الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ لِمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ إبَاحَةٍ أَيْ لِكَوْنِ الْفِعْلِ مَضَرَّةً أَوْ مَنْفَعَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ الْخَامِسِ.
(مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ) مُبْهَمٍ (مِنْ أَشْيَاءَ) مُعَيَّنَةٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ فِي أَيَّتِهَا الْأَمْرَ بِذَلِكَ تَقْدِيرًا (يُوجِبُ وَاحِدًا) مِنْهَا (لَا بِعَيْنِهِ) ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ
ــ
[حاشية العطار]
لِمَا كَانَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرِيمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْرِيمُ الشَّرْعِيُّ وَالْإِبَاحَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَا التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ الثَّابِتَتَانِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِكْمَةُ الْحُكْمِ لَا عِلَّةٌ مُثَبِّتَةٌ لَهُ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ.
[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]
(قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ) فِيهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مَعْنَاهُ هُنَا إيجَابُهُ فَيَتَحَدَّ الْمَحْمُولُ وَالْمَوْضُوعُ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الْحَمْلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى اللَّفْظِيِّ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ يُوجِبُ دُونَ إيجَابٍ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي النَّاصِرِ
وَقَالَ سم: يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ فِيهِمَا عَلَى اللَّفْظِيِّ أَوْ النَّفْسِيِّ لَكِنَّ الْأَوَّلَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَالثَّانِيَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ أَيْ الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ ظَاهِرًا يُوجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فِي الْوَاقِعِ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ لَا يُعَيِّنُ الْحَمْلَ عَلَى اللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً أَوْ مَعْنَاهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْتَلْزِمُ اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلظَّاهِرِ إلَّا الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ وَلَا لِلْوَاقِعِ إلَّا الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ فَلَمْ يَخْرُجْ عَمَّا قَالَهُ النَّاصِرُ.
(قَوْلُهُ: مُبْهَمٌ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ فَيُجَامِعُ الْأَقْوَالَ الْآتِيَةَ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ) أَيْ بِنَوْعِهَا كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ أَوْ بِشَخْصِهَا كَقَوْلِ الشَّارِعِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ تَصَدَّقْ بِهَذَا الدِّينَارِ كَذَا قَالُوا.
وَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ صُورَةٌ فَرْضِيَّةٌ وَإِلَّا فَالْأَوَامِرُ الْوَاقِعَةُ مِنْ الشَّارِعِ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالنَّوْعِ، وَتَشَخُّصُهُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّلَبُّسِ فِيهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ تَعَيُّنُهَا لِعَدَمِ وُقُوعِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِأَمْرٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مُبْهَمَةٍ؛ لِأَنَّهُ وُقُوعُ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَهُوَ بَاطِلٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ إذَا شُرِعَ التَّخْيِيرُ بِنَصٍّ، فَإِنْ شُرِعَ بِغَيْرِهِ كَتَخْيِيرِ الْمُسْتَنْجِي بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَالتَّخْيِيرُ فِي الْحَجِّ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنَّ الْجُوَيْنِيَّ جَعَلَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ مِنْهَا اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْوَجْهُ عَدَمُ تَقْيِيدِهَا بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ فِي أَصْلِهَا، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ فَمَسْأَلَةُ الْحَجِّ خَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ اهـ.
قَالَ سم وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ الْوَجْهُ مِنْ عَدَمِ التَّقْيِيدِ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ الصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ فِيهِ فَيَكُونُ ضَابِطُ الْمَسْأَلَةِ سُقُوطَ الْوَاجِبِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَمْرَيْنِ أَوْ أُمُورٍ سَوَاءٌ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ ذَلِكَ بِنَصٍّ أَوْ لَا إذْ لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) وَمَسْأَلَةُ تَخْيِيرِ الْمُسْتَنْجِي بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الْحَجِّ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: تَقْدِيرًا) أَيْ مَعْنًى، فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا فَالْمَعْنَى عَلَى الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ: يُوجِبُ) مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ وَالْمُوجِبُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ لَا الْأَمْرُ وَمِثْلُ هَذَا الْإِيجَابِ النَّدْبُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْكَرَاهَةِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ الْآتِيَةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ)
بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ لَهَا
ــ
[حاشية العطار]
شَامِلٌ لِلْمُتَوَاطِئِ وَالْمُشَكِّكِ كَذَا قَالُوا أَوْ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ دَائِمًا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ، وَأَمَّا تَمْثِيلُ الْمُتَوَاطِئِ بِقَوْلِهِ أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ ذَلِكَ الْعَبْدَ فَهُوَ أَمْرٌ فَرْضِيٌّ كَمَا قَدَّمْنَا وَإِلَّا فَمَوَارِدُ النُّصُوصِ كُلِّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ أَشْيَاءَ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا ضَرُورَةً بَلْ كُلٌّ مِنْهَا وَاحِدٌ مِنْهُ اهـ.
وَهُوَ إشْكَالٌ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَالشَّارِحُ صَرَفَهَا عَنْ الظَّاهِرِ مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ هَذَا الْإِشْكَالُ وَإِشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ بِمَا هُوَ وَاحِدٌ إنَّمَا يُوجَدُ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ فَلَا يُطْلَبُ وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْوَاحِدُ الْوُجُودِيُّ الْجُزْئِيُّ بِاعْتِبَارِ مُطَابَقَتِهِ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ جُزْئِيَّتِهِ، وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ يُنَافِي كَوْنَ الْوَاجِبِ هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ طَلَبُهُ فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ وَالْمُسْتَحِيلُ طَلَبُهُ دُونَهَا.
وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَفْهُومَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا ضَرُورَةَ تَحَقُّقِهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَهُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ صَادِقٌ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَحَصَّلُ إلَّا فِي ضِمْنِهَا فَإِذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَالتَّخْيِيرُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ جَوَازُ التَّرْكِ وَعَدَمُهُ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَوْجَبْت عَلَيْك أَحَدَهُمَا وَأَجَزْت لَك تَرْكَ أَحَدِهَا، وَهَذَا لَيْسَ الْإِيجَابُ وَالتَّخْيِيرُ بِالْقِيَاسِ إلَى هَذَا الْكُلِّيِّ فِي نَفْسِهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ أَيُّهَا فَعَلْت جَازَ لَك تَرْكُ الْبَاقِي فَلَيْسَ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ مَوْصُوفًا بِجَوَازِ التَّرْكِ عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ بِالْوُجُوبِ عَلَى التَّعْيِينِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَصْلُحُ عَلَى الْبَدَلِ بِهَذَا تَارَةً وَبِذَلِكَ أُخْرَى، وَلَيْسَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ بِهَذَا الْمَعْنَى مُمْتَنِعًا إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ قَدْ اتَّصَفَ بِالْوُجُوبِ عَلَى التَّعْيِينِ كَالصَّلَاةِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَفْهُومَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُعَيَّنٌ وَالْإِبْهَامُ إنَّمَا هُوَ مِنْ خُصُوصِيَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ فَلَا يَرِدُ
لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ (وَقِيلَ) يُوجِبُ (الْكُلَّ) فَيُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ (وَيَسْقُطُ) الْكُلُّ الْوَاجِبُ (بِوَاحِدٍ) مِنْهَا حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ عَلَى وَجْهِ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا: إنْ سَلِمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ (وَقِيلَ الْوَاجِبُ)
ــ
[حاشية العطار]
الْإِشْكَالُ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ مَجْهُولٌ لَا يُكَلَّفُ بِهِ وَبِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ، فَإِنَّ كُلَّ مَا يَقَعُ فَهُوَ مُعَيَّنٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِهِ فِي ضِمْنٍ مِنْهَا، وَفِي صِيغَةِ الْحَصْرِ إشَارَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ الْوَاحِدُ الْوُجُودِيُّ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: فَيُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَمَا قَبْلَهُ مَعْنَوِيٌّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّهُ لَفْظِيٌّ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ نَقَلَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا، وَإِنْ صَحَّ هَذَا النَّقْلُ فَلَيْسَ آيِلًا فِي التَّحْقِيقِ إلَى خِلَافٍ مَعْنَوِيٍّ وَقُصَارَاهُ نِسْبَةُ الْخَصْمِ إلَى الْحَيْفِ فِي الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ أَبَا هَاشِمٍ اعْتَرَفَ بِأَنَّ تَارِكَ الْخِلَالِ لَا يَأْثَمُ إثْمَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبَاتٍ وَمَنْ أَتَى بِهَا جَمِيعًا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ثَوَابُ وَاجِبَاتٍ وَيَقَعُ الِامْتِثَالُ بِوَاحِدَةٍ فَلَا يَبْقَى مَعَ هَذَا لِوَصْفِ الْخِلَالِ بِالْوُجُوبِ تَحْصِيلٌ وَتَأْوِيلُ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْهَاشِمِيَّةِ أَنَّ مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ الَّتِي وَقَعَ التَّخْيِيرُ فِيهَا إلَّا وَهِيَ لَوْ فُرِضَتْ وَاقِعَةً لَكَانَتْ وَاجِبَةً اهـ.
كَمَا تَرَى رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، وَكَانَ مَنْ جَعَلَ الْخِلَافَ مَعْنَوِيًّا نَظَرَ لِظَاهِرِ مَقَالَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَى الْكُلِّ، وَقَدْ نَقَلَ الْآمِدِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا عَلَى الْبَعْضِ.
(قَوْلُهُ: وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا) لَمْ يُقْبَلْ هُنَا إنْ عُوقِبَ كَمَا قَالَهُ فِيمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَقْرِيرِ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِتَخَلُّفِ الْعِقَابِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا) دَلِيلٌ لِدُخُولِ الْكُلِّ وَالسُّقُوطِ بِوَاحِدٍ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ قُلْنَا: إنْ سَلِمَ إلَخْ، فَإِنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلِّ وَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ فَهُوَ مَنْعٌ لَهُ وَمَنْعُهُ يُشِيرُ إلَى مُخَالَفَتِهِ لِغَرَضِ الْمَسْأَلَةِ اهـ.
عَلَى أَنَّك قَدْ سَمِعْت أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي التَّحْقِيقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إنْ سَلِمَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى مَنْعِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ تَنْزِيلًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ وُجُوبُ الْكُلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ.
(قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا بَدَلِيًّا.
(قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُثَابُ بِفِعْلِهَا ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِهَا عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ
فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا (مُعَيَّنٌ) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ الْمَأْمُورَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَالَبَهُ وَيَسْتَحِيلُ طَلَبُ الْمَجْهُولِ.
(فَإِنْ فَعَلَ) الْمُكَلَّفُ الْمُعَيَّنَ فَذَاكَ، وَإِنْ فَعَلَ (غَيْرُهُ) مِنْهَا (سَقَطَ) الْوَاجِبُ بِفِعْلِ ذَلِكَ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ عِلْمِ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ بَلْ يَكْفِي فِي عِلْمِهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَيِّزًا عِنْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى قَوْلِنَا: التَّمَيُّزُ أَحَدُ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا (وَقِيلَ هُوَ) أَيْ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ (مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ) لِلْفِعْلِ
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْأَمْرَ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ.
(قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ بِخِلَافِهِ فِي الْقَوْلِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْآمِرُ إلَخْ) إشَارَةً لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ هَكَذَا الْوَاجِبُ شَيْءٌ يَلْزَمُ أَنْ يَعْلَمَهُ الْآمِرُ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ إشَارَةً لِلصُّغْرَى بِقَوْلِهِ إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ وَلِبَيَانِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ طَالِبُهُ وَالْكُبْرَى مَطْوِيَّةٌ.
وَقَوْلُهُ: قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ إلَخْ مَنْعٌ لِلْكُبْرَى، وَقَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي بَيَانٌ لِسَنَدِ الْمَنْعِ، ثُمَّ ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذْ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ التَّصَوُّرِيُّ أَيْ تَصَوُّرُ ذَاتِ الشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ذَاتَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا مَعْلُومَةٌ لَهُ تَعَالَى مُتَمَيِّزَةٌ عِنْدَهُ، وَهَذَا غَيْرُ مُفِيدٍ لَهُ بَلْ الْمُرَادُ الْعِلْمُ التَّصْدِيقِيُّ أَيْ الْعِلْمُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِأَنَّ الْعِلْمَ الْآمِرَ الْوَاجِبَ حَسْبَمَا أَوْجَبَهُ، وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدَ الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ أَنْ يَعْلَمَهُ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا أَوْجَبَهُ، وَتَعَلُّقُ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ كُلُّ مُكَلَّفٍ مِنْ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يُوجِبُ وُجُوبَ ذَلِكَ الْمَفْعُولُ عَيْنًا عَلَى فَاعِلِهِ بَلْ هُوَ عِلْمٌ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا وَيَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ.
(قَوْلُهُ: فَذَاكَ) أَيْ فَذَاكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَوْ ظَاهِرُ.
(قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ وَلَا اطِّلَاعَ لِلْمُكَلَّفِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا عِنْدَهُ) بَلْ الْعِلْمُ بِهِ يَتْبَعُ الْأَمْرَ بِهِ.
(قَوْلُهُ: عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ عَنْ غَيْرِهِ الْمُبْهَمِ أَوْ عَنْ غَيْرِ أَحَدِ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمِ وَقَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِنَا أَيْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا مُتَعَلِّقٌ بِتَمْيِيزٍ وَالضَّمِيرُ لِلْمُعَيَّنَاتِ أَيْ أَنَّ أَحَدَ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُبْهَمِ مُتَمَيِّزٌ مِنْ حَيْثُ تَعْيِينُ تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ الَّتِي دَارَ بَيْنَهَا وَانْحَصَرَ فِيهَا أَيْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ مُبْهَمٌ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ تَشَخُّصِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَشَخَّصُ بِتَلَبُّسِ الْفَاعِلِ بِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ سَائِرِ الْأَفْعَالِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ أَيْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ عِنْدَ اللَّهِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ كَمَا
مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِأَنْ يَفْعَلَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِأَيٍّ مِنْهَا يَفْعَلُ قُلْنَا الْخُرُوجُ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ لِكَوْنِهِ أَحَدَهَا لَا لِخُصُوصِهِ لِلْقَطْعِ بِاسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَهِيَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى نَفْيِ إيجَابِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَنَفَيْهِمْ تَحْرِيمَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ لِمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ، وَتُعْرَفُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِأَيٍّ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَفْعَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَاجِبًا عِنْدَنَا.
(فَإِنْ فَعَلَ) الْمُكَلَّفُ
ــ
[حاشية العطار]
يُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَضُدِ لَكِنَّ الشَّارِحَ فَسَّرَ الضَّمِيرَ بِذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ نَظِيرِهِ قَبْلَهُ فَظَاهِرُ صَنِيعِهِ وَالْمُصَنِّفُ كَكَثِيرٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَفَارِيعِهِ وَدَعْوَى دَلَالَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ أَنَّ الْأَقْوَالَ غَيْرُ الْأَوَّلِ مُتَّفِقَةٌ إلَخْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ عِنْدَ اللَّهِ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ فَيَكُونُ مِنْ تَفَارِيعِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ نَازَعَ فِيهَا سم.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا) بَيَانٌ لِمَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ) تَفْسِيرٌ لِاخْتِيَارِ بَعْضِهَا لِلْفِعْلِ فَبِفِعْلِهِ يَظْهَرُ وُجُوبُهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اُخْتُلِفَ إلَخْ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ، أَيْ وَإِنْ لَزِمَ اخْتِلَافُ الْوَاجِبِ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لِلِاتِّفَاقِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ أَحَدَهَا) أَيْ لَا لِكَوْنِهِ صَارَ وَاجِبًا بِاخْتِيَارِهِ، وَهَذَا إبْطَالٌ لِدَعْوَى الْخَصْمِ وَقَوْلُهُ: لِلْقَطْعِ إلَخْ تَحْقِيقٌ لِمُدَّعَانَا.
(قَوْلُهُ: لَا لِخُصُوصِهِ) أَيْ كَوْنِهِ مُخْتَارَ الْمُكَلَّفِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَقْوَالُ غَيْرُ الْأَوَّلِ) قَالَ الْكَمَالُ: الْقَوْلُ الْأَخِيرُ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ يُسَمَّى قَوْلُ التَّرَاجِمِ لِمَا فِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ قَوْلٌ يَنْسُبُهُ أَصْحَابُنَا إلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَيَنْسُبُهُ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَصْحَابِنَا وَاتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى فَسَادِهِ قَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى مِنْهَاجِ الْأُصُولِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ قَائِلٌ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ قَدْ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ فَكَيْفَ يُنْكَرُ، وَقَدْ وَهَمَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَجَعَلَ قَوْلَ التَّرَاجِمِ هُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا قَالُوا) عِلَّةٌ لِنَفْيِ إيجَابٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَتَحْرِيمٍ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ وَقَوْلِهِ مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ إلَخْ نَشْرٌ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ اللَّفِّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى نَفْيِ إيجَابٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: لِمَا فِي فِعْلِهِ إلَخْ خَبَرَانِ وَهُوَ نَشْرٌ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ مِنْ قَوْلِهِ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَدْ تَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي فِعْلِ الْجَمِيعِ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ دُونَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا يُمْتَنَعُ تَحْرِيمُ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ إذْ بِتَرْكِ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَنْدَفِعُ الْمَفْسَدَةُ فَإِدْرَاكُ الْمَفْسَدَةِ فِي الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعْيِينِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَوْهُ.
(قَوْلُهُ: بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ بَلْ فِي أَفْرَادِهِ، يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ إلَخْ فَيَكُونُ وَصْفُهُ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ مِنْ وَصْفِ الشَّيْءِ بِوَصْفِ مُتَعَلِّقِهِ فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَاجِبًا عِنْدَنَا) أَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِنَا) أَيْ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ وَالْفُقَهَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ إلَخْ)
عَلَى قَوْلِنَا (الْكُلُّ) وَفِيهَا أَعْلَى ثَوَابًا وَعِقَابًا وَأَدْنَى كَذَلِكَ (فَقِيلَ الْوَاجِبُ) أَيْ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ كَثَوَابِ سَبْعِينَ مَنْدُوبًا أَخْذًا مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (أَعْلَاهَا) ثَوَابًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا
ــ
[حاشية العطار]
هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ فِي الْحَجِّ وَمِثْلُهُ مَا إذَا اسْتَعَدَّ جَمَاعَةٌ لِلْإِمَامَةِ الْعُظْمَى بَعْدَ مَوْتِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ نَصْبُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يَسُوغُ لَهُمْ الزِّيَادَةُ.
(قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِنَا) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ الْكُلَّ بِأَنْ يَقُولَ فَعَلَى قَوْلِنَا إنْ فَعَلَ الْكُلَّ أَوْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَقِيلَ الْوَاجِبُ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَبْنِيَّ عَلَى قَوْلِنَا هُوَ كَوْنُ الْوَاجِبِ مَاذَا لَا فِعْلُ الْكُلِّ.
(قَوْلُهُ: أَعْلَى ثَوَابًا) أَيْ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ فِيهَا أَعْلَى ثَوَابًا وَهُوَ الْعِتْقُ وَأَعْلَى عِقَابًا وَهُوَ تَرْكُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ عَاقَبَ بِتَرْكِ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَعْلَاهَا لَعَاقَبَ عَلَى تَرْكِ الْعِتْقِ إذْ الْعِقَابُ عَلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ الْعِقَابِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْخِصَالِ وَأَدْنَاهَا الْإِطْعَامُ ثَوَابًا مِنْ حَيْثُ فِعْلِهِ وَعِقَابًا مِنْ حَيْثُ تَرْكِهِ.
(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ ثَوَابًا وَعِقَابًا.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُثَابُ عَلَيْهِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَيْسَ أَعْلَاهَا وَإِنَّمَا هُوَ أَحَدُهَا وَالْعُلُوُّ عَارِضٌ لَهُ كَكَوْنِهِ أَكْثَرَ نَفْعًا أَوْ مُتَعَدِّيًا.
(قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ حَدِيثٍ) وَهُوَ حَدِيثُ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا «فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ مَنْ تَقَرَّبَ فِيهِ بِخَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيهِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِي غَيْرِهِ» قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ قَابَلَ النَّفَلَ فِيهِ بِالْفَرْضِ فِي غَيْرِهِ وَقَابَلَ الْفَرْضَ فِيهِ بِسَبْعِينَ فَرْضًا فِي غَيْرِهِ، فَأَشْعَرَ هَذَا بِأَنَّ الْفَرْضَ يَزِيدُ عَلَى النَّفْلِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً مِنْ طَرِيقِ الْفَحْوَى لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَأَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ فَرْضِ رَمَضَانَ وَنَفْلِهِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ الْوَاقِعَيْنِ فِي غَيْرِهِ فَلَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَاسْتَأْنَسُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ إلَخْ، كَمَا عَبَّرَ بِهِ النَّوَوِيُّ حِينَ ذَكَرَ أَنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ كَثَوَابِ سَبْعِينَ مَنْدُوبًا وَإِلَّا فَقَوْلُهُ: أَخْذًا بَعْدَ جَزْمِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي هُوَ إلَخْ مُوهِمٌ صِحَّةَ الْحَدِيثِ أَوْ حُسْنَهُ، وَقَوْلُ سم لَا يَضُرُّ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَزْمِ الشَّارِحِ بِهَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْغِيبِ فِي الْفَضَائِلِ وَالْحَثِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِالْوَاجِبَاتِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَسُوغُ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ بِالضَّعِيفِ غَيْرُ دَافِعٍ لِلِاعْتِرَاضِ.
فَإِنَّ قَوْلَهُمْ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِي فَضِيلَةِ عَمَلٍ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ هَذَا، فَإِنَّ الْمَقَامَ إثْبَاتُ حُكْمٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ أَخْذًا الْمُقْتَضِي ذَلِكَ صِحَّةَ الْحَدِيثِ أَوْ ضَعْفَهُ، وَقَدْ كَانَ يَكْفِي الشَّارِحَ أَنْ يَقُولَ الَّذِي هُوَ أَيْ ثَوَابُ الْوَاجِبِ أَفْضَلُ مِنْ ثَوَابِ الْمَنْدُوبِ لِلْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَا يُثِيبُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ) أَيْ ثَوَابَ الْأَكْمَلِ وَإِلَّا، فَمَا قَالَهُ جَارٍ فِيمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَيْرِ الْأَعْلَى إذْ ثَوَابُ كُلٍّ مِنْهَا لَا يَنْقُصُ عَنْ ثَوَابِ السَّبْعِينَ إلَّا أَنَّهُ فِي الْأَعْلَى أَكْمَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مُرَتَّبًا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ هُوَ الْأَعْلَى فَيَكُونُ هُوَ الْمُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَمَا قَبْلَهُ ثَوَابُ الْمَنْدُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ غَرِيبٌ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ هـ. وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْوَاجِبُ بِالْأَوَّلِ وَقَوْلُ سم: إنَّ الْأَعْلَى لَمَّا كَانَ أَرْجَحَ وَأَكْمَلَ كَانَ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِهِ أَتَمَّ فَيُنْظَرُ إلَيْهِ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ حَيْثُ وُجِدَ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي غَايَةِ التَّهَافُتِ؛ لِأَنَّا إذَا نَظَرْنَا لِلظَّاهِرِ جَزَمْنَا يَقِينًا بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَقَطَ بِفِعْلِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ تَرَتُّبُ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْلَى مَثَلًا أَوْ عَلَى غَيْرِهِ فَمِمَّا لَا نَعْلَمُهُ وَلَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْقُصُهُ) مِنْ بَابِ نَصَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ كَمَا هُنَا وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 4] وَيَلْزَمُ كَمَا فِي نَقَصَ الْمَالُ يَنْقُصُ، وَفِي الْمُتَعَدِّي لُغَةٌ أُخْرَى أَدْوَنُ
لَا يُنْقِصُهُ عَنْ ذَلِكَ.
(وَإِنْ تَرَكَهَا) بِأَنْ لَمْ يَأْتِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا (فَقِيلَ: يُعَاقَبُ عَلَى أَدْنَاهَا) عِقَابًا إنْ عُوقِبَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ، فَإِنْ تَسَاوَتْ فَثَوَابُ الْوَاحِدِ وَالْعِقَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ الْوَاجِبُ ثَوَابًا أَوَّلُهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ الَّذِي يَقَعُ نَظَرُ التَّأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمَأْخُوذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْخُصُوصُ وَإِلَّا لَكَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ الْأُولَى وَهُوَ التَّشْدِيدُ فِي الْقَافِ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ.
(قَوْلُهُ: عَنْ ذَلِكَ) أَيْ ثَوَابِ الْوَاجِبِ.
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ يُعَاقَبُ عَلَى أَدْنَاهَا) ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى ثَوَابِهِ عَلَى الْأَعْلَى أَنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يُعَاقَبُ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْأَدْنَى كَانَ آتِيًا بِالْوَاجِبِ، ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ لَهُ مُقَابِلًا فِي ضِمْنِ التَّحْقِيقِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: إنْ عُوقِبَ) إنَّمَا قَالَ: ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الثَّوَابِ فَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فَقَطْ لَمْ يُعَاقَبْ) أَيْ فَضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ لَا يَزِيدُهُ عُقُوبَةً.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ تَسَاوَتْ) هَذَا مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ وَفِيهَا أَعْلَى ثَوَابًا.
(قَوْلُهُ: عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا خَبَرُ) ثَوَابٍ أَيْ عَلَى وَاحِدٍ فِعْلًا فِي الثَّوَابِ أَوْ تَرْكًا فِي الْعِقَابِ.
(قَوْلُهُ: فُعِلَتْ مَعًا إلَخْ) أَيْ أَوْ تُرِكَتْ وَلَا يُقَالُ تُرِكَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ التَّرْكَ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالشَّيْءِ وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ التَّرْتِيبُ، وَهَذَا تَعْمِيمٌ فِي الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُقَابِلُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِي الْمُرَتَّبِ إلَخْ) هَذَا مُقَابِلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ التَّفَاوُتِ وَالتَّسَاوِي وَعَدَمِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَوْجَهُ.
وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّهُ الظَّاهِرُ الَّذِي يُتَّجَهُ الْجَزْمُ بِهِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ النَّظَرِ فِيمَا إذَا فُعِلَتْ الْخِصَالُ كُلُّهَا مَعًا كَأَنْ قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ: وَكَّلْت فُلَانًا فِي الْإِعْتَاقِ وَفُلَانًا فِي الْإِطْعَامِ وَفُلَانًا فِي الْكِسْوَةِ فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ وَضَعَ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ وَأَمَرَ الْفُقَرَاءَ الْعِشْرِينَ بِالْأَخْذِ فَأَخَذُوا مَعًا وَاقْتَرَنَ بِذَلِكَ قَوْلُ وَكِيلِ الْعِتْقِ: أَنْتَ حُرٌّ وَتَصَوَّرَ الْمَعِيَّةَ أَيْضًا بِمُبَاشَرَتِهِ الْجَمِيعَ وَبِمُبَاشَرَةِ بَعْضٍ وَالتَّوْكِيلُ فِي بَعْضٍ.
(قَوْلُهُ: وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ) لَكِنْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمُبْهَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَدْبِ غَيْرِ الْوَاجِبِ.
(قَوْلُهُ: الثَّوَابُ الْوَاجِبُ) مُتَعَلِّقٌ بِذُكِرَ وَاَلَّذِي ذُكِرَ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ أَعْلَاهَا فِي الْمُتَفَاوِتَةِ وَأَحَدُهَا فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَأَوَّلُهَا مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ: وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ يَرْجِعُ لِلْقَوْلَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَتَفَاصِيلِهِمَا وَالْإِثَابَةُ ثَوَابُ الْمَنْدُوبِ عَلَى كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ أَعْلَى أَوْ أَوَّلُ فِي الثَّوَابِ أَوْ أَدْنَى فِي الْعِقَابِ وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَقَعُ صِفَةً لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ: نَظَرُ التَّأَدِّي إلَخْ أَيْ لَا لِكَوْنِهِ هُوَ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ لَا هُوَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَهَذَا تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ مَحَلِّ الثَّوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ أَحَدَهَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ.
(قَوْلُهُ: الْمَأْخُوذُ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُوجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ تَرْكُهُ هُوَ أَحَدُ خِصَالِ الْمُخَيَّرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَمَنْ أَتَى بِالْإِطْعَامِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مَثَلًا وَصَارَ بِفِعْلِهِ مُتَعَيِّنًا لِثَوَابِ الْوَاجِبِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ كَوْنِهِ إطْعَامًا بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَحَدَ خِصَالِ الْمُخَيَّرِ، حَتَّى إنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِيمَا إذَا أَتَى بِخِصَالِ الْمُخَيَّرِ كُلِّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ بِقَصْدِ الِامْتِثَالِ هُوَ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ ثَانِيهَا وَثَالِثِهَا: إنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا الَّذِي تُؤَدَّى الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ مِنْهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَكَانَ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاجِبًا) أَيْ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ أَحَدَهَا لَا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَفِيهِ
حَتَّى أَنَّ الْوَاجِبَ ثَوَابًا فِي الْمُرَتَّبِ أَوَّلُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَتَمَادَى بِهِ الْوَاجِبُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ.
(وَيَجُوزُ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ) مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ فِي أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فِي مَنْعِهِمْ ذَلِكَ كَمَنْعِهِمْ إيجَابَ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِيهِمَا (وَهِيَ كَالْمُخَيَّرِ) أَيْ وَالْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهَا فَيُقَالُ عَلَى قِيَاسِهِ النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ نَحْوَ لَا تَتَنَاوَلْ السَّمَكَ أَوْ اللَّبَنَ أَوْ الْبَيْضَ، يَحْرُمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَقِيلَ يَحْرُمُ جَمِيعُهَا فَيُعَاقَبُ بِفِعْلِهَا عِقَابَ فِعْلِ مُحَرَّمَاتٍ وَيُثَابُ بِتَرْكِهَا امْتِثَالًا
ــ
[حاشية العطار]
أَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ بَلْ لِتَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحُصُولُ ثَوَابِهِ الْخَاصِّ بِهِ بَعْدَ إيقَاعِهِ وَتَعَيُّنُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَ الْإِيجَابِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصُ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى إنَّ الْوَاجِبَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّحْقِيقِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمُرَتَّبِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَتَى بِخِصَالِ الْمُخَيَّرِ مُرَتَّبَةً.
(قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ) أَيْ خُصُوصُ كَوْنِهِ أَوَّلَهَا وَفِيهِ أَنَّهُ وَإِنْ قِيلَ: الْوَاجِبُ أَوَّلُهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْأَوَّلِيَّةُ بَلْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْوَاجِبِ فِيهِ وَهُوَ الْوَاحِدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا) أَيْ الَّذِي تَأَدَّى الْوَاجِبُ بِغَيْرِهِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زَائِدٌ عَلَى أَحَدِهَا إلَّا أَنْ تُجْعَلَ الْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا الزَّائِدُ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَحْرِيمٌ إلَخْ) عَبَّرَ بِهَذَا دُونَ أَنْ يَقُولَ: وَالنَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ بِالْأَمْرِ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَسْتَغْنِي عَنْ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَعَنْ قَوْلِهِ وَهِيَ كَالْمُخَيَّرِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ، وَيُقَاسُ عَلَى التَّحْرِيمِ الْكَرَاهَةُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْعِقَابُ خَاصٌّ بِالْحَرَامِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ بَحْثًا وَجَوَابًا.
(قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ) أَيْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ) لَا يُقَالُ الْكَفُّ عَنْ أَحَدِ الْمُعَيَّنَاتِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا يَقْتَضِي الْكَفَّ عَنْهَا كُلِّهَا فَيَنْتَفِي الْحَرَامُ الْمُخَيَّرُ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَرَافِيُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إذَا اسْتَحْضَرْت تَقْيِيدَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا بِكَوْنِهِ فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ فِي ضِمْنِ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُنَافِي الْكَفَّ عَنْهُ فِي ضِمْنِ آخَرَ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ أَيْ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ فِعْلِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ وَاحِدٌ فَتَحْرِيمُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ بَلْ مِنْ بَابِ سَلْبِ الْعُمُومِ فَيَتَحَقَّقُ فِي وَاحِدٍ فَلَيْسَ النَّهْيُ كَالنَّفْيِ.
(قَوْلُهُ: فِي مَنْعِهِمْ ذَلِكَ) أَيْ تَحْرِيمُ وَاحِدٍ لَا يُعَيِّنُهُ.
(قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ فِيهِمَا) وَهُوَ أَنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ لِمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ.
(قَوْلُهُ: فَيُقَالُ) تَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ فِي قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ: النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ إلَخْ) فِيهِ تَوَرُّكٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ حَقَّ مُقَابَلَةِ الْأَمْرِ النَّهْيُ لَا التَّحْرِيمُ.
(قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى السَّابِقِ) أَيْ مُفَسِّرًا ذَلِكَ الْوَاحِدَ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فِي ضِمْنِ أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ: امْتِثَالًا) قَيَّدَ التَّرْكَ بِالِامْتِثَالِ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ حَاصِلًا بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ أَنَّ التَّحْرِيمَ لِوَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ.
(قَوْلُهُ:
ثَوَابَ تَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ تَرْكُهَا الْوَاجِبُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ تَرْكُهُ الْوَاجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ: الْمُحَرَّمُ فِي ذَلِكَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تُرِكَتْ كُلُّهَا امْتِثَالًا أَوْ فُعِلَتْ وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ بَعْضُهَا أَخَفُّ عِقَابًا وَثَوَابًا فَقِيلَ: ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ فِي الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى تَرْكٍ وَفِعْلٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَفِي الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَفِعْلِ أَخَفِّهَا سَوَاءٌ أَفُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَقِيلَ: الْعِقَابُ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا تَفَاوَتَتْ أَوْ تَسَاوَتْ لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ، وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ تَرْكُهُ لِثَوَابِ الْوَاجِبِ وَلِتَحْقِيقِ أَنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَفِعْلِ أَحَدِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا، حَتَّى أَنَّ الْعِقَابَ فِي الْمُرَتَّبِ عَلَى آخِرِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَيُثَابُ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ عَلَى تَرْكِ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ مَا يَتَأَدَّى بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا (وَقِيلَ) زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُخَيَّرِ مِنْ طَرَفِ الْمُعْتَزِلَةِ (لَمْ تَرِدْ بِهِ) أَيْ بِتَحْرِيمِ مَا ذُكِرَ (اللُّغَةُ) حَيْثُ لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَتْ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا قُلْنَا الْإِجْمَاعُ
ــ
[حاشية العطار]
وَهِيَ مُتَسَاوِيَةٌ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفِعْلَيْنِ قَبْلَهُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَارُدُ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَدَعْوَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْحَالِ لِاقْتِضَائِهِ إلَى الْإِضْمَارِ وَالْحَالُ لَا يَكُونُ ضَمِيرًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ فُعِلَتْ وَحُذِفَ مِثْلُهَا مِنْ قَوْلِهِ تُرِكَتْ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ مِنْ الْأَوَائِلِ لِدَلَالَةِ الثَّوَانِي.
(قَوْلُهُ: عِقَابًا وَثَوَابًا) نَشْرٌ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ اللَّفِّ مِنْ قَوْلِهِ ثَوَابُ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى تَرْكِ أَشَدِّهَا وَفِعْلِ أَخَفِّهَا.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فُعِلَتْ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا) رَاجِعٌ لِقِسْمَيْ الْمُتَسَاوِيَةِ وَالْمُتَفَاوِتَةِ وَلَمْ يَزِدْ أَوْ تُرِكَتْ؛ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ آخِرِهَا) هَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ.
(قَوْلُهُ: لِارْتِكَابِ الْحَرَامِ بِهِ) أَيْ دُونَ مَا قَبْلَهُ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَخِيرِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا) أَيْ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ آخِرَهَا وَأَشَدَّهَا.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ زِيَادَةٌ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي التَّلْخِيصِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أَنْكَرَ مُعْظَمُ الْمُعْتَزِلَةِ النَّهْيَ عَنْ شَيْئَيْنِ عَلَى التَّخْيِيرِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبُحَ أَحَدُهُمَا قَبُحَ الْآخَرُ اهـ. زَكَرِيَّا.
ثُمَّ إنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِوُرُودِ اللُّغَةِ بِطَرِيقَةٍ أَيْ بِصِيغَةٍ لَا وُرُودِهَا بِهِ نَفْسِهِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: لَا بَحْثَ لِلُّغَةِ عَنْ تَحْرِيمٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي لَمْ تَرِدْ بِطَرِيقَةِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْحَيْثِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ وُرُودِهَا بِطَرِيقَةٍ عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُرُودِهَا بِالتَّحْرِيمِ إذْ الْأَقْرَبُ هُنَا مِنْ مَعَانِي الْحَيْثِيَّةِ التَّعْلِيلُ لَا أَنَّهُ مَعْنَى وُرُودِهَا بِالتَّحْرِيمِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُخَيَّرِ) أَيْ الْأَقْوَالُ الَّتِي فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ النَّهْيِ) أَيْ اللَّفْظِيِّ بَيَانٌ لِطَرِيقَةٍ.
(قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى) جَوَابٌ مِنْ طَرَفِ هَذَا الْقَائِلِ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ اللُّغَةُ بِطَرِيقِ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] صِيغَةُ نَهْيٍ عَنْ طَاعَةِ وَاحِدٍ مِنْ شَيْئَيْنِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ طَرِيقًا لِذَلِكَ لَوْ كَانَ نَهْيًا عَنْ طَاعَةِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا.
وَقَدْ رَدَّ الشَّارِحُ هَذَا الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ يُفْهَمُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ فَهِيَ طَرِيقَةٌ لِذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا بِإِجْمَاعٍ، فَقَدْ ثَبَتَ وُرُودُ اللُّغَةِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ