المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل صيغ التعجب تبنى من فعل ثلاثي مجرد تام مثبت متصرف - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل صيغ التعجب تبنى من فعل ثلاثي مجرد تام مثبت متصرف

‌فصل

صيغ التعجب تبنى من فعل ثلاثي مجرد تام مثبت متصرف قابل معناه للكثرة غير مبني للمفعول، ولا معبر عن فاعله بأفعل فعلاء.

القيد الأول: كونه يبنى من فعل تنبيه على خطأ من قال من الكلب: ما أكلبه، ومن الحمار: ما أحمره، ومن الجلف: ما أجلفه، فبني ذلك من الاسم، وقال ابن مالك: وقد يبنى من غير فعل قالوا: أقمن به أي أحقق اشتقوه من قولهم: هو قمن بكذا أي حقيق وقالوا: ما أذرع فلانة بمعنى ما أخفها في الغزل، وهو من قولهم: امرأة ذراع، وهي الخفيفة اليد في الغزل، ولم يسمع منه فعل، وهذان وما أشبههما شواذ لبنائهما من غير فعل. انتهى.

ودعواه أن ما أذرعها لم يسمع منه فعل غير صحيحة، وقال ابن القطاع: ذرعت المرأة خفت يداها في العمل فهي ذراع.

القيد الثاني: كونه ثلاثيًا احتراز من أن يكون رباعيًا أصلاً أو مزيدًا نحو: دحرج وتدحرج.

القيد الثالث: كونه مجردًا حتراز من أن يكون غير مجرد، بل فيه مزيد، وذكروا مما جاء من ذلك: ما أغناه، وما أفقره، وما أتقاه، وما أقومه، وما أمكنه، وما أملأه، وما آبله، وما أشده، وما أحوله، وما أخصره، وما أشهاه، وما أحياه، وما أرفعه، من (استغنى، وافتقر، واتقى، واستقام، وتمكن، وامتلأ، وتأبل، واشتد، واحتال، واختصر، واشتهى واستحيا، وارتفع). وحكى هشام: ما أحوجه، وذكر أنه قيل: فقر وغنى، وتقى، وشهى، وحيى [وارتفع] بمعنى: اشتهى واستحى ورفع، وقام بمعنى استقام، ومكن بمعنى تمكن، وملأ بمعنى امتلأ،

ص: 2077

وأبل بمعنى تأبل أي كثرت إبله، وشددت.

فإن كان المزيد على وزن أفعل فثلاثة مذاهب:

أحدها: أنه لا يجوز البناء للتعجب منه مطلقًا، وهو مذهب أبي الحسن والجرمي، والمازني، والمبرد، وابن السراج، والفارسي في الأغفال.

والثاني: أنه يجوز مطلقًا، ونقل عن الأخفش، ونسب إلى سيبويه، وصححه ابن هشام الخضراوي، وقال ابن مالك: هذا مذهب سيبويه والمحققين من أصحابه، وهذا مخالف لما حكيناه من المنع عن جمهور البصريين الذين ذكرناهم.

والثالث: التفصيل بين أن تكون الهمزة في (أفعل) للنقل، فلا يجوز أن يبنى منه صيغة التعجب، أو لا تكون للنقل فيجوز، قال ابن الحاج: هذا التفصيل الذي فصله يعني ابن عصفور شيء لم يذهب إليه أحد، ولا ذهب إليه نحوى انتهى.

ومن المسموع منه مما همزته للنقل قولهم: ما آتاه للمعروف وما أعطاه للدراهم، وما أولاه بالمعروف، وما أضيعه لكذا، ومن المسموع مما همزته ليست للنقل قولهم: ما أنتنه في لغة من قال: أنتن، وما أخطأه، وما أصوبه، وما أيسره، وما أعدمه، وما أسنه، وما أوحش الدار، وما أمتعه، وما أسرفه، وما أفرط جهله، وما أظلمه، وما أضواه.

ص: 2078

وقال خطاب: قد يتعجبون من لفظ الرباعي على غير قياس في قولهم: ما أعطاه، وما أولاه، وما آتاه للمعروف، ولكنها شاذة تحفظ حفظًا، ولا يقاس عليه ثم قال خطاب: وتقول: أعظ بزيد، وأول به، وآت به كما قلت: ما أعطاه، وما أولاه، وما آتاه، انتهى.

القيد الرابع: كونه تامًا احتراز من الناقص نحو: كان، وظل، وكاد، وكرب ونحوهن من النواقص، ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز التعجب منها، وحكى جواز ذلك عن الفراء صاحب البسيط، وأبو مروان عبد الله بن هشام الحضرمي في كتابه الانتخاب، وقال أبو بكر بن الأنباري تقول: ما أ: ون عبد الله قائمًا مرفوعة بما في (أكون)، واسم كان مضمر فيها، وعبد الله منصوب على التعجب، وقائمًا خبر كان، وأكون بعد الله قائمًا، وأكون بعبدي الله قائمين، وأكون بعبيد الله قيامًا، وحكى ابن الدهان: أن الكوفيين يجيزون: ما أكون زيدًا لأخيك، ولا يجيزون لقائم.

القيد الخامس: كونه مثبتًا احتراز من أن يكون منفيًا، فإنه لا يبنى منه.

القيد السادس: كونه متصرفًا احتراز مما لا يتصرف نحو: يذر ويدع، فلا يقال ما أوذره للشر، ولا لو ذر الرجل وشذ قولهم: ما أعساه، وأعسى به، ومعناه ما أحقه وأحقق به، قال ابن مالك: بنوا فعل التعجب من عسى وهو فعل غير متصرف.

القيد السابع: كون معناه قابلاً للكثرة احتراز مما لا يقبل الكثرة والزيادة نحو:

ص: 2079

مات وفنى، وحدث فلا يقال: ما أموت زيدًا، ولا أموت به، قالوا: وشذ من الألفاظ التي لا تقبل الزيادة قولهم: ما أحسنه، وما أقبحه، وما أطوله، وما أقصره، وما أشنعه، وما أحمقه، وما أنوكه.

وقال ابن مالك: وقد يبنى من فعل فهو أفعل إذا أفهم عسرًا، أو جهلاً، فذكر بناءه من حمق، ورعن، وهوج، ونوك، ولذا قال: جرت في التعجب، والتفضيل مجرى جهل وعسر، وإن كان مذكرها على أفعل، والمؤنث على فعلاء وأقول: إن هذه التي عدوها من الشواذ، وأنها لا تقبل الزيادة ليس كما قالوا، بل هذه كلها تقبل الزيادة، وهي من المشكل، قال ابن الحاج: حكى اللغويون، وصاحب المحكم: عاقلت الرجل أي غلبته في العقل، فهذا تصريح بالمفاضلة، والتعجب من ما أهوجه، وشبهه جائز حسن، وأما ما أشنعه فراجع إلى معنى الحمق، ولست أعلم أن أحدًا من النحاة عدد في الشواذ ما عدده يعنى ابن عصفور، ولم يسلم له مثال مما أورده أنه شاذ.

وذكر مكي في المشكل: أن الفراء حكى ما أعماه، وما أعوره بمعنى ما أقبح لا على ظاهر اللفظ، ونص سيبويه على جواز «ما أهوجه وما أرعنه، وما أشغله، وما أنوكه، وما أحمقه» ودل كلامه على أنه لا يعتقد أنها شاذة.

ص: 2080

وكذلك نص السيرافي في تفسير هذا الموضع، ونص سيبويه على جواز: ما أحسنه، وعلى جواز محسنان، وهو ألفاظ المبالغة في حسن.

وصفات الله تعالى لا تقبل الزيادة، فلا يجوز التعجب منها لا يقال: ما أعلم الله، وقالت العرب:(ما أعظم الله وأجله) وقال الشاعر:

ما أقدر الله أن يدني على شحط

...

...

...

وتأول النحاة قول العرب وهذا.

القيد الثامن: كونه غير مبني للمفعول احتراز مما يبنى للمفعول لا يجوز: ما أضرب زيدًا، وأنت تتعجب من الضرب الذي حل به، وعلل خطاب الماردي منع ذلك باللبس قال: فإذا لم يلبس جاز، وقد قال كعب: فلهو أخوف عندي.

وما صح فيه (أفعل من) صح فيه (ما أفعله)، وتبع ابن مالك خطابًا: فقالك وقد يبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبس نحو: ما أجنه، وما أنحته، وما أشغفه، وهو من أفعل التفضيل أكثر منه في التعجب:(كأزهى من ديك) و (أشغل من ذات النحيين) وأشهر من غيره، وأعذر، وألوم، وأعرف،

ص: 2081

وأنكر، وأخوف، وأرجى من شهر، وعذر، وليم، وعرف، ونكر، وخيف، ورجى وإذا لم يلبس فلا يقتصر فيه على السماع، بل يحكم باطراده في فعل التعجب وأفعل التفضيل انتهى.

وقصر ذلك على السماع قول الجمهور، والمسموع (ما أشغله، وما أجنه، وما أولعه، وما أحبه، وما أخوفه، وما أزهاه، وما أعجبه برأيه. وما أبخته، وما أشغفه، وما أخصره) من شغل، وجن، وأولع، وحب، وخيف، وزهى، وأعجب، وبخت، وشغف، واختصر، وفي (اختصر) شذوذان: بناؤه من المزيد، وكونه من المفعول، وزاد بعضهم في الشاذ: ما أبغضه، وما أمقته من أبغض ومن أمقت.

وقد سمع فيها بغض، ومقت مقاته، فلا يكون ما أبغضه وما أمقته شاذًا، وحكى سيبويه، والنحويون: بغض، وولع الرجل بمعنى أولع حكاه ابن القوطية وغيره.

القيد التاسع: كونه غير معبر عن فاعله بأفعل فعلاء كان عيبًا كـ (برص)، وبرش، وحول، وعمى. وعور ومن المحاسن كـ (شهل)، وكحل، ودعج، ولمى، وشنب.

واختلف في العاهات والألوان، فذهب جمهور البصريين إلى أنه لا يتعجب من العاهات، وأجاز ذلك الأخفش، والكسائي، وهشام نحو: ما أعوره. وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز من الألوان، وأجاز ذلك الكسائي، وهشام مطلقًا نحو: ما أحمره، وأجاز بعض الكوفيين ذلك في السواد والبياض خاصة

ص: 2082

دون سائر الألوان، وسمع الكسائي:«ما أسود شعره» ومن كلام أم الهيثم: «هو أسود من حنك الغراب» وفي الحديث في صفة جهنم: «لهي أسود من القار» وفي الشعر:

أبيض من أخت بني إباض

و:

...

...

...

... أبيضهم سربال طباخ

وهذا عند البصريين شاذ، لا يقاس عليه، وقال ابن الحاج: عندي جواز اقتياس (ما أفعله) في السواد والبياض، ولا يقتصر على مورد السماع فيها بل أقول: ما أبيض زيدًا، وما أسود فلانًا في الكلام والشعر انتهى.

ص: 2083

وهي نزعة كوفية، وقال ابن عصفور تابعًا لصاحب الغرة: ومن الأفعال ما استوفى شروط ما يتعجب منه، ولكن العرب استغنت عن التعجب منه بغيره، وذلك قام، وقعد، وجلس ضد أقام، وسكرن وقال من القائلة، فتقول: ما أحسن قيامه، وكذا باقيها.

وقال ابن الحاج: أما القيام، والقعود، والجلوس فمعان لا يجوز التعجب منها، لأنها مما لا يتصور فيها الزيادة والنقص، فلا يرجح قيام على قيام فيما يدل عليه لفظ قيام، وكذا القعود والجلوس، فأما ما تكرر فعله وكثر كأن يقوم إنسان مرات عدة، وآخر أقل منها أو أكثر منها، فيمكن التعجب بأكثر أو أقل لا بلفظ الفعل نفسه، فأما قوله:

وإني لقوام مقاوم لم يكن

جرير ولا مولى جرير يقومها

فمنقول من الانتصاب للقيام بالأمر، والاضطلاع به، وذكروا فيها غضب، وحكى الأخفش عن بعض العرب: ما أغضبه، قال: وسألنا عنه تميمًا وقيسًا فلم يقولوه.

ومن عد (نام) فيها، فليس قوله بصحيح حكى سيبويه: ما أنومه، وقالت العرب:«هو أنوم من فهد» ، و «أنوم من غزال» ، وذكر ابن الأنباري خلافًا في جواز التعجب من السكر، وما لا يتعجب منه لفقد الشروط أتى بما يتعجب منه، ونصب مصدر ذلك الفعل نحو: ما أحسن حمرة زيد، وأحسن بحمرته، وما أسوأ عور زيد، وأسوئ بعوره،

ص: 2084

وما أبين بلجة عمرو، وأبين ببلجته، وما أحسن استخراج زيد للدراهم، وأحسن باستخراجه، وما أفجع موت زيد، وأفجع بموته، وما أحسن كون هند متجردة، وأحسن بكون هند متجردة، وما أشد دحرجته، وأشدد بدحرجته.

وإن لم يكن له مصدر مشهور، جعلت الفعل في صلة (ما) المصدرية فقلت: ما أكثر ما يذر زيد الشر، وأكثر بما يذر زيد الشر، وكذا إن كان الفعل بني للمفعول تقول: ما أكثر ما ضرب زيد، وأكثر بما ضرب زيد، وإن لم يلبس وكان له مصدر أتيت بالمصدر فقلت: ما أكثر شغل زيد، وأكثر بشغله، وما استوفى الشروط جاز فيه ذلك تقول: ما أكثر ضرب زيد لعمرو، وأكثر بضرب زيد لعمرو.

فإن كان المانع كونه منفيًا جعلته في صلة أن نحو: ما أقبح أن لا تأمر بالمعروف، وأقبح بأن لا تأمر بالمعروف؛ فإن كن الفعل من باب كان ولزمه النفي، لكونه وضع كذلك، وهو ليس، أو لكونه لا يستعمل إلا مقرونًا به، أو بحرف النهي، أو الدعاء ففيه خلاف: ذهب البغداديون، وابن السراج إلى إجازة:(ما أحسن ما ليس يذكرك زيد)، وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد، والجمهور على المنع.

ولا يجوز حذف همزة أفعل، وشذ من كلامهم: ما خير اللبن للصحيح وما شره للمبطون، وفي الشعر:

ما شد أنفسهم وأعلمهم

....

...

...

...

ص: 2085

وسمع (ما خيرك، وما حسبك)، وسمع الكسائي (ما خبثه)، قال النحاس والقياس على ما حذفت منه الهمزة خطأ عند البصريين، ولا يجوز حذف نون الوقاية من نحو: ما أظرفني، وما أحسنني، وحكى الكوفيون: ما أحسنى بالحذف، وقال ابن عصفور: يجوز إثباتها وحذفها، فلو كان آخر الفعل نونًا نحو: ما أحسنني، وما ألينني جاز الفك والإدغام، فتقول: ما أليني، فلو لقى ضمير المتكلمين نحو: ما أحسننا، وجب الفك.

فلو كانت (ما) نافية وجب الإدغام، أو استفهامًا جاز الفك، وجاز الإدغام، مشارًا إلى الصفة بالإشمام لزوما، وما شذوا فيه فقالوا: ما أفعله نحو: ما أملأ هذه القربة، وما أمكنه عند الملك لا يقال فيه: فعل في التعجب، لا يقال لملؤت القربة، ولا لمكن زيد، ومن ذهب إلى أنه يجوز التعجب مما كان على أفعل، وهمزته ليست للنقل، وجعل ذلك مقيسًا لا يجيز أن يبنى منه التعجب فلا تقول: (لخطؤ الرجل، ولا لصاب الرجل، وإن كانوا قالوا: ما أخطأه، وما أصوبه، وتقول: ما أحسن زيدًا لا ما أشرفه، وما أحسن زيدًا لا أشرفه، منع الكسائي من إجازتها، وقال أبو جعفر النحاس: هذا جائز على أصول البصريين، وتقول: ما أحسن وأجمل زيدًا، وفيها ثلاثة مذاهب ذكرت في باب الإعمال، وقد انقضى القول في صيغ التعجب المبوب له في النحو.

وقد جاء التعجب متضمنًا جملاً لم تكن له في أصل الوضع فمن ذلك قولهم: سبحان الله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله من هو؟ ومررت برجل أيما رجل، وزيد ما زيد، ويلمه رجلاً، ولله دره فارسًا، وحسبك به فارسًا، وكفاك بزيد رجلاً، وسبحان الله رجلاً، ولك أن تدخل من في هذه الأربعة، والعظمة لله من رب، ويجوز في: حسبك بزيد حذف الباء وترفع زيدًا، واعجبوا لزيد رجلا، ومن رجل، وكاليوم رجلاً، وكالليلة قمرًا، وكرمًا، وصلفًا، وياللماء، وياللدواهي،

ص: 2086

ويا حسنه رجلاً، ويا طيبها من ليلة، ويا لك فارسًا، وإنك من رجل لعالم، ولا تحذف (من)، وما أنت من رجل، وقيل لا تحذف (من)، وما أنت جارة، خرجوه على أن (جارة) تمييز، وما أنت من جارة، ولله أنت، وواهاً له، ولله لا يؤخر الأجل، (ووا) في أسماء الأفعال، وأي رجل زيد، و «كيف تكفرون بالله» و «لأي يوم أجلت» ، و «عم يتساءلون» و:

...

...

...

... لا كالعشية زائرًا ومزورًا

ص: 2087