الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقِيلَ مِنْ بَعْضٍ قَامَ بِهَا رَابِعُهَا أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا أَيْ تَصِيرُ بِهِ سُنَّةَ عَيْنٍ يَعْنِي مِثْلَهَا فِي تَأَكُّدِ طَلَبِ الْإِتْمَامِ عَلَى الْأَصَحِّ.
(مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى (أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ الظُّهْرِ كَبَاقِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (وَقْتَ الْأَدَاءِ)
ــ
[حاشية العطار]
سُنَّةَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ كَمَا قِيلَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِعَدَمِ تَأَتِّي سُقُوطِ الْإِثْمِ إذْ لَا إثْمَ فِي تَرْكِهَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ تَفْضِيلُ سُنَّةِ الْعَيْنِ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي دَلِيلِ تَفْضِيلِ فَرْضِ الْعَيْنِ قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ: يَلْزَمُ عَلَى سُقُوطِ الطَّلَبِ أَنَّ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةَ إذَا فَعَلَتْ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ لَا تَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى فِعْلِهَا كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ هُنَاكَ بَقَاءُ الطَّلَبِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ وَالْغَرَضُ هُنَا سُقُوطُ الطَّلَبِ فَلَا ثَوَابَ وَعَلَى ذَلِكَ مَنْعٌ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قِيلَ: إنَّ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ لِسُقُوطِ اللَّوْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى تَرْكِهَا بِفِعْلِ الْقَائِمِ بِهَا لَكَانَ مُلَائِمًا لِمَا سَلَفَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ اهـ.
وَعَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الطَّلَبَ سَقَطَ عَنْ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِفِعْلِ الْأُولَى فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ بَعْضِ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ فِي الْبَعْضِ.
(قَوْلُهُ: فِي تَأَكُّدِ الطَّلَبِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ سُنِّيَّتَهَا لَا تَقْوَى عَنْ قَبْلُ، كَمَا فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ إذَا تَعَيَّنَ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي مِثْلَهَا فِي تَخْصِيصِ الطَّلَبِ بِمَنْ شَرَعَ.
[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]
(قَوْلُهُ: الْأَكْثَرِ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَقْتٌ لِأَدَائِهِ وَسَبَبِ وُجُوبِهِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ لِسَبْقِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالْمُكَلَّفِ مُخَيَّرًا فِي أَجْزَاءِ الْوَقْتِ كَالتَّخْيِيرِ فِي الْمَفْعُولِ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَارِحُ الْمِنْهَاجِ إنَّ حَقِيقَةَ الْمُوَسَّعِ تَرْجِعُ لِلْمُخَيَّرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِ كَأَنَّهُ قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ: أَفْعَلُ أَمَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْإِتْيَانِ بِهِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا.
وَتَعْبِيرُهُ بِالْجَوَازِ يُفْهِمُ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَخْرُجُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ لِخُرُوجِ وَقْتِ الْجَوَازِ وَهُوَ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّ مُرَادَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَكُونُ الْفِعْلُ فِيهِ أَدَاءً اتِّفَاقًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْأَدَاءُ فِعْلُ بَعْضِ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ مَعَ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ خَرَجَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ بَلْ هُوَ زِيَادَةٌ جَرَى فِيهَا عَلَى طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ وَكَرَّرَ مَنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ لِيُفِيدَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا مِنْ مَجْمُوعِهِمَا فَيَصْدُقُ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْآخَرِ وَالْمُرَادُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ مُتَكَلِّمُونَ إذْ لَا ارْتِبَاطَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعِلْمِ الْكَلَامِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ أُصُولِيُّونَ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُمْ بِالْمُتَكَلِّمِينَ لِاشْتِهَارِهِمْ بِهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ جَمِيعَ إلَخْ) قَدَّرَ الشَّارِحُ عَلَى لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ بِهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا عَنْ الْأَكْثَرِ وَحَذْفُ الْجَارِّ مُطَّرِدٌ قَبْلَ أَنْ، وَإِنْ وَالْمَعْنَى الْأَكْثَرُ مُتَّفِقُونَ أَوْ جَارُونَ عَلَى أَنَّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: جَوَازًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ وَالْأَصْلُ وَقْتُ جَوَازِ الظُّهْرِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ، ثُمَّ أَتَى بِهِ تَمْيِيزًا لِإِجْمَالِ النِّسْبَةِ الْحَاصِلِ بِحَذْفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) عَطْفٌ عَلَى الظُّهْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ قَالَ النَّاصِرُ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى جَوَازًا؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَاتِ الْمُضَافِ إنَّمَا تُذْكَرُ بَعْدَهُ تَعَلُّقَاتُ الْمُضَافِ إلَيْهِ
فَفِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَقَعَ فَقَدْ أُوقِعَ فِي وَقْتِ أَدَائِهِ الَّذِي يَسَعُهُ وَغَيْرُهُ وَلِذَلِكَ يُعْرَفُ بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَقَوْلُهُ جَوَازًا رَاجِعٌ إلَى الْوَقْتِ لِبَيَانِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَقْتِ الْجَوَازِ لَا فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ أَدَاءً بِشَرْطِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَخِّرِ) أَيْ مُرِيدِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ (الْعَزْمُ) فِيهِ عَلَى الْفِعْلِ بَعْدُ فِي الْوَقْتِ (خِلَافًا لِقَوْمٍ) كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: فَفِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّأْكِيدُ بِجَمِيعٍ مِنْ اسْتِغْرَاقِ أَجْزَاءِ الْمُؤَكَّدِ وَهُوَ مَجْمُوعُ وَقْتِ الظُّهْرِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: الَّذِي يَسَعُهُ وَغَيْرُهُ الْوَاقِعُ نَعْتًا لِلْوَقْتِ الْمَذْكُورِ لَا أَيَّ جُزْءٍ مِنْهُ أُوقِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُهُ وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِوَقْتِ الظُّهْرِ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَجْمُوعُ وَقْتِهِ الْعَائِدُ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي مِنْهُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِجَمِيعِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ لَا الْمَجْمُوعَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَفِي أَيِّ جُزْءٍ إلَخْ، فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِجَمِيعِ الْوَاقِعَةِ تَأْكِيدًا لِوَقْتِ الظُّهْرِ ذِي الْأَجْزَاءِ وَقْتَ أَدَائِهِ خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَجْزَاءِ، فَيَصْدُقُ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَإِنَّ مَجْمُوعَ الْوَقْتِ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ فَقَدْ أَتَى الشَّارِحُ بِمَا يُطَابِقُ مُقْتَضَى التَّأْكِيدِ بِجَمِيعٍ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ الَّذِي يَسَعُهُ وَغَيْرِهِ إيمَاءً إلَى أَنَّ جَمِيعَ مُرَادًا بِهِ الْمَجْمُوعُ، وَأَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ هُوَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنَّ أَجْزَاءَهُ هِيَ أَجْزَاءٌ لَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّأْكِيدُ بِجَمِيعَ أَنَّ الْمُؤَكَّدَ بِهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَا أَجْزَاءٍ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا بِقَصْدِ شُمُولِ الْحُكْمِ لَهَا فَالْمُطَابِقُ لَهُ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهِ جَوَازًا وَقْتٌ لِأَدَائِهِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّ مَجْمُوعَهَا وَقْتُ أَدَاءً أَيْضًا لِصِدْقِ حَدِّ الْوَقْتِ بِمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ يُعْرَفُ إلَخْ) ضَمِيرُ يُعْرَفُ يَعُودُ لِلْمُؤَدَّى أَيْ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْأَدَاءِ وَقَوْلُهُ: الْمُوَسَّعُ وَقْتُهُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ مَا لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ هُوَ مَا يَسَعُهَا، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ الَّذِي جَعَلَهُ وَقْتَ ضَرُورَةٍ هُوَ مَا لَا يَسَعُهَا سَوَاءٌ وَسِعَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ أَوْ لَمْ يَسَعْ رَكْعَةً.
وَقَدْ يُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ وَقْتَ الضَّرُورَةِ عَلَى مِقْدَارِ تَكْبِيرَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ فِي حَقِّ مَنْ زَالَ عُذْرُهُ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ كَحَيْضٍ وَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَصِبًا فِي الْمَنْهَجِ وَلَوْ زَالَتْ الْمَوَانِعُ وَبَقِيَ قَدْرُ تَحَرُّمٍ وَخَلَا مِنْهَا قَدْرُ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ لَزِمَتْ مَعَ فَرْضٍ قَبْلَهَا إنْ صَلَحَ لِجَمْعِهِ مَعَهَا وَخَلَا قَدْرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ أَدَاءً) أَيْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَا عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ هُوَ كَوْنُ الْمَفْعُولِ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً لَا أَقَلَّ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مُرِيدِ إلَخْ) وَإِلَّا فَبَعْدَ التَّأْخِيرِ بِالْفِعْلِ لَا يُعْقَلُ الْعَزْمُ لِمُضِيِّ مَا يَقَعُ فِيهِ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَنَبَّهَ بِمُرِيدٍ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمُؤَخَّرِ مَجَازٌ.
(قَوْلُهُ: الْعَزْمُ فِيهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ: بَعْدُ أَيْ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِمْ إلَخْ) قَالُوا: لَوْ جَازَ التَّرْكُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ وَهُوَ الْبَدَلُ عَنْ الْوَاجِبِ لَجَازَ تَرْكُ الْوَاجِبِ بِلَا بَدَلٍ وَالْمُلَازَمَةُ ظَاهِرَةٌ وَالتَّالِي بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ كَوْنَ الْوَاجِبِ غَيْرَ وَاجِبٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَزْمَ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَوْ صَحَّ بَدَلًا عَنْهُ لَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ بَدَلِيَّةَ الْعَزْمِ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ التَّضْيِيقِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِالْعَزْمِ عِنْدَ تَحَقُّقِهِ سُقُوطُهُ أَصْلًا مُنِعَ اللُّزُومُ كَيْفَ وَالْفِعْلُ يَتَعَيَّنُ عِنْدَ التَّضْيِيقِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ تَحَقُّقَهُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِتْيَانِ بِهِ فِيهِ سَلِمَ اللُّزُومُ وَمَنَعَ بُطْلَانَ اللَّازِمِ كَيْفَ وَالْإِتْيَانُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَزْمِ فِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ فَالرَّاجِحُ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، إمَّا الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ قِيلَ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَاَلَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ فُضَلَائِهِمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عِنْدَهُمْ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَضُرُّ الْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ وَيَكْفِي أَنَّهُ لَوْ سُئِلَ أَجَابَ بِالْفِعْلِ، ثُمَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجِبُ الْفِعْلُ أَوْ الْعَزْمُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ كَمَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ شَارِحِي الْمُخْتَصَرِ فَشَنَّعَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ هَفَوَاتِهِ وَمِنْ
بِوُجُوبِ الْعَزْمِ لِيَتَمَيَّزَ بِهِ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ عَنْ الْمَنْدُوبِ فِي جَوَازِ التَّرْكِ وَأُجِيبَ بِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَاجِبِ عَنْ الْوَقْتِ يُؤْثِمُ.
(وَقِيلَ) وَقْتُ أَدَائِهِ (الْأَوَّلُ) مِنْ الْوَقْتِ لِوُجُوبِ الْفِعْلِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (فَإِنْ أَخَّرَ) عَنْهُ (فَقَضَاءٌ) ، وَإِنْ فَعَلَ فِي الْوَقْتِ حَتَّى يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَنْ بَعْضِهِمْ، وَإِنْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَفْيِ الْإِثْمِ وَلِنَقْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ (وَقِيلَ) وَقْتُ أَدَائِهِ (الْآخَرُ) مِنْ الْوَقْتِ لِانْتِفَاءِ وُجُوبِ
ــ
[حاشية العطار]
الْعَظَائِمِ فِي الدِّينِ وَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ هُوَ مَا فَهِمَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي طَرِيقَةِ الْقَاضِي أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ الْعَزْمَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ وَلَا يُوجِبُ تَحْدِيدَهُ، ثُمَّ يَحْكُمُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْعَزْمَ يَنْسَحِبُ حُكْمُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَهَذَا كَانْبِسَاطِ النِّيَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عُزُوبِ النِّيَّةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ بِهَذَا الرَّجُلِ الْعَظِيمِ غَيْرَ هَذَا غَيْرَ أَنَّا لَا نَرَى ذَلِكَ رَأْيًا اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي جَوَازِ التَّرْكِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ صِفَةً لِلْمَنْدُوبِ أَيْ الْمُشَارِكِ لَهُ فِي جَوَازِ التَّرْكِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرْكِ الْجَائِزِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاجِبِ التَّرْكُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الْفَرْضَ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْدُوبِ التَّرْكُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَحْصُلْ تَمْيِيزٌ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ التَّرْكِ إلَّا بِالْعَزْمِ فَتَرْكُ الْمَنْدُوبِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْعَزْمِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَقْتِ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ الْمُنْدَبِ فَالْجَوَازُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ مُعَيَّنٌ دُونَ الْمَنْدُوبِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي الِاشْتِرَاكَ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ تَعَلُّقِ الطَّلَبِ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ: إنَّ الْمُرَادَ فِي الْجَوَابِ التَّأْخِيرُ عَنْ جُمْلَةِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ كَلَامُهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي التَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَمُرَادُهُمْ مِنْ التَّعْلِيلِ التَّمْيِيزُ الْحَاصِلُ بِتَمْيِيزِ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ أَنْ يُمَيِّزَ الْمُكَلَّفُ تَأْخِيرَهُ الْجَائِزَ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ لَيْسَ مِنْ تَمْيِيزِ الْمُكَلَّفِ، ثُمَّ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ مَحَلُّهُ فِي الْعَزْمِ الْخَاصِّ عَلَى فِعْلِ الْفَرْضِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ، أَمَّا الْعَزْمُ الْعَامُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي جَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَهُوَ أَنْ يَعْزِمَ الْمُكَلَّفُ عَلَى فِعْلِ كُلِّ وَاجِبٍ إجْمَالًا عِنْدَ مُلَاحَظَتِهِ مُجْمَلًا مَعَ غَيْرِهِ وَتَفْصِيلًا عِنْدَ تَذَكُّرِهِ بِخُصُوصِهِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: وَقْتُ أَدَائِهِ الْأَوَّلُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ مَحْكُومٌ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى قَلْبًا وَقَوْلُهُ: الْأَوَّلُ مِنْ الْوَقْتِ أَيْ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَسَعُ فِعْلَ الْعِبَادَةِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالْفِعْلُ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ قَضَاءً عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَ فِي الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْجَوَازِ عِنْدَ غَيْرِ هَذَا الْقَائِلِ أَمَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَوَقْتُ الْأَدَاءِ الْأَوَّلُ فَقَطْ لِمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَقْوَالُ إلَخْ.
1 -
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَأْثَمَ إلَخْ) حَتَّى تَفْرِيعِيَّةٌ فِي فَيَأْثَمُ مَرْفُوعٌ.
(قَوْلُهُ: عَنْ بَعْضِهِمْ) أَيْ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَعَالِمِ حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُعْرَفُ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَّهَمُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَلَ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ نَقْلَ الشَّافِعِيِّ أَثْبَتُ وَأَوْلَى وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ (قَوْلُهُ: وَلِنَقْلِهِ) أَيْ نَقْلِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ) أَيْ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ.
(قَوْلُهُ: الْآخَرُ) أَيْ الْمِقْدَارُ الْآخَرُ الَّذِي يَسَعُ الصَّلَاةَ بِتَمَامِهَا فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ وُجُوبِ
الْفِعْلِ قَبْلَهُ (فَإِنْ قُدِّمَ) عَلَيْهِ بِأَنْ فُعِلَ قَبْلَهُ فِي الْوَقْتِ (فَتَعْجِيلٌ) أَيْ فَتَقْدِيمُهُ تَعْجِيلٌ لِلْوَاجِبِ مُسْقِطٌ لَهُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا (وَ) قَالَتْ (الْحَنَفِيَّةُ) وَقْتَ أَدَائِهِ (مَا) أَيْ الْجُزْءَ الَّذِي (اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ) أَيْ لَاقَاهُ الْفِعْلُ بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ الْأَدَاءُ بِجُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بِأَنْ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ (فَالْآخَرُ) أَيْ فَوَقْتُ أَدَائِهِ الْجُزْءُ الْآخَرُ مِنْ الْوَقْتِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْفِعْلِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ فِيمَا قَبْلَهُ.
(وَ) قَالَ (الْكَرْخِيُّ: إنْ قُدِّمَ) الْفِعْلُ عَلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِأَنْ وَقَعَ قَبْلَهُ فِي الْوَقْتِ (وَقَعَ) مَا قُدِّمَ (وَاجِبًا بِشَرْطِ بَقَائِهِ) أَيْ بَقَاءِ الْمُقَدِّمِ لَهُ (مُكَلَّفًا) إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ كَذَلِكَ كَأَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَقَعَ مَا قَدَّمَهُ نَفْلًا فَشَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ أَنْ يَبْقَى مِنْ إدْرَاكِهِ الْوَقْتُ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ إلَى آخِرِهِ الْمُتَبَيِّنِ بِهِ
ــ
[حاشية العطار]
إلَخْ) أَيْ الْوُجُوبُ التَّخْيِيرِيُّ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ وَبِتَضْيِيقٍ فِي آخِرِ الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَجُمْهُورُهُمْ قَائِلٌ بِمَا قُلْنَا مِنْ إثْبَاتِ الْوُجُوبِ الْمُوَسَّعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ اهـ. زَكَرِيَّا
قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى الْمِنْهَاجِ: إنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مُتَعَيِّنٌ لِسَبَبِيَّةِ الْوُجُوبِ إذَا اتَّصَلَ الْأَدَاءُ بِهِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَإِلَّا تَنْتَفِلُ السَّبَبِيَّةُ مِنْهُ إلَى الثَّانِي، ثُمَّ إلَى الثَّالِثِ وَهَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْأَدَاءُ إلَى الْآخَرِ تَقَرَّرَتْ السَّبَبِيَّةُ فِيهِ لِعَدَمِ مَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَعْدَهُ، فَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ فَالسَّبَبُ كُلُّ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ وَذَكَرُوا أَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ بِآخِرِهِ فَصِحَّةُ الصَّلَاةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ قَدْ تَوَجَّهَ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْخِيرِ.
وَأَمَّا عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَصِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَوْسَطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى انْعِقَادِ السَّبَبِ لَا لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إذْ الْخِطَابُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ فِي الْوَقْتِ لَا فِي أَوَّلِهِ.
(قَوْلُهُ: مَا اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ) يَصْدُقُ بِكُلِّ الْوَقْتِ إذَا اسْتَغْرَقَ فِيهِ الصَّلَاةَ وَبِأَوَّلِهِ وَبِآخِرِهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَاقَاهُ) تَفْسِيرٌ لِلِاتِّصَالِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَلَمَّا كَانَتْ الْمُلَاقَاةُ صَادِقَةً بِالْمُلَاقَاةِ عَلَى وَجْهِ الْحُلُولِ وَعَلَى مُجَرَّدِ اللُّصُوقِ وَالْمُرَادُ الْأُولَى فَسَّرَهَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ إلَخْ وَانْدَفَعَ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ مَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَعَ وَاجِبًا بِشَرْطِ بَقَائِهِ مُكَلَّفًا) قَالَ النَّاصِرُ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ وَاجِبًا حَالٌ، فَإِنْ كَانَتْ مُقَارِنَةً لِعَامِلِهَا لَزِمَ أَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْبَقَاءُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَالشَّرْطُ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ أَوْ يُقَارِنُ، وَإِنْ كَانَتْ مُقَدَّرَةً لَزِمَ أَنَّ صِفَةَ الْفِعْلِ أَيْ وُجُوبَهُ يُوجَدُ بَعْدَ انْعِدَامِهِ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَقَاءَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْمَعْدُومِ بِالْوُجُوبِ لَا لِلْوُجُوبِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْعَضُدِ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ فَيُعْلَمُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ كَانَ وَاجِبًا وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْمُتَبَيِّنُ بِهِ الْوُجُوبُ فَقَوْلُهُ: فَشَرْطُ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ أَيْ الْحُكْمُ بِهِ اهـ.
قَالَ سم وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ مَعْنَى وَقَعَ تَبَيَّنَ أَيْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وُقُوعُهُ وَاجِبًا، وَلَا يَخْفَى مُغَايِرَةُ هَذَا الْجَوَابِ لِجَوَابِ الشَّيْخِ وَأَنَّهُ أَوْفَقُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ الْمُتَبَيِّنِ بِهِ الْوُجُوبُ وَأَنَّ مَبْنَى جَوَابِ الشَّيْخِ عَلَى اخْتِيَارِ أَنَّ الْحَالَ مُنْتَظِرَةٌ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَحْكُومًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِوُجُوبِهِ بِشَرْطِ بَقَائِهِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ وَقْتُ الْحُكْمِ لِيَتَقَارَنَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ.
وَأَمَّا جَعْلُ وَاجِبًا بِهَذَا الْمَعْنَى حَالًّا مُقَارَنَةً فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَقَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الْحُكْمُ فِي الْحَالِ وَجَعْلُ الشَّرْطِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَبْقَى لَا يَخْلُصُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْحَالِ لِلْحُكْمِ هَذَا.
وَقَدْ أَوْرَدَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ الْفِعْلَ حَالَ الْوُقُوعِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِآخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُنْتَفَى وَصْفُنَا لَهُ وَحُكْمُنَا عَلَيْهِ لَا فِي الْوَاقِعِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَعَدَمُ الْوَصْفِ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَنَا لَا ضَرَرَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: الْمُتَبَيَّنُ بِهِ) بِالْفَتْحِ أَيْ الْمُحَقَّقُ وَبِالْكَسْرِ أَيْ الْمُتَحَقِّقُ قَالَ النَّاصِرُ هُوَ صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ أَيْ الْبَقَاءُ فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَلَيْسَ مَجْرُورًا صِفَةً لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّبَيُّنَ بِالْبَقَاءِ لَا بِالْآخَرِ وَصَحَّحَ سم جَعْلَهُ صِفَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ مُقَيَّدٌ
الْوُجُوبُ، وَإِنْ أَخَّرَ الْفِعْلَ عَنْهُ وَيُؤْمَرُ بِهِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ صِفَةُ التَّكْلِيفِ فَحَيْثُ وَجَبَ فَوَقْتُ أَدَائِهِ عِنْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ خَالَفَهُمْ فِيمَا شَرَطَهُ فَذَكَرُهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْأَوَّلِ الْمَعْلُومِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ مُنْكِرَةٌ لِلْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ لِاتِّفَاقِهَا عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ لَا يَفْضُلُ عَنْ الْوَاجِبِ (وَمَنْ أَخَّرَ) الْوَاجِبَ الْمَذْكُورَ بِأَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَثَلًا (مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ) عَقِبَ مَا يَسَعُهُ مِنْهُ مَثَلًا (عَصَى) لِظَنِّهِ فَوَاتَ الْوَاجِبِ بِالتَّأْخِيرِ (فَمَنْ عَاشَ وَفَعَلَهُ) فِي الْوَقْتِ (فَالْجُمْهُورُ) قَالُوا: فِعْلُهُ (أَدَاءً) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا.
(وَ) قَالَ (الْقَاضِيَانِ أَبُو بَكْرٍ) الْبَاقِلَّانِيُّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (وَالْحُسَيْنُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ فِعْلُهُ (قَضَاءً) ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي تُضَيِّقَ
ــ
[حاشية العطار]
بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ بِحُصُولِ الْبَقَاءِ إلَيْهِ أَيْ الْمُتَبَيِّنُ بِالْآخِرِ الَّذِي حَصَلَ الْبَقَاءُ إلَيْهِ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَوْضَحُ مَعَ سَلَامَتِهِ عَنْ التَّكَلُّفِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَّرَ الْفِعْلَ عَنْهُ) مُبَالَغَةً عَلَى التَّبَيُّنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْآخَرَ الْحَاصِلَ الْبَقَاءُ إلَيْهِ يَتَبَيَّنُ بِهِ وُجُوبُ الْفِعْلِ قُدِّمَ عَلَيْهِ أَوَاخِرُ.
(قَوْلِهِ وَيُؤْمَرُ بِهِ قَبْلَهُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ قِيلَ: الْآخَرُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ قَبْلَهُ وَعَلَى كَلَامِ الْكَرْخِيِّ هَذَا إذَا ظَنَّ الْمَوْتَ آخِرَ الْوَقْتِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ عَكْسَ كَلَامِ الْقَوْمِ الْآتِي؛ لِأَنَّ ظَنَّ الْمَوْتِ عَارِضُ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: فَحَيْثُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَشَرْطُ الْوُجُوبِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَوَقْتُ أَدَائِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ.
(قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْكَافِ.
(قَوْلُهُ: فَذَكَرَهُ) أَيْ الشَّرْطَ الَّذِي خَالَفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلِ) وَهُوَ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ عِنْدَهُ مَا مَرَّ وَوُصِفَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَ مَا شَرَطَهُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَوَقْتُ أَدَائِهِ إلَى قَوْلِهِ فِيمَا شَرَطَهُ.
(قَوْلُهُ: الْمَعْلُومُ مِمَّا قَدَّمَهُ) فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ أَيْ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرْخِيِّ مِنْهُمْ فَقَوْلُهُ: قَوْلُهُمْ: وَلَمَّا انْفَرَدَ عَنْهُمْ بِالشَّرْطِ تَعَرَّضَ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ مُنْكَرَةٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ وَقْتٌ مُوَسَّعٌ يُوقَعُ فِيهِ الْفِعْلُ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا لَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْكَرْخِيِّ لِوُجُودِ السَّعَةِ بِعَدَمِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي يُوقَعُ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ نَعَمْ بَعْدَ الْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ صَارَ الْوَقْتُ مُضَيَّقًا وَالْكَلَامُ فِيمَا قَبْلَ الْفِعْلِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالتَّوْسِيعِ عَدَمُ الْحَرَجِ كَانَ حَاصِلًا عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: مَثَلًا الْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَيْ أَوْ ثَانِيهِ وَمَثَلًا الثَّانِيَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَوْتِ أَيْ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ حَيْضٍ لِعَادَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: عَقِبَ مَا يَسَعُهُ مِنْهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ عَقِبَ مَا لَا يَسَعُهُ مِنْهُ لَمْ يَأْثَمْ وَلَيْسَ بَعِيدًا لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِيهِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: بِالتَّأْخِيرِ) أَيْ بِالشُّرُوعِ فِي التَّأْخِيرِ مُتَعَلِّقٌ بِفَوَاتٍ أَوْ ظَنَّ وَجَعَلَهُ الْكَمَالُ مُتَعَلِّقًا بِعَصَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِهِ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ مَعَ ذَلِكَ الظَّنِّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ ثَانِيهِ، وَهَكَذَا فَمَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِهِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْعِبَادَةَ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ عَقِبَ ذَلِكَ الْجُزْءِ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ التَّأْخِيرِ وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِهِ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مَعَ ظَنِّهِ الْمَوْتَ عَقِبَهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ وَهَكَذَا (قَوْلُهُ: فَالْجُمْهُورُ قَالُوا) إشَارَةً إلَى أَنَّ خَبَرَ الْجُمْهُورِ مَحْذُوفٌ وَأَنَّ أَدَاءً خَبَرٌ
عَلَيْهِ بِظَنِّهِ، وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ (وَمَنْ أَخَّرَ) الْوَاجِبَ الْمَذْكُورَ بِأَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ مَثَلًا (مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ) مِنْ الْمَوْتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَمَاتَ فِيهِ قَبْلَ الْفِعْلِ (فَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (لَا يَعْصِي) ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ جَائِزٌ لَهُ وَالْفَوَاتَ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ وَقِيلَ: يَعْصِي وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ (بِخِلَافِ مَا) أَيْ الْوَاجِبِ الَّذِي
ــ
[حاشية العطار]
لِمَحْذُوفٍ وَلَيْسَ خَبَرًا عَنْ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ) أَيْ فَتَبَيُّنُ خَطَأِ الظَّنِّ لَا يُؤَثِّرُ فِي التَّضْيِيقِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِهِ وَيُجَابُ مِنْ طَرَفِ الرَّاجِحِ بِمَنْعِ التَّضْيِيقِ بِالظَّنِّ، فَقَدْ قَالَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ جَمِيعِ الْوَقْتِ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ كَمَا كَانَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ مُوجِبًا لِلْعِصْيَانِ بِالتَّأْخِيرِ مُخَالَفَةَ هَذَا الْأَصْلِ وَتَضْيِيقُ الْوَقْتِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ مَوْتَهُ فِيهِ كَانَ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِيهِ بَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ قَضَاءً اهـ.
وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ فَرَضَ ذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ حَيْثُ أَحْرَمَ مَعَ إمَامِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي تَضِيقُ بِظَنِّهِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً هَلْ يَأْتِي بِهَا جُمُعَةً أَوْ يُصَلِّي ظُهْرًا؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى جُمُعَةً وَفِي نِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لَهَا، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَفِي الْقَصْرِ إذَا كَانَ ظَنُّهُ فِي السَّفَرِ وَقُلْنَا فَائِتَةُ السَّفَرِ لَا تُقْضَى فِي السَّفَرِ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ.
(تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا مَضَى مِنْ وَقْتِ الظَّنِّ إلَى حِينِ الْفِعْلِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفَرْضَ حَتَّى يَتَّجِهَ الْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ مِنْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَشَرَعَ فِيهَا فَلْيَكُنْ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ رَكْعَةً فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ إلَخْ) مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ مَعَ ظَنِّ الْمَوْتِ مُتَدَافِعٌ فِي الشَّكِّ فِي ذَلِكَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ كَظَنِّ السَّلَامَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُؤَثِّمُ بِالشَّكِّ فِي الْفُرُوعِ. اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: مِنْ الْمَوْتِ) أَيْ مَثَلًا وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمَوْتِ مِنْ مَوَانِعِ الْوُجُوبِ كَالْمَجْنُونِ وَغَلَبَةُ النَّوْمِ مُلْحَقٌ بِالْمَوْتِ. اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) أَيْ آخِرِ الْوَقْتِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامَةِ قَالَ سم: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى ظَنِّ السَّلَامَةِ إلَى آخِرِهِ ظَنُّ السَّلَامَةِ إلَى مَا يَسَعُ مِثْلَيْهِ مَثَلًا وَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْقَدْرِ الْمَظْنُونِ مَا يَسَعُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ لِمَ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ فِي كَلَامِهِمْ بِمَا إذَا ظَنَّ السَّلَامَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَذَكَرَهُ اقْتِدَاءً بِهِمْ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ) أَيْ وَقَبْلَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْهُ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالْمَوْتِ زَادَهُ الشَّارِحُ وَأَفْصَحَ بِهِ غَيْرُهُ لِأَجْلِ مُقَابِلِ الصَّحِيحِ اهـ نَاصِرٌ.
(قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْصِي) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِلَّا فَلَا يَعْصِي قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ فَتَرْجِيحُ عَدَمِ عِصْيَانِهِ إذَا لَمْ يَعْزِمْ ظَاهِرٌ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَزْمِ، أَمَّا عَلَى مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ وُجُوبِهِ فَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عِصْيَانِهِ، وَأَفَادَ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالْمُصَنِّفِ أَنَّ مَحَلَّ الْعِصْيَانِ إذَا رَفَعَ السَّبَبُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ كَنَوْمٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا نَامَ فِي الْوَقْتِ إلَى أَنْ خَرَجَ، فَإِنْ ظَنَّ تَيَقُّظَهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ لَمْ يَعْصَ وَإِلَّا عَصَى اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ)
(وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ) فَإِنَّ مَنْ أَخَّرَهُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوْتِ أَيْ مُضِيِّ وَقْتٍ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ فِيهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ يَعْصِي عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ وَقِيلَ: لَا يَعْصِي لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَهُ وَعِصْيَانِهِ فِي الْحَجِّ
ــ
[حاشية العطار]
جَوَابٌ عَمَّا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ لِلصَّحِيحِ تَقْرِيرُ الِاسْتِدْلَالِ التَّأْخِيرُ جَائِزٌ لَهُ فَلَا يَعْصِي بِهِ إذْ لَا تَأْثِيمَ بِالْجَائِزِ، وَتَحْرِيرُ الْجَوَابِ قَوْلُكُمْ التَّأْخِيرُ جَائِزٌ لَهُ قُلْنَا: إنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ هَاهُنَا فَلِذَلِكَ عَصَى بِهِ وَالْأَوَّلُ يَقُولُ: ادِّعَاءُ أَنَّ جَوَازَ التَّأْخِيرِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ فَائِدَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ الْمُكَلَّفُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي هُوَ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ أَمْرٌ لَا يُمْكِنُهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، فَلَوْ كُلِّفَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لَكَانَ تَكْلِيفَ مُحَالٍ.
وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا بِهَا وَأَجَابَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِعِلْمِ سَلَامَتِهَا، وَنَاقَشَهُ سم بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالسَّلَامَةِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدُ وَالْجَوَازُ مَحْكُومٌ بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ أَيْضًا لَا يُقَالُ الشَّيْخُ لَا يُسَلِّمُ أَنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ فِي الْحَالِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْكُومًا بِهِ فِي الْحَالِ مَا صَحَّ إيرَادُ الشَّيْخِ السُّؤَالَ.
(قَوْلُهُ: وَقْتُهُ الْعُمْرُ) أَيْ زَمَنُ التَّكْلِيفِ بِهِ الْعُمْرُ وَمَعْنَى كَوْنِ الْعُمْرِ كُلِّهِ وَقْتًا لِلْحَجِّ كَوْنُ الشَّيْخِ مُخَاطَبًا بِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مِنْ الْبُلُوغِ إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ عَاشَ الشَّخْصُ خَمْسِينَ عَامًا مَثَلًا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَمْكَنَهُ الْفِعْلُ فِي خَمْسَةٍ مِنْهَا مَثَلًا وَلَمْ يَفْعَلْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا وَهَلْ عِصْيَانُهُ بِآخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَهِيَ الْخَامِسَةُ فِي مِثَالِنَا لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا أَوْ بِأَوَّلِهَا لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ وَالْعِصْيَانُ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى سُنَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ أَقْوَالٌ أَرْجَحُهَا الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: بَعْدُ إنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُهُ) الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْفِعْلِ هُنَا الْقُدْرَةُ بِأَنْ تَتَحَقَّقَ الِاسْتِطَاعَةُ الْمُبَيَّنَةُ فِي الْفِقْهِ بِخِلَافِ الْإِمْكَانِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ تَسَعَهُ الْمُدَّةُ.
(قَوْلُهُ: مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ مِنْ الْمَوْتِ) وَبِالْأَوْلَى مَعَ الشَّكِّ فِي السَّلَامَةِ أَوْ ظَنِّ عَدَمِهَا.
(قَوْلُهُ: إلَى مُضِيِّ وَقْتٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامَةِ أَوْ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَقُلْ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ أَوَّلًا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ ظَنَّ السَّلَامَةِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ يَمْنَعُ عِصْيَانَ مَنْ مَاتَ فِيهِ قَبْلَ فِعْلِهَا حَيْثُ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُهَا بِخِلَافِ ظَنِّ السَّلَامَةِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الْحَجِّ وَهُوَ آخِرُ الْعُمْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ عِصْيَانَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ حَيْثُ كَانَ مَوْتُهُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ تَسَعُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي عِصْيَانِ تَرْكِ الْحَجِّ الْمَوْتُ بِغَيْرِ فِعْلٍ بَعْدَ أَوَّلِ مُدَّةٍ تَسَعُهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) وَإِلَّا نَقَلَ بِالْعِصْيَانِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْصِ بِتَأْخِيرِهِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُؤَقَّتِ بِوَقْتٍ مَعْلُومٍ وَالْمُؤَقَّتِ بِالْعُمْرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْوُجُوبُ بِتَأْخِيرِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الظُّهْرِ، فَإِنَّ لِجَوَازِ تَأْخِيرِهِ غَايَةً مَعْلُومَةً يَتَحَقَّقُ مَعَهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُهُ فَقَطْ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ مَا قُدِّرَ لَهُ وَقْتٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى وَقْتِ أَدَائِهِ، وَأَنَّ مَا وَقْتُهُ الْعُمْرُ كَالْحَجِّ وَالْمَنْدُوبِ الَّذِي لَمْ يُؤَقَّتْ وَالْفَائِتُ بِعُذْرٍ غَيْرِ رَمَضَانَ لَا يُسَمَّى بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَمَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ فَقَدْ تَجَوَّزَ لِشَبَهِهِ بِالْمُوَسَّعِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ قِسْمًا بِرَأْسِهِ وَسَمَّوْهُ الْمُشْكِلَ، فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا الْوَاجِبَ الْمُقَيَّدَ بِوَقْتٍ إلَى الْمُوَسَّعِ وَهُوَ مَا يَفْضُلُ عَنْهُ وَقْتُهُ وَيُسَمُّونَ وَقْتَهُ ظَرْفًا وَالْمُضَيَّقُ وَهُوَ مَا يُسَاوِيهِ وَقْتُهُ وَيُسَمُّونَ وَقْتَهُ مِعْيَارًا، أَوْ الْمُشْكِلَ وَهُوَ مَا لَا يُعْلَمُ زِيَادَتُهُ وَلَا مُسَاوَاتُهُ كَالْحَجِّ.
(قَوْلُهُ:
مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ إلَيْهَا، وَقِيلَ مِنْ أَوَّلِهَا لِاسْتِقْرَارِ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ، وَقِيلَ غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إلَى سَنَةٍ بِعَيْنِهَا.
ــ
[حاشية العطار]
وَعِصْيَانُهُ فِي الْحَجِّ) أَيْ لَا يَتَبَيَّنُ عِصْيَانُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَقَدْ اقْتَصَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ فَأَمَّا الْأَمْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْعُمْرِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ فِيهِ أَنَّ مِنْ آخِرِهِ لَا يَقْطَعُ الْقَوْلَ فِيهِ بِنَفْيِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَلَا يُطْلَقُ ذَلِكَ إلَّا مَشْرُوطًا فَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْحَجِّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مِنْ أَوَّلِ سَنَةِ الِاسْتِطَاعَةِ وَعَلَيْهِ لَوْ أَخَّرَ الْحَظْرَ فِي التَّعَرُّضِ لِلْمَأْثَمِ وَالْخَوْفُ فِي نَفْسِهِ أَلَمٌ نَاجِزٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ انْبَسَطَتْ الْمَعْصِيَةُ عَلَى جَمِيعِ سِنِي الْإِمْكَانِ اهـ.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ بَيْنَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ مِنْ سِنِي الْإِمْكَانِ، فَإِنْ حَكَمَ بِعِصْيَانِهِ مِنْ الْأَخِيرَةِ لَمْ يُنْتَقَضْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِحَالٍ، وَإِنْ عَصَيْنَاهُ مِنْ الْأُولَى فَفِي نَقْضِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي لَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ لَمْ يَسَعْهُ مِنْ آخِرِهَا اهـ. زَكَرِيَّا
وَآخِرُ وَصْفٍ لِعَامٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مِنْ عَامِ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَلَوْ كَانَ وَصْفًا لِسَنَةٍ لَقَالَ أُخْرَى وَسِنِي الْإِمْكَانِ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ لَا بِتَشْدِيدِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ سِنِينَ حُذِفَتْ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ.
(غَرِيبَةٌ) اطَّلَعْت عَلَى مُؤَلَّفَيْنِ عَظِيمَيْنِ كَبِيرَيْ الْحَجْمِ جِدًّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِدَّةُ مُجَلَّدَاتٍ ضَخْمَةٍ بِالْخُطُوطِ الْقَدِيمَةِ ظَفِرْت بِهِمَا حِينَ اطِّلَاعِي عَلَى الْخِزَانَةِ الْمُؤَيِّدِيَّةِ، وَهُمَا لِلْعَلَّامَةِ الْمُجْتَهِدِ حَافِظِ الْأَنْدَلُسِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى بِالْأَحْكَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ فِي أُصُولِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي بِالْمُحَلَّى فِي الْفُرُوعِ وَوَجَدْت فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُخَالَفَاتٍ كَثِيرَةً لِمَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.
وَقَدْ أَطَالَ الْقَوْلَ عِنْدَ مَوْضِعِ الْمُخَالَفَةِ لِغَيْرِهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ وَلَا بِشَأْنِ الْأَرْبَعَةِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَغَالِبُ مَا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ الْأَخْذُ بِظَوَاهِر الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعَ الْبَيَانِ الْفَصِيحِ الَّذِي لَا يُسْتَنْكَرُ مِثْلُهُ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، فَإِنَّهُمْ السَّابِقُونَ فِي مَيْدَانِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِهِمْ، فَمَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَا لَخَّصْته مِنْ كَلَامٍ طَوِيلٍ ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُرْتَبِطَ بِوَقْتٍ لَا فُسْحَةَ فِيهِ غَيْرُ جَائِزٍ تَعْجِيلُ أَدَائِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَلَا تَأْخِيرُهُ عَنْهُ كَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنْ جَاءَ نَصٌّ بِالتَّعْوِيضِ عَنْهُ وَأَدَائِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ وُقِفَ عِنْدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ عَمَلًا آخَرَ مَأْمُورًا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدَّى شَيْءٌ مِنْهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ مُرْتَبِطٍ بِوَقْتٍ مَحْدُودِ الطَّرَفَيْنِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى فَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَلَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ وَمَنْ شَبَّهَ ذَلِكَ بِدُيُونِ الْآدَمِيِّينَ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَ صِيَامَ رَمَضَانَ فِي شَعْبَانَ وَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْوَقْتَ مِيزَانٌ لِلْعَمَلِ وَأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل وَرَسُولِهِ