الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
أصل القول إذا دخل على الجمل أن تحكى على حالها، كانت الجملة اسمية أو فعلية، فإذا كانت اسمية جاز أن تحكى، وجاز إن كانت مما تدخل عليه ظن أن تجرى مجرى الظن في العلم بلا شرط عند سليم فتقول: قال زيد عمرًا منطلقًا كما تقول: ظن زيد عمرًا منطلقًا، ويجوز أن تجرى مجرى الظن عند أكثر العرب بشروط:
أحدها: أن يكون مضارعًا، وأجاز السيرافي إجراءه مجرى الظن ماضيًا بباقي الشروط التي ستأتي، فتقول: أقلت زيدًا منطلقًا؟ وسيبويه لم يستثن إلا القول، فيظهر منه اختصاصه بالمضارع، وزعم الكوفيون أن الأمر من القول للمخاطب يجرى مجرى الظن في لغة غير سليم، كما يجرون المضارع مجراه، إذا اجتمعت الشروط التي في المضارع ومنه:
ومن ينازعها فقله (قد فلج)
أي فظنها، وقال الفراء: لم أر العرب أوقعت القول بالنصب في شيء من الفعل إلا في التاء، خاطبت بها أو أمرت فإنهم لا يقولون: أتقول زيدًا منطلقًا.
الشرط الثاني: أن يكون المضارع لخطاب نحو: أتقول، فإن كان مسندًا لغائب ظاهر، أو مضمر، أو متكلم فالحكاية على لغة سليم.
الشرط الثالث: أن يكون بعد استفهام بأي أداة، كان الاستفهام كالهمزة ومتى وغيرهما.
الشرط الرابع: أن تتصل الأداة بتقول، أو تنفصل بظرف، أو مجرور أو أحد المفعولين، أو حال مما يكون معمولاً لـ (أتقول)، فإن فصلت بما ليس بمعمول وهو الأجنبي نحو: أأنت تقول زيد منطلق، لم يجر مجرى الظن، وكانت الحكاية واجبة، ولم يجز في زيد إلا الرفع، وهذا على مذهب سيبويه، وأجاز الكوفيون وسائر البصريين فيه النصب.
الشرط الخامس: ذكره ابن مالك وهو أن تكون للحاضر، وفسره هو بأن يكون للحال، ولم يشترط أصحابنا هذا الشرط، بل إطلاقهم يدل على أنه يجوز أن يكون للحال وللاستقبال.
الشرط السادس: نبه عليه السهيلي وهو ألا يكون الفعل عدي باللام لمعمول نحو: أتقول لزيد عمرو منطلق، فلا يجوز إلا الحكاية، وهنا مسألة تجمع فيها الشروط ولا تعمل أتقول النصب، ذكرها خطاب، قال ولو قال قائل: إن هذا يقول زيد منطلق، فسألته عن تصحيح ما يحكى عنه رفعت أبدًا، وذلك قولك: أتقول زيد منطلق، والمعنى هل أمرك كما بلغني أنك تقول زيد منطلق، وذكر أبو القاسم الثمانيني: أنه لغة لبعض العرب يعملون القول إعمال الظن بشرط
الاستفهام فقط، كان للمخاطب أو للغائب، وفي النهاية أن بعضهم ألغى الاستفهام فتقول: تقول زيدًا منطلقًا، فتبقى الشروط الثلاثة، ومن أجرى القول مجرى الظن جوز في الظن من كون الفاعل والمفعول كشيء واحد، ومن الإلغاء والتعليق. انتهى.
وإذا وقعت (إن) بعد القول الذي يقتضي القياس أن من أعمله إعمال الظن أن يفتحها كما يفتحها بعد الظن، ومن أجاز الحكاية بعد أتقول يكسرها كما يكسرها بعد القول، عاريًا من شرط الإعمال، واختلف نقل النحاة عن العرب في ذلك، فحكى البصريون فتحها في لغة سليم، وغيرها، وحكى الكوفيون أنها تفتح في لغة سليم، وتكسر في لغة غيرهم، ومذهب الجمهور، واختيار أبي الفتح أنه لا يعمل عمل الظن حتى يضمن معنى الظن في اللغة السليمية، وغيرها، فإن لم يضمن معنى الظن لم يعمل أصلاً، ولا تفتح (أن) بعده، وذهب الأعلم، وابن خروف، وصاحب البسيط: إلى أن القول قد يجرى في العمل مجرى الظن دون معناه وتجوز الحكاية، وإن اجتمعت الشروط فتقول: أتقول زيد منطلق، وكذا في لغة سليم، ليس العمل عندهم متحتمًا بل جائزًا، ولا يلحق في الحكاية بالقول ما في معناها كالدعاء، والنداء، والوصية، والقراءة نحو:«ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا» ، و «دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه» فهذا وما أشبه عند البصريين على إضمار القول، وقال الكوفيون: هي وأمثالها محكية بالنداء والدعاء وما أشبه ذلك.
واختار ابن عصفور مذهب الكوفيين، وقد يضاف قول وقائل إلى الكلام
المحكي، وذلك أن قولاً مصدر يضاف إلى مفعوله إذا كان مقدرًا بحرف مصدري والفعل، كقوله:
قول يا للرجال ينهض منا
…
مسرعين الكهول والشبانا
وقائل اسم فاعل فحيث يجوز إضافة اسم فاعل نحو إضافته كقوله:
فأجبت قائل كيف أنت بصالح
…
حتى مللت وملني عوادي
وقد يغني القول عن المحكي في صلة نحو قوله:
لم يا عمرو لم تعذ بالذي قلـ
…
ـت فتلقاه إذا خذلت نصيرا
تقديره قلت: إني أعوذ به، أو قلت: إنك عائذ به، وإذا دخل القول على مفرد، فإن كان مفردًا في اللفظ لا في التقدير حكى على حسب ما يكون فيه من الإعراب نحو قوله:
إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة
…
...
…
... ....
يروى برفع طعم فالتقدير: طعمه طعم مدامة، وبالنصب فالتقدير: ذقت طعم مدامة، وإن كان مفردًا في اللفظ، والتقدير مصدرًا عمل فيه النصب نحو: قال زيد قولاً، واسمًا لجملة نحو: قال زيد حقًا، وقال باطلاً، فقيل: انتصب على أنه نعت لمصدر محذوف، وقيل: نصب المفعول به، وإذا قلت: قال فلانة شعرًا، أو قال خطبة فقيل: فينتصب نصب المصدر النوعي نحو: رجع القهقرى، وقيل نصب المفعول به.
وإن كن مفردًا أريد به مجرد اللفظ نحو: قال زيد كلمة، وقال زيد عمرًا؛ فذهب الزجاجي، والزمخشري، وابن خروف، وتبعهم ابن مالك إلى جواز إعمال القول فيه، وذهب غيرهم إلى أنه لا يجوز، ولا يحفظ من كلامهم، قال زيد ضرب، ولا قال ليت، ولا قال عمرًا؛ وإنما يقع القول في كلامهم لحكاية الجملة، والأصل أن تحكى كما سمعت، فإذا قال زيد: عمرو منطلق، أو انطلقت قلت قال زيد: عمرو منطلق، أو قال زيد: انطلقت. ويجوز أن تحكى على المعنى بإجماع فتقول قال زيد منطلق عمرو والمنطلق عمرو؛ فإن كانت الجملة ملحونة حكيتها على المعنى بإجماع فتقول في قول زيد: عمرو منطلق، وقام زيد، قال زيد عمرو منطلق، وقام زيد بالرفع في عمرو وزيد.
واختلفوا في حكايتها على لحنها فمجوز ومانع، وإذا حكيت كلام متكلم عن نفسه نحو قول زيد: انطلقت، فلك أن تحكيه بلفظه من غير تغيير فتقول: قال فلان انطلقت، ويجوز أن تقول: قال فلان: انطلق أو أنه انطلق، أو أنه منطلق، ومن غريب النقل أن القول قد يجيء في كلام العرب صلة للكلام، ولا قول هناك حقيقة تقول الفصحاء من العرب: قال الحائط فسقط، وقالت النخلة فتحركت، وقد يقول الفصيح من العرب: قلت بعينه فبخصتها، وقلت بحقه فمطلت، وقلت بزيد فأكرمته، وإذا رأيت في خاتمه مكتوبًا جعفرًا، وعلقت به فعلا يتعلق به كقرأت، ورأيت، ولمحت، ونحوها مما يتعلق باللفظ أو بالكناية نحو: كتب؛ فإن كان قد قيل بالشكل رفعًا أضمرت له رافعًا أو نصبًا أضمرت له ناصبًا على حسب ما يناسب صاحب ذلك الخاتم، وصارت الجملة المقدر فيه الرافع،
أو الناصب، محكية بذلك الفعل، كأنه في الرفع صاحبه أي صاحب الخاتم جعفرا، وجعفر صاحبه، وفي النصب: اقصدا جعفرًا كما أنشدوا:
وأصفر من ضرب دار الملو
…
ك يلوح على وجهه جعفرا
أي اقصدوا جعفرا أسند يلوح إلى الجملة، وهو فاعل بيلوح ويجيء الحال من هذه الجملة المقدرة فتقول: قرأت في خاتمه منقوشًا جعفرًا مكتوبًا باعتبار الكلام، ومكتوبة باعتبار الجملة فتذكر وتؤنث، وإن كان المنقوش في الخاتم صورة والفعل مما يتعلق بالصورة، كرأيت فإنك تعرف وتصفه بما يناسب أن يكون وصفًا للصورة المنقوشة، وتقول رأيت في خاتمه أسدًا مفتوح الفم، ونظرت في خاتمه إلى أسد مفتوح الفم، ولا يوصف بوصف حقيقي كأبخر.