الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ذكر الحروف المتفق عليها وبعض أحكام من المختلف فيه
فمن ذلك (الواو) وتشرك في الحكم تقول: قام زيد وعمرو، فيحتمل ثلاثة معان:
أحدها: أن يكون قاما معًا في وقت واحد.
والثاني: أن يكون المتقدم قام أولاً.
والثالث: أن يكون المتأخر قوم أولا.
وقال ابن مالك: وتنفرد (الواو) بكون متبعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة، وهذا الذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه وغيره، قال سيبويه: وذلك قولك: مررت برجل وحمار كأنك قلت: مررت بهما وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء، ولا شيء مع شيء، وقال ابن كيسان: لما اختلفت هذه الوجوه، ولم يكن فيها أكثر من جمع الأشياء كان أغلب أحوالها أن يكون الكلام على الجمع في كل حال، حتى يكون في الكلام ما يدل على التفرق.
وذهب هشام، وأبو جعفر أحمد بن جعفر الدينوري إلى أن الواو لها معنيان معنى اجتماع فلا تبألى بأيها بدأت نحو: اختصم زيد وعمرو، ورأيت زيدًا وعمرًا إذا اتحد زمان رؤيتهما، ومعنى افترقا بأن يختلف الزمان، فالمتقدم في الزمان متقدم في اللفظ، ولا يجوز أن يتقدم المتأخر.
وما ذكرناه عن هشام، والدينوري من أن (الواو) التي ليست لمعنى الاجتماعي ترتب، هو منقول عن قطرب، وثعلب، وأبي عمرو الزاهد غلام ثعلب.
وما ذكره السيرافي، والسهيلي من إجماع النحاة بصريهم، وكوفيهم على أن (الواو) لا توجب تقديم ما قدم لفظه، ولا تأخير ما أخر لفظه غير صحيح، لوجود الخلاف في ذلك، وتنفرد (الواو) أيضًا بعدم الاستغناء عنها في عطف ما لا يستغنى عنه مثاله: اختصم زيد وعمرو، وهذان زيد وبكر، وإن إخوتك زيدًا وعمرًا، وبكرًا نجباء، والمال بين زيد وعمرو، وزيد بين أخيك وبكر، وسواء عبد الله وبشر، وأجاز الكسائي [وأصحابه: اختصم زيد مع عمرو، فنابت (مع) مناب الواو، ومنع ذلك الفراء، وأجاز الكسائي] ظننت عبد الله ثم زيدًا مختصمين بـ (ثم)، و (بالفاء)، و (بأو)، ومنع ذلك البصريون، والفراء إلا بالواو، وقال الفراء: لا يجوز أظن عبد الله مختصمًا فزيدًا، ولا يثم، ولا بـ (أو)، وحكى الكسائي: «لأضربن عبد الله، ومحمد على هذه الصفة، وكذا قال الفراء وهشام، وقال الفراء: إذا بدأت بالفعل فقلت: ضربت عبد الله وزيدًا، كان في (زيد) الرفع بالرد على التاء، أو بنسق على التاء بمعنى التكرير والنصب على عبد الله أو بالتكرير، ووجه خامس: أن يرفع زيدًا على الرد على عبد الله، وإن كان نصبا وذلك أن الواو لم يظهر معها الفعل، وجاء بعد تمام الكلام بالاسم فكأنك قلت: وزيد كذلك، وزعم هشام أنه لا يجوز: ضربت عبد الله ورجل، فلو قلت ضربت عبد الله فزيدًا، استقبحه الفراء في الفاء.
وقال هشام: إذا أردت الاستئناف، فجميع النسق سواء، ولا يجوز شيء من هذا عند البصريين، وقال ابن مالك: وتنفرد بجواز عطف بعض متبوعها عليه تفصيلاً نحو قوله تعالى: «وملائكته ورسله وجبريل وميكال» : و «حفظوا على الصلوات والصلاة الوسطى» فـ (جبريل)، و (ميكائيل) مندرجان تحت وملائكته، والصلاة الوسطى مندرجة تحت الصلوات، وهذا ليس متفقا عليه بل ذهب أبو علي، وأبو الفتح إلى أن ما جاء من ذلك لم يندرج تحت ما قبله، وأنه أريد به غير ما عطف عليه ذهابًا منهما إلى أن المعطوف لا يكون إلا غير المعطوف عليه، وقال ابن مالك: ويجوز عطف عامل مضمر على ظاهر يجمعهما معنى واحد مثاله: «والذين تبوأ الدار والإيمان» أصله: تبوءوا الدار واعتقدوا الإيمان، فاستغنى بمفعول اعتقدوا عنه، وهو معطوف على تبوءوا وجاء ذلك، لأن في اعتقد وتبوأ معنى لازموا.
وهذا الذي ذكره فيه مذهبان خلطهما ابن مالك، وركب منهما مذهبا ثالثًا، فتقول: ذهب الفارسي في جماعة من البصريين، والفراء في جماعة من الكوفيين إلى أن ما ورد من ذلك، إنما يحمل على إضمار فعل لتعذر العطف، فقدروا: اعتقدوا الإيمان، وذهب أبو عبيدة، والأصمعي، واليزيدي، وغيرهم
إلى أن ذلك من عطف المفردات، وتضمين العامل معنى ينتظم به المعطوف والمعطوف عليه، فيقدر: آثروا الدار والإيمان، واختار بعض أصحابنا: التضمين على الإضمار، واختلف أيضًا في هذا التضمين، والأكثرون على أنه ينقاس، وضابطه عندهم أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى واحد لهما، والذي أختاره التفصيل، فإن كان العامل الأول يصح نسبته إلى الاسم الذي يليه حقيقة، كان الثاني محمولاً على الإضمار، لأن الإضمار أكثر من التضمين نحو: يجدع الله أنفه وعينيه أي: ويفقأ عينيه، فنسبة الجدع إلى الأنف حقيقة.
وإن كان لا يصح كان العامل متضمنًا معنى ما يصح نسبته إليه، لأنه لا يمكن الإضمار نحو قول العرب: علفت الدابة ماء وتبنًا، أي: أطعمتها أو غذوتها ماء وتبنًا، وتقدم الكلام على شيء من هذا في المفعول معه.
وإذا عطفت بالواو على منفي عنه الحكم، وأتيت بـ (لا) بعد الواو نحو: ما قام زيد ولا عمرو كان الفعل منفيًا عنهما حالة الاجتماع وحالة الافتراق، فإن كان الفعل مما يقتضي الاشتراك، فقد تأتي بـ (لا) زائدة لتأكيد المنفي نحو:«وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور» والظاهر أن مثل: ما قام زيد، ولا عمرو هو من عطف المفردات، وبعضهم يزعم أنه من قبيل عطف الجمل، قال: إذا عطفت بالواو ومعها (لا) أفادت المنع من الجميع كقولك: والله لا كلمت زيدًا ولا عمرًا، ولو حذفتها لجاز أن تكلم أحدهما، لأن (الواو) للجمع، وإعادة (لا) كإعادة الفعل فيصير الكلام جملتين، وقال السهيلي:(الواو) قسمان أحدهما: أن تجمع الاسمين في عامل واحد، وتنوب مناب صيغة التثنية، فيكون: قام زيد وعمرو بمنزلة قام هذان، فإن نفى الفعل قلت: ما قام زيد وعمرو.
الثاني: أن يضمر بعد الواو، فيرتفع المعطوف بذلك المضمر أو ينتصب، فإذا نفيت على هذا قلت: ما قام زيد ولا عمرو، فالواو عاطفة جملة على جملة، ويتركب على هذين الأصلين مسائل منها: قامت هند وزيد إذا أضمرت، وقام هند وزيد إذا جعلتها جامعة لتغليب المذكر على المؤنث وتقول: طلعت الشمس والقمر، وطلع الشمس والقمر على هذا ولا تقول: في (جمع) إلا جمع الشمس والقمر، ومنها زيد قام عمرو وأبوه إن جعلتها جامعة جاز، أو أضمرت بعدها لم يجز، وكذا في الصلة والصفة.
(الفاء): تشرك في الحكم، والثاني عقب الأول بلا مهلة هذا مذهب الجمهور، وذهب الجرمي إلى أنها للترتيب إلا في الأماكن والمطر فلا ترتيب تقول: عفا مكان كذا فمكان كذا (وإن كان عفا وهما في وقت واحد)، ونزل المطر مكان كذا فمكان كذا، وإن كان نزوله فيهما في وقت واحد.
وزعم الفراء أن ما بعد الفاء قد يكون سابقًا إذا كان في الكلام ما يدل عليه، وجعل من ذلك قوله تعالى:«وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون» ومعلوم أن مجيء البأس سابق للملائكة، وزعم الفراء أيضًا أن الفعلين إذا كان وقوعهما في وقت واحد، ويئولان إلى معنى واحد، فإنك مخير في عطف أيهما شئت على الآخر بالفاء تقول: أحسنت إلي فأعطيتني، وأعطيتني فأحسنت إلي.
وتغلب السببية في الفاء إذا عطف بها جملة، أو صفة مثال ذلك «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه» و «ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه» «وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات» [و]«لأكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم» .
وقال ابن مالك: وقد تكون بينهما مهلة مثاله: «أنزل من السماء ماء فيصبح الأرض مخضرة» انتهى.
ولا يعتقد أن قوله (فتصبح) معطوف على أنزل بل ثم محذوف [و] فتصبح معطوف عليه أي فأنبتنا به، فطال النبت فتصبح، وتعطف الفاء مفصلاً على مجمل نحو:«فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما» [و]«فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة» .
ويسوغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة أو صفة، أو خبر إذا كان العطف بها نحو: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، ومررت برجل يبكي، فيضحك عمرو، وقد يكون الضمير في الجملة الثانية نحو: الذي تقوم هند، فيغضب عمرو، ومررت بامرأة تبكي زيد فيضحك، وهند يقوم عمرو
فتضحك، وذكروا أن (الفاء) قد جاءت زائدة قال الأخفش: زعموا أنهم يقولون: أخوك فوجد يريدون: أخوك وجد، وذكروا من زيادتها قوله:
…
... ....
…
فثم إذا أصبحت أصبحت غاديًا
وذكروا غير هذا مما يحتمل التأويل، فلا تكون زائدة كما ذكروا زيادة (الواو) وأنشدوا على ذلك أبياتًا، وقال الأخفش: تقول «كنت ومن يأتنا نأته» : الواو زائدة في باب (كان)، ولا يحسن زيادتها إلا في باب كان يعني أنه لا يطرد زيادتها إلا في باب كان.
ويجوز دخول (الفاء) على إذا الفجائية في مثل: خرجت فإذا السبع فمذهب مبرمان، واختاره ابن جني أنها عاطفة، ومذهب الزيادي أنها فاء الجزاء، ومذهب الفارسي أنها زائدة.
(ثم): تشرك في الحكم وترتب بمهلة، وذهب الفراء فيما حكاه السيرافي عنه والأخفش، وقطرب فيما حكاه (أبو محمد عبد المنعم بن الفرس في مسائله الخلافيات عنه) إلى أن (ثم) بمنزلة الواو، لا ترتب، ومنه عندهما:«ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها» ومعلوم أن هذا الجعل كان قبل خلقنا، وزعم بعضهم أنها تقع موقع الفاء وجعل من ذلك:
…
...
…
...
…
... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
أي فاضطرب، كما تقع (الفاء) موقع (ثم) في قول بعضهم، وجعل منه:«ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما» فالفاء في (فخلقنا)(فكسونا) واقعة موقع (ثم)، لما في معناه من المهلة، وكقوله:
إذا مسمع أعطتك يومًا يمينه
…
فعدت غدا عادت عليك شمالها
وزعم بعضهم أنه قد تقع (ثم) في عطف المقدم بالزمان اكتفاءً بترتيب اللفظ، وحكى المهاباذي أن (ثم) قد تكون زائدة، على مذهب أبي الحسن والكوفيين نحو قوله:
…
...
…
...
…
...
…
وثم إذا أصبحت أصبحت غاديا
والصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أنها للترتيب والإيذان أن الثاني بعد الأول بمهلة، ويؤول ما ظاهره خلاف ذلك.
وقد تبدل ثاؤها بفاء، فيقال: فم، وقد تلحقها التاء ساكنة فتقول: ثمت ومتحركة فتقول: ثمت، وقال الفراء: العرب تستأنف بـ (ثم)، والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأول من ذلك أن يقول الرجل (قد أعطيتك ألفًا ثم أعطيتك قبل ذلك مالاً)، فيكون (ثم) عطفًا على خبر المخبر كأنك قلت: أخبرك أني أعطيتك اليوم ثم إني أخبرك أني أعطيتك أمس، وهذا هو الذي ذكرنا أن بعضهم قال: إنه قد تقع (ثم) في عطف المقدم بالزمان اكتفاءً بترتيب اللفظ.
(أو): مذهب الجمهور أن (أو) لأحد الشيئين، أو الأشياء، وأكثر النحاة يجعل (أو) مشركة في اللفظ لا في المعنى، وزعم ابن مالك أن (أو) تشرك في اللفظ والمعنى، ومع كونها لأحد الشيئين، أو الأشياء تأتي على معانٍ: الشك في الخبر، وفي الاستفهام نحو: قام زيد أو عمرو، وأقام زيد أو عمرو، والإبهام
تعلم من القائم، وتبهم على المخاطب نحو:«عليها آتاها أمرنا ليلا أو نهارا» وقد علم الله تعالى متى يأتيها أمره، والتخيير نحو:«ففدية من صيام أو صدقة أو نسك» ، والإباحة نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، وإذا نهيت عن المباح استوعب ما كان مباحًا باتفاق من النحاة، ومنه «ولا تطع منهم آثمًا أو كفورا» ، وإذا نهيت عن المخبر فيه، فذهب السيرافي إلى أنه يستوعب الجميع كالنهي.
وذهب ابن كيسان إلى جواز أن يكون النهي عن واحد، وأن يكون عن الجميع والتفصيل وهو أن تأتي عقب أ×بار فتفصله نحو:«وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا» ، وتكون لإيجاب أحد الشيئين قال كقولك للشجاع: إنما أنت طعن أو ضرب أي تارة كذا، وتارة كذا، وقال قطري:
حتى خضبت بما تحدر من دمي
…
أكناف سرجي أو عنان لجامي
أي خضبت مرة من أكناف سرجي وأخرى عنان لجامي، وقال الفراء، وأبو علي: تأتي للإضراب بمعنى (بل)، وحكى الفراء: اذهب إلى زيد أو دع
ذلك فلا تبرح اليوم، وقرأ أبو السمال:«أو كلما عاهدوا عهدًا» قال ابن جني معنى (أو) هنا معنى (بل)، وقد ذكر سيبويه: الإضراب في النفي، والنهي في مسائل إذا أعدت العامل، منها: لست بشرًا أو لست عمرًا، وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق، وذكر ما استدل به، ونازعه غيره في الاستدلال به، وقال ابن مالك: ويعاقب معنى (أو) الواو في الإباحة كثيرًا، وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلاً، فمن عطف المصاحب:«ومن يكسب خطيئة أو إثما» ، ومن معاقبة الواو في الإباحة:«ولا يبدين زينتهن» الآية، ومنه جالس الحسن أو ابن سيرين، فلو جالسهما معًا لم يخالف ما أبيح له، والاعتماد في فهم ذلك على القرائن.
وذكر أصحابنا فرقًا بينهما أنك إذا قلت: جالس الحسن، وابن سيرين، لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر، وإذا كان (بأو) جاز له أن يجالسهما أو أحدهما، وأن يجالسهما معًا، وغيرهما ممن هو مثلهما في الفضل.
وذهب الأخفش، والجرمي إلى أن (أو) تأتي بمعنى (الواو) احتجاجًا بقوله تعالى:«أو يزيدون» وهو مذهب جماعة من الكوفيين في الآيات، وذهب الأزهري إلى أن (أو) تستعمل بمعنى (الواو) في النثر والنظم.
و (إما): تكون للشك نحو: قام إما زيد وإما عمرو، أو للتخيير «إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا» وللإباحة: جالس إما الحسن وإما ابن سيرين والإبهام: «وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم» والتفصيل: «إما شاكرًا وإما كفورا» .
ولإيجاب أحد الشيئين في وقت دون وقت نحو قولك للشجاع: إنما أنت طعن وإما ضرب، ولم يذكر ابن مالك هذا المعنى لـ (إما) كما لم يذكره لـ (أو) وذكره غيره من أصحابنا، ولغة الحجاز ومن جاورهم كسر همزة (إما)، ولغة قيس وأسد وتميم فتحها، وحكى إبدال ميمها الأولى ياء مع كسر الهمزة وفتحها فتقول: إيما وأيما، وزعم الزجاج أنه لا يجوز: لا تضرب إما زيدًا وإما عمرًا والجمهور على جوازه.
ونص النحاس على أن البصريين لا يجيزون فيها إلا التكرار، وأجاز الفراء ألا تكرر، وأن تجري مجرى (أو)، وقال الفراء: يقولون: عبد الله يقوم وإما يقعد، وقال أحمد بن يحيى: وأجازوا أن تأتي (إما) بمعنى (أو) انتهى.
وجاءت (أو) معادلة لها في الشعر نحو قوله:
وقد شفني أن لا يزال يروعني
…
خيالك إما طارقًا أو مغاديًا
وقال بعض أصحابنا: الوجه فيها أن تستعمل مكررة، وقد تجيء غير مكررة
إذا اعتاضوا عن تكرارها بإن الشرطية المدغمة في لا النافية أو بـ (أو)، وقد تجيء في الشعر غير مكررة من غير عوض ومن ذلك قول الفرزدق:
تهاض بدار قد تقادم عهدها
…
وإما بأموات
…
...
…
....
حذف (إما) بدار للضرورة، ومثال الاستغناء بـ (وإلا):
فإما أن تكون أخي بحق
…
وإلا فاطرحني واتخذني
ومذهب سيبويه أن (إما) مركبة من (إن) و (ما)، أدغمت نون (إن) في (ما)، فصارت (إما)، ولما اعتقدوا أن أصلها (إن ما) قالوا قد جاء في الشعر إن دون (ما) وأنشدوا:
قتلت به أخاك بخير عبس
…
فإن حربًا حذيف وإن سلاما
قالوا: يريد فإما وإما، وقال غير سيبويه: ليست (إما) مركبة من (إن) و (ما)، ولا معنى لـ (إن) هنا، وهذا المذهب عندي أولى، لأن الأصل البساطة لا التركيب، ولما بنوا على أنها مركبة من (إن)، وما قالوا: وقد يحذفون في
الشعر، إما الأولى و (ما) من إما الثانية، ومن ذلك عند سيبويه قول الشاعر
سقته الرواعد من صيف
…
وإن من خريف فلن يعدما
قالوا: يريد (إما) من صيف وإما من خريف، وذهب الأصمعي والمبرد إلى أن (إن) شرطية والفاء فاء الجواب، والتقدير: وإن سقته من خريف فلن يعدم الري، وذهب أبو عبيدة إلى (أن)(إن) زائدة، والتقدير: من صيف ومن خريف، وزعم الكسائي أن (إما) تكون جحدًا تقول: إما زيد قائم تريد: إن زيد قائم، وما صلة، ويجوز إبدال الميم الأولى ياء فتقول: إيما، ويجوز فتح همزتها فتقول: أما وأيما لغتان عن أبي رياش.
(بل) إن وقع بعدها جملة كانت إضرابًا عما قبلها على جهة الإبطال له، وإثبات ذلك لما بعدها كقوله تعالى: «أم يقولون به جنة بل جاءهم
بالحق» أو على جهة الترك من غير إبطال كقوله تعالى: «ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا» ، ولا تكون إذ ذاك عاطفة، وإن وقع بعدها مفرد، فإن كان ما قبلها أمرًا نحو: اضرب زيدًا بل عمرًا، أو نهيًا نحو: لا تضرب زيدًا بل عمرًا فالمعنى فيهما: بل اضرب عمرًا، أو نفيًا نحو: ما قام زيد بل عمرو فمعناه الإيجاب أي: بل قام عمرو، ووافق المبرد في هذا الحكم، وأجاز أن يكون التقدير في النهي: بل لا تضرب عمرًا، وفي النفي: بل ما قام عمرو، ووافقه على ذلك أبو الحسين بن عبد الوارث، أو موجبًا نحو: قام زيد بل عمرو، فهو إضراب عن الأول، وإيجاب ذلك للثاني أي: بل قام عمرو.
وذهب الكوفيون إلى أنه لا يكون (بل) نسقًا إلا بعد نفي، أو ما جرى مجراه قال هشام: ومحال: ضربت عبد الله بل أباك، واختار هذا المذهب أبو جعفر بن صابر، وكون الكوفيين، وهم أوسع من البصريين في اتباع كلام شواذ العرب يذهبون إلى أن (بل) لا تجيء في النسق بعد إيجاب دليل على عدم سماعه من العرب أو على قلة سماعه، ولا يعطف بها بعد استفهام، لا يقال هل: جاء زيد بل عمرو، ولا: أضربت زيدًا بل عمرًا، وقد تكرر (بل) في الجمل قال تعالى:«بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر» ، «وما يشعرون أيان يبعثون بل أدارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون» .
وإذا زيدت (لا) بعد إيجاب أو أمر نحو: قام زيد لا بل عمرو، واضرب زيدًا لا بل عمرًا و (لا) زائدة لتأكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول، أو بعد
نفي، أو نهي نحو: ما قام زيد لا بل عمرو، ولا تضرب خالدًا لا بل بشرًا، فهي زائدة لتأكيد بقاء النفي والنهي، وزعم ابن درستويه أنها لا تزاد بعد النفي، وذهب الجزولي إلى أنها بعد الإيجاب والأمر نفي، وبعد النفي والنهي تأكيد وقال ابن عصفور: وهذا الذي ذهب إليه من زيادة (لا) على (بل) في النفي والنهي، لا ينبغي أن يقال به إلا أن يشهد له بالسماع، وما ذهب إليه ابن درستويه واستبعده ابن عصفور مسموع من كلام العرب، ويقال في لا بل: نابن ونابل ولابن.
(لا): يعطف بها بعد الأمر نحو: اضرب زيدًا لا عمرًا، وفي معنى الأمر التحضيض والدعاء نحو: هلا تضرب زيدًا لا عمرًا، وغفر الله لزيد لا لبكر. ومن كلامهم: به لا بظبي أعفر، وأمت في حجر لا فيك، أو نداء نحو: يا زيد لا عمرو نص على ذلك سيبويه.
وزعم ابن سعدان: أن العطف بـ (لا) على منادي ليس من كلام العرب، وأجاز الفراء العطف بها على اسم لعل تقول: لعل عمرًا لا زيدًا منطلق كما جاز في اسم (إن) نحو: إن زيدًا لا بكرًا قائم، وبعد خبر مثبت إن كان في جملة اسمية، فيعطف على الخبر: هذا رزق الله لا كدك، وعلى المبتدأ نحو: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، أو كان في جملة فعلية مصدرة بمضارع قلت: يقوم زيد لا عمرو: أو بماض نحو: قام زيد لا عمرو، فالجمهور على جواز ذلك.
وقال الكسائي لا يكادون يقولون: مررت بزيد لا عمرو حتى تكرر، وذهب قوم إلى أنه لا يجوز، وما جاء من نفي لا للماضي قليل يحفظ ولا يقاس عليه، وممن منع ذلك الزجاج، وأجاز بعض النحويين: قام زيد لا قعد إذا اقترنت به قرينة تدل على أنه إخبار لادعاء، وأجاز هشام: ضربت بكرًا لا ضربت عمرًا، إذا لم يكن دعاء، وأردت معنى لم تضرب عمرًا، ولا يجوز عند البصريين ضربت بكرًا لا ضربت عمرًا إلا على الدعاء.
وشرط عطف الاسم بـ (لا) أن يكون ما بعدها غير صالح لإطلاق ما قبلها عليه، فلذلك لا يجوز: قام رجل لا زيد، ولا امرر برجل لا عاقل، وتقول: هذا رجل لا امرأة، ورأيت طويلاً لا قصيرًا، ولا يجوز: هذا زيد غير امرأة، ولا رأيت طويلاً غير قصير، فإن كانا علمين جاز فيه (لا) و (غير) تقول: مررت بزيد غير عمرو وهذا زيد غير عمرو.
و (لا) لا يعطف بها إلا المفرد، أو الجمل التي لها موضع من الإعراب نحو: زيد يقوم لا يقعد، فإن كان الفعل منفيًا نحو: زيد ما يقوم لما يجلس لم يجز، فإن لم يكن لها موضع من الإعراب لم يكن حر فعطف، ولذلك يجوز الابتداء بها، ولا يجوز الابتداء بالواو، والفاء، و (ثم) و (أو) ونحوها فإذا قلت: زيد قائم لا عمرو قائم، ولا بشر، فلابد من تكرارها كحالها إذا ابتدئ بها، وتقول: لن يقوم زيد لا يقعد، فلا يجوز نصب (يقعد) عطفًا على المنصوب، بل ترفع على القطع كما نرفع في نحو قوله تعالى:«لا تضار والدة بولدها» في قراءة الرفع،
وأجاز الكسائي والفراء عطف (لا تضار) نسقًا على «لا تكلف نفس إلا وسعها» ، وفي النهاية: وتعطف (لا) الجملة على الجملة نحو: (زيد قائم لا عمرو جالس) انتهى. وقد يجوز حذف المعطوف عليه نحو: أعطيتك لا لتظلم، أي: لتعدل لا لتظلم.
(لكن): تقدم الخلاف فيها، وكونها مركبة من (لا) النافية، وكاف الخطاب وأن، ومذهب الكوفيين، وتبعهم السهيلي، وهو لا ينبغي أن يحكى باللفظ فضلاً عن أن يسطر، وتقع قبل المفرد في نفي نحو: ما قام زيد لكن عمرو أو نهي نحو: لا تضرب زيدًا لكن عمرًا لا لإيجاب، وأجاز ذلك الكوفيون نحو: أتاني زيد لكن عمرو، وقيل: جملة فيكون إيجابًا، ونفيًا، أو نهيًا، وأمرًا لا استفهامًا، فلا يقال هل قام زيد لكن عمرو لم يقم، وتكون إذا ذاك حرف ابتداء لا عاطفة هذا قول أكثر أصحابنا وقال ابن أبي الربيع: يظهر لي أنها عاطفة وقعت بعدها جملة أو مفرد إذا كانت بغير واو، وهو ظاهر كلام سيبويه.
وفي البديع: قيل إنها مع الموجب حرف ابتداء كقوله تعالى: «لكن الله يشهد بما أنزل إليك» وإن شئت جعلتها عاطفة جملة على جملة، وتقدم لنا الكلام على (لكن) في باب (إن)، وأن وقوعها بين نقيضين أو ضدين لا بين متماثلين، فإن كانا خلافين ففي وقوعها بينهما خلاف، والصحيح جواز ذلك، وقال ابن هشام الخضراوي لا تكون بين خلافين.
(حتى): تقدم من مذهب الكوفيين أنها لا تكون عاطفة، ونحن نفرع على مذهب البصريين فنقول: المعطوف بها يكون بعض متبوع الأول، فيكون واحدًا من جمع أو جزء من أجزائه مثاله: مات الناس حتى خيارهم، وأكلت السمكة حتى رأسها فلو قلت: ضربت الرجلين حتى أفضلهما لم يجز، لأنه ليس جزءًا من أجزاء
المعطوف لا واحدًا من جمع، وقد يختلط بالمتبوع ما يتنزل منزلة البعض في ذلك نحو: خرج الصيادون حتى كلابهم.
وأجاز الفراء: إن كلبي ليصيد الأرانب حتى الظباء، وإن زيدًا ليقتل الرجالة حتى الفرسان، وهذا خطأ عند البصريين، وشرط المعطوف بـ (حتى) ألا يكون نكرة، فلا يجوز: قام القوم حتى رجل، فإن خصصته جاز نحو: ضربت القوم حتى رجلاً جلدًا فيهم، ويخالف العطف (بحتى) العطف (بالواو) في أن ما بعد (حتى) لا بد أن يكون عظيمًا، أو حقيرًا، أو قويًا، أو ضعيفًا، ومن كلامهم استنت الفصال حتى القرعى، وقد اجتمعت غاية القوة والضعف في قول الشاعر
قهرناكم حتى الكماة فأنتم
…
لتخشوننا حتى بنينا الأصاغرا
وقد يقدر المباين بعضًا بالتأويل نحو:
…
...
…
...
…
والزاد حتى نعله ألقاها
كأنه قال: وما يشغله حتى نعله، وإذا عطفت على مجرور فقال ابن الخباز الموصلي، وأبو عبد الله الجليس مؤلف كتاب الثمار (لزم إعادة الجار) فرقًا بينها وبين الجارة، وقال ابن عصفور: الأحسن إعادة الخافض ليقع الفرق بين العاطفة والجارة، وإذا عطفت على مجرور أعدت الجار نحو: مررت بهم حتى بزيد، فإن كانت الجارة لم تحتج للباء.
وإن كانت العاطفة أعدت الباء كما تعيدها مع الواو، وقال ابن هشام الخضراوي: لا يجوز العطف إلا حيث يجوز الجر يعني مع الشروط المتقدمة قال: ولذلك لا يعطف المضمر على المظهر، ولا على المضمر لا يجوز: ضربت القوم حتى إياك، ولا قاموا حتى أنت، لأن (حتى) لا تجر المضمر، ولا تعطفه، وهذا الذي ذكره على مذهب جمهور البصريين، وأجاز المبرد، والكوفيون أن تجر (حتى) المضمر نحو: ضربت القوم حتاك، ولكن الكوفيون لا يرون العطف بـ (حتى) بل ذاك على الجر، واتفق الفريقان على أنه لا يجوز: مررت بالقوم حتاك، وتصحيحها حتى بك، وأجاز الفراء فيما يكون بعدها من المكنى إذا أتبعت: قال القوم حتى أنت، وضربت القوم حتى إياك، وقال: لا يجوز: حتاك في النصب
إلا إذا اتبعت محفوظًا نحو: مررت بالقوم حتاك، وقال: إذا أردت النسق كان من بعدها داخلاً، وإذا جررت جاز أن يدخل وأن لا يدخل، قال: وإن جعلت (حتى) معترضة بعد الأسماء وقبل الفعل الذي عليه نسقت، فقلت: القوم حتى عبد الله قاموا، والقوم حتى عبد الله قيام، فلك العطف، والأحسن الجر، وكذا يفعل فيما جرى مجراها من كان وظن وأخواتها، وإذا استوفيت (حتى) ما شرط في كونها عاطفة، فإن اقترن بالكلام قرينة تدل على أن الاسم بعدها غير شريك لما قبلها في الحكم فلا يجوز فيه العطف نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر، أو شريك لم يجز إلا العطف نحو: ضربت القوم حتى زيدًا أيضًا.
فلو لم تذكر المحكوم عليه قبل (حتى) فقلت: ضربت حتى أخاك أو زيادة، فالكوفيون لا يجيزون إلا النصب، وأجاز البصريون الجزاء ولا قرينة على دخول ولا خروج جاز العطف والخفض أحسن، وتقول: ضربت القوم حتى زيدًا، وأوجعت بنصب (زيد) إن قدرت الإيجاع لزيد، فإن قدرته للقوم جاز الخفض والنصب أحسن، وزعم الفراء: أن قولك: ضربت القوم حتى أخاك وأوجعت وأعطيت القوم حتى أخاك فأكثرت لم يكن بد من الفاء؛ لأن المعنى حتى ضربت أخاك فأوجعت، وكذا عنده إن خفضت الأخ، وحذف الفاء جائز في هذا عند البصريين.
ويكون الفعل الثاني توكيدًا لا عطفًا وتقول: ضربت القوم حتى أخاك في ما أظن وأحسب وأرى ونحوه، قال الفراء: إن قدرتها داخلة للأخ كان منسوقًا، وإن قدرته راجعًا لما قبل جاز في الاسم ما جاز قبل دخولها وتقول: ضربت القوم حتى أخاك ضربته، تنصب أخاك بفعل مضمر يدل عليه ما بعد (حتى) ولا يبعد النسق، ويجوز الخفض وأكره الرفع، وأجاز الكسائي الرفع فيما بعدها على الاستئناف حملاً على الواو، فإن قوى الاستئناف بما بعدها جاز، وذلك إذا كان الفعل للمستقبل نحو: ضربت القوم حتى عبد الله اضربه.
وأما (ألقى الصحيفة) البيت، فالنصب كلام العرب الذي سمعناه، والخفض جائز، وأما (الرفع) فلم يسمع من العرب؛ لكونه غير مستقبل، وجوزه الكسائي ومثله ما كان الفعل يطلب فاعلاً، فإن كالمستقبل نحو: سبني الناس حتى زيد سبني، لا يكون الرفع إلا إذا كان مستقبلاً، وإذا جرت على العادة أو عطفت، فالفعل في موضع نصب على الحال، ولك أن توقع موقعه اسمًا منصوبًا فتقول: حتى عبد الله شابا، وجملة اسمية: حتى عبد الله شاب، والأحسن دخول الفاء في الفعل، والجملة الاسمية.
وإذا وقع الاسم جاز الرفع في الاسم بعدها نحو: ضربت القوم حتى زيد مضروب، وحتى زيدًا مضروبًا، وحتى زيد مضروب، وإذا رفعت ما بعدها، ونصب الاسم بعد الاسم دخل في الكلام معنى صار لكنها لم تقو في معناها حتى تنصب، وقد غلط قوم فنصبوا الاسم بمعنى صار، ولا يجوز أن تعطف الجمل، ولا الأفعال، فإذا وقع بعدها الماضي فهي حرف ابتداء نحو: سرت حتى دخلت المدينة، وأجاز أبو الحسن: أن تكون كالفاء إذا كانت سببًا فتعطف الفعل على الفعل نحو: ما تأتينا حتى تحدثنا، وكذلك أجاز بعضهم أن يكون العطف في سرت حتى دخلت المدينة، وقال خطاب الماردي: تقول: ضربت زيدًا حتى قتلته، وضربته حتى هو مقتول لا تعمل شيئًا، ولا يكون ما بعدها إلا شيئًا يؤديه الأول ويبدله منه تقول: قام حتى أعيا وبكى حتى عمى، ولو قلت: أكل حتى بكى، وسار حتى طلعت الشمس لم يجز، فإن وقعت على مستقبل بمعنى الماضي، أو بمعنى الحال كان مرفوعًا نحو: سرت حتى أدخل المدينة انتهى.
وحتى لا تقتضي في العطف ترتيبًا فهي كالواو، ويجوز كون العطف بها مصاحبًا نحو: قدم الحجاج حتى المشاة في ساعة كذا، وسابقًا نحو: قدموا حتى المشاة متقدمين ومن ادعى أنها تقتضي الترتيب في الزمان، فقد ادعى ما لا دليل عليه.
وقال الزمخشري (الفاء) و (ثم) و (حتى) تقتضي الترتيب، وحيث جاز الجر والعطف، فالجر أحسن إلا في باب (ضربت القوم حتى زيدًا ضربته)، فالنصب أحسن عند من اعتقد أنها للعطف، فجعل (ضربته) توكيدًا وعند من لم يعتقد أنها للعطف، وقد يجتمع غايات في الزمان وغيره، فيكون قبلها وبعدها مواقيت وغير مواقيت فتقول: إن فلانًا ليشتري الرقيق الأيام كلها حتى الخميس حتى الليل، فلك أن تخفض لعدم الدخول، ولك أن تتبع أحدهما على شكله قدمت أو أخرت، وتجعل الآخر غاية، والأحسن أن تجعل أحدهما عطفًا والآخر غاية، فيختلفا في المعنى.
وهذا الاختلاف فيه ما ليس من الجنس ويجانسه، ومما ليس منه، وينوب عن الزمان: المصدر المقارن للزمان تقول: أقم عندنا حتى طلوع الشمس، وقيام زيد، وهو خفض قال الفراء: ولا يصح أن يقع هنا بدل المصدر ما ينسبك به وهو (أن) و (ما) لا تقول: أقم عندنا حتى أن يقوم زيد، ولا حتى ما يقوم زيد.
ويجوز في أن المشددة نحو: أقم حتى أن الناس يفطرون، ولا يجوز أن يكون بعد (حتى) نكرة لو قلت: أقم عندنا حتى شهر أو يوم لم يجز، إلا أن تريد مقدار ذلك، فإنك لو قلت: أقم عندنا حتى إلى تمام اثنتي عشرة ساعة، [فإنه يجوز].
ومنه قوله تعالى: «ليسجننه حتى حين» كأنه أراد الموت، أو زمانًا يحصر، وتقول: أقم عندنا حتى قليل تقضي حاجتك فيها، وأجاز الكسائي (أقم عندنا حتى شهر وحتى عصر)، فخفض وهو غير جائز.
ولو قلت: أتينا كل وقت حتى ظهرًا جاز، ولو قلت: كن عندنا حتى غدوة يا هذا، وحتى سحر جاز، ولو قلت: حتى غداة لم يجز، ولو قلت: حتى عشية جاز على قبح إذا جعل العشية من الظهر إلى الليل، فإن لم يرد ذلك كان محالاً وتقول: لا آتيك حتى عشر، فتضع حتى مكان (إلى)، ولو قلت (آتيك) لم يجز، ولو قلت: آتيك فأواظب إلى عشر. جازت حتى كقولك: أرعى الشتاء حتى شهر. انتهت هذه المسائل وهي من كلام الفراء.
(أم) تكون متصلة ومنقطعة، فالمتصلة لا يستغنى ما بعدها عما قبلها، ولا تكون إلا فيما يستعمل لفظ الاستفهام فيه سواء أكان الكلام على معنى الاستفهام أم لا نحو: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو، وليت شعري أزيد قائم أم خالد، وما أبالي أقام زيد أم قعد، وسواء علي أقمت أم قعدت، ووقعت في هذه النسب من حيث كان المعنى على التسوية في ظن المخاطب في جهالة أيهما ادعيت العلم بكونه عنده، والتسوية في ظن المتكلم فيما جاء بعد ليت، والتسوية بين قعود زيد، وقيامه في مسألة: ما أبالي، ومسألة سوى، كما أنك إذا استفهمت فقلت: أزيد عندك أم عمرو استوى في ظنك في كينونة من عندك منهما، ولا يجوز أن تقدم: أقمت أم قعدت على (سواء على)، وأغلب ما يكون الفعلان ماضيين، وقد يجوز على ضعف: سواء على أتقوم أم تقعد.
والجملة الواقعة بعد أفعال القلوب والتسوية لا يجوز تقديمها فلا تقول: أقمت أم قعدت علمت، ولا أضربت زيدًا أم عمرًا تبين لي، وإذا عطفت اسمًا بعد (أم) على اسم مخبر عنه بأفعل التفضيل فلا يجوز الإتيان بـ (من) لا في الأول، ولا في الثاني فتقول: ما أبالي أزيد أفضل أم عمرو، ولا يجوز:(زيد) أفضل من عمرو أم بكر، ولا أفضل أم عمرو من بكر.
ويجوز العطف على الاسم المضمر في أفعل، ويتضح ذلك في (ما أبالي أرأيت زيدًا أفضل أم عمرًا) فإن حملت على المضمر قلت: أم عمرو، ومن يؤكد الضمير المرفوع لمكان العطف لا يؤكد هنا، ومن الناس من لا يجيز العطف عليه فإن قلت: أزيدا ضربت أكثر أم عمرًا لم يجز رفعه على الحمل على الضمير، ويجوز رفع هذا الاسم على الابتداء فتقول: أزيد أفضل أم عمرو تريد (أم الأفضل عمرو) ورفعه على هذا أحسن من حمله على الأول، وهو كلام العرب الفصيح، تقول العرب: أرأيت زيدًا أفضل أم عمرو، كثيرًا أكثر من أم عمرًا.
والمعادلة لا تكون إلا بين اسمين، أو فعلين، أو جملتين، إما اسميتين وإما فعليتين، ولا تعادل بين اسمية وفعلية إلا إن كانت في معنى الاسمية أو الاسمية في معنى الفعلية نحو:«أدعوتموهم أم أنتم صامتون» أي أم صمتم ونحو: «أفلا تبصرون أم أنا خير» المعنى أم أنتم بصراء، والموجبتان تقدم أيا شئت منهما.
وإن كانت إحداهما منفية أخرتها، نحو: أقام زيدًا أم لم يقم، ولا يجوز ألم يقم زيدًا أم لا، ولا سواء على ألم يقم أم قمت، فـ (أم) لا يتقدمها إلا الاستفهام أو التسوية، و (أو) يتقدمها كل كلام إلا التسوية، فلا يجوز سواء علي أقمت أو قعدت، وكذلك ما أبالي أقمت أم قعدت إذا أردت التسوية.
وإن أردت: ما أبالي فعلك جازت (أو) و (أم)، وتقول: أتقوم أم لا، وأم هذه المتصلة لا بد أن يتقدمها الهمزة، ومع الهمزة أفعال القلوب، أو ما جرى مجراها وهي التسوية أو عدم المساواة، أو ضد ذلك نحو: ما أشد علي وما أشق علي أقمت أم قعدت.
وإذا عادلت بين جملتين جاز أن تكون إحداهما الاسمية والأخرى فعلية إلا في التسوية، فإنه لا يذكر بعدها إلا الفعلية، ولا يجوز (سواء علي أزيد قائم أم عمرو
منطلق) هذا ما لا تقوله العرب، وأجازه أبو الحسن قياسًا على الجملة الفعلية، و (سواء) خبر مقدم، و (أقمت أم قعدت) في موضع المبتدأ، وقال أبو الحسن:(أقمت أم قعدت) في موضع الفاعل بسواء، ومما عودل فيه بين الجملة والمفرد قوله
سواء عليك النفر أم بت ليلة
…
...
…
...
…
...
…
والمتصلة تسبقها همزة، ويصلح موضعها لأي: ولذلك يبدل ما دخلت عليه من (أي)، تقول: أيهم ضربت أزيدًا أم عمرًا أم خالدًا، وأيهما ضربت أزيدًا أم عمرًا، وجواب (أم) المتصلة التعيين، ويجرى مجرى التسوية: ما أدري، وليت شعري، وسواء علي، وتقع بعدهما الجملة الاسمية والفعلية، وما أبالي فلا يكون بعد الاستفهام فيها إلا الفعل لا الجملة الاسمية كذا قال بعضهم، والصحيح وقوع الجملة الاسمية بعدها قال:
ولست أبالي بعد فقدى مالكا
…
أموتى ناء أم هو الآن واقع
وكان أبو الحسن يستقبح وقوع الجملة الاسمية بين ما أدري وبين علمت أزيد عندك أم عمرو، وإن أدرى تستعمل في النفي والإيجاب، والتمني بمنزلة النفي، وعلمت لا تكون إلا في النفي لا تقول: ما علمت أزيد عندك أم عمرو، لأن التعليق جرى في الإثبات، وقد يكون السؤال بـ (أم)، والهمزة مبنيًا على توهم السائل حصول ما يسأل عنه فلإيجاب بالتعيين لفساد الوضع، فيكون الجواب كلاهما عندي أولا واحد منهما عندي.
ويجيء بعد (أم) المتصلة المفرد، والجملة في تقدير المفرد نحو:
أمخدج اليدين أم أتمت
أي (أم) متما، ومن ذلك: أقام زيد أم قعد المعنى: أكان من زيد قيام أم قعود وقد يكون الفعلان لفاعلين نحو: ما أبالي أقام زيد أم قعد بكرن وجملتان ابتدائيتان نحو: ما أبالي أزيد غاضب علي أم هو راض، وقد تحذف الهمزة وتنوي نحو: ما أدري زيد قام أم عمرو أي أزيد، وقرأ ابن محيصن «سواء عليهم ءأنذترهم» بهمزة واحدة، يريد: أأنذرتهم، وقد يكتفي بـ (لا) عن ذكر المعادل نحو: أزيد عندك أم لا تريد: أم لا هو عندك، وأزيد يقوم أم لا تريد: أم لا يقوم وتقول: أزيد عندك أم عمرو، وأزيدًا لقيت أم بشرًا، تفصل (أم) مما عطفت قال تعالى:«قل أذلك خير أم جنة الخلد» فصلت (أم) مما عطفت عليه ولو قلت: ألقيت زيدًا أم عمرًا كان حسنًا، وتقديم الاسم أحسن وقال تعالى:«وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون» ولو قلت: أزيد أم عمرو قائم جاز، وقال ابن الطراوة: إنما تقدم الاسمين مضمومًا أحدهما إلى الآخر، أو تؤخرهما ومنع من التوسط، وقال غيره: لا يجوز إلا تقديم المستفهم عنه، وتأخير ما ليس بمستفهم عنه، وقد مثل سيبويه بجواز الثلاثة.
والمنقطعة ما انخرم فيها شرط المتصلة، وهي ما لا يتقدمها لفظ الهمزة، وألا يتقدم الكلام معها بأيهما أو بأيهم، وتأتي بعد استفهام بغير الهمزة، وبعد جملة خبرية، ومذهب البصريين أنها تتقدر بـ (ل) والهمزة مطلقًا.
وذهب الكسائي، وهشام إلى أنها بمنزلة (بل) وما بعدها مثل ما قبلها، فإذا قلت: قام زيد أم عمرو، فالمعنى بل قام، وإذا قلت: هل قام زيد أم قام عمرو، فالمعنى: بل هل قام عمرو.
وذهب الفراء إلى أن العرب تجعل (أم) مكان (بل)، إذا كان في أول الكلام استفهام، وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تكون بمعنى (بل) بعد الاستفهام، وبعد الخبر قال: وقد تكون بمعنى الهمزة إذا لم يتقدمها استفهام، وإلى هذا ذهب الهروي في الأزهية، وذهب أبو عبيدة إلى أنها بمعنى ألف الاستفهام، وذهب إليه الفراء في بعض المواضع، ولا تدخل (أم) هذه على همزة الاستفهام لا تقول: أقام زيد أم عمرو قائم، ولا هل قام زيد أم عمرو، وتدخل على هل نحو: قام زيد أم هل قام عمرو، كما تدخل الهمزة على هل نحو قوله:
…
...
…
... أهل رأونا بوادي القف ذي الأكم
وتدخل على أسماء الاستفهام كقوله تعالى: «أماذا كنتم تعملون» وهو كثير فصيح خلافًا لما في شرح (الصفار) الذي كتبه ابن عصفور فإنه ادعى أنه لا يحفظ منه إلا قول:
أم هل كبير بكى
…
...
…
...
…
و:
ما أنت أم ما ذكرها ربعية
…
...
…
...
…
...
وقوله:
…
...
…
....
…
.... أم هل لامني لك لائم
وأنه من الجمع بين أداتي معنى، وهو قليل جدًا وفي كتاب الله تعالى: «أماذا
كنتم تعملون» «أمن هذا الذي هو جند لكم» «أمن هذا الذي يرزقكم» وفي الغرة: يدخلون (أم) على جميع الاستفهام إلا على الهمزة قال:
أخزمت أم وذمت أم مالها
وقال:
فأصبح لا يدري أيقعد فيكم
…
على حسبك الشحناء أم أين يذهب
وذكر الآيتين، وقال الفراء: لا يجمع بين الاستفهامين في موضع واحد، لا يجوز: أين قمت، وأيهم في الدار، وأهل زيد في الدار، إلا في ضرورة الشعر انتهى. وهذا من ابن عصفور وتلميذه يدل على الجسارة وعدم حفظ كتاب الله تعالى. وقد دخلت على كيف نحو قوله:
أم كيف ينفع ما يعطي العلوق به
…
...
…
...
وتقول: متى قمت أم متى قام زيد، وزعم ابن مالك أن (أم) المنقطعة يعطف بها قليلاً الاسم المفرد، وأصحابنا يقولون: ليست للعطف لا لمفرد ولا جملة، وقالت العرب:(إنها لإبل أم شاء)، وقدرة أصحابنا، والفارسي، وابن جني بـ (بل أهي شاء)، وقال هو:(أم) لمجرد الإضراب، وهي بمعنى بل عاطفة ما بعدها على ما قبلها، واستدل على العطف بما نقل أن بعض العرب قال:(إن هناك إبلاً أم شاء)، قال: وهذا عطف صريح يقوي عدم الإضمار في المرفوع.
وقد رددنا ما ذهب إليه في الشرح الكبير، وإذا تصدر (هل) صلحت (أم) و (أو) قال سيبويه لو قلت: هل تضرب أو تقتل، أو هل تضرب أم تقتل لكان واحدًا، وحصر (أم) في المتصلة والمنفصلة مذهب أكثر النحويين.
وذهب أبو زيد الأنصاري إلى أن (أم) تكون زائدة، ومذهب الجمهور: أن (أم) وضعت على حرفين أصلين، وذهب ابن كيسان إلى أن (أم) ميمها بدل من الواو وأن أصلها (أو).