يرجى، أو مؤولاً بالحال، وهو ما كان متمكنًا منه وغير ممنوع أو ماضيًا معنى، وهو ما قبله متصل الوقوع لا منفصله بينهما نحو: سرت حتى أدخل المدينة أي سرت فدخلت المدينة، فالرفع في المضارع لا غير، وفي الماضي معناه كمعنى الفاء، وذهب الكسائي إلى أنه إذا كان حالاً سببًا عما قبله جاز نصبه.

وإذا كانت حتى بمعنى الفاء فهي من حرف ابتداء وليست العاطفة، إذ مذهب الجمهور أنها إنما تعطف المفردات لا الجمل، وذهب أبو الحسن إلى أنها إذا كانت بمعنى الفاء فهي عاطفة، وتعطف الفعل على الفعل.

وإذا دخلت على الماضي أو على المستقبل على جهة السبب نحو: ضربت زيدًا حتى بكى، ولأضربنه حتى يبكي، وثمرة الخلاف أن الأخفش يجيز الرفع في (فيبكي) على العطف، والجمهور لا يجيزون فيه إلا النصب بمعنى إلا أن أو بمعنى (كي).

ولا يجوز الفصل بين حتى والمنصوب بعدها، وأجاز الكوفيون الفصل بينهما (بأن) وتقدم، وأجاز الأخفش، وابن السراج الفصل بينهما بالظرف نحو: أقعد حتى عندك يجتمع الناس، وبالشرط الماضي نحو: أصحبك حتى إن قدر الله أتعلم، وأجاز هشام الفصل بالقسم نحو: حتى والله آتيك، وبالمعمول مفعولاً نحو: حتى زيدًا أضرب، أو الجار والمجرور نحو: أصبر حتى إليك يجتمع الناس

ص: 1667

بالرفع والنصب فيهما قال: والرفع أصحهما، وأجاز الأخفش تعليق حتى، ويعني بالتعليق إبطال النصب نحو: أصحبك حتى إن تحسن إلي أحسن إليك، ووافق ابن مالك الأخفش في مسألة التعليق.

(الواو والفاء)

في الأجوبة التي تذكر، ذهب البصريون إلى أن النصب بعدهما بإضمار أن وجوبًا وهما حرفا عطف، فلا يتقدم معمول الفعل عليهما، ولا يفصل بينهما وبين الفعل، وذهب الكسائي، ومن وافقه من أصحابه، والجرمي، إلى أن النصب بعدهما هو بهما أنفسهما، وذهب الفراء، وبعض الكوفيين إلى أن النصب بالخلاف، وهذه الأقوال الثلاثة جارية في الناصب للفعل بعد (أو) الآتي ذكرها بعد إن شاء الله تعالى.

وفي الفاء والواو أيضًا مذهبان:

أحدهما: ما ذهب إليه أحمد بن يحيى من أنهما نصبا، لأنهما دلا على شرط، لأن معنى هل تزورني فأحدثك: إن تزرني أحدثك، فلما نابت عن الشرط ضارعت (كي)، فلزمت المستقبل، فعملت عمل (كي).

ص: 1668

والثاني: ما ذهب إليه هشام من أنه لما لم يعطف على ما قبله لم يدخله الرفع، ولا الجزم؛ إذ ما قبله لا يخلو من أحد هذين، ولما لم يستأنف بطل الرفع أيضًا، فلما لم يستقم رفعه، ولا جزمه لانتفاء (موجبيهما) لم يبق له إلا النصب. انتهى.

وعلى مذهب البصريين أحكام المسائل في هذه الحروف الثلاثة، والتفريع بالفاء يكون جوابًا لصريح الأمر نحو: اضرب زيدًا فيستقيم لا نعلم خلافًا في جواز ذلك إلا ما نقل «عن العلاء بن سيابة» قالوا: وهو معلم الفراء: أنه كان لا يجيز ذلك، وهو محجوج بثبوته عنا لعرب، فإن دل على الأمر يخبر نحو: اتقي الله امرؤ فعل خيرًا، فيثاب عليه، أو اسم فعل ففي النصب خلاف، أجاز الكسائي: حسبك من الحديث فينام الناس، وصه فأحدثك، ونزال فتنزل، وأجاز ابن جني، وتبعه ابن عصفور ذلك فيما كان مشتقًا من المصدر نحو: نزال، وفي الترشيح: في كلامهم أسماء فيها معنى الأمر، فيكون جوابًا مثله، وذلك حسبك، وشرعك، وكفيك تقول: شرعك فتتكلم، وحسبك فتفهم، وكفيك فتنام، وإن شئت رفعت على القطع، وكذا رويد، وصه، ومه، وعليك، ودونك، وطال بقاؤك فتسر، ويجوز رفعه عطفًا على موضع طال، لأنه في معنى مرفوع أو على القطع: لا تزال بخير فتسر، ويجوز الرفع على القطع لا على العطف: لا زلت تسر فتسر يصلح في كل وجه تقدم. انتهى.

ص: 1669

أو للنهي كقوله تعالى: «لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب» ولا يجوز التشريك في هذا، ويجوز في: لا تمددها فتشقها التشريك، والنصب والرفع على القطع، والرفع على الاستئناف، وشرط النصب في الجواب في النهي ألا ينقض بإلا قبل الفاء نحو: لا تضرب إلا عمرًا فيغضب برفع «فيغضب» ولا ينصب: فإن نقضت بعد إلا كان جوابًا فينتصب نحو: لا تضرب زيدًا فيغضب عليك إلا تأديبًا، والدعاء بفعل أصيل نحو: قوله تعالى: «ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم» .

فإن كان مدلولاً عليه بالاسم نحو: سقيا لك. فيرويك لم يجز النصب، أو مدلول عليه بلفظ الخبر نحو: غفر الله لك فيدخلك الجنة، فالكسائي يجيز النصب، ثم الأمر والدعاء إن كانا بغير لام، فلا يجوز التشريك إلا على رأي الكوفيين.

وإن كانا باللام جاز نحو: لتأتيني فأحدثك، ويجوز القطع أيضًا تقول: ائتني فأكرمك، ورفعه على وجهين.

أحدهما: على القطع أي فأنا أكرمك أي إن تأتني فأنا أكرمك وعلى الاستئناف؛ أي فأنا أكرمك أتيتني، أو لم تأت؛ أي من شأني ذلك.

ويشترط في الدعاء ألا يكون الأول دعاء عليه، والثاني دعاء له، ولا العكس، فلا يجوز النصب نحو: ليغفر لك الله لزيد، فيقطع يده، لا يجوز النصب، ولا

ص: 1670

الجزم، فإنما يكون مقتطعًا، ويعلم أنه دعاء عليه بقرينة، إذ لا يمكن أن يكون خبرًا، أو للاستفهام بالأداة نحو: قوله تعالى «فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا» ، وبالاسم غير الظرف: من يدعوني فاستجيب له، وبالظرف: أين بيتك فأزورك، ومتى تسر فأرافقك، وكيف تكون فأصحبك.

وإذا كان الاستفهام بالاسم، قدر مصدر مما تضمنت الجملة كأنك قلت: في المثال الذي فيه أين: ليكن منك تعريف بيتك، فأزورك وتقول: أتقوم فأكرمك، فيجوز الرفع على العطف، والاستئناف، والنصب على الجواب.

وإذا أخبرت عن الاسم الذي يلي الأداة باسم غير مشتق نحو: هل أخوك زيد، فأكرمه، بالرفع، ولا يجوز النصب، فإن تقدمه ظرف أو مجرور نحو: أفي الدار زيد فنكرمه جاز النصب.

وذهب بعض النحاة إلى أن الاستفهام إذا كان عن المسند إليه الفعل لا عن الفعل، فلا يجوز فيه النصب نحو: أزيد يقرضني فأسأله؟ والصحيح الجواز، وذهب أبو عليه، وتبعه ابن مالك إلى أنه يشترط في الاستفهام ألا يتضمن وقوع الفعل فيما مضى، فإن تضمن لم يجز النصب نحو قولك: لم ضربت زيدًا فيجازيك، ولم يشترطه أحد من أصحابنا، والصحيح جواز النصب.

وإذا تعذر سبك مصدر يراد استقباله لأجل مضي الفعل قدر فيه مصدر مقدر

ص: 1671

استقباله مما يدل عليه المعنى، فإذا قال: لم ضربت زيدًا فيضربك، قدر: ليكن منك تعريف سبب ضرب زيد فضرب.

والصحيح أنه لا يشترط، حكى ابن كيسان: أين ذهب زيد فنبتعه، وكذلك: كم مالك فتعرفه، ومن أبوك فنكرمه، وقد يحذف السبب بعد الاستفهام لدلالة الجواب عليه، قاله الكوفيون.

وقالوا: تقول العرب: «متى فأسير معك» أي متى تسير قيل: وينبغي أن يكون ذلك في استفهام الاستثبات بأن تقول: «أسير فتقول له متى» ، فأنت لو اقتصرت على (متى) جاز بخلاف الاستفهام المبتدأ، فإنه لا يجوز، وفي الترشيح: وقد أدخل دريود «لولا وهلا» في حروف الاستفهام، وأبين في معناها أن يكون للعرض، أو التحضيض، ومعنى الاستفهام فيها موجود، لأنك إذا قلت هلا قمت فمعناه لم تركت القيام قال تعالى:«لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة» أي هلا وقال أبو إسحاق: هذا يدل على معنى؛ لم نزل عليه متفرقًا، فأعلموا لم ذلك، أي ليثبت في قلب النبي × فهذا تصحيح ما ذهب إليه دريود انتهى.

وللعرض حكى من كلامهم: ألا تقع الماء فتسبح، يريد (في الماء) حذف الحرف، وعدى الفعل فنصب الاسم، وللتحضيض نحو قولهم: هلا أمرت فتطاع، والعرض والتحضيض متقاربان، والجامع بينهما التنبيه على الفعل إلا أن التحضيض فيه زيادة تأكيد، وحث على الفعل، وكل تحضيض عرض، ولذلك

ص: 1672

يقال في هلا عرض، وأكثر ما يكون (ألا) لمجرد العرض، والعرض قد يكون فيما يزيد، وفيما لا يزيد.

ومما يقرب من التحضيض، وفي معنى الدعاء قوله تعالى:«لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق» وللتمني نحو قوله تعالى: «يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا» ويجوز رفعه على العطف لا على معنى يا ليتني أكون؛ لأن الماضي في التمني محكوم له بحكم الاستقبال من جهة أنه لا يتمنى إلا ما لم يكن، والماضي فائت لا يدخل فيه التمني، هكذا قالوا، ويجوز رفعه أيضًا على الاستئناف والتمني قد يكون بألا نحو قوله:

ألا رسول لنا منا فيخبرنا

...

...

...

و (بلو) نحو: لو تأتينا فتحدثنا، وذهب الكوفيون إلى أنه يجوز أن ينتصب الفعل بعد الفاء في جواب الرجاء، وزعموا أن (لعل) تكون استفهامًا، وذهب البصريون إلى منع ذلك، والترجي عندهم في حكم الواجب قيل: والصحيح مذهب الكوفيين لوجوده نظمًا ونثرًا ومنه قوله تعالى: «وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه» في قراءة عاصم، وهي من متواتر السبع ويمكن تأويل النصب.

ص: 1673

وذهب الكوفيون أيضًا، وتبعهم ابن مالك إلى أن (كأن) إذا خرجت عن التشبيه جاز النصب بعد الفاء نحو: قولك: «كأني بزيد يأتيك فتكرمه» المعنى: ما هو إلا يأتي فتكرمه، و «كأنك والٍ علينا فتشتمنا» أي ما أنت والٍ علينا (فتشتمنا) كأنه لو حظ في هذا معنى النفي، ولا يحفظ البصريون ذلك، وللنفي المحض، وحروف النفي تختص بالفعل وذلك لن ولم ولما والفاء للسبب وغير السبب نحو قولك: لن تقوم فتضرب زيدًا، نصب من وجهين الجواب والتشريك، ويجوز الرفع على القطع نحو: لم تقم فتجيبنا، قال بعض أصحابنا لا يجوز فيه النصب لمعنى الفعل انتهى، لكنه جاء منصوبًا في قوله

لم ألق بعدهم حيا فأخبرهم

...

...

...

ويجوز العطف فتجزم، والقطع فترفع، وغير مختص بالفعل وذلك (ما) و (لا) و (إن) نحو قوله تعالى:«لا يقضي عليهم فيموتوا» وما تأتينا فتحدثنا، فالنصب من وجهين، والرفع من وجهين.

ص: 1674

والفعلان إن كانا مستقبلين جاز في الثاني على غير السبب الرفع بوجهيه من العطف والقطع نحو قوله تعالى: «ولا يؤذن لهم فيعتذرون» ، أي فلا يعتذرون أو فهم لا يعتذرون، وفي السبب النصب، وقد تجيء في موضع لا تحتمل الأمرين بحسب القصد نحو قولهم: لا يسعني شيء فيعجز عنك، لا يصح التشريك، ولا معنى فكيف يعجز عنك، إنما المعنى: لا يسعني شيء عاجزًا عنك.

وإذا كانا ماضيين نحو: ما أتيتنا فحدثتنا، فالوجه الحمل على الماضي، ويجوز فيه السبب وغيره، وإن كانا مختلفين نحو: ما أتيتنا فتحدثنا، فيجوز العطف على تأويل أحدهما بالآخر، فيكون بمعنى فحدثتنا، وليس بالوجه، ويجوز القطع على الحال، ويجوز النصب على التأويل، وهو أحسن من العطف، ولو عكست قلت: ما تأتينا فحدثتنا، وإن لم يكن النفي محضًا، وآل إلى التقرير بدخول أداة الاستفهام عليه نحو: ألم تأتنا فتحدثنا؛ فيجوز فيه وجها الرفع، ووجها النصب والجزم.

وإذا نقض النفي بـ (إلا) قبل الفاء لم تكن جوابًا فلا يجوز النصب نحو: ما ضرب زيد إلا عمرًا فيغضب، أو بعد الفاء نحو: ما ضربت زيدًا فيغضب إلا تأديبًا، وما تأتينا فتحدثنا إلا بخير، ويجوز الرفع على التشريك، ولا يجوز

ص: 1675

على الاستئناف، وسواء في ذلك أكان ما بعد إلا معمولاً للفعل الذي قبل الفاء، وما صورته صورة النفي، ومعناه على الإيجاب، وذلك ما زال وأخواته لا يجوز فيه النصب نحو: ما زال زيد يأتينا فنكرمه، والتقليل المراد به النفي يجرى مجرى النفي تقول: قلما تأتينا فتحدثنا.

وأجرى الكوفيون (غير) مجرى النفي، فنصبوا معها بعد الفاء، وتبعهم ابن مالك وذلك نحو: أنا غير آت فأكرمك، ولا يجوز ذلك عند البصريين، وإذا دخلت الفاء على الفعل، وفيه مضمر يعود على ما قبلها، فإن عاد على ما ينفي الفعل في حقه نصب، أو إلى ما أوجب في حقه رفع نحو: ما جاءني أحد إلا زيد فأكرمه إن كانت الهاء لأحد جاز نصب الفعل، أو لزيد لم يجز النصب، ولا يتقدم هذا الجواب على سببه، وأجاز ذلك الكوفيون، أجازوا: ما زيد فنكرمه يأتينا، ومتى فآتيك أخرج، ولم فأسير تسر، وإذا كان لما قبل الفاء معمول فأخرته إلى ما بعدها نحو: ما ضربته فأهينه زيدًا، فمذهب الكوفيين جواز النصب يقولون لم تفصل إلا (بمعطوف) على الفعل بخلاف إن تضرب فهو مكرم زيدًا، فهذا لا يجوز باتفاق، والبصريون لا يجيزون النصب، ويقولون: الفعل الذي قبل الفاء في تأويل المصدر.

والمصدر لا يفصل بينه وبين معموله بشيء قال أبو بكر: الصحيح أنه لا يجوز، وإن لم يتأخر له معمول، والجملة السابقة فعلية جاز فيما بعد الفاء النصب بمعنييه، والرفع بمعنييه أو اسمية نحو: ما زيد قادم فيحدثنا، فذهب ابن السراج، والأكثرون إلى أنه لا يجوز النصب، وذهبت طائفة إلى الجواز، وهو الصحيح بشرط أن يقوم مقام الفعل اسم الفاعل، أو اسم مفعول، أو ظرف أو مجرور، فإن كان اسمًا لا يدل على المصدر نحو: ما أنت زيد فنكرمه لم يجز النصب، والذين

ص: 1676

يجيزون توسط الجواب يقولون: ما زيد فتأتيه بمذنب ينصبون ولا يجيزون الرفع، وذكر أبو الحسن بن سيده أنه نفي (بقد) فنصب الفعل بعد (الفاء). وحكي عن بعض العرب الفصحاء، قد كنت في خير فتعرفه يريد ما كنت في خير.

(الواو) للجمع تقع في مواضع الفاء، وقد تقدمت، وليس ذلك على الإطلاق، إذ تدخل الفاء في موضع لا تدخل فيه الواو، وذلك فيما كان الأول سببًا للثاني على المعنيين نحو: لا تدن من الأسد فيأكلك لا يجوز «ويأكلك بالواو» والعكس: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، لا يجوز فتشرب (بالفاء)، وكذلك في التشبيه الذي قصد به النفي، أو (بقد) عند من أجاز ذلك، ويحتاج إلى سماع من العرب، ومثال ذلك في الأمر

فقلت ادعى وادعو إن أندى

...

...

ص: 1677

وفي النهي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

...

...

وفي الاستفهام قوله:

أتبيت ريان الجفون من الكرى

وأبيت منك بليلة الملسوع

ص: 1678

ولا أدري أهو مصنوع أم لا وفي التمني «يا ليتنا نرد ولا نكذب» في قراءة من نصب «ولا نكذب» ، وللنفي المحض «ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين» أي ولما يجتمع علم بالجهاد، وعلم بالصبر وقوله:

...

...

فلم أفخر بذاك وأجزعا

وقد يتقدم الاسم فيحسن النصب نحو: ما أنت منا وتبخل أي تجمع بين أنك لست منا، وبين البخل وفي النفي المؤول:

ألم أك جاركم ويكون بيني

...

...

ص: 1679

ولا أحفظ النصب جاء بعد الواو في الدعاء ولا العرض، ولا التحضيض، ولا الرجاء، ولا ينبغي أن يقدم على ذلك إلا بسماع، ومثال ذلك: يا رب اغفر لي وتوسع علي في الرزق، وألا تنزل وتصيب خيرًا، وهلا تأتنا ونكرمك، ولعلي سأجاهد وأغنم، وقال الكوفيون من قال: لا تأكل السمك، وتشرب اللبن، جزم تشرب من جهتين:

إحداهما: إيجاب الإبهام (للواو)، والأخرى أن يكون المجزوم بمعنى المنصوب، فغلب الجوار، والنسق فعطفت الواو ما بعدها على ما قبلها، وفيه معنى الصرف والنصب، وهذا المعنى الثاني لم يجزه البصريون، فإن كان الواو للإبهام والجزم عار من تأويل النصب، فهو مذهب الكوفيين، والبصريون لا يختلفون في صحته. انتهى من الموضح، ومعنى الإبهام هو أنه لما عطف مجزومًا على مجزوم احتمل النهي عن كل واحد منهما على الانفراد، واحتمل النهي عن الجمع لو قلت: لا تضرب زيدًا وعمرًا، احتمل أن يكون نهيًا عن ضرب كل واحد منهما، واحتمل أن يكون نهيًا عن الجمع بينهما في الضرب، ولذلك صدق أن يقول بل أحدهما.

(أو)

التي ينتصب الفعل بعدها، ولا تظهر أن بعدها تقدم ذكر الخلاف فيها أهي ناصبة بنفسها، أو بإضمار أن أو بالخلاف، قدرها بعضهم بـ (كي)، وبعضهم بـ (إلى أن) وسيبويه بـ (إلا أن) فنحو: لألزمنك أو تقضيني حقي، يصلح للتعليل، وللغاية، وللاستثناء من الأزمان، وتقدير سيبويه زعم بعضهم أنه أعم لتخلف ذينك المذهبين في بعض صور (أو) نحو قوله:

وكنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

ص: 1680

وقد يختلف تقديره في قولك: لأطيعن الله، أو يغفر لي، فهذا لا يصح فيه تقدير إلا أن، والصحيح أنها لأحد الشيئين كـ (هي) في عطف، إلا أن هذا العطف مصدر مقدر على مصدر متوهم؛ فإذا قال: لألزمنك أو تقضني حقي، فالمعنى ليكونن مني أحد هذين لزومك، أو قضاء حاجتي، ولذلك يشترط فعل، أو اسم في معنى فعل، أو ظرف، أو مجرور وقد جاء النصب في مكان لا يصلح لتلك التقادير الثلاث.

وما قبل (أو) يكون موجبًا، وغير موجب نحو:

كسرت كعوبها أو تستقيما

وما تأتينا أو تشفع لنا، وإن كان قبلها مضارع جاز التشريك، وجاز الاستئناف، ومثال ذلك في الأمر: اضربه أو يستقيم، وفي النهي: لا تتركه أو يقضيك حقك، ولا يصح التشريك في الأمر، والنهي، إلا إن كان الأمر الأول بلام الأمر نحو: لتخرج أو أقم، والثاني نحو: اخرج أو لتقم، ولا يجوز: أو تقم، إلا في ضرورة.

وأما اضرب في الشرط: فقياسه أن يجوز فيه نحو: إن تأت أو تجلس اضرب زيدًا، وكذلك في الجواب نحو: إن يأت اضرب زيدًا أو يستقيم، ويجوز الرفع على القطع، والعطف في هذا الباب يشرك الثاني مع الأول في رفعه، أو نصبه، أو جزمه، والاستئناف يكون الفعل فيه خبر مبتدأ محذوف وهو بعد الفاء، والواو

ص: 1681

جزم في الأخبار، وبعد (أو) فيها نوع من الإضراب فقولك: أو يقضيك حقك معناه: هو يقضيكه على كل حال لزمته، أو لم تلزمه، كأنه قال: بل يقضيك حقك، ولا يجوز الفصل بين (أو)، والفعل بظرف نحو: أضربك أو اليوم تستقيم، ولا يشترط ماض نحو: لألزمنك أو إن قدر الله أتعلم، خلافًا للأخفش، وابن السراج، وفي البديع لمحمد بن مسعود الغزني: في (أو) كلام مستغرب، ومذهب عجيب قال: لألزمنك أو تقضيني حقي، التقدير: لألزمنك إلزامك أو تقضيني. نصب إلزامك على الإغراء، وعطف عليه: أو تقضيني؛ أي أو أن تقضيني، فـ (أو) للتخيير ثم حذف إلزامك لدلالة لألزمنك، وأضمر (أن) والكلام جملتان في الحقيقة إحداهما، لألزمنك، والثانية: إلزامك أو قضاء حقي، وذلك أن القائل اتبع علي إلزامك ثم خير بين الإلزام وقضاء الحق.

وهذه المحذوفات من الفصاحة العليا كما رأيت في الأمثال المنقولة، والكلمات المعنوية نحو: أخذته بدرهم فصاعدًا، وهذا ولا زعماتك، ولبيك وسعديك، انتهى.

وإذا عطفت ما بعد الفاء والواو، لم يكن معنى العطف كمعنى النصب فقولك: ما تأتينا فتحدثنا بالرفع، كل واحد من الفعلين مقصود نفيه، وكأن أداة النفي منطوق بها بعد الفاء، وإذا نصبت كان انتفاء الحديث متسببًا عن انتفاء الإتيان.

وذهب الكوفيون، وتبعهم الأعلم إلى أنه قد يكون الرفع على معنى النصب، وحملوا عليه قوله تعالى:«ولا يؤذن لهم فيعتذرون» قالوا: رفع يعتذرون على النسق، وفيه معنى النصب، فأفادت الفاء ما أفادت في قوله تعالى:

ص: 1682

«لا يقضى عليهم فيموتوا» قال الفراء: وأوثر هنا الرفع على النصب، لمناسبة رءوس الآي، وحكى الفراء عن العرب: أفلا يخرج إلى مكة، فيأجره الله ويصيب حاجته من المشي، فرفع «يأجر» ، و «يصيب» عطفًا على يخرج، وفيه معنى النصب (بالفاء) على جواب الجحد والاستفهام قال الأعلم: وذلك قليل، وإنما جعل النحويون معنى الرفع غير معنى النصب، رعيًا للأكثر في كلام العرب انتهى.

والنصب بعد الفاء على معنى الحال، أي ما تأتينا تحدثنا إنما تأتي ولا تحدث، أو على معنى كيف أي: فكيف تحدثنا أي انتفى الإتيان، وما تسبب عنه، وهو الحديث.

ويميز (واو) الجمع تقدير (مع) موضعها، وذلك على سبيل التحتم، لا على جهة الجواز، وكونها جامعة بمعنى مع، وهو مذهب الجمهور، وقولهم تقع الواو في جواب كذا، وكذا هو على جهة المجاز لا على جهة الحقيقة.

وذهب بعضهم إلى أن النصب بعد الواو هو على معنى الجواب وليس بصحيح، ويميز فاء الجواب تقدير شرط قبلها، أو حال مكانها، وتنفرد (الفاء) بأنه إذا حذفت جاز أن ينجزم ما بعدها، والصحيح أن الجزم بعد حذف الفاء في النفي لا يجوز، ولم يرد به سماع، ولا يقتضيه قياس تقول: ائتني أكرمك، ولا تعص الله يدخلك الجنة، ويا رب وفقني أطعك، وهل تزروني أزرك، ولا تنزل نصب خيرًا، وليت لي مالا أنفق منه، وسمع الجزم بعد الترجي، فدل على ترجيح مذهب

ص: 1683

الكوفيين في أنه ينصب الفعل بعد الفاء جوابًا للترجي، وفي الجازم أربعة مذاهب:

أحدها: أن الأمر والنهي وباقيها ضمن معنى الجزم، فيجزم فضمن: ائتني معنى إن تأتني، ونسب هذا إلى الخليل وسيبويه، وقال به ابن خروف، وابن مالك.

الثاني: أن هذه الأشياء نابت مناب الشرط، أي حذفت جملة الشرط، وأنيبت هذه في العمل منابها، ونظير ذلك قولهم: ضربا زيدا ناب (ضربا) عن اضرب على أصح القولين ونيابتها مناب الشرط، هو مذهب الفارسي، والسيرافي، وصححه ابن عصفور.

والثالث: أنه مجزوم بلام مقدرة.

الرابع: أنه مجزوم بشرط مقدر قبلها دل عليه ما قبله، وهو الذي نختاره، وقال به أكثر المتأخرين، وإذا قصد بالفعل الوصف، أو الحال، أو الاستئناف جاز رفعه نحو: ليت لي مالاً أنفق منه، فأنفق في موضع الوصف، وليت زيدًا يقوم يزورنا فـ «يزورنا» في موضع الحال، ويحتمل الاستئناف، وإذا دل على الأمر بما صورته صورة الخبر، سواء أكان اسمًا نحو: حسبك ينم الناس أم فعلا نحو: اتقي الله امرؤ فعل خيرًا يثب عليه، أم اسم فعل نحو: نزال أكرمك، وعليك زيدًا

ص: 1684

يحسن إليك، ومكانك تسترح جاز جزم الفعل على الجواب كما في الأمر، وحسبك مبتدأ خبره محذوف أي حسبك السكوت، ولا يظهر، والجملة متضمنة معنى اكفف، وزعمت جماعة منهم ابن طاهر أنه مبتدأ بلا خبر، لأنه في معنى ما لا يخبر عنه، قال بعض أصحابنا: ولو قيل إنه اسم فعل مبني، والكاف للخطاب، وضم، لأنه قد كان معربًا، فحمل على قبل وبعد، ويا حكم لم يبعد عندي.

وقال بعض أصحابنا: الفعل الخبري لفظًا الأمري معنى لا ينقاس، ولم يسمع منه إلا الذي ذكرناه، والشرط المقدر بعد النهي لا بد أن يكون منفيًا، وإلا لم يجزم الجواب مثاله: لا تدن من الأسد تفلت منه، التقدير: إلا تدن من الأسد يأكلك التقدير: إن تدن من الأسد يأكلك، وقد نسب هذا الكوفيين، وقال الجرمي: يجوز على رداءة، وقال الأخفش: يجوز الجزم لا على أنه جواب، بل حملاً على اللفظ الأول، لأنه مجزوم، وإذا دخل الاستفهام على النفي، وأريد به التقرير، وضمن معنى الشرط، قدر فعل الشرط غير منفي نحو قولك: ألا تصحبنا تنج من الشر أي لتصحبنا، وإن قدرته استفهامًا محضًا ضمن معنى الشرط كان تقدير فعل الشرط منفيًا نحو: ألا تصحبنا لا تنل خيرًا، تقديره: إن لا تصحبنا لا تنل خيرًا.

وينصب المضارع أيضًا بعد الواو والفاء الواقعتين بين شرط وجزاء أو بعدهما، وزاد بعضهم بعد (أو) والكوفيون بعد ثم: مثال ذلك بين الشرط وجزائه، إن تأتني فتحدثني أحسن إليك، وكذلك إن جعلت مكان الفاء (الواو) أو (أو) أو (ثم) على من أجاز ذلك.

وسواء أكان فعلا الشرط والجزاء مجزومين، أو ماضيين، أو كانت جملة الجزاء اسمية، أو بالفعل الداخل عليه الفاء، أو كان الجزاء محذوفًا مثال ذلك: إن تزرني

ص: 1685

فتحسن إلي فأنا أزورك أو فأحسن إليك أو

لئن كنت مقتولاً ويسلم عامر

أي فلا يدعني قومي صريحا لحرة، ومثال ذلك بعد الشرط والجزاء قوله تعالى:«وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله» [قرئ بالرفع والنصب والجزم، وكذلك (الواو)، و (أو)، و (ثم) في مذهب من أجاز ذلك وقوله تعالى: «وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر» وقرئ] بالثلاثة، والأحسن التشريك في الجزم، إذا كان قبله، أو بعده مجزوم، وإذا ارتفع فهو على إضمار مبتدأ، وإذا كانت جملة الجزاء اسمية، فالرفع وجه الكلام، ويجوز الجزم والنصب، ولم يذكر سيبويه فيه النصب، وإذا عطفت مضارعًا بعد الفعل المنصوب بعد فعل الجزاء جاز في المضارع الرفع على الاستئناف، والنصب عطفًا على المنصوب، والجزم على موضع المنصوب مثاله: إن تأتني أحسن

ص: 1686

إليك وأزورك، وأكرم أخاك، فيجوز في أكرم النصب، وهو ظاهر، والرفع على الاستئناف، والجزم على موضع وأزورك، وأجاز سيبويه النصب بعد أفعال الشك، قال: وتقول: حسبته شتمني فأثب عليه، إذا لم يكن الوثوب واقعًا. ومعناه: أن لو شتمني لوثبت عليه، وإن كان الوثوب قد وقع، فليس إلا الرفع، وذهب غيره إلى أنه من الواجب الذي لا ينقاس النصب فيه إن جاء، ولا يجوز النصب بعد إنما، إن كان المعنى على الحصر، وأجازه بعضهم، وحمل عليه قوله تعالى:«إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون» على قراءة من نصب «فيكون» فلو كان الحصر بـ (إلا)، أو كان الفعل واجبًا خاليًا من أداة الشرط، فلا يجوز النصب إلا اضطرارًا نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وقوله:

...

...

...

وألحق بالحجاز فأستريحا

ص: 1687

وقد تؤول (فأستريحا) ونحوه على أن الألف فيه بدل من النون الخفيفة الواقعة في غير القسم.

واختلفوا في الفعل الواجب، إذا كان سببًا لما بعده نحو: زيد يأتي الأمير لا يقطع اللص، وربطت الفرس لا ينفلت، وأوثقت العبد لا يفر؛ فذهب الخليل، وسيبويه، والبصريون إلى أنه يرفع، ولا يجوز الجزم فيه، وذهب الكوفيون إلى جواز رفعه، وجزمه، وحكى الفراء: أن العرب ترفع هذا، وتجزمه قال: وإنما أجزم؛ لأن تأويله: إن لم أربطه انفلت، وقال ابن عصفور: الجزم ضرورة، ولا يقاس عليه في الشعر، وليس من شرطه أن يكون الفعل منفيًا بـ (لا)، بل يجيز الكوفيون أن يكون مثبتًا نحو: زيد يأتي الأمير يفلت اللص، تقديره: إن يأت الأمير يفلت اللص، فأما الجزم على مذهب من أجازه فعلى لحظ معنى الشرط والجزاء، وإن لم يكن بأداة الشرط والجزاء، ولا من الأشياء السابق ذكرها، وأما الرفع فلم أر أحدًا تعرض له لتخريجه، ومعنى الكلام يقتضي أنه متعلق بما قبله، والمعنى ربطت الفرس لئلا ينفلت فهو مفعول من أجله حذفت منه اللام، ثم اتسعت العرب في ذلك فحذفت (إن)، فارتفع الفعل، ويجوز إظهار (أن) وإضمارها بعد حرف عطف به مصدر مقدر على مصدر صريح، أو على اسم غير مصدر مثال ذلك:

للبس عباءة وتقر عيني

...

....

ص: 1688

التقدير: وأن تقر عيني أي: وقرة عيني، وقولك: لولا زيد ويحسن إلي لهلكت أي؛ وإحسانه، وجاء العطف بالواو كما مثلنا وبالفاء نحو قوله:

لولا توقع معتر فأرضيه

...

... ....

وبـ (أو) نحو قوله تعالى: «إلا وحيا أو من ورآي حجاب أو يرسل» وبـ (ثم) نحو قوله:

إني وقتلى سليكا ثم أعقله

...

....

ص: 1689

ولا يجوز ذلك في غير هذه الحروف لو قلت: عجبت من قيامك بل تقعد أو من قيامك لا تقعد لم يجز، ولا يجوز أن تحذف (أن) في غير ما تقدم ذكره، بل يجب إظهارها هذا مذهب جماعة منهم متأخرو أصحابنا.

وذهب جماعة إلى أنه يجوز حذفها في غير تلك المواضع، واختلفوا، فذهب أكثرهم إلى أنه إذا حذفت وجب رفع الفعل، وهو مذهب أبي الحسن، وذهب أبو العباس إلى أنه إذا حذفت (أن) بقى عملها.

واختلفوا في القياس على ما حذفت منه (أن) فقاس عليه بعضهم، وهو مذهب الكوفيين، ومن وافقهم من البصريين والصحيح قصر ما حذف من ذلك على السماع، ولا يرفع، ولا ينصب بعد الحذف إلا ما سمع.

ص: 1690