الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في إضافة أسماء الزمان إلى الجمل، فشرط أسماء الزمان أن تكون مبهمة وتشمل ما لا يختص بوجه ما كـ (حين)، و (مدة)، و (زمن)، وما يختص بوجه دون وجه كـ (غداة)، و (عشية)، فلو تخصص بتصريف كـ (سحر) من يوم بعينه، أو كان محدودًا بالتثنية كـ (يومين) لم يجز إضافته، خلافًا لابن كيسان في المثنى، فإنه يجوز عنده إضافته إلى الجملة، والصحيح المنع، إذ لم يسمع، فإن كان غير مثنى، ودل على استحضار ما تحته من العدد استحضارًا أوليًا كأسبوع، وشهر، وعام وسنة، فنص أصحابنا على جواز إضافته إلى الجمل.
ونص غيرهم على المنع في كل ما دل على عدد دلالة صريحة نحو شهر، وأسبوع، وجمعة، وفي حواشي مبرمان: سألت المبرد هل يجوز: أتيتك شهر زيد أمير، وسنة زيد أمير فقال: كل ما كان في معنى (إذ) فجيد، ولا أجيز أتيتك هذا لما فسرنا، لأنها جعلت في موضع (إذا) انتهى.
والأصل في إضافة اسم الزمان إلى الجمل هو (إذ)، و (إذا) فيما ساواهما في الإبهام، أو قاربهما جازت إضافته، ولو كان لازمًا إضافته لم يضف حتى يكف بـ (ما) نحو: قبل ما وبعد ما، وهذا الظرف الذي تجوز إضافته عرفي، وهو ما بقى
على ظرفيته، فانتصب ظرفًا، وحقيقي وهو ما استعمل فاعلاً ومفعولاً ومبتدأ ومجرورًا كقوله تعالى:«هذا يوم لا ينطقون» ، وقوله:
على حين عاتبت المشيب على الصبا
…
...
…
...
…
وفي البسيط: إن توسعت في الظرف لم تجز إضافته، لأنه اسم حينئذ والأسماء لا تضاف إلى الجمل. انتهى، وليس بصحيح، بل قد اتسع فيها، وأضيفت، ويجوز أن يضاف اسم الزمان إلى اسم زمان نحو: زرتك يوم إذ قدم زيد، وقد يقال بعد إذ، وقيل (إذ) بغير ما حملا على يومئذ، وساعتئذ، وإنما تذكر (ما) بعد (بعد) و (قبل) عند الإضافة إلى مذكور نحو:
.
…
...
…
بعدما
…
أفنان رأسك كالثغام المخلس
وفي البسيط: لا يضاف إلى الزمان (أمس)، ولا (غد)، ولا معرفة، ولا مجاورة الأسماء كـ (مذ) إذا كانت اسمًا على رأي بعضهم، وأجاز سيبويه إضافتها إلى الجملة الاسمية فتقول:«ما رأيته مذ كان كذا» تريد: مدة كذا، ولا يبعد إضافتها إلى الجملة الاسمية، وهي فيه أولى فتقول: ما رأيته مذ يومان فيحذف الخبر، ولا يضاف، فأعمل فيه عامل ظاهر كـ (متى) في الشرط ولا المستمر كـ (أبدًا)، و (عوض) انتهى.
ويعني الاستمرار في الاستقبال، وشرط الجملة على ما دل عليه الاستقراء أن تكون خبرية مبتدأ مثبتة أو منسوخة الابتداء بـ (لا) التبرئة، أو (ما ولا) العاملتين عمل (ليس)، أو مصدرة بمتصرف ماضٍ أو مضارع أو بـ (لو) وهو قليل مثال ذلك:
…
...
…
...
…
على حين التواصل غير دان
وجئتك يوم لا حر ولا برد، وروى يوم لا حر ولا برد، والإضافة يوم لا حر ولا برد و:
…
....
…
على حين ما هذا بحين تصابى
و:
…
.... يوم لا ذو قرابة
…
بمغنٍ
…
...
…
و:
على حين عاتبت
…
...
…
...
…
...
…
...
…
و:
أيوم لم يقدر
و «هذا يوم ينفع» و «يوم لا تملك» وهذا الظرف إن أضيف إلى جملة الابتداء فمذهب البصريين تحتم الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز الإعراب والبناء.
وإن أضيف إلى ماض جاز الإعراب والبناء، وإن أضيف إلى مضارع، فمذهب البصريين تحتم الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز الإعراب والبناء، فإن كان المضارع عرض فيه البناء، بأن كان اتصل به نون الإناث، فيقتضي أن لا يكون فيه إلا البناء كالفعل الماضي، لأن اسم الزمان أضيف إلى مبني، ومن ذهب إلى أنه باق على إعرابه، وفرع على مذهب البصريين في المضارع، فلا يجوز عنده فيه إلا الإعراب وروى:
…
... ....
…
على حين يستصبين كل حليم
ببناء (حين)، وهو مضاف إلى يستصبين، ومثال تصدير الجملة بـ (لو) قوله:
أيام لو يحتل وسط مفازة
…
فاضت معاطشها بشرب سائح
ومما وقفنا عليه من أسماء الزمان المضاف إلى الجمل يوم، وأيام، وليلة، وليالي، وأزمان، وزمن، وعصر، وعشية، وغداة، وحين، وذكر الكسائي: أن العرب تختار التعريف إذا أضيف إلى يفعل، والبناء على الفتح إذا أضيف إلى غيرها من الجمل، ولا يجوز أن يعود من الجملة التي أضيفت إليها اسم الزمان ضمير على اسم الزمان.
قال ابن السراج: إن قلت: أعجبني يوم قمت فيه، امتنعت الإضافة؛
لأن الجملة صفة، ولا يضاف موصوف إلى صفته، وقال الكوفيون: إن كان الضمير قبل تمام الجملة لم يجز أن يضاف إليها، نحو قوله تعالى:«واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله» ، أو آخر الجملة جاز أن يكون مضافة، وأن تكون صفة على حسب ما يقدر، فإن عمل في الظرف الكلام، فالجملة صفة، وإن قدرته من كلام آخر كانت مضافًا إليها، لخلوها من الضمير، ومثال ما جاء فيه الضمير قوله:
وتسخن ليلة لا يستطيع
…
نباحًا بها الكلب إلا هريرا
وقول الآخر:
مضت سنة لعام ولدت فيه
…
وعشر بعد ذاك وحجتان
وقد تؤول هذا البيت، وأما قولك: أتيتك ليلة حرت، وأتيتك ليلة بردت؛ فإن جعلت الفعل لليلة نويت، أو للريح أضفت، وعلى هذا لا يجوز توكيد اليوم لعود العائد لا تقول: يوم قمت كله، ولا بعضه، ولا نفسه ولا أجمع، ولا يجوز أيضًا أن تتبعه لا تقول: يوم قمت البارد ولا باردا، إلا أن يكون على كلامين وهو قبيح، وهذه مسائل من هذا الفصل: لا يجوز إضافة الليل والنهار، والصباح والمساء، وأجروا السنة مجرى العام في إجازة الإضافة إلى الجمل.
ولو جمعت السنة فقلت: السنين لم يجز أن تقول: قد عشنا سنىّ قحط الناس، ولا يقال: غدوة قام، ولا بكرة قام زيد وسحر، وأجاز الكسائي وقت يقوم، وخطة يقوم، وشرع يقوم، وتقول: أتيتك يوم لا زيد قائم، ولا عمرًا ضربت، ولا يجوز أن تضيف شيئا منها إلى إن وأخواتها سوى كأن فتقول: أتيتك كأنك أسد.
وأما (إن) فقال بعضهم: القياس أن تعربه، فتقول: هذا يوم إنك سائر، ولم أسمعه من العرب، ولا روى لي مضافًا، ولكنه قياس، وأما (الجزاء) فإنه يجوز فيه على خلاف الأصل فتقول: أزمان من يأتك تأته، وتقول: أتيك أزمان قام، ولا تقول: أحيان قام زيد، ولم يقولوا أحيان ذلك وقالوا: أزمان ذلك وما أضيف من هذه لا يكون مفسرًا لعدد، ولا يقع عليه (رب) فلا تقول: لك عشرون يوم قام عبد الله، ولا رب يوم قام عبد الله.
ويجوز أن تقول: أتيتك حين يوم قام زيد لاختلاف اللفظين، ويجوز خفضهما في حين يوم قام زيد، ولم أره مذ يوم قام زيد، ومذ يوم حين قام زيد، تنصبهما كأنهما واحد، وإضافة الثاني إلى الأول أحب إذا اختلف لفظهما من نصبهما جميعًا، وكذا أزمان حين قام زيد، إلا قولهم: أتيتك ليلة يوم قام زيد، لأن لليوم ليلة فمعناها مخالف لقولك: حين يوم قام.
وأما قولك: أتيتك يوم ليلة قام عبد الله، فهو شبيه بحين يوم قام، وتقول لقيته مذ يوم تعلم، وتقول: اليوم يوم يخرج زيد، برفعهما الأول: مبتدأ، والثاني خبره، وبنصب اليوم على أن اليوم خبر، وفتح (يوم) يخرج مبتدأ على مذهب من يجيز بناءه إذا أُضيف إلى المضارع.
وإن عطفت على الاسم المضاف إلى غير المحض اسمًا مثله جرى مجراه إن نصبًا فنصبًا، وإن خفضًا فخفضا نحو: أعجبني يوم قام عبد الله، ويوم قام زيد،
ولك أن تخالف بينهما رفعًا ونصبًا، فإن اختلفا في الإضافة، وكان الأول غير محض نحو: هذا يوم قام زيد، ويوم قيام بكر، كان الأول على ما كان، والثاني على التقريب، فإن عكست كان في الثاني ما كان فيه، وأعربت الأول نحو: مذ يوم الفطر، ويوم صام الناس، ومقتضى مذهب سيبويه أن الظرف إذا كان بعده جملة، وكانت ماضية كانت اسمية أو فعلية، إذ جرت مجرى (إذ)«وإذ تليها الجملتان، وإذا كانت مستقبلة كانت الجملة فعلية، إذ جرت مجرى إذا» ، وإذا لا تليها الجملة الفعلية.
وذهب أبو الحسن إلى جواز الاسمية والفعلية، إذا كانت الجملة مستقبلة، ومما ظاهره الاستقبال، وجاءت اسمية نحو قوله تعالى:«لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون» والظاهر أن هذه الإضافة في هذا الباب تفيد التعريف، وفي البسيط: قد يقال لا تفيده، لأن الجمل نكرات، وقد يقال: إن الجمل مقدرة تقدير المصدر فتفيده، وقد أضيف إلى الجمل ألفاظ غير أسماء الزمان منها (آية) بمعنى علامة، ومذهب سيبويه أنه يجوز إضافتها إلى الفعل كما قال:
بآية تقدمون الخيل شعثًا
…
...
…
...
…
...
وقوله:
بآية ما قالت
…
...
…
...
…
...
…
...
وذهب ابن جني أن ذلك على حذف (ما) المصدرية، وليست إضافة إلى الفعل كما جاء:
…
...
…
... ....
…
بآية ما يحبون الطعاما
أي بآية حبهم، ومذهب سيبويه: أن إضافة (آية) إلى الفعل يطرد في الكلام وفي الشعر، ومذهب المبرد أن ذلك لا يطرد، وقال ابن مالك: تضاف إلى الفعل المتصرف مجردًا أو مقرونًا بـ (ما) المصدرية، وبما النافية نحو قوله:
ألكنى إلى قومي السلام رسالة
…
بآية ما كانوا ضعافًا ولا عزلا
وقال أبو ذؤيب:
بآية ما وقفت والريكا
…
ب بين الحجون وبين السرر
أي بآية وقوفها، وجاء أيضًا إضافتها إلى الجملة الاسمية أنشد الفراء:
بآية الخال منها عند برقعها
…
وقول ركبتها قض حين تثنيها
ولم يصرحوا قط بالمصدر، ولم يقولوا: بآية محبتكم، ومنها (لدن) نحو قوله:
لزمنا لدن سألتمونا وفاقكم
…
...
…
...
…
وقد فصل بين (لدن)، والفعل بأن في قوله:
وليت فلم تقطع لدن أن وليتنا
…
...
…
...
…
...
كما فصل بين حين والفعل بـ (أن) في قوله:
…
...
…
....
…
على حين أن نالوا
…
...
وفي البديع: المعروف في (لدن) أن تضاف إلى المفرد، ومن زعم أنها تضاف إلى الجملة، فإنما استدل بقول الشاعر:
وإن لكيزًا لم تكن رب عكة
…
لدن صرحت حجاجهم فتفرقوا
ومنها (ريث) نحو قوله:
لا يزجر الرأي إلا ريث يبعثه
…
ولا يشارك في آرائه أحدا
وقد تجيء بعدها (ما) زائدة أو مصدرية نحو قوله:
بمحياه حين يلقي ينال الس
…
ؤال راجيه ريث ما يقضى
وريث مصدر راث يريث إذا أبطأ، وقال ابن أصبغ: أجاز أبو علي: إضافة المصدر إلى الفعل على حد إضافة أسماء الزمان إليه، ومنعه غيره، وفي كتاب الصفار للبطليوسي: المصدر إذا استعمل في معنى الزمان جاز أن يضاف إلى الفعل تقول: أتيتك ريث قام أي قدر بطء قيام زيد، لما كانت تخرج إلى الظرف من الزمان جاز فيها ما جاز في الزمان، وكذلك ما كان بهذه المنزلة، ومنها (ذو)، وتليها تسلم مضارع سالم للمخاطب تقول: اذهب بذي تسلم، واذهبي بذي تسلمين، واذهبا بذي تسلمان، واذهبوا بذي تسلمون، واذهبن بذي تسلمن، وفي (ذي) هذه قولان:
أحدهما: أنها موصولة على لغة طيئ، وأعربت في لغة بعضهم و (تسلم) صلة لذي، والمعنى اذهب في الوقت الذي تسلم فيه ثم اتسع، فحذف الجار، فصار تسلم ثم حذف الضمير، فلا إضافة في (ذي) ولا شذوذ، وإلى نحو هذا ذهب ابن الطراوة، وذهب الجمهور إلى أن (ذي) بمعنى صاحب، وهو
مضاف إلى تسلم، والمعنى اذهب في وقت ذي سلامة، وحكى ابن السكيت القسم به قالوا: ولا بذي تسلم بما كان كذا، وفي البسيط: قيل التقدير: لا أفعل بحق سلامتك ومعناه القسم، وقيل المعنى: لا أفعل هذا مقترنًا بوقت ذي سلامة، فتكون (ذو) صفة لوقت، وقيل هو صفة لوقت المعنى: افعل متبركًا بما تسلم فيه والمعنى متبركًا بك.
وعلى هذه الأقوال لا تكون الباء ظرفية وقالوا: لا تفعل بذي تسلم، وكذا باقي الخطاب، وقالوا في الإثبات افعل، وأجاز قوم بناء ما أضيف إلى مبني، وذكروا ذلك في (غير)، و (بين)، و (دون)، و (مثل)، وتأول آخرون ما ادعوا من ذلك على أن الحركة فيها حركة إعراب لا حركة بناء، ويجوز حذف المضاف إذا كان الكلام مشعرًا به، فإن لم يكن مشعرًا به لم يجز حذفه إلا في ضرورة كقوله:
…
...
…
....
…
قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر
يريد: ابن هوبر، وإنما عرف هذا من غير البيت، وإذا حذف فله اعتباران:
أحدهما: وهو الأكثر في لسان العرب أن تجرى الأحكام على لفظ ما قام مقامه كقوله تعالى: «وسئل القرية التي كنا فيها» ويريد: أهل القرية، وأعاد الضمير على لفظ القرية.
والآخر: أن تجرى عليه الأحكام على المحذوف، فيراعى ما يعود عليه ومنه قوله
تعالى: «أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج» تقديره: أو كذي ظلمات، فأعاد الضمير في يغشاه على المحذوف لا ما قام مقامه، ومما جاء فيه مراعاة الأمرين قوله تعالى:«وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا أو هم قائلون» تقديره: وكم من أهل قرية، فأعاد الضمير في أهلكناها، فجاءها على لفظ قرية، وأعاد الضمير في أوهم قائلون على أهل المحذوف، وإذا لم يستبد القائم مقام المحذوف بالنسبة في الحكم كان الحذف مقيسًا، نحو:«واسأل القرية» وإن استبد بنسبة الحكم إليه كان الحذف غير مقيس كقوله:
لا تلمني عتيق حسبي الذي بي
…
...
…
...
يريد: لا تلمني ابن أبي عتيق، وأجاز أبو الفتح: جلست زيدًا، على تقدير: جلوس زيد، وهذا مما لا ينبغي أن يجوز؛ إذ لا يتعين حذف جلوس لاحتمال إلى زيد، وأجاز الخليل أن تخلف المعرفة ما حذف من منكر إذا كان مثلاً نحو قوله: له صوت صوت حمار، فأعرب صوت الحمار صفة لصوت، و (صوت) نكرة وصوت الحمار معرفة، لكنه حذف مثل وروعى، وقال سيبويه: وهذا قبيح ضعيف، وفرع ابن مالك على مذهب الخليل فقال: وقد يخلفه في التنكير إن كان المضاف مثلاً مثاله: مررت برجل زهير شعرًا، وهذا زيد زهيرًا شعرًا تنعت
بـ (زهير) وتنصبه حالا، لأن الأصل مثل زهير، ومثل زهير فحذف ونوى، وإن كان بلفظ المعرفة، ومنه تفرقوا أيادي سبا أي مثل أيادي سبا انتهى.
ومنع ذلك سيبويه قال في مسألة: «له صوت حمار، وله خوار خوار ثور» وإن كان معرفة لم يجز أن يكون صفة لنكرة كما لا يكون حالاً، انتهى.
وإذا كان المحذوف المضاف مؤنثًا، وكان مضافًا إلى مذكر، أو مذكرًا، وكان مضافًا إلى مؤنث، فيجوز اعتبار التذكير والتأنيث مثال ذلك: فقئ زيد وفقئت زيد، على مراعاة فقئت عين زيد، وجدعت هند، وجدع هند، على مراعاة جدع أنف هند، وقد يحذف اثنان متضايفان، ويستغنى بالثالث عنهما كقوله تعالى:«تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت» أي كدوران عين الذي يغشى، وقد يحذف ثلاثة متضايفات، وصفة، ويستغنى بالرابع نحو قوله:
ولا الحجاج عيني بنت ماء
…
...
…
...
…
...
يريد: ولا الحجاج صاحب عين مثل عيني بنت ماء، وقد يقام مقام محذوف مضاف إلى محذوف قائم مقامه رابع نحو قوله:(المتقارب)
أبيتن إلا اصطياد القلوب
…
بأعين وجرة حينًا فحينا
التقدير: بمثل أعين ظباء وجرة، وقد يستغنى بمضاف إلى مضاف إلى مضاف
إلى رابع عن الثاني والثالث مثاله قوله تعالى: «من أثر الرسول» أي من أثر حافر فرس الرسول، ويجوز الجر بالمضاف محذوفًا إثر عاطف متصل مسبوق بمضاف مثل المحذوف لفظًا ومعنى نحو:«ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة» ، وما مثل أبيك وأخيك يقولون ذلك التقدير: ولا كل بيضاء، ومثل أخيك، أو منفصل بلا نحو قوله:
لم أر مثل الخير يتركه الفتى
…
ولا الشر يأتيه الفتى وهو طائع
أي ولا مثل الشر قاله ابن مالك، وقال ابن عصفور: وقد [لا] يعرب المضاف إليه بعد الحذف بإعراب المضاف، وذلك إذا تقدم في اللفظ ذكر المحذوف نحو قولهم:«ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة» ، فلم يشترط ابن عصفور العطف لا متصلاً، لا منفصلاً بلا، وليس هذا الحذف في هذا النوع مشروط بتقدم نفي، أو استفهام خلافًا لمن شرط ذلك، ومما جاء غير مشروط فيه ذلك قوله:
كل مثر في أهله ظاهر العز
…
وذي غربة وفقير مهين
أي وكل ذي غربة قالوا: والجر في كل هذا مقيس، وربما جر دون عطف، حكى الكسائي عن العرب:«أطعمونا لحمًا سمينًا شاة ذبحوها» ، وحكى
الفراء عن العرب: «والله لو تعلمون العلم الكبيرة سنه الدقيق عظمه» يريد: لحم شاة وعلم الكبيرة سنه، وجاء في الشعر مثل هذا النثر قال:
الآكل المال اليتيم بطرا
…
يأكل نارًا وسيصلى سقرا
وأجاز الكوفيون القياس على هذا، فأجازوا: يعجبني ضرب زيد أي: ضرب زيد، وقالوا: قالت العرب: «يعجبني الإكرام عندك سعد بنيه» (أي): إكرام سعد بنيه، ولم يجز البصريون ما أجازه الكوفيون من ذلك، بل حملوه على الشذوذ إن صح نقله، وقالت العرب:«رأيت التميمي تيم عدي وتيم قريش، ورأيت العبدي عبد مناف، بالنصب والخفض في كل قبيلة يكون فيها اشتراك، فقال أبو علي: كأنه قال: صاحب تيم عدي دل ذكر التميمي على ذكر صاحب، فأضمر للدلالة، وقال السيرافي: الخفض على إضمار (من) التقدير: من تيم عدي، ودل على (من) معنى النسب، لأنك إذا قلت: زيد تميمي، فكأنك قلت: من تميم، وقال أبو عبد الله محمد بن مسعود المعروف بابن أبي ركب: هو على إضمار مضاف تقديره (من) لفظ الأول أي تيمي عدي كأنهم استقبحوا تكرير الأول، فأغنى الأول عن الثاني» .
وذهب الكوفيون إلى أن ياء النسب جر، ولذلك خفض عندهم تيم عدي، فـ (تيم) عندهم بدل من الياء، وهذه المسألة ليست مسطورة في شيء من كتب أصحابنا، وإنما هي مسطورة في كتب الكوفيين، وخرجها «أبو بكر بن الخياط، وابن شقير» بالنصب على إضمار أعني، ولا مانع من الرفع على إضمار (هو).
قال ابن مالك: الجر على تقدير: أحد تيم عنده، حكاه الفارسي انتهى.
وقال أبو القاسم الزجاجي في المسائل الطبرية: يختار الكوفيون فيه الخفض على معنى زيد من سعد ثم تقول: سعد بكر على الترجمة، وليس يمتنعون من إجازة نصبه، فأما أصحابنا البصريون فلا يجيزون خفض هذا ألبتة. انتهى.
وأنشد الكوفيون:
إذا نزل الأزدي أزد شنوءة
…
بأرض صعيد طاب منها صعيدها
بخفض (أزد شنوءة)، وقال السيرافي: ومن نصب أضمر أعنى وفيه قلق والرفع أقلق، قال: ولا يكون بدلاً، لأنه أعم من الأول وعلى قول (ابن أبي ركب) يكون بدلاً على حذف مضاف أي تيمي تيم عدي، وهذا نظير قوله:
رحم الله أعظما دفنوها
…
بسجستان طلحة الطلحات
أي أعظم طلحة الطلحات، ومن الحذف قراءة ابن جماز «والله يريد الآخرة» بخفض الآخرة، قدره ابن
مالك عرض الآخرة، والمضاف إليه يتنزل من المضاف منزلة التنوين، وهو من تمامه فالقياس يقتضي أن لا يجوز الفصل بينهما إلا على سبيل الضرورة إلا ما وقع فيه الفصل بين [المصدر وفاعله المجرور بالمفعول فيأتي فيه الخلاف، وفي الإفصاح: الفصل بالظرف بين] المضاف والمضاف إليه، قال سيبويه: لم يسمع إلا في الشعر، وأجازه يونس في الكلام في الظروف غير المستقبلة. انتهى.
فمتى جاء الفصل بالظرف والمجرور، فعند ابن مالك إن كان الظرف والمجرور متعلقين بالمضاف، فلا يختص عنده إلا بالضرورة قوى كقوله:
…
...
…
...
…
... كناحت يومًا صخرة بعسيل
وقول الآخر:
لأنت معتاد في الهيجا مصابرة
…
...
…
...
…
....
قال: فهذا جائز في الاختيار، وإن لم يتعلقا به، فالفصل ضعيف نحو:
تسقى امتياحًا ندى المسواك ريقتها
…
...
…
...
…
...
و:
…
...
…
... بكف يوما
…
يهودي
…
...
…
...
و:
هما أخوا في الحرب من لا أخا له
…
...
…
...
…
وجاء الفصل بينهما بفاعل نحو:
…
...
…
... ولا نرعوى عن نقض أهواؤنا العزم
وبنداء نحو:
وفاق كعب بجير
…
...
…
...
…
...
…
وبنعت نحو:
…
...
…
...
…
من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
وبفعل ملغي نحو قوله:
بأي تراهم الأرضين حلوا
…
...
…
...
…
وبالمفعول من أجله:
معاود جرأة وقت الهوادي
…
...
…
...
…
فالتقدير فيما مثلناه كـ (ناحت صخرة)، ومعتاد مصابرة، وندى ريقتها، وبكف يهودي، ونقض العزم أهواؤنا، ووفاق بجير، ومن ابن أبي طالب، وبأي الأرضين، ومعاود وقت، وقد جاء الفصل بينهما بالقسم في النثر، حكى الكسائي:«هذا غلام والله زيد» ، وحكى أبو عبيدة عن العرب:«الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها» ، يريد: هذا غلام زيد والله، وتسمع صوت ربها والله، وأما الفصل بالمفعول بين المصدر والمخفوض كقراءة ابن عامر:
«قتل أولادهم شركاؤهم» فقد جاءت نظائره في أشعار العرب، والصحيح جوازه، وإن كان أكثر النحاة يخصونه بالشعر.
وفي النهاية: أجاز الكوفيون الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف، وحرف الجر في الشعر، وفي الكلام ومنه قراءة ابن عامر، وسلك المتنبي هذه الطريقة فقال:
حملت إليه من لساني حديقة
…
شفاها الحجا سقى الرياض السحائب