الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر
مذهب الجمهور أن ظن وأخواتها داخلة على المبتدأ والخبر، ومذهب السهيلي: إلى أنها ليست داخلة عليهما، بل هي مع مفعوليها كأعطيت في أنها استعملت معهما ابتداءً، ومذهب الفراء: أنها لما طلبت اسمين شبهت بما طلب اسمين من الأفعال، أحدهما مفعول به، والثاني حال، فشبه الثاني في هذا الباب بالحال.
وتدخل هذه الأفعال على ما تدخل عليه (كان)، وقد تدخل على ما لا تدخل عليه كان من المبتدأ نحو: أيهم أفضل؟ وغلام من عندك؟، تقول: أيهم ظننت أفضل؟ وغلام من ظننت عندك؟، وحذف مفعوليها إن كان اقتصارًا، فهو حذف لغير دليل، فأربعة مذاهب:
أحدها: مذهب الأخفش والجرمي وهو المنع.
والثاني: الجواز مطلقًا وهو مذهب الأكثرين.
والثالث: مذهب الأعلم، وهو التفصيل، فأجاز ذلك في ظن وما في معناها، ومنع في علم وما في معناها.
والرابع: المنع قياسًا، والجواز في بعضها سماعًا، وهو اختيار أبي العلا إدريس، وزعم أنه مذهب سيبويه فلا يتعدى الحذف إلى غير ظننت،
وخلت، وحسبت، وهو مسموع في هذه الثلاث، ومنه ظننت ذاك، إشارة إلى المصدر، وقوله تعالى:«وظننتم ظن السوء» ، وإن حذفت أحدهما اقتصارًا فلا يجوز بلا خلاف، وإن حذفتهما اختصارًا، وهو حذف الشيء لدليل عليه جاز، وإن حذفت أحدهما اختصارًا جاز عند الجمهور على قلة.
وذهب ابن ملكون إلى أنه لا يجوز، فإذا قلت: زيدًا ظننته قائمًا، فالتقدير: ظننت زيدًا قائمًا، حذفت ظننت لدلالة ظننته، وقائمًا لدلالة قائمًا، ومن منع حذف أحد المفعولين قدر فعلاً غير ظننت مما يتعدى إلى واحد فتقول: اتهمت زيدًا ظننته قائمًا أو عرفت، أو لابست زيدًا علمته قائمًا، وهو خلاف قول الجمهور.
وأما ظننت ذاك مقتصرًا عليه، فهو إشارة إلى المصدر هذا مذهب سيبويه والبصريين، وقال الفراء وابن كيسان، والمازني، وجماعة من الكوفيين هو إشارة إلى الحديث أجرته العرب مجرى المفعولين، يقول القائل: كان من الأمر كذا وكذا فتقول: ظننت ذاك.
وفائدة هذه الأفعال في الخبر ظن أو يقين، أو كلاهما: أو تحويل، فالذي يفيد الظن (حجا) يحجو، وهي مشتركة بين معان كثيرة، فإذا كانت بمعنى ظن تعدت إلى اثنين، و (زعم) بمعنى ظن، وهي مشتركة.
وذكر صاحب العين: أن الأحسن في (زعم) أن توقع على (أن) قال: وقد توقع في الشعر على الاسم، قال السيرافي: والزعم قول يقترن به اعتقاد صح، أو لم يصح.
و (جعل) بمعنى اعتقد، وهي مشتركة، ومما فيه خلاف (عد) مذهب الكوفيين أنها من أفعال هذا الباب، وهو اختيار ابن مالك، وأبي الحسين بن أبي الربيع، وقيل هي بمعنى ظن بالتضمين، أو من حسب الشيء وعده مجدًا وسؤددا، وقد حسبه مجدًا وسؤددًا.
وقال ابن هشام: قالت الجماعة لا يصح أن يتعدى (عدّ) إلى اثنين لا لغة، ولا استعمالاً انتهى.
و (هب) غير متصرف ذهب ابن مالك إلى أنها بمعنى ظن ولا تتصرف فلا يستعمل منها ماضٍ، ولا مضارع، ولا اسم فاعل، ولا أمر باللام، ويتصل بها الضمير لمؤنث ومثنى ومجموع.
والذي يفيد اليقين علم وهي مشتركة، ووجد بمعنى علم اليقينية قال تعالى:«وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين» .
و (تعلم) قال ابن مالك: بمعنى اعلم، ولا يتصرف، وهو شيء قاله الأعلم، وحكى يعقوب:«تعلمت أن فلانًا خارج» ، بمعنى علمت، فالصحيح أنها تتصرف، وتقدم ذلك في الأفعال التي لا تتصرف.
والذي فيه خلاف في هذا القسم: (درى)، ذهب الكوفيون إلى أنها من هذا الباب، وتبعهم ابن مالك، ولم يذكر أصحابنا (درى) فيما يتعدى إلى اثنين، فإن كان سمع ذلك فيها فلعله بالتضمين، والمحفوظ في (درى) أنه يتعدى لواحد بحرف الجر نحو: ما دريت به، ولذلك حين عدى بالهمزة بقى الثاني مصحوبًا بالباء، قال تعالى:«ولا أدراكم به» .
والذي يفيد الظن أو اليقين (ظن)، فالمشهور استعمالها في غير المتقين، وهو ترجيح أحد الجائزين، وتستعمل أيضًا قالوا في المتيقن، ومنه:«الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم» .
وزعم بعض النحاة أن الظن بمعنى اليقين مجاز، ولا يجوز أن يؤكد إذ ذاك بالمصدر، كما لا يقال: قال الحائط قولاً، وذهب الأستاذ أبو بكر محمد بن ميمون في كتابه المسمى:(نقع الغلل) إلى أن الظن بمعنى العلم غير مشهور في لسان العرب، ولا معول عليه في حكاية من حكاه عن العرب، وتأول ما أوهم ظاهره ورود ذلك، وزعم الفراء أن الظن يكون شكًا ويقينًا، وكذبًا، وأكثر البصريين أن الظن لا يكون كذبًا، إنما يكون عندهم شكًا ويقينًا، ومن الكذب عند الفراء قول
الكفار: (إن نظن إلا ظنا) وعند البصريين هو الشك، وفرق بعضهم بين الشك والظن واليقين، فقال: الشك استواء الأمرين عندك، فإن ترجح أحدهما فظن، أو اعتقدته بدليل فيقين.
وتجيء ظن بمعنى اتهم فيتعدى إلى واحد، وحسب أكثر استعمالها في غير المتيقن كقوله تعالى:«ويحسبون أنهم على شيء» ونقل استعمالها في المتقين، ومنه قول الشاعر:
حسبت التقى والحمد خير تجارة
…
رباحًا إذا ما المرء أصبح ثاقلا
ومصدر حسب: حسبان، وقد جاءت حسب لازمة قالوا:(حسب الرجل) إذا احمر لونه وابيض كالبرص وكذا إذا كان ذا شقرة، و (خال) يخال وأكثر استعمالها في غير المتقين، وقد تستعمل في معنى علمت، قال الشاعر:(الطويل)
إذا الناس قالوا من فتى خلت أنني
…
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
ومصدر خال: خيل، وخال، وخيلة، ومخيلة، ومخالة، وخيلان، وخيلولة، والاشتقاق من الخيال، وهو الذي لا يتحقق، ويكون خال أيضًا بمعنى تكبر، وخال الفرس: ظلع ومضارعها يخال، وقيل: تأتي بمعنى نظر، ومضارعها يخيل، قال:
فظلت لدى البيت العتيق أخيله
…
...
…
...
…
...
أي انظر إليه، فأما خال يخول بمعنى عهد فمن ذوات الواو.
ورأى بمعنى علم وبمعنى ظن قال: يقال: «إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا» أي يظنونه ونعلمه؛ فإن كانت بمعنى أبصر، أو بمعنى أصاب الرئة، تعدت إلى واحد، وإن كانت بمعنى اعتقد، فمذهب الفارسي أنها تتعدى إلى واحد، ومذهب غيره أنها تتعدى إلى اثنين.
والذي يفيد التحويل: (صير)، و (أصار)، وهما منقولان من صار أخت كان، فقلت: صير بالتضعيف، وأصار بالهمزة، وفي البسيط: إذا كانت صير بمعنى انتقل تعدت إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بحرف الجر نحو: صيرتك إلى موضعك، ومثال تعديها إلى اثنين قوله:
فصيروا مثل كعصف مأكول
وابن مالك هو الذي ذكر أصار بمعنى صير، ولم يذكر شاهدًا، وجعل
بمعنى صير، قال تعالى:«فجعلناه هباء منثورا» وقال تعالى: «وجعلنا ذريته هم الباقين» وقال النابغة الجعدي: (الطويل).
وذو التاج من غسان ينظر جاهدًا
…
ليجعل فينا جدنا هو أسفلا
فهي في هذا داخلة على المبتدأ والخبر، ولذلك جاء الفصل بينهما، وفي البسيط: وهذه إما تصيير لما له نسبة إليه، أو إلى ما يكون له ذاتًا، أو كالذات فالأول لا بد فيه من أحد حروف النسبة كقوله تعالى:«ويجعلون لله ما يكرهون» والثاني: تصييره في الفعل بالذات نحو: جعلت الطين خزفًا، وقد تدخل فيه من كقوله تعالى:«وجعل منهم القردة والخنازير» أو بالصفة: جعلته عالمًا، وإما في الاعتقاد:«وجعلوا الملائكة الذين هم عبد الرحمن إناثا» وإما في النيابة عن الشيء: جعلت البصرة بغداد، والكتاب خزا، وإما في التسمية: جعلت حسنى قبيحًا، وهي إذا كانت بهذه المعاني لم تؤثر إلا في المفعول الأول، لأنه وقع به ذلك، ولا يستغنى عن الثاني، لأنه كالابتداء والخبر في الأصل، أو ما هو منزل منزلته، انتهى ملخصًا، وفي البديع: وتكون بمعنى ظن كقولهم: «اجعل الأسد ثعلبا واهجم عليه» انتهى.
و (وهب) غير متصرف، حكى ابن الأعرابي: وهبني الله فداك، أي صيرني فداك، و (رد)، قال تعالى:«يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا»
أي يصيرونكم، و (اتخذ) يتعدى إلى اثنين بمعنى صير، قال تعالى:«أفرأيت من اتخذ إلهه هواه» ، وإلى واحد قال تعالى:«كمثل العنكبوت اتخذت بيتا» هذا مذهب الفارسي، وذهب ابن برهان إلى أن (اتخذ) لا يتعدى إلى واحد، وأنه لا يعلمها إلا تتعدى إلى اثنين، الثاني فيهما بمعنى الأول. و (تخذ) مثل اتخذ، قال تعالى:«لتخذت عليه أجرا» وقال الشاعر
تخذت غران إثرهم دليلاً
…
وفروا في الحجاز ليعجزوني
غران اسم جبل انتهى، وفي البسيط: اتخذ يتعدى إلى واحد بمعان: «ما اتخذ الله من ولد» ، [و]«لو أردنا أن نتخذ لهوا» واتخذت خاتمًا أي لبست، واتخذت مالاً أي كسبت، ويجمع ذلك كله معنى الملابسة وبمعنى جعل المصيرة «لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء» ، والفرق بين تصيير (جعل)، وتصيير (اتخذ) أنه في اتخذ لا يتغير المفعول به تغييرًا في نفسه، ويتعدى إليك منه شيء وفي (جعل) قد لا يلزم أن يكون ذلك فيه، نحو: جعلت الرجل عالمًا، وإذا قلت اتخذته حبيبًا أو صاحبًا عاد عليك منه شيء ولا تقول: اتخذت الطين خزفًا.
و (ترك) فيها خلاف، منهم من قال يتعدى إلى اثنين بمعنى (صير)، ومنهم من قال: لا يتعدى إلا إلى واحد، وإن وجد بعدها منصوب كان حالاً.
و (أكان) قال ابن مالك: ألحق ابن أفلح بأصار (أكان) المنقول من (كان) بمعنى (صار)، ولا أعلمه مسموعًا انتهى، ولا أدري من ابن أفلح، وزعم جماعة من المتأخرين منهم خطاب الماردي: أنه قد يجوز أن يضمن الفعل الذي يتعدى إلى واحد معنى صير، ويجعل من هذا الباب، فيجوز أن يقال حفرت وسط الدار بئرًا، بمعنى صيرت، قال خطاب: ولا يكون (بئرًا) تمييزًا، لأنه لا يحسن فيه من وكذلك أجاز: بنيت الدار مسجدًا، وقطعت الثوب قميصًا، وقطعت الجلد نعلاً، وصبغت الثوب غماميًا، لأن المعنى فيها صيرت، قال ابن مالك: وألحقوا قال: يعني (العرب) برأي العلمية: الحلمية، قال فأدخلتهما على المبتدأ والخبر ونصبتهما مفعولين، واستدل بما لا يقطع بادعاء ما ادعاه، وتأولناه.
وأما (سمع)، فإن دخلت على مسموع تعدت إلى واحد نحو: سمعت كلام زيد، وإن دخلت على غير مسموع، فمذهب الجمهور أنها تتعدى إلى واحد، ويكون ما بعده حالاً نحو: سمعت زيدًا يتكلم، أي في حال تكلم، وهو على حذف مضاف أي صوت زيد في حال تكلمه.
وذهب الأخفش، والفارسي إلى أن الثاني في موضع المفعول الثاني وقد يضمن (سمع) معنى أصغى فيتعدى بإلى قال تعالى:«لا يسمعون إلى الملأ الأعلى» وبمعنى استجاب نحو: سمع الله لمن حمده، وأما (ضرب) فذهب قوم إلى أنها بمعنى صير مع المثل، قال تعالى:«أن يضرب مثلاً ما بعوضة» وذهب قوم إلى أنه لا يجوز، وأجاز بعضهم كونها بمعنى صير مع غير المثل في نحو: ضربت الفضة خاتمًا، وضربت الطين خزفًا، وذهب هشام إلى جعل عرف، وأبصر من هذا الباب، وابن درستويه إلى جعل أصاب، وصادف، وغادر، وألفى من هذا الباب، والصحيح أنها ليست من هذا الباب، وقال بعض الناس: يصح أن يكون خلق بمعنى جعل، فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى اثنين، فيكون قوله ضعيفًا من قوله تعالى:«وخلق الإنسان ضعيفا» مفعولاً ثانيًا انتهى، ولا أعلم نحويًا ذهب إلى أن خلق يتعدى إلى اثنين فيكون من هذا الباب، وذكر في المفتاح فيما يتعدى إلى اثنين (توهمت، وتيقنت، وشعرت، ودريت، وتبينت، وأصبت، واعتقدت، وتمنيت، وودت، وهب بمعنى حسب) ويحتاج في جعل هذه من الباب إلى صحة نقل عن العرب.
وهذه الأفعال نوعان، قلبية وغير قلبية، فالقلبية تختص بالإلغاء والتعليق، والإلغاء ترك العمل لغير موجب، وحيث يكون الإلغاء والإعمال اختلفوا، فذهب
الجمهور إلى أنك مخير بين الإلغاء والإعمال، وذهب الأخفش إلى أنه ليس على التخيير، وإنما هو لازم إذا ابتدأت، لتخبر بمدلول ذلك الفعل من شك، أو غيره، فتعمل الفعل على كل حال سواء قدمته أو وسطته، أم أخرته؛ فإن ابتدأت، وأردت جعل الخبر في شك، أو غيره ألغيت وابتدأت، وذهب ابن درستويه، وابن كيسان إلى نحو ما ذهب إليه أبو الحسن، لكن إذا وسطت؛ فإن قدمت الاسم لم تلغ، وأعملت الفعل في ضميره، ونصبت ما بعده فقلت: زيدًا ظننته قائمًا، وإن قدمت الخبر، وظهر فيه الرفع، ألغيته أيضًا نحو: قائم ظننت زيدًا، فإن كان مجرورًا، أو جملة أعملت، ونويت في موضع المجرور، والجملة نصبًا نحو: في الدار ظننت زيدًا، وأخوه منطلق ظننت عمرًا، ولا يجوز الرفع عنده هنا وقوله:
…
...
…
...
…
وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور
من أقبح الضرورات، وذهب بعض النحويين إلى أنك إذا ابتدأت معتمدًا على ما دل عليه الفعل من شك، أو يقين ألغيت على كل حال سواء وسطت أو أخرت، وإن ابتدأت لا معتمدًا على ذلك، ولم تقدم الفعل كنت مخيرًا، والتفريع على مذهب الجمهور في أن الإلغاء والإعمال على سبيل التخيير فنقول: الفعل إن وقع صدر كلام فلا يجوز عند جمهور البصريين إلا الإعمال، وذهب الأخفش، ومحمد بن الوليد، وأبو بكر الزبيدي، وابن الطراوة، والكوفيون في نقل
أصحابنا عن الكوفيين إلى أنه يجوز الإلغاء والإعمال عندهم أحسن، وعن الفراء كقول جمهور البصريين لا تلغى متقدمة، واختلفوا من هذا الأصل في مسائل:
إحداها: ظننت يقوم زيدًا، وظننت قام زيدًا، ذهب الكوفيون، والأخفش إلى أنه لا يجوز النصب، وأجاز ذلك سائر البصريين.
الثانية: أظن نعم الرجل زيدًا، ووجدت نعم الرجل زيدًا ذهب الفراء إلى جواز ذلك، وهو مقتضى قول البصريين، ولم يجز الكسائي ذلك في أظن، وأجاز ذلك في وجدت.
الثالثة: ظننت قائمًا زيدًا أجازها البصريون، ومنعها الكوفيون إن أردت بقائم الفعل، وإن أردت به الحلف جازت عند أكثرهم، وقال ابن كيسان هي قبيحة.
الرابعة: أظن آكلاً زيدًا طعامك، أجازها البصريون، ومنعها الكوفيون.
الخامسة: طعامك أظن آكلاً زيدًا، أجازها البصريون والكسائي، وقال الكسائي النية فيه: أظن زيدًا آكلاً طعامك، وقال الفراء: لا يجوز، وإن لم تتصدر، وتقدمت على الاسمين نحو: متى ظننت زيدًا منطلقًا، فلم يذكر سيبويه فيه إلا الإعمال، وذكر غيره فيه الإلغاء على قلة على تفصيل في ذلك، وهو إما أن تكون متى معمولة للخبر، فيجوز الإلغاء والإعمال، أو معمولة لظننت فلا يجوز إلا الإعمال، ولو تقدمت على ظننت المتقدمة على الاسمين ما لا يكون معمولاً لا لها ولا للخبر، فالإعمال نحو: أتظن زيدًا منطلقًا، ولا يجوز الإلغاء ولو دخل على ظننت المتقدمة عليهما لام (إن) وجب الإلغاء، وهو مقابلة الصورة التي قبلها، وذلك نحو: إن زيدًا لظننت أبوه منطلق حكاها الأخفش.
وإن تقدم الاسمان على الفعل نحو: زيد قائم ظننت، أو توسط هو بينهما، نحو: زيد ظننت منطلق، فإما أن تدخل على الاسم لام الابتداء، فيجب في مسألة لام الابتداء الإلغاء نحو: لزيد ظننت منطلق، ولزيد منطلق ظننت أو ينفى الفعل، فيجب في مسألة النفي الإعمال، نحو: زيدًا منطلقًا لما أظن، وزيد لم أظن منطلقًا، أو لا تدخل، ولا ينفي فيجوز الإعمال، والإلغاء نحو: زيدًا ظننت منطلقًا، وزيدًا منطلقًا ظننت، وإن شئت ألغيت فرفعت الاسمين، فأما قوله:(وما إخال لدينا منك تنويل) فالنفي دخل على جملة الابتداء، ثم اعترض (بإخال) فنبى أولاً على نفي التنويل، ثم اعترض بإخال، ولو كان الخبر جملة اسمية، أو جملة شرطية، وتقدمت جملة الابتداء على الفعل نحو: زيد أبوه منطلق ظننت، وزيدًا ظننت أبوه منطلق، وإن تكرمه يكرمك خلت عمرًا جاز الإعمال والإلغاء، وحيث جاز الإعمال والإلغاء، وتوسطت، فقيل الأرجح الإعمال وقيل هما سواء، وإن تأخرت، فالإلغاء أولى عند الجميع.
وللفراء كلام فيه تفصيل وطول، وملخصه أنها إذا توسطت، أو تأخرت جاز الإعمال مع التوسط، وينبغي إذا تأخرت أن تلغى، ولا يقدم على الإعمال إلا بسماع، وإن كان القياس يقتضيه وتقول: زيد ظننت ماله كثير، يجوز فيه الإعمال والإلغاء، وزعم الفراء أن الإلغاء قبيح، وإذا قلت ظننت زيد منطلق، فخرجه سيبويه على حذف لام الابتداء، كأنه قال: لزيد منطلق، وكانت (ظننت) معلقة، والجملة في موضع نصب، وخرجه غيره على إضمار الأمر، كأنه قال: ظننته أي الظن والجملة في موضع المفعول الثاني لظننت، وقد تنازع ابن هشام وابن عصفور في هذا التركيب، فقال ابن عصفور: لا يحفظ إلغاء
ظننت، أو شيء من أخواتها إذا وقعت صدرًا، وقال ابن هشام: جاء عنهم مثل: علمت زيد قائم، وقد علمت أن زيدًا ذاهب، وقد أجاز سيبويه في كتابه على التأويل الذي ذكرناه عنه، وجوازه لا يدل على سماعه، وقد يقع الملغي بين معمولي (إن) نحو قوله:
إن المحب علمت مصطبر
…
...
…
... ....
وبين سوف ومصحوبها نحو قوله:
وما أدري وسوف إخال أدري
…
...
…
...
…
...
يريد وسوف أدري، وبين متعاطفين نحو قوله:
…
...
…
...
…
... ولكن دعاك الخبز أحسب والتمر
ومن الإلغاء قول الآخر:
وما خلت يجذبني الشقاق ولا الحذر
برفع الشقاق، وإذا وقع الفعل بين فعل ومرفوع نحو: قام أظن زيد، فالبصريون على جواز الإلغاء والإعمال.
وقال الكوفيون: لا يكون إلا الإلغاء، والاسم مرفوع على الفاعلية لا على الابتداء، وقال بعض المتأخرين: المسألة من باب الإعمال، فلك أن تعمل ظن ولك أن تعمل قام، أو يقوم، وقال ابن هشام: الصحيح ما رآه الكوفيون، وتوكيد الملغي يكون بصريح المصدر. وبضمير المصدر، وبإشارة إلى المصدر، فإذا أكدته بالمصدر غير مضاف إلى ضمير المتكلم نحو: زيد ظننت ظنًا، فهو قبيح أو مضافًا إلى الياء فضعيف، وإن أكدته بضمير المصدر نحو: زيد ظننته قائم، وهو أحسن من تأكيده بصريح المصدر.
وضمير المصدر يكون مفردًا مذكرًا وأجاز هشام، وأصحاب سيبويه تأنيث الضمير نحو: زيد أظنها قائم، أي أظن الظنة، ومنع الفراء تأنيث الضمير إلا مع المؤنث نحو: هند أظنها قائمة، والهاء للظنة، وأجاز هشام تثنية الضمير وجمعه، فتقول: زيد أظنها ذاهبين، أي أظن الظنين، وزيدًا أظن ذاهب، أي أظن الظانات، وأجاز أيضًا: زيد ظان أنا قائم، وزيد أنا ظان قائم، تلغي الظن، وإن كان في جملة اسمية كما تلغيه في جملة فعلية، فإن أراد المصدر جاء بالهاء فقال: زيد ظانه أنك قائم، وإن شاء قال أنا ظانها يريد: الظن، وظانهن يريد: الظانات، وقال الفراء: كلام العرب: زيد ظانًا أنا قائم بالنصب، لأن الظن معلق بالجملة، وقال النحاس: جعل الفراء ظانًا مصدرًا مثل: عائذًا بك أي عوذًا، وفاعل مصدر لا يقاس عليه، والذي أجازه هشام لا يحسن إلا أن يكون من كلامين، فتقول: زيد ظان أنا قائم، أي زيد قائم أنا ظان ذلك، وإن أكدته بإشارة إلى المصدر: زيد
ظننت ذلك منطلق فقد ذكره سيبويه وباتفاق هو أحسن في الإلغاء من لفظ المصدر، عند من يجيز إلغاءه، وهو ظاهر كلام سيبويه أنه أضعف في الإلغاء من الضمير.
وقال الزجاج: الهاء أضعف، وتوكيد الجملة بمصدر الفعل بدلاً من لفظه منصوبًا، فيلغى وجوبًا نحو: زيد منطلق ظنك، وزيد ظنك منطلق ناب ظنك مناب ظننت، ونصبه نصب المصدر المؤكد للجمل فإلغاؤه واجب، فلا يجوز: زيدًا أظنك منطلقًا، ولا يجوز تقديمه، وأجاز ذلك الأخفش إذا ألغيت الظن، ونصبت ظنك بالفعل.
وملخص هذا الكلام في المصدر أنه لا يخلو أن تأتي بالفعل معه أو لا، إن أتيت بالفعل كان مؤكدًا للفعل، ثم الفعل إن كان متقدمًا، فالإعمال نحو: ظننت ظنا زيدًا قائمًا، وسواء أتيت بصريح المصدر أم بضميره أم باسم إشارة إليه، وإن توسط أو تأخر فالفصيح الإعمال، ويجوز الإلغاء، وهو قليل جدًا، فإن أتيت بصريح المصدر كان جائزًا على قبح، أو بالضمير أو اسم الإشارة كان دون صريح المصدر في القبح، وإن لم تأت بالفعل، فإما أن يتقدم المصدر أو يتوسط أو يتأخر ولا يكون إذ ذاك إلا صريح المصدر لا ضميره، ولا اسم إشارة إليه، فإن توسط أو تأخر، فالإلغاء، وهو إذ ذاك بدل من الفعل الملغي فلا يجتمع معه، وإنما يجتمع مع الفعل العامل، ولا يكون بدلاً من الفعل العامل فيعمل لكونه بدلاً منه.
وذهب المبرد، والزجاج، وابن السراج إلى جواز إعماله، فتقول على
مذهبهم: زيدًا ظنك منطلقًا، وزيدًا منطلقًا أظنك فتعمله، لأنه عندهم بدل من الفعل العامل، وإن تقدم فالصحيح أنه لا يجوز التقديم، وأجاز الأخفش وغيره التقديم، واختلف مجيزوه في جواز إعماله، فمنهم من أجاز ذلك فتقول: ظنك زيدًا قائمًا، والصحيح عند أكثر من أجاز التقديم أنه لا يجوز الإعمال، وهذا التفريع كله على مذهب من يرى أنك مجيز في الإلغاء، وتقدم أنه مذهب الجمهور.
وأما على مذهب الأخفش، ففيه ذلك التفصيل السابق، ويقل القبح في (متى ظنك زيد ذاهب) كما يقل في:(متى تظن زيد ذاهب)، ومن أجاز الإعمال في (ظنك زيدًا ذاهبًا) كان عنده هنا أجوز، وتقول: متى ظنك زيدًا ذاهبًا، وممن ذهب إلى إجازة ذلك مع متى ومنعه إذا لم تكن متى ابن عصفور، وإذا كانت متى خبر المصدر ظن نصبت فقلت: متى ظنك زيدًا قائمًا، وأجاز الأخفش، والفراء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام نحو: ظنك زيدًا منطلقًا، وكما تقول: ضربًا زيدًا، وأظنك زيدًا منطلقًا وكما تقول:
أعلاقة أم الوليد
…
....
…
...
…
...
…
....
قال صاحب الملخص: وكذا لو وسطت ظنا أو أخرته فالإعمال، ولا يجوز الإلغاء، فإن بنيت الكلام على الإخبار بلا عمل لظن جاز كما تقول: زيد منطلق ظن تريد: ظن هذا موجودًا وتقول: أظنا زيدًا منطلقًا ليس إلا الإعمال، فإن توسطت أو تأخرت جاز الإلغاء والإعمال، كما جاز في الخبر انتهى.
وما ذكر من الإعمال والإلغاء في هذه الأفعال، ذكر ابن مالك أنه لا يكون
الإلغاء فيما كان غير متصرف منها نحو: هب، إن كانت بمعنى ظن، و (تعلم) عند ابن مالك بمعنى (اعلم)، ولم يتعرض من أصحابنا لذكر الإلغاء فيها.
والتعليق هو ترك العمل في اللفظ لا في التقدير لمانع، ويكون ذلك في أفعال القلوب من هذا الباب مطلقًا سواء كان بمعنى العلم أم بمعنى الظن، وذهب ابن كيسان، وثعلب، وحكى عن المبرد إلى أنه لا يعلق منها إلا العلم، ولا يعلق الظن وما كان نحوه، وزعم أبو العلا إدريس أنه رأي سيبويه، وذهب بعض النحاة أنه حسن في (علمت) قبيح في غيرها، والمعلقات استفهام داخل على الجملة نحو: علمت أزيد في الدار أم عمرو، وعلمت أخرج زيد أم قعد، أو اسم ضمن معنى الاستهفام نحو: علمت أيهم قائم، أو مضافًا إليه نحو: غلام أيهم أنت، أو تالي لام ابتداء نحو: علمت لزيد قائم، وظننت لعمرو منطلق، أو (ما) النافية نحو:«لقد علمت ما هؤلاء ينطقون» و (إن) النافية «وتظنون إن لبثتم إلا قليلا» و (إن) وفي خبرها اللام نحو: علمت إن زيدًا لقائم، وشذ المازني فأجاز فتح الهمزة مع اللام، وذكر ابن السراج، والنحاس من المعلقات (لا) نحو: أظن لا يقوم زيد، وذكر ابن مالك فيها (لام القسم) نحو:
ولقد علمت لتأتين منيتي
…
...
…
...
…
ولم يذكر أصحابنا (لا)، ولا (لام القسم)، وقال في الغرة: ولا تعلق لام القسم كما تقول: علمت أن زيدًا ليقومن فتفتح أن وفي هذه الجمل التي هي
مصدرة بإن المكسورة، وفي خبرها اللام أو بلام الابتداء أو بلام القسم أو بما النافية أو بلا خلاف.
فمذهب سيبويه والبصريين، وابن كيسان أنها في موضع نصب، وذهب الكوفيون إلى إضمار القسم بين الفعل وبين هذه الجمل، فتكون لا موضع لها من الإعراب، فإن كان مسموعًا عن لسان العرب: علمت لزيد قائم، وعمرًا منطلقًا كما أجازه من أجازه من البصريين، كان حجة على الكوفيين.
وأما (لو) قال الشاعر:
ولقد علم الأقوام لو أن حاتما
…
يريد ثراء المال أمسى له وفر
فزعم ابن مالك أن (لو) معلقة للفعل، كما علقت لام القسم، وقال بعض أصحابنا: إن هذه الأفعال تضمن معنى القسم، فتتلقى بما يتلقى به القسم، وتعلق إذ ذاك عن العمل، وهذا جنوح لمذهب الكوفيين.
فإذا ضمنت معنى القسم، لم تكن الجمل لها موضع مع الإعراب، وصحح هذا القول ابن عصفور، ولا يعرف النقل عن الكوفيين أن تلك الجملة القسمية التي ادعوا إضمارها قبل تلك الحروف وجوابها في موضع المعمول، ونقل بعض
أصحابنا عن غير معين مضمر بين هذه الأفعال، وهذه الحروف، وأنه وجوابه معمول للفعل، وفي البسيط ما ملخصه: ذهب الخليل وجماعة إلى أنه يعلق بما النافية كالاستفهام، تقول: علمت ما عبد الله قائم، وهو يجوز مع العمل في بعض، والإلغاء عن بعض نحو: علمت زيدًا ما أبوه قائم، فيه خلاف، واختلف المجوزون، فقيل لا يكون إلا في التميمية دون الحجازية، وقيل: يجوز وقيل إن (لا) بمعنى (ما) يجوز أن تعلق نحو: علمت لا رجل في الدار ولا امرأة، وهل تكون فيه (لا) التبرئة ما في الحجازية. انتهى.
وفي كتاب الصفار البطليوسي: الذي يعلق به يعني من الحروف اللام الداخلة على المبتدأ والخبر، واللام المقرونة بإن، واللام الداخلة على الفعل نحو: ليقومن في جواب القسم، و (ما)، و (لا) في جوابه على خلاف في (ما) و (لا) انتهى.
وكنت قد ذكرت في كتاب منهج السالك: أنه ظهر لي من جملة الحروف المعلقة (لعل) ومنه: «وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا» و «ما يدريك لعله يزكى» و «إن أدري لعله فتنة لكم» ورأيت مصب الفعل في هذه الآيات على جملة الترجي، فهو في موضع نصب بالفعل المعلق إلا أني وقعت لأبي علي الفارسي على شيء من هذا، قال: وقد ذكر «وما يدريك لعله يزكى» و «وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا» ما نصه: «والقول في (لعل) وموضعها أنه يجوز أن يكون في موضع نصب، وأن الفعل لما كان بمعنى العلم علق عما بعده، وجاز تعليقه، لأنه مثل الاستفهام في أنه غير خبر، وأن ما بعده منقطع عما قبله ولا يعمل فيه» انتهى ما كتبناه من كلام الفارسي في هذه المسألة، وفي
النهاية: التعليق يكون مع ثلاثة أشياء: لام الابتداء، وما النافية نحو: علمت ما عمرو ذاهب أو ذاهبًا، فإن قلت: علمت ما يقوم زيد لم يكن تعليقًا، لأنه إنما يكون في موضع لو سلط عليه الفعل، لتناول المفعولين فعمل فيهما، وذلك لأنه فعل وفاعل، وعلمت إنما تدخل على المبتدأ والخبر، قال تعالى:«وظنوا ما لهم من محيص» قيل هذا جواب قسم، ويصح أن يكون تعليقًا، وإذا قلت:«علمت ليذهبن عمرو» لم يكن تعليقًا أيضًا لما ذكرناه، والثالث الاستفهام مع الهمزة وأسمائه، ويجوز إذا علقتها بالاستفهام أن توقع بعدها الفعل والفاعل كقولك: علمت متى تذهب كأنك قلت: أغدًا تذهب أم بعد غد، وتقول: لزيد قائم وعمرا جالسًا تعطف على اللام وما بعدها ولا تجعلها داخلة في التلعيق، ولو عطفت على ما بعد اللام رفعت. انتهى.
وذكر النحويون في هذا الباب ما يعلق من أفعال القلوب وغيرها، وليست كل أفعال القلوب يجوز تعليقها، ألا ترى أن أراد، وكره، وأحب، وأبغض من أفعال القلوب ولا تعلق، ومما ذكر فيه التعليق أفعال ليست من أفعال القلوب أنا أذكرها فمنها:(نظر) البصرية، فمذهب ابن عصفور، وابن مالك إلى أنه يجوز تعليقها، وتبعًا في ذلك ابن خروف وقال أستاذنا أبو جعفر بن الزبير لم يذهب أحد إلى تعليق (نظر) غير ابن خروف، وجعل من ذلك قوله تعالى:«أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت» قال: ولا يعدى النظر بإلى إلا إذا كان بمعنى
الإبصار، و (أبصر) قال ابن مالك نحو قوله تعالى:«فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون» ولا يتعين أن يكون تعليقًا، وسأل هذا كالمتعلق عليه يعلق، قال تعالى:«يسئلون أيان يوم الدين» لما كان السؤال سببًا للعلم أجرى مجرى العلم، وترى في قولهم: أما ترى أي برق هاهنا، ذكره سيبويه، فذهب المازني وتبعه ابن مالك إلى أن (ترى) هنا بصرية، وأما شراح الكتاب فحملوا ذلك على أن ترى بمعنى تعلم، و (تبصر) من قول الشاعر:
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن
…
...
…
...
…
...
والظاهر أنه من إبصار العين فتبصر فيه من إبصار العين، ومما علق (استنبأ) بمعنى استعلم أي طلب العلم في قوله تعالى:«ويستنبئونك أحق هو» وأما قوله تعالى: «ليبلوكم أيكم أحسن عملا» فجعله ابن مالك تعليقًا، ولا يتعين إذ يجوز أن تكون موصولة بنيت، وحذف صدر صلتها، وأجاز يونس في قوله تعالى:
«ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد» أنه علق لننزعن وإن لم تكن من أفعال القلوب، ولا من باب النظر ولا السؤال.
ومذهب سيبويه في الآية أنها موصولة بنيت، وحذف صدر صلتها، ومذهب الخليل أنه على سبيل الحكاية بقول محذوف، ومفعول لننزعن محذوف، وذكر ابن مالك تعليق (نسى) واستدل بما لا يفيد التعليق، وإذا تقدم عى الاستفهام أحد المفعولين نحو: علمت زيدًا أبو من هو، فنصب زيد متفق عليه، وهو المختار، واختلفوا في رفعه، فأجاز ذلك سيبويه، ومنع ذلك ابن كيسان ورفعه يمتنع بعد أرأيت بمعنى أخبرني كقولك: أرأيتك زيدًا أبو من هو؟ فنصب زيد متفق عليه، و «أرأيتك عمرًا أعندك هو أم عند فلان» ، ولاجملة التي بعد المنصوب في موضع المفعول الثاني، وليست أرأيت معلقه عنها، بل هي كالجملة في «علمت زيدًا أبو من هو» . هذا مذهب سيبويه، وزعم ابن كيسان: أن الجملة الاستفهامية في موضع بدل من المنصوب، وزعم كثير من النحاة أن (أرأيت) تعلق كثيرًا، وانتقدوا على سيبويه قوله: إنها لا تعلق، واستدلوا بآيات
من القرآن، وقع فيها ما ظاهره التعليق كقوله تعالى:«قل أرءيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون» .
وتأول ذلك من انتصر لمذهب سيبويه، وأرأيت هذه كثيرة الدوران في القرآن وكلام العرب، ونحن نذكر ما وقفنا عليه من أحكامها فنقول: يجوز حذف الهمزة منها وهي عين الكلمة فتقول: أريت، وبه قرأ الكسائي، وتلزم الخطاب، فلا يجوز: أرى زيد عمرًا ما صنع، وجاءت (أرأيت) ليس بعدها منصوب، ولا استفهام بل جملة متصدرة بالفاء كقوله تعالى:«أرءيت إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت» ؛ فزعم أبو الحسن: أنها أخرجت عن بابها بالكلية، وضمنت معنى أما أو تنفيه، فالفاء في جواب أرأيت على التضمين المذكور، وزعم أبو الحسن أن العرب لا تحذف معمول أرأيتك التي بمعنى أخبرني حتى تؤكد التاء في (أرأيتك) فتقول: أريتك أنت ما صنعت، وأرأيتك أنت وزيدًا ما صنعتما، وزعم أن هذا التوكيد يقوم مقام المفعول بدليل أنهم يعطفون عليه المنصوب، وزعم أنهم لا يقولون: أرأيتك أنت وزيد، قال: وهذا كله سماع من العرب، وزعم أبو الحسن أن (أرأيت) هذه لا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه، وتلزم الجملة التي بعده الاستفهام.
وقد ذكرنا في الشرح الكبير تخريج ما ذكره أبو الحسن على خلاف ما تأوله هو، واعلم أن اسم الاستفهام يبقى على حاله من الإعراب إن رفعا فرفع، وإن نصبا فنصب على ما كان عليه قبل دخول ظننت وأخواتها نحو: علمت أي الناس صديقك، وعلمت أيهم ضربت، وعلمت أي قيام قمت، وعلمت أين خالد، وعلمت متى قام زيد، وعلمت أين ضربت زيدًا، وعلمت كيف ضربت زيدًا، وعلمت غلام أيهم ضربت.
وأصل التعليق عن العمل أن يكون في الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر التي يصح فيها أن تلغى ثم الفعل إن كان مما يتعدى بحرف الجر كـ (تفكر) في قوله:
.
…
...
…
... تفكر إياه يعنون أم قردا
فالجملة في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الجر، وإن كان يتعدى إلى واحد، في موضع مفعوله نحو: عرفت أيهم زيد، وذهب ابن السراج، وأبو علي، وابن الباذش، وابن طاهر، وجماعة إلى أنه لا يكون التلعيق إلا فيما جاز إلغاؤه وما عداه فبالحمل عليه.
وذهب السيرافي، وجماعة إلى أنه يجوز في أفعال القلوب مطلقًا سواء أكان مما يلغى، أو مما لا يلغى، فعلى القول الأول يكون فكر، وتفكر، وعرف يتضمن معنى ما يتعدى إلى اثنين، وإن كان يتعدى إلى اثنين سدت الجملة مسد المفعولين.
وإن كان يتعدى إلى واحد، وجاءت بعده جملة الاستفهام فثلاثة مذاهب:
أحدها: أنها في موضع بدل من المنصوب قبلها، وهو مذهب السيرافي، واختيار ابن عصفور قال: وهذا بدل شيء من شيء على حذف مضاف التقدير عرفت قصة زيد، أو أمر زيد أبو من هو، وقال ابن الضائع هو بدل اشتمال.
والثاني: أن الجملة في موضع نصب على الحال، وهو مذهب المبرد، والأعلم وابن خروف.
والثالث: أن الجملة في موضع المفعول الثاني على تضمين الفعل معنى ما يتعدى إلى اثنين، وهو مذهب أبي علي فيما حكاه عنه ابن جني، وتبعه أبو عبد الله بن أبي العافية، وهذا المذهب جار على ما تقدم ذكره من قول ابن السراج، ومن ذكر معه.
وتختص القلبية من هذا الباب بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين متحدي المعنى، وقد يكون الأول مستكنا نحو: ظننتني خارجًا، وأنت ظننتك خارجًا، وزيد أظنه خارجًا.
وفي إجراء القول إذا كان بمعنى الظن مجرى الظن في ذلك نظر فتقول: قلتني قائمًا، ولو ضوعت مكان الضمير الأول النفس فقلت: ظننت نفسك عالمة، فذهب أكثر النحويين إلى أنه لا يجوز ذلك، وذهب ابن كيسان إلى جوازه، ورأى الحلمية والبصرية كذلك كقوله تعالى:«إني أراني أعصر خمرا» وقال:
فلقد أراني للرماح دريئة
…
...
…
...
…
...
ولا يجوز في غير ذلك لا تقول: ضربتني ولا ضربتك، ولا زيد ضربه تريد ضرب نفسه، بل تأتي في مثل هذا بالنفس، وسمع: فقدتني، وعدمتني، ووجدتني وشذ قوله
قد بت أحرسني وحدي ويمنعني
…
صوت السباع به يضبحن والهام
فقال: أحرسني يريد: أحرس نفسي، وإذا كان الفاعل متصلاً مفسرًا بالمفعول امتنع ذلك في باب ظن، فلا يجوز: زيدًا أظن قائمًا، وفي غير باب ظن: لا تقول زيدًا ضرب، فإن كان منفصلاً جاز في باب ظن، وفي غيره نحو: ما ظن زيدًا قائمًا إلا هو، وما ظن قائمًا إلا إياه، وما ضرب زيدًا إلا هو، وما ضرب زيدًا إلا إياه وهذه مسائل منثورة من هذا الباب، أجاز سيبويه، وأصحابه، والفراء (أظن أنك قائم)، ولم يجيزوا:(أظن قيامك)، وأجاز ذلك الكسائي، إذا قلت أظن أنك قائم فمذهب سيبويه أنه لا حذف فيه.
وذهب أبو الحسن، والمبرد: إلى أن المفعول الثاني محذوف وتقديره مستقرًا، وحكى الفراء: أظن أنك قائم خير لك، وأظن خيرًا لك أنك قائم، وأجاز الكسائي والفراء: أظن أن يذهب زيد، ولا يجوز ذلك عند البصريين إلا بعوض نحو: قد، والسين، وسوف، أظن يذهب زيد يمتنع إلا على مذهب من
مذاهب الفراء في قراءة من قرأ: «ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا» بمعنى أن سبقوا، وحذف (أن) لما عاد الذكر على الفاعلين، والذين في موضع رفع، وشبهه بقوله: يريد يقوم بمعنى: يريد أن يقوم، وظننت زيدًا إنه قائم بكسر (إن) في مذهب البصريين لا غير، وأجازه الكوفيون مع فتح (أن)، وقال ابن كيسان: يجب فتح (أن) على البدل.
وأجاز الفراء حذف حرف الاستفهام مع الشك قال: وتضمره العرب في حروف الشك خاصة، فيقولون: تراك منطلقًا، ونظنك تخرج، وامتنع في ضربت وقتلت وسائر الأفعال، وتابعه قطرب في هذا، وزاد أنه أجز ذلك في غير هذه الأفعال، ومذهب سيبويه أن ذلك لا يجوز، وزعم الأخفش الصغير أن ما أجازه الفراء إنما أخذه من كلام العامة، لأنهم يقولون: ترى ذلك قائمًا؟ فأما عن العرب فلا يعرف.
(لزيد ظننت ظنًا قائم) امتنعت المسألة لا بالرفع، ولا بالنصب إن رفعت جمعت بين متعاقبين، وإن نصبت أدخلت لام الابتداء على الجملة الفعلية، ذكر هذه المسألة صاحب (الملخص) تقول: أظن زيدًا ذاهبًا بحقي باطلاً، بنصب الباطل، وأجاز الفراء رفع الباطل و (زيد)، وجعل ذاهبًا بمعنى أن يذهب، وقال: لا يجوز أظن زيد قائمًا بمعنى أن يقوم، لأن (أن) تكتفي من شيئين، فلا بد من شيئين إذا حذفتها فتقول: ظننت قائمًا أنا، وأظن زيد قائمًا هو. «عبد الله ما علمت عالم» أجمعوا على جوازها، واختلفوا في: عبد الله ما رأيت عالمًا، أو ما ظننت، فمنع ذلك الفراء، وابن كيسان، وأجاز ذلك غيرهما. «أزيد زعمت أنه منطلق» هذا لا خلاف في جوازه، فإن نصبت زيدًا، فهو خطأ عند البصريين،
وأجاز ذلك الكسائي، وحكى عن العرب: كم زعمت أنك سائر، ومن زعمت أنك ضارب على أن (كم) و (من) في موضع نصب، وتأوله مخالفوه على أن ذلك في موضع رفع، والتقدير: سائره وضاربه، و (أن) لا تعمل في شيء قبلها، ولا تفسر عاملاً. «كم زعمت أن الحرورية رجلا» حكاه الكسائي على أن (كم) في موضع رفع، وتابعه الأخفش. «ظننته زيد منطلق» لا خلاف في جوازها، فإن قدمت منطلقًا على زيد، فالبصريون يرفعون على التقديم والتأخير، وهو خطأ عن الكوفيين، وتقدمت هذه المسألة في وسط الفصل الرابع من باب المضمر في أوائل شرح التسهيل. «ظننت زيدًا قائمًا ظنًا حسنًا» لا خلاف في جوازها، فلو قلت: ظننت زيدًا ظنا حسنًا قائمًا أجازها البصريون، ومنع ذلك الكوفيون.
«ظننت زيدًا يوم الجمعة قائمًا وظننت زيدًا خلفك قائمًا» إن جعلت الظرف ظرفًا للمفعول جازت بلا خلاف؛ وإن جعلته ظرفًا للظن أجاز ذلك البصريون ومنعه الكوفيون. «ظننت أن زيدًا ظنًا حسنا قائم» لا خلاف في منعها. «طعامك ظننت أن عبد الله آكل» منعها الجمهور، وأجازها الكسائي. «ظننت إن زيدًا قائم» لا يجوز إلا كسر إن عند البصريين، وأجاز ابن كيسان الفتح بدلاً من الهاء، والهاء كناية عن الخبر، كأنك قلت: ظننت ذلك أن زيدًا قائم. «أظن عبد الله مختصمًا وزيد» قال الفراء: وأكثر النحويين لا يجوز في زيد النصب، وأجاز بعضهم على أن يكون مفعولاً معه. «أظن عبد الله مختصمًا فزيد» ، أو ثم زيد أو (أو زيد)، لا يجوز شيء من هذا عند الفراء والبصريين، وأجاز الكسائي: أظن عبد الله ثم زيدًا مختصمين، وكذلك الفاء والواو وأنكر الفراء ذلك عليه. «أظن عبد الله وأظن زيدًا مختصمين» أجاز ذلك الفراء على أن تلغى أظن الثانية قال: فإن توهمت التكرار كان محالاً، والقول عند البصريين أنهما واحد. «أنا ظان أن يقوم زيد» وإن شئت حذفت التنوين، وأضفت؛ فإن قلت: أنا ظان أنك
تقوم كل حذف التنوين قبيحًا، قال الفراء: وإن كان في شعر أجزتهما. «أنا ظان أنك لقائم» لم تجز الإضافة، فإن قلت: أنا قائل إنك لقائم، ولتقومن، ولزيد قائم، وما زيد بقائم، جاز حذف التنوين، والإضافة. «أخواك مظنونان أن يذهبا» قال الفراء: هي خطأ، وهذا جائز على مذهب البصريين، غير أن الأجود أن يقال: أخواك يظن أن يذهبا، وأخواك مظنون أن يذهبا، أي: مظنون ذهابهما، فإن قلت: مظنونان أن يذهبا كانت (أن) بدلاً من الضمير في مظنونان. قول العرب: عرفت أيهم في الدار، عرفت تقتضي حصول المعرفة، وأيهم في الدار استعلام من في الدار، وهذا الكلام يدافع أوله آخره، إذ حصول المعرفة ينافي طلبها، وهذا استفهام في الصورة ليس باستفهام في الحقيقة.