المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التابع هو محصور بالعد فلا يحتاج إلى رسم، ولا حد، - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌باب التابع هو محصور بالعد فلا يحتاج إلى رسم، ولا حد،

‌باب التابع

هو محصور بالعد فلا يحتاج إلى رسم، ولا حد، وهو النعت، وعطف البيان والتوكيد، والبدل، وعطف النسق.

النعت: تابع مقصود بالاشتقاق وصفًا، أو تأويلاً، (تابع) جنس يشمل التوابع مقصود بالاشتقاق، فصل يخرج بقية التوابع، وعدل عن مشتق احترازًا عما كان في الأصل مشتقًا صفة ثم غلب، فصار التعيين به أكمل من العلم نحو الصديق تابعًا لأبي بكر، والصعق تابعًا لخويلد، فأعرب عطف بيان، وتم الحد، وجاء وضعًا نحو:[مررت برجل] كريم، أو تأويلاً نحو: برجل أسد، أي شجاع تقسيمًا للمقصود بالاشتقاق، وليس من شرطه أن يكون ثابتًا مصاحبًا للمنعوت، خلافًا لمن ذهب إلى ذلك.

ويجيء التخصيص نحو: «والصلاة الوسطى» «آيات محكمات» وللتعميم نحو: يحشر الله الأولين والآخرين. وللتفصيل نحو: مررت برجل عربي، وعجمي، وللمدح: سبحان الله العظيم، وللذم:«من الشيطان الرجيم» وللترحم: بزيد المسكين، وللتوكيد:«نفخة واحدة» ، ولخلقة نحو: طويل، وحرفه نحو: بزار، وفعل علاج: ذاهب ونائم، وغير علاج: عالم وفهم، ونسب: هاشمي، وغير ذلك نحو: ذي مال.

ص: 1907

ويوافق المتبوع في التعريف، والتنكير إذا تبع في الإعراب، فإن قطع الوصف لم يلزم ذلك نحو:

على مستقل للنوائب والحرب

أخاها إذا كانت غضابا

فـ (مستقل) نكةر، وصفته المقطوعة عنه وهي أخاها معرفة، والموافقة في التعريف والتنكير إذا لم يكن قطع هو مذهب سيبويه، وجمهور البصريين، فإن كان الموصوف المعرف باللام لا يراد به شخص بعينه، والصفة: أفعل من، أو مثلك وأخواته جاز أن تجرى عليه، وإن كانت نكرة نحو: ما يحسن بالرجل مثلك، ومررت بالرجل أفضل منك، فجوز ذلك الخليل، وزعم الأخفش أن (أل) زائدة، فهو من وصف النكرة بالنكرة.

وذهب بعض الكوفيين إلى جواز التخالف بكون النعت نكرة إذا كان لمدح أو ذم، وجعل منه:«ويل لكل همزة لمزة الذي جمع» فالذي وصف لـ (همة)، وأجاز الأخفش: وصف النكرة بالمعرفة إذا تخصصت النكرة قبل بالوصف نحو: «فآخران يقومان» ثم قال: (الأوليان) فالأوليان صفة

ص: 1908

لآخران لما تخصصت، وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة ومنه عنده:

...

... وللمغني رسول الزور قواد

فـ (قواد) صفة للمغني، وزعم ابن الطراوة أنه يجوز وصف المعرفة بالنكرة إذا كان الوصف بها خاصًا بالموصوف وجعل من ذلك:

وفي أنيابها السم ناقع

وقال: ناقع صفة للسم، والذي نختاره أنه لا تنعت المعرفة إلا بالمعرفة، ولا النكرة إلا بالنكرة إذا توافقا في الإعراب.

والنعت إن رفع ضمير المنعوت مشتقًا جاريًا على فعله، وهو ما جاء على قياس مطرد كـ (عالم)، وظريف تبع في أربعة من عشرة واحد من وجوه الإعراب. وواحد من الإفراد، والتثنية، والجمع، وواحد من التذكير والتأنيث، وواحد من التعريف والتنكير.

واختلف في قول العرب: أسود سالخ إذا ثني وجمع الموصوف، فقال أبو حاتم: يقال: أساود سلخ، وسوالخ، وسالخات، وقال: اللحياني الجمع: سالخات، وأنكر التميمي النحوي ذلك، وقال: يقال في الاثنين: أسودان سالخ وسود سالخ ولا يقال: سالخان ولا يجمع في الجمع، وقال أبو سهل الهروي: خصوا أسود للذكر من الحيات فجمعه: أساود، واستغنوا عن جمع صفته فقالوا: أساود سالخ، ومن جمع وصفه أجرى الصفة مجرى الموصوف في إفراده وجمعه.

ولا توصف أسودة بسالخة، واستغنوا بتخصيصها بهذه الاسمية من وصفها بسالخة انتهى أو غير جار كفعول، وفعيل بمعنى مفعول، ومفعال ومفعيل للمبالغة

ص: 1909

نحو: صبور، وجريح ومطعام، ومحضير تبع في ثلاثة من ثمانية واحد من وجوه الإعراب، وواحد من الإفراد والتثنية والجمع، وواحد من التعريف والتنكير ما عدا (أفعل) للمفاضلة، فـ (مع)(من)، أو مضافًا إلى نكرة، تبع في اثنين من خمسة واحد من وجوه الإعراب، والآخر التنكير خاصة، أو معرفة (بأل)، ففي أربعة من عشرة ويتعين التعريف، أو مضافة إلى معرفة، فيجوز أن يتبع في أربعة من عشرة وأن يتبع في اثنين من خمسة كحاله بمن، أو غير مشتق منسوبًا فحكمه حكم المشتق الجاري، أو غير منسوب تبع في ثلاثة من ثمانية نحو: مررت بامرأة أسد، وبامرأة حجر الرأس، ولا يقال: أسدة، ولا حجرة ما عدا (أيا) فتفرد، وتذكر على كل حال، ولا يلزم تأنيثها، فيتبع في اثنين من خمسة واحد من وجوه الإعراب، والتنكير وما عدا (مثلاً) فتذكر وتفرد، وقد يجوز جمعها وتأنيثها، فإن كانت غير إضافة لزم تثنيتها وجمعها نحو: مررت برجلين مثلين، وبرجال أمثال.

وما عدا الوصف بالمصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث إلا ما حكى شاذًا من قولهم: فرس طيوعة القياد، والحية الخنثعة، وأضياف، وضيوف وضيفان، وأصله: طيوع، وخثع، وضيف مصادر وهو موقوف على السماع، وإن رفع سببي المنعوت، فيأتي ذكره في باب الصفة المشبهة، ونذكر مسألة ذكر أصلها سيبويه، وهي ما التبس بالموصوف نحو: مررت برجل ضاربه زيد أو بشيء من سببه نحو: مررت برجل ضارب أباه زيد، فما كان منونًا فلا خلاف في جريانه على الأول، وما ليس بمنون، فسيبويه يجعله كالمنون جاريًا على الأول، ووافقه الفراء إلا فيما وقع علاجًا فيلزم نصبه نحو: مررت برجل ملازمه رجل، وعيسى بن عمر فيما قاله الصفار البطليوسي: يلزم الرفع في العلاج مطلقًا وقع نحوه: مررت برجل ضاربه رجل، أو لم يقع نحو: سأمر برجل ضاربه رجل، وغير علاج إن وقع التزم نصبه نحو: مررت برجل مخالطه ذا، وإن لم يقع أتبعه الأول نحو: سأمر

ص: 1910

برجل مخالطه ذا، ويونس لا يجري شيئًا، بل ينصب ما كان واقعًا علاجًا، أو غير علاج، ويرفع ما لم يقع علاجًا أو غير علاج.

ولا يمنع سيبويه النصب والرفع في هذه الصفات، وإنما منع التزام النصب، والرفع والتفصيل الذي فصلوا، ويعنون بالواقع الحال، وبغير الواقع المستقبل، فمن نصب فعلى الحال، ومن رفع فعلى الابتداء والصحيح مذهب سيبويه.

وفي التمهيد: الخلاف إنما هو في استحباب ما ذهب إليه عيسى، ويونس لا في جوازه والعلاج كالضارب، والكاسر، وغير العلاج ما لا يرى كالمخالط.

وزعم الفراء: أن النعت على مذهبين أحدهما: تكرير الاسم فلا راجع فيه من ذكر المنعوت، والثاني: أن يتبع على نية الصلة، ففيه راجع فإذا قلت: قام عبد الله الظريف والظريف على نية التكرار فلا راجع، أو على نية الصلة ففيه راجع، والبصريون لا يكون النعت عندهم صلة، وإذا لم يرفع السببي، فلا بد فيه من الضمير، ونصوص أئمتنا على أن النعت يكون دون المنعوت في التعريف، أو مساويًا، أما أن يكون أعرف فلا، وهو مذهب البصريين، وتقدم مذهب البصريين في رتبة المعرفة، وبنوا على ذلك أحكام النعت فقالوا: يوصف العلم بالمبهم، ولا يجوز ذلك عند الكوفيين بل هو عندهم ترجمة يعنون البدل نحو: زيد هذا قائم.

وبذي (أل) وبما أضيف إلى معرفة مطلقًا، ويوصف المبهم باسم الجنس فقط، ويأتي الخلاف فيه، ويوصف ذو (أل) بما فيه (أل)، ويوصف المضاف إلى الضمير، أو العلم بما أضيف إليهما.

ص: 1911

ويوصف المضاف إلى ذي (أل) بما يوصف به العلم، ويوصف المضاف إلى المبهم بالمبهم، وبذي (أل) وبما يوصف به ذو (أل)، وذهب الفراء إلى أنه يوصف الأعم بالأخص نحو: مررت بالرجل أخيك على الوصف، وذهب بعض المتأخرين، ومنهم ابن خروف إلى أنه يجوز أن توصف كل معرفة بكل معرفة كما توصف كل نكرة بكل نكرة.

فلا يلحظ في ذلك تخصيص، ولا تعميم، وكان ابن خروف يرى أن ما ذكره النحاة من هذا التخصيص في المعارف دعوى بلا دليل، ومما لم يتبع النعت فيه المنعوت قول العرب:«هذا جحر ضب خرب» بجر (خرب)، وحقه الرفع، لأنه وصف للجحر لا للضب، لكنه جر لمجاورته المجرور، وهذا الذي يقولون فيه الخفض على الجوار.

وجاء من ذلك عدة أبيات، وهذا رواه سيبويه، وغيره عن العرب بالرفع. وهو الأصل والقياس الجر، فحمله الأكثرون على أنه صفة للجحر لكنهم

ص: 1912

جروه للمجاورة كما ذكر، وتقول: هذه جحرة ضباب خربة، فتجر، غلطوا في ذلك فجروا، فإن ثنيت قلت: هذان جحرا ضب خربان، بالرفع ولا يجوز: خربين خلافًا لمن أجاز ذلك اتكالاً على فهم المعنى، وهو معزو إجازة ذلك بالجر إلى سيبويه، وقال الفراء وغيره: لا يخفض بالجوار إلا ما استعملته العرب كذلك، فلا يقاس على ما استعمل ما لا يستعمل فلو قيل: هذه جحرة ضب خربة لم يجز الاتباع للجحرة، لأن الخفض على الجوار لم يسمع إلا في التوحيد خاصة، وقياس ما عُزى إلى سيبويه في التثنية أن يجوز ذلك في الجمع.

وذكر ابن شروان المفضل الضبي، فقال: كان والله من رجال العرب المعروف له ذلك، وفيه رد على من زعم أنه لا يكون إلا في النكرة، وهذا الخفض على الجوار إنما سمعناه في النعت، وجاء في التوكيد في بيت غريب أنشده أبو الجراح:

يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم

...

...

...

وزعم بعض النحويين أنه جاء في العطف، وحمل عليه، «وأرجلكم»

ص: 1913

في قراءة من جر، وأما في البدل فلا يحفظ ذلك من كلامهم، ولا خرج عليه أحد ممن علمناه، وقال بعض من عاصرناه: أكثرهم يخصه بالمجرور، وقد جاء في المرفوع في قوله:

...

....

مشى الهلوك عليها الخيعل الفضل

رفع (الفضل) اتباعًا للمرفوع قبله لقرينة، والخفض على الجوار قال به الجمهور من أهل البصرة والكوفة، ورام إخراج ذلك عنه السيرافي، وابن جني، على اختلاف في التقدير، فقدره السيرافي: خرب الجحر منه، كما تقول: حسن الوجه منه حذف الضمير للعلم به، ثم أضمر الجحر فصار خرب، ولم يبرز الضمير كما لم يبرز في: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين جار على رجل، ولم يبرز الضمير؛ لأنه لو برز لقال لا قاعدهما، وقدره ابن جني: خرب جحره، ثم نقل الضمير فصار خرب الجحر ثم حذف قال: فهذا جر صحيح، وهو نعت للضب، وتقديرها خطأ قد بيناه في الشرح للتسهيل.

ص: 1914