المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل مذهب البصريين أن أداة الشرط لها صدر الكلام، ولذلك لا - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل مذهب البصريين أن أداة الشرط لها صدر الكلام، ولذلك لا

‌فصل

مذهب البصريين أن أداة الشرط لها صدر الكلام، ولذلك لا يجيزون تقديم شيء من معمولات فعل الشرط، ولا فعل الجواب عليها، وإنما تقع مستأنفة أو مبنية على ذي خبر ونحوه، ومذهب جمهور البصريين أنه لا يجوز تقديم الجواب على الشرط، ومذهب الكوفيين، وأبي زيد، والأخفش، والمبرد جواز ذلك، ومذهب المازني أنه إن كان ماضيًا فلا يجوز تقديمه نحو: قمت إن قام زيد، وقمت إن يقم زيد.

وإن كان مضارعًا جاز نحو: أقوم إن قام زيد، وأقوم إن يقم زيد، ومذهب بعض البصريين أنه يجوز إن كان فعل الشرط ماضيًا نحو: أقوم إن قمت، أو كانا معا ماضيين نحو: قمت إن قمت، وثمرة الخلاف تظهر في صور من التركيب.

وإذا فرعنا على مذهب جمهور البصريين، فإن تقدم ما يشبه الجواب كان دليلاً على حذف الجواب، ويلزم غذ ذاك أن يكون فعل الشرط ماضي اللفظ، أو مقرونًا بـ (لم)، ولا يكون مضارعًا بغير (لم) إلا في الشعر، وأجاز الكوفيون سوى الفراء حذف جواب الشرط، وفعل الشرط مستقبل قياسًا على المعنى، فأجازوا:

ص: 1879

أنت ظالم إن تفعل، وإذا كان غير ماض مع (ما) أو من، أو (أي) صرن موصولات في سعة الكلام، ولها ما للموصولات من جواز تقديم العامل فيها، وحكم الضمير، وشروط الصلة، وأما في الشعر فيجوز الجزم نحو: آتي من يأتني، في مذهب سيبويه، ومنعه عامة الكوفيين، وكذا باقي الأدوات الاسمية، ولا خلاف في جواز: أتيتك إن تأتني على قبح.

وإذا أُضيف إلى (من وما وأي) ظرف زمان، صارت موصولات عند سيبويه، والجرمي، والمازني إلا في الشعر، فيجوز أن يبقى اسم شرط، وأجاز أبو إسحاق الزيادي ذلك في الكلام نحو: أتذكر إذ من يأتنا نأته، ويتعين وصلهن بعد (ما) النافية نحو: ما من يأتينا نعطيه، لا بعد (لا)، فيجوز أن يكون شرطًا، وبعد (هل) نحو: هل من يأتينا نأتيه، لا بعد الهمزة فيجوز أن يكون شرطًا نحو: أمن يأتينا نأته خلافًا ليونس، وقد تقدم، فإن تقدم عليهن كان وأخواتها جاز الوصل نحو: كان من يأتينا نأته، والشرط فيجزم، وهو على إضمار مبتدأ وهو ضمير الأمر أو (إن) فالوصل ولا يجوز الجزم إلا في الشعر، ويكون اسم (إن) ضمير الشن محذوفًا، أو لكن المخففة، أو إذا المفاجأة

ص: 1880

فالوصل وهو أحسن نحو: لكن من يزورني أزوره، ومررت بزيد فإذا من يأتيه يحسن إليه، ويجوز الشرط على إضمار المبتدأ جملة الشرط خبره.

وهذا عقد في الوصل والشرط، فالداخل عليه هذه الأداة عامل معنوي، فيجوز أن يكون الاسم موصولاً، واسم شرط مبتدأ خبره جملة الشرط لا هي وجملة الجزاء معًا، خلافًا لبعضهم: أو لفظي عامل في الجمل مما لا يعقل نحو: كان وأخواتها، و (ما) الحجازية ولا العاملة تعين الوصل إلا فيما صح فيه إضمار الشأن فيجوز الوصل، ولا يكون في أفعال المقاربة، وقيل يجوز في عسى، أو مما يعلق كـ (ظننت)، وأعملتها في الأول جاز نحو: ظننت زيدًا من يأتيه يعطيه، ومن يأته يكرمه، أو لم تعملها فيه، فالظاهر من قول المبرد أنه لا يجوز الشرط، ومن نقل غيره أنه يجوز، ويعلق عنها، أو في غير عامل في الجملة الابتدائية فعلا فلا يصح دخوله، أو حرفًا عاملاً في الأفعال، فلا يصح دخوله لا على حرف الشرط، ولا على اسمه، ولا إن كان موصولاً، أو عاملاً في الأسماء كحروف الجر: فإن تعلقت بفعل أجنبي عن الشرط والجزاء رجعت إلى الأصل نحو: أتصدق على من يسأل وأدعوا من يسمع فيجيب، فإذا كان المجرور في موضع خبر محذوف، فمن جعل العامل فعلاً، أو اسم فاعل، منع الشرط، ومن جعله نفس الخبر أجاز نحو: زيد في أي مكان تكون يكون، أو في مكان يكن تكن.

وإن تعلق بالجزاء بطل الشرط نحو: بمن تمر به أمر، أو بفعل الشرط جاز بقاء الشرط، فإن شغلت كلا من الفعلين بضمير نحو: بمن تمرر أمرر به

ص: 1881

فالوصل والشرط، ولا بد لحرف الشرط الداخل على اسم الشرط إذ ذاك من إضمار، فمن إضمار فعل يتعلق به التقدير: بمن تمرر به أمرر به.

وإن حذفت الضمير منها تعلق بأحدهما، فإن كان بالفعل الذي يليه فالجزم أو بالفعل المقدر جزاءً فالوصل، وحذفه من هذا ضعيف، ويضعف إن اختلف نحو: بمن تمر اترك، وكحرف الجر الاسم الذي يضاف إلى اسم الشرط، فإن عمل فيه الجزاء رفعت أو الشرط جزمت أو غير ذلك فلا بد أن تكون جملة، فإن شاركت الشرط في معناه فلا يدخل على جملة الشرط كـ (إذ)، و (لما) و (لو)، و (إن)، وإن لم تشارك وشأنه أن يغير لفظ ما تدخل عليه إلى لفظ آخر كالنهي، واعتمد عليه صرف جواب الشرط إلى نفسه، أو معتمدًا على غيره، فالشرط على ما كان عليه، أو شأنه أن لا يغير، وهو مخصوص ببعض الجمل أو أكثرها نحو: المختص بالجمل الابتدائية. كـ (أن وأخواتها) إذا كفت، ولام الابتداء ولكن الخفيفة، وما التميمية، وأما، ولولا، والظروف المضافة إلى الجمل نحو: إذ، وإذا، وحيث، ونحو المختصة بالفعلية كالظروف غير اللازمة للإضافة إذا أضيفت نحو: حين، ويؤم، ونحوه.

فالمختصة بالاسمية الوجه أن لا تدخل عليها، فإن دخلت كانت موصولة، ويصير الفعل إلى الصلة، وأجاز المبرد في هذا كله أن تدخل على الشرط، وقد أجازه سيبويه على ضعف، وأحسن ما يجوز ذلك فيه في الأسماء المبتدأة، ثم يحمل عليه (إن)، فإن كان مما يجوز الإضمار بعده مبتدأ جاز الشرط مطلقًا، والمضاف إلى الفعلية بمنزلة ما تقدم، ويجوز فيه ما جاز في تلك على ضعف، وغير المخصوص دخوله عليه، وذلك أفعال نحو: قال، وسمع، وجميع أفعال الحكاية، وحروف كالحروف العاطفة، وكحرف الاستفهام، وهو الألف وحده، أما أسماء ولا، فلا تدخل على الشرط، وتقدم خلاف يونس في الهمزة إذا دخلت على الشرط، وبمنزلة ألف الاستفهام في هذا لا غير العاملة.

ص: 1882

وأما (ما) التميمية، فجوزها المبرد، وأبو علي، وأما الحجازية إذا ألغيت بسبب أن، فينبغي أن لا تدخل؛ لأنها عاملة لولا أن فهي (كأن).

ويجوز حذف جواب الشرط لقرينة نحو: قوله تعالى: «وإن كان كبر عليك إعراضهم» الآية تقديره: فافعل، و «أئن ذكرتم» أي تطيرتم، ويكثر حذفه إذا دخل عليه ما ينوب منابه، كجواب القسم، وكـ (تقديم) ما يدل عليه نحو قولك: أنت ظالم إن فعلت، ويجوز حذف الشرط لدلالة المعنى مثبتًا نحو: إن خيرًا فخير، ومنفيًا بلا نحو:

...

... وإلا يعل مفرقك الحسام

تقديره: وإلا تطلقها، وحذف فعل الجواب، وحذف فعل الشرط، لا أحفظه إلا في (إن) وحدها، وقول ابن عصفور، وشيخنا أبي الحسن الأبذي: أنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلا بشرط تعويض (لا) من الفعل المحذوف، ليس بشيء.

ص: 1883

وأما حذف فعل الشرط، وفعل الجزاء معًا، وإبقاء (إن). فقيل هو مختص بالضرورة، وقال ابن الأنباري: وإنما صارت أم الجزاء؛ لأنها بغلبتها عليه تنفرد، وتؤدي عن الفعلين فيقول الرجل: لا أقصد فلانًا، لأنه لا يعرف حق من يقصده فتقول له: زره وإن، يراد: وإن كان كذلك فزره، فتكفي (إن) من الشيئين، ولا يعرف ذلك في غيرها من حروف الشرط، انتهى.

وقال بعض أصحابنا يقال: أتفعل هذا، فتقول: أنا أفعله، وإن أي: وإن لم تفعله، أفعله، ولا يجوز حذف أدوات الشرط لا إن ولا غيرها، وقد جوز ذلك بعضهم في إن قال: ويرتفع الفعل بحذفها صفة أو تقدرها لا تعمل، مثاله صفة قوله تعالى:«أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصبتكم مصيبة الموت تحبسونهما» ومثاله مقدرة لا تعمل قوله

وإنسان عيني يحسر الماء تارة

...

...

أي إن يحسر الماء، وهذا قول ضعيف، ولا تبنى القواعد الكلية بالمحتملات البعيدة الخارجة عن الأقيسة، وقال ابن مالك: وقد يسد مسد الجواب خبر ما قبل الشرط، قال كقوله تعالى:«وإنا إن شاء الله لمهتدون» انتهى.

وليس الخبر سادًا مسد الجواب، بل الجواب محذوف، وإذا توالى شرطان فصاعدًا بغير عاطف، فالجواب للسابق، ويحذف جواب المتأخر لدلالة جواب

ص: 1884

المتقدم عليه، ويكون ما حذف جوابه بصيغة الماضي في الفصيح، وقد جاء بالمضارع نحو قوله:

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا

منا معاقل عز زانها كرم

والشرط الثاني عند بعضهم تقييد الأول تقييده بالحال الواقعة موقعه، فكأنه قال في هذا البيت: إن تستغيثوا بنا مذعورين، وعند بعضهم يجعله متأخرًا في التقدير فكأنه قال: إن تستغيثوا بنا تجدوا منا معاقل عز وإن تذعروا، فأول الشرط يصير أخيرًا سواء كانت مترتبة في الوجود أم غير مترتبة مثال ذلك: إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فعبدي حر.

ومثال غير المترتبة: إن جاء زيد إن أكل إن ضحك فعبدي حر، فالسؤال أول، ثم الوعد، ثم الإعطاء، والضحك أول ثم الأكل ثم المجيء، واختلفت أقوال الفقهاء في هذه المسألة، فمنهم من أجاب بما ذكرنا وهو الصحيح، وبه ورد السماع، ومنهم من جعل الجواب للأخير، وجواب الثاني الشرط الثالث وجوابه، وجواب الشرط الأول الشرط الثاني وجوابه.

فإذا وقع الأول ثم الثاني، ثم الثالث عتق العبد، وكأن الفاء عنده محذوفة، ولا يلزم على هذا المذهب مضي فعل الشرط، ومنهم من قال: يلزم العتق بحصولها كلها، ولا يلتفت إلى تقديم فعل منها وتأخيره، وإذا توسط بين الشرط والجزاء مضارع بعد حرف عطف، فإن كان لا يجوز حذفه، [فليس فيه إلا الرفع نحو: إن يكن زيد يقوم ينم عمرو، وإن كان مما يجوز حذفه] ووقع صفة فالرفع نحو: إن يأتني رجل يعرف الفقه أولاً، وهو مرادف لما قبله أو نوع منه نحو: إن

ص: 1885

تقصدني تعمد إلي أكرمك، وإن تأتني تمش أكرمك، فيجوز الحال فترفع، وهي حال مؤكدة في الأولى، ومبينة في الثانية، والجزم على أنه بدل من الأول بدل شيء من شيء، وفي الثانية بدل اشتمال، وإن كان غير مرادف، ولا نوعًا من الفعل فالرفع على الحال نحو: إن يأتني زيد يضحك أكرمه، و (مهما) لا تزاد بعدها (ما) فلا تقول: مهما ما تفعل أفعل، وإذ، وحيث يشترط في الجزم بهما اتصالهما بما على مذهب الجمهور، وذهب الفراء إلى أن ذلك ليس بشرط، وأنه يجوز الجزم بهما دون (ما) و (من)، و (أنى) لا يزاد ما بعدها، وأجاز ذلك الكوفيون، و (إن)، و (أين)، و (متى)، و (أيان)، وكيف تجوز زيادة (ما) بعدهن خلافًا لمن زعم أنها لا تلحق (أيان)، و (أي) يجوز زيادة ما بعدها إن لم تضف إلى ضمير، ولحاق (ما) لهذه الأدوات إن وليها مضارع، أو ماضٍ لفظًا نحو: إن ما قمت قمت أو تقديرًا نحو قوله:

...

...

...

يا هوذ يا هوذ إما فادح دهما

وإذا كان الشرط والجزاء بفعلين، فالأحسن أن يكونا مضارعين ثم أن يكون الأول ماضيًا، والثاني مضارعُا ثم ماضيين بـ (لم)، أو بدونها أو أحدهما بـ (لم)، والآخر بدونها تمثيل ذلك: إن يقم أقم، إن قمت أقم، إن قمت لم أقم، إن قمت قمت، إن لم تقم لم أقم، إن لم تقم أقم، إن تقم لم أقم، إن لم تقم قمت، فهذه تراكيب ثمانية تجوز في الكلام، والتاسع أن يكون الأول مضارعًا والثاني ماضيًا نحو: إن تقم قمت، وإن تقم لم أقم، ولا يجوز ذلك إلا في الشعر وأجازه

ص: 1886

الفراء في الاختيار، وتبعه ابن مالك، واستنتج من كلام سيبويه ضعفه، وقبحه، والشرط والجزاء لا بد من استقبالها خلافًا للمبرد في (كان) إذا كانت شرطًا، أنها تبقى على مضيها لفظًا ومعنى، وخلافًا لمن يزعم أن الماضي لفظًا ومعنى مصحوبًا بالفاء، و (قد) أو بالفاء وحدها هو جواب الشرط نحو قوله تعالى:«وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك» ، و «وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت» أي فقد كذبت.

ولا تجيء (إن) بمعنى (إذ)، ولا بمعنى (إذا) خلافًا لزاعمي ذلك، واسم الشرط إن كان ظرفًا، أو أريد به المصدر كان في موضع نصب، والعامل فيه فعل الشرط، وإن كان غير ذلك، وفعل الشرط لازم، فمبتدأ نحو: من يقم أقم له، وخبره الفعل، وقد تقدم هذا، أو متعد لم يأخذ مفعوله، وهو مسند إلى ظاهر نحو: من يضرب زيدًا أضربه، أو إلى متكلم نحو: من أضرب تضربه، أو إلى مخاطب نحو: من تضرب أضربه، فمفعول بفعل الشرط أو إلى ضمير غائب عائد على اسم الشرط نحو: من يضرب أضربه، فمبتدأ أو على غيره نحو: هند من تكرم أكرمه فمفعول، أو آخذه تقديرًا نحو:«من يشأ الله يضلله» أو لفظًا والفاعل سببي لاسم الشرط، والمفعول أجنبي نحو: من تضرب أخوه زيدًا أضربه، فمبتدأ فقط، أو ضميره نحو: من تضربه أخوه أضربه، أو سببي نحو: من يضرب أخوه غلامه أضربه.

فالمسألتان من الاشتغال، أو الفاعل أجنبي، والمفعول ضمير اسم الشرط،

ص: 1887

أو سببي منه: من يضربه زيدًا أضربه، ومن يضرب زيد أخاه أضربه فالمسألتان من الاشتغال، أو مضمر يعود على اسم الشرط متصلاً فلا يجوز إلا أن يكون مخاطبًا نحو: من يضربك أضربه، أو غائبًا عائدًا على غير اسم الشرط نحو: هند من يضربها أضربه فالرفع بالابتداء فقط، أو منفصلاً، ولاسم الشرط في فعله ضمير، أو سببي منصوب أو مجرور، فالمسألة من الاشتغال نحو: من لم يضربه إلا هو أضربه، ومن لم يضرب أخاه إلا هو أضربه، ومن لم يمرر به إلا هو أمرر به، وإن لم يكن فاسم الشرط مبتدأ.

وهذه مسائل من هذا الباب إذا دخل حرف النفي على فعل الشرط نفاه، فتعلق الحكم عليه منفيًا نحو: من لا يكرمني أكرمه، علق وجود الإكرام على انتفاء الإكرام قالوا إلا في المشيئة والإرادة والرؤية والظن، فإن النفي يتسلط على متعلق ذلك مثاله: من لا يرد أن أكرمه أهنه قالوا معناه: من يريد إلا أكرمه أهنه، ومنه «ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون» المعنى: وما يشاء أن لا يكون لا يكن، دخلت (لا) على يشاء في اللفظ، وهو في المعنى داخلة على متعلق المشيئة، قيل: وكثير من أهل الكلام لا يجيزون ذلك والصحيح جوازه.

جواب الشرط كـ (خبر المبتدأ)، فلا يكون إلا بما يفيد لو قلت: إن لم تقم نقم لم يجز، فإن دخله معنى أخرجه إلى الإفادة جاز نحو: إن لم تطعني فقد عصيتني أراد به التنبيه على العقاب كأنه قال: وجب عليك ما وجب على العاصي، إذا عطفت على فعل الشرط بالواو، وتكررت أداة الشرط نحو: إن آتك، وإن أدخل دارك فعبدي حر، عتق بالفعلين كليهما، أو بواحد منهما أو لم تكررها نحو: إن آتك وأدخل دارك عتق بفعل الفعلين معًا، ولا يبالي بأيهما بدأ بالفاء أو بـ (ثم)، عتق بفعل الفعلين إذا بدأ بالأول، وسواء أكرر الأداة، أم لم يكرر، أو بـ (أو) عتق بفعل الفعلين، أو بأحدهما كرر الأداة، أو لم يكررها.

الشرط الذي لا يقتضي التكرار لو انفرد إذا ربط بالفاعل ما يقتضي التكرار،

ص: 1888

وأمكن تكراره، وكان مناسبًا، نحو قولك: كلما أجنبت جنابة منك، فإن اغتسلت في الحمام، فأنت طالق، فإن أجنب ثلاثًا، [واغتسل لكل جنابة طلقت ثلاثًا، فإن أجنب ثلاثًا] واغتسل واحدة، فزعم أبو يوسف أنها تطلق ثلاثًا، وقال الفراء: قول أبي يوسف غلط.

وإن لم يكن مناسبًا نحو: كلما دعوتني، فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حر، فإن دعاه ثلاث دعوات، وسقط الحائط فيه عتق ثلاثة أعبد، ولا يلزم في غير المناسب التكرار هذا مذهب الفراء، وأصول البصريين تقتضي التكرار في المربوط بالفاء على ما يقتضي التكرار إذا كان الفاعل قابلاً سواء أكان مناسبًا أم غير مناسب.

ولا يمكن أن يكون فعل الشرط إلا مما يمكن فيه التكرار إذا كان بعد كلما ومتعلقها، وكلما في هذا منصوب على الظرف، والعامل محذوف يدل عليه جواب الشرط وتقديره: أنت طالق كلما كان كذا، وما هي المصدرية التوقيتية، ولا تأتي إلا بمعنى العموم، وكل الداخلة عليها لتأكيد العموم، و (ما) التوقيتية شرط من جهة المعنى منتصبة على الظرف، وزعم ابن عصفور، وشيخنا أبو الحسن الأبذي أن كلما مرفوعة بالابتداء في هذه المسائل و (ما) نكرة موصوفة، والعائد على الموصوف محذوف، وجملة الشرط والجزاء في موضع الخبر، قالا: ولا يجوز فيه غير الابتداء، فالتقدير: كل وقت أجنبت فيه منك جنابة، فإن اغتسلت في الحمام بعده، فعبدي حر، لا بد من ذلك لتربط الصفة بالموصوف، والخبر بالمخبر عنه، وتكون جملة الشرط والجزاء مستحقة بكل جنابة أجنبتها ناسب فعل الشرط أو لم يناسب، وهذا الذي ذهب إليه حكاه صاحب البسيط، ولم يعين قائله، وقال أيضًا: وقيل: إنها شرطية بمنزلة (لما) مع الماضي، ورد كونها شرطية بمنزلة

ص: 1889

(لما)، وقال: كلما تأتني أكرمتك على رأي سيبويه (ما) مصدرية بمنزلتها: فيما يدوم لي أدوم لك، ومقصود بها الحين أي: أزمان إتيانك أكرمتك، ثم أدخلت كلا على المصدر بتأويل الزمان، فاكتسب منها الزمان، فانتصب على ذلك. انتهى.

وأقول: المستقر من لسان العرب أن (كلما) هذه التي تقتضي التكرار لا يليها إلا فعل ماضي اللفظ، والعامل فيها متأخر فعل ماض أيضًا، ومن ادعى غير هذا من التركيب يحتاج إلى أن يستدل بسماع من العرب فأما قوله:

وقولي كلما جشأت وجاشت

مكانك تحمدي أو تستريحي

فمتأول، وإذا كان قبل الشرط فعل، وبعده فعل ليس جوابًا، فإن حملت على الأول فالرفع مثاله: تؤجر إن أمرت بمعروف وتثاب، أو على الثاني فالرفع والجزم مثاله: تؤجر إن أمرت بمعروف، وتنهي عن منكر فالجزم في (وتنهي) عطفًا على محل أمرت، والرفع على الاستئناف، وأجاز الكوفيون النصب، لأن من مذهبهم جواز: إن يقم زيد ويقوم عمرو أخرج.

وإذا أتيت بأفعال بعد فعل الشرط من معناه، فإن عطفتها بالواو نحو: تحسن وتكرم أباك، وتصل رحمك، وتأمر بمعروف، وتنه عن منكر، فالله يثيبك، فالجواب مستحق بالمجموع، وإن لم تعطفها، فإبدال بداء ليس فيها إبطال، وإن

ص: 1890

كانت ليست من معنى فعل الشرط لزم أن ترتفع فالأول على الحال، والباقي عطف عليه مثاله: إن تحسن إلى زيد، وتهين خالدًا، وتسيء إلى بكر، وإذا دخل على اسم الشرط حرف جر، وتعلق بالجواب حرف جر، فإن اختلف العامل أو الحرف، فلا يجوز حذف ذلك الضمير وعامله نحو: بمن تمرر انزل عليه، وبمن تمرر انزل به على زيد، أي بسببه، وإن اتحدا نحو: بمن تمرر امرر به، فلا يجوز حذف به إلا قليلاً، وذلك بخلافه في الموصول، فإنه كثير فصيح نحو: مررت بالذي مررت، تريد: مررت به.

ص: 1892