الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التوكيد
معنوي ولفظي، المعنوي تابع بألفاظ محصورة، فلا يحتاج إلى حد ولا رسم، ومنها ما هو للإحاطة خلافًا لابن السراج والفارسي، فإنهما ذهبا إلى أن ما جيء به للإحاطة ليس من قبيل تكرار الاسم بلفظه، ولا بمعناه، فمن تلك الألفاظ نفس وعين، لفرد، وأنفس، وأعين للمثنى والمجموع، وهي مضافة لضمير المؤكد تقول: قام زيد نفسه، وقامت هند نفسها، وقام الزيدان أنفسهما، وقام الزيدون أنفسهم، وقامت الهندات أنفسهن.
وقد وهم الشيخ بدر الدين محمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن مالك تابعًا لأبيه، فأجاز أن تقول في تثنية المؤكد: قام الزيدان نفساهما، وكذا عيناهما، ولم يذهب إلى ذلك أحد من النحويين، وفائدة التأكيد بالنفس، والعين هو إزالة التوهم عن المخاطب أن يكون المسند إليه الحكم، إنما أسند إليه مجازًا، ووقع مع غيره حقيقة، فإذا قلت: قام زيد نفسه كان هو الذي قام حقيقة.
وإذا أكد بالنفس والعين ضمير رفع متصل، فالمنصوص على أنه لا بد من تأكيد ذلك الضمير بمنفصل مرفوع نحو: قم أنت نفسك، وقاموا هم أنفسهم، وقمت أنت نفسك، وذكر الأخفش أنه يجوز على ضعف: قوموا أنفسكم.
(فرع): إذا قلت: هلم لكم أنفسكم جاز دون تأكيد للفصل الذي هو
(لكم)، وهذا بلا خلاف فلا يتوهم أنه لا بد فيه من التأكيد، وتنفرد (نفس)، وعين بجواز جرهما بباء زائدة تقول: جاء زيد بنفسه، وجاء زيد بعينه.
وقالت العرب: جاءوا بأجمعهم بضم الميم وفتحها، وفيه معنى التأكيد، وليس من ألفاظه، ومن ألفاظ التأكيد (كلا) لمذكرين، و (كلتا) لمؤنثين تقول قام الزيدان كلاهما، وقامت المرأتان كلتاهما، وإذا كان المتبعض بذاته قد استعمل حيث لا يراد بالتبعيض، ولا يحتمله نحو: رأيت أحد الرجلين كليهما، والمال بين الرجلين كليهما، واختصم الرجلان كلاهما فمذهب الجمهور، ومنهم المبرد إلى الجواز.
وذهب الفراء، وهشام، وأبو علي إلى المنع، وعن الأخفش القولان، والصحيح المنع، لا يحفظ عن عربي شيء من تلك الصور، وإذا قلت اللذان اختصما كلاهما أخواك، وإذا قلنا بالمنع كان كلاهما تأكيدًا للموصول، أو مبتدأ خبره أخواك، وإذا قلنا بالجواز جاز هذان، وأنه يكون تأكيدًا للضمير.
وقال أبو بكر الخياط: القائمان كلاهما مختصمان، إن كان كلاهما من الأسماء توكيدًا للضمير المستكن في القائمين جازت المسألة، أو للألف واللام لم يجز في قول من لم يجز اختصم الزيدان كلاهما، وكذلك إن جعلت (كلاهما) مبتدأ، وجعلت (مختصمان) خبره فهو خطأ.
وفي كتاب ابن هشام أجاز البصريون، كلاهما مختصم، وكلاهما يختصم، وكلاهما مختصمان ويختصمان، ومنع ذلك بعض البغداديين في الإفراد والتثنية
والجمع، وقال ابن مالك: ويستغنى بكلاهما عن كلتاهما ومن شواهد ذلك قوله:
يمت بقربى الزينبين كليهما
…
...
…
...
…
وقال ابن عصفور: (هو من تذكير المؤنث حملاً على المعنى للضرورة، وأجاز الفراء: مررت بالرجلين كلاهما بالألف، والكسائي والفراء أجريا كلا من المظهر مجراها مع المضمر، ومنع ذلك البصريون في المسألتين، وأجاز البصريون: كلاكما ينطلق، وكلاكما ينطلقان، وكلاكما تنطلقان، ومنع الأخفش هذه الأخيرة.
ومن ألفاظ التوكيد (كل)، ومن فائدته رفع توهم إرادة المخصوص بما قبله، ويضاف إلى مفرد نحو: قبض المال كله، أو جمع نحو: قام القوم كلهم، وقامت الهندات كلهن، ويجوز (كلتهن) نص عليه الخليل عن بعض العرب، وزعم ابن مالك: أنه يستغنى بكلهما عن كليهما، وعن كلتيهما نحو: قام الرجلان كلهما، وقامت المرأتان كلهما أي كلاهما وكلتاهما، ويحتاج ذلك إلى سماع من العرب.
ولا يؤكد إلا متجزئ بالذات، أو بالعامل نحو: قبض المال كله، ورأيت زيدًا كله، وقال ابن مالك، ويستغنى بإضافة كل إلى مثل الظاهر المؤكد عن الإضافة
إلى ضميره وأنشد على ذلك قوله:
…
...
…
...
…
... يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
ونحو ذلك، والذي ذكر الناس أن (كلا) في التوكيد يضاف إلى ضمير المؤكد، ويحمل ما أنشد على أنه نعت يبين كمال المنعوت، وهو أمدح، وقد مثل هو في باب النعت بقولك: زيد الرجل كل الرجل، وأنه نعت بمعنى الكامل، وغره في ذلك صلاحية (كلهم) مكان كل الناس، وأجاز الكوفيون، وتبعهم الزمخشري: الاستغناء بنية الإضافة عن صريح الإضافة، وجعلا من ذلك قراءة من قرأ:«إنا كل فيها» ، إنا كلنا فيها، وخرج على أنه منصوب على الحال، وأختار أن يكون بدلاً من الضمير.
قال أبو بكر بن ميمون في كتابه نقع الغلل: وما حكاه ابن السراج من قول بعضهم: (مررت بهم كلا) فنصبه على الحال شاذ، كما شذ قول بعضهم:(هو أحسن الناس هاتين) يشير بهما إلى عينيه، وهاتان مبهم لا يتنكر بحال.
ومن ألفاظ التأكيد (جميع)، و (عامة) بمعنى (كل) نحو: قام القوم جميعهم، وقام القوم عامتهم ذكر ذلك سيبويه، وأغفله أكثر النحاة، وخالف
المبرد في (عامتهم) فزعم أنه بمعنى أكثرهم، وأجمع، وأكتع، وأبصع، وأبتع بمعنى (كل)، فيؤكد بأجمع المتجزئ بالذات، أو بالعامل مثاله: قبض المال أجمع، ولا يثنى، ولا يجمع وما بعده، خلافًا للكوفيين والبغداديين، وابن خروف من أصحابنا، ومؤنث أجمع وتابعه جمعاء كتعاء بصعاء بتعاء، وفي جمع أجمع، وتابعه تقول: أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون، وفي جمع جمعاء وتابعها تقول: جمع كتع بصع بتع، وجمع أجمع، وجمعاء على ما ذكرناه هو قول النحويين فيما أعلم.
وفي البسيط، لا تثنى، ولا تجمع لأنها بمنزلة (كل) في الدلالة، و (كل) لا يثنى، ولا يجمع، وإنما هي صيغ جمع لا جمع لأجمع، لا لجمعاء، وحكى (قبضت المالين أجمعين).
واتفق النحاة على أن ألفاظ التأكيد معارف، فأما ما أضيف إلى الضمير فظاهر وأما (أجمع) وتابعه، ففي تعريفه قولان:
أحدهما: أنه بنية الإضافة، وعزى هذا إلى سيبويه، واختاره السهيلي.
والثاني: أنه بالعلمية علق على معنى الإحاطة لما يتبعه، وهو اختيار ابن سليمان السعدي، ومحمد بن مسعود الغزني قال في كتابه البديع (أجمع وأخواتها معارف وتعريفها تعريف علمي كتعريف أسامة وهنيدة، وشعوب ونحوها انتهى).
وأجمع، وجمعاء وجمع وتوابعها ممنوعة الصرف، وإذا اجتمعت ألفاظ التحقيق بدأت بالنفس ثم بالعين مرتبا، وقيل على طريق الأحسنية [أو ما هو للشمول بدأت ثم بأجمع مرتبا، وقيل عن طريق الأولوية، أو اجتمعا فتقدم ما للتحقيق فتقول: رأيت القوم أنفسهم كلهم، وقيل: تقديم ما للتحقيق على
ما للشمول على طريقة الأحسنية] وكثر ورود (أجمعين) في القرآن دون (كل) فهو يؤكد كما يؤكد (بكل)، وليس من باب الاستغناء به عن (كل) كما زعم ابن مالك، ،تبع أجمع أكتع وأبصع وأبتع بهذا الترتيب.
ومذهب الجمهور أنه لا يجوز تقديم أكتع على أجمع، وأجاز ذلك الكوفيون وابن كيسان أن تبدأ بأيتهن شئت بعد أجمع، وقال ابن عصفور لا تبال بأي قدمت من أبصع وأبتع على الآخر انتهى.
ولا يغني (أكتع) عن أجمع على مذهب الجمهور، وأجاز ذلك الكوفيون، وابن كيسان، وأجمع، وأخواته عند البصريين معارف فلا تتنكر، فتقع حالاً، وأجاز الفراء، نصب (أجمع) وجمعاء وتثنيتهما على الحال، وحكى: أعجبني القصر أجمع والدار جمعاء، وأجاز في التثنية أجمعين، وجمعاوين على الحال.
فأما نصيب أجمعين، و (جمع) على الحال فمنع ذلك الفراء، وأجازه ابن كيسان، واختاره ابن مالك، وقد جاء (جمعاء) بمعنى مجتمعة كما في الحديث (كما نتائج الإبل من بهيمة جمعاء) أي مجتمعة الخلق، وأجاز الأستاذ أبو على أن يكون (أجمع) في معنى مجتمع في قوله:
أرمى عليها وهي فرع أجمع
ولا يتعين ما قال، وإذا اختلف العامل فلا يجوز التوكيد نحو قولك: مات زيد وعاش عمرو كلاهما، فإن اختلفا لفظًا واتفقا معنى أجازه الأخفش نحو: انطلق زيد وذهب بكر كلاهما، ويحتاج إجازة ذلك إلى تصريح بسماع من كلام العرب، والذي تقتضيه القواعد المنع، ولا يجوز عند البصريين أن تؤكد النكرة بشيء من ألفاظ التوكيد، وأجاز ذلك الأخفش، والكوفيون إذا كانت النكرة مؤقتة، وأجاز ذلك بعض الكوفيين مطلقًا سواء أكانت مؤقتة أم غير مؤقتة، واختاره ابن مالك فأجاز: صمت شهرًا كله، وهذا أسد نفسه، وجاء في الشعر توكيدها بما يقتضي الإحاطة.
وفي حذف المؤكد وإقامة المؤكد مقامه خلاف مثال ذلك: الذي ضربته نفسه زيد، فتقول: الذي ضربت نفسه زيد تريد ضربته، ذهب الخليل وسيبويه والمازني، وابن طاهر، وابن خروف إلى جواز ذلك، وذهب الفارسي، والأخفش وابن جني، وثعلب إلى منع ذلك، ولا يجوز الفصل بين المؤكد والتوكيد بما ليس بينهما علاقة، ويجوز إن كان بينهما علاقة نحو قوله تعالى:
«ولا يحزن ويرضين بما آتيتاهن كلهن» فـ (كلهن) تأكيد لنون الإناث وقال
ما رأس ذا إلا جبين أجمع
يريد ما رأس ذا أجمع إلا جبين ثم قال:
إذن ظللت الدهر أبكى أجمعا
يريد ظللت الدهر أجمع أبكى، فأما الفصل بإما نحو: مررت بقومك إما أجمعين وإما بعضهم فمنعه البصريون، وأجازه الفراء، والكسائي، ومررت بهم إما كلهم وإما بعضهم أجازه الفراء، ولا يجوز القطع في ألفاظ التوكيد لا تقول: مررت بزيد نفسه لا إلى الرفع ولا إلى النصب، كما جاز ذلك في النعت في مواضعه، ولا يجوز عطف ألفاظه بعضها على بعض لا يجوز: قام زيد نفسه وعينه، ولا جاء القوم كلهم وأجمعون، وأجاز العطف بعضهم، وهو قول ابن الطراوة.
وألفاظ التوكيد إذا تكررت هي للمتبوع المؤكد، وليس الثاني تأكيدًا للتأكيد وأجرت العرب مجرى (كل) في التأكيد اليد، والرجل، والزرع، والضرع، والظهر، والبطن والسهل، والجبل، والصغير، والكبير، والقوي والضعيف تقول: ضرب زيد اليد والرجل، وضرب بكر الظهر والبطن، ومطرنا الزرع والضرع ومطرنا السهل والجبل، وضربتهم كبيرهم وصغيرهم، وقويهم وضعيهم فهذه ألفاظ أخرجتها العرب عن مدلولاتها إلى العموم.
وألفاظ التأكيد لا تلي العامل، فتبقى على مدلولها في التأكيد إلا جميعًا وعامة، فإذا ولى العامل النفس والعين خرجا عن مدلولهما في التأكيد إلا جميعًا وعامة، فإذا ولى العامل النفس والعين خرجا عن مدلولهما في التأكيد تقول: فاضت نفس زيد، وفقئت عين عمرو، وتقول: مررت بجميعهم، وبعامتهم، وبجميعهم، وعامتهم يتحدثون، فيبقى جميع، وعامة على مدلولهما الذي كانا يدلان عليه حالة استعمالها للتوكيد، وأما (كل) وكلا وكلتا، فتستعمل في غير التأكيد مبتدأة بكثرة وغير مبتدأة بقلة قال:
كلهم أروغ من ثعلب
…
...
…
...
فهذا كثير وقال
…
....
…
فيتصدر عنها كلها وهو ناهل
وقال (كليهما وتمرًا) وقال:
…
...
…
...
…
خصالاً أرى في كلها الموت قد برق
فاستعمله فاعلاً ومفعولاً ومجرورًا وهذا قليل، وقال بعض أصحابنا إذا أضيفت إلى الضمير لم تستعمل إلا تابعة للمؤكد، أو المبتدأة، ولا يدخل عليها عامل غير
الابتداء إلا في شاذ من الكلام، أو ضرورة شعر، وإذا كان (كل) توكيدًا أو ابتدأت به فوضعه في كلامهم على العموم، فإذا بنيته على اسم نحو: هؤلاء كلهم تشير لمن عرفت من تعنى بالضمير المجرور في كلهم، أو على غير اسم نحو: ضربت كلهم، خرجت عن العموم، وتصير في معنى جميعهم، ويطلق اسم الجميع على الأكثر بخلاف ضربت القوم كلهم، لأنه لا يحيط بهم غالبًا هكذا نقل الخليل عنهم، وإلى الفرق بين الرفع والنصب في قوله
…
...
…
كله لم أصنع
ذهب ابن أبي العافية، وقال الأستاذ أبو علي: لا فرق بين الرفع والنصب ومذهب البصريين التسوية بين كلهم وأجمعين في إفادة العموم دون تعرض لاجتماع في وقت، وعدمه خلافًا للفراء، والمبرد في زعمهما أن (أجمعين) يفيد الاجتماع في وقت الفعل.