المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل في حذف الوصف، وفي حذف الموصوف، وإقامة وصفه مقامه، أما - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل في حذف الوصف، وفي حذف الموصوف، وإقامة وصفه مقامه، أما

‌فصل

في حذف الوصف، وفي حذف الموصوف، وإقامة وصفه مقامه، أما حذف الوصف، فالأصل فيه ألا يحذف، إذ جيء به في الأصل لزوال اشتراك في معرفة، أو لتخصيص في نكرة، لكنهم حذفوه للدلالة عليه فمن ذلك:«وكذب به قومك وهو الحق» أي المعاندون و «ليس من أهلك» أي الناجين، «تدمر كل شيء» أي سلطت عليه «لرادك إلى معاد» أي معاد تحبه وقال:

...

...

مهفهفة لها فرع وجيد

أي فرع وافر وجيد طويل، ومن نادر حذفه قوله:

إذا حارب الحجاج أي منافق

...

...

...

وقول الآخر:

لعمرك ما نفسي بجد رشيدة

...

...

أي منافقًا أي منافق، وبرشيدة جد رشيدة وقول الآخر:

ص: 1937

.

...

...

... لقد وقعت على لحم

أي لحم منيع

وأما حذف الموصوف وقيام صفته مقامه، فالصفة إما أن تكون اسمًا أو ظرفًا أو مجرورًا أو جملة، فإن كانت اسمًا، فإما أن تكون صفة لذات غير مكان، أو مكان، أو زمان، أو مصدر، فإن كانت صفة لذات غير مكان فلا تحذف إلا إذا كان الموصوف متقدمًا ذكره نحو: ائتني بماء ولو باردًا أي ولو ماء باردًا «ومن ذريتهما محسن وظالم» أي ذرية محسن وذرية ظالم.

أو أشعر الوصف بالتعليل نحو: أكرم العالم، وأهن الفاسق، أو كان الوصف عومل معاملة الأسماء نحو: مررت بالفقيه، ومررت بالقاضي، أو قصد العموم نحو: لا رطب ولا يابس، أو كان الوصف خاصًا بجنس الموصوف نحو: مررت بكاتب، وبحائض، فإن كان الوصف غير خاص بجنس الموصوف فلا يجوز حذف الموصوف، وإقامة الوصف مقامه إلا في ضرورة الشعر نحو قوله:

وقصري شنج الأنسا

...

...

...

يريد: وقصري بثور شنج الأنساء، ومما استعملت العرب الصفات استعمال

ص: 1938

الأسماء: الأبطح، والأبرق، والأجرع للمكان، والأدهم للقيد، والأسود للحية، والأخيل للطائر، يدل على أنها صفات عدم الصرف إذا عربت من أل، والإضافة.

وإن كان الوصف لمكان، أو زمان جاز حذف الموصوف نحو: جلست قريبًا منك وبعيدًا عن عمرو، وصحبتك طويلاً، أي مكانًا قريبًا منك وزمانًا طويلاً، وإن كان الوصف لمصدر نحو: قوله تعالى: «فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثير» وقوله: ذهبت سريعًا، فذهب المبرد، وأكثر المعربين: إلى أنه ينتصب انتصاب المصدر، وذهب سيبويه إلى أنه ينتصب على الحال، وليس وصفًا لمصدر، فإن لم يكن فضلة، أعرب بإعراب الموصوف المحذوف، وإن كان الوصف مجرورًا، فلم يسمع حذف الموصوف، وإبقاء ما هو صفة له كقوله تعالى:«وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به» أي وإن (أحد) من أهل الكتاب، وإن كان ظرفًا فخرج عليه على قول:«ومنا دون ذلك» أي قوم دون ذلك.

وإن كانت الصفة جملة فكثر حذف الموصوف معها إذا تقدمتها (من) حكى سيبويه: (ما منهم مات حتى رأيته)، وقالوا: منا ظعن ومنا أقام وقال الشاعر:

وما الدهر إلا تارتان فمنهما

أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح

التقدير: أحد مات، ومنا إنسان ظعن، وإنسان أقام، وفمنهما تارة أموت، وزعم الفارسي أن ذلك لا يجوز إلا مع المرفوع، وليس كما زعم قد سمع مع المنصوب في مكان التفصيل نحو قوله:

ص: 1939

كانوا فريقين يصفون الزجاج

...

... ....

ثم قال:

وآخرين على الماذي فوقهم

...

...

...

التقدير: فريقًا يصفون الزجاج، وآخرين بذي الماذي، وكأن هذا الحذف لم يكن غالبًا إلا مع التفصيل، وقد جاء بغير (من) نحو قوله:

...

....

لكم قبصه من بين أثري وأقترا

أي من بين قبص أثري، وقبص أقترا وأما قول الشاعر:

لو قلت ما في قومها لم تيثم

يفضلها في حسب وميسم

التقدير: أحد يفضلها، فقال ابن مالك في مثل من في جواز الحذف للموصوف، وإقامة صفته مقامه، إذا كان المنعوت بعضًا مما قبله قال: فمثل هذا لو استعمل في غير الشعر لحسن كقولك: ما في الناس إلا شكر أو كفر أي إنسان شكر أو إنسان كفر، وجعل ابن عصفور هذا من الضرائر في الشعر نحو قوله:

ص: 1940

ترمي بكفى كان من أرمى البشر

وقوله: والله ما زيد بنام صاحبه

أي بكفى رجل كان، وما زيد برجل نام صاحبه.

وإذا اجتمعت صفتان مفردتان، ففي كل منهما ضمير الأول، فإن لم يكن في الثانية ضمير آخر جزئ الجملة السابقة لم يلزم التأخير نحو: مررت برجل عاقل كريم، ويجوز كريم عاقل وكلاهما للمنعوت، أو الثانية صفة للأولى على الخلاف، وإن كان لزم التأخير نحو: مررت برجل حسن الوجه جميله، ففي جميله ضميران ضمير الأول، وضمير الوجه، ويجوز أن يكون صفة للأول لازم التأخير، وكذا فيما جرى على غير الأول نحو: مررت برجل عاقلة أمه لبيبة على الصفة للأول، أو صفتان جملتان نحو: مررت برجل يضحك ويكتب تقدم أيا شئت دون الواو.

ومررت برجل يكتب غلامه ويتبعه لا يجوز التقديم، أو صفتان إحداهما

ص: 1941

جملة، والأخرى مفرد، فالأحسن تقديم الاسم وتأخير الجملة، ويجوز العكس، وتقدم شيء من هذا، وكذا مررت برجل معه صقر صائد بباز، فإن كان في إحداهما ضمير من الأول لزم تأخيرها نحو: مررت برجل قاعد على سرير يلعب فيه فهو صفة للأول.

ويجوز فيه الحال من الضمير في قاعد، وأن يكون وصفًا لقاعد، وإن كان الاسم كذلك لزم التأخير نحو: مررت برجل معه صقر صائد به، وسواء أكانت ظرفًا كما ذكرنا أم جملة فعلية نحو: مررت برجل ينطلق بابنه حامل أباه إلى داره، أو اسمية نحو: مررت برجل أبوه منطلق برجل حامل أ؛ دهما إلى داره، فيجوز الحال في حامل، والوصف ولا يراعى عدم الولاية، ويقوى الوصف إذا ضعفت الحال بنقص بعض شروطها من عدم الانتقال، أو كونها ليست في الحال.

وزعم بعض القدماء أنه لا يجوز الوصف إذا كان في الثاني ضمير للمتقدم، لأنه لا يصح ولايته إياه، ورأى النصب على الحال، ويجوز: مررت برجل معه صقر صائد به هو، يبرز هو تأكيدًا لا لزومًا، ويجوز أن يرفع بالابتداء وخبره صائد مرفوعًا، فإن جرت الصفة على من هي له وجب الإبراز نحو: مررت برجل معه جارية ضاربتها أمه.

ص: 1942