المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ مِنْ تَقْسِيمِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ١

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

- ‌ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ

- ‌[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[تَعْرِيفِ السَّبَب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْقَضَاء]

- ‌[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْعِلْم]

- ‌[تَعْرِيف الْجَهْل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

- ‌[مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) :

- ‌(مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) :

- ‌(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

- ‌(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ

- ‌[مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) :

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ:

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ]

- ‌(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً

- ‌الْمَجَازُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]

- ‌(الْحُرُوفُ)

- ‌(الْأَمْرُ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ]

- ‌(النَّهْيُ)

- ‌(الْعَامِّ)

الفصل: أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ مِنْ تَقْسِيمِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ

أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ مِنْ تَقْسِيمِ الْإِمَامِ الرَّازِيّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا.

(وَالدَّلِيلُ مَا) أَيْ شَيْءٌ (يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ) أَيْ الْوُصُولُ بِكُلْفَةٍ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: أَقْرَبُ إلَى اللُّغَةِ) أَيْ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالتَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ يَقْتَضِي أَنَّ فِي تَقْسِيمِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ قُرْنًا وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا بَلْ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ

[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

(قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ) أَيْ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ.

(قَوْلُهُ: مَا يُمْكِنُ) الْمُرَادُ بِهِ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ أَيْ أَنَّ التَّوَصُّلَ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ إلَى الْعِلْمِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا وَلَا عَدَمَ التَّوَصُّلِ بِهِ إلَيْهِ ضَرُورِيٌّ أَيْ يَجُوزُ التَّوَصُّلُ وَعَدَمُهُ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ هَذَا التَّعْرِيفِ أَهْلُ السُّنَّةِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ فَيَضَانَ النَّتِيجَةِ بَعْدَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ وَلَيْسَ بِضَرُورِيٍّ وَيَصِحُّ إرَادَةُ الْإِمْكَانِ الْعَامِّ الْمُقَيَّدِ بِجَانِبِ الْوُجُودِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عَدَمَ التَّوَصُّلِ بِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ إلَى الْعِلْمِ لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ سَوَاءٌ كَانَ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَيْهِ ضَرُورِيًّا إمَّا بِطَرِيقِ الِاسْتِعْدَادِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحُكَمَاءِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ لَا يَكُونُ ضَرُورِيًّا بَلْ بِطَرِيقِ جَرْيِ الْعَادَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَيَنْطَبِقُ التَّعْرِيفُ عَلَى الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخَيَالِيِّ وَحَاشِيَةِ السَّيَالَكُوتِيِّ عَلَيْهِ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ إنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عَنْ الدَّلِيلِ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ وُجُوبُهُ عَادِيًّا وَإِنَّ الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ بِالْغَيْرِ اهـ.

مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لُزُومَ النَّتِيجَةِ لِلدَّلِيلِ عَقْلِيٌّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ عَادِيٌّ، وَأَمَّا الْإِمْكَانُ هُنَا فَهُوَ جِهَةٌ لِلْقَضِيَّةِ وَالْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ مُغَايِرٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مُحْتَاجًا فِي حُصُولِهِ لِلْغَيْرِ كَالْإِمْكَانِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْمُمْكِنِ وَإِرَادَتُهُ هُنَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ وَاجِبٌ بِالْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ جِهَةٌ لِلْقَضِيَّةِ فَقَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ بِالْآخَرِ فَإِنْ قُلْتَ الْإِمْكَانُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ مِنْ جِهَاتِ الْقَضِيَّةِ وَلَا قَضِيَّةَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَالدَّلِيلُ إلَخْ تَعْرِيفٌ وَلَيْسَ قَضِيَّةً قُلْتُ الْحَالُ كَمَا ذَكَرْتَ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَضِيَّةٌ تُوَجَّهُ بِالْإِمْكَانِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ بِأَنْ يُقَالَ الدَّلِيلُ مُوَصِّلٌ بِالْإِمْكَانِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْوُصُولُ بِكُلْفَةٍ) حَمَلَ صِيغَةَ التَّفَعُّلِ عَلَى التَّكَلُّفِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَتَعَانَى الْفَاعِلُ الْفِعْلَ وَيَتَطَلَّبَهُ كَمَا يُقَالُ تَشَجَّعَ زَيْدٌ أَيْ اسْتَحْصَلَ الشَّجَاعَةَ وَكَلَّفَ نَفْسَهُ إيَّاهَا لِتَحْصُلَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي كُلِّ دَلِيلٍ إذْ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ جِهَةِ الدَّلَالَةِ وَتَحْصِيلِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَالْهَيْئَةِ التَّأْلِيفِيَّةِ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَطْلُوبُ وَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ كُلْفَةً فِي بَعْضِ الْأَدِلَّةِ كَالْعَالَمِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّانِعِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الصِّيغَةِ عَلَى التَّدْرِيجِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ يَحْصُلُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَتَجَرُّعِهِ أَيْ شَرِبَ جُرْعَةً بَعْدَ جُرْعَةٍ اهـ.

مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْعَالَمَ مِنْ حَيْثُ نَفْسُهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْمَطْلُوبِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي جِهَةِ دَلَالَتِهِ وَالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ كَيْفَ وَتَحْصِيلُ جِهَةِ الدَّلَالَةِ الَّتِي هِيَ الْحُدُوثُ أَوْ الْإِمْكَانُ مِنْ أَعْلَى الْمَطَالِبِ الَّتِي أَفْرَغَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِيهَا وُسْعَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّكَرُّرِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْمَطْلُوبِ عَقِبَ الدَّلِيلِ دَفْعِيٌّ، أَنَّى وَتَحْصِيلُ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّكَرُّرُ بَلْ التَّكَلُّفُ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بِصَحِيحِ النَّظَرِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ فَبِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ أَوْ عَلَى مَعْنَى مِنْ.

(قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ كَالْعَالَمِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ النَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِ وَصِفَاتِهِ عَلَى

ص: 167

بِأَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِيهِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا إلَى ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ الْمُسَمَّاةِ وَجْهَ الدَّلَالَةِ وَالْخَبَرِيُّ مَا يُخْبَرُ بِهِ وَمَعْنَى الْوُصُولِ إلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ فَالنَّظَرُ هُنَا الْفِكْرُ لَا بِقَيْدِ الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا سَيَأْتِي حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ، وَالْفِكْرُ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ، وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ

ــ

[حاشية العطار]

وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ تَحْصِيلُ وَجْهِ الدَّلَالَةِ كَالْحُدُوثِ فَإِنَّهُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا حَاوَلَتْ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ فَتَّشَتْ فِي الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَالَمِ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ وَحَصَّلَتْ الْجِهَةَ الْمُوَصِّلَةَ لِلْمَطْلُوبِ وَهُوَ الْحُدُوثُ ثُمَّ تُحَصِّلُ الْمُقَدِّمَتَانِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى فَيَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ فَانْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ النَّظَرُ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِصَحِيحٍ وَهَذَا يَرْجِعُ لِصِحَّةِ صُورَةِ الدَّلِيلِ.

(قَوْلُهُ: أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا وَقَوْلُهُ الْمُسَمَّاةِ نَعْتٌ ثَانٍ لِلْجِهَةِ وَقَوْلُهُ وَجْهَ الدَّلَالَةِ أَيْ سَبَبَهَا (قَوْلُهُ: مَا يُخْبَرُ بِهِ) أَيْ مَعْنًى يُخْبَرُ بِهِ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ مَعْنَاهُ بِدُونِ النُّطْقِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْوُصُولِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ وُصُولٌ مَعْنَوِيٌّ لَا حِسِّيٌّ وَقَوْلُهُ بِمَا ذَكَرَ أَيْ بِصَحِيحِ النَّظَرِ.

(قَوْلُهُ: عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ) قِيلَ أَيْ أَوْ اعْتِقَادُهُ وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّ الِاعْتِقَادَ لَا يَكُونُ عَنْ الصَّحِيحِ فِي الدَّلِيلِ إذْ هُوَ الْجَزْمُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ نَتَائِجِ النَّظَرِ.

(قَوْلُهُ: فَالنَّظَرُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْوُصُولِ وَقَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي رَاجِعٌ لِلْمَنْفِيِّ لَا لِلنَّفْيِ وَقَوْلُهُ حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِنَّمَا صَرَفْت النَّظَرَ عَنْ ظَاهِرِهِ حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ أَيْ تَكْرَارِ عِلْمِ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنِّهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي التَّوَصُّلِ الْمُفَسَّرِ بِذَلِكَ فِي كَلَامِهِ وَمَرَّةً فِي النَّظَرِ الَّذِي هُوَ الْفِكْرُ بِقَيْدِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ " الدَّلِيلُ

ص: 168

الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ كَالْعَالَمِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ وَالظَّنِّيَّ كَالنَّارِ لِوُجُودِ الدُّخَانِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِوُجُوبِهَا

ــ

[حاشية العطار]

مَا يُمْكِنُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ بِصَحِيحِ الْفِكْرِ فِيهِ الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ ". قَالَ النَّاصِرُ التَّكْرَارُ مُنْدَفِعٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ ذِكْرُ الشَّيْءِ عَلَى وَجْهٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا الدَّلِيلُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ بِالْفِكْرِ فِيهِ الْمُؤَدِّي مِنْ حَيْثُ هُوَ إلَى عِلْمٍ مُطْلَقًا أَوْ ظَنٍّ مَحْصُولُهُ أَنَّ النَّظَرَ الَّذِي هُوَ فِي نَفْسِهِ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ مُطْلَقًا أَوْ الظَّنِّ مُفَادُهُ فِي الدَّلِيلِ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ أَوْ الظَّنُّ وَهَذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فِيهِ حُكْمٌ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ جَعَلَ صِحَّةَ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ سَبَبًا لِلتَّوَصُّلِ إلَى الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَيْ لِعِلْمِ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنِّهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحَ الَّذِي يَتَسَبَّبُ عَنْهُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ لَيْسَ إلَّا الْفِكْرَ الْمُؤَدِّيَ إلَى عِلْمِ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنِّهِ بِخِلَافِ الْفِكْرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْمَطْلُوبِ التَّصَوُّرِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ عِلْمُ الْمَطْلُوبِ الْخَبَرِيِّ أَوْ ظَنُّهُ فَلَوْ حَمَلَ النَّظَرَ هَاهُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ الْفِكْرُ بِقَيْدِ الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ لَزِمَ التَّكْرَارُ قَطْعًا فَالشَّارِحُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْعِبَارَةُ وَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ) أَيْ الْمُفِيدَ لِلْقَطْعِ وَالظَّنِّ لَا الْمَقْطُوعَ بِهِ وَالْمَظْنُونَ وَقَوْلُهُ كَالْعَالَمِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ قَبِيلِ الْمُفْرَدِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَالْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِ الْمَنَاطِقَةِ.

وَقَالَ الْخَيَالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْعَقَائِدِ إنَّ الدَّلِيلَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ يَكُونُ مُفْرَدًا وَغَيْرَهُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَمْثِلَةً ثَلَاثَةً:

الْأَوَّلُ: لِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ.

وَالثَّانِي: لِحِسِّيٍّ.

وَالثَّالِثُ: لِشَرْعِيٍّ.

وَأَيْضًا الْأَوَّلُ دَلِيلٌ إنِّيٌّ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَعْلُومِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ وَالثَّانِي لَمِّيٌّ بِعَكْسِهِ وَالدَّلِيلُ الْأَوَّلُ قَطْعِيٌّ وَالِاثْنَانِ بَعْدَهُ ظَنِّيَّانِ، وَوَجْهُ كَوْنِ دَلَالَةِ النَّارِ عَلَى الدُّخَانِ ظَنِّيَّةً أَنَّهَا قَدْ تَخْلُو عَنْ الدُّخَانِ إذَا لَمْ تُخَالِطْ شَيْئًا مِنْ الْأَجْزَاءِ التُّرَابِيَّةِ وَقَوْلُهُ لِوُجُودِ الصَّانِعِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ دَلِيلًا وَمُوصِلًا

ص: 169

فَبِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ فِي هَذِهِ الْأَدِلَّةِ أَيْ بِحَرَكَةِ النَّفْسِ فِيمَا تَعْقِلُهُ مِنْهَا مِمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْتَقِلَ بِهِ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ كَالْحُدُوثِ فِي الْأَوَّلِ وَالْإِحْرَاقِ فِي الثَّانِي وَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّالِثِ تَصِلُ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ بِأَنْ تُرَتَّبَ هَكَذَا الْعَالَمُ حَادِثٌ وَكُلُّ حَادِثٍ لَهُ صَانِعٌ فَالْعَالَمُ لَهُ صَانِعٌ، النَّارُ شَيْءٌ مُحْرِقٌ وَكُلُّ مُحْرِقٍ لَهُ دُخَانٌ فَالنَّارُ لَهَا دُخَانٌ، أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ بِالصَّلَاةِ وَكُلُّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ لِوُجُوبِهِ حَقِيقَةٌ فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا.

وَقَالَ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ دُونَ يَتَوَصَّلُ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ دَلِيلًا وَإِنْ لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ النَّظَرُ الْمُتَوَصَّلُ بِهِ

ــ

[حاشية العطار]

لِوُجُودِ الصَّانِعِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: فَبِالنَّظَرِ الصَّحِيحِ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَعْدُ، تَصِلُ إلَى تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ، إنْ قُدِّمَ عَلَيْهِ لِلْحَصْرِ.

(قَوْلُهُ: كَالْحُدُوثِ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُسْتَلْزِمَ لِلْمَطْلُوبِ هُوَ الْحَدُّ الْوَسَطُ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْثِلَةِ مُفْرَدٌ تَسْتَحِيلُ الْحَرَكَةُ الَّتِي هِيَ الِانْتِقَالُ فِيهِ بَلْ هِيَ وَاقِعَةٌ فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَالْحُدُوثِ وَمَا بَعْدَهُ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارَاتُهَا وَهُوَ اعْتِبَارُ ثُبُوتِهَا لِلدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ الْحَدُّ الْأَصْغَرُ وَاعْتِبَارُ الِانْتِقَالِ إلَى الْمَدْلُولِ بِوَاسِطَتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَقَعُ الْحَرَكَةُ فِيهَا.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَبْنَى الْإِشْكَالِ حَمْلُ فِي مِنْ، قَوْلِهِ فِيمَا تَعْقِلُهُ فِيهَا عَلَى مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ، مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا، فَجَعَلَ تِلْكَ الْحَرَكَةَ سَبَبًا أَوْ آلَةً لِلِانْتِقَالِ مِنْهَا إلَى الْمَطْلُوبِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَحَلَّ الْحَرَكَةِ اهـ.

وَهُوَ صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَمَّا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ بِلَا دَاعٍ وَقَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحًا وَالتَّقْدِيرُ مَثَلًا فِيمَا تَعَلُّقُهُ فِيهَا مَعَ غَيْرِهِ، غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيرَ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ تُرَتَّبَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ ضَمِيرُهُ الْعَائِدُ إلَى الْأَدِلَّةِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَصِلُ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ النَّظَرِ بَلْ لَازِمُهُ وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ خِلَافَ مَا عَلَيْهِ الْكَثِيرُ مِنْ الْمَنَاطِقَةِ أَنَّهُ عَيْنُهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ إمَّا بِالْفِعْلِ وَهُوَ الشَّكْلُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا بِالْقُوَّةِ كَبَقِيَّةِ الْأَشْكَالِ، وَالْقِيَاسُ الِاسْتِثْنَائِيِّ لِتَوَقُّفِ إنْتَاجِهَا لِرُجُوعِهَا لِلْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ) قَالَ النَّاصِرُ صَوَابُ الْعِبَارَةِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِوُجُوبِهَا حَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ هَذِهِ النَّتِيجَةُ لَوْ كَانَ صُورَةُ الْقِيَاسِ، الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ أَمْرٌ بِشَيْءٍ وَكُلُّ أَمْرٍ بِشَيْءٍ لِوُجُوبِهِ حَقِيقَةٌ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ أَلْ فِي الْأَمْرِ لِلْعَهْدِ أَيْ فَالْأَمْرُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَقِيمُوا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَأَقِيمُوا لِلْوُجُوبِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَكُونُ دَلِيلًا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَعْرُوضُ الدَّلَالَةِ وَهِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَوْ الظَّنَّ عِنْدَ النَّظَرِ فِيهِ وَهَذَا حَاصِلٌ نَظَرَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَنْظُرْ كَذَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ أَيْ الْكَائِنَ بِحَيْثُ يُفِيدُ إلَخْ وَقَوْلُهُ

ص: 170

وَقَيَّدَ النَّظَرَ بِالصَّحِيحِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ لِانْتِفَاءِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ عَنْهُ وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا إذَا نَظَرَ فِي الْعَالَمِ مِنْ حَيْثُ الْبَسَاطَةُ وَفِي النَّارِ مِنْ حَيْثُ التَّسْخِينُ فَإِنَّ الْبَسَاطَةَ وَالتَّسْخِينَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنْ يُنْقَلَ بِهِمَا إلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَالدُّخَانِ وَلَكِنْ يُؤَدِّي إلَى وُجُودِهِمَا هَذَانِ النَّظَرَانِ مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْعَالَمَ بَسِيطٌ وَكُلُّ بَسِيطٍ لَهُ صَانِعٌ وَمِمَّنْ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مُسَخِّنٍ لَهُ دُخَانٌ

ــ

[حاشية العطار]

وَإِنْ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ أَيْ النَّظَرَ الْمُتَوَصَّلَ بِهِ بِأَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ يَنْظُرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ أَوْ مِنْهُ لَا مَعَ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ اهـ. نَاصِرٌ.

وَإِنَّمَا أَدْخَلَ الشَّارِحُ النَّفْيَ عَلَى النَّظَرِ دُونَ التَّوَصُّلِ مَعَ أَنَّهُ الْجَارِي عَلَى سَنَنِ مَا سَبَقَ لِئَلَّا تَصْدُقَ الْعِبَارَةُ بِصُورَةٍ بَاطِلَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ مَا إذَا نَظَرَ فِيهِ نَظَرًا صَحِيحًا لَكِنْ لَمْ يَتَوَصَّلْ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى نَظَرَ فِيهِ نَظَرًا صَحِيحًا فَقَدْ تَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْمَطْلُوبِ.

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ النَّظَرَ بِالصَّحِيحِ) قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَقَيَّدَ النَّظَرَ بِالصَّحِيحِ أَيْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَرَائِطِهِ صُورَةً وَمَادَّةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ، إذًا لَيْسَ هُوَ سَبَبًا لِلتَّوَصُّلِ وَلَا آلَةً وَإِنْ كَانَ قَدْ يُفْضِي إلَيْهِ فَذَلِكَ اتِّفَاقِيٌّ وَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ وَسِيلَةً فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ وَأُرِيدَ الْعُمُومُ خَرَجَتْ الدَّلَائِلُ بِأَسْرِهَا إذْ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِكُلِّ نَظَرٍ فِيهَا وَلَوْ أُرِيدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ نَظَرٍ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَنْبِيهٌ عَلَى افْتِرَاقِ الْفَاسِدِ عَنْ الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِهِ) أَيْ بِذَاتِهِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَإِنْ أَدَّى إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ إلَخْ أَوْ يُقَالُ فَرْقٌ بَيْنَ التَّوَصُّلِ وَبَيْنَ الْإِفْضَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّوَصُّلِ يَقْتَضِي وُجُودَ وَجْهِ الدَّلَالَةِ بِخِلَافِ الْإِفْضَاءِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُمْكِنُ إلَخْ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمَطْلُوبِ يَسْتَلْزِمُ إمْكَانَ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ لَا مَحَالَةَ.

(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ وَجْهِ الدَّلَالَةِ عَنْهُ) إشَارَةٌ إلَى تَعْرِيفِ النَّظَرِ الْفَاسِدِ بِأَنَّهُ مَا انْتَفَى وَجْهُ الدَّلَالَةِ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: مِمَّنْ اعْتَقَدَ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْفَسَادُ فِي الْبَسَاطَةِ مِنْ جِهَتَيْنِ جِهَةِ ثُبُوتِهِ لِلْعَالَمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الصُّغْرَى فَإِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لَيْسَ بَسِيطًا لِعَدَمِ بَسَاطَةِ الْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ الْحَيَوَانِ وَالْمَعْدِنِ وَالنَّبَاتِ لِتَرَكُّبِهَا مِنْ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ

ص: 171

أَمَّا الْمَطْلُوبُ غَيْرُ الْخَبَرِيِّ وَهُوَ التَّصَوُّرِيُّ فَيُتَوَصَّلُ إلَيْهِ أَيْ يُتَصَوَّرُ بِمَا يُسَمَّى حَدًّا بِأَنْ يُتَصَوَّرَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ حَدًّا لِلْإِنْسَانِ وَسَيَأْتِي حَدُّ الْحَدِّ الشَّامِلِ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ.

(وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا هَلْ الْعِلْمُ) بِالْمَطْلُوبِ الْحَاصِلِ عِنْدَهُمْ (عَقِيبَهُ) أَيْ عَقِيبَ صَحِيحِ النَّظَرِ عَادَةً عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْأَشْعَرِيِّ فَلَا يَتَخَلَّفُ إلَّا خَرْقًا لِلْعَادَةِ كَتَخَلُّفِ الْإِحْرَاقِ عَنْ مُمَاسَّةِ النَّارِ أَوْ لُزُومًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ فَلَا يَنْفَكُّ أَصْلًا.

ــ

[حاشية العطار]

عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْ الْهَيُولَى وَالصُّورَةِ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ.

وَأَمَّا الْعَنَاصِرُ وَالْأَفْلَاكُ وَالنُّفُوسُ فَبَسِيطَةٌ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ، وَجِهَةِ الِالْتِزَامِ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الْكُبْرَى فَإِنَّ الْوُجُوبَ بَسِيطٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَيَتَّصِفُ بِهِ الْقَدِيمُ فَلَا يَكُونُ حَادِثًا وَفِي التَّسْخِينِ مِنْ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا دُخَانَ لِلشَّمْسِ مَعَ أَنَّهَا مُسَخِّنَةٌ دُونَ الْأُولَى، سَلَّطَ الِاعْتِقَادَ عَلَى الْجِهَتَيْنِ وَالظَّنَّ عَلَى الثَّانِيَةِ فَقَطْ وَعَبَّرَ بِالِاعْتِقَادِ فِي جَانِبِ الْبَسَاطَةِ وَبِالظَّنِّ فِي جَانِبِ التَّسْخِينِ لِضَعْفِ الِاعْتِقَادِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا عَنْ دَلِيلٍ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا الْمَطْلُوبُ غَيْرُ الْخَبَرِيّ إلَخْ) الْأَظْهَرُ فِي الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إلَى مَطْلُوبٍ تَصَوُّرِيٍّ فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ بَلْ يُسَمَّى حَدًّا.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُتَصَوَّرَ) مُتَعَلِّقٌ بِيُتَوَصَّلُ وَلَمْ يَقُلْ وَتُرَتَّبُ كَمَا قَالَ فِي الْخَبَرِيِّ؛ لِأَنَّ التَّعَدُّدَ اللَّازِمَ لِلتَّرْتِيبِ غَيْرُ وَاجِبٍ لِجَوَازِ التَّعْرِيفِ بِالْمُفْرَدِ وَحْدَهُ كَالْفَصْلِ وَالْخَاصَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِمَا يُسَمَّى حَدًّا وَقَوْلُهُ الشَّامِلِ نَعْتٌ لِلْحَدِّ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِذَلِكَ أَيْ لِحَدِّ الْإِنْسَانِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْحَدِّ

(قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا إلَخْ) ذَكَرَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِذِكْرِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: هَلْ الْعِلْمُ) أَيْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ أَوْ الْمُرَادُ لَيْسَ حَقِيقَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمَطْلُوبَ بِالْخَبَرِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ التَّصَوُّرَ وَالتَّصْدِيقَ.

(قَوْلُهُ: الْحَاصِلِ عِنْدَهُمْ) تَقْدِيرُ الْحُصُولِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ الظَّرْفِ بِالْعِلْمِ وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِمُجَرَّدِ الْإِيضَاحِ وَلِيَتَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ عَادَةً أَوْ لُزُومًا وَتَقْدِيرُ عِنْدَهُمْ تَعْرِيضٌ بِمَنْ نَفَى حُصُولَ الْعِلْمِ عَنْ النَّظَرِ مُطْلَقًا وَهُمْ السُّمَنِيَّةُ " أَوْ لَا يُفِيدُ إلَّا فِي الْهَنْدَسِيَّاتِ وَالْحِسَابِيَّاتِ وَهُمْ الْمُهَنْدِسُونَ أَوْ لَا يُفِيدُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَهُمْ الْمَلَاحِدَةُ وَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَفْصِيلٌ بَعْدَ إجْمَالٍ.

(قَوْلُهُ: عَادَةً) أَيْ أَنَّ الْعَادَةَ الْإِلَهِيَّةَ جَرَتْ بِخَلْقِ الْعِلْمِ عَقِبَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ مَعَ جَوَازِ الِانْفِكَاكِ عَقْلًا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَخْلُقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ خَرْقِ الْعَادَةِ.

(قَوْلُهُ: لُزُومًا) أَيْ عَقْلِيًّا بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِلْعَادِيِّ وَهَذَا هُوَ الْمَرْضِيُّ عِنْدَهُمْ.

(قَوْلُهُ: كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ) فَإِنَّهُ يَقُولُ حُصُولُ الْعِلْمِ عَقِيبَ النَّظَرِ وَاجِبٌ أَيْ لَازِمٌ عَقْلًا يَسْتَحِيلُ انْفِكَاكُهُ

ص: 172

كَوُجُودِ الْجَوْهَرِ لِوُجُودِ الْعَرَضِ (مُكْتَسَبٌ) لِلنَّاظِرِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ نَعَمْ لِأَنَّ حُصُولَهُ عَنْ نَظَرِهِ الْمُكْتَسَبِ لَهُ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ حُصُولَهُ اضْطِرَارِيٌّ لَا قُدْرَةَ عَلَى دَفْعِهِ وَلَا انْفِكَاكَ عَنْهُ وَلَا خِلَافَ إلَّا فِي التَّسْمِيَةِ

ــ

[حاشية العطار]

وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ.

(قَوْلُهُ: كَوُجُودِ الْجَوْهَرِ) أَيْ فَإِنَّ وُجُودَ الْعَرَضِ بِعَيْنِهِ هُوَ وُجُودُ الْجَوْهَرِ لَا أَنَّ لِلْجَوْهَرِ وُجُودًا مُغَايِرًا لِوُجُودِ الْعَرَضِ فَلُزُومُ الْمَطْلُوبِ لِلنَّظَرِ كَلُزُومِ الْعَرَضِ لِلْجَوْهَرِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ: فَقَالَ الْجُمْهُورُ نَعَمْ) وَلِذَلِكَ صَحَّ التَّكْلِيفُ بِهِ قَالَ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَقَالُوا مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَاجِبَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) وَعَلَيْهِ تَكُونُ الْعُلُومُ كُلُّهَا ضَرُورِيَّةً وَإِنْ تَوَقَّفَ بَعْضُهَا عَلَى النَّظَرِ.

(قَوْلُهُ: لَا قُدْرَةَ عَلَى دَفْعِهِ) أَيْ عِنْدَ حُصُولِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا انْفِكَاكَ عَنْهُ أَيْ بَعْدَ حُصُولِهِ فَلَا تَكْرَارَ وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِذَلِكَ لَا يُعَدُّ عَجْزًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ إذَا كَانَ لِمَعْنًى فِي الْقُدْرَةِ لَا لِمَعْنًى فِي الْمَقْدُورِ هُنَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوجَدَ الْعِلْمُ بِالْمُقَدِّمَاتِ بِدُونِ النَّتِيجَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلَيْنِ حَيْثُ عَلَّلَ كُلَّ قَوْلٍ بِمَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ الْآخَرَ فَإِنَّ النَّظَرَ مُكْتَسَبٌ اتِّفَاقًا وَحُصُولُ النَّتِيجَةِ بَعْدَهُ لَازِمٌ لَا يَتَخَلَّفُ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: إلَّا فِي التَّسْمِيَةِ) أَيْ لَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّوَجُّهَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَالْأَوَّلُ يُوَافِقُ الثَّانِيَ فِي أَنَّ حُصُولَ الْمَطْلُوبِ عَقِبَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ اضْطِرَارِيٌّ وَالثَّانِي يُوَافِقُ الْأَوَّلَ فِي أَنَّ حُصُولَهُ عَنْ نَظَرٍ وَكَسْبٍ وَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ رَاجِعٌ إلَى اكْتِسَابِ سَبَبِهِ وَأَنَّهُ نَفْسَهُ اضْطِرَارِيٌّ غَيْرُ مَقْدُورٍ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ يَرْجِعُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلتَّكْلِيفِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ النَّظَرُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْدُورُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَوَاقِفِ تَبَعًا

ص: 173

وَهِيَ بِالْمُكْتَسَبِ أَنْسَبُ وَالظَّنُّ كَالْعِلْمِ فِي قَوْلِ الِاكْتِسَابِ وَعَدَمِهِ دُونَ قَوْلَيْ اللُّزُومِ وَالْعَادَةِ لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ

ــ

[حاشية العطار]

لِلْآمِدِيِّ قَالَ السَّيِّدُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ فَتَكُونُ مُكَلَّفًا بِهَا وَجَعْلُ إيجَابِهَا رَاجِعًا إلَى إيجَابِ النَّظَرِ فِيمَا يُوَصِّلُ إلَيْهَا عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرَةِ الْأُولَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ الْوَاجِبُ الْحُصُولِ، حُكْمُهُ حُكْمُ الضَّرُورِيِّ إلَّا فِي الْمَقْدُورِيَّةِ وَمَا يَتْبَعُهَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا يُنَاقِضُ الضَّرُورِيَّ إذْ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ فِيهِ تَصَوُّرُ طَرَفَيْهِ فَإِذَا أَوْجَبَ تَصَوُّرُهُمَا حُكْمًا إيجَابِيًّا لَمْ يُمْكِنْهُ بَعْدَ تَصَوُّرِهِمَا أَنْ يَعْتَقِدَ السَّلْبَ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ النَّظَرِيِّ فَإِنَّ مُوجَبَهُ النَّظَرُ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ أَمْكَنَهُ إذْ يَعْتَقِدَ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ النَّظَرِيَّ فَيَكُونُ ذَلِكَ النَّظَرِيُّ مَعَ وُجُوبِ حُصُولِهِ عَنْ النَّظَرِ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ فَيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ اهـ.

ثُمَّ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ إلَخْ أَنَّهُ بَعْدَ حُصُولِ الْعِلْمِ عَنْ النَّظَرِ يَغْفُلُ عَنْ النَّظَرِ فَتَرْجِعُ الْمَقْدُورِيَّةُ حِينَئِذٍ عَلَى اسْتِمْرَارِ حُصُولِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْمَقْدُورِيَّةِ عَلَى تَحْصِيلِهِ، بَلْ مَعْنَى كَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا أَفَادَهُ الْمَوْلَى عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْمَوَاقِفِ أَنَّ الْعِلْمَ الْأَوْلَى بَعْدَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ وَالنِّسْبَةِ لَازِمُ الْحُصُولِ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ تَرْكِهِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَقْدُورٍ بِخِلَافِ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِهِ بَعْدَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ وَالنِّسْبَةِ بِتَرْكِ النَّظَرِ فِي تَحْصِيلِهِ فَهُوَ مَقْدُورٌ.

وَأَمَّا قَبْلَ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ فَكِلَاهُمَا يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِهِ لِامْتِنَاعِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِالْمَجْهُولِ قَالَ فَتَدَبَّرْ فَإِنَّهُ قَدْ زَلَّ فِيهِ أَقْدَامُ الْفُضَلَاءِ اهـ.

وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَهُ سم وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ قَوْلَهُ إذَا غَفَلَ عَنْهُ إلَخْ يُعَارِضُ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَا قُدْرَةَ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَهُّمِ الَّذِي نَفَيَاهُ فَمَا قَالُوهُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وَالْمُنَاقَشَةِ فِي ذَلِكَ الْجَوَابِ بِنَاءٌ لِلْفَاسِدِ عَلَى الْفَاسِدِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ التَّسْمِيَةُ بِالْمُكْتَسَبِ أَنْسَبُ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِغَيْرِ الْمُكْتَسَبِ لِوُجُودِ سَبَبِهَا وَهُوَ الِاكْتِسَابُ وَلِلنَّاصِرِ وسم هُنَا كَلَامٌ قَلِيلُ الْجَدْوَى مَبْنِيٌّ عَلَى تَقْدِيرٍ فِي الْكَلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَمَا عَلَيْهِ تَعْوِيلٌ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ إلَخْ) اعْتَرَضَهُ الْحَوَاشِيُّ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ كَوْنُهُ دَلِيلًا عَلَى

ص: 174

بَيْنَ الظَّنِّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ عَنْهُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّهُ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِهِ قَدْ يَزُولُ لِعَارِضٍ كَمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِحُكْمٍ وَآخَرُ بِنَقِيضِهِ أَوْ لِظُهُورِ خِلَافِ الْمَظْنُونِ كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ لِكَوْنِ مَرْكَبِهِ وَخَدَمِهِ بِبَابِهَا ثُمَّ شُوهِدَ خَارِجَهَا.

وَأَمَّا غَيْرُ أَئِمَّتِنَا فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا النَّظَرُ

ــ

[حاشية العطار]

عَدَمِ ثُبُوتِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ لَا عَلَى انْتِفَاءِ حُصُولِهِ عَقِبَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ صَحِيحَ الصُّورَةِ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَطْلُوبُ ظَنًّا كَانَ أَوْ عِلْمًا فَيَكُونُ مُرْتَبِطًا بِالْمُقَدَّمَتَيْنِ قَطْعًا وَيَجْرِي فِيهِ قَوْلَا اللُّزُومِ وَالْعَادَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ أَوْ لَيْسَ أَنَّ النَّظَرَ سَبَبٌ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَالسَّبَبُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ.

وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ وَمَا تَكَلَّفَ بِهِ سم فِي رَدِّهِ بِقَوْلِهِ مَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ حَاصِلَ فَرْقِ الشَّارِحِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَيْهِ أَصْلًا إلَّا خَرْقًا لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الظَّنِّ فَإِنَّهُ يَتَخَلَّفُ كَثِيرًا وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّظَرَ الْمُؤَدِّيَ لِلْعِلْمِ قَطَعَ التَّأْدِيَةَ إلَيْهِ وَالْقَطْعِيُّ لَا يُعَارِضُهُ شَيْءٌ مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ فَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَبَدًا بِخِلَافِ النَّظَرِيِّ الْمُؤَدِّي إلَى الظَّنِّ فَإِنَّهُ ظَنِّيُّ التَّأْدِيَةِ وَالظَّنُّ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ فَتَنْتَفِي التَّأْدِيَةُ وَانْتِفَاؤُهَا لَا يُنَافِي سَبَبِيَّةَ النَّظَرِ فَالْمُعَارَضَةُ إذَا كَانَتْ مَنْشَأً لِسُقُوطِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ كَانَتْ مَنْشَأً لِعَدَمِ حُصُولِهِ، آخِرُ مَا أَطَالَ بِهِ مِمَّا يَرْجِعُ أَكْثَرُهُ إلَى مَا نَقَلْنَاهُ وَرَحِمَهُ اللَّهُ فَلَقَدْ أَتَى فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَا لَا يَرْتَضِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ فِي عِلْمِ الْمَعْقُولِ، أَمَّا قَوْلُهُ حَاصِلُ فَرْقِ الشَّارِحِ إلَى قَوْلِهِ وَالْفَرْقُ فَهُوَ مَحَلُّ الْإِشْكَالِ وَقَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَخْ إنْ أَرَادَ الْمُعَارَضَةَ بَعْدَ حُصُولِ الظَّنِّ فَقَدْ رَجَعْنَا إلَى مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى عَدَمِ ثَبَاتِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ قِيَامَ الْمُعَارِضِ حِينَ النَّظَرِ فِي مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ وَتَرْتِيبِهَا.

فَالْعِلْمُ وَالظَّنُّ فِيهِ سِيَّانِ لَكِنَّهُ مَتَى سَلِمَتْ الْمُقَدِّمَتَانِ وَتَرَتَّبَتْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ مُطْلَقًا عِلْمًا كَانَ أَوْ ظَنًّا عَلَى أَنَّ الْمُعَارِضَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ قِيَامُهُ إذْ عِنْدَ النَّظَرِ فِي مَبَادِئِ الْمَطْلُوبِ لَا تَلْتَفِتُ النَّفْسُ إلَى غَيْرِهَا لِاسْتِحَالَةِ تَوَجُّهِ النَّفْسِ إلَى شَيْئَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَالْمُعَارِضُ لَا يَقُومُ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ النَّتِيجَةِ وَبَعْدَ حُصُولِهَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّأْدِيَةَ انْتَفَتْ وَقَوْلُهُ إنَّ الْمُعَارَضَةَ إذَا كَانَتْ مَنْشَأً لِسُقُوطِ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِهِ كَانَتْ مَنْشَأً لِعَدَمِ حُصُولِهِ دَعْوَى بَدِيهِيَّةِ الْبُطْلَانِ إذْ كَيْفَ تَقُومُ الْمُعَارَضَةُ حَالَةَ تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ؟ نَعَمْ قَدْ تَحْصُلُ الْمُعَارَضَةُ فِي بَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ لَكِنَّ ذَلِكَ حَالَةَ النَّظَرِ إلَيْهَا وَقَبْلَ تَرْتِيبِهَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَالْحَقُّ أَنَّ حُصُولَ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ مُنْفَكَّةٌ عَنْ النَّتِيجَةِ بِأَمْرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ فَإِنَّ النَّتِيجَةَ لَازِمَةٌ لِلْمُقَدِّمَاتِ لُزُومًا غَيْرَ مُنْفَكٍّ فِي الْعِلْمِ وَفِي الظَّنِّ، نَعَمْ تَعَارُضُ الظَّنِّيَّاتِ إنَّمَا يُوجِبُ عَدَمَ قَطْعِيَّةِ الْمَظْنُونِ لَا عَدَمَ اللُّزُومِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ النَّتِيجَةُ لَازِمَةٌ فَإِذَا زَالَتْ الْمُقَدِّمَاتُ لِمُعَارِضٍ زَالَتْ النَّتِيجَةُ وَهَذَا لَا يُنَافِي التَّلَازُمَ وَالِارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ كَمَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَبَعْضُ الْحَوَاشِي نَقَلَ كَلَامَ سم مُسْتَحْسِنًا لَهُ قَائِلًا وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُ نَاقَشَهُ بِمَا لَا يُسْمَعُ وَمَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ فِيمَا قُلْنَاهُ وَمَا قَالَهُ سم وَالْمُنْتَصِرُ لَهُ وَالْمُتَعَقِّبُ ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ عِيَانًا.

(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ أَيْ لَا ارْتِبَاطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

(قَوْلُهُ: وَآخَرُ بِنَقِيضِهِ) أَيْ فَتَخَلَّفَ مَدْلُولُ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ عَنْهُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي لُزُومَ الْمَدْلُولِ لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُ أَئِمَّتِنَا) مُقَابِلُ قَوْلِ

ص: 175

يُوَلِّدُ الْعِلْمَ كَتَوْلِيدِ حَرَكَةِ الْيَدِ لِحَرَكَةِ الْمِفْتَاحِ عِنْدَهُمْ وَعَلَى وِزَانِهِ يُقَالُ الظَّنُّ الْحَاصِلُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ النَّظَرِ عِنْدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ وَقَوْلُهُ عَقِيبَهُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَالْكَثِيرُ تَرْكُ الْيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ.

(وَالْحَدُّ) عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ

ــ

[حاشية العطار]

الْمُصَنِّفِ أَئِمَّتُنَا، وَغَيْرُ مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ فَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا خَبَرٌ وَالرَّابِطُ مَحْذُوفٌ أَيْ فَالْمُعْتَزِلَةُ مِنْهُمْ وَبَقِيَ قَوْلٌ رَابِعٌ لِلْحُكَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَطْلُوبِ لِلنَّظَرِ فَالنَّظَرُ عِلَّةٌ فِي حُصُولِهِ وَفَيَضَانِهِ عَنْ الْمَبْدَأِ الْفَيَّاضِ الَّذِي هُوَ الْعَقْلُ الْعَاشِرُ عِنْدَهُمْ.

(قَوْلُهُ: يُوَلِّدُ الْعِلْمَ إلَخْ) التَّوْلِيدُ أَنْ يُوجِبَ الْفِعْلُ لِفَاعِلِهِ فِعْلًا آخَرَ كَحَرَكَةِ الْيَدِ وَحَرَكَةِ الْمِفْتَاحِ فَكِلْتَاهُمَا صَادِرَتَانِ عَنْهُ الْأُولَى بِالْمُبَاشَرَةِ وَالثَّانِيَةُ بِالتَّوَلُّدِ وَكَذَا يُقَالُ هُنَا فَالْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ عِنْدَهُمْ أَوْجَدَتْ النَّظَرَ فَتَوَلَّدَ عَنْهُ الْعِلْمُ.

(قَوْلُهُ: الظَّنُّ الْحَاصِلُ مُتَوَلِّدٌ عَنْ النَّظَرِ عِنْدَهُمْ) الْمُنَاسِبُ لِعَدِيلِهِ أَنْ يَقُولَ النَّظَرُ يُوَلِّدُ الظَّنَّ فَعَدَلَ عَنْهُ لِمَا أَسْلَفَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ الظَّنِّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى اللُّزُومِ بَلْ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ إذَا حَصَلَ كَانَ مُتَوَلِّدًا عَنْ النَّظَرِ.

وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَجِبْ) أَيْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ الظَّنِّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مَا وَفِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا تَوَلُّدَ كَمَا عُلِمَ مِنْ مَعْنَى التَّوْلِيدِ هَذَا مُحَصِّلُ مَا فِي النَّاصِرِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيجَابِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ التَّوْلِيدِ مُطْلَقُ التَّسَبُّبِ وَالتَّأْثِيرِ وَهَذَا خِلَافُ الْوُجُوبِ الْمَنْفِيِّ فَإِنَّهُ التَّلَازُمُ. اهـ.

وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يَقُولُونَ بِالتَّلَازُمِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي قَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ بَلْ هُوَ لَازِمٌ لِقَاعِدَةِ الْقَوْلِ بِالتَّوَلُّدِ فِي الْفِعْلِ الصَّادِرِ بِطَرِيقَةِ ضَرُورَةِ عَدَمِ انْفِكَاكِ الْمَعْلُولِ عَنْ عِلَّتِهِ فَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا إنَّ التَّوَلُّدَ عَادِيٌّ يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ ذُهُولٌ عَنْ قَاعِدَةِ التَّوَلُّدِ وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْبُرْهَانِ إنَّ النَّظَرَ يَسْتَعْقِبُ الْعِلْمَ عِنْدَهُمْ اسْتِعْقَابًا، لَا دَفْعَ لَهُ وَإِنَّ النَّظَرَ يُوَلِّدُهَا تَوْلِيدَ الْأَسْبَابِ مُسَبَّبَاتِهَا وَالْمَقْدُورُ الَّذِي هُوَ مُرْتَبِطُ التَّكْلِيفِ وَالثَّوَابِ عَدَمُ النَّظَرِ عِنْدِي اهـ.

وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِحُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَنْهُ لِمَا أَسْلَفَهُ مِنْ عَدَمِ الِارْتِبَاطِ فِي الظَّنِّيَّاتِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَقَوْلُ بَعْضٍ وَقَدْ عَلِمْت صِحَّتَهُ تَقْلِيدٌ لسم.

وَقَدْ نَقَلَ كَلَامَهُ السَّابِقَ مُسْتَحْسِنًا لَهُ وَنَحْنُ أَبْطَلْنَاهُ وَالْحَقُّ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ وَبِالْجُمْلَةِ الْمَطْلُوبُ لَازِمٌ لِلنَّظَرِ عَلَى قَوْلِ مُحَقِّقِي الْأَشَاعِرَةِ وَكَلَامُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْفَارِقُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ كَالنَّظَرِ لَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ الْإِلَهِيَّةُ بِخَلْقِهِمَا مَعًا أَوْ بِعَدَمِهِمَا مَعًا وَلَا تَتَعَلَّقُ الْقُدْرَةُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَعَلَى الثَّانِي بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ وَعَلَى الثَّالِثِ بِالتَّعْلِيلِ.

(قَوْلُهُ: جَرَتْ

ص: 176

مَا يُمَيِّزُ الشَّيْءَ عَمَّا عَدَاهُ كَالْعُرْفِ وَعِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَلَا يُمَيِّزُ كَذَلِكَ إلَّا مَا لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهَا وَالْأَوَّلُ مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِ الْحَدِّ وَالثَّانِي مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ الْحَدُّ (الْجَامِعُ) أَيْ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ (الْمَانِعُ) أَيْ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهَا فِيهِ وَيُقَالُ أَيْضًا الْحَدُّ (الْمُطَّرِدُ) أَيْ الَّذِي كُلَّمَا وُجِدَ وُجِدَ الْمَحْدُودُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَيَكُونُ مَانِعًا (الْمُنْعَكِسُ) أَيْ الَّذِي كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْدُودُ وُجِدَ هُوَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ فَيَكُونُ جَامِعًا فَمُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ وَالْأُولَى أَوْضَحُ فَتَصْدُقَانِ عَلَى الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ حَدًّا لِلْإِنْسَانِ بِخِلَافِ حَدِّهِ بِالْحَيَوَانِ الْكَاتِبِ بِالْفِعْلِ

ــ

[حاشية العطار]

عَلَى الْأَلْسِنَةِ) أَيْ أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ قَلِيلَةٌ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ اللُّغَةِ فَقَوْلُهُ وَالْكَثِيرُ أَيْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ

(قَوْلُهُ: وَالْحَدُّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ) احْتِرَازٌ عَنْهُ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ فَإِنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى مَا كَانَ بِالذَّاتِيَّاتِ فَهُوَ أَخَصُّ وَذَكَرَ الْحَدَّ هَاهُنَا بِاعْتِبَارِ مُقَابَلَتِهِ لِلدَّلِيلِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَا يُوَصِّلُ إلَى التَّصْدِيقِ يُسَمَّى دَلِيلًا وَمَا يُوَصِّلُ إلَى التَّصَوُّرِ يُسَمَّى حَدًّا.

(قَوْلُهُ: مَا يُمَيِّزُ إلَخْ) صَادِقٌ عَلَى الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْإِعْلَامِ فَلَا يَطْرُدُ وَلَا يُمَيِّزُ الْمَاهِيَّةَ عَنْ أَفْرَادِهَا وَهِيَ غَيْرُ الْمَاهِيَّةِ فَإِنَّ الْجُزْئِيَّ غَيْرُ الْكُلِّيِّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُمَيِّزُ كُلِّيٌّ مُحَوِّلٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْحَدِّ مَا يُقَالُ عَلَى الشَّيْءِ لِإِفَادَةِ تَصَوُّرِهِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَقَعُ فِيهَا اكْتِسَابٌ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْكُلِّيَّاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّعْرِيفَ طَرِيقٌ لِاكْتِسَابِ التَّصَوُّرَاتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالْمَفَاهِيمِ الْكُلِّيَّةِ فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِعَدَمِ الطَّرْدِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَدَا الْمَاهِيَّةَ وَمَا عَدَا أَفْرَادَهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْمَاهِيَّةُ فِي ضِمْنِ أَفْرَادِهَا اكْتَفَى بِذِكْرِ الْمَاهِيَّةِ عَنْ الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّ الْأَفْرَادَ لَيْسَتْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهَا وسم أَطَالَ الْكَلَامَ هُنَا بِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي حَمْلِ الْجُزْئِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمَقَامُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُهُ مَا يُمَيِّزُ الشَّيْءَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ لِمَفْهُومِ الْحَدِّ) أَيْ فَهُوَ حَدٌّ حَقِيقِيٌّ اسْمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بِالذَّاتِيَّاتِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) أَيْ قَوْلُهُ مَا لَا يَخْرُجُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ لِخَاصَّتِهِ) لِكَوْنِهِ بِالْعَرَضِيَّاتِ فَيَكُونُ رَسْمًا.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: الْجَامِعُ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ النَّاصِرُ لُزُومَ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِّ وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْدُودِ الشَّيْءُ لَا يُوصَفُ كَوْنُهُ مَحْدُودًا وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ يَشْمَلُ قَوْلَنَا وَكُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ مَثَلًا بَعْدَ قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْكُلِّيَّةَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ الْجَامِعُ لِأَفْرَادِ الْمَحْدُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحْدُودٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ الْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ وَجَمْعُ الْكُلِّيَّةِ لِلْأَفْرَادِ لَا مِنْ هَذِهِ الْحِينِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ

ص: 177

فَإِنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ وَغَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَبِالْحَيَوَانِ الْمَاشِي فَإِنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ وَغَيْرُ مُطَّرِدٍ وَتَفْسِيرُ الْمُنْعَكِسِ الْمُرَادِ بِهِ عَكْسُ الْمُرَادِ بِالْمُطَّرِدِ بِمَا ذَكَرَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَضُدِ الْمُوَافِقُ فِي إطْلَاقِ الْعَكْسِ عَلَيْهِ لِلْعُرْفِ حَيْثُ يُقَالُ كُلُّ إنْسَانٍ نَاطِقٌ وَبِالْعَكْسِ وَكُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا عَكْسَ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ

ــ

[حاشية العطار]

لِأَنَّ هَذَا يَكُرُّ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ الْجَوَابِ عَنْ الدَّوْرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ كَانَ تَامًّا فِي نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ) لِعَدَمِ شُمُولِهِ الْأُمِّيَّ وَقَوْلُهُ وَغَيْرُ مُنْعَكِسٍ عَطْفٌ لَازِمٌ وَقَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَظْهَرُ وَالْمُرَادِ، بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْمُنْعَكِسِ وَعَكْسُ بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَقَوْلُهُ بِمَا ذَكَرَ مُتَعَلِّقٌ بِتَفْسِيرٍ وَهُوَ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْدُودُ وُجِدَ الْحَدُّ وَالْمَأْخُوذُ وَالْمُوَافِقُ نَعْتَانِ لِتَفْسِيرٍ فَهُمَا بِالرَّفْعِ أَوْ بِالْجَرِّ نَعْتَانِ لِمَا فِي قَوْلِهِ بِمَا ذَكَرَ.

(قَوْلُهُ: لِلْعُرْفِ) أَيْ وَلِلْإِصْلَاحِ فِي عَكْسِ الْقَضِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمُطَّرِدِ كُلَّمَا وُجِدَ الْحَدُّ وُجِدَ الْمَحْدُودُ وَعَكَسَ الْقَضِيَّةَ بِتَبْدِيلِ طَرَفَيْهَا وَهُوَ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْدُودُ وُجِدَ الْحَدُّ.

(قَوْلُهُ: أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ) أَيْ بِالْمُنْعَكِسِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنْعَكِسِ عَكْسُ الْمُرَادِ بِالْمُطَّرِدِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ) أَيْ الْمُنْعَكِسَ.

(قَوْلُهُ: اللَّازِمُ) أَيْ تَفْسِيرُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ وَإِنَّمَا كَانَ لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ

ص: 178

أَيْ مَعْنَى. الْجَامِعُ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ كُلَّمَا انْتَفَى الْحَدُّ انْتَفَى الْمَحْدُودُ اللَّازِمُ لِذَلِكَ التَّفْسِيرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِانْعِكَاسَ التَّلَازُمُ فِي الِانْتِفَاءِ كَالِاطِّرَادِ التَّلَازُمُ فِي الثُّبُوتِ.

(وَالْكَلَامُ) النَّفْسِيُّ (فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يُسَمَّى خِطَابًا) حَقِيقَةً لِعَدَمِ مَنْ يُخَاطِبُ بِهِ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يَفْهَمُ وَإِسْمَاعِهِ إيَّاهُ بِاللَّفْظِ كَالْقُرْآنِ أَوْ بِلَا لَفْظٍ كَمَا وَقَعَ لِمُوسَى عليه الصلاة والسلام كَمَا اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ.

ــ

[حاشية العطار]

نَقِيضِ الْمُوَافِقِ وَعَكْسُ نَقِيضِ الْقَضِيَّةِ لَازِمٌ لَهَا.

(قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَفْسِيرِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ النَّاصِرُ وَالْحَقُّ مَعَ ابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ الِاطِّرَادَ وَالِانْعِكَاسَ وَصْفَانِ لِلْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ تَفْسِيرًا لِلْمُطَّرِدِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْحَدِّ عَلَى كَلَامِ الشَّارِحِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ عَكْسُ الْحَدِّ لَا عَكْسُ الْقَضِيَّةِ الْوَاقِعَةِ صِفَةً لَهُ فَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ عَكْسُ الشَّيْءِ بِعَكْسِ صِفَتِهِ.

وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ الِاطِّرَادَ وَالِانْعِكَاسَ صِفَتَيْنِ لِلْحَدِّ لَا لِلْقَضِيَّةِ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ وَخُلَاصَةُ جَوَابِ سم أَنَّ الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِلصِّفَةِ صِفَةً لِلْمَوْصُوفِ وَلَهُمْ هَاهُنَا تَشْنِيعَاتٌ عَدَمُ ذِكْرِهَا أَوْلَى مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَحْثِ وَالْجَوَابِ لَيْسَ مِمَّا يَقْتَضِي هَذَا كُلَّهُ فَإِنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِعِبَارَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ غَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ تَسَمُّحٌ وَمِثْلُهُ مُغْتَفَرٌ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ

(قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ إلَخْ) مَنْ تَأَمَّلَ وَجَدَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يَرْجِعَانِ لِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا أَنَّهُ لَا يَتَنَوَّعُ وَمِنْ كَوْنِهِ لَا يَتَنَوَّعُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى خِطَابًا.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَزَلِ) حَالٌ مِنْ الْكَلَامِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا فِي الْأَزَلِ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ مَوْجُودٌ أَزَلًا وَأَبَدًا أَيْ هَلْ يُطْلَقُ لَفْظُ الْخِطَابِ حَقِيقَةً فِيمَا لَا يَزَالُ عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ مَعَ اعْتِبَارِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ فِي الْأَزَلِ أَيْ قَبْلَ وُجُودِ مَنْ يُخَاطَبُ وَلَا يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِيُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ حَادِثَةٌ وَقَوْلُ سم يُتَصَوَّرُ وُقُوعَ التَّسْمِيَةِ أَزَلًا عَلَى الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْأَلْفَاظِ، وَهْمٌ فَإِنَّ الْمَقُولَ بِقِدَمِهِ أَلْفَاظُ الْقُرْآنِ لَا هَذِهِ التَّسْمِيَةُ وَهُوَ لَفْظُ خِطَابٍ؛ لِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ كَبَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ خَالَفَ عَادَتَهُ وَحَكَى الْقَوْلَ الضَّعِيفَ وَطَوَى الصَّحِيحَ وَلَعَلَّ سِرَّهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوِيٌّ أَيْضًا إذْ قَدْ رَجَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ.

(قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) مُتَعَلِّقٌ بِيُسَمَّى وَهُوَ تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ وَأَنَّهُ فِي الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةٌ لَا فِي مُطْلَقِ الْإِطْلَاقِ الشَّامِلِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ الْمَجَازِيَّةَ اعْتِبَارُ مَا تُؤَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) الْإِشَارَةُ لِلْأَزَلِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ إذْ ذَاكَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ إذْ إنَّمَا تُضَافُ لِلْجُمَلِ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُودِ التَّحَقُّقُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَوْجُودٌ فَلَا خِطَابَ لِعَدَمِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَإِسْمَاعِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى وُجُودِ.

(قَوْلُهُ: كَالْقُرْآنِ) أَدْخَلَتْ الْكَافُ بَقِيَّةَ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَلَوْ غَيْرَ قُدْسِيَّةٍ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِلَا لَفْظٍ) كَوْنُ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ مِمَّا يُسْمَعُ هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ كَمَا عُقِلَ رُؤْيَةَ مَا لَيْسَ بِلَوْنٍ وَلَا جِسْمٍ فَلْيُعْقِلْ سَمَاعُ مَا لَيْسَ بِصَوْتٍ، وَاسْتَحَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ سَمَاعَ مَا لَيْسَ بِصَوْتٍ فَعِنْدَهُ سَمِعَ سَيِّدُنَا مُوسَى عليه الصلاة والسلام صَوْتًا دَالًّا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ

ص: 179

خَرْقًا لِلْعَادَةِ وَقِيلَ سَمِعَهُ بِلَفْظٍ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ

ــ

[حاشية العطار]

تَعَالَى تَوَلَّى خَلْقَهُ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فَقَالَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُ غَيْرِ الصَّوْتِ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ بَتَّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ مَعْلُومًا بِوَاسِطَةِ سَمَاعِ الصَّوْتِ كَانَ مَسْمُوعًا فَالِاخْتِلَافُ لَفْظِيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: خَرْقًا لِلْعَادَةِ) أَيْ وَقَعَ فِي حَالِ كَوْنِهِ خَرْقًا أَيْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَمِعَهُ) وَعَلَيْهِ فَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ بِمَعْنَى عِنْدَ.

(قَوْلُهُ: مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ) قَالَ سم لَعَلَّ وُقُوعَ السَّمَاعِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِمَحْذُورٍ فِي السَّمَاعِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي تَعَالِيَهُ عَنْ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا يُنَافِيه لَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الْمَسْمُوعَةُ قَائِمَةً بِذَاتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ فِي مَحَلٍّ اهـ.

وَلَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِجَمِيعِ الْجِهَاتِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ سَمِعَهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.

(قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْعَادَةُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَيْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْإِسْمَاعِ الَّذِي هُوَ الْعَادَةُ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُسْمَعُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَبَّرَ بِهَذَا هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ إمَّا لِلتَّفَنُّنِ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا كَانَ السَّمَاعُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَبَّرَ بِالْخَرْقِ وَالثَّانِي لَمَّا كَانَ السَّمَاعُ فِيهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّفْظِ، عَبَّرَ بِالْمُخَالَفَةِ الَّتِي هِيَ أَدْوَنُ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلٍّ اخْتَصَّ إلَخْ) فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ بِالْغَلَبَةِ لِسَبْقِهِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، أَوْ لِأَنَّهُ سَمِعَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَوْ اللَّفْظِيَّ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ فَلَا يُرَادُ أَنَّ غَيْرَهُ خُوطِبَ بِالْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ فَإِنْ قِيلَ إذَا أُرِيدَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنْتَظِمُ مِنْ الْحُرُوفِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَزَلِيُّ وَأُرِيدَ بِسَمَاعِهِ فَهْمُهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ فَمَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ مُوسَى عليه السلام بِأَنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ سَاقَ مَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَزَادَ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جِهَةٍ بِصَوْتٍ غَيْرِ مُكْتَسَبٍ لِلْعِبَادِ عَلَى مَا هُوَ شَأْنُ سَمَاعِنَا.

(قَوْلُهُ: يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُسَمَّاهُ الْعَائِدِ عَلَى الْخِطَابِ.

(قَوْلُهُ: بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِ كَيْفَ يَتَأَتَّى خِطَابُ غَيْرِ الْمَوْجُودِ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّهُ يَكْفِي تَقْدِيرُ وُجُودِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّنْزِيلَ الْمَذْكُورَ يُنَافِي كَوْنَ التَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَجَازٌ لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ أَوْ إطْلَاقُ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ نَزَّلَ الْمُخَاطَبُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَخُوطِبَ فَوَقَعَ الْخِطَابُ بَعْدَ التَّنْزِيلِ الْمَذْكُورِ بِالْفِعْلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْمَجَازُ فِي التَّنْزِيلِ لَا فِيهِ وَكَوْنُ الْخِطَابِ حَقِيقَةً لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُخَاطَبِ بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ.

هَذَا مُحَصِّلُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَأَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ فَبَعْدَ جَعْلِ الْمُشَبَّهِ هُوَ الْمُشَبَّهَ بِهِ يَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ وَأَيْضًا التَّسْمِيَةُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَتَجُوزُ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَقِيقِيَّةً؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ خِطَابًا بِتَأْوِيلِ أَنَّ مَنْ يُخَاطِبُ كَمَنْ خُوطِبَ فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ الْخِطَابَ بِالْكَلَامِ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ يُفْهَمُ سُمِّيَ خِطَابًا بِالْفِعْلِ وَإِنْ فَسَّرَ بِمَا أَفْهَمَ بِالْفِعْلِ فَلَا كَمَا أَفَادَهُ الْعَضُدُ وَقَرَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْكَمَالُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّهُ بَحْثٌ لَفْظِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْخِطَابِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَشَعَّبَتْ فِيهَا آرَاءُ الْفُضَلَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْبُرْهَانِ اُشْتُهِرَ مِنْ مَذْهَبِ شَيْخِنَا

ص: 180

الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ (وَ) الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ (قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ) إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَخَبَرٍ وَغَيْرِهَا

ــ

[حاشية العطار]

أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه مَصِيرُهُ إلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْعِلْمِ وُجُودُهُ وَاسْتِجْمَاعُهُ شَرَائِطُ التَّكْلِيفِ فَهُوَ مَعْدُومٌ مَأْمُورٌ بِالْأَمْرِ الْأَزَلِيِّ.

وَقَدْ تَمَادَى الْمُشَنِّعُونَ عَلَيْهِ وَانْتَهَى الْأَمْرُ إلَى انْكِفَافِ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا الْمَذْهَبِ ثُمَّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَسْلَكَيْنِ لِلْأَصْحَابِ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْمَعْدُومِ مَأْمُورًا أَوْرَدَهَا ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إنَّمَا رُسِمَتْ لِسُؤَالِ الْمُعْتَزِلَةِ إذْ قَالُوا لَوْ كَانَ الْكَلَامُ أَزَلِيًّا لَكَانَ أَمْرًا وَلَوْ كَانَ أَمْرًا لَتَعَلَّقَ بِالْمُخَاطِبِ فِي حَالِ عَدَمِهِ، فَإِذَا أَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ ارْتِبَاطٍ بِمُخَاطِبٍ فَقَدْ رُفِعَ السُّؤَالُ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ عَلَى شَرْطِ الْوُجُودِ وَهَذَا مُنْتَهَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ.

وَأَنَا أَقُولُ: إنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْمَعْدُومَ مَأْمُورٌ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْمَعْقُولِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ إنَّهُ مَأْمُورٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُجُودِ تَلْبِيسٌ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوُجُودَ شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْمَأْمُورِ مَأْمُورًا أَوْ إذَا لَاحَ ذَلِكَ بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَمْرٍ بِلَا مَأْمُورٍ وَهَذَا مُعْضِلٌ أَرِبٌ فَإِنَّ الْأَمْرَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ وَفَرْضُ مُتَعَلِّقٍ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ مُحَالٌ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ قِيَامِ الْأَمْرِ فَيُنَافِي غَيْبَةَ الْمَأْمُورِ فَهُوَ تَمْوِيهٌ وَمَا أَرَى ذَلِكَ أَمْرًا خَارِقًا وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرُ فَرْضِ الْأَمْرِ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ وَإِذَا حَضَرَ الْمُخَاطِبُ قَامَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ إلْحَاقُ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَالْكَلَامُ الْأَزَلِيُّ لَيْسَ تَقْدِيرًا فَهَذَا مَا نَسْتَخِيرُ اللَّهَ سبحانه وتعالى فِيهِ وَإِنْ أَسْعَفَ الزَّمَانُ أَمْلَيْنَا مَجْمُوعًا مِنْ الْكَلَامِ فِيهِ شِفَاءُ الْغَلِيلِ اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ وُجُودَ الْمُخَاطِبِ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْكَلَامِ الْحِسِّيِّ، وَأَمَّا النَّفْسِيُّ فَيَكْفِيه وُجُودُ الْعَقْلِيِّ اهـ.

وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِدَعْوَى التَّنْزِيلِ وَلَكِنَّ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ دَعْوَى تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَلِذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ الْحَقُّ أَنَّ نَفْسَ الطَّلَبِ مِنْ الْمَعْدُومِ وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ الْإِتْيَانَ بِهِ حَالَ الْوُجُودِ مَحَلُّ إشْكَالٍ إذْ الْمَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَهُوَ غَيْرُ فَاهِمٍ الْخِطَابَ فَلَا بُدَّ لِلطَّلَبِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْإِتْيَانَ حَالَ الْوُجُودِ مِنْ فَهْمِ الْخِطَابِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ) هَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ الْقَطَّانِ أَحَدِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَبْلَ الْأَشْعَرِيِّ.

وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ الْقَلَانِسِيَّ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ يَقُولُ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَإِنَّمَا نُثْبِتُ لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُخَاطِبِينَ كَمَا يَتَّصِفُ الْبَارِي سبحانه وتعالى بِكَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا فِيمَا لَا يَزَالُ وَإِيضَاحُ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ لِلشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ هُوَ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ وَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَخَاصِّيَّتِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْنُ الْكَلَامِ أَمْرًا مِنْ حَقِيقَتِهِ النَّفْسِيَّةِ وَصِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَالْحَقَائِقُ يَسْتَحِيلُ تَجَدُّدُهَا وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ كَوْنِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا حُكْمٌ حَقِيقَةً رَاجِعٌ إلَى ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى بِكَوْنِهِ خَالِقًا وُقُوعُ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ.

وَنَقُولُ لِأَبِي الْعَبَّاسِ أَيْضًا قَدْ أَثْبَتَّ كَلَامًا خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ قَطْعًا فَلَئِنْ جَازَ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْأَزَلِيَّةَ لَيْسَتْ كَلَامًا أَزَلًا ثُمَّ يَسْتَجِدُّ كَوْنُهَا كَلَامًا فِيمَا لَا يَزَالُ فَقَدْ لَاحَ سُقُوطُ مَذْهَبِهِ اهـ.

وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَرُدُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي الْأَزَلِ قِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ إلَخْ) زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ تَتِمَّةِ مَا قَبْلَهَا فَيَتِمُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: إلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ إلَخْ الْأَقْسَامِ) وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ هُوَ فِي الْأَصْلِ

ص: 181

لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذْ ذَاكَ وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهَا فِيمَا لَا يَزَالُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ فَتَكُونُ الْأَنْوَاعُ حَادِثَةً مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَالْأَصَحُّ تَنَوُّعُهُ فِي الْأَزَلِ إلَيْهَا بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ الَّذِي سَيُوجَدُ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ حُدُوثِ الْأَنْوَاعِ مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا يَلْزَمُهُ مُحَالٌ مِنْ وُجُودِ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ أَنْوَاعِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ

ــ

[حاشية العطار]

خَبَرٌ وَتَرْجِعُ الْبَوَاقِي إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ إخْبَارٌ بِاسْتِحْقَاقِ فَاعِلِهِ الثَّوَابَ وَتَارِكِهِ الْعِقَابَ وَالنَّهْيُ بِالْعَكْسِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَازِمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا حَقِيقَتَهُمَا.

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ إلَخْ) أَيْ وَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ انْعِدَامَ التَّعَلُّقِ وَإِذَا انْعَدَمَ فَلَا أَمْرَ وَلَا نَهْيَ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّعَلُّقُ التَّنْجِيزِيُّ الْحَادِثُ فَانْدَفَعَ بَحْثُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ انْعِدَامِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ انْعِدَامُ التَّعَلُّقِ لِوُجُودِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَهُوَ الصُّلُوحِيُّ الْقَدِيمُ وَإِنْ أَرَادَ لِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ التَّنَوُّعِ لِثُبُوتِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَا يَرَى التَّنَوُّعَ إلَّا بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ الْحَادِثِ وَلَا يَرَى التَّعَلُّقَ الْمَعْنَوِيَّ بِالْمَعْدُومِ فِي الْأَزَلِ اهـ (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِوُجُودِهِ بَعْدَ الْبِعْثَةِ مُتَّصِفًا بِشُرُوطِ التَّكْلِيفِ.

(قَوْلُهُ: مَعَ قِدَمِ الْمُشْتَرَكِ) وَهُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ تَنَوُّعُهُ إلَخْ) هَذَا الْأَصَحُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ وَالضَّعِيفُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَنَوَّعُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ قِيلَ لَا يُسَمَّى خِطَابًا ثُمَّ إنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْقَوْلِ وُجُودُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْأَزَلِ وَوُجُودُهَا فِيهِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ فِي ضِمْنِهَا فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ التَّنْجِيزِيِّ وَمَا هُنَا بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَرَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحُكْمِ مُجَرَّدُ التَّعَلُّقِ الْمَعْنَوِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَدْ يُسْأَلُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا لَا حُكْمَ لِلْعُقَلَاءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْأَزَلَ قَبْلَ وُرُودِ الرُّسُلِ بِالضَّرُورَةِ.

وَقَدْ نَفَيْنَا الْأَحْكَامَ قَبْلَ وُرُودِهِمْ ثَمَّ وَأَثْبَتْنَاهَا هَاهُنَا فِي الْأَزَلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا لَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ أَنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْبِعْثَةِ لَا بِمَا قَبْلَهَا فَالْمَنْعُ هُنَاكَ تَعَلُّقُ الْأَحْكَامِ لَا ذَوَاتِهَا وَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ هَاهُنَا فِي الْأَزَلِ ذَوَاتُهَا فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْكَامِلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: بِتَنْزِيلِ الْمَعْدُومِ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ دَفْعَ تَمَسُّكِ الْمُخَالِفِ بِعَدَمِ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّهُ يَكْفِي تَقْدِيرُ وُجُودِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ إنَّ كَلَامَ الْجُمْهُورِ مُتَرَدِّدٌ فِي مَعْنَى خِطَابِ الْمَعْدُومِ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ فِي الْأَزَلِ بِأَنْ يَمْتَثِلَ وَيَأْتِيَ بِالْفِعْلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُجُودِ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ فِي الْأَزَلِ لَكِنْ لَمَّا اسْتَمَرَّ الْأَمْرُ الْأَزَلِيُّ إلَى زَمَانِ وُجُودِهِ صَارَ بَعْدَ الْوُجُودِ مَأْمُورًا اهـ.

(قَوْلُهُ: مِنْ وُجُودِ الْجِنْسِ بِدُونِ أَنْوَاعِهِ) ضَرُورَةَ أَنَّ الْجِنْسَ قَدِيمٌ وَالْأَنْوَاعَ حَادِثَةٌ، وَالْحَادِثُ مُفَارِقٌ لِلْقَدِيمِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرَادَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْجِنْسَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ أَنْوَاعِهِ حَقِيقِيًّا كَانَ أَوْ اعْتِبَارِيًّا وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِدَفْعِ هَذِهِ بِقَوْلِهِ أَيْ عَوَارِضُ إلَخْ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَنْوَاعِ الصِّفَاتُ وَحِينَئِذٍ فَلَا جِنْسَ فِي الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَرِدَ الْبَحْثُ الْمَذْكُورُ بَلْ الْكَلَامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَقْبَلُ

ص: 182

أَيْ عَوَارِضُ لَهُ يَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْهَا تَحْدُثُ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ كَمَا أَنَّ تَنَوُّعَهُ إلَيْهَا عَلَى الثَّانِي بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ صِفَةً وَاحِدَةً كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّفَاتِ فَمِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ فِي الْأَزَلِ أَوْ فِيمَا لَا يَزَالُ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ لِفِعْلِهِ يُسَمَّى أَمْرًا أَوْ لِتَرْكِهِ يُسَمَّى نَهْيًا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ

ــ

[حاشية العطار]

التَّعَدُّدَ فِي نَفْسِهَا وَلَا مَحَلَّ لِاعْتِرَاضِ سم بِأَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا الْجَوَابِ لَا يُخَلِّصُ مِنْ الْإِشْكَالِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ الْكَلَامَ جِنْسٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيمَ وُجُودِ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا مَعَ أَنَّ وُجُودَهُ كَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ.

(قَوْلُهُ: أَيْ عَوَارِضُ لَهُ) يَعْنِي أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ أَزَلِيَّةٌ وَالتَّعْلِيقُ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ فَيَجُوزُ خُلُوُّهُ عَنْهُ ثُمَّ يَتَكَثَّرُ إذَا حَدَثَ التَّعْلِيقُ تَكْثِيرًا اعْتِبَارِيًّا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ التَّعَلُّقَاتِ فَهِيَ أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لِلْكَلَامِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ.

وَقَالَ النَّاصِرُ إنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لِلتَّعَلُّقِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّعَلُّقَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ الْكَلَامِ فَهُوَ عَارِضٌ لَهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ خُلُوِّهِ عَنْهُ فِي الْأَزَلِ وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ لِهَذَا التَّعَلُّقِ فَتَكُونُ هِيَ أَيْضًا اعْتِبَارِيَّةً عَارِضَةً لِلْكَلَامِ كَجِنْسِهَا الَّذِي هُوَ التَّعَلُّقُ وَقَالَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لِلْكَلَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ عَوَارِضُ لَهُ؛ لِأَنَّ النَّوْعَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْجِنْسِ لَا عَارِضَ لَهُ. اهـ.

وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ النَّوْعَ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْجِنْسِ هُوَ النَّوْعُ الْحَقِيقِيُّ لَا الِاعْتِبَارِيُّ أَيْ الْعَارِضُ اهـ.

وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ فَإِنَّ النَّوْعَ مُطْلَقًا يُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهِ الْجِنْسُ وَالْفَصْلُ حَقِيقِيًّا كَانَ أَوْ اعْتِبَارِيًّا وَقَدْ اعْتَرَفَ هُوَ بِذَلِكَ وَكَلَامُ النَّاصِرِ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَهُ اصْطِلَاحُ الْقَوْمِ وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ وَبَعْدَ أَنْ سَمِعْت أَنْ لَا جِنْسَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا نَوْعَ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ وَقَعَ التَّسَمُّحُ بِذِكْرِهِمَا تَعْلِيمًا وَتَقْرِيبًا عَلِمْت اضْمِحْلَالَ جَمِيعِ مَا أَوْرَدَ هُنَا وَهَلْ يُعْقَلُ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ كَوْنُهَا جِنْسًا أَوْ نَوْعًا سَوَاءٌ جَرَيْنَا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمَنَاطِقَةِ أَوْ أَرْبَابِ اللُّغَةِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُمَا كُلِّيٌّ وَلَا شَيْءَ مِنْ الصِّفَةِ مَفْهُومُهُ كُلِّيٌّ وَأَيْضًا النَّوْعُ مَفْهُومُهُ مُرَكَّبٌ وَيَسْتَحِيلُ التَّرْكِيبُ فِي الصِّفَةِ.

(قَوْلُهُ: تَحْدُثُ بِحَسَبِ التَّعَلُّقَاتِ) أَيْ تَتَجَدَّدُ أَيْ يَتَجَدَّدُ اعْتِبَارُهَا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الْمُعْتَبَرِ وَهَذَا التَّعْبِيرُ شَائِعٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ الْأُولَى تَتَجَدَّدُ بَلْ تَحْدُثُ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا تُوصَفُ بِالْحُدُوثِ اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَلَكِنْ لَمَّا شُغِفَ الشَّيْخُ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّارِحِ لَمْ يَتْرُكْ شَارِدَةً وَلَا وَارِدَةً وَمِثْلُ هَذِهِ الْمُنَاقَشَاتِ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحَقِّقِينَ الْعِنَايَةُ بِهَا (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ تَنَوُّعَهُ إلَخْ) فَهِيَ أَنْوَاعٌ اعْتِبَارِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّهَا عَلَى الْأَصَحِّ أُمُورٌ لَازِمَةٌ غَيْرُ مُفَارِقَةٍ بِخِلَافِهَا عَلَى الْآخَرِ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا) تَأْكِيدٌ لِمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ كَمَا.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَزَلِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ أَوْ فِيمَا لَا يَزَالُ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: بِشَيْءٍ)

ص: 183

وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَعَلِّقَتَيْنِ بِالْمَدْلُولِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى النَّظَرِ الْمُتَعَلِّقِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لِاسْتِتْبَاعِهِ مَا يَطُولُ.

(وَالنَّظَرُ الْفِكْرُ)

ــ

[حاشية العطار]

هُوَ الْفِعْلُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَالْفِعْلُ الْمُضَافُ لِضَمِيرِهِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ فَلَا إشْكَالَ فِي إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى ضَمِيرِ الْفِعْلِ بِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقَدَّمَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَسْأَلَةَ تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ خِطَابًا وَمَسْأَلَةَ تَنَوُّعِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُمَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا سَمِعْت وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِالْمَدْلُولِ فَذِكْرُهُمَا بَعْدَ الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ أَصْلٌ إلَّا أَنَّ النَّظَرَ مُتَعَلِّقٌ بِالدَّلِيلِ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ مَبَاحِثِهِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُمَا عَنْ مَبَاحِثِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ تَأْخِيرُ الْمَدْلُولِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَنْ الدَّلِيلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقَتَيْنِ بِالْمَدْلُولِ) إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِهِمَا هُنَا وَكَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ تَقْدِيمَهَا عَلَى الدَّلِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ وَهُوَ الْحُكْمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ تَقْدِيمَهُمَا بِمُقْتَضَى تَوْجِيهِ الْمَذْكُورِ عَلَى الدَّلِيلِ هُوَ الْأَصْلُ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُوَجِّهَ تَأْخِيرَهُمَا عَنْ الدَّلِيلِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْخَبَرِيُّ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَوْ غَيْرَهُ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ إنَّمَا تَعَلَّقَتَا بِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمَدْلُولِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَلَهُ اعْتِبَارَاتٌ عَدِيدَةٌ وَأَبْحَاثٌ كَثِيرَةٌ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ إنَّمَا تَعَلَّقَتَا بِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ مَبَاحِثِهِ وَهُوَ الْخِطَابُ وَالتَّنَوُّعُ لَا بِاعْتِبَارِ كُلِّهَا وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: لِاسْتِتْبَاعِهِ مَا يَطُولُ) أَيْ لِاسْتِتْبَاعِ النَّظَرِ مَا يَطُولُ مِنْ تَقْسِيمِ الْإِدْرَاكِ إلَى تَصَوُّرٍ وَتَصْدِيقٍ ثُمَّ التَّصْدِيقِ إلَى عِلْمٍ وَظَنٍّ وَاعْتِقَادٍ وَوَهْمٍ وَشَكٍّ وَالْكَلَامُ فِي تَعْرِيفِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالسَّهْوِ

(قَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ الْفِكْرُ) قِيلَ إنَّهُ مُرَادِفٌ لَهُ وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ وَرُبَّمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْفِكْرَ مَجْمُوعُ الْحَرَكَتَيْنِ أَيْ عِنْدَ

ص: 184

أَيْ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ بِخِلَافِ حَرَكَتِهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ

ــ

[حاشية العطار]

الْمُتَقَدِّمِينَ أَوْ التَّرْتِيبُ اللَّازِمُ لَهُمَا أَيْ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالنَّظَرُ مُلَاحَظَةُ الْمَعْقُولَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي ضِمْنِ الْحَرَكَتَيْنِ أَوْ التَّرْتِيبِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ نَاقِلِهِ الْمُحَصِّلُ أَنَّهُمَا كَالْمُتَرَادَفِينَ.

(قَوْلُهُ: أَيْ حَرَكَةُ النَّفْسِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ أَوْ أَرَادَ جِنْسَ الْحَرَكَةِ الصَّادِقَةِ بِالْمُتَعَدِّدِ وَإِلَّا فَالنَّفْسُ فِي النَّظَرِ لَهَا ثَلَاثُ حَرَكَاتٍ حَرَكَةٌ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَى الْمَبَادِئِ وَحَرَكَةٌ فِي تَرْتِيبِ الْمَبَادِئِ وَحَرَكَةٌ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَبَادِئِ إلَى الْمَطَالِبِ هَكَذَا قِيلَ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرِيٌّ، وَالتَّحْقِيقُ أَنْ لَيْسَ ثَمَّ إلَّا حَرَكَتَانِ مَبْدَأُ الْأُولَى مِنْهُمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمَشْعُورُ بِهِ بِذَلِكَ الْوَجْهِ النَّاقِصِ وَمُنْتَهَاهَا آخِرُ مَا يَحْصُلُ مِنْ تِلْكَ الْمَبَادِئِ وَمَبْدَأُ الثَّانِيَةِ أَوَّلُ مَا يُوضَعُ مِنْ التَّرْتِيبِ وَمُنْتَهَاهَا الْمَشْعُورُ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ فَالْحَرَكَةُ الْأُولَى لِتَحْصِيلِ مَادَّةِ الْفِكْرِ وَالثَّانِيَةُ لِتَحْصِيلِ صُورَتِهِ أَعْنِي التَّرْتِيبَ وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْحَرَكَةِ

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية العطار]

الْوَاقِعَةِ فِي مَقُولَةِ الْكَيْفِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَدِّلَ عِنْدَ الْحَرَكَتَيْنِ كَيْفِيَّاتُ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ صُوَرُ الْمَعْلُومَاتِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجَوُّزِ كَإِطْلَاقِ الْكَيْفِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ فِي التَّحْقِيقِ وَإِلَّا فَلَيْسَ هُنَاكَ تَبَدُّلُ الْكَيْفِيَّاتِ حَقِيقَةً ثُمَّ الْمُرَادُ حَرَكَةُ النَّفْسِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ فَيَخْرُجُ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِقَصْدِ النَّفْسِ وَاخْتِيَارِهَا بَلْ لِيُنْسَخَ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ.

ثُمَّ إنَّ الْفِكْرَ الَّذِي يُقَابِلُهُ التَّخَيُّلُ هُوَ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ أَيَّ حَرَكَةٍ كَانَتْ قَالَ الْمُبِيدِيُّ فِي شَرْحِ الطَّوَالِعِ وَقَدْ يُطْلَقُ الْفِكْرُ عَلَى حَرَكَةِ النَّفْسِ فِي الْمَعْقُولَاتِ أَيَّ حَرَكَةٍ كَانَتْ وَيُقَابِلُهُ التَّخَيُّلُ وَهُوَ حَرَكَتُهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ.

وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْخَبِيصِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيَّ عَرَّفَ النَّظَرَ بِقَوْلِهِ الْفِكْرُ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ فَقَالَ الْآمِدِيُّ فِي أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ إنَّ الْفِكْرَ لَمْ يُذْكَرْ جِنْسًا لِلنَّظَرِ بَلْ لِبَيَانِ مُرَادَفَتِهِ لَهُ وَإِنَّ مَا بَعْدَهُمَا تَعْرِيفٌ لَهُمَا أَوْ لِلنَّظَرِ وَيُعْرَفُ مِنْهُ تَعْرِيفُ الْفِكْرِ وَاسْتُبْعِدَ كَلَامُ الْآمِدِيِّ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ فِي التَّعْرِيفَاتِ مَعَ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى حَمْلِ كَلَامِ الْقَاضِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ انْتِقَاضَهُ بِالْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ وَسَائِرِ آلَاتِ الْإِدْرَاكِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ بَاءِ السَّبَبِيَّةِ السَّبَبِيَّةُ الْقَرِيبَةُ فَإِنْ أَخَذَ الْفِكْرَ جِنْسًا فِي التَّعْرِيفِ فَلَا نَقْضَ لِعَدَمِ صِدْقِهِ حِينَئِذٍ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْفِكْرَ حَرَكَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِحَرَكَةٍ، الشَّارِحِ رحمه الله نَحَا هَذَا الْمَنْحَى حَيْثُ قَالَ فَخَرَجَ الْفِكْرُ غَيْرُ الْمُؤَدِّي إلَخْ فَفِيهِ إيمَاءٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْآمِدِيِّ فِي حَمْلِهِ عِبَارَةَ الْقَاضِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَتَخَلُّصَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ الْمُورَدِ، هَذَا مُحَصِّلُ مَا أَطَالَ بِهِ سم.

وَأَمَّا جَعْلُهُ الدَّلِيلَ نَفْسَهُ مِنْ جُمْلَةِ مَوَارِدِ النَّقْضِ فَلَا مَحَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِ النَّظَرِ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الشَّارِحَ وَإِنْ تَخَلَّصَ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى الْآمِدِيِّ لِجَعْلِهِ الْفِكْرَ جِنْسًا يَرِدُ عَلَيْهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ كَتَبَ وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْفِكْرُ مُرَادِفًا لِلنَّظَرِ أَوْ كَالْمُرَادِفِ لَهُ عَلَى مَا سَبَقَ كَيْفَ يُجْعَلُ جِنْسًا صَادِقًا عَلَى النَّظَرِ وَغَيْرِهِ الْمُقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ فَإِنَّ شَأْنَ الْجِنْسِ الْوَاقِعِ فِي التَّعْرِيفِ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْمُعَرَّفِ كَتَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ بِالْحَيَوَانِ وَلِذَلِكَ اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ الْفَصْلِ، وَالْمُرَادِفُ لَا يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ مُرَادِفِهِ، نَعَمْ قَدْ يَقَعُ فِي الرُّسُومِ النَّاقِصَةِ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ مُسَاوِيًا لِلْمُعَرَّفِ كَتَعْرِيفِ الْإِنْسَانِ بِالضَّاحِكِ بِالْقُوَّةِ مَثَلًا وَلَيْسَ الضَّاحِكُ مُرَادِفًا لِلْإِنْسَانِ بَلْ لَازِمٌ لَهُ وَلَمْ يُعْهَدْ فِي كَلَامِ الْقَوْمِ جَعْلُ الْمُرَادِفِ جِنْسًا فَلَعَلَّ الْآمِدِيَّ ارْتَكَبَ مَا ذَكَرَهُ فِرَارًا مِنْ هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّظَرُ الدَّقِيقُ بِأَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ

ص: 186

فَتُسَمَّى تَخْيِيلًا

ــ

[حاشية العطار]

لَازِمٌ لِعِبَارَةِ الْقَاضِي فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَيُسَمَّى تَخْيِيلًا) فِي الْآيَاتِ نَقْلًا عَنْ النَّاصِرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ بِالْمَعْقُولَاتِ مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ ابْتِدَاءً بِلَا وَاسِطَةٍ خَرَجَ عَنْهَا الْوَهْمِيَّاتُ وَالْخَيَالِيَّاتُ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّ النَّظَرِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ بِذَاتِهِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ فَيَشْمَلُ الْوَهْمِيَّاتِ وَالْخَيَالِيَّاتِ فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ حَرَكَتِهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ فَيُسَمَّى تَخْيِيلًا لَا فِكْرًا مُشْكِلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ذَاهِبٌ مَعَ الْأَقْدَمِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَصْلًا وَإِنَّمَا تُدْرِكُهَا الْحَوَاسُّ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْضًا لَكِنْ بِوَاسِطَةِ الْحَوَاسِّ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسَمَّى حَرَكَتُهَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ فِكْرًا أَيْضًا اهـ.

أَقُولُ: نَخْتَارُ الْأَوَّلَ وَلَا إشْكَالَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِحَرَكَةِ النَّفْسِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ مُطَالَعَتُهَا إيَّاهَا وَمُشَاهَدَتُهَا مِنْ قُوَاهَا الْبَاطِنَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ كَمَا هُوَ فِي الْمَعْقُولَاتِ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَقَعُ فِيهَا إيصَالٌ وَلَا تَرْتِيبٌ فَإِنَّ تَحْصِيلَ الْمَطَالِبِ إنَّمَا هُوَ بِالْكُلِّيَّاتِ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ إنَّ الْجُزْئِيَّاتِ إنَّمَا تُدْرَكُ بِالْإِحْسَاسَاتِ إمَّا بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ وَلَيْسَ الْإِحْسَاسُ مِمَّا يُؤَدِّي بِالنَّظَرِ إلَى إحْسَاسٍ آخَرَ بِأَنْ يُحَسَّ بِمَحْسُوسَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَتُرَتَّبُ عَلَى وَجْهٍ يُؤَدِّي إلَى الْإِحْسَاسِ بِمَحْسُوسٍ آخَرَ بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ الْمَحْسُوسِ الْآخَرِ مِنْ إحْسَاسٍ ابْتِدَاءً وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ يُرَاجِعُ وُجْدَانَهُ وَكَذَلِكَ لَيْسَ تَرْتِيبُ الْمَحْسُوسَاتِ مُؤَدِّيًا إلَى إدْرَاكٍ كُلِّيٍّ وَذَلِكَ أَظْهَرُ فَالْجُزْئِيَّاتُ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ نَظَرٌ وَفِكْرٌ أَصْلًا وَلَا هِيَ مِمَّا يَحْصُلُ بِنَظَرٍ وَفِكْرٍ فَلَيْسَتْ كَاسِبَةً وَلَا مُكْتَسَبَةً اهـ.

وَعَلَّلَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِيهِ بِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَقْلِيَّةَ لِكَوْنِهَا مُنْتَزَعَةً مِنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ حُذِفَ مِنْهُ الْمُشَخَّصَاتُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صُورَةُ بَعْضٍ مِنْهَا مِرْآةً لِمُشَاهَدَةِ بَعْضٍ آخَرَ لِتَصَادُقٍ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ فَإِنَّهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصُّورَةُ الْجُزْئِيَّةُ لِوَاحِدٍ مِنْهَا مِرْآةً لِمُشَاهَدَةِ مَحْسُوسٍ آخَرَ بَلْ تَحْتَاجُ إلَى إحْسَاسٍ آخَرَ نَعَمْ إحْسَاسُ الْمَحْسُوسِ مُوجِبٌ لِلتَّخَيُّلِ وَالتَّوَهُّمِ أَيْ بِحُصُولِ صُورَةٍ فِي خَيَالٍ وَحُصُولِ صُورَةٍ جُزْئِيَّةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِذَلِكَ وَالْمَحْسُوسُ فِي الْوَهْمِ وَلَيْسَ هَذَا تَحْصِيلًا بِالنَّظَرِ بَلْ إيجَابُ إحْسَاسٍ لِإِحْسَاسٍ آخَرَ اهـ.

وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ الْمَوْلَى عَلِيٌّ الْهِنْدِيُّ إنَّ الْمَحْسُوسَاتِ هَلْ تَقَعُ مُقَدِّمَاتٍ بُرْهَانِيَّةً أَوْ لَا قَالُوا لَا تَقَعُ؛ لِأَنَّهَا عُلُومٌ جُزْئِيَّةٌ زَائِلَةٌ بِزَوَالِ الْحِسِّ فَلَا تُفِيدُ تَصْدِيقًا جَازِمًا ثَابِتًا نَعَمْ لِلْعَقْلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَحْسُوسَاتِ الْمَحْسُوسَةِ بِالْحِسِّ وَيْحَكُمْ عَلَيْهِ حُكْمًا كَحُكْمِ الْحِسِّ عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ الْمَحْسُوسَةِ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذَا الْحُكْمُ يَقَعُ مُقَدِّمَةً فِي الْبُرْهَانِ وَلِلْحِسِّ دَخْلٌ مَا اهـ.

فَظَهَرَ لَك مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَمْرَانِ:

الْأَوَّلُ: مَعْنَى التَّخْيِيلِ وَالتَّوَهُّمِ الثَّانِي أَنَّ الْإِحْسَاسَاتِ لَا تُعَدُّ حَرَكَةُ النَّفْسِ فِيهَا فِكْرًا، وَأَمَّا جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ إلَخْ فَلَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْقَوْمِ كَيْفَ وَالنَّفْسُ حَاكِمَةٌ لَا بُدَّ أَنْ تُدْرِكَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْمُدْرِكَةَ لَهَا مُنْتَزَعَةٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِهَا فَلَا بُدَّ أَنْ تُلَاحِظَ تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ أَوَّلًا حَتَّى لَا تَنْتَزِعَ مِنْهَا الْكُلِّيَّاتِ أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَّاهُ فِي حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى فَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا لَا تُدْرِكُ الْجُزْئِيَّاتِ أَصْلًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَعَاجِمِ هَلْ تُدْرِكُ النَّفْسُ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمَعْقُولَاتِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُرْسَمُ فِيهَا وَهُوَ قَوْلٌ وَاهٍ أَوْ الْكُلِّيَّاتُ تُرْسَمُ فِيهَا وَالْمَحْسُوسَاتُ فِي قُوَاهَا وَهُوَ الْقَوِيُّ عِنْدَهُمْ لَا أَنَّهَا

ص: 187

(الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ) بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ فِيهِمَا

ــ

[حاشية العطار]

لَا تُدْرِكُ الْمَحْسُوسَاتِ أَصْلًا.

وَأَمَّا قَوْلُ النَّاصِرِ مُقَابَلَةُ الْفِكْرِ بِالتَّخَيُّلِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي فَنِّ الْحِكْمَةِ وَالْكَلَامِ إنَّ مِنْ الْقُوَى الْبَاطِنَةِ إلَخْ فَكَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ لَا مَدْخَلَ لَهُ هَاهُنَا أَصْلًا وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذِكْرِهِ صِنَاعَةَ الِاسْتِغْرَابِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ بِهَذِهِ الْفُنُونِ إحَاطَةٌ مِنْ الطُّلَّابِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْكَلَنْبَوِيِّ عَلَى حَاشِيَةِ التَّهْذِيبِ لِلْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ رحمه الله إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْقُولِ فِي تَعْرِيفِ النَّظَرِ هُوَ الْمَعْقُولُ الصِّرْفُ الْمُقَابِلُ لِلْمَحْسُوسِ أَيْ مَا حَصَلَ صُورَتُهُ فِي إحْدَى الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ.

وَالْمُخَيَّلُ أَيْ مَا حَصَلَ صُورَتُهُ فِي الْخَيَالِ الَّتِي هِيَ خِزَانَةُ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَوْهُومُ أَيْ الَّذِي أَدْرَكَتْهُ الْقُوَّةُ الْوَاهِمَةُ وَأَلْقَتْهُ فِي خِزَانَتِهَا الَّتِي هِيَ الْحَافِظَةُ، وَتَوَجَّهَ النَّفْسَ إلَى الْمَحْسُوسِ وَالْمُخَيَّلِ إحْضَارُ صُورَتِهِمَا إلَى الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَتَوَجُّهِهَا إلَى الْمَوْهُومِ إحْضَارُ صُورَتِهِ مِنْ الْحَافِظَةِ إلَى الْوَاهِمَةِ فَصُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ إنْ أُحْضِرَتْ إلَى الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ مِنْ قِبَلِ الْحَوَاسِّ كَانَ ذَلِكَ الْإِحْضَارُ تَوَجُّهًا إلَى الْمَحْسُوسِ وَإِنْ أُحْضِرَتْ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْخَيَالِ كَانَ ذَلِكَ الْإِحْضَارُ تَوَجُّهًا إلَى الْمُخَيَّلِ وَكِلَا الْإِحْضَارَيْنِ يُسَمَّى تَخْيِيلًا وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الشَّرِيفِ الْجُرْجَانِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْمُخْتَصَرِ الْعَضُدِيِّ إنَّ حَرَكَةَ النَّفْسِ فِي صُوَرِ الْمَحْسُوسَاتِ يُسَمَّى تَخْيِيلًا اهـ.

وَهَذَا تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ يَتَّضِحُ لَك بِهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ اضْطَرَبَتْ أَفْهَامُهُمْ هُنَا وَسُبْحَانَ الْمُلْهِمِ الْمُنْعِمِ وَلِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ حِكْمَةِ الْعَيْنِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ يَنْفَعُك فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْجُزْئِيَّ الْمَادِّيَّ كَالْجِسْمِ وَالْجُسْمَانِيُّ أَوَّلُ إدْرَاكٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ هُوَ الْإِحْسَاسُ مُكْتَنِفًا بِالْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ وَالْغَوَاشِي الْغَرِيبَةِ مَعَ حُضُورِ الْمَادَّةِ ثُمَّ التَّخَيُّلُ مَعَ غَيْبَتِهِ، فَفِيهِ تَجْرِيدٌ مَا ثُمَّ النَّفْسُ بِالْقُوَّةِ الْوَهْمِيَّةِ تَنْتَزِعُ مِنْهُ مَعْنًى جُزْئِيًّا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُدْرَكَ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَبِالْقُوَّةِ الْمُتَصَرِّفَةِ تَنْتَزِعُ مِنْهُ أَمْرًا كُلِّيًّا يَصِيرُ مَعْقُولًا فَالْمَحْسُوسُ إنَّمَا يَصِيرُ مَعْقُولًا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ أَوَّلُهَا الْإِحْسَاسُ بِهِ ثُمَّ التَّخَيُّلُ ثُمَّ الْعَقْلُ.

وَأَمَّا التَّوَهُّمُ فَإِنَّمَا هُوَ مُعَدٌّ لِلْإِحْسَاسِ وَحْدَهُ أَوْ بَعْدَ التَّخَيُّلِ أَيْضًا لَكِنَّ مُدْرِكَهُ شَيْءٌ آخَرُ فَالتَّرْتِيبُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الثُّلَاثِيِّ فَهَذِهِ هِيَ مَرَاتِبُ الْإِدْرَاكَاتِ.

وَأَمَّا الْجُزْئِيُّ الْمُجَرَّدُ فَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ بَلْ بِالنَّفْسِ فَلَا مَانِعَ فِيهِ مِنْ التَّعْلِيقِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُجَرَّدَاتِ كُلِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جُزْئِيَّةً مَعْقُولَةٌ.

وَأَمَّا الْمَادِّيَّاتُ فَإِنْ كَانَتْ كُلِّيَّةً فَكَذَلِكَ لَكِنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى التَّجْرِيدِ عَنْ الْعَوَارِضِ الْخَارِجِيَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّعَلُّقِ كَالْوَضْعِ وَالْمِقْدَارِ الْمَخْصُوصِ وَإِنْ كَانَتْ جُزْئِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ صُوَرًا فَبِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَانِيَ فَبِالْوَهْمِ التَّابِعِ لِلْحِسِّ الظَّاهِرِ اهـ.

(قَوْلُهُ: الْمُؤَدِّي إلَى عِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ) قَالَ فِي الْآيَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ قَدْ يُؤَدِّي إلَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ النَّاشِئَ عَنْ النَّظَرِ لَا يَخْلُو عَنْ كَوْنِهِ عِلْمًا أَوْ ظَنًّا إذْ الِاصْطِلَاحُ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ نَاشِئًا عَنْ دَلِيلٍ مِنْ الْأَمْرِ الْمَجْزُومِ بِهِ يُسَمَّى اعْتِقَادًا كَاعْتِقَادَاتِ الْمُقَلِّدِينَ فِي الْعَقَائِدِ ثُمَّ إنَّ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ فَجَازَ دُخُولُهَا فِي التَّعْرِيفِ.

(قَوْلُهُ: بِمَطْلُوبٍ) لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَيْ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فِيهِمَا وَلَا مَعْمُولًا لَهُمَا لِلُزُومِ تَوَارُدِ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ.

وَالْجَوَابُ أَنَّا نَخْتَارُ الْأَوَّلَ وَنَقُولُ إنَّهُ حَذَفَ نَظِيرَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ نُقَدِّرُ ذَلِكَ فِيهَا أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ تَقْيِيدُ الْمَطْلُوبِ بِالْخَبَرِ جَارٍ فِيهِمَا أَيْ فِي الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَقَوْلُهُ فِي الْعِلْمِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ تَقْيِيدُ الْمَطْلُوبِ بِالتَّصَوُّرِيِّ جَارٍ فِي الْعِلْمِ دُونَ الظَّنِّ إذْ الظَّنُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَطْلُوبِ التَّصَوُّرِيِّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَصَوُّرِيٍّ فِي الْعِلْمِ) فَالتَّصَوُّرَاتُ لَا تَكُونُ إلَّا عِلْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ مُطَابِقَةً

ص: 188

فَخَرَجَ الْفِكْرُ غَيْرُ الْمُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ كَأَكْثَرِ حَدِيثِ النَّفْسِ فَلَا يُسَمَّى نَظَرًا وَشَمِلَ التَّعْرِيفُ النَّظَرَ الصَّحِيحَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ وَالْفَاسِدَ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ

ــ

[حاشية العطار]

لِلْوَاقِعِ وَلَا يَقَعُ فِيهَا الْخَطَأُ كَالتَّصْدِيقَاتِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ يَقَعُ فِيهَا الْخَطَأُ كَمَا إذَا رَأَيْنَا حَجَرًا مِنْ بَعِيدٍ فَحَصَلَ مِنْهُ صُورَةُ إنْسَانٍ فَهَذَا التَّصَوُّرُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ فَيَكُونُ خَطَأً فَجَوَابُهُ أَنَّ الْخَطَأَ هُنَا وَقَعَ فِي تَصْدِيقٍ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ الْإِنْسَانِ وَتَصَوُّرُ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ لَا خَطَأَ فِيهِ فَالصُّورَةُ التَّصْدِيقِيَّةُ قَدْ لَا تَكُونُ مُطَابِقَةً لِلْوَاقِعِ كَمَا قَرَّرَنَا.

وَقَدْ تَكُونُ كَمَا إذَا حَصَلَ مِنْ صُورَةِ الْحَجَرِيَّةِ فِي الذِّهْنِ وَحَكَمْنَا بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لِذَلِكَ الْمَرْئِيِّ كَانَ كُلٌّ مِنْ الصُّوَرِ التَّصَوُّرِيَّةِ والتصديقية مُطَابِقًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةَ أَنَّ كِلَا الْمَعْلُومَيْنِ وَاقِعٌ فِيهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّورَةَ التَّصْدِيقِيَّةَ تَتَّصِفُ بِالْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالصُّورَةُ التَّصَوُّرِيَّةُ دَائِمًا تَتَّصِفُ بِمُطَابَقَتِهَا، لَهُ قَالَ الْخَيَالِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْوَجْهِ وَالْعِلْمِ بِالشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ. اهـ.

وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَخُصُّنَا هُنَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ.

(قَوْلُهُ: فَخَرَجَ الْفِكْرُ غَيْرُ الْمُؤَدِّي) تَعْرِيضٌ بِالْآمِدِيِّ حَيْثُ فَهِمَ أَنَّ الْفِكْرَ مُرَادِفٌ لِلنَّظَرِ عَلَى مَا سَبَقَ شَرْحُهُ.

(قَوْلُهُ: الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ) مُقَابَلَةُ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ قَدْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادِيَّ اهـ. سم.

وَفِيهِ مَا قَدْ سَمِعْت (قَوْلُهُ وَالْفَاسِدَ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّأْدِيَةَ هِيَ الْإِيصَالُ لُغَةً وَعُرْفًا وَالتَّوَصُّلُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِصَحِيحِ النَّظَرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِهَا إلَى الْمَطْلُوبِ فَالتَّأْدِيَةُ مِثْلُهُ فَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤَدِّي يُخْرِجُ الْفَاسِدَ قَطْعًا إفَادَةُ النَّاصِرِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ كَالْعَضُدِ وَالسَّعْدِ وَالسَّيِّدِ وَغَيْرِهِمْ صَرَّحُوا بِشُمُولِ التَّعْرِيفِ لِلنَّظَرِ الْفَاسِدِ وَأَنَّ التَّأْدِيَةَ تَكُونُ بِهِ كَمَا تَكُونُ بِالصَّحِيحِ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْعَلَّامَةِ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ لِلتَّأَدِّي وَلَمْ يَقُلْ بِحَيْثُ يُؤَدِّي لِيَشْتَمِلَ الْفِكْرَ الْفَاسِدَ مَادَّةً أَوْ صُورَةً فَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ قَوْلِ النَّاصِرِ وَقَالُوا أَيْضًا إنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِأَفْرَادِ النَّظَرِ مُطْلَقًا مِنْ ظَنِّيَّاتٍ وَجَهْلِيَّاتٍ لِوُجُوبِ شُمُولِ التَّعْرِيفِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ) أَيْ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ وَظَاهِرُهُ فِي التَّصَوُّرَاتِ وَالتَّصْدِيقَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ

ص: 189

وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ التَّأْدِيَةَ إلَّا فِيمَا يُؤَدَّى بِنَفْسِهِ.

(وَالْإِدْرَاكُ) أَيْ وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ مِنْ نِسْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا

ــ

[حاشية العطار]

يُقَيِّدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى التَّصْدِيقَاتِ إذْ التَّصَوُّرَاتُ لَا يَقَعُ فِيهَا ظَنٌّ وَلَا فَسَادٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدْ يُقَالُ كَيْفَ يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ أَيْ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْفَاسِدَ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ وَيُجَابُ بِأَنْ قِيلَ فِيهِ ذَلِكَ خَالٍ عَنْ الِاعْتِقَادِ أَوْ الظَّنِّ بِخِلَافِ مَا هُنَا ثُمَّ إنَّ تَأْدِيَةَ النَّظَرِ الْفَاسِدِ بِوَاسِطَةِ الظَّنِّ إلَى ظَنٍّ ظَاهِرٍ.

وَأَمَّا تَأْدِيَتُهُ إلَى الْعِلْمِ بِوَاسِطَةِ الِاعْتِقَادِ فَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ ثَابِتٌ لَا يَزُولُ بِالتَّشْكِيلِ وَالْحَاصِلُ بِالنَّظَرِ الْفَاسِدِ يَزُولُ بِتَبَيُّنِ فَسَادِ النَّظَرِ، وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالتَّجَوُّزِ بِإِطْلَاقِ الْعِلْمِ عَلَى الِاعْتِقَادِ الدَّاخِلِ تَحْتَ قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَا ذَكَرَ كَانَ مُوهِمًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَ وَاقِعٌ عَلَى الْعِلْمِ وَالظَّنِّ إذْ هُوَ الْمُتَقَدِّمُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الِاعْتِقَادَ الْوَاقِعَ فِي النَّظَرِ قَدْ يَكُونُ طَرِيقًا فِي الْوُقُوفِ عَلَى مُوجِبِ الْعِلْمِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ عَادَةٍ فَيَحْصُلُ لِلْعِلْمِ بِوَاسِطَةِ الِاعْتِقَادِ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا فِي الْوُقُوفِ عَلَى الْمُوجِبِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ سَبَبٌ لِلْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ. اهـ.

وَجَوَابُ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَ خُصُوصَ الظَّنِّ الشَّامِلِ لِلِاعْتِقَادِ بِقَرِينَةِ وُضُوحِ أَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ حُصُولَ الْعِلْمِ بِوَاسِطَةِ اعْتِقَادٍ أَوْ ظَنٍّ فَلَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُؤَدِّيَ إلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ هُوَ الْعِلْمُ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ اهـ. فِي غَايَةِ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ مَا ذَكَرَ بِلَا دَلِيلٍ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْوُضُوحِ مُسَلَّمٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا يُفِيدُهُ سَوْقُ الْكَلَامِ بَلْ هُوَ مَنْشَأُ الِاعْتِرَاضِ، وَمِنْ نَاحِيَةِ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْبَعْضِ وَهُوَ الظَّنُّ فَإِنَّهُ صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَنْ الْمُتَبَادِرِ الظَّاهِرِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا يُؤَدِّي مُطْلَقًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةٍ وَأَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ أَكْثَرُ مَعَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الْمُؤَدِّي بِذَاتِهِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِ الْمَنَاطِقَةِ

(قَوْلُهُ: وَالْإِدْرَاكُ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ شَائِعٍ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْوُصُولُ يُقَالُ أَدْرَكَتْ الثَّمَرَةُ إذَا وَصَلَتْ وَبَلَغَتْ حَدَّ الْكَمَالِ وَلِذَلِكَ اعْتَبَرَ فِي مَفْهُومِهِ التَّمَامَ وَإِنْ كَانَ الشَّائِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ تَفْسِيرَ الْإِدْرَاكِ بِحُصُولِ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ أَيْ صُورَةِ الشَّيْءِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ الْعَقْلِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ مِنْ أَنَّهُ مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلٌ لِلتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ وَلِلتَّصْدِيقِ.

وَقَدْ يُقَيِّدُ بِعَدَمِ الْحُكْمِ فَيَخْتَصُّ بِالتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ كَمَا وَقَعَ هُنَا (قَوْلُهُ: بِتَمَامِهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ إدْرَاكَ الْبَسَائِطِ؛ لِأَنَّ التَّمَامَ لَا يُعْقَلُ إلَّا فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ الْكُنْهُ وَإِدْرَاكُ الْحَقِيقَةِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: مِنْ نِسْبَةٍ) أَيْ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهَا مُغَايِرَةٌ لِلْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهَا) وَهِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَالْمَحْكُومُ بِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُسَاوِيَةٌ لِعِبَارَةِ الشَّمْسِيَّةِ وَهِيَ الْعِلْمُ

ص: 190

(بِلَا حُكْمٍ) مَعَهُ مِنْ إيقَاعِ النِّسْبَةِ أَوْ انْتِزَاعِهَا (تَصَوُّرٌ) وَيُسَمَّى عِلْمًا أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَمَّا وُصُولُ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى لَا بِتَمَامِهِ فَيُسَمَّى شُعُورًا (وَبِحُكْمٍ)

ــ

[حاشية العطار]

إمَّا تَصَوُّرٌ فَقَطْ وَإِمَّا تَصَوُّرٌ مَعَهُ حُكْمٌ فَاعْتَرَضَتْ بِأُمُورٍ مِنْهَا مَا قَالَهُ النَّاصِرُ هُنَا إنَّ قَوْلَهُ بِلَا حُكْمٍ مَعَهُ يُخْرِجُ بِهِ إدْرَاكَ النِّسْبَةِ أَوْ طَرَفَيْهَا أَوْ أَحَدَهُمَا مَعَ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ تَصَوُّرٌ فَهُوَ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ وَيُدْخِلُ الْحُكْمَ نَفْسَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إدْرَاكٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَصَوُّرٍ فَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ اهـ.

وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ حَاشِيَةِ السَّيِّدِ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ وَأَجَابَ عَبْدُ الْحَكِيمِ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ الْقَيْدِ الْمُقَارَنَةُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالتَّصَوُّرُ الَّذِي يُقَارِنُهُ الْحُكْمُ أَعْنِي إيقَاعَ النِّسْبَةِ أَوْ انْتِزَاعَهَا بِلَا وَاسِطَةٍ إدْرَاكُ النِّسْبَةِ الْخَبَرِيَّةِ أَوْ مَجْمُوعِ الْإِدْرَاكَاتِ الثَّلَاثَةِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْإِدْرَاكَ الْحَاصِلَ حِينَ الْحُكْمِ إدْرَاكٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضِيَّةِ، وَالْمُقَارَنَةَ بِمَا عَدَاهَا بِالْعَرَضِ فَلَا انْتِقَاضَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دُخُولِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ بِمَنْعِ مَبْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إدْرَاكٌ وَلَيْسَ تَصَوُّرًا بِأَنَّهُ تَصَوُّرٌ سَاذَجٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الْمَطَالِعِ وَالسَّيِّدُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَصَاحِبُ الشَّمْسِيَّةِ فِي التَّصْدِيقِ وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَهُمَا فِي ذَلِكَ وَعَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ تَصَوُّرٌ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُتَرَدَّدٌ فِيهِ هَلْ هُوَ فِعْلٌ أَوْ إدْرَاكٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِي الشَّمْسِيَّةِ وَالتَّهْذِيبِ فَالتَّصْدِيقُ إمَّا التَّصَوُّرَاتُ الثَّلَاثَةُ مَعَ الْحُكْمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ أَوْ مَجْمُوعُ التَّصَوُّرَاتِ الْأَرْبَعَةِ وَأَوْرَدَ عَلَى مَذْهَبِهِ أُمُورًا لَا تَخُصُّنَا هُنَا.

(قَوْلُهُ: مَعَهُ) أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْمُقَابِلِ؛ لِأَنَّ بَاءَ قَوْلِهِ وَبِحُكْمٍ بِمَعْنَى مَعَ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِ إنَّ الْمُصَنَّفِينَ اعْتَادُوا الْمُسَامَحَةَ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ وَالِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ صَلَاحِيَةِ عِبَارَتِهِمْ لِحَمْلِهَا عَلَى الْمُرَادِ اعْتِذَارًا عَنْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ إيقَاعِ النِّسْبَةِ) بَيَانٌ لِلْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ.

(قَوْلُهُ: تَصَوُّرٌ) أَيْ تَصَوُّرٌ سَاذَجٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ لِلتَّصْدِيقِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَوْ تَصَوُّرِيٍّ فِي الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: فَيُسَمَّى شُعُورًا) هَذِهِ التَّفْرِقَةُ لِبَعْضِهِمْ وَلَا تُوَافِقُ اصْطِلَاحَ الْمَنَاطِقَةِ فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ عِنْدَهُمْ يَشْمَلُ مَا بِالْكُنْهِ وَمَا بِالْوَجْهِ فَلَوْ حُمِلَ الْوُصُولُ إلَى تَمَامِ الْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ خَرَجَ الثَّانِي فَلَوْ.

أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ قَيْدَ التَّمَامِ لِبَيَانِ كَمَالِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْكَمَالُ لِلْإِيضَاحِ لَا لِلِاحْتِرَازِ لَوَافَقَ اصْطِلَاحَ الْجُمْهُورِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ أَنَّ الْإِمَامَ وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا أَنَّ أَوَّلَ مَرَاتِبِ وُصُولِ النَّفْسِ إلَى الْمَعْنَى شُعُورٌ فَإِذَا حَصَلَ وُقُوفُ النَّفْسِ عَلَى تَمَامِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَتَصَوُّرٌ فَإِذَا بَقِيَ بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ اسْتِرْجَاعَهُ بَعْدَ ذَهَابِهِ أَمْكَنَ يُقَالُ لَهُ حِفْظٌ وَلِذَلِكَ الطَّلَبِ تَذَكُّرٌ وَلِذَلِكَ الْوِجْدَانِ ذِكْرٌ اهـ.

فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الشُّعُورَ لَيْسَ تَصَوُّرًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَامِ الْمَعْنَى أَعَمُّ مِمَّا بِالْكُنْهِ وَبِغَيْرِهِ وَبِهَذَا اضْمَحَلَّتْ الشُّبَهُ

ص: 191

يَعْنِي وَالْإِدْرَاكُ لِلنِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا مَعَ الْحُكْمِ الْمَسْبُوقِ بِالْإِدْرَاكِ لِذَلِكَ (تَصْدِيقٌ)

ــ

[حاشية العطار]

الَّتِي هُنَا فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي وَالْإِدْرَاكُ لِلنِّسْبَةِ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ، وَالْإِدْرَاكُ بِحُكْمٍ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ إدْرَاكَ النِّسْبَةِ أَوْ أَحَدِ طَرَفَيْهَا أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا مَعَ الْحُكْمِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَصْدِيقٍ فَلَا يَطَّرِدُ فَعَدَلَ لِدَفْعِ ذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ إنْ سُلِّمَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا التَّصَوُّرَاتِ الثَّلَاثَةَ الْمَصْحُوبَةَ بِالْحُكْمِ لَا هَذِهِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْحُكْمُ كَمَا هُوَ مُرَادُهُ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ التَّصْدِيقِ عَلَى رَأْيِ أَحَدٍ اهـ.

وَأَقُولُ: إنَّ فِي التَّصْدِيقِ مَذَاهِبَ مِنْهَا مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبَيْ الْحُكَمَاءِ وَالْإِمَامِ وَمِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَمَنْ تَبِعَهُ كَصَاحِبِ الْمَطَالِعِ وَصَاحِبِ الشَّمْسِيَّةِ أَنَّ التَّصْدِيقَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِدْرَاكِ الْمُجَامِعِ لِلْحُكْمِ أَوْ الْمَعْرُوضِ لِلْحُكْمِ وَتَعْرِيفُ الْمُصَنِّفِ مِنْهُ وَبِعِنَايَةِ الشَّارِحِ يَكُونُ جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: الْمَسْبُوقِ بِالْإِدْرَاكِ لِذَلِكَ) أَيْ لِلنِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا، فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَقَدُّمُ إدْرَاكِ ذَلِكَ عَلَى إدْرَاكِ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوْ لَا وُقُوعِهَا، وَأَمَّا تَصَوُّرُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَحْكُومِ بِهِ فَأَمْرٌ اسْتِحْسَانِيٌّ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ تُلَاحَظَ

ص: 192

كَإِدْرَاكِ الْإِنْسَانِ وَالْكَاتِبِ وَكَوْنِ الْكَاتِبِ ثَابِتًا لِلْإِنْسَانِ وَإِيقَاعِ أَنَّ الْكَاتِبَ ثَابِتٌ لِلْإِنْسَانِ أَوْ انْتِزَاعِ ذَلِكَ أَيْ نَفْيِهِ فِي التَّصْدِيقِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَاتِبٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَاتِبٍ الصَّادِقَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَقِيلَ الْحُكْمُ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ

ــ

[حاشية العطار]

الذَّاتُ أَوَّلًا ثُمَّ مَفْهُومُ الصِّفَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَكَوْنِ الْكَاتِبِ إلَخْ) النِّسْبَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ ثُبُوتُ الْكِتَابَةِ لِلْإِنْسَانِ فَتَسَامَحَ الشَّارِحُ فِي التَّعْبِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَإِيقَاعِ) عَطْفٌ عَلَى إدْرَاكٍ وَقَوْلُهُ أَوْ انْتِزَاعِ عَطْفٌ عَلَى إيقَاعٍ وَقَوْلُهُ فِي التَّصْدِيقِ أَيْ كَائِنَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى وَجْهِ تَسْمِيَةِ الْإِدْرَاكِ إلَّا الْمَخْصُوصَ بِالتَّصْدِيقِ وَأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ أَشْرَفِ احْتِمَالِي الْخَبَرِ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ وَهُوَ الصِّدْقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ خَبَرٍ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمِلٌ الصِّدْقَ وَالْكَذِبِ فَغَلَبَ احْتِمَالُ الصِّدْقِ وَسُمِّيَ مَا تَضَمَّنَّهُ الْخَبَرُ تَصْدِيقًا لَا تَكْذِيبًا فَقَوْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْهِمَا.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْحُكْمُ إدْرَاكُ) مُقَابِلٌ لِتَفْسِيرِهِ بِالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فِعْلٌ وَعَلَى هَذَا انْفِعَالٌ أَوْ كَيْفٌ قَالَ النَّاصِرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ

ص: 193

قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَالْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ وَنَحْوُهُمَا كَالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ عِبَارَاتٌ، ثُمَّ كَثِيرًا مَا يُطْلَقُ التَّصْدِيقُ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ

ــ

[حاشية العطار]

الصَّادِرَةِ عَنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ صَالِحٌ لِمَا ذَكَرَ " وَلِأَنَّهُ الْإِدْرَاكُ " وَلِذَلِكَ تَرَى كَثِيرًا مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى إدْرَاكٍ عَرَّفَهُ بِمَا سَبَقَ وَأَشَارَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عِبَارَاتٌ اهـ.

وَأَقُولُ: تَفْسِيرُهُ هُنَا بِالْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ نَقْلِ كَلَامِ الْحُكَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُمْ وَغَيْرُهُمْ عَبَّرَ عَنْ الْحُكْمِ بِالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ كَالْإِمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ فَالشَّارِحُ بِصَدَدِ نَقْلِ الْمَذَاهِبِ مُرَاعِيًا تَعْبِيرَ أَرْبَابِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَفْسِيرُهُ الْحُكْمَ بِمَا قَالَهُ هُوَ مَا عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْمَنَاطِقَةِ فَهُوَ فِعْلُ النَّفْسِ.

وَأَمَّا مُتَقَدِّمُوهُمْ فَفَسَّرُوهُ بِمَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الْحُكْمُ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ فَلَيْسَ فِعْلًا بَلْ انْفِعَالٌ اهـ.

وَجَوَابُ سم بِأَنَّ مُقَابَلَةَ الشَّارِحِ كَوْنُهُ إدْرَاكًا بِكَوْنِهِ الْإِيقَاعَ وَالِانْتِزَاعَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ كَوْنُهُمَا فِعْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْأَلْيَقُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْحُكْمِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ فِي التَّصْدِيقِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحُكْمَ فِعْلٌ لَا إدْرَاكٌ اهـ.

مُخَالِفٌ لِمَا اعْتَرَفَ بِهِ قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ الْمَطَالِعِ فِي التَّصْدِيقِ وَمَذْهَبُهُ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْقُطْبُ الرَّازِيّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّفْسِ هَاهُنَا يَعْنِي فِي مُسَمَّى التَّصْدِيقِ تَأْثِيرٌ وَفِعْلٌ بَلْ إذْعَانٌ وَقَبُولٌ لِلنِّسْبَةِ وَهُوَ إدْرَاكُ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ قَالَ وَالْحُكْمُ وَإِيقَاعُ النِّسْبَةِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهَا عِبَارَاتٌ وَأَلْفَاظٌ أَيْ تُوهِمُ أَنَّ النَّفْسَ بَعْدَ تَصَوُّرِ النِّسْبَةِ وَطَرَفَيْهَا فِعْلٌ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ.

وَعَلَى هَذَا الْمُحَقِّقُونَ كَالتَّفْتازانِيِّ وَالسَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّحْقِيقُ) عَلَّلَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَنَّا إذَا رَجَعْنَا إلَى وِجْدَانِنَا عَلِمْنَا أَنَّا بَعْدَ إدْرَاكِ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْحَمْلِيَّةِ أَوْ الِاتِّصَالِيَّةِ أَوْ الِانْفِصَالِيَّةِ لَمْ يَحْصُلْ لَنَا سِوَى إدْرَاكِ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَيْ مُطَابِقَةٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ أَيْ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ.

قَالَ النَّاصِرُ كَوْنُ الْحُكْمِ هُوَ الْإِدْرَاكَ يَسْتَلْزِمُ اسْتِحَالَةَ حُكْمِ النَّفْسِ بِغَيْرِ مُدْرِكِهَا فَلَا يَكُونُ فِي الْكَذِبِ عَمْدًا حُكْمٌ فَلَا يَكُونُ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ قَالَ سم هَذَا الْكَلَامُ مِنْ الْعَجَائِبِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْكَذِبِ عَمْدًا حُكْمٌ بِالْمُخْبَرِ بِهِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ كَوْنِهِ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حُكْمٌ بِنَقِيضِ الْمُخْبَرِ بِهِ مَثَلًا وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَلَامٌ كَاذِبٌ وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْخَبَرِ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ حُكْمٌ مُطْلَقًا فَتَفْرِيعُ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحَالَةِ حُكْمِ النَّفْسِ بِغَيْرِ مُدْرِكِهَا انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عَنْ الْكَذِبِ عَمْدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مِنْ لَازِمِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الْإِخْبَارِ وُجُودُ حُكْمٍ مُخَالِفٍ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَفْرِيعَ قَوْلِهِ فَلَا يَكُونُ قِسْمًا مِنْ الْخَبَرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى تَحَقُّقِ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّاكِّ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ مَعَهُ مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُطَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: عِبَارَاتٌ) أَيْ مُعَبَّرٌ بِهَا عَنْ الْإِدْرَاكِ الْمَخْصُوصِ غَيْرُ مُرَادٍ بِهَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُهَا مِنْ كَوْنِهَا أَفْعَالًا قَالَ السَّيِّدُ تَوَهَّمُوا أَنَّ الْحُكْمَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ النَّفْسِيَّةِ الصَّادِرَةِ عَنْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْحُكْمِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَالْإِسْنَادِ وَالْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ وَالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ وَغَيْرِهَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ إدْرَاكٌ. اهـ.

قَالَ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ هَذَا الْبَيَانُ لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ إذْ لَوْ كَانَ مَنْشَأُ وَهْمِهِمْ كَوْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِحَسَبِ مَعَانِيهَا الِاصْطِلَاحِيَّةِ مُتَعَدِّيَةً فَالْعِلْمُ وَالتَّصَوُّرُ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَهَّمُوا كَوْنَهَا فِعْلًا وَمِثْلُ ذَلِكَ يَبْعُدُ عَنْ الْعُقَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْفُضَلَاءِ وَلَوْ كَانَ مَنْشَأُ الْوَهْمِ كَوْنَهَا بِحَسَبِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ دَالَّةً عَلَى مَا هُوَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ فَلِذَلِكَ أَبْعَدُ إذْ بِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ مَعَ الْإِعْرَاضِ

ص: 194

كَمَا قِيلَ إنَّ مُسَمَّاهُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ

ــ

[حاشية العطار]

عَنْ الْمَعَانِي الِاصْطِلَاحِيَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَ وَهْمِهِمْ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي التَّصْدِيقِ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى أَثَرِ التَّصَوُّرِ وَهُوَ اطْمِئْنَانُ النَّفْسِ وَاعْتِرَافُهَا فَحَسِبُوا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ الزَّائِدَ هُوَ فِعْلٌ صَادِرٌ عَنْ النَّفْسِ حَتَّى يَكُونَ التَّصَوُّرُ السَّاذَجُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنِّسْبَةِ خَالِيًا عَنْ هَذَا الْفِعْلِ فَهَذَا الْفِعْلُ أَمْرٌ زَائِدٌ مُنْضَمٌّ إلَيْهِ اهـ.

وَقَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ التَّحْقِيقُ عِنْدِي أَنَّ الْقَوْلَ بِفِعْلِيَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ مَبْنَاهُ أَمْرٌ مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ مُكَلَّفٌ بِهِ وَمَعْنَاهُ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُكَلَّفُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا فَالتَّصْدِيقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا فَقَالُوا إنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي التَّصْدِيقِ أَعْنِي إيقَاعَ النِّسْبَةِ أَوْ انْتِزَاعَهَا وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ بِاخْتِيَارِك الصِّدْقَ إلَى الْخَبَرِ أَوْ الْمُخْبِرِ وَتَسَلُّمُهُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ وَالتَّكْلِيفُ بِاعْتِبَارِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي الْآمِدِيُّ إنَّ التَّكْلِيفَ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفٌ بِالنَّظَرِ الْمُوصِلِ إلَيْهِ وَهُوَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: مُسَمَّاهُ ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمُ وَأَنَّ الْإِدْرَاكَاتِ الثَّلَاثَةَ شُرُوطٌ لَا شُطُورٌ وَعَلَيْهِ فَالتَّصْدِيقُ بَسِيطٌ لَا مُرَكَّبٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ؛ لِأَنَّ تَقْسِيمَ الْعِلْمِ لِلتَّصَوُّرِ وَلِلتَّصْدِيقِ لِامْتِيَازِ كُلٍّ بِطَرِيقٍ مُوصِلٍ إلَيْهِ، فَالْمُوصِلُ إلَى التَّصْدِيقِ الْحُجَّةُ وَلِلتَّصَوُّرِ الْقَوْلُ. الشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ)

ص: 195

فِي مَعْنَى الْحُكْمِ وَمِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ.

(وَجَازِمُهُ) أَيْ جَازِمُ التَّصْدِيقِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ إذْ هُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى جَازِمٍ وَغَيْرِهِ أَيْ الْحُكْمِ الْجَازِمِ (الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ) بِأَنْ كَانَ

ــ

[حاشية العطار]

مُتَعَلِّقٌ بِيُطْلَقُ.

(قَوْلُهُ: فِي مَعْنَى الْحُكْمِ) أَيْ هَلْ هُوَ فِعْلٌ أَوْ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ) أَيْ إطْلَاقِ التَّصْدِيقِ عَلَى الْحُكْمِ إمَّا مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْ حَقِيقَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ وَعِبَارَةُ النَّاصِرُ تُوهِمُ أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامًا حَيْثُ ذَكَرَ التَّصْدِيقَ أَوَّلًا بِمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ

(قَوْلُهُ: إذْ هُوَ) أَيْ الْحُكْمُ لَا الْمُرَكَّبُ مِنْهُ وَمِنْ التَّصَوُّرَاتِ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَاتِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا غَيْرُ الْجَزْمِ.

(قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَقْبَلُ إلَخْ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْعِلْمَ كَثِيرًا مَا يَتَغَيَّرُ بِمَا يُعَارِضُهُ مِنْ الشُّبَهِ وَالْأَوْهَامِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ أَصْلًا فَلَا يُسَلَّمُ وَإِنْ أَرَادَ لَا يَقْبَلُهُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِقُوَّتِهِ

ص: 196

لِمُوجِبٍ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ عَادَةٍ

ــ

[حاشية العطار]

فَفِيهِ أَنَّ الِاعْتِقَادَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالِاعْتِقَادِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ قَبُولِ التَّغَيُّرِ هُنَا مَعْنًى خَاصٌّ هُوَ كَوْنُهُ لِمُوجِبٍ وَمَتَى كَانَ لِمُوجِبٍ لَا يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ بِخِلَافِ الِاعْتِقَادِ فَإِنَّهُ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَلِهَذَا قَبِلَ التَّغَيُّرَ وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ لِمُوجِبٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِمُوجِبٍ) أَيْ سَبَبٍ يَقْتَضِيه بِأَنْ يَخْلُقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهُ لِلْعَبْدِ لَا بِمَعْنَى التَّأْثِيرِ أَوْ التَّوَلُّدِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِسٍّ) وَيُسَمَّى الْحُكْمُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بِالْمُشَاهَدَاتِ إنْ كَانَ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَيُسَمَّى بِالْمَحْسُوسَاتِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ الْمُشَاهَدَاتُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْمُبْصَرَاتِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الْإِحْسَاسَ بِالْبَصَرِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ لَيْسَ كُلُّ تَصْدِيقٍ يَحْصُلُ بِالْحَوَاسِّ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْعَقْلِ أَيْضًا وَقَبُولِهِ وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُنَا لِلسَّرَابِ إنَّهُ مِنْ الْمُشَاهَدَاتِ وَكَذَا سَائِرُ أَغْلَاطِ الْوَهْمِ وَالْحِسِّ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ.

وَالثَّانِي: مَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ وَمِنْهَا الْوَهْمِيَّاتُ.

الثَّالِثُ: مَا تُدْرِكُهُ نُفُوسُنَا وَالْأَخِيرَانِ يُسَمَّيَانِ وِجْدَانِيَّاتٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْ عَقْلٍ) أَيْ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ بِوَاسِطَةِ النَّظَرِ يُسَمَّى الْحُكْمُ نَظَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ تَصَوُّرِ الطَّرَفَيْنِ سُمِّيَتْ الْقَضَايَا الْمَحْكُومُ فِيهَا أَوَّلِيَّاتٍ كَالْوَاحِدِ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بِوَاسِطَةٍ لَا تَغِيبُ عَنْ الذِّهْنِ وَهِيَ الْقَضَايَا الَّتِي قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا كَقَوْلِنَا الْأَرْبَعَةُ زَوْجٌ.

(قَوْلُهُ: أَوْ عَادَةٍ) وَهِيَ مَا يُوجَدُ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا عِنْدَ وُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ كَالْإِسْهَالِ مِنْ شُرْبِ السَّقَمُونْيَا وَهِيَ لَا تَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ انْضِمَامِ الْحِسِّ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ السَّمْعَ فَهِيَ الْمُتَوَاتِرَاتُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ تَوَاطُؤَ الْمُخْبِرِينَ عَلَى الْكَذِبِ وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْعَادَةِ الْمُجْرَيَاتُ وَالْحَدْسِيَّاتُ، وَلَمَّا كَانَتْ الْعَادَةُ لَا تَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ الْحِسِّ إلَيْهَا حَصَرَ قَوْمٌ الْحُكْمَ فِي الْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا وَسَكَتُوا عَنْ الْعَادَةِ لِانْدِرَاجِهَا فِي قِسْمِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا.

وَقَالَ النَّسَفِيُّ فِي مَتْنِ الْعَقَائِدِ أَسْبَابُ الْعِلْمِ ثَلَاثَةٌ الْحَوَاسُّ السَّلِيمَةُ وَالْخَبَرُ الصَّادِقُ وَالْعَقْلُ.

وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْقُطْبِ طُرُقُ حُصُولِ الْعِلْمِ مُنْحَصِرَةٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي الْبَدَاهَةِ وَالْإِحْسَاسِ وَالتَّوَاتُرِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْحَدْسِ وَالنَّظَرِ اهـ.

وَإِذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت الْمَآلَ فِيهَا وَاحِدًا وَنَقَلَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا عَنْ شَرْحِ السُّلَّمِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ الْمَلَوِيِّ أَنَّ الْحَدْسِيَّاتِ تَحْتَاجُ لِتُكَرِّر الْمُشَاهَدَةِ كالتجربيات اهـ.

وَهُوَ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ الطُّوسِيُّ فِي شَرْحِ الْإِشَارَاتِ أَوْ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَدْرَجَهَا الْجَمَاعَةُ هُنَا تَحْتَ الْعَادَةِ وَلَكِنْ قَالَ شَارِحُ سُلَّمِ الْعُلُومِ لَا يَجِبُ فِي الْحَدْسِ الْمُشَاهَدَةُ مَرَّةً فَضْلًا عَنْ تَكَرُّرِهَا فَإِنَّ الْمَطَالِبَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي لَا يَكُونُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَوْضُوعِهَا مَحْسُوسًا وَلَا تُنَالُ بِالْحِسِّ حُكْمُهُ قَدْ تَكُونُ حَدْسِيَّةً، وَلَا يُمْكِنُ الْمُشَاهَدَةُ هُنَاكَ وَعَلَيْهِ فَلَا تَنْدَرِجُ ثُمَّ إنَّ الْقَضِيَّةَ مُنْفَصِلَةٌ مَانِعَةٌ خُلُوَّ تَجَوُّزِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُتَوَاتِرَاتِ مِنْ الِانْتِهَاءِ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةُ تُحِيلُ الْكَذِبَ فِيهِ وَالْعَقْلُ حَاكِمٌ فِي الْجَمِيعِ وَكَالْحُكْمِ بِأَنَّ الْجَبَلَ حَجَرٌ فَإِنَّهُ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَالنَّاصِرُ جَعَلَهَا مُنْفَصِلَةً

ص: 197

فَيَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ

ــ

[حاشية العطار]

حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى تَكَلُّفٍ ذَكَرَهُ.

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ) قَالَ النَّاصِرُ فِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ؛ لِأَنَّ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ الْكَلَامِ وَهِيَ ثُبُوتُ الْمَحْمُولِ لِلْمَوْضُوعِ أَوْ انْتِفَاؤُهُ عَنْهُ لَا الْحُكْمُ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ إذَا كَانَ فِعْلًا لَا إدْرَاكًا إذْ لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ شَيْءٌ يُخَالِفُهُ تَارَةً وَيُوَافِقُهُ أُخْرَى بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْوَاقِعِ لِمَوْصُوفِهِ دَائِمًا صَحِيحًا كَانَ أَمْ لَا اهـ.

وَهُوَ نَظَرٌ قَوِيٌّ وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مُطَابِقًا مُتَعَلِّقَهُ، وَهُوَ النِّسْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَمِثْلُهُ مِنْ الْمُسَامَحَاتِ كَثِيرٌ لَا يَتَحَاشَى عَنْهُ وَمَا تَكَلَّفَهُ سم فِي الْجَوَابِ بِتَصْحِيحِ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ تَقَعُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ وَبَيْنَ النِّسْبَةِ الْوَاقِعَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ قَالَ مِيرْ زَاهِدْ فِي حَوَاشِي الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ الْمُرَادُ مُطَابَقَةُ النِّسْبَةِ الَّتِي هِيَ حِكَايَةٌ عَنْ الْوَاقِعِ وَمَرْجِعُ هَذِهِ الْمُطَابَقَةِ هُوَ الْوُقُوعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ أَوَّلًا بِالذَّاتِ لِلنِّسْبَةِ وَثَانِيًا وَبِالْعَرَضِ لِلْخَبَرِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا اهـ.

وَقَالَ الْخَلْخَالِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ إنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَمَّا فِي الْوَاقِعِ فَلَا يَكُونُ حِكَايَةً عَنْ نَفْسِهَا إذْ مُحَاكَاةُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ صَارَ احْتِمَالُ الْمُطَابَقَةِ واللامطابقة مِنْ خَوَاصِّ التَّصْدِيقَاتِ فَإِنَّ الصُّورَةَ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُحَاكَاةُ عَنْ أَمْرٍ وَاقِعٍ لَا تَجْرِي فِيهَا التَّخْطِئَةُ وَالتَّغْلِيطُ اهـ.

وَقَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ الْمُرَادُ الْمُدْرِكُ فَمَآلُ قَوْلِنَا إنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ وَقَوْلِنَا إنَّهَا مُطَابِقَةٌ وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ الْحَالَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا

ص: 198

(عِلْمٌ

ــ

[حاشية العطار]

الْإِذْعَانُ وَالتَّسْلِيمُ اهـ.

وَكُتُبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْأَعَاجِمِ الَّذِينَ هُمْ الْعُمْدَةُ فِي هَذِهِ الْفُنُونِ طَافِحَةٌ بِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بَيْنَ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ وَأَنَّ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارِيٌّ بَلْ اعْتِبَارُ الْمُطَابَقَةِ واللامطابقة بَيْنَ الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ وَبَيْنَ النِّسْبَةِ الْوَاقِعَةِ بِمَا يُنْكِرُهُ الْوِجْدَانُ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ لَا تُتَعَقَّلُ فِيهِ الْحِكَايَةُ عَمَّا فِي الْخَارِجِ وَلَا يُعْقَلُ كَوْنُهُ ثُبُوتِيًّا أَوْ سَلْبِيًّا؛ لِأَنَّهُمَا وَصْفَانِ لِلنِّسْبَةِ تَأَمَّلْ وَلَا تَكُنْ أَسِيرَ التَّقْلِيدِ وَلَا مِمَّنْ يَحْمِلُهُ التَّعَصُّبُ عَلَى مَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ.

(قَوْلُهُ: عِلْمٌ) قَالَ النَّاصِرُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ لَا إدْرَاكٌ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ لَا يُعْرَفُ لِأَحَدٍ فِيمَا أَعْلَمُ، ثُمَّ الْعِلْمُ الْإِلْهَامِيُّ كَعِلْمِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ يَتَنَاوَلُهُ تَعْرِيفُ الْمَتْنِ بِدُونِ زِيَادَةِ الشَّارِحِ أَيْ قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ لِمُوجِبٍ إلَخْ فَتَرْكُهَا أَصْوَبُ ثُمَّ كُلُّ عِلْمٍ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ أَيْ الزَّوَالِ بِمَا يُضَادُّهُ كَالنَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ فِي التَّعْرِيفِ قَوْلَنَا بِالتَّشْكِيكِ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى عِلْمٍ أَصْلًا اهـ.

أَقُولُ: حَاصِلُ كَلَامِهِ اعْتِرَاضَاتٌ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: مِنْهَا أَنَّهُ جَرَى هُنَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحُكْمَ إدْرَاكٌ وَلَئِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ بِمَعْنَى الْإِيقَاعِ قَدَّرْنَا مُضَافًا أَيْ، مُلَابِسَ عِلْمٍ، فَالْعِلْمُ حِينَئِذٍ هُوَ النِّسْبَةُ الْحُكْمِيَّةُ لَا الْإِيقَاعُ.

وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا فِي الْعِلْمِ ذِي السَّبَبِ وَهُوَ الْحَاصِلُ لِلْبَشَرِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْعِلْمِ الْحُصُولِيِّ، وَأَمَّا عِلْمُ الْمَلَائِكَةِ فَمِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ الْحُضُورِيِّ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ فَحَقِيقَةُ عِلْمِهِمْ مُغَايِرَةٌ لِحَقِيقَةِ عِلْمِ الْبَشَرِ.

وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ عِلْمَهُمْ بَلَغَ الدَّرَجَةَ الْقُصْوَى فِي كَمَالِ الْعِلْمِ الْبَشَرِيِّ فَلَا تُحِيطُ بِحَقِيقَتِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ شَارِحُ حِكْمَةِ الْعَيْنِ إنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ الِانْتِهَاءُ فِي طُرُقِ النُّقْصَانِ إلَى بَلِيدٍ غَبِيٍّ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ أَنْ يَفْهَمَ شَيْئًا مِنْ الْعُلُومِ أَصْلًا فَكَذَلِكَ يُمْكِنُ الِانْتِهَاءُ فِي طُرُقِ الْكَمَالِ إلَى وُجُودِ نَفْسٍ بَالِغَةٍ إلَى الدَّرَجَةِ الْقُصْوَى فِي الْقُوَّةِ وَسُرْعَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِإِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ يُحِيطُ عِلْمًا بِحَقَائِق الْأَشْيَاءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ وَشَوْقٍ، وَهَذِهِ الْقُوَّةُ لَوْ وُجِدَتْ كَانَ صَاحِبُهَا نَبِيًّا أَوْ حَكِيمًا اهـ.

وَجَوَابُ الثَّالِثِ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَزُولُ بِالنَّوْمِ وَنَحْوِهِ كَالْإِغْمَاءِ بَلْ الزَّائِلُ الشُّعُورِ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ لِلنَّفْسِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ لَهَا نَظَرِيًّا كَانَ أَوْ ضَرُورِيًّا وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُونَ هُوَ أَنَّ النَّوْمَ ضِدٌّ لِإِدْرَاكِ الْأَشْيَاءِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِبَقَاءِ الْإِدْرَاكَاتِ الْحَاصِلَةِ حَالَةَ الْيَقَظَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا بِهِ أَطَالَ سم مِنْ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي لَا تُجْدِي نَفْعًا مِنْهَا تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يُطْلِقُ الْعِلْمَ عَلَى الْإِيقَاعِ وَالِانْتِزَاعِ وَأَنَّ الشَّارِحَ تَبِعَهُ فَلَا وَجْهَ لِلطَّعْنِ فِيهِمَا يَنْقُلُهُ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَوْ فُرِضَ وُجُودُ قَائِلٍ بِهِ كَانَ مَرْدُودًا عَلَيْهِ كَيْفَ وَالْعِلْمُ إدْرَاكٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِيقَاعِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ بِإِدْرَاكٍ فَلَا شَيْءَ مِنْ الْعِلْمِ بِإِيقَاعٍ أَوْ انْتِزَاعٍ وَيَنْعَكِسُ إلَى لَا شَيْءٍ مِنْ الْإِيقَاعِ أَوْ الِانْتِزَاعِ

ص: 199

كَالتَّصْدِيقِ) أَيْ الْحُكْمُ بِأَنَّ زَيْدًا مُتَحَرِّكٌ مِمَّنْ شَاهَدَهُ مُتَحَرِّكًا أَوْ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ أَوْ أَنَّ الْجَبَلَ حَجَرٌ (وَ) التَّصْدِيقُ أَيْ الْحُكْمُ الْجَازِمُ (الْقَابِلُ) لِلتَّغَيُّرِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا إذْ يَتَغَيَّرُ الْأَوَّلُ بِالتَّشْكِيكِ وَالثَّانِي بِهِ أَوْ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (اعْتِقَادٌ) وَهُوَ اعْتِقَادٌ (صَحِيحٌ إنْ طَابَقَ) الْوَاقِعَ كَاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ أَنَّ الضُّحَى مَنْدُوبٌ (فَاسِدٌ إنْ لَمْ يُطَابِقْ) أَيْ الْوَاقِعَ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ (وَ) التَّصْدِيقُ أَيْ الْحُكْمُ (غَيْرُ الْجَازِمِ)

ــ

[حاشية العطار]

بِعِلْمٍ وَلَا مَطْعَنَ فِي مُقَدِّمَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ.

وَقَدْ صَرَّحَ مِيرْ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلْمَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَقَوْلُهُ إنَّ الشَّارِحَ ثِقَةٌ وَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِلطَّعْنِ فِي نَقْلِهِ إلَخْ قَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ.

وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْفَعُ فِي مَقَامِ الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَرِضِ وَأَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ غَيْرُ جَادَّةٍ فِي الْمُنَاظَرَةِ بَلْ هِيَ مُبَاهَتَةٌ سَادَّةٌ لِسَبِيلِ تَحْقِيقِ الْحَقِّ، وَأَمَّا الْتِزَامُهُ دُخُولَ عِلْمِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ بِالتَّكَلُّفِ الَّذِي سَلَكَهُ فِي بَيَانِ الدُّخُولِ فَغَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ لِتَنَاوُلِ التَّعْرِيفِ لَهُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْبَيَانِ.

وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ الثَّالِثِ فَفِيهِ مَقْنَعٌ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ مَا ذَكَرْنَاهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: كَالتَّصْدِيقِ إلَخْ) فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ عَادَةٍ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: مِمَّنْ شَاهَدَهُ مُتَحَرِّكًا) أَيْ فَالْمُشَاهَدَةُ وَالْإِبْصَارُ لِزَيْدٍ لَا لِلْحَرَكَةِ وَنَقَلَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَوَاشِي الْخَيَالِيِّ أَنَّ الْجُبَّائِيَّ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ يُدْرَكَانِ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَاللَّمْسِ.

(قَوْلُهُ: إذْ يَتَغَيَّرُ الْأَوَّلُ) هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَطَابَقَ الْوَاقِعَ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ وَلَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ.

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) هُوَ الْمُرَادُ بِالْوَاقِعِ وَالْخَارِجِ وَهُوَ الشَّيْءُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ إدْرَاكِ مُدْرِكٍ وَاعْتِبَارِ مُعْتَبِرٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اعْتِقَادٌ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَحِيحٌ لَيْسَ صِفَةً لِاعْتِقَادٍ بَلْ مُسْتَأْنَفٌ إشَارَةً لِتَقْسِيمٍ آخَرَ لِلِاعْتِقَادِ (قَوْلُهُ: كَاعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ) قَالَ النَّاصِرُ فِي جَعْلِهِمْ التَّقْلِيدَ يُفِيدُ الْمُقَلِّدَ الِاعْتِقَادَ وَالدَّلِيلَ يُفِيدُ الْمُجْتَهِدَ الظَّنَّ الَّذِي هُوَ أَضْعَفُ مِنْ الِاعْتِقَادِ إشْكَالٌ لَا يَخْفَى وَجْهُهُ. اهـ.

قَالَ سم لَا إشْكَالَ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ خَالٍ عَنْ الْمُزَاحَمَاتِ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ فِي الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَتَعَارَضُ وَتَتَزَاحَمُ عِنْدَهُ فَغَايَةُ مَا يَتِمُّ لَهُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِخِلَافِ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ لَا شُغْلَ لَهُ بِالْمُزَاحِمِ فَلَا يَزَالُ يَأْنَسُ بِمُعْتَقَدِهِ فَيَقْوَى ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْإِحْيَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا اسْتَفَادَ الْحُكْمَ مِنْ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ كَانَ اعْتِقَادُهُ لَهُ لِمُوجِبٍ فَيَكُونُ ظَنُّهُ لَهُ قَوِيًّا بَالِغًا مَبْلَغَ الْيَقِينِ فَهُوَ قَطْعِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يُفِيدُ إلَّا ظَنًّا وَلَكِنَّ الظَّنَّ الَّذِي حَصَلَ لِلْمُجْتَهِدِ لَا يَزُولُ إلَّا بِقَاطِعٍ قَوِيٍّ وَلَا كَذَلِكَ اعْتِقَادُ الْمُقَلِّدِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِمُوجِبٍ كَانَ عُرْضَتُهُ الزَّوَالَ وَالتَّشْكِيكَ فَرُسُوخُهُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ طَرَيَان الْمُعَارِضِ أَوْ التَّشْكِيكِ حَتَّى لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ زَالَ اعْتِقَادُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ عَقْدُ الْمُقَلِّدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُسْتَنَدٌ عَقْلِيٌّ فَهُوَ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ جِنْسِ الْجَهْلِ.

وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ فِي كِتَابِ الْأَبْوَابِ إنَّ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ مُمَاثِلٌ لِلْجَهْلِ وَعَنَى بِالْعَقْدِ اعْتِقَادَ الْمُقَلِّدِ اهـ.

فَظَهَرَ أَنْ لَا أَثَرَ لِلْإِشْكَالِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ النَّاصِرَ قَالَ سَيَأْتِي عِنْدَ تَعْرِيفِ الْجَهْلِ أَنَّ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْأَمَارَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الظَّنِّ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّصْدِيقُ غَيْرُ الْجَازِمِ إلَخْ) مَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَعْلِ التَّصْدِيقِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ مُقَسَّمًا لِلظَّنِّ وَالشَّكِّ وَالْوَهْمِ قَالَ الْكَمَالُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كَلَامِ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ لَا حُكْمَ فِيهِمَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. وَالشَّيْخُ ابْنِ الْحَاجِبِ جَعَلَ الْمُقَسَّمَ مَا عَنَّهُ الذِّكْرُ الْحُكْمِيُّ فَقَالَ الْعَضُدُ فِي شَرْحِهِ جَعَلَهُ مُقَسَّمًا دُونَ الِاعْتِقَادِ أَوْ الْحُكْمِ لِيَتَنَاوَلَ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِمَّا لَا اعْتِقَادَ وَلَا حُكْمَ لِلذِّهْنِ فِيهِ اهـ.

فَقَدْ جَرَى الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ وَقِيلَ لَيْسَ الْوَهْمُ إلَخْ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ تَوَهَّمَ الْبَعْضُ أَنَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِنْ قَبِيلِ التَّصْدِيقِ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ تَصَوُّرَاتِ النِّسْبَةِ وَاقِعَةً أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ وَبَيْنَ الْإِذْعَانِ بِهِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ مَعَهُ احْتِمَالُ نَقِيضَ إلَخْ) وَذَلِكَ النَّقِيضُ هُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ مُرَكَّبًا مِنْ اعْتِقَادَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ

ص: 200

إنْ كَانَ مَعَهُ احْتِمَالُ نَقِيضِ الْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوْ لَا وُقُوعِهَا (ظَنٌّ وَوَهْمٌ وَشَكٌّ)(لِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرَ الْجَازِمِ (إمَّا رَاجِحٌ) لِرُجْحَانِ الْمَحْكُومِ بِهِ عَلَى نَقِيضِهِ فَالظَّنُّ (أَوْ مَرْجُوحٌ) لِمَرْجُوحِيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهِ لِنَقِيضِهِ فَالْوَهْمُ (أَوْ مُسَاوٍ) لِمُسَاوَاةِ الْمَحْكُومِ بِهِ مِنْ كُلِّ النَّقِيضَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ لِلْآخَرِ فَالشَّكُّ فَهُوَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ

ــ

[حاشية العطار]

مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ بَسِيطٌ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ مَعَ تَجْوِيزِ الْآخَرِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ خَطَرَ بِالْبَالِ لَكَانَ مَرْجُوحًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مَعَهُ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ وَقَوْلُ سم إنَّ الظَّنَّ لِلطَّرَفِ الرَّاجِحِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ مَرْجُوحًا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّاجِحِ مَا قَابَلَهُ مَرْجُوحٌ بَلْ مَا قَامَ عَلَيْهِ مُوجِبٌ غَيْرُ جَازِمٍ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ حُضُورُ النَّقِيضِ بِالْفِعْلِ قَالَ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْقُطْبِ الظَّنُّ إدْرَاكٌ بَسِيطٌ وَمُتَوَهَّمُ أَمْرٍ مُغَايِرٍ لَهُ حَاصِلٍ بَعْدَ مُلَاحَظَةِ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَمَا قَالُوا إنَّ الظَّنَّ إدْرَاكٌ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالْقُوَّةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُخْتَصَرِ اهـ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الشَّارِحَ اطَّلَعَ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّعَلُّلِ بِمَا لَا يَشْفِي غَلِيلًا وَلَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ أَمْثَالُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ارْتِكَابُهُ فَضْلًا عَنْ تَكْرَارِهِ الْمُورِثِ لِلسَّائِمَةِ الْمُشْعِرِ بِضَعْفِ حُجَّةِ الْمُتَمَسِّكِ بِهِ فَإِنَّ الرِّجَالَ تُعْرَفُ بِالْحَقِّ لَا أَنَّ الْحَقَّ يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ وَالْمُرَادُ بِنَقِيضِ الْمَحْكُومِ بِهِ الطَّرَفُ الْمُقَابِلُ لِلنِّسْبَةِ مِنْ الْوُقُوعِ أَوْ اللَّا وُقُوعِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ كَمَا أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ وُقُوعِ النِّسْبَةِ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ تَسَمَّحَ فِي التَّعْبِيرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْكُومًا بِهِ بَلْ هُوَ مَحَلٌّ لِلْحُكْمِ فَجَعَلَهُ مَحْكُومًا بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ وَهُوَ الْمَحْمُولُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ النَّقِيضَ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَلِذَلِكَ كَانَ التَّعْبِيرُ الشَّائِعُ بَيْنَهُمْ نَقِيضَ الْحُكْمِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ: لِرُجْحَانِ الْمَحْكُومِ بِهِ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ وَنَقِيضَهُ لَا رُجْحَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ طَرَفِي الْمُمْكِنِ لَيْسَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَإِنْ أُرِيدَ هَذَا فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُهُ وَإِنْ أُرِيدَ الرُّجْحَانُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ فَرُجْحَانُ الدَّلِيلِ إنَّمَا يُفِيدُ رُجْحَانَ الْحُكْمِ لَا الْمَحْكُومِ بِهِ فَلَوْ قَالَ إمَّا رَاجِحٌ لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ لَكَانَ صَوَابًا اهـ.

وَيُجَابُ بِأَنَّا نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ وَأَنَّ الْمَعْنَى رُجْحَانُ الْمَحْكُومِ بِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْوُقُوعُ وَاللَّاوُقُوعُ كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ رُجْحَانُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ لِرُجْحَانِ دَلِيلِهِ، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الْوُقُوعَ وَاللَّاوُقُوعَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالْقَابِلُ لِذَلِكَ هُوَ الْحُكْمُ وَالْوُقُوعُ وَاللَّاوُقُوعُ أَثَرُهُ فَيُتَخَيَّلُ فِيهِ قَبُولُ ذَلِكَ فَالدَّلِيلُ وَاسِطَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا فِي الثُّبُوتِ وَلِتَلَازُمِهِمَا أَثْبَتَ لِأَحَدِهِمَا مَا أَثْبَتَ لِلْآخَرِ وَمَا شَنَّعَ بِهِ سم عَلَى النَّاصِرِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ إنَّ رُجْحَانَ الْحُكْمِ تَابِعٌ لِرُجْحَانِ الْمَحْكُومِ بِهِ مُكَابَرَةٌ وَأَنَا أُوَضِّحُ لَك ذَلِكَ بِمِثَالٍ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْعِلْمُ ثَابِتًا لِزَيْدٍ فِي الْوَاقِعِ وَقُلْنَا زَيْدٌ عَالِمٌ فَهَذَا الثُّبُوتُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي الْإِثْبَاتِ وَهُوَ حُكْمُنَا بِذَلِكَ الثُّبُوتِ فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ رَاجِحًا وَتَارَةً يَكُونُ مَرْجُوحًا وَتَارَةً لَا وَلَا، كَمَا فِي الشَّكِّ فَقَدْ تَفَاوَتَتْ الْإِدْرَاكَاتُ مَعَ وَحْدَةِ الْمُدْرَكِ، مِنْ ذَلِكَ مَا قَالُوا إنَّ مَسَائِلَ الْعُلُومِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ نَظَرِيَّةً مَعَ أَنَّ مَحْمُولَاتِهَا أَعْرَاضٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمَوْضُوعَاتِ وَالْعَرَضُ الذَّاتِيُّ لَا يَحْتَاجُ لِوَاسِطَةٍ فِي الْعُرُوضِ وَإِلَّا كَانَ عَرَضًا غَرِيبًا وَأَجَابُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ وَاسِطَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا الثُّبُوتِ وَبِالْجُمْلَةِ الثُّبُوتُ وَالنَّفْيُ لَا يُعْقَلُ فِيهِمَا تَفَاوُتٌ وَإِنَّمَا التَّفَاوُتُ فِي الْحُكْمِ بِهِمَا وَالْعَجَبُ مِمَّنْ نَقَلَ كَلَامَ سم قَائِلًا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ جَعَلَ هَذَا الْكَلَامَ تَعَسُّفًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ. اهـ.

وَأَنَا أَقُولُ: الْحَقُّ مَعَ الْجَاعِلِ لَا مَعَ الْمُتَعَجِّبِ (قَوْلُهُ: لِنَقِيضِهِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِنَقِيضِهِ وَإِنَّمَا أَتَى بِاللَّامِ دُونَ عَلَى؛ لِأَنَّ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الرُّجْحَانِ دُونَ الْمَرْجُوحِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ) أَيْ الْوُقُوعِ وَاللَّاوُقُوعِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَحْكُومِ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِيَّةِ لِاسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَعِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ) اعْتِرَاضٌ

ص: 201

حُكْمَانِ، كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الشَّكُّ اعْتِقَادُ أَنْ يَتَقَاوَمَ سَبَبُهُمَا وَقِيلَ لَيْسَ الْوَهْمُ وَالشَّكُّ مِنْ التَّصْدِيقِ إذْ الْوَهْمُ مُلَاحَظَةُ الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ وَالشَّكُّ التَّرَدُّدُ فِي الْوُقُوعِ وَاللَّاوُقُوعِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ التَّحْقِيقُ فَمَا أُرِيدَ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِالْمَرْجُوحِ أَوْ الْمُسَاوِي عِنْدَهُ مَمْنُوعٌ.

ــ

[حاشية العطار]

بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ.

(قَوْلُهُ: اعْتِقَادِ أَنَّ) الْمُرَادُ بِالِاعْتِقَادِ هُنَا مُطْلَقُ الْإِدْرَاكِ وَقَوْلُهُ يَتَقَاوَمُ أَيْ يَتَعَادَلُ قَالَهُ النَّجَّارِيُّ وَلَا يُلَائِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّصْدِيقَ مُقَسَّمًا وَعَدَّ الشَّكَّ وَالْوَهْمَ مِنْ أَقْسَامِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَيْسَ الْوَهْمُ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ.

(قَوْلُهُ: إذْ الْوَهْمُ مُلَاحَظَةُ الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ) أَيْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالرَّاجِحِ لِكَوْنِهِ نَقِيضَهُ وَالنَّقِيضُ أَسْرَعُ خُطُورًا بِالْبَالِ مِنْ النَّظِيرِ فَلَا تَصْدِيقَ فِيهِ وَإِنَّمَا التَّصْدِيقُ فِي مُقَابِلِهِ وَهُوَ مُجَرَّدُ تَصَوُّرٍ.

(قَوْلُهُ: وَالشَّكُّ التَّرَدُّدُ فِي الْوُقُوعِ وَاللَّاوُقُوعِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ بِأَحَدِهِمَا قَالَ الْكَلَنْبَوِيُّ فِي حَوَاشِي الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ الشَّكُّ هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ طَرَفِي النَّقِيضِ وَهُوَ الْوُقُوعُ وَاللَّاوُقُوعُ فَوُجُودُ طَرَفَيْ النَّقِيضِ فِي الذِّهْنِ فِي صُورَةِ الشَّكِّ مِمَّا يَشْهَدُ بِهِ الْوِجْدَانُ الْعَامُّ لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ.

(قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ) كَأَنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمَوْلَى سَعْدَ الدِّينِ فَقَدْ قَالَ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ إنَّ جَعْلَ الشَّكِّ وَالْوَهْمِ مِنْ أَقْسَامِ التَّصْدِيقِ مُخَالِفٌ لِلتَّحْقِيقِ.

(قَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ) قَالَ النَّاصِرُ الْمَنْعُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ إذْ الْحُكْمُ هُوَ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ وَهَذَا الْإِدْرَاكُ مُنْتَفٍ فِي الشَّكِّ وَالْوَهْمِ قَطْعًا وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ اهـ.

وَمِثْلُهُ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُجْعَلَ الْمُقَسَّمُ الِاعْتِقَادَ الْمُرَادِفَ لِلتَّصْدِيقِ أَوْ الْحُكْمِ وَيُعَدُّ الشَّكُّ وَالْوَهْمُ مِنْ أَقْسَامِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا اعْتِقَادَ وَلَا حُكْمَ فِيهِمَا أَمَّا فِي الشَّكِّ فَلِأَنَّ طَرَفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حُكْمٌ بِهِمَا فَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُ الْحُكْمُ، وَأَمَّا فِي الْوَهْمِ فَلِأَنَّ الْمَرْجُوحَ أَوْلَى مِنْ الْمُسَاوِي وَأَيْضًا فِي الرَّاجِحِ حُكْمٌ فَيَلْزَمُ اعْتِقَادُ النَّقِيضَيْنِ مَعًا وَبِالْجُمْلَةِ لَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ مِنْ رُجْحَانٍ وَلَا رُجْحَانَ فِي الْوَهْمِ وَالشَّكِّ اهـ.

وَمَا أَطَالَ بِهِ سم هُنَا مِنْ الْكَلَامِ مُصَادِمٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَقَدْ أَسْلَفْنَا فِي صَدْرِ الْمَبْحَثِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ وَأَنَّ

ص: 202