المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب القول في الأفعال وأقسامها - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌باب القول في الأفعال وأقسامها

‌باب القول في الأفعال وأقسامها

الفعل بالنظر إلى الصيغ ثلاثة: ماض وأمر، ومضارع، وكل منهما أصل، فالقسمة ثلاثية، وزعم أبو علي: أن المستقبل حمل على الحال، وأبو بكر بن طاهر إلى أن المستقبل أسبق.

وأكثر النحاة يقول: في بنية (يفعل) بالاشتراك كاشتراك عين، وزعم الكوفيون أن الأمر مقتطع من المضارع، فالقسمة عندهم ثنائية، وزعم بعض النحاة أن الأصل في الأفعال هو الماضي، فتسمية الماضي ماضيًا، والأمر أمرًا واضحة، وزعم صاحب (الضروري): أن الأمر والنهي نحو: اضرب، ولا تضرب ليسا فعلين إلا مجازًا.

وأما المضارع فهو في اللغة المشابه لما شابه الاسم سمي مضارعًا كأنه وضع مع الاسم صريحًا، وزعم ابن عصفور أن المضارعة مقلوبة عن المراضعة، ويقول المتكلم مذكرًا كان أو مؤنثًا: أخرج بالهمزة الدال ما هي فيه على المتكلم، ويقول جماعة المتكلمين: نحن نصنع، وكذلك لو كان معه مشارك في الفعل واحدًا أو أكثر نحو: نحن وزيد نفعل، أو نحن والزيدون نفعل.

وكذا إذا شارك المتكلم غيره في الفعل نحو: أنا وهند نصنع، وأنا والزيدون نصنع، ويقول المتكلم المعظم نفسه نصنع كذا، وهو عند بعض أصحابنا مجاز فيه، وتقول للمخاطب مطلقًا: أنت تقوم، أنت تقومين، أنتما تقومان، أنتم تقومون، وأنتن تقمن بالتاء فيها كلها.

وقد يعامل جمع التكسير من المؤنث معاملة المؤنث في الخطاب تقول: يا نساء تقومين كما تقول: يا هند تقومين، وتقول للغائبة: هند تقوم وهي تقوم، والسماء تنفطر، وهي منفطر، وللغائبتين: الهندان تخرجان والعينان تدمعان، فإن كان هما

ص: 2027

ضمير غائبتين، فمسألة خلاف، فـ (ابن الباذش) يقول: هما يخرجان كضمير المذكر، وابن أبي العافية يقول: هما يخرجان كظاهرهما وهو الصحيح، وقد يحمل المذكر الغائب على مؤنث، فيكون بالياء نحو: تجيء كتابي يريد الصحيفة، أو أضيف إلى مؤنث وأنت تريد المذكر، نحو: يجتمع أهل اليمامة و «يلتقطه بعض السيارة» في قراءة من قرأ بالتاء، وتشرق صدر القناة، أو يكون في المذكر تاء التأنيث نحو: تقوم طلحة، وتعدل الخليفة وهذا قليل: أو أسند إلى ظاهر جمع تكسير لمذكر، وأريد معنى جماعة، أو ضمير غائبات نحو: تقوم الزيود، وتنكسر الأجذاع، وتنكسر الجذوع، وتخرج الرجال والرجال تخرج، والنساء تخرج؛ فإن كان الظاهر جمع سلامة في المذكر، أو ضميرًا يعود عليه، فمذهب البصريين أنه لا يجوز إلا بالياء فتقول: يقوم الزيدون والزيدون يقومون، وأجاز الكوفيون: تقوم الزيدون، والزيدون تقوم بالتاء، وتقول للغائب، يقوم زيد، ويقوم الزيدان، ويقوم الزيدون، وزيد يقوم، والزيدان يقومان، والزيدون يقومون، وقد يقال الزيدون يقوم كما يقال: زيد يقوم وهو قليل جدًا.

فإن كان الجمع لغير عاقل، جاز فيه ذلك أيضًا، فتقول: الجذوع تنكسر وتقول: تقوم الهنود، و «تكاد السموات» وتسرع الجمال، والهنود يقمن، و «السماوات يتفطرن» ، والجمال يسرعن، والهندات تخرجن،

ص: 2028

وروى أبو عمر الزاهد في نوادر ابن الأعرابي: الإبل تشممن يعني بالتاء، وقرأ يونس عن أبي عمرو، (تكاد السموات تتفطرن) بالتاء في (يتفطرن) وهي قراءة شاذة، وتشممن حرف نادر، فإن كان الظاهر جمع سلامة في المؤنث العاقل نحو: الهندات، فمذهب البصريين أنه لا يجوز إلا بالتاء فتقول: تقوم الهندات، وإنما جاز بالتاء في السموات لجواز ذلك في مفرده أو تأنيثه مجاز، وأجاز الكوفيون: يقوم الهندات بالياء، ويجوز: يقطع يد زيد، لجواز تقطع زيد وأنت تريد يده، ويحضر القاضي امرأة، وينفعك اليوم الموعظة، وتنفع الموعظة على معنى الوعظ بالياء.

والأمر مستقبل أبدًا، وربما دل بصيغة الخبر على الأمر نحو قوله تعالى:«والوالدات يرضعن أولادهن» كما دل بصيغة الأمر على الخبر في قوله تعالى: «فليمدد له الرحمن مدا» أي فيمد.

والمضارع فيه خمسة مذاهب:

أحدها: أنه لا يكون إلا مستقبلاً، وهو مذهب الزجاج.

الثاني: أنه مختص بالحال وهو مذهب ابن الطراوة.

والثالث: وهو مذهب الجمهور، وهو أنه يكون للحال، ويكون للاستقبال واختلفوا: فقيل هو مشترك كلفظة (عين)، وهو ظاهر مذهب سيبويه، ورجحه (صاحب الضروري)، وقيل إذا أريد به الحال فهو: بحق الأصلية، وإذا أريد به الاستقبال، فهو بحق الفرعية، وهو مذهب الفارسي، وبه قال من أصحابنا أبو بكر بن مسعود، وقيل عكس هذا، وأن أصله المستقبل، وهو مذهب الأستاذ أبي بكر بن طاهر، ومن قال: إنه صالح للحال قال هو صالح لهما، ولو نفى

ص: 2029

بلا، وهذا مذهب الأخفش والمبرد إلا إن تعين المضارع للاستقبال.

وذهب أكثر المتأخرين إلى أنها تخلصه للاستقبال، ومنهم الزمخشري، وهو ظاهر مذهب سيبويه، وقال: يترجح الحال مع التجريد، يعني من القرائن المخلصة للحال والاستقبال، وقال بهذا ابن مالك مع زعمه، ونصه أنه مشترك بين الحال والاستقبال، وهو قول متناقض قال: ويتعين عند الأكثر بمصاحبة (الآن)، وما في معناه كالساعة، والحين، وأل فيهما للحضور، وآنفا تقول: يخرج الآن أو الساعة أو الحين أو آنفًا.

وقد جاء استعمال (الآن) مع المستقبل كقوله تعالى: «فالآن باشروهن» «فمن يستمع الآن» ، فأجاز بعضهم: يخرج زيد الآن على الاستقبال، وأما (لام الابتداء) فتخلص للحال عند الأكثرين نحو: إن زيدًا ليقوم. قال ابن مالك: ويجوز أن يراد الاستقبال بالمقرون بها، واستدل بما رددناه عليه في الشرح، قال: والأكثرون على أن النفي بـ (ليس) و (ما) و (إن) قرينة تخلص للحال مانعة من إرادة الاستقبال، وقال ليس ذلك بلازم، وأورد أدلة على زعمه لا تدل على مدعاه، لأن المدعي أن تلك تخلص للحال، إذا لم يكن هناك قرينة لفظية، أو معنوية تخلص للاستقبال، ومما يخلص للحال عطف الحال عليه نحو: يقوم زيد ويخرج الآن، وعطفه على الحال نحو: يقوم زيد الآن ويخرج، ومجيئه حالا نحو: جاء زيد يضحك، ومما يعينه للحال الإنشاء نحو: أقسم لأضربن عمرًا، وأحلف ما خرج زيد، ويتخلص للاستقبال بظرف مستقبل

ص: 2030

معمولاً للمضارع نحو: أكرمك إذا جئت، أو مضافًا إليه نحو: القتال إذا تجيء، وإسناده إلى متوقع نحو قوله:

يهولك أن تموت

...

...

...

....

أو تضمن طلبا نحو قوله «والوالدات يرضعن أولادهن» ، أو وعدًا نحو «يعذب من يشاء ويرحم من يشاء» أو مصاحب ناصب، نحو: أن، ولن، وإذن، وكي في أحد قسميها، وخالف في هذا بعض المتأخرين، أي في تخليص الناصب للاستقبال، أو أداة ترج نحو:«لعلي أبلغ الأسباب» أو [اشتقاق نحو

...

...

... عسى يغتر به حمق لئيم

أو مجازاة جازمة نحو]: «إن يشأ يذهبكم» أو غير جازمة: كيف تصنع أصنع، قال ابن مالك: أو (لو) المصدرية نحو: «يود أحدهم لو يعمر» أو حرف تنفيس، وهو سوف، والسين، ولا يعرف البصريون غيرهما، وهما لغتان وليست السين مقتطعة من سوف، خلافًا لمن زعم أنها فرع من سوف.

ص: 2031

وحكى الكسائي أن ناسا من أهل الحجاز يقولون: سوف تعلمون بسكون الواو، وحكى أحمد بن عبد الجليل المروي في كتابه الذي سماه (توطئة المدخل):(سو أفعل)، و (سوأفعل) بفتح الواو، وسكونها لغتان، وحكى الكوفيون (سف). وحكى ابن سيده (سى)، قال ابن مالك: واتفقوا على أن أصل (سو)، و (سف)، و (سى) سوف انتهى.

وزعم بعضهم أن هذا من الحذف الذي جاء في الشعر، وليس بلغة، وذكر أبو موسى في مخلصاته للاستقبال لام الأمر، والدعاء، ولا في النهي والدعاء، وهذا مندرج تحت اقتضاء الطلب، وذكر أيضًا لام القسم نحو: والله ليقوم زيد، وعطفه على المستقبل، وعطف المستقبل عليه، وينصرف معنى المضارع إلى المضى بـ (لم) و (لما)، وهذا مذهب المبرد، والأستاذ أبي علي وأكثر المتأخرين قالوا: الأصل يفعل فدخلت عليه (لم)، أو (لما) فصرفت معناه إلى المضى، وبقى اللفظ على ما كان عليه، وذهب أبو موسى وغيره إلى أنهما يصرفان لفظ الماضي إلى المبهم دون معناه، ونسب هذا إلى سيبويه، وبـ (لو) الامتناعية نحو «ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم» ، وبـ (إذ) نحو «وإذ تقول للذي أنعم الله عليه» و (رمبا) نحو:

ربما تكره النفوس من الأمر

...

... ....

ص: 2032

وقد جاء ما ظاهره الاستقبال كقوله تعالى: «ربما يود الذين كفروا» وقد في بعض المواضع كقوله تعالى: «قد نرى تقلب وجهك» وعطفه على الماضي كقوله تعالى: «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة» أي فأصبحت، وعطفت الماضي عليه نحو:

ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيت

...

...

إلخ، أي: ولقد مررت، ووقوعه خبرًا لكان وأخواتها نحو: كان زيد يقوم، وإعماله في الظرف الماضي نحو:

يجزيه رب العرش عني إذ جزى

أي جزاه رب العرش، وزعم ابن عصفور أن من هذه القرائن (لما) المحتاجة إلى الجواب ومثل ذلك بقوله: لما يقوم زيد قام عمرو، ويحتاج إثبات ما زعم إلى دليل من السماع، وينصرف الماضي إلى الحال بالإنشاء نحو: أقسمت لأضربن زيدًا، وألفاظ العقود نحو: زوجها، وقبلت واشتريت.

وإلى الاستقبال بالطلب نحو: غفر الله لك، و (اتقى الله امرء فعل خيرا يثب عليه)، وعزمت عليك إلا فعلت ولما فعلت، وبالوعد نحو:«إنا أعطيناك الكوثر» ، وبالعطف على ما علم استقباله نحو:«يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار» ، وذكر ابن مالك أنه ينصرف إلى الاستقبال في القسم بدخول (لا) و (أن) عليه، ومثل بما لا دليل فيه على مدعاه، وقال: ويحتمل المضي والاستقبال بعد همزة التسوية نحو: سواء علي أقمت أم قعدت، وسواء علي أي وقت جئتني، فإن كان المعادل مقرونًا بـ (لم) تعين المضى نحو:

ص: 2033

«سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم» ، وبعد حرف التحضيض نحو: هلا ضربت زيدًا إن أردت المضى كان للتوبيخ أو للاستقبال كان للأمر، وبعد كلما نحو:«كلما جاء أمة رسولها كذبوه» ، و «كلما نضجت جلودهم بدلناهم» وبعد حيث نحو:«من حيث خرجت» [و]«فأتوهن من حيث أمركم الله» وبكونه صلة نحو: «الذين قال لهم الناس إن الناس» [و]«إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم» أو صفة لنكرة عامة نحو

رب رفد هرقته ذلك اليو

م وأسرى ....

و (نضر الله امرءا سمع مقالتي)، وهذه المثل في هذا الاحتمال من كلام ابن مالك، وإن ذلك على سبيل التسوية، والذي نذهب إليه الحمل على المضى لإبقاء اللفظ على موضوعه، وإنما فهم الاستقبال فيما مثل به من خارج.

ص: 2034