المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل يفرق نعت غير واحد إذا اختلف نحو: مررت برجلين كريم - ارتشاف الضرب من لسان العرب - جـ ٤

[أبو حيان الأندلسي]

الفصل: ‌ ‌فصل يفرق نعت غير واحد إذا اختلف نحو: مررت برجلين كريم

‌فصل

يفرق نعت غير واحد إذا اختلف نحو: مررت برجلين كريم وبخيل، ورغبت في الزيدين التميمي والقرشي، وذلك إذا كان غير الواحد من غير أسماء الإشارة فلا يجوز: مررت بهذين الطويل والقصير نص على ذلك سيبويه، وغيره كالزيادي، والمبرد، والزجاج قال الزيادي: وقد يجوز مررت بهذين الطويل والقصير على البدل، وعطف البيان.

وأجاز سيبويه وغيره: يا هذان زيد وعمرو على عطف البيان، فعطف البيان مخالف للوصف، وقد حكى أن يا هذا زيد كثير في لغة طيئ، فعلى هذا جاز يا هذان زيد وعمرو، والاختيار في: مررت برجلين كريم وبخيل القطع، ويجمع إذا اتفق نحو: مررت برجلين كريمين، واستعنت بالرجلين الفاضلين، ويغلب التذكير والعقل عند الشمول وجوبًا مثال ذلك: مررت بزيد وهند الصالحين، وبرجل وامرأة عاقلين، واشتريت عبدين وفرسين مختارين.

وعند التفصيل اختيارا مثال ذلك عند التغليب بالتذكير: مررت بإنسانين صالح وصالح. ويجوز صالح وصالحة، وباثنين ذي عذرة، وذي عذار، ويجوز ذي عذار وذات عذرة، ومثاله عند التغليب بالعقل: انتفعت بعبيد وأفراس سابقين وسابقين، ويجوز سابقين وسابقات، والعامل إما أن يتحد أو يتعدد، إن تعدد فإنما أن يتحد

ص: 1922

عمله أو يختلف، إن اختلف العمل فالقطع نحو: مررت بزيد، ولقيت عمرًا الكريمان أو الكريمين، هذا مذهب جمهور البصريين، وأجاز الكسائي والفراء: الإتباع إذا كان العاملان يرجعان إلى معنى واحد نحو: رأيت زيدًا ومررت بعمرو الظريفين، لأن المرور في معنى الرؤية، ومررت برجل معه رجل قائمين، لأنه قد مر بهما جميعًا، وهذا في (مع) دون ما يخفض إلا أن الفراء يتبع الأول، والكسائي وتبعه ابن الطراوة يتبع الثاني، فعلى مذهب الفراء تقول، قام عبد الله. ورأيت زيدًا العاقلان وعلى مذهبهما العاقلين.

وإن اتحد العمل، فإما أن يتفق جنس معنى الكلام أو يختلف، فإن اختلف فالقطع نحو: قام زيد وهل خرج عمرو العاقلان، فإن كان الاختلاف يكون أحدهما مستفهمًا عنه، والآخر ليس كذلك نحو: من زيد وهذا بكر فلا يجوز أن تقول: العاقلان لا باتباع، ولا قطع، وإن اتفق المعنى، فإما أن يتحد جنس العامل، أو يختلف، إن اختلف كأن يكونا مرفوعين هذا على الابتداء، وهذا على الفاعلية أو منصوبين هذا على المفعولية، وهذا على الظرفية، أو مجرورين هذا بحرف وهذا بإضافة، فذهب الجمهور إلى وجوب القطع، وذهب الأخفش، والجرمي، إلى جواز الاتباع، ويقتضي جواز الاتباع في ذلك مذهب الكسائي والفراء، فإنهما أجازا في: مررت بزيد مع عمرو الظريفين، على أن الظريفين في موضع خفض على الاتباع.

ص: 1923

وإن اتحد جنس العامل، فإما أن يتفقا في اللفظ والمعنى، أو يختلفا فيهما أو يتفقا في اللفظ، ويختلفا في المعنى، أو يتفقا في المعنى، ويختلفا في اللفظ، فإن اختلفا فيهما نحو: أقبل زيد وأدبر عمرو العاقلان، جاز الاتباع والقطع في أماكنه، وذهب المبرد وابن السراج إلى أنه لا يجوز إذ ذاك إلا القطع وهو قول الكسائي، لأنه لا يجيز أكرمت زيدًا وضربت عمرًا الظريفين على الاتباع، لأن الكرامة ليست من جنس الضرب، وإن اتفقا فيهما نحو: قام زيد وقام بكر العاقلان، فمذهب الجمهور جواز الاتباع والقطع في أماكنه.

وفصل ابن السراج فقال: إن قدرت الثاني عاملاً فالقطع، أو توكيدًا والعامل هو الأول جاز الاتباع، وإن اتفقا في اللفظ، واختلفا في المعنى نحو: وجد زيد على عمرو، ووجد بكر الضالة العاقلان، جاز الاتباع والقطع في أماكنه.

وذهب المبرد، وابن السراج إلى أنه لا يجوز إلا القطع، وإن اتفقا في المعنى، واختلفا في اللفظ نحو: ذهب زيد وانطلق خالد العاقلان، فذهب سيبويه، والكسائي، والمبرد إلى جواز الاتباع والقطع في أماكنه، وذهب ابن السراج إلى أنه يجب القطع، ويقتضي مذهب سيبويه أنه لا يجوز الوصف، لما انجر من جهتين كاختلاف الحرف، والإضافة نحو: مررت بزيد، وهذا غلام بكر الفاضلين، وكاختلاف الحرفين نحو: مررت بزيد، ودخلت على عمرو الظريفين، وكاختلاف معنى الحرفين.

ص: 1924

وإن اتحدا لفظًا نحو: مررت بزيد، واستعنت بعمرو على خالد والباء الثانية للسبب، وكاختلاف معنى الإضافتين نحو: هذه دار زيد وهذا أخو عمرو الفاضلين.

وإن اتحد العامل ولم يتعدد، فإما أن يتحد عمله، أو يختلف، إن اتحد عمله جاز الاتباع والقطع في أماكنه نحو: قام زيد وعمرو العاقلان، وإن اختلف عمله، فإما أن تتحد النسبة إليهما من حيث المعنى أو تختلف، فإن اختلفت فالقطع نحو: ضرب زيد عمرًا العاقلان، وإن اتحدت النسبة فالقطع مذهب البصريين.

وذهب الكسائي، والفراء، وابن سعدان إلى جواز الاتباع على اختلاف بينهم، فالنص عن الفراء أنه يوجب إذا اتبع تغليب المرفوع، ونص ابن سعدان على جواز اتباع أي شئت منهما فتقول: خاصم زيد عمرًا الكريمين والكريمان، لأن كلاً منهما مخاصم ومخاصم، فكل واحد منهما مفعول لصاحبه، وفاعل لصاحبه، والصحيح مذهب البصريين بدليل أنه لا يجوز: ضارب زيد هندًا العاقلة برفع العاقلة على أن يكون نعتًا لهند على المعنى باتفاق من البصريين والكوفيين، فكما لا يجوز في نعت الاسم إذا أفرد الحمل على المعنى، فلا يجوز إذا ضممته إلى غيره وهذا الخلاف في هذه المسائل مترتب على العامل في النعت ما هو، فذهب الخليل، وسيبويه، والأخفش، والجرمي وأكثر المحققين إلى أن العامل في النعت تبعيته للمنعوت، واختلف هؤلاء فمنهم من لاحظ التبعية من حيث اتحاد معنى الكلام اتفق الإعراب، أو اختلف، ومنهم من

ص: 1925

شرط اتحاد الإعراب، ولا يبالي باختلاف جهة الإعراب، ومنهم من فصل فشرط مع اتحاد الإعراب اتفاق جهته فتكون العوامل من جنس واحد.

وبشرط ألا تكون عوامل مختلفة وإلى هذا ذهب سيبويه، والخليل، وصححه أصحابنا، وذهب المبرد، وابن السراج، وابن كيسان إلى أن العامل في النعت هو العامل في المنعوت، وأنه ينصب عليهما انصبابة واحدة.

قيل وهو مذهب الجمهور، وينسب إلى سيبويه، فهؤلاء إذا كان العامل أكثر من واحد لا يجيزون الاتباع، والنعت في المعرفة إن كان لمدح، أو ذم، أو ترحم، جاز فيه القطع إلى الرفع على إضمار مبتدأ واجب الحذف، وإلى النصب على إضمار فعل مناسب واجب الحذف، فإذا قلت: جاء زيد العالم جاز اتباعه، وقطعه على إضمار هو، ونصبه على إضمار أمدح، وفي الذم يقدر أذم، وفي الترحم أرحم، وخالف يونس في الترحم فلا يجيز القطع، فإن كان النعت لتأكيد أو ملتزمًا أو نعت مبهم، فلا يجوز القطع مثال التأكيد «لا تتخذوا إلهين اثنين» ومثال الملتزم: نظرت إلى الشعرى العبور، ومثاله في المبهم: مررت بهذا العالم، وإن كان لتخصيص وهو ما عدا هذه الثلاثة نحو: مررت بزيد الخياط، جاز قطعه إلى الرفع على إضمار هو، ولا يجب إضماره، وعلى إضمار أعني، ويجوز إظهاره.

وإن كان النعت لنكرة، فإن لم يتقدمه نعت آخر فلا يجوز القطع إلا في باب الشعر نحو: مررت برجل عاقل بالرفع، أو عاقلاً بالنصب، وإن تقدمه آخر فقال

ص: 1926

سيبويه: إن كان لمدح، أو ترحم، أو ذم جاز القطع وخالفه الخليل، في المدح والذم، ويونس في الثلاثة، وإن وصفت بغير مدح، أو ذم، أو ترحم جاز القطع عند سيبويه، وشرط القطع في النكرة تأخره عن نعت آخر فأما القطع إلى الحال عند تعذر الوصف، فإن اتحد العامل جاز نحو: مررت بزيد ورجل قائمين، وإن اختلف العامل، فأجاز سيبويه في: هذا رجل معه رجل قائمين نصب قائمين على الحال، إذ تعذر أن يكون صفة لكون رجل الأول خبرًا والثاني فاعلاً بالظرف، والحاصل من مذهب سيبويه أن الحال تنتصب من اثنين مختلفي العامل بشرط أن يكونا ينسحب عليهما عامل واحد، لأنهما في هذه المسألة داخلان تحت معنى الإشارة كأنك قلت: انظر إليهما قائمين، وكذلك مررت برجل مع امرأة ملتزمتين، لأنهما داخلان تحت معنى المرور بخلاف قولك: فوق الدار رجل، وقد جئتك بآخر عاقلين فلا يجوز، وذهب ابن السراج إلى أنه إذا اختلف العامل فلا يجوز الحال، والحال عنده كالوصف، وإذا تكررت النعوت والمنعوت مجهول عند المخاطب، فالاتباع إلا أن تنزله منزلة معلوم، أو يكون الصفة تقدمها صفة متبعة (تقاربها) في المعنى نحو: مررت برجل شجاع فارس فيجوز القطع، أو معلوم والصفات للبيان فالاتباع، أو لمدح، أو ذم، أو ترحم، فاتباع الجميع، وقطع الجميع، واتباع بعض، وقطع بعض، وتقطع بعد الاتباع ولا يعكس، وهذا هو الصحيح، والثابت من كلام العرب، وفيه خلاف، وصحح في البسيط جواز الاتباع بعد القطع، وإذا كان النعت واحدًا والمنعوت مجهول عند المخاطب فالاتباع نحو: مررت برجل كريم وبزيد العاقل إذا لم يكن زيد معلومًا عند المخاطب، إلا أن ينزل المجهول منزلة المعلوم، فيجوز الاتباع والقطع.

ص: 1927

وإن كان المنعوت معلومًا عند المخاطب والصفة لزوال عارض اشتراك، فالاتباع نحو: مررت بزيد الأزرق، قال ابن خروف: ربما قطع بعض النكرة، وبعض المعرفة في الضرورة، وقال السهيلي: أو في ضعف من الكلام، وقال ابن أبي الربيع: ما جيء به للبيان فيجوز نصبه بإضمار فعل، ورفعه بإضمار مبتدأ فتقول: جاءني زيد الخياط أي أريد الخياط، ومررت بزيد الخياط أي هو الخياط، ويجوز إظهار الفعل والمبتدأ، وكأنه في النصب جواب من قال: من تعني، وفي الرفع جواب من قال: من هو لمدح أو ترحم، أو ذم جاز الاتباع والقطع انتهى.

ويجوز القطع قبل تمام الكلام نحو: إن زيدًا العالم قائم، برفع العالم على القطع أو نصبه خلافًا لبعض الكوفيين، فإنه لا يجيز ذلك، والنعوت يجوز عطف بعضها على بعض إذا اختلفت معانيها، فإن كانت معانيها لا يظهر فيها ترتيب كان العطف بالواو خاصة، وإن دلت على أحداث واقع بعضها إثر بعض كان العطف بالفاء نحو: مررت برجل قائم إلى زيد فضاربه، فقالته، وإذا تباعدت المعاني كان العطف بالواو أحسن نحو:«هو الأول والأخر والظاهر والباطن» وأجازوا إذا لم تكن مجتمعة العطف بـ (ثم)، و (أو)، و (بل)، و (لكن)، و (لا) لا بـ (حتى) و (أم).

ولما كانت المعاني متقاربة لم يكن العطف مختارًا نحو قوله تعالى: «هو الله الخالق البارئ المصور» ، ولما تباعدت كان العطف مختارًا نحو قوله تعالى:«الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى» ، والعطف سائغ سواء أكانت النعوت متبعة أو مقطوعة.

ص: 1928

وإذا ولى (النعت)(إما) وجب تكرارها نحو: ايتني برجل إما صالح وإما طالح، أو لا فكذلك نحو:«وظل من يحموم لا بارد ولا كريم» ، وقيل لا يلزم تكرار (لا)، ويضعف تقديم الصفة على الموصوف نكرة كان، أو معرفة، فإن كان نكرة وتقدم ما لو تأخر لكان وصفًا، فالفصيح انتصابه على الحال، وإن كان معرفة، وصلحت الصفة لمباشرة العامل كان الذي كان يكون موصوفًا لو تقدمت بدلاً نحو قوله تعالى:«إلى صراط العزيز الحميد الله» في قراءة من جر، قيل من التقديم «وغرابيب سود» أي سود غرابيب، وجاء في تقديمها إضافتها إلى الموصوف وحذف أل منها كقراءة من قرأ:«وأنه تعالى جد ربنا» بضم الجيم أصله ربنا الجد أي العظيم، وإضافة الصفة إلى الموصوف لا تنقاس، وإذا اجتمعت صفات مفرد، وظرف، أو مجرور، وجملة، فالأولى (البداءة) بالمفرد ثم بالظرف، أو المجرور ثم بالجملة قال تعالى:«وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه» . ويجوز تقديم الجملة على المفرد نحو: «وهذا كتاب أنزلناه مبارك» ، و «بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين» ، وهو كثير موجود في كلام العرب، فقول من خصه بالضرورة أو بنادر كلام أو بقليل في الكلام ليس بشيء.

ص: 1929

وفي البديع: الوصف بالجملة الفعلية أوقى منه بالجملة الاسمية، وزعم أبو الفتح أن الصفة إذا كانت رافعة وثم صفة غير رافعة، أنك تقدم غير الرافعة فتقول: مررت برجل عاقل قائم أبوه، لأن الرافعة أشبهت الجملة، فتكون بعد ما لا يرفع، ويكون الظرف بعده ثم الجملة.

ص: 1930