المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب النداء النداء لغة الدعاء، واصطلاحًا الدعاء بحروف مخصوصة، وتكسر نون - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌باب النداء النداء لغة الدعاء، واصطلاحًا الدعاء بحروف مخصوصة، وتكسر نون

‌باب النداء

النداء لغة الدعاء، واصطلاحًا الدعاء بحروف مخصوصة، وتكسر نون النداء وتضم، وهمزته منقلبة عن واو كهي في كساء، ومذهب الجمهور أنها حروف، وذهب بعض النحاة إلى أنها أسماء أفعال تتحمل ضميرًا مستكنًا فيها، وأعمها استعمالاً:(يا) ينادى بها القريب والبعيد، والهمزة للقريب، و (آ) حكاها الأخفش والكوفيون، وزعم ابن عصفور أنها للقريب كالهمزة، و (أي) زعم المبرد وجماعة من المتأخرين أنها للقريب كالهمزة، و (أي) حكاها الكسائي.

وذكر سيبويه رواية عن العرب أن الهمزة للقريب وما سواها للبعيد، وما هو للبعيد (أيا) و (هيا)، وزعم ابن السكيت، وتبعه ابن الخشاب أن (هاء) هيا بدل من همزة (أيا)، و (وا) ذكر سيبويه والجمهور أنها مختصة بالندبة، وقيل تستعمل في غيرها، والنداء إنشاء، وقيل إن كان بالصفة فهو خبر نحو: يا فاسق.

والمنادي منصوب لفظًا، أو تقديرًا إلا إن كان مستغاثًا به، أو متعجبًا منه، فيدخل عليه لام الجر، وناصبه عند الجمهور فعل مضمر بعد الأداة تقديره: أنادي، أو أدعو، وهو إنشاء كـ (أقسم) في باب القسم، وقيل الناصب الأداة، وهي اسم فعل، وقيل الحرف نفسه، وقيل الحرف بنيابته عن الفعل، وهو مذهب

ص: 2179

الفارسي، ويلزم الحرف إذا نودي (الله) بغير ميم مشددة، والمستغاث به والمتعجب منه نحو: يا لزيد لعمرو، ويا للماء، والمندوب، ونص البصريون على أنه يلزم اسم الإشارة واسم الجنس إلا في شذوذ أو ضرورة، وجاء منه ألفاظ منها (أعور عينك، والحجر)، و (افتد مخنوق) و (أصبح ليل)، و (أطرق كرا)، و (ثوبي حجر)، و (اشتدي أزمة تنفرجي)، وجاء في الشعر:

ص: 2180

كليه وجريه ضباع

....

...

...

...

و:

... عطار هلا أتيتنا

...

...

....

وفي جواز حذفه من النكرة غير المقبل عليها خلاف نحو: رجلاً خذ بيدي، ويجوز حذفه مما سوى ذلك كالعلم والموصول وغيرهما.

واختلفوا في جواز حذف المنادي، وإبقاء الأداة تدل عليه، والذي يقتضيه النظر المنع، وفي جواز الحل من المنادي على مذاهب:

أحدها: الجواز مطلقًا، وهو مذهب المبرد، وابن طاهر، وابن طلحة من المتأخرين.

الثاني: المنع، وهو مذهب الكوفيين وبعض البصريين.

الثالث: التفصيل بين أن تكون الحال مؤكدة أو مبنية فلا يجوز، وهو مذهب الأخفش، والمازني، والفارسي، ولا نص عن سيبويه في إجازة ولا منع، وجاء في الشعر:

ص: 2181

يا أيها الربع مبكيا بساحته

...

... ....

و (مبكيًا) حال، قال ابن مالك: وقد يعمل عامل المنادي في المصدر، والظرف، والحال، وأنشد في المصدر:

يا هند دعوة صب هائم دنف

...

...

...

ولا يفصل بين الحرف والمنادى، وقال ابن مالك: قد يفصل بالأمر كقول جداية بنت خالد النخعية تخاطب أمها لطيف:

ألا يا فابك شوالا لطيفًا

...

...

...

(تريد يا لطيفة) فرخمت، والمنادى غير المجرور باللام ينقسم إلى مفرد ومضاف ومشبه بالمضاف ويسمى المطول والممطول، والمفرد في هذا الباب، وفي باب (لا) هو قسم للمضاف والمطول، فالمفرد: إن كان مبني الوضع، أو محكيًا بقى على

ص: 2182

حاله نحو: رقاش، وسيبويه، وهؤلاء، وبرق نحره، وفي جواز ندائه مضمرًا لضمير النصب نحو:(يا إياك)، وبضمير الرفع نحو (يا أنت) خلاف، والصحيح المنع، وفي ندائه مشارًا مصحوبًا بحرف الخطاب نحو: يا ذاك خلاف، منع من ندائه السيرافي ووافقه سيبويه في كلامه أن أولئك ينادى، فإن لم يصحبه الحرف فلا خلاف في جواز ندائه، ولا ينادى ضمير متكلم، ولا ضمير غائب لا يقال:(يا أنا)، ولا (يا هو) وإن كن معربًا في الأصل بني على ما يرفع به تقول: يا زيد، ويا رجل، ويا زيدان، ويا زيدون، ويا مصطفون، وذهب بعض الكوفيين إلى تثنية المثنى والمجموع على حد المضاف فنادوهما بالياء نحو: يا زيدين، ويا زيدين، ويا مصطفين، ولما تنزل (عشر) في اثنتى عشر، و (عشرة) في اثنتي عشر منزلة النون كان نداؤها بالألف فتقول:«يا اثنا عشر، ويا اثنتا عشرة» ، وأجرى ذلك الكوفيون مجرى الإضافة فقالوا:«يا اثنى عشر، ويا اثنتى عشرة» .

وحركة (يا زيد)، و (يا رجل) حركة بناء خلافًا للكسائي، والرياشي في زعمهما أنها حركة إعراب، وما كان علمًا نحو:(يا زيد) فهو باق على تعريفه بالعلمية وهو مذهب ابن السراج، وذهب المبرد، والفارسي إلى أنه يسلب تعريفه بالعلمية ويصير معرفة بالإقبال عليه والخطاب.

وفي نداء النكرة غير الموصوفة خلاف، مذهب البصريين: جواز النداء مطلقًا، مقبل عليها وغير مقبل، ومذهب المازني: إنكار وجود النكرة غير مقبل

ص: 2183

عليها في النداء، ومذهب الكسائي والفراء، وعامة الكوفيين أنه إن كان خلفًا من موصوف جاز نداؤها، وإلا فلا، وزعموا أن من شرط النكرة غير المقبل عليها أن تكون موصوفة، أو خلفًا من موصوف، فلا يجوز عندهم (يا رجلا)، وزعموا أنه ليس بمسموع، وإذا وصفت النكرة، فمذهب البصريين أنه يجب نصبها قصدت واحدًا بعينه أولا، ومذهب الكسائي جواز الرفع والنصب فيها، ومذهب الفراء: التفصيل بين أن يكون فيه ضمير غيبة، فيجب النصب نحو: يا رجلاً ضرب زيدًا، أو ضمير خطاب فيجب الرفع نحو: يا رجل ضربت زيدًا.

ونقل ابن مالك عن الفراء أنه قال: النكرة المقصودة الموصوفة المناداة تؤثر العرب نصبها نحو: يا رجلاً كريمًا، فإذا أفردوا رفعوا أكثر مما ينصبون، انتهى.

وما جاء في الشعر من قوله:

ألا يا نخلة من ذات عرق

...

... ....

ص: 2184

و:

أدارًا بحزوى

...

...

...

...

...

قال المازني: لا تكون غير مقبل عليها، وقال الكوفيون: نكرة غير مقبل عليها وقال ابن الطراوة: معرفة، وما بعدها صلة لموصول محذوف تقديره (ألا يا نخلة التي من ذات عرق) و (أدارًا التي بحزوى).

وفي تعريف النكرة المقبل عليها خلاف، فقيل بالإقبال، وقيل بأل المحذوفة، وناب عنها حرف النداء، ويجوز وصف المنادي المبني على الضم، وهو مذهب سيبويه، والخليل والأكثرين، وذهب الأصمعي وقوم من الكوفيين إلى أنه لا يجوز وصفه، وقال الفارسي: يجوز، والقياس أن لا يجوز، والمضاف والمشبه به منصوبان، ولا يخلو المضاف من أن يضاف إلى معرفة نحو: يا غلام زيد، أو إلى نكرة، فإن كانت محضة نحو: يا أخا رجل، ويا أخا صدق فهو نكرة، ولا يجو أن يقصد به واحد بعينه فيعرفه بالنداء، وقال الجرجاني: يصح أن يكون معينا، واسم الفاعل الماضي من قبيل ما أضيف إلى معرفة، فإن كان بمعنى الحال والاستقبال، أو كان صفة مشبهة، فقيل يجرى مجرى [المضاف إلى النكرة،

ص: 2185

فلا يقصد تعريفه في النداء، وقيل يجرى مجرى] يا ضاربًا رجلاً، فيكون مطولاً.

ونص سيبويه في اسم الفاعل على أنه بمنزلة المطول لعروض الإضافة، وينبغي أن تقاس الصفة المشبهة عليه، وإن أضيف إلى معرفة، فإن كان ضمير المتكلم جاز نحو: يا غلامي، إن كان لمخاطب لم يجز لا يقال يا غلامك، وإن كان ظاهرًا، والمضاف إليه أم أو عم، فسيأتي حكمه، أو غير ذلك فلا يجوز الفصل بينهما إلا في ضرورة نحو:

...

...

... يا بؤس للجهل

...

نص عليه سيبويه، والمشبه بالمضاف، وهو المطول هو ماله عمل فيما بعده، ويعطف نحو: يا ضاربًا رجلاً، ويا خيرًا من زيد، ويا عشرين رجلاً، ويا زيدًا وعمرًا مسمى به.

وشرط المعمول أن يكون ملفوظًا به، فإن كان مستترًا في الاسم المنادى نحو: قولك: (يا ذاهب) تنادي واحدًا بعينه، ففيه ضمير مستتر، ولا يكون مطولاً

ص: 2186

فينصب، فلو عطفت على الاسم المنادي، فقتل: يا ذاهب وزيد بنيتهما على الضم، فلو عطفت على الضمير المستكن في (ذاهب) قلت: يا ذاهبًا وزيد تريد يا ذاهبًا هو وزيد، وصار مطولاً، لأنه عامل في (زيد) بوساطة حرف العطف، ولو قلت: يا مشتركا وزيد، لم يكن في مشترك إلا النصب، وقال الفارسي لو قلت: يا ثلاثة وثلاثين، وهما مسمى بهما نصبت للطول، ولو ناديت جماعة هذه عدتهم قلت: يا ثلاثة والثلاثون، أو يا ثلاثة والثلاثين كما تقول يا زيد والنضر، والنضر، وقال ابن خروف: وهذه الأسماء الأعلام: تبقى على ما كانت عليه قبل التسمية بها من رفع، أو نصب أو خفض؛ فإن كانت من مرفوع قلت: يا ثلاثة ويا ثلاثون.

وقد أجاز بعضهم تكرير (يا) في الثلاثين التي في حال العلمية، ومنع ذلك سيبويه، ومن قبيل المضاف قولك في الصفة المشبهة: يا حسن الوجه، ويا جميل الأنف، فلا يجوز فيه حالة الإضافة إلا النصب، وأجاز أحمد بن يحيى فيه الضم فتقول: يا حسن الوجه كأنه لم يعتد بالمضاف إليه وتقول: يا زيد بن عمرو فلك في (زيد) الفتح، وهو اختيار البصريين، وقال ابن كيسان: هو أكثر في كلام العرب، وزعم المبرد أن الضم أجود، وحركة (ابن عمرو) حركة إعراب إذا فتحت (يا زيد) في قول الجمهور، لأنه مضاف إلى ما بعده، وقال عبد القاهر: هي حركة بناء، لأنك ركبته مع زيد، وجعلا بمنزلة (يا ابن أم)، و (يا ابن عم) انتهى.

وشرط الفتح أن يكون (ابن) صفة للمنادي العلم مضافًا إلى علم، ولم يفصل

ص: 2187

بينه وبين منعوته، فلو كان (ابن) بدلاً أو عطف بيان أو منادى مضافًا أو مفعولاً بفعل مضمر أو كان قبل (ابن) غير علم نحو: يا غلام ابن زيد، أو كان مضافًا إلى غير علم نحو: يا زيد ابن أخينا، أو كان مفصولاً بينه، وبين منعوته نحو: يا زيد الكريم بن عمرو، لم يكن في (زيد) المنادى إلا الضم، ولو كانت الضمة مقدرة نحو: يا موسى بن زيد، فالظاهر عند الفراء يجيز فيه تقدير الفتحة، وقال ابن مالك: لا ينوى تبديل (الفتحة بالضمة).

وفي النهاية: وقال الله تعالى: «يا عيسى ابن مريم» فـ (ألف) عيسى في موضع فتح حملاً للقرآن على أشيع القولين انتهى.

وحكى الأخفش تبعية حركة ابن لضمة زيد فتقول: يا زيد بن عمرو كما تبعت حركة زيد لحركة (ابن) في الفتحة حين قالوا: يا زيد بن عمرو، ولو وصف بغير (ابن) لم يجز فيه إلا الضم نحو: يا زيد الكريم، وأجاز الكوفيون فتحه إذا وصف بغير ابن، وكان الوصف مفردًا نحو: يا زيد الكريم، وإذا كان (ابن) صفة بين متفقي اللفظ غير علمين نحو قولك: يا كريم ابن كريم، ويا شريف ابن شريف، ويا كلب ابن كلب، ويا وثن ابن وثن، ويا كلب بن الكلب، يا وثن بن الوثن، ويا ضل بن ضل، فمذهب البصريين أنه لا يجوز في المنادى إلا الضم، ومذهب الكوفيين جواز الضم والفتح كحال العلمين إذا كان بينهما (ابن) صفة، ومن إجراء ذلك مجرى العلمين ما أنشده الفراء:

يا غنم بن غنم محبوسة

فيها ثغاء ونعيق وحبق

وإذا سميت (بداع)، أو (بمسلمات)، أو (بزيدين) أو (بزيدين) حاكيًا

ص: 2188

إعرابهما قلت في لغة من قال: يا زيد بن عمرو (بفتح الدال)، يا داعي بن عمرو، ويا مسلمات بن عمرو، ويا زيدين بن عمرو، وعلى لغة من ضم تقول: يا داع بن عمرو ويا مسلمات بن عمرو، ومن جعل الإعراب في النون قال: يا زيدان بن عمرو، يا زيدون بن عمرو، ويا زيدين بن عمرو، ويا زيدين بن عمرو، وتقول: يا حار بن عمرو، فيمن نوى المحذوف على لغة يا زيد بن عمرو، ويا زيد بن عمرو، فإن بنيت (يا حار) قلت: يا حار بن زيد، ويا حار بن زيد، لأنك لم تنو المحذوف، فكانت الراء تمام الكلمة.

وإذا وقع (ابن) صفة بين علمين بالشرط الذي تقدم في النداء، وجب في غير النداء أن تحذف تنوين العلم الأول، وتحذف ألف (ابن) في النداء وغيره نحو: جاء زيد بن عمرو، ورأيت زيد بن عمرو، ومررت بزيد بن عمرو، ولا يثبت التنوين إلا في ضرورة نحو قوله:

جارية من قيس بن ثعلبة

وليس حذف التنوين منه لتركيب الصفة والموصوف، فوقع وسطًا، فحذف وبقى نون (ابن) حرف الإعراب، والدال تابع للنون تبعية الميم في قولك: مرء ومرأ، و (مرء)، وليس من شروط العلمين تكبيرهما خلافًا لبعض المتأخرين، واشتراط التذكير فيهما صحيح.

فلو كان الثاني مؤنثًا تعينه التنوين نحو: زيد بن علية، وحذف في عمرو بن هند لكثرة الاستعمال، وفي الوصف بابنة خلاف أجرى في النداء وغيره إذا وقعت بين علمين مجرى (ابن) حكاه ابن كيسان، وقال: موضع السماع هو في

ص: 2189

(ابن) لا في (ابنة)، فالنحويون في النداء يرفعون الأول، وينصبون (ابنة) قال: والقياس على (ابن) حسن، وفي الوصف بـ (بنت) في غير النداء وجهان:

أحدهما: حذف التنوين تقول: هذه هند بنت عاصم، حذفت لكثرة الاستعمال وحذف في (هذه هند ابنة زيد) لكثرة الاستعمال، ولالتقاء الساكنين، وإذا قلت: يا رقاش ابنة عمرو، فلا تغير حركة البناء، ويكون الفتح للإتباع تقديرًا، وفلان بن فلان، كـ (زيد بن عمرو)، وتقدم أن (فلانًا) علم كناية عن علم، وهو علم جنس، إذ صار كناية عن كل علم.

وقال المبرد: لا خلاف في حذفت التنوين من فلان بن فلان، وحكوا سماعه عن العرب انتهى.

وفي نحو نداء المنقوص المعين بالنداء خلاف، وذهب الخليل إلى أنه يحذف تنوينه، فتعود الياء التي حذفت لأجل التنوين فتقول: يا قاضي، وتقدر الضمة في الياء، كما تقدر في الألف في (يا فتى)، وذهب يونس: إلى أنه لما حذف التنوين في النداء بقى على حالته من غير رد الياء، فالضمة مقدرة في الياء المحذوفة، فإن كان المنقوص قد حذف منه، فلم يبق إلا أصل واحد ثبتت الياء إجماعًا نحو: مر، ويف، مسمى بهما فتقول: يا مري، ويا يفي.

والمنادى المضموم قد ينون اضطرارًا، واختيار الخليل، وسيبويه والمازني بقاء ضمه، واختيار أبي عمرو، وعيسى بن عمر، ويونس،

ص: 2190

والجرمي، والمبرد نصبه، وكلاهما مسموع عن العرب.

قال ابن مالك: عندي أن بقاء الضمة أرجح في العلم والنصب راجح في النكرة المعينة انتهى.

وإذا نعت المضموم المنون في الضرورة بالمفرد جاز في النعت الرفع والنصب، وإذا نعت به المنصوب لم يجز في النعت إلا النصب، ولو نونت مقصورًا نحو: يا فتى، فإن اعتقدت أنه منصوب لم يجز في نعته إلا النصب، وإن اعتقدت أنه مضموم جاز في نعته الرفع والنصب، ويظهر من كلام سيبويه أن ذلك الخلاف ليس على الاختيار بل على التحتم بين الخليل، ومن خالفه ألا ترى قول سيبويه «ولم نسمع عربيًا يقوله» يعني النصب مع التنوين، وليس للنافي حجة على المثبت، وكلاهما مسموع عن العرب، والمنادى إن كان في أوله (أل)، وكان محكيًا نحو: كـ (تسميتك الرجل قائم) جاز نداؤه فتقول: يا الرجل قائم أقبل.

وإن سميت بذي (أل) من الموصولات، كتسميتك بالذي رأيت، فذهب سيبويه إلى أنه لا ينادي، وذهب المبرد إلى جواز ندائه، وإن كان لفظ (الله) جاز نداؤه بقطع الهمزة ووصلها فتقول: يا ألله، ويا الله، وإن كان (اللهم) جاز نداؤه إلا أنه لا يباشر (يا) في مذهب البصريين، وزعموا أن الميم المشددة في آخره عوض من حرف النداء، فلا يجتمعان، وأجاز الكوفيون أن تباشره (يا) وعندهم أن الميم المشددة بقية من جملة محذوفة قدروها (أمنا بخير) وهو قول سخيف لا يحسن أن يقوله من عنده علم، وإذا قلت (اللهم): اختلفوا في جواز

ص: 2191

وصفه، فذهب سيبويه والخليل إلى أنه لا يجوز وصفه، وذهب المبرد، والزجاج إلى جواز وصفه، وإذا وصف عندهما بمفرد جاز فيه الرفع والنصب، ولا يستعمل (اللهم) إلا في النداء، وشذ استعماله في غير النداء، وشذ أيضًا حذف (أل) منه وهو كثير في الشعر قال:

لا هم إن جرهما عبادكا

وقال آخر

لا هم هذا رابع إن تما

وقال الآخر

لا هم إن كنت قبلت حجتج

وقال آخر

لا هم إن الحارث بن جبله

ص: 2192

وفي النهاية: يستعمل اللهم على ثلاثة أنحاء أحدها: أن يراد به النداء المحض كقولهم: اللهم أثبتا، الثاني: أن يذكره المجيب تمكينًا للجواب في نفس السائل يقول لك القائل: أزيد قائم فتقول أنت: اللهم نعم، أو اللهم لا. الثالث: تستعمل دليلاً على الندرة، وقلة وقوع المذكور كقولك: أنا لا أزورك اللهم إلا إذا لم تدعني ألا ترى أن وقوع الزيارة مقرونًا بعدم الدعاء قليل انتهى.

وإن كان غير هذا (بأل) فثلاثة مذاهب: الجواز مطلقًا، وهو مذهب الكوفيين، والبغداديين، والمنع مطلقًا إلا في ضرورة الشعر، وهو مذهب البصريين، والتفصيل بين أن يكون ذو (أل) مشبها به، فيجوز نحو: يا الأسد شدة، أو ليس مشبها به، فيمتنع فلا يقال يا الرجل، وهو مذهب ابن سعدان.

وفي النهاية: العلم الذي فيه (أل) في ندائه خلاف، قيل يحذف وينادى وقيل: لا ينادى، وهو الظاهر، لأن نداءه، وحذف (أل) تغيير لصيغة العلم، وينادى (بأي)، فيبنى على الضم، وتلزم بعدها هاء التنبيه مفتوحة الهاء، وضمها لغة بني مالك من بني أسد.

وقد قرئ «يا أيه الساحر» بالضم، وذلك إذا لم يكن بعدها اسم إشارة، والجمهور على أن (أيا) هذه يجيء بعدها اسم جنس بـ (أل)، أو موصول ذو (أل)، أو اسم إشارة نحو: يا أيها الرجل، و «يا أيها الذي نزل عليه الذكر» ويا أيها ذا الرجل، وهذا التابع هو وصف، وقيل عطف بيان قال

ص: 2193

ابن السيد: وهو الظاهر، ولا يكون هذا التابع إلا مرفوعًا خلافًا للمازني، إذ يجيز فيه الرفع والنصب، قالوا: والنصب فيه مخالف لكلام العرب، وذكر ابن الباذش: أن النصب فيه مسموع عن بعض العرب، فلو كان في التابع (أل) للمح الصفة كالنضر، والحارث، والعباس، فمذهب الجمهور أنه لا يجوز: يا أيها الحارث، وهو علم وأل فيه للمح الصفة، وقد أجازه الفراء، والجرمي ونص عليه.

وقال سيبويه في آخر باب الحكاية التي لا تغير فيها الأسماء عن حالها ما نصه «ولا يجوز أن تقول: يا أيها الذي رأيت كما لا يجوز يا أيها النضر، وأنت تريد الاسم الغالب» .

ومراد سيبويه إذا سمى بالذي رأيت لا يجوز أن يوصف به (أي)، وإذا اتبعت (أيا) هذه باسم الإشارة، فشرطه أن يكون اسم الإشارة منعوتًا بذي (أل) وما ذهب إليه ابن عصفور، وابن مالك من الاقتصار على اسم الإشارة وصفًا لأي، ولا نعت لاسم الإشارة، بنياه على بيت نادر شاذ لا تبنى على مثله القواعد وهو قول الشاعر

أيهذان كلا زادكما

ودعاني واغلاً فيمن وغل

ص: 2194

وفي النهاية: ويجوز أن يوصف (أي) باسم الإشارة فتقول: يا أيهذا، ويا أيهذان، ويا أيهؤلاء، ويا أيتهذه، ويا أيتهتان، ويا أيتهؤلاء، ويجوز (يا أيهذا الجملة) بدلاً من (أي) لا صفة لهذا ويجوز يا أيهذا أبو القاسم عطف بيان، لأنه لا يحل محل الأول انتهى.

وهي تراكيب تحتاج إلى سماع من العرب، واختلفوا إذا لحق اسم الإشارة كاف الخطاب أيجوز أن يوصف به (أي)، فذهب ابن كيسان إلى جواز ذلك فتقول: يا أيهذا الرجل، ويا أيهذاك الرجل، قال: وهو أقل من (يا أيهذا الرجل)، وذهب السيرافي إلى منع ذلك، وما ذهب إليه الجرمي، والفارسي، وابن جني من استضعاف نعت (أي) باسم الإشارة لا يلتفت إليه، لأنه مخالف للسماع، وذهب الكوفيون، وابن كيسان إلى أن (ها) دخلت للتنبيه على اسم الإشارة على اختلاف في التقدير فقال الكوفيون (أي) منادى ليس بموصوف، فإذا قال: يا أي التبس اسمه ثم قال: هو هذا الرجل استأنف لبيان (أي) لإبهامه، فإذا قال (يا أيها الرجل قائمًا) يريد: يا أيهذا الرجل، وحذف (ذا) اكتفاءً بـ (هاء) منها، لدلالة الرجل عليها، ولا يجوز عندهم (يا أي الرجل) فلا بد عندهم من اسم الإشارة، وهما (معه)، أو محذوفًا اسم الإشارة، وإبقاؤها اكتفاءً به من اسم الإشارة.

وقال ابن كيسان (أي) منادى، وهذا تبيين له، والرجل تبيين لاسم الإشارة، فإذا قالوا: يا أيها الرجل (فها) عنده يراد بها هذا، فإذا حذفوها اكتفوا (بها) التنبيه منها، والرجل نعت لها، كما هو نعت (لذا)، لأن معنى (ها) وهذا واحد، ولزم على هذا المذهب إجازة (يا أي الرجل)؛ فذهب إلى إجازته، ولا يحفظ من كلامهم.

ص: 2195

وذهب الأخفش في أحد قوليه: إلى أن (أيا) في النداء موصولة، والمرفوع بعدها خبر لمبتدأ محذوف، والجملة صلة (لأي) ولذلك التزم رفع ما جاء بعدها؛ لأنه خبر لمبتدأ محذوف انتهى نقل هذا المذهب.

ولا يوصف (أي) بغير ما ذكرنا من اسم الجنس، والموصول، واسم الإشارة على ما تقدم فلا تقول: يا أيها صاحب الفرس، ولا يا أيها أخا عمرو، فإن تكرر الوصف وجعلته وصفًا لوصف (أي) فالرفع، وإن كانت مضافة فتقول: يا أيها الرجل الطويل، ويا أيها الرجل ذو الجمة؛ فإن جعلت الصفة الثانية وصفًا لـ (أي) وكانت مضافة فالنصب تقول: يا أيها الرجل ذا الجمة على الموضع، وإن كانت مفردة جاز الرفع حملاً على لفظ أي، والنصب حملاً على (موضع أي) ويجوز العطف عليها نحو: يا أيها الرجل وزيد أقبلا، وإذا كان التابع مؤنثًا اختير إثبات التاء نحو: يا أيتها المرأة ولا يلحقها شيء من علامات الفروع إلا التاء، لا علامة تثنية، ولا جمع قال تعالى:«سنفرغ لكم أيها الثقلان» ، «وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون» .

والذي تقتضيه القواعد، وإطلاق النحاة أنه يجوز في (أي) أن يعطف عليها عطف بيان، وعطف النسق، وتوكيد ويبدل منها، واسم الإشارة يجرى في أحد استعماليه مجرى (أي)، فلا يكتفي به فتوصف إذ ذاك باسم الجنس، وبالموصول ذي (أل)، وقيل ذلك مخصوص بها إذا نعتت (بأل)، فيجب رفع نعتها، وإنما يكون مكتفي بها إذا نعتت بما ليس فيه (أل)، وذكر أنه المتفهم من كلام سيبويه، وقال السيرافي: يجوز فيه الاعتباران فتقول: يا هذا الطويل، وإن أردت الاكتفاء قلت: يا هذا الطويل إن شئت وعلى هذا الاعتبار تقول: يا هذان

ص: 2196

زيد، وعمرو، ويا هؤلاء زيد وبكر وخالد إن أردت البدل بنيت، أو عطف البيان، فالرفع والنصب، والعطف فيه كالتثنية تقول: يا هذان الزيدان انتهى.

وإذا قدرت اسم الإشارة وصلة لنداء ما فيه (أل)، لم يجز في نعته إلا الرفع ومن ذلك قوله:

يا ذا المخوفنا بمقتل شيخه

حجر تمنى صاحب الأحلام

وإذا كان مكتفي به في النداء، جاز في الصفة الرفع على اللفظ، والنصب على الموضع، وليس نصب (الصفة) على الموضع بمسموع من كلامهم، وإنما قاله النحويون بالقياس على التقدير الذي ذكرناه، وهو ألا تجعل اسم الإشارة وصلة لنداء ما فيه (أل)، وأن يكون مكتفي به، وتقدم مذهب السيرافي أن اسم الإشارة إذا لحقته كاف الخطاب لم يجز نداؤه ومذهب سيبويه، وابن كيسان الجواز فتقول: يا هذا الرجل، ويا ذاك الرجل، ويا ذلك الرجل، ويا ذانكما الرجلان، ويا أولئكم الرجال، ويا أولئك الرجال، وحكى فيه ابن كيسان عن بعض النحويين سماعًا عن العرب، وانقضى الكلام في تابع (أي) واسم الإشارة.

وأما غيرهما من المناديات، فإن كان كالمرفوع، ويشمل النكرة المقصودة والعلم المفرد مما يبنى على ما يرفع به، والمبني لا بسبب النداء كـ (حذام) ومعد يكرب في لغة من بناهما.

ولا يخلو تابع هذا النوع من أن يكون مضافًا أو غير مضاف، إن كان مضافًا وجب نصبه مطلقًا تقول: يا زيد أخا عمرو، ويا زيد نفسه، ويا زيد عائذ الكلب، ويا زيد وغلام بشر، ما لم يكن كالحسن الوجه مما إضافته غير محضة، فيجوز الرفع على اللفظ، والنصب على الموضع فتقول: يا زيد الحسن الوجه، ويا زيد الضارب الرجل.

ص: 2197

فإن كانت الإضافة محضة وجب النصب، وأجاز الكسائي، والفراء وأبو عبد الله الطوال، وتبعهم ابن الأنباري الرفع في نعت مضاف إضافة محضة نحو: يا زيد صاحبنا، وأجرى الفراء التوكيد بالمضاف مجرى النعت بالمضاف إضافة محضة، فأجاز فيه الرفع والنصب نحو: يا زيد نفسه، ونفسه، وتقول: يا تميم كلهم وكلهم، وقد سمع الرفع فأول على القطع (أي) كلهم أو كلكم مدعو، ومذهب سيبويه والجمهور وجوب النصب والنعت بالمضاف المذكور، وأجاز الفراء في المعطوف المضاف الرفع قياسًا نحو: يا زيد وغلام بشر، وحكم العطف بالمطول حكم النعت بالمضاف فيجب نصبه تقول: يا زيد وخيرًا من عمرو (أقبلا) هذا مذهب الجمهور.

ويجوز إدخال (يا) عليه فتقول: يا زيد ويا خيرًا من عمرو [أقبلا] ومنع أبو عثمان عطفه على يا زيد من غير (أل)، أو إدخال (يا) عليه فتقول: يا زيد والأخير أقبلا، ويا زيد ويا خيرًا من عمرو أقبلا؛ فإن كان التابع غير مضاف جاز فيه الرفع والنصب نحو: يا رجل الطويل ويا غلام بشر، ويا دار جمعاء لقد بان أهلك، ويا رجل والغلام سيرا، ويا زيد الطويل ويا زيد بطة، ويا ديار جمعاء لقد هلكت.

والنص عن الكوفيين أنه لا يجوز في النعت إلا النصب فتقول: يا زيد الطويل، وحكى أحمد بن يحيى عن الفراء أنه لا يجيز في التوكيد بالمفرد إلا النصب فتقول: يا تميم أجمعين، وقال الأستاذ أبو علي: منع قوم الرفع في نحو: يا زيد والنضر، وقالوا: لا يجوز إلا النصب، والسماع يرد عليهم، بل قد قال الجرمي في الفرخ: أكثر قول العرب الرفع في (يا زيد العاقل) انتهى.

ص: 2198

وفي جواز وصف المفرد المقصود خلاف، الأكثرون على المنع، ذكر سيبويه عن يونس أنهم وصفوه بالمعرفة، وأجروه مجرى العلم المفرد في جواز رفع نعته ذي (أل)، ونصبه، فإن أضيف نعته، فكنعت العلم إذا أضيف، والتوكيد وعطف البيان كالنعت، وعطف النسق المفرد يجوز فيه الرفع والنصب، وزعم الأخفش أن تابع النكرة المقصودة من النعت، والتوكيد لا يجوز فيه إلا الرفع، فتقول: يا رجل العاقل ويا رجال أجمعون، وزعم أيضًا في الأشهر من قوليه أن الاسم العلم المبني على الضم لا يجوز في نعته إلا النصب على الموضع، ولا يتبع على اللفظ أصلاً، وأن الحركة في (يا زيد) العاقل بالضم حركة اتباع لا حركة رفع.

وثمرة الخلاف تظهر في النعت المضاف بعد النعت المفرد، فعلى مذهب الأخفش: يا زيد العاقل ذا الجمة، لا يكون في (ذا الجمة) إلا النصب كان نعتًا للمنادى، أو نعتًا للعاقل، ويفصل على مذهب الجمهور، فإن كان ذو الجمة نعتًا للعاقل رفعت، وإن كان نعتًا للمنادى نصبت.

وفي النهاية: أن من النحويين من يعتقد بناء الصفة إذا رفعت في نحو: يا زيد الطويل، لأن حركتها كحركة المنادى انتهى.

وزعم الكوفيون أن النصب في (العاقل) من (يا زيد العاقل)، ليس على الموضع وأن العرب أرادت نداء النعت، فلما لم يدخله النداء نصبته، وإن كان وصفًا موطئًا نحو: يا زيد زيد الطويل، فلك الحمل على الموضع نصبًا، وهو أرجح نص عليه سيبويه، ولك الحمل على اللفظ، ورجحه أبو عمرو، وكلاهما مسموع عن العرب، ويجوز فيه القطع إما على إخبار، وإما على نداء. والأصمعي يوجب القطع، فإن كان التابع بدلاً مفردًا نكرة نصبته ونونته نحو: يا زيد رجلا

ص: 2199

صالحًا، أو نكرة مقبلاً عليها، أو اسم إشارة، أو ذا (أل) لم يجز إبدالها منه لا تقول: يا زيد هذا، ولا يا زيد الرجل، وإن كان غير ذلك جاز، وضم ولا ينون نحو: يا زيد بطة، وإن كن التابع منسوقًا نكرة نصبت ونونت وقلت: يا زيد وغلامًا أو مقبلاً عليها، فذهب الأخفش وخطاب إلى أنه لا يجوز العطف فلا تقول: يا زيد ورجل، وأجاز المبرد ذلك أجاز في المقتضب: يا ثلاثة وثلاثون بالرفع إذا أردت يا أيها الثلاثة ويا أيها الثلاثون أو اسم إشارة، فذهب المبرد إلى جواز ذلك نحو: يا زيد وهذا، كما أجاز يا زيد ورجل، ويقتضي مذهب الأخفش وخطاب المنع، وإن كان غير ذلك عاريًا من (أل) جاز العطف بلا خلاف نحو: يا زيد وعمرو ولا تنون عمرًا، وأجاز المازني، والكوفيون: يا زيد وعمرًا بالنصب قاله ابن مالك وقال ابن أصبغ: وحكى ذلك عن المازني، ويجوز في قياس قول الكوفيون، يا زيد وعمرو بالرفع والتنوين، وفي البديع: إن لم يكن في المعطوف ألف ولام فحكمه حكم ما لو ابتدأت به تقول: يا زيد وعمرو، ويا عبد الله وزيد، ويا زيدًا وعمرو أقبل، ويا زيد لا عمرو، وقد جوز المازني والأخفش فيه النصب انتهى.

وإن كان في المنسوق (أل) جاز بإجماع الرفع والنصب نحو: يا زيد والحارث، فإن كان ذو (أل) عطف على نكرة مقبل عليها فلا يجوز فيه على مذهب الأخفش، ومن تبعه إلا الرفع، وهو محجوج بقولهم: يا فسق الخبيث والخبيث بالرفع والنصب، والرفع في ذي (أل) راجح عند الخليل وسيبويه، والمازني،

ص: 2200

ومرجوح عند أبي عمرو، ويونس، وعيسى، والجرمي

وأما المبرد ففي المقتضب أنه ذهب إلى اختيار مذهب أبي عمرو، وأصحابه، والتفصيل بين أن تكون فيه (أل) للمح الصفة، فيختار مذهب أبي عمرو حكاه ابن السراج، وإن كان المنادى مضافًا، واتبعته بعطف بيان أو توكيد، أو وصف فلا يكون إلا نصبًا نحو: يا غلام زيد العاقل، ويا غلام زيد صاحب عمرو، ويا أخا زيد عبد الله، ويا أخا زيد كرزًا، ويا أخوة زيد أجمعين، ويا أخوة زيد كلهم، أو يبدل مفرد بني على الضم نحو: يا غلامنا زيد، ولا يكون البدل إلا مما يمكن أن يباشره حرف النداء؛ فلا يجوز: يا عبد الله الرجل الصالح، ولا يا غلام زيد رجل، ولا يا غلام زيد هذا.

أو بعطف نسق، فكالبدل تقول: يا أخانا وزيد بالضم بلا تنوين، وأجاز الكوفيون فيه النصب منونًا وهي في قياس قول المازني أحرى بالجواز من مسألة يا زيد وعمرًا، ويا أخانا وعبد الله، وامتنع يا غلام زيد ورجل ويا غلام زيد وهذا، وجاز أن يكون معرفًا (بأل) فيجب نصبه تقول: يا غلام والرجل أقبلا.

وحكم تابع المنادى المطول حكم تابع المنادى المضاف سواء، فقس عليه تقول في المطول مسمى به، أو نكرة مقصودة يا خيرًا من زيد الكريم، تصفه فيهما بالمعرفة؛ فإن لم تقصدها فبالنكرة كالنكرة غير المقصودة، كما تقول: يا رجلاً قائمًا، والمنادى المضاف إضافة غير محضة [فذهب ابن السراج إلى أنه كالمنادى الذي إضافته غير محضة]، ومذهب الأخفش، والمبرد أنه محكوم

ص: 2201

له بحكم الانفصال فهو من قبيل المنادي المطول، وتابع تابع المنادي إن كان من تابع العلم المبني، وما في معناه معربًا، فالحمل عليه نحو: يا زيد الطويل ذو الجمة، إن جعلته تابعًا للطويل، فإن جعلته للمنادي، أو على نداء ثان نصبت.

وتقول: يا زيد ذا الجمة الطويل نصبت، وتقول: يا هذا الطويل ذو الجمة، إن أردت الاكتفاء أجريته كالعلم، وما كان مبنيًا، فتابعه يجري مجرى التابع الأول المبني تقول: يا زيد وعمرو العاقل والعاقل، ويا هذا زيد الطويل والطويل على البدل والاكتفاء.

وما كان من توابع المبهمات اللازمة فهي معربة ليس إلا، كان تابع التابع مضافًا أو لم يكن تقول: يا أيها الرجل ذو الجمة، ويا أيها الرجل زيد، ويا هذا الرجل زيد، وتقول: يا زيد الطويل الجسم إن جعلته نعتًا للطويل، فإن كان (الطويل) مرفوعًا رفعت الجسم، وإن كان منصوبًا نصبته، وإن كان مضافًا نصبته.

وإن كان الجسم نعتًا لـ (زيد) جاز رفعه على اللفظ، ونصبه على الموضع، وتقول: يا زيد الطويل وذو الجمة، فالجمهور على أنه لا يجوز فيه إلا النصب، فتقول: وذا الجمة سواء عطفته على الصفة، أم على الموصوف.

وقال المازني: إن عطفت (ذا الجمة) على الطويل رفعت كما في الصفة، وإن كان في تابع المنادي ضمير جيء به غائبًا، أو مخاطبًا تقول: يا زيد نفسه، ويا تميم كلهم ويا زيد نفسك، ويا تميم كلكم، وقال الأخفش: لا يأتي إلا ضمير غيبة، فأما قول العرب: يا تميم كلكم بالرفع، فعلى الابتداء التقدير: كلكم مدعو، وبالنصب فعلى المفعول أي كلكم دعوت قال: ويجوز في هذا القياس: يا زيد نفسك ونفسك، وهو قبيح.

ص: 2202

وإن كان المنادي المبني (أيا) ووصفت بموصوف (بالذي)، فيجوز أن يعود الضمير غائبًا، وأن يعود مخاطبًا، وأنشد أحمد بن يحيى:

فيا أيها الصمد الذي كنت مرة

نحلك سقيت الأهاضيب من صمد

ويجوز: الذي كان مرة (نحلة) أجرى (أيها) مجرى (أنت) كما قال:

أأنت الهلالي الذي كنت مرة

...

...

...

وتقول: يا زيد زيد الضم على نداء ثان كأنه قال: يا زيد يا زيد، وهو على رأي سيبويه، وبالرفع منونًا عطف بيان على اللفظ، وبالنصب منونًا عطف بيان على الموضع، وتقول: يا رجل زيد بالرفع والنصب، ويا رجل عبد الله بالنصب؛ إذا عطف البيان يجرى مجرى النعت.

ومن زعم أن ضمة (يا رجل) إعرابية لم يجز إلا الرفع، كان مفردًا أو مضافًا فتقول: يا رجل زيد، ويا رجل عبد الله، وأكثر النحويين يجعل الثاني في (يا زيد زيد) بدلاً، قال ابن مالك، وذلك عندي غير صحيح، وإذا تكرر لفظ المنادي مضافًا، وكانا علمين نحو

يا تيم تيم عدى ....

...

...

ص: 2203

و:

يا زيد زيد اليعملات الذبل

جاز في المنادي الضم على أنه منادي مفرد، وهو الوجه والأكثر، وتنصب الثاني على أنه منادي ثان مضاف، أو مفعولاً بإضمار أعني، أو عطف بيان، أو توكيدًا ذكره ابن مالك، ولم يذكره أصحابنا أعني التوكيد، وقد أبطلناه في الشرح، وأجاز السيرافي نصبها نعتًا وتأول فيه الاشتقاق.

وجاء في المنادي النصب فتقول: يا زيد زيد عدى وفيه مذاهب:

الأول: مذهب سيبويه وهو أن (يا زيد) مضاف إلى عدي، و (زيد) الثاني مقحم بين المنادي المضاف، وما أضيف إليه وأصلهما عنده: يا زيد عدى زيده، فحذف الضمير، وأقحم بين (زيد) المنادي، وعدي، وقد قدره

ص: 2204

بعضهم يا زيد عدي زيد عدي، فحذف (عدي)، وأقحم زيدًا بين زيد، وعدي.

المذهب الثاني: مذهب المبرد، وهو أنه حذف (عدي) الأول لدلالة الثاني عليه، وأقر وهو غير مضاف لفظًا بغير تنوين، إقراره حين كان مضافًا لفظًا.

المذهب الثالث: مذهب الأعلم، وهو تركيب الاسمين، فصارا واحدًا، وفتحتهما فتحة بناء، وأضيف المنادي المركب كما قالوا: ما فعلت خمسة عشرك، والإعراب على مذهب سيبويه أنه منصوب على التوكيد، إذ هو مقحم، وعلى مذهب المبرد بدل، أو عطف بيان أو منادي مستأنف أو توكيد، وجاز التوكيد؛ لأن المحذوف مراد، فصار بدلاً لفظيًا.

وعلى مذهب الأعلم في موضع نصب منادي مضاف، فإن لم يكونا علمين وكانا المسمى جنس نحو: يا رجل رجل القوم، فذهب البصريون إلى أنه ينتصب بغير تنوين كالعلمين فتقول: يا رجل رجل القوم، ومنع الكوفيون نصبه، ولم يختلف الجميع في جواز ضمه، أو كانا صفتين نحو: يا صاحب صاحب زيد، ويا صاحب صاحباي، فذهب البصريون إلى أنه ينتصب بغير تنوين، وذهب الكوفيون إلى أنه لا ينتصب إلا منونًا فتقول: يا صاحبًا صاحب زيد، ولم يختلف الجميع في جواز ضمه من غير تنوين.

وإذا أضفت الثاني إلى ضمير مفرد متكلم نحو: يا زيد زيد، ففي جواز ذلك نظر، أو جمع نحو: يا زيد زيدنا، فذهب سيبويه، والجمهور إلى جواز ضم الأول، وأجاز ذلك الكسائي، والفراء، ولا خلاف في جواز الضم والنصب في

ص: 2205

الاسم الأول من قولك: يا زيد زيد عمرو، ويقتضي مذهب الفراء أن يكون الأول والثاني معًا، مضافين إلى الثالث قال ذلك في قوله:

...

...

بين ذراعي وجبهة الأسد

لكنه لم يصرح بذلك في يا زيد زيد عمرو.

ص: 2206