الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذَكَرَ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَ نَفْلُهُ وَفَرْضُهُ سَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرَ فَالنِّيَّةُ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ غَيْرِهَا فِي فَرْضِهِمَا وَالْكَفَّارَةُ فِي فَرْضِ الصَّوْمِ بِشَرْطِهِ دُونَ نَفْلِهِ وَدُونَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَبِفَسَادِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يَحْصُلُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا مُطْلَقًا فَفَارَقَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ غَيْرَهُمَا مِنْ بَاقِي الْمَنْدُوبِ فِي وُجُوبِ تَمَامِهِمَا لِمُشَابِهَتِهِمَا لِفَرْضِهِمَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَالسَّبَبُ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ) كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى زَادَ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ قَوْلُهُ (لِلتَّعَلُّقِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ (بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ) مُعَرِّفٌ (لِلْحُكْمِ أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مُعَرِّفٍ لَهُ أَيْ مُؤَثِّرٍ فِيهِ بِذَاتِهِ أَوْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بَاعِثٌ عَلَيْهِ الْأَقْوَالُ الْآتِيَةُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ.
ــ
[حاشية العطار]
مَقْصُودٌ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ كَالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ) يَعْنِي مِنْ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّ نَفْلَهَا كَفَرْضِهَا نِيَّةً وَكَفَّارَةً وَغَيْرَهُمَا.
(قَوْلُهُ: لِمُشَابَهَتِهِمَا لِفَرْضِهِمَا) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْحُكْمِ لِلْمُشَابَهَةِ إنَّمَا يَصِحُّ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي عِلَّتِهِ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي حَدِّ الْقِيَاسِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ عِلَّةً لِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ فِي الْفَرْضِ وَلَا مِنْ مُوجِبَاتِ عِلَّتِهِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ مَا يُجْمَعُ فِيهِ بِلَازِمِ الْعِلَّةِ أَوْ أَثَرِهَا أَوْ حُكْمِهَا إذْ عِلَّةُ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ فِي فَرْضِ الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ فَرْضًا وَهُوَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا لَتَبِعَتْهُ حَيْثُ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ قَالَ سم وَهُوَ بَحْثٌ قَوِيٌّ طَالَمَا ظَهَرَ لَنَا قَبْلَ اطِّلَاعِنَا عَلَى إبْدَاءِ شَيْخِنَا إيَّاهُ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ الَّذِي أَشَارَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ فَرْعُ تَرَدُّدٍ بَيْنَ أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فَرْضُهُ. وَالْآخَرُ: نَفْلُ غَيْرِهِ. فَأُلْحِقَ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهًا وَهُوَ فَرْضُ الْحَجِّ.
[تَعْرِيفِ السَّبَب]
(قَوْلُهُ: وَالسَّبَبُ) الـ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ لَكِنْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُتَعَلَّقَ خِطَابِ الْوَضْعِ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ مُطْلَقِ السَّبَبِ وَأَخَوَاتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الشَّرْطِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ الْكُورَانِيَّ بَحَثَ فِي تَرْتِيبِ الْمَتْنِ وَرَدِّهِ سم وَكَلَامُهُمَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي صَرْفُ الْعِنَايَةِ إلَى أَمْثَالِهِ فَإِنَّهَا أَبَدًا مُنَاسِبَاتٌ لَوْ سَلَكَ غَيْرُ مَا الْتَمَسَتْ لَهُ أَتَى بِمُنَاسِبَاتٍ غَيْرِهَا وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ عَظِيمُ فَائِدَةٍ (قَوْلُهُ: لِبَيَانِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ) أَيْ لِبَيَانِ سَبَبِهَا الَّذِي هِيَ مِنْ قَبْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلتَّعَلُّقِ مِنْ حَيْثُ إلَخْ فَقَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّعَلُّقِ يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ التَّعَلُّقُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَلَوْلَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَكَانَ الْحَجُّ غَيْرَ مُطَّرَدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ بِهَا كَمَا يُقَالُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ مَثَلًا وَحُرْمَةُ الزِّنَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحُكْمَ أُضِيفَ إلَى هَذِهِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّهَا مَعْرُوضَةٌ لَهُ لَا يُقَالُ يَكْفِي فِي بَيَانِ جِهَةِ الْإِضَافَةِ، وَتَصْحِيحُ الْحَدِّ أَنْ يُقَالَ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَرَّفٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ لِلتَّعَلُّقِ لِإِغْنَاءِ قَيْدِ الْحَيْثِيَّةِ عَنْهُ لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ مَا لَيْسَ فِي حَذْفِهِ.
(قَوْلُهُ: مُؤَثِّرٌ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْغَيْرِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ بِذَاتِهِ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَبِأَنَّهُ مُؤَثِّرٌ بِإِذْنِ اللَّهِ لِلْغَزَالِيِّ وَبِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَيْهِ لِلْآمِدِيِّ فَالْأَقْوَالُ أَرْبَعَةٌ وَمَا فِي الْمَتْنِ لِجُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ فَلَا يُؤَثِّر فِيهِ السَّبَبُ الْحَادِثُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّأْثِيرَ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ وَهُوَ حَادِثٌ.
(قَوْلُهُ: الْأَقْوَالُ) مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَيْ فِيهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْآتِيَةُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فِي مَبْحَثِهَا وَقَوْلُهُ مَعْزُوًّا أَوَّلُهَا إلَخْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْآتِيَةِ وَأَوَّلُهَا هُوَ الْمَذْكُورُ
أَيْ حَيْثُمَا أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ مَعْزُوٍّ أَوَّلُهَا لِأَهْلِ الْحَقِّ وَتَعَرَّضَ لَهَا هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا بِالسَّبَبِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ كَالزِّنَا لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَإِضَافَةِ الْأَحْكَامِ إلَيْهَا كَمَا يُقَالُ يَجِبُ الْجَلْدُ بِالزِّنَا وَالظُّهْرُ بِالزَّوَالِ وَتَحْرُمُ الْخَمْرُ لِلْإِسْكَارِ
ــ
[حاشية العطار]
فِي الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُمَا أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ) أَيْ فِي كَلَامِ أَهْلِ الشَّرْعِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُطْلَقُ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ فِي التَّقْيِيدِ بِالْحَيْثِيَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ اخْتِلَافٌ فِيمَا هُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَهَا مِنْ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ لَا أَنَّهَا اصْطِلَاحَاتٌ مُتَخَالِفَةٌ لِقَائِلِهَا.
(قَوْلُهُ: لِأَهْلِ الْحَقِّ) إنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْحَقِّ عَقِيدَةً أُشْكِلَ مَا اقْتَضَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِخِلَافِهِ غَيْرُ أَهْلِ الْحَقِّ عَقِيدَةً وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَائِلِ بِالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَإِنْ أُرِيدَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا إشْكَالَ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي الَّذِي هُوَ الْحَقُّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ عَزَوْهُ لِأَهْلِ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهِ حَقًّا فَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَا سَيَأْتِي الَّذِي هُوَ الْحَقُّ.
(قَوْلُهُ: تَعَرَّضَ لَهَا) أَيْ بِقَوْلِهِ مُعَرِّفٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: تَنْبِيهًا) وَجْهُ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي كِلَا الْمَحَلَّيْنِ وَفِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ لِأَنَّا لَمْ نَعْرِفْ هَذِهِ الْأَقْوَالَ حَتَّى نَصِلَ إلَيْهَا فِي الْكِتَابِ الرَّابِعِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالْعِلَّةِ مِنْ الْمُعَرَّفِ أَوْ غَيْرِهِ أُخِذَ عَارِضًا لِلْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالسَّبَبِ حَيْثُ قِيلَ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِلتَّعَلُّقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُعَرَّفٌ فَكَيْفَ يَتَّحِدُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِهِمَا قَالَهُ النَّاصِرُ.
وَأَجَابَ سم بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الذَّاتَ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا هُنَا بِالسَّبَبِ هِيَ الذَّاتُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا هُنَاكَ بِالْعِلَّةِ وَأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَارِضًا لِذَاتِ السَّبَبِ هُوَ مَفْهُومُ الْعِلَّةِ لَا ذَاتُهَا اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ السُّؤَالَ أَقْوَى لِمَنْ تَدَبَّرَ.
(قَوْلُهُ: كَالزِّنَا إلَخْ) عَدَّدَ الْمِثَالَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا مُنَاسِبَةٌ لِلْحُكْمِ أَوْ لَا فَالزَّوَالُ عِلَّةٌ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ لِلْحُكْمِ وَهُوَ وُجُوبُ الظُّهْرِ إذْ الزَّوَالُ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَالزِّنَا وَالْإِسْكَارُ مُنَاسِبَانِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مِنْ جَلْدٍ أَوْ رَجْمٍ مُنَاسِبٌ لِلزِّنَا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ الْمُنَاسِبِ لَهُ الزَّجْرُ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ مُنَاسِبٌ لِلْإِسْكَارِ لِكَوْنِهِ مُزِيلًا لِلْعَقْلِ الْمُنَاسِبِ لَهُ الْمَنْعُ وَمَثَّلَ لِلْمُنَاسَبَةِ بِمِثَالَيْنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا قَائِمًا بِالْمُكَلَّفِ كَالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ كَالْإِسْكَارِ.
(قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ الْجَلْدِ) مِثَالٌ لَا قَيْدٌ لَا يُقَالُ بَلْ هُوَ قَيْدٌ لِأَنَّ عِلَّةَ الرَّجْمِ لَيْسَ مُجَرَّدَ الزِّنَا بَلْ هُوَ مَعَ الْإِحْصَانِ لِأَنَّا نَقُولُ الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِي الْعِلَّةِ لَا شَطْرٌ مِنْهَا وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْحُكْمِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَة دُونَ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْخِطَابُ السَّابِقُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ تَعَالَى إيجَابٌ وَتَحْرِيمٌ وَبِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالْفِعْلِ وُجُوبٌ وَحُرْمَةٌ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا مُخْتَلِفَانِ اعْتِبَارًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَإِضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَيْهَا) كَمَا يُقَالُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلٍ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَنَبَّهَ عَنْهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ الْإِضَافَةَ اللُّغَوِيَّةَ وَهِيَ الِاسْتِنَادُ وَالرَّبْطُ وَإِنَّ الِاسْتِنَادَ وَالرَّبْطَ هُنَا مَا يُفْهَمُ مِنْ نَحْوِ قَوْلِنَا قَتَلَهُ بِالرَّمْيِ وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ فَيَنْحَلُّ قَوْلُنَا السَّبَبُ مَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ إلَى قَوْلِنَا السَّبَبُ مَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الِاسْتِنَادَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ فَاللَّامُ التَّعْلِيلِ أَوْ الْبَاءِ الَّتِي بِمَعْنَاهَا.
(قَوْلُهُ: لِلْإِسْكَارِ) عَبَّرَ فِيهِ بِاللَّامِ وَبِالْبَاءِ فِيمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ اللَّامَ بِشَهَادَةِ الذَّوْقِ تُشْعِرُ بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ وَلُزُومِهَا لِمَحِلِّهَا وَالْبَاءُ تُشْعِرُ بِتَجَدُّدِهَا وَحُدُوثِهَا تَقُولُ يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بِزَهْرِهَا وَلَا تَقُولُ لِزَهْرِهَا وَتَقُولُ أَعْتَقْت سَالِمًا لِسَوَادِهِ وَلَا تَقُولُ بِسَوَادِهِ
وَمَنْ قَالَ لَا يُسَمَّى الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ السَّبَبِ الْوَقْتِيِّ عِلَّةً نَظَرَ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْعِلَّةِ وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُعَرِّفِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ وَمَا عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ بِهِ السَّبَبَ هُنَا مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ وَمَا عَرَّفَهُ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَالْآمِدِيِّ مِنْ الْوَصْفِ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ
ــ
[حاشية العطار]
وَلَا خَفَاءَ فِي لُزُومِ الْإِسْكَارِ لِمُسَمَّى الْخَمْرِ قَالَهُ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ) أَيْ كَالْآمِدِيِّ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ دَفْعُ اعْتِرَاضٍ يُورَدُ عَلَى قَوْلِهِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ هُنَا إلَخْ.
(قَوْلُهُ: نَظَرٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ) أَيْ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي السَّبَبِ الْوَقْتِيِّ لِأَنَّهَا كَمَا سَيَأْتِي مُلَاءَمَةُ الْوَصْفِ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ وَالْأَوْقَاتُ لَا مَدْخَلَ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِيهَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا.
(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ) لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ مِنْ شَرْعِ الْحِكْمَةِ وَالْحِكْمَةُ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ لَهَا بِالْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ الْمُعَلَّلِ بِهِ الْقَصْرُ اهـ.
نَاصِرٌ أَقُولُ الْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ فَقَدْ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَإِيجَابُ الشَّرْعِ حُكْمًا لَا يَسْتَدْعِي فَائِدَةً قَالَ الْبُدَخْشِيُّ شَارِحُهُ لِأَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ وَأَحْكَامَهُ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِالْأَغْرَاضِ وَمَا قِيلَ إنَّ الْفِعْلَ لَا الْغَرَضَ عَبَثٌ وَهُوَ عَلَى الْحَكِيمِ مُحَالٌ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْعَبَثِ الْخَالِي عَنْ الْغَرَضِ فَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ أُرِيدَ غَيْرُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى تَابِعَةٌ لِرِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا لَا إيجَابًا كَمَا هُوَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَهَذِهِ الْمَصَالِحُ ثَمَرَاتٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَيْهَا وَغَايَاتٌ لَهَا لَا عِلَلٌ بَاعِثَةٌ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُعَرَّفِ) أَيْ الْعَلَامَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً بَلْ بِجَعْلِ جَاعِلٍ وَلِلْجَاعِلِ أَنْ يَجْعَلَ الشَّيْءَ عَلَامَةً عَلَى شَيْءٍ آخَرَ بِخِلَافِهِ عَلَى أَنَّهَا مُؤَثِّرٌ وَبَاعِثٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا عُرِفَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مُبَيِّنٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ لِلسَّبَبِ رَسْمٌ لَا حَدٌّ لِأَنَّهُ بِالْخَاصَّةِ لِأَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ لِلسَّبَبِ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِه وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ مُعَرَّفًا إلَخْ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ الْعَارِضَةِ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْبِيرُ بِحَيْثُ ثُمَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِخَاصَّتِهِ بِالْبَاءِ وَأَمْرُهَا ظَاهِرٌ.
وَفِي الْأَكْثَرِ بِاللَّامِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهَا النَّاصِرُ أَنَّ الْمُبَيَّنَ عِنْدَ الْقَوْمِ هُوَ الْمَاهِيَّةُ وَالْمُبَيَّنُ بِهِ قَدْ يَكُونُ ذَاتِيًّا لَهَا وَقَدْ يَكُونُ عَرَضِيًّا لَهَا وَخَاصَّةٌ مِنْ خَوَاصِّهَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُبَيِّنٌ لِلْمَاهِيَّةِ بِخَاصَّتِهَا اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَاصَّةِ الْمَاهِيَّةُ الْعَرَضِيَّةُ وَبَيَانُ الْمَاهِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ لِلسَّبَبِ بَيَانٌ لَهُ.
(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ) خَرَجَ الْخَفِيُّ كَاللَّذَّةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ حَيْثُ تَرَكْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ اللَّمْسَ وَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ تَجِبُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الْعُلُوقِ لِأَنَّهُ خَفِيٌّ، وَقَوْلُهُ الْمُنْضَبِطُ خَرَجَ نَحْوُ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمْكِنَةِ فَأُنِيطَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ
الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِهِ وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَانِعِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْوَصْفَ بِالْوُجُودِيِّ كَمَا فِي الْمَانِعِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ.
ــ
[حاشية العطار]
قَصَّرَ الصَّلَاةَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ (قَوْلُهُ: الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ) الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ فَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ السَّبَبُ الْمُعَرِّفُ لِحُكْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ كَحِلِّ الشَّعْرِ بِالنِّكَاحِ وَحُرْمَتِهِ بِالطَّلَاقِ جَعَلَهُ عِلَّةً لِثُبُوتِ حَيَاتِهِ كَالْيَدِ فَلَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ مُعْتَرِضًا عَلَى تَعْرِيفَيْ الْمُصَنِّفِ وَالْآمِدِيِّ بِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْعِلَّةَ تَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا وَمَعْلُولُهَا ثُبُوتُ أَمْرٍ حَقِيقِيٍّ وَهَذِهِ لَمْ يَشْمَلْهَا التَّعْرِيفُ لِأَنَّهَا لَمْ تُعَرِّفْ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَقَوْلُهُ وَمَعْلُولُهَا ثُبُوتُ أَمْرٍ إلَخْ لَيْسَ الْمَعْنَى ثُبُوتَهُ فِي نَفْسِهِ بَلْ ثُبُوتَهُ لِمَوْضُوعِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِجَعْلِ الْمَعْلُولِ ذَاتَ الْحَيَاةِ.
(قَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِهِ) أَيْ لِذَاتِيَّاتِهِ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ وَإِلَّا فَالْمَفْهُومُ قَدْ يَكُونُ عَرَضِيًّا لِأَنَّ الْمَفْهُومَ قَدْ يُبَيَّنُ بِالْحَدِّ وَقَدْ يُبَيَّنُ بِالرَّسْمِ (قَوْلُهُ: وَالْقَيْدُ الْأَخِيرُ) أَيْ قَوْلُهُ مُعَرِّفٌ لِلْحُكْمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمَانِعِ بِقِسْمَيْهِ أَمَّا مَانِعُ الْحُكْمِ فَلِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ نَقِيضَ الْحُكْمِ وَأَمَّا مَانِعُ السَّبَبِ فَلِأَنَّهُ مُعَرِّفٌ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ لِاخْتِلَافِ حِكْمَة السَّبَبِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيَّدْ الْوَصْفُ بِالْوُجُودِيِّ) أَيْ كَمَا فِي الْمَانِعِ وَقَدْ يُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى حَيْثُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الْقَيْدُ فِي الْمَانِعِ دُونَ السَّبَبِ قَالَهُ سم.
أَقُولُ لَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْمَانِعَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُكْمِ فَاعْتُبِرَ فِي مَفْهُومِهِ الْوُجُودُ لِيَظْهَرَ تَأْثِيرُهُ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُكْمِ وَأَمَّا السَّبَبُ فَهُوَ مُعَرِّفٌ وَعَلَامَةٌ وَكَثِيرًا مَا تَكُونُ الْعَلَامَةُ عَدَمِيَّةً كَعَدَمِ الشَّمْسِ لِوُجُودِ اللَّيْلِ مَثَلًا وَمِمَّا يُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ هَاهُنَا مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ يَحْيَى الشَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْعَارِفِ السَّنُوسِيِّ لِصُغْرَاهُ قَالَ حَصَلَتْ لِي مُنْذُ أَزْمِنَةٍ هُنَا وَقْفَةٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُوجَدُ إلَّا بِمَجْمُوعِ سَبَبِهِ أَوْ شَرْطِهِ وَعِنْدَ وُجُودِهِمَا وَوُجُودِ الْحُكْمِ مَعَهُمَا رَبَطُوهُ بِالسَّبَبِ كَالزَّوَالِ مَثَلًا وَجَعَلُوهُ مُقْتَضِيًا لَهُ إلَّا لِمَانِعٍ أَوْ تَخَلُّفِ شَرْطٍ فَذَاتُ السَّبَبِ حَاكِمَةٌ وَمُقْتَضِيَةٌ لِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَالشَّرْطُ لَا يَقْتَضِي كَالْحَوْلِ مَثَلًا فَتَخَلُّفُ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَوْلِ لَيْسَ مَعَ اقْتِضَاءِ الْحَوْلِ لَهَا وَعَارِضَةِ الدَّيْنِ مَثَلًا بَلْ هُوَ لَا اقْتِضَاءَ لَهُ أَصْلًا هَذَا مُحَصَّلُ مَا لِجَمِيعِهِمْ وَمَحَلُّ الْوَقْفَةِ فِيهِ أَنَّا نَدَّعِي أَنَّ الْحَوْلَ اقْتَضَى الزَّكَاةَ وَعِنْدَ التَّخَلُّفِ نَدَّعِي أَنَّهُ لِدَيْنٍ أَوْ لِنَفْيِ نِصَابٍ فَالشَّرْطُ قَدْ اقْتَضَى لَوْلَا مَا ذُكِرَ كَمَا قُلْنَا فِي الزَّوَالِ أَنَّهُ اقْتَضَى وُجُوبَ الظُّهْرِ لَوْلَا الْحَيْضُ وَالْجُنُونُ مَثَلًا فَنَدَّعِي اتِّفَاقَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا تَسْمِيَةً أَوْ نَدَّعِي أَنَّ الْجَمِيعَ سَبَبٌ مَثَلًا أَوْ شَرْطٌ فَلَا نَقُولُ الزَّوَالُ سَبَبٌ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ بَلْ هُمَا سَبَبٌ أَوْ هُمَا شَرْطٌ.
وَكَوْنُ
قَدْ تَكُونُ عَدَمِيَّةً كَمَا سَيَأْتِي (وَالشَّرْطُ يَأْتِي) فِي مَبْحَثِ الْمُخَصِّصِ أَخَّرَهُ إلَى هُنَاكَ لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ مِنْ أَقْسَامِهِ مُخَصِّصٌ كَمَا فِي أَكْرِمْ رَبِيعَةَ إنْ جَاءُوا أَيْ الْجَائِينَ مِنْهُمْ وَمَسَائِلُهُ الْآتِيَةُ
ــ
[حاشية العطار]
ذَلِكَ مِنْ اصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِالزَّوَالِ كَيْفَمَا سَمَّيْته وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ بِالْحَوْلِ وَإِلَيْك النَّظَرُ فِيهِ فَقَدْ طَالَ بَحْثِي فِيهِ مَعَ فُضَلَاءِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَمَا أَجِدُ مَنْ يَصِلُ إلَى الْإِشْكَالِ إلَّا بَعْدَ جَهْدٍ جَهِيدٍ فَيَحْصُلُ مِنْ الْجَوَابِ الْيَأْسُ الشَّدِيدُ وَالْمُنَاسَبَةُ الْفَارِقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ بَيْنَ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوَالَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ مَعَ عَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا أَصْلًا وَلِأَجْلِ خَفَاءِ الْفَرْقِ وَعَدَمِ اطِّرَادِهِ وَجَدْنَا أَكَابِرَ الْأَئِمَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَرَافِيِّ يَخْتَلِفُونَ فِي أَمْرٍ يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ سَبَبًا وَبَعْضُهُمْ شَرْطًا وَلَوْ وَضَحَ الدَّلِيلُ لَمْ يَكُنْ لِلِاخْتِلَافِ مِنْ سَبِيلٍ اهـ.
رَحِمَ اللَّهُ الشَّيْخَ اسْتَهْوَلَ الْإِشْكَالَ وَحَطَّ مِنْ قَدْرِ مُعَاصِرِيهِ بِمَا لَا يُنَاسِبُ مِنْ الْمَقَالِ وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ لَهُ مَا فِي ذَلِكَ الْإِشْكَالِ مِنْ الِاخْتِلَالِ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ أَجْمَعِينَ (قَوْلُهُ: قَدْ تَكُونُ عَدَمِيَّةً) أَيْ عَدَمًا مُضَافًا فَيُقَالُ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ لِعَدَمِ عَقْلِهِ بِخِلَافِ الْعَدَمِ الْمُطْلَقِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَجْهُولٌ فَكَيْفَ يُعَرَّفُ بِهِ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: إلَى هُنَاكَ) لَفْظَةُ هُنَا مِنْ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ وَتُجَرُّ بِمِنْ وَإِلَى وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فِي جَرِّهَا مَحَلًّا بِإِلَى هُنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إلَّا هُنَاكَ فَإِنْ جُعِلَتْ مَرْفُوعَةَ الْمَحَلِّ بَدَلًا مِنْ اسْمِ لَا مَعَ لَا فَإِنَّ مَحَلَّهُمَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ لَزِمَ أَنَّهَا تَصَرَّفَتْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ مَنْصُوبَةَ الْمَحَلِّ بَدَلًا مِنْ مَحَلِّ اسْمِ لَا وَحْدَهُ لِأَنَّهَا مَعْرِفَةٌ وَلَا إنَّمَا تَعْمَلُ فِي النَّكِرَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ اسْتِثْنَاءً مُفَرَّغًا مِنْ ظَرْفٍ مَحْذُوفٍ مُتَعَلِّقٍ بِذِكْرِهَا وَالْمَعْنَى لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا فِي مَحَلٍّ مِنْ الْمَحَالِّ إلَّا هُنَاكَ أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى ظَرْفِيَّتِهَا وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَجْرُورُ فَقَطْ وَالْمُخْتَارُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ الْإِتْبَاعُ فَيَكُونُ مَحَلُّهَا جَرًّا عَلَى الْبَدَلِيَّةِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ فَإِنْ جَرَيْنَا عَلَى غَيْرِ الْمُخْتَارِ مِنْ النَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الظَّرْفَ تَصَرَّفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصْبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مُرَادَهُمْ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَوْنُ الْكَلِمَةِ مَنْصُوبَةً وَهِيَ عَلَى مَعْنَى فِي وَإِنْ كَانَ النَّاصِبُ لَهَا أَدَاةَ الِاسْتِثْنَاءِ مَثَلًا وَفِيهِ تَوَقُّفٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ الْمُنَاسِبُ هُنَا فَلَفْظَةُ هُنَا فِيهِ ظَرْفٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ هُنَا أَيْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ فَانْفَصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَتَرَ فِي الْمُنَاسِبِ فَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ مَفْعُولًا بِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْمُنَاسِبِ هُنَا الْمُنَاسِبُ هَذَا الْمَوْضِعَ وَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْ جَعْلِهَا ظَرْفًا لِلْمَحْذُوفِ بِجَعْلِهَا ظَرْفًا لِلْمُنَاسِبِ بِمَعْنَى اللَّائِقِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ مِنْ أَقْسَامِهِ) قَالَ النَّاصِرُ فِي كَوْنِ اللُّغَوِيِّ مِنْ الشَّرْعِيِّ مَنْعٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ هُوَ مُتَعَلَّقُ الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللُّغَوِيَّ كَذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالشَّرْطُ مُطْلَقُ الشَّرْطِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ إنْ وَرَدَ سَبَبًا إلَخْ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُطْلَقُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَوُقُوعُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا وَشَرْطًا إلَخْ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ لَا يَقْتَضِي الْحَوَالَةَ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ وَلَا يَمْنَعُ الْحَوَالَةَ عَلَى وَجْهٍ أَعَمَّ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةِ الْفَائِدَةِ وَقَوْلُهُ مِنْ أَقْسَامِهِ صِفَةُ اللُّغَوِيِّ وَخَبَرُ إنَّ قَوْلُهُ مُخَصِّصٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِينَ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا كَانَ مُخَصِّصًا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ بِدَلِيلِ الْإِخْرَاجِ بِهِ كَمَا يَأْتِي وَإِنْ كَانَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ أَقْوَى.
(قَوْلُهُ: وَمَسَائِلُهُ الْآتِيَةُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إنَّ وَبِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ قَوْلُهُ لَا مَحَلَّ إلَخْ قِيلَ إنَّ ضَمِيرَ مَسَائِلِهِ يَعُودُ إلَى الشَّرْطِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لُغَوِيًّا لِأَنَّ اللُّغَوِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَّصِلًا وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ اللُّغَوِيَّ يَنْقَسِمُ إلَى الْمُتَّصِلِ وَغَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْهُ
مِنْ الِاتِّصَالِ وَغَيْرِهِ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا إلَّا هُنَاكَ ثُمَّ الشَّرْعِيُّ الْمُنَاسِبُ هُنَا كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَالْإِحْصَانِ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ.
(وَالْمَانِعُ) الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَانِعُ الْحُكْمِ (الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الْمُعَرِّفُ نَقِيضَ الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمَ السَّبَبِ (كَالْأُبُوَّةِ فِي) بَابِ (الْقِصَاصِ) وَهِيَ
ــ
[حاشية العطار]
هُوَ الْمُتَّصِلُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الِاتِّصَالِ) أَيْ لَا يُفْصَلُ إلَّا بِسَكْتَةِ تَنَفُّسٍ أَوْ خُلْعٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ الشَّرْعِيُّ إلَخْ) الشَّرْعِيُّ مُبْتَدَأٌ وَالْمُنَاسِبُ صِفَتُهُ وَكَالطَّهَارَةِ خَبَرٌ وَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلٍ أَوْ الْمُنَاسِبُ خَبَرُهُ وَكَالطَّهَارَةِ تَمْثِيلٌ فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَذَلِكَ كَالطَّهَارَةِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ الْمُنَاسِبَ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ بَيَانُ أَقْسَامِ مُتَعَلَّقِ الْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ وَرَدَ سَبَبًا وَاَلَّذِي مِنْ مُتَعَلِّقِهِ لَيْسَ إلَّا الشَّرْعِيَّ وَالشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: شَرْطُ السَّبَبِ وَهُوَ مَا يُخِلُّ عَدَمُهُ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَهُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ حُكْمُهُ وَحِكْمَةُ سَبَبِهِ حِلُّ الِانْتِفَاعِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ يُخِلُّ بِهِ.
وَثَانِيهِمَا: شَرْطُ الْحُكْمِ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ نَقِيضِ حُكْمِ السَّبَبِ وَلَمْ يُخِلَّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ عَدَمَهُ يَقْتَضِي نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ وَهُوَ عَدَمُ الثَّوَابِ وَحُكْمُ السَّبَبِ حُصُولُ الثَّوَابِ وَحِكْمَةُ السَّبَبِ التَّوَجُّهُ إلَى اللَّهِ وَلَمْ يُخِلَّ بِهِ عَدَمُ الطُّهْرِ اهـ. زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ) أَيْ لِجَوَازِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ السَّبَبِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيرُ لَفْظِ الصِّحَّةِ أَيْ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إذْ الطَّهَارَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ذَاتُ الصَّلَاةِ أَيْ وُجُودُ حَقِيقَتِهَا هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى الْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ وَأَمَّا إنْ قُلْنَا أَنَّهَا لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يُحْتَاجُ لِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ ثُمَّ فِي تَقْدِيرِ لَفْظِ الصِّحَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ الْوَضْعِيَّةَ يَتَعَلَّقُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ.
(قَوْلُهُ: الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ مِنْهُ مَانِعَ السَّبَبِ وَالتَّعْرِيفُ لَا يَشْمَلُهُ فَيَكُونُ فَاسِدًا وَمَانِعُ السَّبَبِ هُوَ مَا يَسْتَلْزِمُ حِكْمَةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا فَإِنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ اسْتِغْنَاءُ الْمَالِكِ بِهِ وَلَيْسَ مَعَ الدَّيْنِ اسْتِغْنَاءٌ.
وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَخْ وَقَوْلُهُ أَمَّا مَانِعُ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ إلَخْ دَلَالَةٌ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ التَّعْرِيفِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْرِيفِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ السَّبَبِ لِيَخْرُجَ بِهِ مَانِعُ السَّبَبِ أَجَابَ عَنْهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقَيْدِ الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ نَقِيضُ الْحُكْمِ بَلْ انْتِفَاءُ السَّبَبِيَّةِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ نَقِيضَ الْحُكْمِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَانِعَ السَّبَبِ مُسْتَلْزِمٌ لِمَانِعِ الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ: الْوُجُودِيُّ) خَرَجَ بِهِ عَدَمُ الشَّرْطِ فَإِطْلَاقُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ لَفْظَ الْمَانِعِ تَسَمُّحٌ.
(قَوْلُهُ: الْمُعَرِّفُ نَقِيضَ الْحُكْمِ) نَقِيضُ الْحُكْمِ رَفْعُهُ لَكِنَّهُ لَمَّا أُرِيدَ بِهِ هُنَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ مُضَادٌّ لِحُكْمِ السَّبَبِ لِوَصْفِ الْمَانِعِ إشْعَارًا بِخُصُوصِهِ كَحُرْمَةِ الْقِصَاصِ الْمُرَادَةِ مِنْ نَفْيِ وُجُوبِهِ لِإِشْعَارِ الْأُبُوَّةِ بِهَا فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَانِعِ حَدُّ السَّبَبِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الصِّدْقُ اعْتِبَارَ وُجُودِيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْمَانِعِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّهُ فِي السَّبَبِ أَعَمُّ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُودِيِّ فَيَخْتَلُّ التَّحْدِيدُ
كَوْنُ الْقَاتِلِ أَبَا الْقَتِيلِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاص الْمُسَبَّبِ عَنْ الْقَتْلِ لِحِكْمَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَبَ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِ ابْنِهِ فَلَا يَكُونُ الِابْنُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ وَإِطْلَاقُ الْوُجُودِيِّ عَلَى الْأُبُوَّةِ الَّتِي هِيَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ صَحِيحٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَدَمَ شَيْءٍ وَإِنْ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْإِضَافِيَّاتُ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا وُجُودِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي تَصْحِيحُهُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ أَمَّا مَانِعُ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ وَلَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا بِأَحَدِهِمَا فَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْعِلَّةِ.
(وَالصِّحَّةُ)
ــ
[حاشية العطار]
بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ الْمَانِعَ سَبَبٌ لِحُكْمٍ وَمَانِعٌ لِحُكْمٍ آخَرَ اهـ. نَاصِرٌ
قَالَ سم قَوْلُهُ لِوَصْفِ الْمَانِعِ إلَخْ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِقَوْلِهِ حُكْمٌ وَمَا أَجَابَ بِهِ صَحِيحٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِمَنْعِ قَوْلِهِ أُرِيدَ بِهِ هُنَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ بَلْ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا مُجَرَّدَ الرَّفْعِ وَالنَّفْيِ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ الْآخَرُ فَإِنَّمَا ثَبَتَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَعَلَى مَا أَجَابَ بِهِ نَقُولُ الْأُبُوَّةُ مِنْ حَيْثُ نَفَتْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مَانِعٌ وَمِنْ حَيْثُ أَثْبَتَتْ حُرْمَتَهُ سَبَبٌ وَعَلَى مَا قُلْنَاهُ هِيَ نَفَتْ الْوُجُوبَ وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ فَبِالدَّلِيلِ الَّذِي أَثْبَتَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَتْلٌ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ كَوْنُ الْقَاتِلِ إلَخْ) هُوَ تَعْرِيفٌ لِلْأُبُوَّةِ فِي بَابِ الْقِصَاصِ لَا لِلْأُبُوَّةِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ الِابْنُ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ النَّاصِرُ مَا لَمْ تَزَلْ الْفُضَلَاءُ تَلْهَجُ بِهِ فَقَالَ قَدْ يُعْتَرَضُ هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ فِي عَدَمِهِ هُوَ الْقَتْلُ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ لَا الِابْنُ فَلَا يَنْهَضُ ذَلِكَ حِكْمَةً اهـ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا السَّبَبُ الْبَعِيدُ فَإِنَّ الْوَلَدَ سَبَبٌ بَعِيدٌ فِي الْقَتْلِ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يُتَصَوَّرْ قَتْلُهُ إيَّاهُ فَلَهُ مَدْخَلُ فِي الْقَتْلِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ أَفَادَهُ سم وَلَا يَخْفَاك سُقُوطُهُ لِجَرَيَانِهِ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ إذْ لَوْلَا وُجُودُهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا بَعِيدًا فِيهِ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَكُونُ الِابْنُ أَيْ مِنْ حَيْثُ قَتْلُهُ فَقَيْدُ الْحَيْثِيَّةِ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْمَقَامِ قَيْدُ مُلَاحَظَةٍ فِيهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَمْرٌ إضَافِيٌّ) لِأَنَّهَا نِسْبَةٌ يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهَا عَلَى نِسْبَةٍ أُخْرَى وَذَلِكَ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَلَمْ يَقُلْ نَسِيَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الَّتِي هِيَ الْمَقُولَةُ أَخَصُّ مِنْ النِّسْبَةِ وَهِيَ أَمْرٌ يَتَوَقَّفُ تَعَقُّلُهُ عَلَى تَعَقُّلِ غَيْرِهِ نِسْبَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهَا النِّسْبَةُ الْمُتَكَرِّرَةُ (قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَدَمَ شَيْءٍ) أَيْ وَلَا دَاخِلًا الْعَدَمُ فِي مَفْهُومِهَا زَادَهُ النَّاصِرُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي مَعْنَى الْوُجُودِيِّ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ وَفِيهِ خَلْطُ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحٍ فَذِكْرُ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ هُنَا تَشْوِيشٌ عَلَى الطَّالِبِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ) أَيْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَبَيْنَ تَصْحِيحِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ أَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَيْسَتْ وُجُودِيَّةً لِأَنَّ مَا هُنَاكَ جَرَى عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا هُنَا عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ.
(قَوْلُهُ: أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ) لِلِاعْتِبَارِيِّ مَعْنَيَانِ مَا يَكُونُ لَهُ تَحَقُّقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اعْتِبَارِ مُعْتَبَرٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ كَالْإِمْكَانِ وَمَا يَكُونُ تَحَقُّقُهُ بِاعْتِبَارِهَا وَلَوْ قَطَعَ النَّظَرَ عَنْ اعْتِبَارِنَا لَا يَكُونُ لَهُ تَحَقُّقٌ اهـ. سم.
وَهُوَ كَلَامٌ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِبَارِيَّاتِ لَا تَحَقُّقَ لَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّ نَحْوَ الْإِمْكَانِ تَحَقُّقُهُ إنَّمَا هُوَ بِتَحَقُّقِ مَعْرُوضِهِ وَهُوَ الْمَاهِيَّةُ بِخِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ الْمَحْضَةِ كَأَنْيَابِ أَغْوَالٍ فَلَيْسَ لَهَا فِي الْخَارِجِ أَمْرٌ تَسْتَنِدُ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ مَوْجُودٌ بِوُجُودٍ انْتِزَاعِيٍّ وَالثَّانِي بِوُجُودٍ اخْتِرَاعِيٍّ وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي حَاشِيَةِ الْمَقُولَاتِ الصُّغْرَى.
(قَوْلُهُ: وَالصِّحَّةُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الصِّحَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ صَحِيحًا وَفَاسِدًا وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ بِعَرْضِ
مِنْ حَيْثُ هِيَ الشَّامِلَةُ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ (مُوَافَقَةُ) الْفِعْلِ (ذِي الْوَجْهَيْنِ) وُقُوعًا (الشَّرْعَ) وَالْوَجْهَانِ مُوَافَقَةُ الشَّرْعِ وَمُخَالَفَتُهُ أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ تَارَةً مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ لِاسْتِجْمَاعِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا وَتَارَةً مُخَالِفًا لَهُ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ عِبَادَةً كَانَ كَالصَّلَاةِ أَوْ عَقْدًا كَالْبَيْعِ لِصِحَّةِ مُوَافَقَتِهِ الشَّرْعَ بِخِلَافِ مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ كَمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية العطار]
الْعِبَادَةِ مَثَلًا عَلَى الْأَوَامِرِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلْأَمْرِ أَوْ مُخَالِفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ كَكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ تَارِكًا لَهُمَا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ عَقْلِيًّا وَتَمَحَّلَ سم بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا أَنَّ الْخِطَابَ إذَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِ الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ كَأَنَّهُ وَرَدَ بِأَنَّ مَا اسْتَجْمَعَ هَذِهِ الْأُمُورَ مُوَافِقٌ وَمَا لَا مُخَالِفٌ.
وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ فَالْحَقُّ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ لَمْ يَرِدْ بِهَا الْخِطَابُ وَعَلَى هَذَا فَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ ثَلَاثَةٌ.
وَأَمَّا بَقِيَّةُ كَلَامِ سم فَمِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَطَّرَ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هِيَ إلَخْ) هِيَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مِنْ حَيْثُ هِيَ صِحَّةٌ وَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِإِضَافَةِ حَيْثُ إلَيْهَا فَلَمْ تُضَفْ حَيْثُ إلَى الْجُمْلَةِ وَالْحَيْثِيَّةُ لِلْإِطْلَاقِ وَالشَّارِحُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: الشَّامِلَةُ لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إلَخْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّهُ فَرَّقَ غَيْرُ وَاحِدٍ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالْعِبَادَةِ بِأَنَّ الطَّاعَةَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقُرْبَةُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَالْعِبَادَةُ مَا تُعُبِّدَ بِهِ بِشَرْطِ النِّيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ فَالطَّاعَةُ تُوجَدُ بِدُونِهِمَا فِي النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ مَعْرِفَتُهُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَمَامِ النَّظَرِ وَالْقُرْبَةُ تُوجَدُ بِدُونِ الْعِبَادَةِ فِي الْقُرَبِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ فَعَلَى هَذِهِ مُتَفَرِّقَةٌ لَمْ يَتَنَاوَلْ كَلَامَ الشَّارِحِ نَحْوَ الْعِتْقِ وَالْوَقْفِ مَعَ أَنَّهُمَا يُوصَفَانِ بِالصِّحَّةِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ تَحَكُّمٌ فَنَحْوُ الصَّلَاةِ يُقَالُ لَهُ طَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ بِاعْتِبَارَاتٍ وَكَذَا الْوَقْفُ وَنَحْوُهُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وُقُوعًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُوَافَقَةُ وُقُوعِ الْفِعْلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ فَحُذِفَ الْوُقُوعُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ فَأُضِيفَتْ الْمُوَافَقَةُ إلَيْهِ ثُمَّ جِيءَ بِالْوُقُوعِ تَمْيِيزًا فَالْمُتَّصِفُ بِذِي الْوَجْهَيْنِ حَقِيقَةً هُوَ الْوُقُوعُ لَا الْفِعْلُ.
(قَوْلُهُ: لِاسْتِجْمَاعِهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا) هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الصِّحَّةَ أَمْرٌ عَقْلِيٌّ وَالْمُرَادُ بِمَا يَعْتَبِرُ الشُّرُوطَ وَالْأَرْكَانَ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ وَالْمُرَادُ اسْتِجْمَاعُهُ مَا ذُكِرَ وَلَوْ بِحَسَبِ ظَنِّ الْفَاعِلِ فَصَحَّ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْ الْقَضَاءَ أَيْ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ وَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ النَّاصِرِ بِأَنَّ تَفْسِيرَ الْمُوَافَقَةِ بِهِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَهَا عَنْ صَلَاةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ فَتَنْتَفِي صِحَّتُهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيَأْتِي أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ أَمْرُ الشَّارِعِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لَتَنَاوَلَ الْحَدُّ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ وَالْعَقْدِ أَيْضًا بِدُونِ تَفْسِيرِ الْمُوَافَقَةِ بِالِاسْتِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ اهـ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الطَّهَارَةَ الْمُعْتَبَرَةَ شَرْعًا فِي الصَّلَاةِ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَيَقَّنَةِ وَالْمَظْنُونَةِ فَدَعْوَى الِاقْتِضَاءِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ فَاقِدِ الطَّهُورِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ لِاسْتِجْمَاعِهَا مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا شَرْعًا إذْ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهَا إذْ هِيَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَصَلَاةُ مَرِيضٍ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِعَدَمِ مَنْ يُوَجِّهُهُ إلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَا يَقَعُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ ذِي الْوَجْهَيْنِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا مُوَافِقًا) وَكَذَا مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُخَالِفًا كَالشِّرْكِ فَلَا يُوصَفُ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَا وَجْهَيْنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ
إذْ لَوْ وَقَعَتْ مُخَالِفَةً لَهُ أَيْضًا كَانَ الْوَاقِعُ جَهْلًا لَا مَعْرِفَةً فَإِنَّ مُوَافَقَتَهُ الشَّرْعَ لَيْسَتْ مِنْ مُسَمَّى الصِّحَّةِ فَلَا يُسَمَّى هُوَ صَحِيحًا فَصِحَّةُ الْعِبَادَةِ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ مُوَافَقَةُ الْعِبَادَاتِ ذَاتِ الْوَجْهَيْنِ وُقُوعًا الشَّرْعَ وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْ الْقَضَاءَ.
(وَقِيلَ) الصِّحَّةُ (فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) أَيْ إغْنَاؤُهَا عَنْهُ
ــ
[حاشية العطار]
النَّاصِرُ أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ إيمَانُ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ أَوْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْإِيمَانُ لَا يَقَعُ إلَّا مُوَافِقًا وَقَدْ وُصِفَ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا وَقَالَ تَعَالَى {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: 81] أَيْ الشِّرْكُ فَقَدْ وُصِفَ بِالْبُطْلَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مُخَالِفًا.
وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا فِي مَسْأَلَةِ إيمَانِ الْمُقَلِّدِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَيْ الْكِفَايَةُ وَعَدَمُ الْكِفَايَةِ لَا الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ الْإِيمَانُ وَقَدْ يُمْنَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ أَيْ إدْرَاكَهُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ لَا تَكُونُ إلَّا مُوَافِقَةً بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ تَصْدِيقٌ مَخْصُوصٌ بِأُمُورٍ مَخْصُوصَةٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ فَهُوَ ذُو وَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ تَارَةً يَسْتَجْمِعُ تِلْكَ الْأُمُورَ وَتَارَةً لَا بِخِلَافِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهَا ذَاتُ وَجْهٍ وَاحِدٍ فَإِنْ قِيلَ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي الْمُوَافِقِ كَوْنُ مَوْصُوفِ الصِّحَّةِ فِعْلًا وَبِهِ أَفْصَحَ كَلَامُ الشَّارِحِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ إطْلَاقَ الْبَاطِلِ عَلَى الشِّرْكِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ لَيْسَ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا أَوْ بِاصْطِلَاحٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَوْ وَقَعَتْ) أَيْ الْمَعْرِفَةُ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الْمَعْرِفَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ مُخَالِفَةً فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ قِيلَ إنَّ لِلْمَعْرِفَةِ أَيْضًا جِهَتَيْنِ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ اسْتِدْلَالِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ تَقْلِيدِيَّةً وَالْأُولَى مُسْتَجْمِعَةٌ لِلشُّرُوطِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُكْتَسَبَةً بِمُقَدِّمَاتٍ اخْتِيَارِيَّةٍ كَصَرْفِ الْقُوَّةِ وَرَفْعِ الْمَوَانِعِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ عَنْ قَائِلٍ بِدُونِ عَقْدِ الْقَلْبِ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْإِذْعَانِ وَالثَّانِيَةُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَعْرِفَةُ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ وَالْأُولَى قَدْ تَكُونُ مَقْرُونَةً بِالْإِنْكَارِ بِاللِّسَانِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْفَسَادِ وَالِاسْتِنْكَارُ ظَاهِرٌ أَوْ قَدْ لَا يَكُونُ وَالْأُولَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَيْضًا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا لَا تَكُونُ إلَّا مُوَافِقَةً وَهَذِهِ أُمُورٌ عَرَضِيَّةٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَصِحَّةُ الْعِبَادَةِ إلَخْ) أَيْ إذَا عَرَفْت تَعْرِيفَ الصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَصِحَّةُ الْعِبَادَةِ فَهَذَا تَوْطِئَةٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالصِّحَّةُ إلَخْ زَادَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ عَامٌّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَخْذًا حَالٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقَةُ وَلَيْسَ مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الْفَاعِلِ إذْ فَاعِلُ الْمُوَافَقَةِ الْعِبَادَةُ وَفَاعِلُ الْأَخْذِ الشَّخْصُ (قَوْلُهُ: مُوَافَقَةُ الْعِبَادَةِ إلَخْ) أُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَاسِدَ يُقَالُ لَهُ عِبَادَةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَخَصَّهَا بَعْضُهُمْ بِالصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُسْقِطْ الْقَضَاءَ) أَيْ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَصَلَاةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّهُ مُحْدِثٌ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ إسْقَاطُ الْقَضَاءِ إلَخْ) عُزِيَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمِنْهَاجِ لِلْفُقَهَاءِ وَالْأَوَّلُ لِلْمُتَكَلِّمَيْنِ فَصَلَاةُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ بَانَ حَدَثُهُ صَحِيحَةٌ عَلَى رَأْيِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِمُوَافَقَتِهَا أَمْرَ الشَّارِعِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ هَذَا الظَّنِّ دُونَ رَأْيِ الْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ إسْقَاطِهَا الْقَضَاءَ قَالَ الشَّارِحُ الْبُدَخْشِيُّ.
وَأَمَّا الثَّوَابُ فَلَيْسَ بِأَثَرٍ لَهَا عِنْدَ الْفَرِيقَيْنِ فَلَا يُرَدُّ اعْتِرَاضُ الْعَلَّامَةِ الشِّيرَازِيِّ بِأَنَّ الثَّوَابَ قَدْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ تَرْتِيبِ الْأَثَرِ لَا وُجُودُهُ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْكَمَالِ إنَّمَا لَمْ يَعْزُ الشَّارِحُ هَذَا الْقَوْلَ إلَى الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ وَالْأَحْكَامِ وَغَيْرِهِمَا لِتَصْرِيحِ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُغْنِيَةً
بِمَعْنَى أَنْ لَا يُحْتَاجَ إلَى فِعْلِهَا ثَانِيًا فَمَا وَافَقَ مِنْ عِبَادَةٍ ذَاتِ وَجْهَيْنِ الشَّرْعَ وَلَمْ يُسْقِطْ الْقَضَاءَ كَصَلَاةِ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ حَدَثُهُ يُسَمَّى صَحِيحًا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي (وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ) الَّتِي هِيَ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ مُوَافَقَتُهُ الشَّرْعَ (تَرَتَّبَ أَثَرُهُ) أَيْ أَثَرُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَا شُرِعَ الْعَقْدُ لَهُ
ــ
[حاشية العطار]
عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ لَا فَجَعَلُوا مِنْ الصَّحِيحَةِ مَا لَا يُغْنِي عَنْ الْقَضَاءِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ حَكَوْا وَجْهَيْنِ فِي وَصْفِ صَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِالصِّحَّةِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْجَدِيدِ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنْ لَا يَحْتَاجَ) بِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ لِلْمُكَلَّفِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَلِمَجْهُولٍ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ بِأَنْ لَا يُحْوِجَ لِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ وَصْفٌ لِلْمُكَلَّفِ وَعَدَمَ الْإِحْوَاجِ وَصْفٌ لِلْعِبَادَةِ كَمَا أَنَّ الْإِغْنَاءَ وَصْفُهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْإِحْوَاجِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْعِبَادَةِ بِلَازِمِهِ وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْمُكَلَّفِ وَمِثْلُهُ شَائِعٌ كَثِيرٌ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنْ يَحْتَاجَ بِالتَّحْتِيَّةِ أَمَّا إنْ قُرِئَ بِالْفَوْقِيَّةِ فَضَمِيرُهُ حِينَئِذٍ يَعُودُ لِلْعِبَادَةِ وَلَا يُرَدُّ مَا ذُكِرَ، غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَجَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ: يُسَمَّى صَحِيحًا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي) فِي ذِكْرِ التَّسْمِيَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ فِي صَلَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ مُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ وَأَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ إنْ تَبَيَّنَ حَدَثُهُ وَإِلَّا فَلَا وَرَدُّ الزَّرْكَشِيُّ لِهَذَا غَيْرُ مُتَّجَهٍ كَمَا بَيَّنَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ) فَسَّرَ الْآمِدِيُّ صِحَّةَ الْعَقْدِ بِتَرَتُّبِ أَثَرِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ وَغَيْرِهِ مِنْ شَارِحِي الْمُخْتَصَرِ وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ تَسَاهُلًا وَأَنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ أَنْ صِحَّةَ الْعَقْدِ وَصْفٌ لِلْعَقْدِ وَهُوَ مُوَافَقَتُهُ الشَّرْعَ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ تَرَتَّبَ الْأَثَرُ فَهُوَ مَنْشَأٌ لِتَرَتُّبِ الْأَثَرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرَتُّبِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ مِنْ الْقِيلِ وَاتَّضَحَ سِرُّ مُغَايَرَةِ الْأُسْلُوبِ.
(قَوْلُهُ: مُوَافَقَتُهُ الشَّرْعَ) لَمْ يَقُلْ مُوَافَقَةُ الْعَقْدِ ذِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَكُونُ إلَّا ذَا وَجْهَيْنِ فَقَوْلُهُ ذِي الْوَجْهَيْنِ فِي تَعْرِيفِ مُطْلَقِ الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَةِ وَلِبَيَانِ الْوَاقِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْدِ قَالَ النَّاصِرُ هَذَا التَّعْرِيفُ يَرِدُ عَلَى عَكْسِهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِلشَّرْعِ فَإِنْ قِيلَ الطَّلَاقُ حِلٌّ لَا عَقْدٌ قُلْت فَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لِمُطْلَقِ الصِّحَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَأَجَابَ ابْنُ قَاسِمٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ اسْتِجْمَاعُ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ قَدْ اسْتَكْمَلَ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ شَرْعًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ.
وَأَمَّا خُلُوُّهُ عَنْ الْحَيْضِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ لَا رُكْنًا وَلَا شَرْطًا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فِي نَفْسِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّيْءِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا وَمَا يَجِبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِهِ فِيهِ فَالِاعْتِدَادُ بِالطَّلَاقِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَحِلُّهُ عَلَى الْخُلُوِّ عَنْ الْحَيْضِ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ يُعْتَبَرُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا اجْتِنَابُ غَصْبِ سُتْرَةٍ أَوْ مَكَان وَإِنْ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي حِلِّهَا فَتَصِحُّ بِسُتْرَةٍ مَغْصُوبَةٍ وَمَكَانٍ مَغْصُوبٍ وَتَكُونُ مُعْتَدًّا بِهَا مَعَ الْحُرْمَةِ فَالْحُرْمَةُ
كَحِلِّ الِانْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ وَالِاسْتِمْتَاعِ فِي النِّكَاحِ فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرْتِيبِ لَا نَفْسُهُ كَمَا قِيلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ حَيْثُمَا وُجِدَ فَهُوَ نَاشِئٌ عَنْهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّهَا حَيْثُمَا وُجِدَتْ نَشَأَ عَنْهَا حَتَّى يَرِدَ الْبَيْعُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَتَوَقُّفِ التَّرَتُّبِ عَلَى انْقِضَاءِ الْخِيَارِ
ــ
[حاشية العطار]
عَارِضَةٌ فِيهِمَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَحِلِّ الِانْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ) لَمْ يَقُلْ كَالِانْتِفَاعِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ عَنْ الصَّحِيحِ وَيُوجَدُ فِي الْفَاسِدِ.
(قَوْلُهُ: فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرْتِيبِ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ بَيَّنَ الْغَرَضَ مِنْهُ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ لُزُومَ التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جَعَلَ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ مُسَبَّبًا عَنْ الصِّحَّةِ كَمَا تُفِيدُهُ بَاءُ السَّبَبِيَّةِ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهَا وَجَعَلَ الْأَثَرَ مُسَبَّبًا عَنْ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى إضَافَةِ الْأَثَرِ إلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ أَثَرَ الْآخَرِ إلَّا أَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ وَمُسَبَّبٌ عَنْهُ.
وَأَجَابَ بِأَنَّ الصِّحَّةَ هِيَ السَّبَبُ حَقِيقَةً وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةً لِلْعَقْدِ وَالصِّفَةُ وَالْمَوْصُوفُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ أُضِيفَ الْأَثَرُ إلَيْهِ مَجَازًا مِنْ إضَافَةِ مَا حَقُّهُ أَنْ يُضَافَ لِلْحَالِ وَهُوَ الصِّحَّةُ لِلْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ.
وَأَجَابَ سم بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ إضَافَةَ الْأَثَرِ إلَى الْعَقْدِ تَقْتَضِي سَبَبِيَّتَهُ لَهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تِلْكَ الْإِضَافَةِ مُجَرَّدَ تَبَعِيَّةِ ذَلِكَ الْأَثَرِ لِلْعَقْدِ فِي الْحُصُولِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ شَيْئًا آخَرَ فَمَعْنَى كَوْنِ حِلِّ الِانْتِفَاعِ أَثَرًا لِلْعَقْدِ مُجَرَّدُ أَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْحُصُولِ وَإِنْ كَانَ سَبَبُ التَّبَعِيَّةِ فِي الْحُصُولِ الصِّحَّةَ (قَوْلُهُ: لَا نَفْسُهُ) كَمَا قِيلَ قَائِلُهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ نَفْسَهُ أَنْ تَقُولَ لَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ لَمْ تُوجَدْ بِدُونِهِ لَكِنَّ التَّالِيَ بَاطِلٌ فَبَطَلَ الْمُقَدَّمُ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَبَدِيهِيَّةٌ.
وَأَمَّا دَلِيلُ بُطْلَانِ التَّالِي فَلِأَنَّ الصِّحَّةَ قَدْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلَمْ يُوجَدْ الْأَثَرُ كَمَا فِي الْبَيْعِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ وَقَدْ يُمْنَعُ هَذَا بِأَنَّ تَرَتُّبَ الْأَثَرِ مَفْرُوضٌ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَالْمَانِعُ هُنَا وُجُودُ الْخِيَارِ إذْ لَوْلَاهُ لَتَرَتَّبَ الْأَثَرُ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّهُ حَيْثُمَا وُجِدَ إلَخْ) أُورِدَ عَلَيْهِ الْخُلَعُ وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَانِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا أَثَرُهُمَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ وَالْعِتْقِ مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرُ صَحِيحَيْنِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَرَتُّبَ أَثَرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَقْدِ بَلْ لِلتَّعْلِيقِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَنَظِيرُهُ الْقِرَاضُ وَالْوَكَالَةُ الْفَاسِدَانِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهِمَا التَّصَرُّفُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ.
وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّرْتِيبِ وَالصِّحَّةِ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ فَالْوُجُودُ الْمُسْنَدُ إلَيْهِمَا إنْ كَانَ الْخَارِجِيَّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ الذِّهْنِيَّ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُثْبِتُونَهُ وَإِنْ أَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ فَضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ التَّحَقُّقُ وَالْأُمُورُ الِاعْتِبَارِيَّةُ تُوصَفُ بِهِ وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَحَقُّقَهَا فِي نَفْسِهَا حَتَّى يُنَافِيَ مَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا بَلْ مَعْنَاهُ تَحَقُّقُ مَا اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ وَاعْتُبِرَتْ فِيهِ وَدَعْوَاهُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُثْبِتُونَ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُنْكِرَ لَهُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ وَالْبَعْضُ أَثْبَتَهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمَوَاقِفِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ سم مِمَّا لَا يَخْلُو بَعْضُهُ عَنْ الْقَدْحِ يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ وَقَفَ عَلَى كَلَامِهِ مَعَ اسْتِحْضَارِ مَا قَالَهُ الْحُكَمَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ تَرَكْنَا ذِكْرَهُ هُنَا مَخَافَةَ التَّطْوِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ التَّرَتُّبُ إلَخْ) جَوَابُ اعْتِرَاضٍ يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ الصِّحَّةُ مَنْشَأُ التَّرَتُّبِ بِأَنَّ الْمَنْشَأَ سَبَبٌ يَسْتَلْزِمُ مُقَارَنَةَ النَّاشِئِ عَنْهُ فَانْتِفَاءُ تِلْكَ الْمُقَارَنَةِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ السَّبَبِيَّةِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ اسْتِلْزَامِ الْمُقَارَنَةِ لِأَنَّ الْمُسَبَّبَ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ مَانِعِهِ كَالْخِيَارِ وَوُجُودِ
الْمَانِعُ مِنْهُ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الصِّحَّةِ مَنْشَأَ التَّرَتُّبِ كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي سَبَبِيَّةِ مِلْكِ النِّصَابِ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ تَوَقُّفُهُ عَلَى حَوَلَانِ الْحَوْلِ وَقُدِّمَ الْخَبَرُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِيَتَأَتَّى لَهُ الِاخْتِصَارُ فِيمَا يَلِيهِمَا وَالْأَصْلُ وَتَرَتُّبُ أَثَرِ الْعَقْدِ بِصِحَّتِهِ وَعِنْدَ التَّقْدِيمِ غُيِّرَ الضَّمِيرُ بِالظَّاهِرِ وَالْعَكْسُ لِيَتَقَدَّمَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ.
(وَ) بِصِحَّةِ (الْعِبَادَةِ) عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِي مَعْنَاهَا (إجْزَاؤُهَا
ــ
[حاشية العطار]
شَرْطِهِ كَحَوَلَانِ الْحَوْلِ.
(قَوْلُهُ: الْمَانِعُ) صِفَةٌ لِلْخِيَارِ وَضَمِيرُ مِنْهُ يَعُودُ لِلتَّرَتُّبِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَقْدَحُ فِي سَبَبِيَّةِ مِلْكِ النِّصَابِ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ الْعَقْدِ بِأَنَّ مِلْكَ النِّصَابِ مُسْتَمِرُّ الْوُجُودِ حَالَةَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ حَوَلَانُ الْحَوْلُ الَّتِي هِيَ حَالَةُ انْعِدَامِ الْمَانِعِ وَالصِّحَّةِ مُتَقَدِّمٌ لِانْعِدَامِ مَوْصُوفِهَا وَهُوَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ لَفْظٌ يَقْتَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ السَّبَبُ الْمُعَرِّفُ لِلْحُكْمِ بِجِهَةِ وُجُودِهِ مُعَرِّفًا وَهُوَ مَعْدُومٌ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ حَالَ وُجُودِهِ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَثَرَهُ يَقَعُ بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِهِ حَيْثُ لَا خِيَارَ وَمُنْفَصِلًا عَنْهُ بِالْخِيَارِ عِنْدَ وُجُودِ الْخِيَارِ فَلَمْ يُعْرَفْ السَّبَبُ الصَّحِيحُ هُنَا لَا بِجِهَةِ وُجُودِهِ حَالَ وُجُودِهِ لَا حَالَ عَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ: لِيَتَأَتَّى لَهُ إلَخْ) قَدْ يُعَلَّلُ أَيْضًا بِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ لَكِنْ تَرَكَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَصْدَ نَفْيُ مَا قِيلَ إنَّ الصِّحَّةَ هِيَ التَّرَتُّبُ لَا نَفْيُ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا وَهُوَ نَظَرٌ دَقِيقٌ اهـ. نَاصِرٌ.
(قَوْلُهُ: الِاخْتِصَارُ فِيمَا يَلِيهِمَا) هُوَ قَوْلُهُ وَالْعِبَادَةُ إجْزَاؤُهَا إلَخْ وَالِاخْتِصَارُ فِيهِ بِحَذْفِ بِصِحَّةٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ عَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِ الْخَبَزِ وَإِجْزَاءُ الْعِبَادَةِ بِصِحَّتِهَا لَكِنَّهُ لَزِمَ عَلَى صَنِيعِهِ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ عَطْفٌ عَلَى الْعَقْدِ الْعَامِلِ فِيهِ صِحَّةٌ وَإِجْزَاؤُهَا عَطْفٌ عَلَى تَرَتُّبٍ الْعَامِلُ فِيهِ الِابْتِدَاءُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ لَا مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْخَبَرُ وَهُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ أَيْ بِصِحَّةٍ بَعْدَ الْعَاطِفِ لِتَتِمَّ الْجُمْلَةُ الْمَعْطُوفَةُ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَجُوزُ حَذْفُهُ لِقَرِينَةٍ وَهِيَ هُنَا نَظِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يُنَافِي الِاخْتِصَارَ لِأَنَّ مَرْجِعَ الِاخْتِصَارِ إلَى اللَّفْظِ لَا التَّقْدِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَكْسُ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ لِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَفِعْلُ الْعَكْسِ.
(قَوْلُهُ: لِيَتَقَدَّمَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ) قَالَ النَّاصِرُ عِلَّةٌ لِتَغْيِيرِ الضَّمِيرِ بِالظَّاهِرِ وَالْعَكْسِ مَعًا لَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّقَدُّمَ لِلْمَرْجِعِ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ مَعَ التَّأَخُّرِ مُقَدَّمٌ رُتْبَةً وَهُوَ كَافٍ فِي الْجَوَازِ. اهـ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ ذَاكَ إذَا عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ نَفْسِهِ وَهُنَا يَعُودُ إلَى مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْمُبْتَدَأُ وَلَيْسَ رُتْبَتُهُ التَّقَدُّمَ بِالذَّاتِ بَلْ بِالتَّبَعِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: إجْزَاؤُهَا) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْإِجْزَاءُ وَالِامْتِثَالُ وَهُوَ كَمَا مَرَّ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ كَمَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُوَافَقَةُ الْعِبَادَةِ الشَّرْعَ الَّتِي هِيَ صِحَّتُهَا فَإِجْزَاءُ الْعِبَادَةِ صِحَّتُهَا لَا نَاشِئٌ كَمَا يَقْتَضِيه الْمَتْنُ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فَلْيُتَأَمَّلْ نَاصِرٌ قَالَ سم تَأَمَّلْنَاهُ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ مِمَّا لَا خَفَاءَ فِي فَسَادِهِ عَلَى أَحَدٍ لِأَنَّ حَاصِلَهُ رَدُّ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ لَيْسَا مُقَلِّدَيْنِ لَهُ وَلَا نَاقِلَيْنِ عَنْهُ وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اطَّلَعَ عَلَى مَا قَالَهُ وَخَالَفَهُ عَنْ قَصْدٍ فَإِنَّهُ شَرَحَ الْمُخْتَصَرَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَلَوْ ارْتَضَاهُ لَنَقَلَهُ وَهُوَ كَثِيرًا مَا يَسْتَدْرِكُ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْهَا بِقَرِينَةِ عُدُولِهِ عَنْهُ اهـ.
وَالْحَقُّ أَنَّ تَشْنِيعَهُ عَلَى شَيْخِهِ تَحَامُلٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هَاهُنَا لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ نَقُلْ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَبَيَانِ أَنَّ الْإِجْزَاءَ هَلْ هُوَ عَيْنُ الصِّحَّةِ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى
أَيْ كِفَايَتُهَا فِي سُقُوطِ التَّعَبُّدِ) أَيْ الطَّلَبِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ (وَقِيلَ) إجْزَاؤُهَا (إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) كَصِحَّتِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فَالصِّحَّةُ مَنْشَأُ الْإِجْزَاءِ
ــ
[حاشية العطار]
مُقْتَضَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَصَنِيعُ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِهَذَا الْمَطْلُوبِ إنْ كَانَ الْإِجْزَاءُ بِمَعْنَى الِامْتِثَالِ وَلَوْ عِنْدَ أَحَدٍ لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَكُنْ الْإِجْزَاءُ نَاشِئًا عَنْ الصِّحَّةِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِي الصِّحَّةِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ عَلَى الرَّاجِحِ نَاشِئٌ عَنْهُ.
وَفِي الْمِنْهَاجِ مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَالْإِجْزَاءُ هُوَ الْأَدَاءُ الْكَافِي لِسُقُوطِ التَّعَبُّدِ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ الْأَدَاءِ وَمَعْنَى السُّقُوطِ خُرُوجُ الْمُكَلَّفِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ تَكْلِيفٌ بِهِ وَالْأَدَاءُ الْكَافِي هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أَمَرَ الشَّارِعُ. اهـ.
وَهَذَا عَيْنُ مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ فَاعْتِرَاضُهُ قَوِيٌّ لَا يَنْدَفِعُ بِمُجَرَّدِ التَّشْنِيعِ إنَّمَا يَنْدَفِعُ بِنَقْلٍ قَوِيٍّ يُؤَيِّدُ مَقَالَةَ الْمُصَنِّفِ أَوْ إبْدَاءِ وَجْهٍ مَرْضِيٍّ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ الْفُضَلَاءِ.
وَأَمَّا رَدُّ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِطْرَاءِ فِي الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ فَعُدُولٌ عَنْ سَبِيلِ الْإِنْصَافِ نَعَمْ لَوْ أَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ اخْتِيَارٌ لَهُ كَأَنْ قَالَ وَعِنْدِي مَثَلًا ثُمَّ مَا قَالَهُ سم لَكِنْ بَعْدَ بَيَانِ سِرِّ الْمُخَالَفَةِ وَتَرْجِيحِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا كَمَا هُوَ أُسْلُوبُهُ مِنْ الِالْتِفَاتِ لِلْإِطْرَاءِ وَدَعْوَى الِاطِّلَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ جَرَى مِثْلُهُ فِي مَجْلِسِ الْمُنَاظَرَةِ لَحُكِمَ عَلَى قَائِلِهِ بِالْإِفْحَامِ وَاعْتِرَاضِ بَعْضٍ مِنْ كُتُبٍ هُنَا بِأَنَّ الِامْتِثَالَ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ وَالْإِجْزَاءُ وَصْفٌ لِلْعِبَادَةِ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ الْإِجْزَاءُ بِالِامْتِثَالِ سَاقِطٌ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ كَتَفْسِيرِ الدَّلَالَةِ بِالْفَهْمِ فَمَا يُجَابُ بِهِ هُنَاكَ يُجَابُ بِهِ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ الْقَضَاءُ) بِالتَّحْتِيَّةِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيْ الْإِجْزَاءُ أَوْ الْعِبَادَةُ وَذَلِكَ كَصَلَاةِ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَدَثُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُ إذَا نَظَرَ فِيهِمَا لِلظَّنِّ سَقَطَ الطَّلَبُ وَالْقَضَاءُ وَإِنْ نُظِرَ لِلْوَاقِعِ فَلَا سُقُوطَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الطَّلَبَ لَا يُنْظَرُ فِيهِ لِمَا فِي الْوَاقِعِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إنَّمَا يُطَالَبُ بِمَا فِي وُسْعِهِ مِثْلُ سُقُوطِ الطَّلَبِ وَأَمْرِهِ بِالْقَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَبَيُّنِ عَدِمِ مَا ظَنَّهُ بِأَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَالسَّاقِطُ هُوَ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا نَافَى وُجُوبَ الْقَضَاءِ.
(قَوْلُهُ: إسْقَاطُ الْقَضَاءِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ الْمُوجِبِ فَكَيْفَ سَقَطَ وَبِأَنَّهُمْ يُعَلِّلُونَ سُقُوطَ الْقَضَاءِ بِالْإِجْزَاءِ فَيَقُولُونَ سَقَطَ الْقَضَاءُ لِكَوْنِ الْفِعْلِ مُجْزِئًا فَلَوْ كَانَ هُوَ هُوَ لَمَّا عُلِّلَ بِهِ لِتَغَايُرِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ بِالذَّاتِ وَالْمَفْهُومُ وَاجِبٌ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مُوجِبَ الْقَضَاءِ النَّصُّ الْجَدِيدُ هَاهُنَا لَا الْفَوَاتُ عَنْ الْوَقْتِ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ الْعِلَّةُ الْخَارِجِيَّةُ بَلْ الِاسْتِدْلَال بِتَحَقُّقِ الْإِجْزَاءِ عَلَى تَحَقُّقِ السُّقُوطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّغَايُرُ بِالذَّاتِ كَمَا يُقَالُ الْإِنْسَانُ مَوْجُودٌ لِوُجُودِ الضَّاحِكِ.
(قَوْلُهُ: فَالصِّحَّةُ إلَخْ) الـ لِلْعَهْدِ أَيْ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ وَصْفٌ لَهَا لَا الصِّحَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَمَا يُفِيدُهُ
عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِيهِمَا وَمُرَادِفَةٌ لِلْمَرْجُوحِ فِيهِمَا (وَيَخْتَصُّ الْإِجْزَاءُ بِالْمَطْلُوبِ) مِنْ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ أَيْ بِالْعِبَادَةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى الْعَقْدِ الْمُشَارِكِ لَهَا فِي الصِّحَّةِ (وَقِيلَ) يَخْتَصُّ (بِالْوَاجِبِ) لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى الْمَنْدُوبِ كَالْعَقْدِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِجْزَاءِ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْعَقْدُ وَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْمَنْدُوبَةُ وَقِيلَ الْوَاجِبَةُ فَقَطْ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مَثَلًا «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيّ»
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ كَصِحَّتِهَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فِيهِمَا) أَيْ الْإِجْزَاءِ وَالصِّحَّةِ (قَوْلُهُ بِالْمَطْلُوبِ) الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَالْقَصْرُ إضَافِيٌّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَأُورِدَ أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يُطْلَبُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فَيَكُونُ عِبَادَةً فَلَا يَتِمُّ مُقَابَلَةُ الْعِبَادَةِ بِالْعَقْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِبَادَةِ مَا أَصْلُ وَضْعِهِ التَّعَبُّدُ لَا مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَالْعَقْدِ (قَوْلُهُ: كَالْعَقْدِ) أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَيْهِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْعَقْدُ) أَيْ لَا يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْإِجْزَاءِ فِيهِ إثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا وَقَوْلُهُ وَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ أَيْ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا إثْبَاتًا وَنَفْيًا فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعِي لِلْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مُرَادَهُ اخْتِصَاصُ إطْلَاقِ لَفْظِ الْإِجْزَاءِ بِالْعِبَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْإِثْبَاتِ فَتَتَّصِفُ هِيَ بِمَعْنَاهُ أَوْ فِي النَّفْيِ فَلَا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الشَّارِحِ فَاسْتَعْمَلَ الْإِجْزَاءَ إذْ الِاسْتِعْمَالُ الْإِطْلَاقُ إثْبَاتًا أَوْ نَفْيًا وَمَنْشَأُ اعْتِرَاضِهِ حَمْلُ الِاتِّصَافِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ فَتَتَّصِفُ بِهِ الْعِبَادَةُ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْإِثْبَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ) مَعْنَى كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا شَاكَلَهُ مَنْشَأَ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ كُلِّ مَا وُصِفَ فِيهَا بِالْإِجْزَاءِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ دَلِيلِ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يُوصَفُ بِالْإِجْزَاءِ إلَّا الْوَاجِبُ وَمَنْ قَالَ بِالْمَنْدُوبِ وَلَوْ فِي حَدِيثٍ مِنْهَا لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنْ دَلِيلِ النَّدْبِ قَالَ يُوصَفُ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ لَك أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُ أَبِي حَنِيفَةَ قَائِلًا بِالْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا قَدْ يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَهَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عَنْهُ فِي أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ قَالَ بِهِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ عِنْدَهُ مَنْدُوبٌ وَقَدْ وُصِفَ بِالْإِجْزَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» أَيْ تُجْزِيهِ اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا إلَى أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَطْ بَلْ هُوَ وَمَا شَاكَلَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ لَا يُقَالُ الْحَدِيثُ إنَّمَا يُفِيدُ اسْتِعْمَالَ الْإِجْزَاءِ فِي النَّفْيِ دُونَ الْإِثْبَاتِ لِأَنَّا نَقُولُ
فَاسْتُعْمِلَ الْإِجْزَاءِ فِي الْأُضْحِيَّةَ وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَنَا وَاجِبَةٌ عِنْدَ غَيْرِنَا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَاجِبِ اتِّفَاقًا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» .
(وَيُقَابِلُهَا) أَيْ الصِّحَّةَ (الْبُطْلَانُ) فَهُوَ مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ وُقُوعًا الشَّرْعَ وَقِيلَ فِي الْعِبَادَةِ عَدَمُ إسْقَاطِهَا الْقَضَاءَ (وَهُوَ) أَيْ الْبُطْلَانُ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ مُخَالَفَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعَ (الْفَسَادُ) أَيْضًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخَالَفَةُ مَا ذَكَرَ الشَّرْعُ (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي قَوْلِهِ مُخَالَفَةُ مَا ذَكَرَ الشَّرْعُ بِأَنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ إنْ كَانَتْ لِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْهُ لِأَصْلِهِ
ــ
[حاشية العطار]
الِاسْتِدْلَال بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ إثْبَاتٌ.
(قَوْلُهُ: فَاسْتُعْمِلَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأُضْحِيَّةِ) فِيهِ تَجَوُّزٌ جَارَى فِيهِ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَالْإِجْزَاءُ وَالْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْصَافٌ لِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ لَا لَهَا نَفْسِهَا إذْ الذَّوَاتُ لَا تُوصَفُ بِالْأَحْكَامِ حَقِيقَةً بَلْ الْمَوْصُوفُ بِهَا الْأَفْعَالُ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَاجِبِ اتِّفَاقًا) يَصِحُّ رُجُوعُهُ إلَى الْوَاجِبِ وَإِلَى الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ: حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ اتِّفَاقًا قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْوَاجِبَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لِكَوْنِهَا نَكِرَةً وَاقِعَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ فَاسْتِعْمَالُ الْإِجْزَاءِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي قُلْت لَا نُسَلِّمُ الْبِنَاءَ الْمَذْكُورَ إذْ الِاسْتِعْمَالُ الْمَذْكُورُ آتٍ بِتَقْدِيرِ الْعُمُومِ أَيْضًا وَبِكُلِّ حَالٍ فِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى الْحَنَفِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تُجْزِئُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ اهـ. زَكَرِيَّا
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّيْءِ وَاجِبًا فِي الشَّيْءِ وَوُجُوبِ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَالْكَلَامُ فِي الْأَوَّلِ وَالْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا وَلَيْسَ النَّظَرُ لِلصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةُ فِيهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَيُقَابِلُهَا إلَخْ) لَكِنَّ الْمُقَابَلَةَ عَلَى الْأَوَّلِ مُقَابَلَةُ التَّضَادِّ وَعَلَى الثَّانِي مُقَابَلَةُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي عُلِمَ إلَخْ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ فِي الْعِبَادَةِ عَدَمُ إسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الْفَسَادُ فِيهَا أَيْضًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحَلُّ نِزَاعِ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الثَّانِي لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِالْفَاسِدِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُسَمَّى بُطْلَانًا لَا يُقَالُ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي أَبْوَابٍ مِنْهَا الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ فَلَا يَمْضِي فِيهِ وَيَفْسُدُ بِجِمَاعٍ فَيَمْضِي فِيهِ وَمِنْهُ الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مِنْهُمَا مَا كَانَ بِعِوَضٍ غَيْرِ مُتَمَوِّلٍ أَوْ كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ رَاجِعًا لِلْعَاقِدِ كَصِغَرٍ وَيَفْسُدُ مَا كَانَ الْخَلَلُ فِيهِ رَاجِعًا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَحُكْمُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ حُرْمَةِ الْعَقْدِ وَحُكْمُ الْفَسَادِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَعَهَا الصَّدَاقُ وَالْعِتْقُ وَيَرْجِعُ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ بِالْبَدَلِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ آخَرُ فَلَا يَضُرُّ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ ذِي الْوَجْهَيْنِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مَنْهِيَّا إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ وَفِيهِ أَنَّ مُخَالَفَتَهُ الشَّرْعَ غَيْرُ قَاصِرَةٍ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بَلْ تَشْمَلُ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَلَوْ بِنَهْيٍ عَامٍّ فَإِنَّ مُخَالَفَةَ خِطَابِ الْوَضْعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالنَّهْيِ الْعَامِّ.
(قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ إلَخْ) غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا قَبْلَهُ بَلْ هُوَ تَفْصِيلٌ لَهُ لِأَنَّهُ مُجْمَلٌ أَوْ اللَّامُ بِمَعْنَى مَعَ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ.
(قَوْلُهُ: لَا صِلَةٌ) أَيْ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَلَا يُقَالُ إنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ مِنْ الْأَوْصَافِ
فَهِيَ الْبُطْلَانُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِدُونِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ رُكْنٍ مِنْ الْبَيْعِ أَيْ الْمَبِيعِ أَوْ لِوَصْفِهِ فَهِيَ الْفَسَادُ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِصَوْمِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ لِلنَّاسِ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيّ الَّتِي شَرَعَهَا فِيهِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيُفِيدُ بِالْقَبْضِ الْمِلْكَ الْخَبِيثَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي فِعْلِهِ دُونَ نَذْرِهِ وَيُؤْمَرُ بِفِطْرِهِ وَقَضَائِهِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَيَفِيَ بِالنَّذْرِ وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عَهْدِ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ أَدَّى الصَّوْمَ كَمَا الْتَزَمَهُ فَقَدْ اعْتَدَّ بِالْفَاسِدِ أَمَّا الْبَاطِلُ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَفَاتَ الْمُصَنِّفَ أَنْ يَقُولَ وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا قَالَ فِي الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّ مُخَالَفَةَ ذِي الْوَجْهَيْنِ لِلشَّرْعِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ لِأَصْلِهِ كَمَا تُسَمَّى بُطْلَانًا هَلْ تُسَمَّى فَسَادًا أَوْ لِوَصْفِهِ كَمَا تُسَمَّى فَسَادًا هَلْ تُسَمَّى بُطْلَانًا فَعِنْدَهُ وَعِنْدَنَا نَعَمْ
ــ
[حاشية العطار]
فَتَكُونُ الْمُخَالَفَةُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ لِوَصْفِهِ.
(قَوْلُهُ: لِانْعِدَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ فَالنَّهْيُ عَنْهُ وَقِسْ عَلَيْهِ نَظَائِرَهُ الْآتِيَةَ وَقَوْلُهُ أَيْ الْمَبِيعُ تَفْسِيرٌ لِرُكْنِ الْبَيْعِ لَا لِلْبَيْعِ.
(قَوْلُهُ: الْمِلْكُ الْخَبِيثُ) أَيْ الَّذِي يُطْلَبُ فَسْخُهُ شَرْعًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ إلَخْ) فَلَا يُقَالُ كَيْفَ صِحَّةُ النَّذْرِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ فَالْمَعْصِيَةُ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: دُونَ نَذْرِهِ) أَيْ الْإِتْيَانِ بِصِيغَتِهِ.
(قَوْلُهُ: لِيَتَخَلَّصَ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ فَقَدْ اعْتَدَّ بِالْفَاسِدِ) وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ صَاحِبُهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.
(قَوْلُهُ: خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ إلَخْ) وَإِنْ كَانَ لَا ثَوَابَ لَهُ نَظِيرَ مَنْ حَلَفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ بِالْفِعْلِ وَمَعَ ذَلِكَ يَأْثَمُ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَعْتَدُّ) يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ لِيُفِيدَ قَصْرَ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبَعْضُ أَصْحَابِهِ كَمُحَمَّدٍ قَالَ بِالِاعْتِدَادِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ) وَالِاعْتِدَادُ وَعَدَمُهُ
(وَالْأَدَاءُ فِعْلُ بَعْضٍ وَقِيلَ كُلُّ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ قَبْلَ خُرُوجِهِ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ مَنْدُوبًا وَقَوْلُهُ فِعْلُ بَعْضٍ يُغْنِي
ــ
[حاشية العطار]
أَمْرٌ فِقْهِيٌّ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ كُلُّ مَا) حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ لَيْسَتْ مَأْلُوفَةً وَسِيَاقُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا أُمُورًا مُتَقَابِلَةً.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَغَايُرِ الْمَفَاهِيمِ بِالتَّعَارِيفِ الْمُتَبَايِنِ بَلْ يَجُوزُ صِدْقُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَالْإِعَادَةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَإِعَادَةٌ وَبَعْدَ خُرُوجِهِ قَضَاءٌ وَإِعَادَةٌ.
(قَوْلُهُ: يَعْنِي مَعَ فِعْلِ إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا مَا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ لَا يَتَنَاوَلُ أَدَاءَ الصَّوْمِ وَلَا الْحَجَّ وَلَا أَدَاءَ الصَّلَاةِ إذَا فُعِلَتْ كُلُّهَا فِي الْوَقْتِ بِالتَّصْرِيحِ بَلْ بِفَحْوَى الْخِطَابِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِالتَّعْرِيفِ وَبِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا إذَا فَعَلَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ مَعَ الْعَمْدِ فَاسِدٌ وَمَعَ عَدَمِهِ يَنْقَلِبُ
عَنْ فِعْلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الْوَقْتِ أَيْضًا صَلَاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّلَاةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ فِيهِ مِنْهَا رَكْعَةً كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَقَوْلُهُ بَعْضُ بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مِثْلِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ الْمَعْطُوفُ حُذِفَ اخْتِصَارًا كَقَوْلِهِمْ نِصْفُ وَرُبْعُ دِرْهَمٍ وَكَذَا قَوْلُهُ كُلٌّ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ (وَالْمُؤَدَّى مَا فُعِلَ) مِنْ كُلِّ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ فِيهِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْأَوَّلِ
ــ
[حاشية العطار]
الْفَرْضُ نَفْلًا وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا فَعَلَ بَعْضَ الْعِبَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ خَارِجَهُ يَكُونُ أَدَاءً وَلَوْ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَبِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا فَعَلَ بَعْضَ مَا يَكُونُ أَدَاءً لِأَنَّ الْبَعْضَ مُبْهَمٌ وَبِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِعَدَمِ فِعْلِ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَصْلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَفْعَ الشَّارِحِ هَذَا تَكَلُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَدْفَعُ الْإِيرَادَ مُطْلَقًا وَفِيهِ كَلَامٌ.
(قَوْلُهُ: مَعَ فِعْلٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ الْأَدَاءِ مَعَ أَنَّ الْأَدَاءَ فِعْلُ الْجَمِيعِ الْوَاقِعُ بَعْضُهُ فِي الْوَقْتِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ دُونَ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِعْلُهُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا نَهَارًا.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْبَيَانُ لِمَاهِيَّةِ الْأَدَاءِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ حَذْفَ شَرْطٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَيْ مِنْ حَمْلِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ مُسْتَنَدًا لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالتَّعْرِيفِ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ الْمُبْهَمِ فِيهِ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ وَأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَأَنَّهُ مَعَ وُقُوعِ بَاقِيهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ لَمْ يُفِدْهُ التَّعْرِيفُ شَيْئًا بَلْ رُبَّمَا تَكَلَّفَ فِي تَنْزِيلِ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَلْفَاظِ التَّعْرِيفِ هَذَا عَلَى أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَدْفَعُ الْحَجَّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّ فِعْلَ الْحَجِّ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْمُكَلَّفُ بِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ فَتَسْمِيَتُهُ أَدَاءً بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ أَدَّيْت الدَّيْنَ بِمَعْنَى قَضَيْته لَا بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ وَتَسْمِيَةُ الْمَفْعُولِ مِنْ بَعْدِ فَسَادِهِ قَضَاءً مَجَازٌ.
(قَوْلُهُ: الْمَعْطُوفُ) أَرَادَ بِهِ الْمُصَاحَبَةَ تَسَمُّحًا لِدُخُولِهِ فِي مَفَاعِيلِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ وَإِلَّا فَالْمَعْطُوفُ قَبْلَ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُؤَدَّى مَا فُعِلَ)