المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مسألة يجوز التكليف بالمحال مطلقا) : - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ١

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

- ‌ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ

- ‌[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[تَعْرِيفِ السَّبَب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْقَضَاء]

- ‌[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْعِلْم]

- ‌[تَعْرِيف الْجَهْل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

- ‌[مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) :

- ‌(مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) :

- ‌(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

- ‌(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ

- ‌[مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) :

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ:

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ]

- ‌(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً

- ‌الْمَجَازُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]

- ‌(الْحُرُوفُ)

- ‌(الْأَمْرُ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ]

- ‌(النَّهْيُ)

- ‌(الْعَامِّ)

الفصل: ‌(مسألة يجوز التكليف بالمحال مطلقا) :

فِيهِ مَا يَصْدُقُ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ وَبِانْتِفَائِهِ لِقَوْلِ إمَامِهِ لَمَّا سَأَلَهُ هُوَ أَوَّلًا عَنْ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ هُنَا أَنْ لَا حُكْمَ عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ اخْتَارَ فِي بَابِ الصَّيْدِ مِنْ النِّهَايَةِ الْمَقَالَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّالِثَةِ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ كُفْأَهُ عَنْ غَيْرِ الْكُفْءِ كَالْكَافِرِ فَيَجِبُ الِانْتِقَالُ عَنْ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً.

(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُحَالًا لِذَاتِهِ أَيْ مُمْتَنِعًا عَادَةً وَعَقْلًا

ــ

[حاشية العطار]

آخَرَ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ، فَمِمَّا لَا يُجْدِي نَفْعًا بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عَنْ حُكْمٍ) سَلْبٌ كُلِّيٌّ وَهُوَ سَلْبُ سَلْبٍ فَيَرْجِعُ لِلْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ أَيْ لِلَّهِ كُلُّ وَاقِعَةٍ فِي حُكْمٍ.

(قَوْلُهُ: مَا يُصَدَّقُ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ) مِنْ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ وَقَوْلُهُ: وَبِانْتِفَائِهِ يَعْنِي بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ: إمَامِهِ إلَخْ عِلَّةٌ لِكَوْنِ مُرَادِهِمَا مَا مَرَّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ حُكْمُ اللَّهِ لَا حُكْمَ أَيْ فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا وَقَوْلُهُ: لَا تَخْلُو وَاقِعَةٌ عَنْ حُكْمٍ أَيْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ عِلْمِنَا بِالْأَحْكَامِ وَبَيْنَ عِلْمِهِ سبحانه وتعالى حَتَّى نَنْفِيَ حُكْمَهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ عِنْدَ عَجْزِنَا عَنْ إدْرَاكِ الْحُكْمِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: حُكْمُ اللَّهِ هُنَا أَنْ لَا حُكْمَ) اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ لَا حُكْمَ عَارِضٌ لِلْحُكْمِ إذْ هُوَ انْتِفَاؤُهُ وَعَيْنُ الْحُكْمِ إذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِهُوَ هُوَ فِي قَوْلِهِ: الْحُكْمُ أَنْ لَا حُكْمَ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْحُكْمَ عَارِضٌ لِنَفْسِهِ وَمَعْرُوضٌ لَهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنَّ الشَّيْءَ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِزَاءِ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: خَاصٌّ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُتَعَارَفُ وَالْآخَرُ عَامٌّ وَهُوَ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ بِالْمَعْنَى.

الثَّانِي: عَارِضًا لَهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. نَاصِرٌ.

وَعَنِيَ بِقَوْلِهِ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا هُوَ مَا كَتَبَهُ عَلَى قَوْلِهِ مَا يُصَدَّقُ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ وَبِانْتِفَائِهِ هُوَ مَا يُدْرَكُ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْوَاقِعِ، وَهَذَا صَادِقٌ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَارَفِ وَأَقْسَامِهِ وَبِثُبُوتِهَا وَانْتِفَائِهَا فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الْمَحْكُومِ بِهِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْغَزَالِيَّ، وَهَذَا اسْتِظْهَارٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِالْحُكْمِ إلَخْ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ لَا اسْتِظْهَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَ وَالْوَجْهُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فَهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا مِنْ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورَةِ.

(قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِ الْكُفُؤِ) قَدْ يُقَالُ بَلْ غَيْرُ الْكُفُؤِ الْمُحْتَرَمِ كَالْكُفُؤِ لِيُوَافِقَ مَا قَالُوا فِيمَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ وَخِيفَ مِنْهُ الْمَوْتُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ لَمْ يَلْقَ غَيْرُ الْكُفُؤِ لِلْكُفُؤِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ السَّاقِطَ بَعْدَ سُقُوطِهِ مِفْطَارِ إلَى ارْتِكَابِ إحْدَى مَفْسَدَتَيْنِ فَأُمِرَ بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا بِخِلَافِ طَالِبِ الْإِلْقَاءِ، ثُمَّ لَيْسَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ بَلْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ إلَى تَرْكِهِ فَيَسْلَمُ مَنْ فِي السَّفِينَةِ أَوْ يَمُوتُ بِالْغَرَقِ شَهِيدًا اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: أَخَفُّ مَفْسَدَةً) أَوْ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرُ الْكُفُؤِ حَرْبِيًّا أَوْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ السَّاقِطُ قَتْلَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ.

[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا]

(قَوْلُهُ: يَجُوزُ التَّكْلِيفُ) أَيْ يَجُوزُ عَقْلًا تَعَلُّقُ الطَّلَبِ النَّفْسِيِّ بِإِيجَادِهِ كَغَيْرِهِ وَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ التَّكْلِيفُ الْمُحَالُ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ يَرْجِعُ لِمُحَالِيَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالثَّانِي لِمُحَالِيَةِ التَّكْلِيفِ كَتَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ وَقَضِيَّةُ التَّغْبِيرِ بِالتَّكْلِيفِ اخْتِصَاصُ الْخِلَافِ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَبْعُدُ جَرَيَانُهُ فِي النَّدْبِ، وَهَلْ يَتَصَوَّرُ فِي الْحَرَامِ وَالْكَرَاهَةِ بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ تَرْكَ مَا يَسْتَحِيلُ تَرْكُهُ طَلَبًا جَازِمًا أَوْ غَيْرَ جَازِمٍ كَأَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْمُكْثِ تَحْتَ السَّمَاءِ فِيهِ تَوَقُّفٌ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْوُجُوبِ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ قِيلَ الْمُحَالُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يُكَلَّفُ بِهِ فَالْمُحَالُ لَا يُكَلَّفُ بِهِ أَمَّا الْكُبْرَى فَلِأَنَّ عِلْمَ الْمُكَلَّفِ بِالْمُكَلَّفِ بِهِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ.

وَأَمَّا الصُّغْرَى فَلِأَنَّ كُلَّ مُتَصَوَّرٍ مُتَمَيِّزٌ وَكُلُّ مُتَمَيِّزٍ ثَابِتٌ فَكُلُّ مُتَصَوِّرٍ ثَابِتٌ وَيَنْعَكِسُ بِعَكْسِ النَّقِيضِ إلَى قَوْلِنَا مَا لَا يَكُونُ ثَابِتًا لَا يَكُونُ مُتَصَوَّرًا وَالْمُعَارَضَةُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ امْتَنَعَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِحَالَةِ لَكِنْ نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهَا فَهُوَ مُتَصَوَّرٌ أَلَّا تُفِيدَ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْخَصْمِ لَيْسَ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ صُدُورَ الْمُحَالِ فِي الْخَارِجِ مُحَالٌ فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَنْعُ الْكُبْرَى بِإِنَّهَا مَحَلُّ النِّزَاعِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ مُمْتَنِعًا عَادَةً وَعَقْلًا) أَقْسَامُ الْمُحَالِ أَرْبَعَةٌ: الْمُحَالُ لِذَاتِهِ وَهُوَ مَا امْتَنَعَ لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَالْمُحَالُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا امْتَنَعَ لَا لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ فِي ذَاتِهِ وَنَفْسِ مَفْهُومِهِ وَتَحْتَهُ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ مَا امْتَنَعَ لِكَوْنِهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ لَا عَقْلًا وَلَا عَادَةً كَخَلْقِ الْأَجْسَامِ أَمَّا الِاسْتِحَالَةُ عَادَةً

ص: 269

كَالْجَمْعِ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ أَمْ لِغَيْرِهِ أَيْ مُمْتَنِعًا عَادَةً لَا عَقْلًا كَالْمَشْيِ مِنْ الزَّمَنِ وَالطَّيَرَانِ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ عَقْلًا لَا عَادَةً كَالْإِيمَانِ لِمَنْ عَلِمَ اللَّهَ، أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ (وَمَنَعَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ) الْإسْفَرايِينِيّ (وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مَا) أَيْ الْمُحَالَ الَّذِي (لَيْسَ مُمْتَنِعًا لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ) أَيْ مَنَعُوا الْمُمْتَنِعَ لِغَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ لِظُهُورِ امْتِنَاعِهِ لِلْمُكَلَّفَيْنِ لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ مِنْهُمْ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ اخْتِبَارُهُمْ هَلْ يَأْخُذُونَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ أَوَّلًا فَالْعِقَابُ أَمَّا الْمُمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ اتِّفَاقًا (وَ) مَنَعَ (مُعْتَزِلَةُ بَغْدَادَ وَالْآمِدِيُّ) الْمُحَالَ لِذَاتِهِ دُونَ الْمُحَالِ لِغَيْرِهِ.

(وَ) مَنَعَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَوْنَهُ) أَيْ الْمُحَالِ يَعْنِي لِغَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ لِمَا سَبَقَ (مَطْلُوبًا) أَيْ مَنَعَ طَلَبَهُ مِنْ قِبَلِ

ــ

[حاشية العطار]

فَظَاهِرَةٌ.

وَأَمَّا عَقْلًا فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ خَلْقُهَا لَكَانَ الشَّرِيكُ جَائِزًا عَقْلًا كَذَا قَالُوا وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ أَوْ عَادَةٍ فَقَطْ كَالطَّيَرَانِ لِلسَّمَا أَوْ عَقْلًا لَا عَادَةً وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الشَّارِحِ مِنْ عِدَّةٍ مِنْ أَقْسَامِ الْمُحَالِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ وَالشَّارِحُ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَلَعَلَّهُ أَدْرَجَ الْأَوَّلَ تَحْتَ الْمُمْتَنِعِ الذَّاتِيِّ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لِمُخَالِفَتِهِ الِاصْطِلَاحَ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِمَا امْتَنَعَ لِنَفْسِ مَفْهُومِهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ عَقْلًا لَا عَادَةً) كَالْإِيمَانِ مِمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يُحِيلُ إيمَانَهُ لِاسْتِلْزَامِهِ انْقِلَابَ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ جَهْلًا وَلَوْ سُئِلَ عَنْهُ أَهْلُ الْعَادَةِ لَمْ يُحِيلُوا إيمَانَهُ، كَذَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَجَمَاعَةٍ، وَاَلَّذِي قَالَ الْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمُحَالِ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُمْكِنٍ عَادَةً مُمْكِنٌ عَقْلًا وَلَا يَنْعَكِسُ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ الْعَرَضِيَّةَ لَا تُنَافِي الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ فَالِاسْتِحَالَةُ عَارِضَةٌ بِاعْتِبَارِ مُلَاحَظَةِ لُزُومِ انْقِلَابِ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ جَهْلًا، وَهَذَا مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ عَقْلِيٍّ لَا مَدْخَلَ لِلْعَادَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ فِيهَا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ دُونَ شَيْءٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَنَعُوا الْمُمْتَنِعَ لِغَيْرِ تَعَلُّقٍ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِظَاهِرِ الْمَتْنِ وَإِلَّا فَالْمَمْنُوعُ حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ التَّكْلِيفُ بِذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: لَا فَائِدَةَ فِي طَلَبِهِ مِنْهُمْ) أَيْ لَا حِكْمَةَ فِيهِ وَأَفْعَالُهُ تَعَالَى لَا تَخْلُو عَنْ الْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِتَعْلِيلِ أَفْعَالِهِ تَعَالَى بِالْأَغْرَاضِ فَالْمُرَادُ بِالْفَائِدَةِ الْغَرَضُ.

(قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) هَذَا الْجَوَابُ عَلَى طَرِيقِ التَّنَزُّلِ أَيْ بَعْدَ تَسْلِيمِ لُزُومِ الْفَائِدَةِ وَإِلَّا فَقَدْ يُمْنَعُ لُزُومُهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ عَلَى أَنَّنَا لَوْ سَلَّمْنَا فَلَا ظُهُورَهَا لَنَا.

(قَوْلُهُ: هَلْ يَأْخُذُونَ) أَوْرَدَ أَنَّهُ كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ ظُهُورِ امْتِنَاعِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ تَجْوِيزًا لِخَرْقِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ خَرْقَ الْعَوَائِدِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْمُحَالِ الْعَقْلِيِّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدِّمَاتِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ الرِّضَا وَتَوْطِينُ النَّفْسِ.

(قَوْلُهُ: دُونَ الْمُحَالِ لِغَيْرِهِ) أَيْ بِقِسْمَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الشَّرْحِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحَالُ) لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إلَى الْمُحَالِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ جَرَى الشَّارِحُ أَوَّلًا عَلَى هَذَا الْمُتَبَادَرِ مُعَبِّرًا بِأَيْ لِتَبَادُرِهِ فَقَالَ أَيْ الْمُحَالُ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ الْمُحَالُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِغَيْرِ تَعَلُّقٍ بَيَّنَ الشَّارِحُ الْمُرَادِ مُعَبِّرًا بِيَعْنِي لِخَفَائِهِ وَعَلَّلَ هَذِهِ الْعِنَايَةَ بِقَوْلِهِ لِمَا سَبَقَ أَيْ مِنْ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْمُمْتَنِعِ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: مِنْ قِبَلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْعِ وَضَمِيرُ نَفْسِهِ يَعُودُ لِلْمُحَالِ أَيْ مَنْعُهُ مِنْ قِبَلِ

ص: 270

نَفْسِهِ أَيْ لِاسْتِحَالَتِهِ فَهِيَ عِنْدَهُ مَانِعَةٌ مِنْ طَلَبِهِ بِخِلَافِهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَاخْتَلَفَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَأْخَذًا لَا حُكْمًا (لَا وُرُودَ صِيغَةِ الطَّلَبِ) لَهُ لِغَيْرِ طَلَبِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ الْإِمَامُ كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] وَالْإِمَامُ رَدَّ بِمَا قَالَهُ فِيمَا نُسِبَ إلَى الْأَشْعَرِيِّ مِنْ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ بِشِقَّيْهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَذَكَرَ الْإِمَامَ مَعَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَاتَتْهُ الْإِشَارَةُ إلَى اخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ الْمَقْصُودِ لَهُ (وَالْحَقُّ وُقُوعُ الْمُمْتَنِعِ بِالْغَيْرِ لَا بِالذَّاتِ) .

أَمَّا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى كَلَّفَ الثَّقَلَيْنِ بِالْإِيمَانِ وَقَالَ {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] فَامْتَنَعَ إيمَانُ أَكْثَرِهِمْ لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَذَلِكَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا عَدَمُ وُقُوعِهِ

ــ

[حاشية العطار]

نَفْسِهِ أَيْ الْحُكْمُ بِالِامْتِنَاعِ كَائِنٌ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِطَلَبِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ الطَّلَبُ الْكَائِنُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي) أَيْ الْمَنْقُولِ عَنْ أَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ الْمَانِعَةَ مِنْ الطَّلَبِ بَلْ الْمَانِعُ مِنْ طَلَبِهِ عَدَمُ الْفَائِدَةِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ.

قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] الْأَوْلَى التَّثْمِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِهَانَةِ لَا لِلتَّكْوِينِ وَالْآيَةُ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا الْأَمْرُ فِيهَا لِلتَّكْوِينِ، فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ كَانُوا هُمْ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا نَفَوْا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ عَنْ اللَّهِ جَعَلُوا هَذَا مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ.

(قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ رَدَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: نَقَلَ الرُّوَاةُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ، ثُمَّ نَقَلُوا اخْتِلَافًا عَنْهُ فِي وُقُوعِ مَا جَوَّزَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا سُوءُ مَعْرِفَةٍ بِمَذْهَبِ الرَّجُلِ، فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَنَّ التَّكَالِيفَ كُلَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى خِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَهَذَا يَتَقَرَّرُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ عِنْدَهُ لَا تَتَقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْأَمْرَ بِالْفِعْلِ يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَاقِعٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَبْدُ مُطَالَبٌ بِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ رَبِّهِ وَلَا يُنَجِّي مِنْ ذَلِكَ تَمْوِيهُ الْمُمَوِّهِ بِذِكْرِ الْكَسْبِ، فَإِنَّا سَنَذْكُرُ سِرَّ مَا نَعْتَقِدُهُ فِي خَلْقِ الْأَعْمَالِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ فِي تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ قُلْنَا: إنْ أُرِيدَ بِالتَّكْلِيفِ طَلَبُ الْفِعْلِ فَهُوَ فِيمَا لَا يُطَاقُ مُحَالٌ مِنْ الْعَالِمِ بِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وُرُودُ الصِّيغَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ طَلَبًا كَقَوْلِهِ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ كَوْنُهُمْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَكَانُوا كَمَا أَرَدْنَاهُمْ اهـ.

فَهَذَا الْكَلَامُ صَرِيحٌ كَمَا تَرَى فِي أَنَّ التَّرْدِيدَ هُوَ مُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ تَأْوِيلًا لِكَلَامِ الْأَشْعَرِيِّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ رَدَّدَ بِمَا قَالَهُ إلَخْ يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الْحَوَاشِي لِذَلِكَ فَتَبَصَّرْ.

(قَوْلُهُ: فَحَكَاهُ) أَيْ حَكَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَقَوْلُهُ: بِشِقَّيْهِ الشِّقُّ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: كَوْنُهُ مَطْلُوبًا وَالثَّانِي وُرُودُ صِيغَةِ النَّهْيِ.

(قَوْلُهُ: الْمَأْخَذِ) بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَالْمَقْصُودُ بِالرَّفْعِ صِفَةً لِلْإِشَارَةِ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْأَوَّلِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فِي مَقَامَيْنِ:

الْأَوَّلُ: فِي جَوَازِهِ عَقْلًا، وَقَدْ انْتَهَى.

وَالثَّانِي: فِي وُقُوعِهِ.

وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَحْكِيَّةٌ فِي الشَّرْحِ وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ مِنْهَا وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ لَا بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ وَالْمُمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ قِسْمَانِ كَمَا مَرَّ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى وُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمُتَّبَعُ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ.

وَقَدْ مَرَّ أَنَّ وُقُوعَ

ص: 271

بِالثَّانِي فَلِلِاسْتِقْرَاءِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وُقُوعُهُ بِالثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِقَوْلِهِ مَثَلًا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] كَأَبِي جَهْلٍ وَلَهَبٍ وَغَيْرِهِمَا مُكَلَّفٌ فِي جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَيْ لَا يُصَدِّقُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِتَصْدِيقِهِ فِي خَبَرِهِ عَنْ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ وَفِي هَذَا التَّصْدِيقِ تَنَاقُضٌ حَيْثُ اشْتَمَلَ عَلَى إثْبَاتِ التَّصْدِيقِ فِي شَيْءٍ وَنَفْيِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ مِنْ الْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ

ــ

[حاشية العطار]

التَّكْلِيفِ بِهِ مَحَلُّ وِفَاقٍ فَمَوْضِعُ النِّزَاعِ هُوَ الْقِسْمُ الْآخَرُ أَعْنِي الْمُمْتَنِعَ عَادَةً لَا عَقْلًا، وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَوْضِعِ النِّزَاعِ قَالَهُ الْكَمَالُ.

وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ قَدْ يَدُلُّ لَهُ مَا أَفْهَمَ دَلِيلُ وُقُوعِهِ بِالْمُمْتَنِعِ بِالذَّاتِ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى وُقُوعِ الْمُمْتَنِعِ بِالذَّاتِ فَعَلَى وُقُوعِ الْمُمْتَنِعِ بِالْغَيْرِ بِالْأَوْلَى انْتَهَى وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ مُحَصِّلَ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ تَامِّ التَّقْرِيبِ فَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ خُرُوجٌ عَنْ سُنَنِ التَّوْجِيهِ، وَنَاقَشَهُ سم أَيْضًا بِمُنَاقَشَةٍ ضَعِيفَةٍ هِيَ أَيْضًا خَارِجَةٌ عَنْ قَانُونِ التَّوْجِيهِ وَمَا أَجَابَ بِهِ زَاعِمًا حُسْنَهُ بِأَنَّ الشَّارِحَ أَثْبَتَ بَعْضَ مُدَّعِي الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ وِفَاقٍ تَرَكَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ وَلَهُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَخْدُوشٌ بِأَنَّ مَحَلَّ الْوِفَاقِ غَنِيٌّ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ، وَدَعْوَى أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَمَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ نَافِعٍ فِي جَوَابِ مَنْعِ التَّقْرِيبِ إخْبَارٌ بِغَيْرِ مَعْلُومٍ، وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ بِفَنِّ الْمُنَاظَرَةِ، وَتَعَرُّضُنَا لِبَيَانِهِ يَقْتَضِي بِنَا إلَى التَّطْوِيلِ هَذَا وَالْحَقُّ مَا أَفَادَهُ النَّاصِرُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْقِسْمِ الذَّاتِيِّ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَبِالْقِسْمِ الرَّابِعِ جَائِزٌ وَوَاقِعٌ اتِّفَاقًا وَبِالْقِسْمَيْنِ الْأَوْسَطَيْنِ جَائِزٌ غَيْرَ وَاقِعٍ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُصَنِّفِ عَلَى جَوَازِ الْجَمِيعِ وَوُقُوعِ غَيْرِ الذَّاتِيِّ اهـ.

وَمُرَادُهُ بِالْقِسْمَيْنِ الْأَوْسَطَيْنِ مَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ لَا عَقْلًا وَلَا عَادَةً وَمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ عَادَةً فَقَطْ الْكُورَانِيُّ وَجَعَلَهُمَا قِسْمًا وَاحِدًا فَقَالَ مُعْتَرِضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ: إنَّ قَوْلَهُ وَالْحَقُّ لَيْسَ بِحَقِّ؛ لِأَنَّ قِسْمًا مِنْ الْمُمْتَنِعِ بِالْغَيْرِ وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ مُتَعَلِّقَ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ أَصْلًا كَخَلْقِ الْأَجْسَامِ أَوْ عَادَةً كَالطَّيَرَانِ إلَى السَّمَاءِ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُقُوعِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُمْكِنًا فِي ذَاتِهِ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ النَّاصِرِ فَقَوْلُ سم أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مِنْ مِثْلِ الْكُورَانِيِّ مَعَ ضَعْفِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ مِمَّا لَا الْتِفَاتِ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ، وَالْمُنَاسِبُ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى الْكُورَانِيِّ أَنْ يَذْكُرَ نَقْلًا عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِ يُوَافِقُ الْمُصَنِّفَ وَإِلَّا فَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي تَكَرَّرَ وُقُوعُهُ مِنْهُ كَثِيرًا لَا يُجْدِي نَفْعًا وَهَبْ أَنَّ الْكُورَانِيَّ ضَعِيفُ الِاطِّلَاعِ وَالْمُصَنِّفَ وَسِعَهُ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يَطَّلِعَ الضَّعِيفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْقَوِيُّ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَحْجِيرٌ فِي مَوَاهِبِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَكَمْ تَرَكَ الْأَوَّلُ لِلْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي نَقْلٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ يُؤَيِّدُ اعْتِرَاضَ الْكُورَانِيِّ وَتَحْقِيقَ النَّاصِرِ (قَوْلُهُ: بِالثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلتَّكْلِيفِ، وَفِيهِ إعْمَالُ ضَمِيرِ الْمَصْدَرِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ

وَمَا الْحَرْبُ إلَّا مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُمُو

وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ الْمُرَجَّمِ

وَيُمْكِنُ تَعْلِيقُهُ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ أَيْ مُلْتَبِسًا بِالثَّانِي أَوْ مُتَعَلِّقًا بِالثَّانِي.

(قَوْلُهُ: لِلِاسْتِقْرَاءِ) إنَّمَا اسْتَدَلَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي نَفْيِ وُقُوعِ الْجَائِزِ إذْ لَوْ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ عَقْلِيٌّ لَكَانَ مُمْتَنِعًا لَا جَائِزًا اهـ. نَاصِرٌ.

قَالَ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالنَّاقِصُ لَا يُفِيدُ وَأَجَابَ الْجَارْبُرْدِيُّ بِأَنَّهُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَرَدَّهُ الْخُجَنْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةً، قَالَ: وَادَّعَى بَعْضٌ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَحِينَئِذٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاسْتِقْرَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الِاسْتِقْرَاءُ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ.

(قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَيْ الْمُقَابِلُ هُوَ وَالثَّالِثُ لِلْقَوْلِ وَالْحَقُّ وَقَوْلُهُ: أَيْضًا أَيْ كَمَا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُصَدِّقُ النَّبِيَّ فِي شَيْءٍ) حَمَلَهُ عَلَى السَّلْبِ الْكُلِّيِّ لِيَتَأَتَّى لَهُ دَعْوَى التَّنَاقُضِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا التَّصْدِيقِ) أَيْ تَصْدِيقِهِ فِي خَبَرِهِ عَنْ اللَّهِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ اشْتَمَلَ) حَيْثِيَّةُ تَعْلِيلٍ.

(قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ) وَهُوَ إخْبَارُهُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ

ص: 272

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لَمْ يَقْصِدْ إبْلَاغَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُكَلَّفَ بِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إبْلَاغَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَإِعْلَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِ لِيَيْأَسَ مِنْ إيمَانِهِ كَمَا قِيلَ لِنُوحٍ عليه السلام {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36] فَتَكْلِيفُهُ بِالْإِيمَانِ مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ وَالثَّالِثُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ عَدَمُ وُقُوعِهِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا فِي الْمُمْتَنِعِ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَالْمُمْتَنِعُ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ فِي وُسْعِ الْمُكَلَّفِينَ ظَاهِرًا.

(مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ) مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى (أَنَّ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَنَفْيِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ) وَهُوَ مُتَعَلِّقُ إيمَانِهِ، وَهَذَا سَالِبُهُ كُلِّيَّةً وَهِيَ تَنَاقُضُ الْمُوجَبَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ الْعَضُدُ عَلَى أَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ بِأَنَّ تَصْدِيقَهُ فِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ مُحَالٌ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ وَمَا يَكُونُ وُجُودُهُ مُسْتَلْزِمًا لِعَدَمِهِ فَهُوَ مُحَالٌ وَبَيَّنَ التَّفْتَازَانِيُّ وَجْهَ الِاسْتِلْزَامِ بِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ فِي هَذَا الْإِخْبَارِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ بِالتَّصْدِيقِ فَقَدْ عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ صَدَّقَهُ وَجَزَمَ بِذَلِكَ، وَهَذَا حُكْمٌ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُهُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا وَهُوَ مَعْنَى تَكْذِبِيهِ عَدَمَ تَصْدِيقِهِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَقْصِدْ إبْلَاغَهُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا كُلِّفَ بِالْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرَادَةِ تَبْلِيغِ الْمُخَاطَبِ وَبُلُوغِهِ مَا خُوطِبَ بِهِ اهـ. كَمَالٌ.

وَيَلْزَمُ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ اخْتِلَافُ الْإِيمَانِ بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِينَ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى مِنْهَا إنَّمَا نَمْنَعُ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ وَنَحْوَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ أُمِرَ بِالْإِيمَانِ بَعْدَمَا أُنْزِلَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ سَبَقَ الْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِتَصْدِيقِهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَقَوْلُكُمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِأَنْ يُصَدِّقَ أَنَّهُ لَا يُصَدِّقُ إنْ أَرَدْتُمْ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِالتَّصْدِيقِ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ عَلَى التَّعْيِينِ وَالْمُشَافَهَةِ لَهُ بِأَنْ يُخَاطَبَ أَنْ آمِنْ بِأَنَّك لَا تُؤْمِنُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ كَوْنَهُ مُكَلَّفًا بِذَلِكَ التَّعْيِينِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْإِجْمَالِيِّ بِالِانْدِرَاجِ فِي التَّصْدِيقِ الْكُلِّيِّ بِحَقِيقَةِ جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُؤْمِنَ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كُلِّفَ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ كَمَا إذَا صَدَّقَ زَيْدٌ عَمْرًا فِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي جَمِيعِ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا لَا يُصَدِّقُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ زَيْدٌ ذَلِكَ عَلَى التَّعْيِينِ كَانَ زَيْدٌ مُصَدِّقًا لَهُ فِي ذَلِكَ الْإِخْبَارِ أَيْضًا تَصْدِيقًا انْدِرَاجِيًّا لَا تَفْصِيلِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مُصَدِّقًا لَهُ حَتَّى يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ جَوَابِ الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: دَفْعًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَقْصِدْ وَقَوْلُهُ: لِلتَّنَاقُضِ أَيْ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ لِنُوحٍ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَصْدُ إعْلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ الْقَوْمِ أَظْهَرُ فِي قِصَّةِ نُوحٍ جُعِلَ مُشَبَّهًا بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ أَيْ لَا مِنْ التَّكْلِيفِ بِالْمُمْتَنِعِ لِذَاتِهِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ هَذَا الْقَبِيلِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ) صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِقِسْمَيْ الْمُمْتَنِعِ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي

ص: 273