الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ الْمُخْتَتَمِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ خَاتِمَةِ التَّصَوُّفِ.
(الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) افْتَتَحَهَا بِتَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ
ــ
[حاشية العطار]
مُرْتَبِطٌ بِالثَّانِي وَقَوْلُهُ الرَّابِطُ لَهَا بِمَدْلُولِهَا أَيْ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهَا بِحَسَبِهِ مُرْتَبِطَةٌ بِمَدْلُولِهَا وَبَيْنَ الْبَيَانِ مُنَاسَبَةٌ ذَكَرَ التَّعَادُلَ وَالتَّرَاجِيحَ عَقِبَ الْأَدِلَّةِ.
(قَوْلُهُ: بِمَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ) صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ لَيْسَ مِنْهَا وَأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ فَلَا غُبَارَ عَلَى مَنْ جَعَلَ مُفْتَتَحَ الْكَلَامِ بِمَسْأَلَةِ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ أَفَادَهُ سَمِّ.
1 -
(قَوْلُهُ مِنْ خَاتِمَةِ التَّصَوُّفِ) مِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ وَزَادَ هُنَا لَفْظَ خَاتِمَةٍ دُونَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ الْآتِي مِنْ فَنِّ الْأُصُولِ إلَخْ هَذَا مُقَامٌ مَقَامَ ذِكْرِ التَّرَاجِمِ وَتَفَاصِيلِهَا فَيُطَالَبُ فِيهِ ذِكْرُ لَفْظِ خَاتِمَةٍ أَوْ أَنَّ ذِكْرَ لَفْظِ الْمُقَدِّمَاتِ هُنَا اسْتَدْعَى ذَكَرَ لَفْظَ خَاتِمَةٍ لِتَحْصِيلِ الْطِبَاقِ
[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]
(قَوْلُهُ: الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) الْأَوْجَهُ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرَ مَحْذُوفٍ اسْمِ إشَارَةٍ أَيْ هَذَا الْكَلَامُ إلَخْ اعْتَنَى بِشَأْنِ الْحُكْمِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْبَيَانَ الْحَاصِلَ لِوُضُوحِهِ بَلَغَ مَبْلَغَ الْمَحْسُوسِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اسْمُ الْإِشَارَةِ كَقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] وَيَصِحُّ جَعْلُ الْخَبَرِ مَحْذُوفًا أَيْ الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا، ثُمَّ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْكَلَامِ الْمَعْنَى الْحَدَثِيُّ أَيْ التَّكَلُّمُ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّاعِرِ
قَالُوا كَلَامُك هِنْدًا وَهِيَ مُصْغِيَةٌ
…
يَشْفِيكَ قُلْت صَحِيحٌ ذَاكَ لَوْ كَانَا
فَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ التَّكَلُّمُ الْآنَ الصَّادِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَفِي سَبَبِيَّةٌ صِلَةٌ لَهُ فَالظَّرْفُ لُغَةٌ أَوْ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْهُ أَوْ صِفَةٌ لَهُ أَيْ هَذَا الْكَلِمُ الْحَاصِلُ الْآنَ هُوَ التَّكَلُّمُ بِسَبَبِ الْمُقَدِّمَاتِ أَيْ بِسَبَبِ إيضَاحِهَا، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ كَائِنًا لِذَلِكَ أَوْ الْكَائِنَ لِذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالصَّدْرِ وَهُوَ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ فَفِي بِمَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْأَلْفَاظُ إذْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْزَاءِ الْكِتَابِ الْمُرَادِ بِهِ ذَلِكَ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَعَانِي فَفِي إمَّا سَبَبِيَّةٌ صِلَةٌ أَوْ صِفَةٌ أَوْ حَالٌ عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ أَوْ ظَرْفِيَّةٌ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الدَّالِ فِي الْمَدْلُولِ وَالظَّرْفِيَّةُ حِينَئِذٍ مَجَازِيَّةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ أَوْ التَّصْرِيحِيَّةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَلَك أَنْ تَجْعَلَ التَّقْدِيرَ جَاءَ الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَالْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ وَتَسْتَغْنِيَ عَنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ وَأَنْ لَا تُقَدِّرَ شَيْئًا أَصْلًا بِأَنْ تَجْعَلَ الْكَلَامَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَلَوْ قَالَ الْمُقَدِّمَاتُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَنْسَبَ بِبَقِيَّةِ التَّرَاجِمِ الْآتِيَةِ حَيْثُ قَالَ: الْكِتَابُ الْأَوَّلُ إلَخْ وَقَدْ يُوَجَّهُ صَنِيعُهُ بِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ أَلْ سِيَّمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْخَطَابِيَّةِ الْجِنْسِيَّةُ فَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ الْكَلَامَ جَمِيعَهُ مُنْحَصِرٌ فِيهَا لِعِظَمِ نَفْعِهَا فَفِيهِ تَرْغِيبٌ لِلِاعْتِنَاءِ بِهَا وَحَثٌّ لِلطَّالِبِ عَلَى تَحْصِيلِهَا.
(قَوْلُهُ: افْتَتَحَهَا) أَيْ الْمُقَدِّمَاتِ قِيلَ الْأَنْسَبُ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ وَإِعَادَتُهُ إلَى الْكَلَامِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفْتَتَحُ بِتَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ تَأْنِيثَ الضَّمِيرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِيَّةِ التَّعْرِيفِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ فَإِنَّ فَاتِحَةَ الشَّيْءِ مِنْهُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ الْغَالِبُ لَا بِشَيْءٍ أَجْنَبِيٍّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَذْكِيرِ الضَّمِيرِ اهـ.
قِيلَ إنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ أَيْضًا حَاصِلَةٌ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَدَعْوَى إيهَامِ التَّذْكِيرِ دُونَ التَّأْنِيثِ مَمْنُوعَةٌ، وَالْمُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ التَّذْكِيرُ أَنْسَبَ إذَا حُمِلَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى التَّكَلُّمِ فَلَا؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ أُصُولِ الْفِقْهِ لَيْسَ تَكَلُّمًا حَتَّى يُنَاسِبَ جَعْلَهُ فَاتِحَةَ التَّكَلُّمِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَلَعَلَّ الشَّارِحَ حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى التَّكَلُّمِ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ.
(قَوْلُهُ: بِتَعْرِيفِ) أَيْ بِلَفْظِهِ بِنَاءً عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّ
لِيَتَصَوَّرَهُ طَالِبُهُ بِمَا يَضْبِطُ مَسَائِلَهُ الْكَثِيرَةَ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَطَلُّبِهَا إذْ لَوْ تَطَلَّبَهَا قَبْلَ ضَبْطِهَا
ــ
[حاشية العطار]
الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْأَلْفَاظُ فَالتَّعْرِيفُ جُزْءٌ مِنْهَا فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّعْرِيفِ مَعْنَاهُ أَحْتِيجَ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ بِدَالِ تَعْرِيفٍ إلَخْ، ثُمَّ إنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ بَلْ لَمْ يُمْكِنْ ذِكْرُ التَّعْرِيفِ دُونَهُ كَيْفَ وَقَدْ قَالُوا مُعَرَّفُ الشَّيْءِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لِإِفَادَةِ تَصَوُّرِهِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الِافْتِتَاحِ عَلَى الْعُرْفِيِّ؛ لِأَنَّ الِافْتِتَاحَ حَقِيقَةً لَيْسَ بِالتَّعْرِيفِ بَلْ بِالْمُعَرَّفِ.
(قَوْلُهُ: لِيَتَصَوَّرَهُ طَالِبُهُ) قَدْ يُقَالُ هَذَا الدَّلِيلُ لَا يُنْتِجُ افْتِتَاحَ الْمُقَدِّمَاتِ بِالتَّعْرِيفِ لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمُعَرَّفِ الَّذِي هُوَ أُصُولُ الْفِقْهِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي الْكِتَابِ فَسَوَاءٌ ذُكِرَ التَّعْرِيفُ فِي أَوَّلِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا يَحْصُلُ تَقَدُّمُ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمُعَرَّفِ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنَّمَا يُنْتِجُ افْتِتَاحَ الْكُتُبِ السَّبْعَةِ الَّتِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَبِهِ يُجَابُ بِأَنَّ طَلَبَ أُصُولِ الْفِقْهِ يَسْتَتْبِعُ طَلَبَ مُقَدِّمَاتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَوَّرَهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي طَلَبِ مُقَدِّمَاتِهِ أَيْضًا فَقَوْلُهُ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي طَلَبِهِ أَيْ الْمُسْتَتْبِعُ لِطَلَبِ مَا يَنْفَعُ فِيهِ أَوْ الْمُرَادُ بِطَلَبِهِ أَعَمُّ مِنْ طَلَبِهِ نَفْسَهُ وَطَلَبِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِيهِ فَكَانَ افْتِتَاحُ الْكُتُبِ السَّبْعَةِ بِهِ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ افْتِتَاحِ الْمُقَدِّمَاتِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِافْتِتَاحِهِ بِهِ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ أَفَادَهُ سم وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ مُقَدَّمًا عَلَى نَفْسِهِ عَلَى كِلَا الْجَوَابَيْنِ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ أَصْلًا إذْ حَاصِلُ الْإِيرَادِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَقْتَضِي افْتِتَاحَ الْمُقَدِّمَاتِ بِالتَّعْرِيفِ لَا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ حِينَئِذٍ افْتِتَاحُ الْأُصُولِ بِالتَّعْرِيفِ، ثُمَّ إنَّ مَبْنَى الِاعْتِرَاضِ تَعَلُّقُ اللَّامِ بِالِافْتِتَاحِ وَلَك أَنْ تَجْعَلَهَا مُتَعَلِّقَةً بِالتَّعْرِيفِ فَلَا يُرَادُ الِاعْتِرَاضُ أَصْلًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ افْتَتَحَهَا فَقَدْ ذَكَرَهُ لِبَيَانِ أَنَّ التَّعْرِيفَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ لَا لَأَنْ يُبَيِّنَ لَهُ عِلَّةً وَإِنَّمَا ذَكَرَ عِلَّةَ التَّعْرِيفِ لِيَظْهَرَ كَوْنُهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَعْنَى افْتَتَحَ الْمُقَدِّمَاتِ التَّعْرِيفُ الَّذِي هُوَ التَّصَوُّرُ لِيَتَصَوَّرَ أُصُولَ الْفِقْهِ طَالِبُهُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ
لَمْ يَأْمَنْ فَوَاتَ مَا يُرَجِّيهِ وَضَيَاعَ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ فَقَالَ (أُصُولُ الْفِقْهِ) أَيْ الْفَنُّ
ــ
[حاشية العطار]
وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَخْ وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ التَّفَعُّلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى التَّكَلُّفِ فِي الطَّلَبِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُنَا أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بَصِيرَةً مَا فَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى التَّصَوُّرِ بِالتَّعْرِيفِ بَلْ التَّصَوُّرِ بِوَجْهٍ مَا أَوْ كَمَالِ الْبَصِيرَةِ فَلَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ التَّعْرِيفِ بَلْ لَا بُدَّ فِي كَمَالِهَا مِنْ التَّصْدِيقِ بِمَوْضُوعِيَّةِ الْمَوْضُوعِ وَفَائِدَةِ الْعِلْمِ وَيَزْدَادُ ذَلِكَ بِبَقِيَّةِ الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُورَةِ بِالْمَبَادِئِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا حَقِيقَةً كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي بَعْضِ حَوَاشِينَا الْمَنْطِقِيَّةِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَرْدٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْبَصِيرَةِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِالتَّعْرِيفِ أَوْ الْمُرَادُ بَصِيرَةٌ ذَاتُ كَمَالٍ بَصِيرَةُ مَا، وَلَا بَصِيرَةَ بَالِغَةٌ فِي الْكَمَالِ.
الثَّانِي: إنَّ ضَبْطَ الْمَسَائِلِ بِدُونِ التَّعْرِيفِ مُمْكِنٌ بِأَنْ تُعَدَّ لِلطَّالِبِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ أَجَابَ الشَّارِحُ عَنْهُ بِوَصْفِ الْمَسَائِلِ بِالْكَثْرَةِ فَإِنَّ كَثْرَتَهَا تَمْنَعُ ضَبْطَهَا بِنَحْوِ هَذَا الطَّرِيقِ وَتُحْوِجُ إلَى التَّصَوُّرِ بِالتَّعْرِيفِ لَا يُقَالُ الْكَثْرَةُ لَا تُنَافِي الْإِمْكَانَ بَلْ وَلَا تَقْتَضِي الْمَشَقَّةَ كُلِّيًّا فَإِنَّ الْكَثْرَةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي نَحْوِ الْعَشْرِ وَالْعِشْرِينَ وَالْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَالْوُقُوفُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ بِنَحْوِ الْعَدَدِ مُمْكِنٌ بَلْ سَهْلٌ فِي بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ الظَّاهِرَةُ جِدًّا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ.
هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالُوهُ وَهُوَ ذُهُولٌ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَتَضَبَّطُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِجِهَةِ الْوَحْدَةِ الَّتِي بِهَا صَارَتْ سَائِلُ الْعِلْمِ الْمُنْكَثِرَةُ شَيْئًا وَاحِدًا وَبِالْإِحَاطَةِ بِجِهَةِ الْوَحْدَةِ يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْإِجْمَالِيُّ بِتِلْكَ الْمَسَائِلِ بِالْقُوَّةِ كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ.
وَأَمَّا سَرْدُ الْمَسَائِلِ مَعْدُودَةً فَلَا يَحْصُلُ جِهَةَ الْوَحْدَةِ فَلَا يُفِيدُ ضَبْطًا بَلْ تَحْصِيلًا لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ بِالْفِعْلِ وَأَمَّا ضَبْطُ الْمَسَائِلِ فَحُصُولٌ لَهَا عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَالشَّارِحُ لَمْ يُعَبِّرْ بِالْحُصُولِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ، وَأَمَّا قَوْلُ سم بَقِيَ هُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ بِانْفِرَادٍ وَبِذَلِكَ يَكُونُ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَطَلُّبِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى تَصَوُّرِهِ بِتَعْرِيفِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ تَصَوُّرِهِ بِتَعْرِيفِهِ فَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ كَيْفَ يَتَأَتَّى تَصَوُّرُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَسَائِلِ بِتَعْرِيفٍ يَخُصُّهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْضِي بِتَعَدُّدِ جِهَةِ وَحْدَةِ الْعِلْمِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَلَيْسَ تَعْرِيفُ الْأَنْوَاعِ تَعْرِيفًا لِلْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَلَا فِي مَعْنَاهُ فَإِنْ قُلْت كُلُّ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ مَجْمُوعُ تَصْدِيقَاتٍ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّصَوُّرُ الَّذِي هُوَ
الْمُسَمَّى بِهَذَا اللَّقَبِ الْمُشْعِرُ بِمَدْحِهِ بِابْتِنَاءِ الْفِقْهِ عَلَيْهِ إذْ الْأَصْلُ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ
ــ
[حاشية العطار]
مُفَادُ التَّعْرِيفِ.
قُلْت التَّصَوُّرَاتُ لَا حَجْرَ فِيهَا فَيَتَعَلَّقُ بِكُلِّ شَيْءٍ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ حَتَّى جَوَّزُوا تَصَوُّرَ التَّصَوُّرِ وَتَصَوُّرَ التَّصْدِيقِ بَلْ يَجُوزُ تَصَوُّرُ عَدَمِ التَّصَوُّرِ فَمَعْنَى تَصَوُّرِ ذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّصَوُّرُ حُضُورِيًّا فَمَعْنَى تَصَوُّرِهَا الِالْتِفَاتُ إلَيْهَا وَاسْتِحْضَارُهَا وَإِنْ كَانَ حُصُولِيًّا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهَا الْأَصْلِيِّ فِي الذِّهْنِ مِنْ تَصْدِيقَاتٍ وَبِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الظَّنِّيِّ تَصَوُّرَاتٌ مَعَ الِاتِّحَادِ بِالذَّاتِ وَاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْوُجُودَيْنِ تَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ.
(قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى بِهَذَا اللَّقَبِ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ عِلْمٌ لِلْفَنِّ لَا اسْمُ جِنْسٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ مُعَلِّلًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِلْمًا لَمَا دَخَلَتْهُ لَامُ التَّعْرِيفِ الْجِنْسِيَّةُ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَدْخُولَ اللَّامِ لَفْظَةُ أُصُولٍ بِدُونِ إضَافَةٍ وَلَيْسَتْ الْعِلْمَ إنَّمَا الْعِلْمُ الْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ وَلَا تَدْخُلُهُ اللَّامُ.
(قَوْلُهُ: الْمُشْعِرُ بِمَدْحِهِ) بَيَانٌ لِكَوْنِهِ لَقَبًا إذْ اللَّقَبُ عَلَمٌ يُشْعِرُ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُشْعِرُ؛ لِأَنَّ الْعَلَمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا دَلَالَةَ لَهُ إلَّا عَلَى الذَّاتِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا نُقِلَ وَجُعِلَ عَلَمًا صَارَ مَلْحُوظًا فِيهِ هَذَا الْإِشْعَارُ وَتَحْقِيقُ الْمَقَامِ أَنَّ الْعِلْمَ الْمُدَوَّنَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ حَصَلَتْ فِي ذِهْنِ الْوَاضِعِ بِأَمْرٍ كُلِّيٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا كَالْمَوْضُوعِ وَالْغَايَةِ مَثَلًا وَيُجْعَلُ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُشْتَرَكُ آلَةً لِلْوَضْعِ وَالْمَوْضُوعُ لَهُ جَمِيعُ الْمَسَائِلِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي جِهَةِ الْوَحْدَةِ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَغَيْرِ الْمُسْتَخْرَجَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الْعِلْمُ الَّذِي تَتَزَايَدُ مَسَائِلُهُ مُتَحَقِّقًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فِي وَقْتٍ مَا وَالْعَالِمُ بِهِ إنَّمَا سُمِّيَ عَالِمًا بِاعْتِبَارِ الْمَلَكَةِ لَا بِاعْتِبَارِ التَّصْدِيقَاتِ بِالْمَسَائِلِ وَلَيْسَ هَذَا الْوَضْعُ مِنْ قَبِيلِ الْوَضْعِ الْعَامِّ لِلْمَوْضُوعِ لَهُ الْخَاصُّ لِعَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي الْمَوْضُوعِ لَهُ بَلْ الْوَضْعُ وَالْمَوْضُوعُ لَهُ شَخْصِيَّانِ ضَرُورَةَ كَوْنِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى شَخْصِيًّا إلَّا أَنَّ آلَةَ الْوَضْعِ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ تَنْدَرِجُ فِيهِ الْأَجْزَاءُ الْمُسْتَخْرَجَةُ وَغَيْرُ الْمُسْتَخْرَجَةِ كَمَا إذَا قَدَّرَ الرَّجُلُ ابْنًا لَهُ وَوَضَعَ لَهُ اسْمًا، ثُمَّ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَعَدُّدُ الْمَسَائِلِ وَالتَّصْدِيقَاتِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الْمَحَالِّ نَظَرًا لِلْعُرْفِ كَانَتْ أَسْمَاءُ الْعُلُومِ أَعْلَامًا شَخْصِيَّةً وَإِنْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ كَانَتْ أَعْلَامًا جِنْسِيَّةً فَلِذَلِكَ جَعَلَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ لِلْمُخْتَصَرِ أُصُولَ الْفِقْهِ عِلْمَ جِنْسٍ مَعَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ أَعْلَامٌ شَخْصِيَّةٌ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِمُلَاحَظَةِ الِاعْتِبَارَيْنِ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ مَسَائِلَ الْعُلُومِ تَتَزَايَدُ يَوْمًا فَيَوْمًا بِتَزَايُدِ الْأَفْكَارِ فَكَيْفَ يَتَحَصَّلُ وَضْعُ الِاسْمِ لَهَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الِاسْمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْصِيلِهِ فِي الْخَارِجِ بَلْ فِي الذِّهْنِ وَيَكْفِي فِي اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمُلَاحَظَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ كَمَا قُلْنَا
(دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ)
ــ
[حاشية العطار]
وَإِنْ كَانَ بَعْضُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ مُسْتَخْرَجًا بِالْفِعْلِ وَبَعْضُهَا حَاصِلٌ بِالْقُوَّةِ تَدَبَّرْ.
(قَوْلَهُ دَلَائِلُ الْفِقْهِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَإِنَّمَا لَمْ أَقُلْ أُصُولُ الْفِقْهِ دَلَائِلُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْأُصُولِ وَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْإِضْمَارُ مَا أَمْكَنَ وَلِتَغَايُرِ الْفِقْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَحَدُ جُزْأَيْ لَقَبٍ مُرَكَّبٍ مِنْ مُتَضَايِفَيْنِ وَالثَّانِي الْعِلْمُ بِالْمَعْرُوفِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ الْمَخْصُوصَةِ كَالْمَنْطِقِ تُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الْمَعْلُومَاتِ الْمَخْصُوصَةِ فَيُقَالُ مَثَلًا فُلَانٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ أَيْ يَعْلَمُ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَأُخْرَى عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَقِيقَةُ كُلِّ عِلْمٍ مَسَائِلُهُ وَعَلَى الثَّانِي حَقِيقَتُهُ التَّصْدِيقَاتُ بِمَسَائِلِهِ.
وَأَمَّا جَعْلُهُمْ أَجْزَاءَ الْعُلُومِ الْمَوْضُوعَ وَالْمَبَادِئَ وَالْمَسَائِلَ فَتَسَاهُلٌ، وَيُطْلَقُ لَفْظُ الْعِلْمِ أَيْضًا عَلَى الْمَلَكَةِ وَأَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا الْفَنِّ هُوَ الْأَدِلَّةُ الْإِجْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَغْرَاضِهَا الذَّاتِيَّةِ وَمَوْضُوعُ الْعِلْمِ مَا هُوَ يَبْحَثُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ عَنْ أَغْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَحْثِ عَنْ الْأَغْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ حَمْلُهَا عَلَى مَوْضُوعِ الْعِلْمِ كَقَوْلِنَا الْكِتَابُ يُثْبِتُ الْحُكْمَ أَوْ عَلَى أَنْوَاعِهِ كَقَوْلِنَا الْأَمْرُ يُفِيدُ الْوُجُوبَ أَوْ عَلَى أَغْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْعَامُّ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَلَى أَنْوَاعِ أَغْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ حُجَّةٌ فِيمَا بَقِيَ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَسَّرَ الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ أُصُولُ الْفِقْهِ دَلَائِلُ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةُ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَقِيلَ مَعْرِفَتُهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْأُصُولِيُّ الْعَارِفُ بِهَا فَصَالِحٌ لَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَسَتَسْمَعُ مَا فِيهِ وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ كَمَا سَيَنْقُلُهُ عَنْهُ الشَّارِحُ لَكِنَّهُ مُعْتَرِضٌ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَوْضُوعُ الْعِلْمِ فَلَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ تَعْرِيفًا لَهُ بِمَعْنَى الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْمُبَايِنِ وَأَجَابُوا عَنْهُ إمَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مَسَائِلُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ أَيْ الْمَسَائِلُ الْمَبْحُوثُ فِيهَا عَنْ أَحْوَالِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ كَقَوْلِنَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَثَلًا أَوْ أَنْ يُرَادَ بِالدَّلَائِلِ نَفْسُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَيُضَعِّفُ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ أَنَّ حَذْفَ الْمُضَافِ فِي التَّعْرِيفَاتِ بَعِيدٌ سِيَّمَا مَعَ مُعَارَضَةِ مَا رَجَّحَ بِهِ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ إذْ الْأُصُولُ لُغَةً: الْأَدِلَّةُ فَهَذَا الْقَوْلُ يُبْعِدُ تَقْدِيرَ احْتِمَالِ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ.
الثَّانِي: أَنَّ التَّعْرِيفَاتِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَبَادَرَةِ مِنْهَا وَالْمُبَادَرُ مِنْ الدَّلَائِلِ الْإِجْمَالِيَّةِ عِنْدَهُمْ هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إلَخْ لَا مَسَائِلُ الْأُصُولِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ دَلَائِلَ إجْمَالِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ كُبْرَيَاتُ الدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ مِثْلُ أَنْ تَقُولَ الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَإِرَادَةُ مَسَائِلِ الْأُصُولِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا قَلَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ أَحَدٌ وَأَيْضًا سَيَجِيءُ أَنَّ التَّفْصِيلِيَّةَ جُزْئِيَّاتٌ لِلْإِجْمَالِيَّةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ إذَا حُمِلَتْ الْإِجْمَالِيَّةُ عَلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ وَكَيْفَ تَتَحَمَّلُ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتُ أَمْثَالَ هَذِهِ التَّكْلِيفَاتِ الْبَعِيدَةِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُوَ الْمُرَادُ فَهُوَ مِنْ الْمُرَادِ الَّذِي لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ إنَّ الشَّارِحَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنَّ بَيَانَهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
وَأَمَّا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِبَاهِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ بِمَوْضُوعَاتِهَا، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ التَّعْرِيفَيْنِ بِاخْتِصَارٍ مُخِلٌّ.
وَهُنَا بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ إمَّا الْمَسَائِلُ أَوْ التَّصْدِيقُ بِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ أَفْرَادَ الْمَوْضُوعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْحُكْمِ فِي الْمَحْصُورَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الطَّبِيعِيَّةَ لَا تُعَدُّ مِنْ الْمَسَائِلِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بَيَانَ أَحْوَالِ الْأَفْرَادِ الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ مَثَلًا قَوْلُنَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفَنِّ وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِيهَا أَقِيمُوا الصَّلَاةَ آتُوا الزَّكَاةَ إلَخْ فَالْبَحْثُ عَنْ هَذِهِ الْجُزَيْئَاتِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةٌ تَفْصِيلِيَّةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ جَعْلَهُمْ أُصُولَ الْفِقْهِ الْمَسَائِلَ الْبَاحِثَةَ عَنْ أَحْوَالِ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ أَوْ
أَيْ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ كَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَفِعْلِ النَّبِيِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِصْحَابِ الْمَبْحُوثِ عَنْ أَوَّلِهَا بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً وَالثَّانِي بِأَنَّهُ لِلْحُرْمَةِ كَذَلِكَ الْبَاقِي بِأَنَّهَا حُجَجٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ فَخَرَجَ بِالدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ نَحْوُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72]{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] وَصَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَعْبَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ حَيْثُ لَا عَاصِبَ لَهُمَا وَقِيَاسُ الْأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاسْتِصْحَابُ الطَّهَارَةِ لِمَنْ شَكَّ فِي بَقَائِهَا فَلَيْسَتْ أُصُولُ الْفِقْهِ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ بَعْضُهَا فِي كُتُبِهِ لِلتَّمْثِيلِ (وَقِيلَ) أُصُولُ الْفِقْهِ (وَمَعْرِفَتُهَا)
ــ
[حاشية العطار]
مَعْرِفَتَهَا وَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي الْمَوْضُوعِ لِبَيَانِ مَا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ أَدِلَّتِهِ الْإِجْمَالِيَّةِ دُونَ التَّفْصِيلِيَّةِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْيِيدِ بِالْإِجْمَالِيَّةِ مُجَرَّدُ كَوْنِ الْبَحْثِ عَنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ بِأَنْ لَا يَقَعَ التَّفْصِيلُ عُنْوَانَ الْمَبَاحِثِ أَوْ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّغَايُرَ بَيْنَ الْإِجْمَالِيَّةِ وَالتَّفْصِيلِيَّةِ بِالِاعْتِبَارِ لَا بِالذَّاتِ إذْ هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ لَهُ جِهَتَانِ {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المجادلة: 13] مَثَلًا لَهُ جِهَةُ إجْمَالٍ هِيَ كَوْنُهُ أَمْرًا وَجِهَةُ تَفْصِيلٍ هِيَ كَوْنُ مُتَعَلِّقِهِ خَاصًّا هِيَ إقَامَةُ الصَّلَاةِ فَالْبَحْثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْفَنِّ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى وَفِي الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ التَّالِيَةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ) تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ عَدَمُ الْإِيضَاحِ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ التَّعْيِينِ أَيْ التَّفْصِيلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا أَنَّهَا مُهِمَّةٌ فِي أَشْيَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً لِمَسَائِلَ جُزْئِيَّةٍ فَالْمُعَيَّنَةُ هِيَ الَّتِي عُيِّنَ كُلُّ دَلِيلٍ مِنْهَا لِمَسْأَلَةٍ جُزْئِيَّةٍ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَعَدَلَ عَلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرُ التَّفْصِيلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِالْمُسَاوِي فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ (قَوْلُهُ كَمُطْلَقِ الْأَمْرِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِيهِ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ أَيْ الْقَاعِدَةُ الْمَحْكُومُ فِيهَا عَلَى مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ وَالْقَرِينَةُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا الْآتِي مِنْ فَنَّيْ الْأُصُولِ بِالْقَوَاعِدِ الْقَاطِعِ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ فِيهِ أَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ مَثَلًا مِنْ مَوْضُوعِ أُصُولِ الْفِقْهِ الْمَبْحُوثِ فِيهِ عَنْ أَحْوَالِهِ وَالْمُرَادُ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ مَا خَلَا عَنْ خُصُوصِ الْمُتَعَلِّقِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مِنْ نَاحِيَةِ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّعْرِيفِ وَمُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَلْتَئِمَ مَعَ مَا سَبَقَ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا قَدْ سَمِعْته فَتَذَكَّرْ.
(قَوْلُهُ: الْمَبْحُوثِ عَنْ أَوَّلِهَا) وَهُوَ مُطْلَقُ الْأَمْرِ أَيْ الْمُثْبِتُ لَهُ الْوُجُوبَ بِجَعْلِهِ مَوْضُوعًا لَهُ فَنَقُولُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: وَالْبَاقِي) وَهُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ الْمُثْبِتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ الْحُجِّيَّةُ عَلَى قِيَاسِ مَا سَمِعْت فِي الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى الْأَمْرِ وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَمْرِ وَمَا مَعَهُ وَأَرَادَ بِالْغَيْرِ نَحْوَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ إلَخْ وَقَوْلُهُ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ وَأَرَادَ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ نَحْوَ قَوْلِنَا الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَالْعَامُّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الدَّلَائِلُ التَّفْصِيلِيَّةُ) أَيْ الْقَضَايَا الْمَحْكُومُ فِيهَا عَلَى الدَّلَائِلِ التَّفْصِيلِيَّةِ نَحْوُ قَضِيَّةِ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَعْنِي أَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً لِيُنَاسِبَ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي قَوْلِهِ مِنْ دَلَائِلِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: فَلَيْسَتْ) أَيْ الدَّلَائِلُ التَّفْصِيلِيَّةُ أُصُولَ الْفِقْهِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَلَيْسَتْ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ لِيَكُونَ نَصًّا فِي نَفْيِ كَوْنِهَا بَعْضًا مِنْهُ الَّذِي هُوَ الْمُتَوَهَّمُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْرِفَتُهَا) لَمْ يُرِدْ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ كَتَصْوِيبِ الْأَوَّلِ الْوَاقِعِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ رَدَّ هَذَا الْقَوْلِ بَلْ بَيَانَ أَوْلَوِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوَاعِدِ أَشْيَعُ فِي الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَشَّى الْحَوَاشِي الشَّرِيفَةِ عَلَى الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ أَنَّ ابْتِنَاءَ الْمَطَالِبِ أَصَالَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَصِّلُ.
وَأَمَّا عَلَى الْعِلْمِ بِهِ فَبِالتَّبَعِ فَإِذَا أُطْلِقَ الْأُصُولُ يَتَبَادَرُ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَصَالَةً فَانْدَفَعَ بِمَا قُلْنَاهُ إنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ تُطْلَقُ
أَيْ مَعْرِفَةُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ إذْ الْأُصُولُ لُغَةً الْأَدِلَّةُ كَمَا فِي تَعْرِيفِ جَمِيعِهِمْ الْفِقْهَ بِالْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ لَا نَفْسِهَا إذْ الْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ.
ــ
[حاشية العطار]
عَلَى الْمَسَائِلِ وَعَلَى الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا هُنَا صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: أَيْ مَعْرِفَةُ دَلَائِلِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ) أَيْ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِهَا وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي نَظِيرِهِ بَعْدُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ ذَاتِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ عِلْمٌ تَصَوُّرِيٌّ بَلْ تِلْكَ الْأَحْوَالُ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهَا لِلْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فَهُوَ تَصْدِيقٌ بِثُبُوتِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَقَعُ مَحْمُولَاتٍ لِلْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ كَقَوْلِنَا الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَثَلًا فَآلَ الْمَعْنَى إلَى أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ عِلْمٌ بِالْقَوَاعِدِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَرَّرُوا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ الْقَوَاعِدُ فَيَنْتَظِمُ الْكَلَامُ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ فِي التَّأْوِيلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا قَدْ سَمِعْته، قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عِلْمُ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ قَوَاعِدَهُ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الْفِقْهِ تَوَصُّلًا قَرِيبًا بَلْ إنَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُحَافَظَةِ الْحُكْمِ الْمُسْتَنْبَطِ أَوْ مُدَافَعَتِهِ وَنِسْبَتُهُ إلَى الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فَإِنَّ الْجَدَلِيَّ إمَّا مُجِيبٌ بِحِفْظٍ وَضْعًا أَوْ مُعْتَرِضٌ يَهْدِمُ وَضْعًا إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَكْثَرُوا فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَبَنَوْا نِكَاتَهُ عَلَيْهِ حَتَّى تُوُهِّمَ أَنَّ لَهُ اخْتِصَاصًا بِالْفِقْهِ، وَأُصُولُ الْفِقْهِ وَإِنْ كَانَتْ أَصْلًا لِلْفِقْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فَرْعٌ لِأُصُولِ الدِّينِ لِاحْتِيَاجِ كَوْنِ الْأَدِلَّةِ حُجَّةً لِمَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وَصِفَاتِهِ.
(قَوْلُهُ: أَقْرَبُ إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ) التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمَعْرِفَةِ قُرْبًا إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ لَهَا قُرْبٌ إلَيْهِ لِتَعَلُّقِهَا بِهِ (قَوْلُهُ: إذْ الْأُصُولُ لُغَةً إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَهُوَ أَمْرٌ عَامٌّ كُلِّيٌّ يَشْمَلُ الدَّلِيلَ وَغَيْرَهُ فَالدَّلِيلُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ فَكَيْفَ يَتِمُّ الْحَصْرُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْرِفَةِ أَيْ إنَّ الْأُصُولَ الْأَدِلَّةُ لَا الْمَعْرِفَةُ وَأُورِدُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأُصُولُ لُغَةً الْأَدِلَّةُ فَلَا مَعْنَى لِقُرْبِ الْأَوَّلِ إلَى الْمَدْلُولِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ عَيْنُهُ حِينَئِذٍ وَالشَّيْءُ لَا يَقْرُبُ مِنْ نَفْسِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الَّتِي هِيَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَعَمُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ الْإِجْمَالِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ؛ لِأَنَّهَا تَشْمَلُهَا وَغَيْرَهَا كَأَدِلَّةِ الْفِقْهِ التَّفْصِيلِيَّةِ وَعَلَى هَذَا فَإِطْلَاقُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ أَقْرَبُ إلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ مِنْ إطْلَاقِهَا عَلَى مَعْرِفَتِهَا؛ لِأَنَّ فَرْدَ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ