الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُجَامَعَةُ الْأُولَى لِكُلٍّ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ الثَّلَاثَةِ.
(وَ
الْمَجَازُ)
الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ (اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ) فِيمَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا (بِوَضْعٍ ثَانٍ) خَرَجَ الْحَقِيقَةُ (لِعَلَاقَةٍ) بَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا خَرَجَ الْعَلَمُ الْمَنْقُولُ كَفَضْلٍ وَمَنْ زَادَ كَالْبَيَانِيِّينَ مَعَ قَرِينَةٍ مَانِعَةٍ عَنْ إرَادَةِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا
ــ
[حاشية العطار]
لِلْحَاجَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى مُجَامَعَةُ الْأَوَّلِ)، أَيْ: تَفْسِيرُ الشَّرْعِيِّ بِمَا لَمْ يُسْتَفَدْ اسْمُهُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ لِكُلٍّ مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ الثَّلَاثَةِ أَيْ عَلَى الْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ، وَالْمُبَاحِ؛ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الشَّيْءِ أَنَّهُ شَرْعِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّ اسْمَهُ لَمْ يُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَأَنَّهُ شَرْعِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ، أَوْ مُبَاحٌ وَيَنْفَرِدُ عَنْهَا فِي صَلَاةِ الْحَائِضِ مَثَلًا، وَالصَّلَاةُ فِي الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهَا لَا تُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ وَاسْمُهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ، وَالْفَاسِدَ فَإِنَّ وَصْفَ الصِّحَّةِ لَيْسَ دَاخِلًا فِي مَفْهُومِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ
[الْمَجَازُ]
(قَوْلُهُ: الْمَجَازُ) هُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَصْلُهُ مُجَوَّزٌ بِمَعْنَى الْجَوَازِ نُقِلَ إلَى الْكَلِمَةِ الْجَائِزَةِ مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ أَوْ الْمُجَوَّزِ بِهَا عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ. (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَتَى بِهَذَا الْوَصْفِ هُنَا دُونَ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَأْتِي يَقُولُ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْإِسْنَادِ فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ الْمُعَرَّفَ هُنَا الْمَجَازُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا مَا يَشْمَلُ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُهُ وَلَمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْحَقِيقَةِ فِي الْإِسْنَادِ أَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يُقَيِّدَ بِهِ فِيمَا هُنَالِكَ لِعَدَمِ التَّوَهُّمِ وَأَيْضًا الْحَقِيقَةُ وَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى مُفْرَدَةٍ وَمُرَكَّبَةٍ فَحَقِيقَتُهَا وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فِي الْإِفْرَادِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ تُبَايِنُ حَقِيقَةَ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْإِفْرَادِ) أَيْ الْكَلِمَاتِ فَيَشْمَلُ الْمَجَازَ الْمُرَكَّبَ لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الْمَجَازَ الْمُطْلَقَ يُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمَجَازُ فِي قَوْلِك الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ مُرَادٌ بِهِ الْمَصْدَرُ الْمِيمِيُّ أَيْ التَّجَوُّزُ فِي الْإِفْرَادِ اهـ.
أَقُولُ مُحَصَّلُ هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَمْلِ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ الْمُتَبَايِنَيْنِ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ مُرَادٌ بِهِ اللَّفْظُ وَالْمَحْمُولُ الْحَدَثُ.
وَالْجَوَابُ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْمُولِ الْمَصْدَرُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اللَّفْظُ وَفِي الْإِفْرَادِ حَالٌ وَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ أَوْ الظَّرْفُ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا قِيلَ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْمِ الشَّرِيفِ لِتَأْوِيلِهِ بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَصْدَرُ قَدَّرْنَا الْمُضَافَ أَيْ وَهُوَ مَجَازُ الْمَجَازِ أَيْ اللَّفْظُ الْمُتَجَوَّزُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ) خَرَجَ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ وَمَا وُضِعَ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ عَلَى نَسَقِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْعَلَمُ الْمَنْقُولُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّانَوِيَّةَ فِي الزَّمَنِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّانَوِيَّةُ فِي التَّبْعِيدِ وَحِينَئِذٍ فَالْعَلَمُ الْمَنْقُولُ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ بِوَضْعٍ ثَانٍ وَقَوْلُهُ لِعَلَاقَةِ قَيْدٌ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ.
وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَلْفِيقًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَرَّفُوا الْمَجَازَ بِالْكَلِمَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْعَلَاقَةُ وَقِيلَ الْوَضْعُ الثَّانَوِيُّ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْوَضْعِ الثَّانَوِيِّ لَا يَنْفِي الْعَلَاقَةَ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ هِيَ كَافِيَةٌ عَنْ الْوَضْعِ الثَّانَوِيِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَهَا وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَمُفَادُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْعَلَمَ الْمَنْقُولَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ صَرَّحَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ يَشْتَرِكَانِ فِي امْتِنَاعِ اتِّصَافِ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ بِهِمَا كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو.
(قَوْلُهُ: كَفَضْلٍ) قَالَ النَّاصِرُ فِيهِ أَنَّ الْعَلَاقَةَ مَوْجُودَةٌ بَيْنَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَالْمَنْقُولِ إلَيْهِ فِي فَضْلٍ فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ بِجَعْفَرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ وُجُودَ الْعَلَاقَةِ مُجَرَّدَةً غَيْرُ كَافٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا كَمَا هُوَ مُفَادُ لَامِ التَّعْلِيلِ وَهِيَ غَيْرُ مُلَاحَظَةِ فَضْلٍ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ وُجُودِهَا فِي جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ النَّهْرُ الصَّغِيرُ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ الْمُشَابَهَةُ.
(قَوْلُهُ: كَالْبَيَانِيِّينَ) الْأَحْسَنُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ أَيْ مَنْ زَادَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ كَالْبَيَانِيِّينَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأُصُولِ
مَشَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا (فَعُلِمَ) مِنْ تَقْيِيدِ الْوَضْعِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ بِالثَّانِي (وُجُوبُ سَبْقِ الْوَضْعِ) لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ ذَلِكَ (اتِّفَاقٌ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ (لَا الِاسْتِعْمَالُ) فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلَا يَجِبُ سَبْقُهُ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ كَالْعَكْسِ (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ الْوُجُوبِ (الْمُخْتَارُ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِي اللَّفْظِ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَقِيلَ يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ وَإِلَّا لَعَرِيَ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَأُجِيبَ بِحُصُولِهَا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ.
(قِيلَ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ) تَفْصِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ -
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: مَشَى عَلَى أَنَّهُ) مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مَاشٍ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا ذُكِرَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ قَالَهُ النَّاصِرُ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ إلَخْ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجَازٌ وَصِحَّتُهُ فِي الْكِنَايَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كِنَايَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِيرَادِ هَذَا السُّؤَالِ أَصْلًا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْكِنَايَةَ فِيهَا خِلَافٌ وَصَرِيحُ كَلَامِ الْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَئِنْ وَرَدَ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى ظَاهِرِ بَعْضِ تَفَاسِيرِهَا فَيَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِي الْكِنَايَةِ إنَّمَا أُرِيدَ لِلِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ قَصْدًا وَبِالذَّاتِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا أَيْ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنْ يُقْصَدَا مَعًا.
وَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكِنَايَةِ فَإِيرَادُ صُورَةِ الْكِنَايَةِ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْت مُغَرِّبًا
…
شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
(قَوْلُهُ: بِالثَّانِي) مُتَعَلِّقٌ بِتَقْيِيدِ أَيْ تَقْيِيدِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ.
(قَوْلُهُ: لَا الِاسْتِعْمَالِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَطْفٌ عَلَى الْوَضْعِ الْوَاقِعِ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ فَعُلِمَ وَمَفَادُهُ أَنَّ وُجُوبَ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سَبْقُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ اهـ.
وَأَقُولُ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُفَادُهُ مَا ذُكِرَ لَوْ كَانَ الْعَطْفُ عَلَى الْوُجُوبِ أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى الْوَضْعِ فَلَا إذْ حَاصِلُهُ حِينَئِذٍ عُلِمَ وُجُوبِ سَبْقِ هَذَا دُونَ سَبْقِ هَذَا أَيْ عُلِمَ مُخَالَفَةُ هَذَا السَّبْقِ لِذَلِكَ السَّبْقِ فِي الْوُجُوبِ أَيْ إنَّ هَذَا وَاجِبٌ وَإِنَّ سَبْقَ ذَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا تَقُولُ عَلِمْت اسْتِحْقَاقَ زَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو وَهَذَا صَرِيحٌ فِي عَدَمِ عِلْمِ وُجُوبِ سَبْقِ الْمَعْطُوفِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: كَالْعَكْسِ) أَيْ كَمَا لَا تَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةُ الْمَجَازَ بِلَا خِلَافٍ فَقَدْ يُوجَدُ لَفْظٌ حَقِيقِيٌّ لَمْ يَتَجَوَّزْ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ وَلِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ جَعَلَهُ أَصْلًا مُشَبَّهًا بِهِ اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجِبُ) أَيْ فَالْمَجَازُ يَسْتَلْزِمُ الْحَقِيقَةَ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَعَرِيَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ لِأَنَّهُ الْمُدَّعَى فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْيُ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ عَدَمَ وُجُوبِ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ يَصْدُقُ بِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ الِاسْتِعْمَالُ لَعَرِيَ وَإِنْ كَانَ هَذَا بَعِيدًا وَعَرِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِمَعْنَى خَلَا وَأَمَّا عَرَا بِفَتْحِ الرَّاءِ فَهُوَ بِمَعْنَى نَزَلَ.
(قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِحُصُولِهِ إلَخْ) إذْ لَوْلَا الْوَضْعُ الْأَوَّلُ لَمَا وُجِدَ الْوَضْعُ الثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَعُلِمَ وُجُوبُ سَبْقِ الْوَضْعِ.
(قَوْلُهُ: قِيلَ مُطْلَقًا) أَيْ لَا يَجِبُ سَبْقُ الِاسْتِعْمَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَصْدَرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ لِلْمُصَنِّفِ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ خِلَافُ مَنْقُولٍ وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهُ مُخْتَارُهُ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ سَهْوٌ فَإِنَّ الْآمِدِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ فَضْلًا عَنْ أَنَّهُ اخْتَارَهُ وَإِنَّمَا اخْتَارَ عَدَمَ الْوُجُوبِ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مُقَيِّدًا لَهُ بِمَا صَحَّحَهُ فَالْعِرَاقِيُّ نَظَرَ إلَى لَفْظِ الْمُخْتَارِ وَلِهَذَا عَبَّرَ بِهِ كَمَا مَرَّ فَوَقَعَ فِي السَّهْوِ ثُمَّ مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَقْفَةٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُشْتَقِّ مَجَازًا وُجُوبُ سَبْقِ اسْتِعْمَالِ مَصْدَرِهِ حَقِيقَةً اهـ. زَكَرِيَّا.
وَقَالَ الْكُورَانِيُّ إنَّ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُسَاعِدُهُ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ وَأَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وَضْعَ الْمَصْدَرِ غَيْرُ وَضْعِ الْمُشْتَقِّ وَمَعْنَاهُمَا كَذَلِكَ
اخْتَارَهُ مَذْهَبًا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ) وَيَجِبُ لِمَصْدَرٍ الْمَجَازِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقِّ مَجَازٌ إلَّا إذَا سَبَقَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ حَقِيقَةً وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ الْمُشْتَقُّ حَقِيقَةً كَالرَّحْمَنِ
ــ
[حاشية العطار]
فَأَيُّ لُزُومٍ فِي أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَقَّ إذَا كَانَ مَجَازًا يَكُونُ مَصْدَرُهُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِيَصِيرَ حَقِيقَةً فَإِنْ نَظَرَ إلَى الِاسْتِقْرَاءِ وَالتَّتَبُّعِ لِكَلَامِ الْبُلَغَاءِ فَلَا يَتِمُّ لَهُ إذْ هُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ اسْتِيعَابُهُ وَإِنْ نَظَرَ إلَى خُصُوصِ لَفْظِ رَحْمَنٍ وَأَنَّ مَصْدَرَهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ حَقِيقَةً فَذَلِكَ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ وَلَكِنْ لَا يُجْدِيهِ نَفْعًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عُلَمَاءَ الْبَيَانِ وَالْأُصُولِ مُجْمِعُونَ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ أَحَدٌ فَلَا يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْعَقْلَ وَالنَّقْلَ اهـ.
وَأَجَابَ سم بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي مِثْلِ مَا هُنَا الِاسْتِقْرَاءُ النَّاقِصُ وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَجَازُ مِنْ الْجَوَازِ وَالِانْتِقَالِ لَمْ يَبْعُدْ بَلْ اُسْتُحْسِنَ عِنْدَ الْعَقْلِ اعْتِبَارُ سَبْقِ اسْتِعْمَالِ أَصْلِهِ حَقِيقَةً لِيَظْهَرَ مَعْنَى الِانْتِقَالِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اهـ.
وَأَقُولُ هَذَا حُكْمٌ لَفْظِيٌّ طَرِيقُهُ النَّقْلُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْبُلَغَاءِ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَدْخَلٌ وَكَانَ يَكْفِي الْكُورَانِيَّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ وَالْأُصُولِ وَلَا سَنَدَ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ وَسَّعَ دَائِرَةَ الْبَحْثِ بِمَا زَادَهُ فَالْجَوَابُ فِي مِثْلِهِ إثْبَاتُ سَنَدٍ لِلْمُصَنِّفِ بِعَزْوِ هَذَا الْخِلَافِ لِغَيْرِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَوْ سَرْدِ مَوَارِدَ وَقَعَ فِيهَا ذَلِكَ كَالرَّحْمَنِ فَالْعُدُولُ عَنْ هَذَا الطَّرِيقِ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْجَادَّةِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ لِمَا عَدَا الْمَصْدَرَ إلَخْ) مُفَادُهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا اُسْتُعْمِلَ مَجَازًا يَجِبُ سَبْقُ اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ مُشْتَقُّهُ مَجَازًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرُهُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ وَيَجِبُ لِمَصْدَرِ الْمَجَازِ إلَخْ أَيْ يَجِبُ لِمَصْدَرِ الْمُشْتَقِّ الَّذِي تَجَوَّزَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَصْدَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَقَوْلُ النَّاصِرِ لَوْ قَالَ لِلْمَصْدَرِ الْمَجَازِ بِالنَّعْتِ لَا الْإِضَافَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْمَصْدَرُ الْمَجَازَ الَّذِي لَمْ يُشْتَقَّ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ.
مَدْفُوعٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُسْتَعْمَلِ مَجَازًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْإِرَادَةِ لِلْمُصَنِّفِ وَلَا يَشْمَلُ الَّذِي لَمْ يَتَجَوَّزْ فِيهِ بَلْ فِي مُشْتَقَّةِ الَّذِي هُوَ مُرَادٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْتَقِّ مَجَازٌ) قَالَ النَّاصِرُ يَنْتَقِضُ بِنَحْوِ لَيْسَ وَعَسَى وَنِعْمَ وَبِئْسَ فَإِنَّهَا مَجَازَاتٌ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْحَدَثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ مَصَادِرُهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا اهـ.
وَحَصَلَ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْصِيلُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدًا بِمَا لَهُ مَصْدَرٌ فَتَخْرُجُ الْمَذْكُورَاتُ إذْ لَا مَصَادِرَ لَهَا وَيَتَكَلَّفُ الْفَرْقَ بِنَحْوِ أَنَّ مَا لَهُ مَصْدَرٌ يَتَفَرَّعُ عَنْهُ وُجُودُهُ تَفَرُّعًا مُحَقَّقًا فَنَاسَبَ أَنْ يَتَفَرَّعَ تَجَوُّزُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا لَا مَصْدَرَ لَهُ أَوْ يُقَالُ إنَّ كَوْنَ هَذَا الْمَذْكُورَاتِ مَوْضُوعَةً فِي الْأَصْلِ لِلزَّمَانِ حَتَّى لَزِمَ الْآنَ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مُجَرَّدِ الْحَدَثِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ فِي الْأَصْلِ لِلزَّمَانِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَمَادَّةُ النَّقْضِ لَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ.
(قَوْلُهُ: كَالرَّحْمَنِ) تَمْثِيلٌ لِلْمُشْتَقِّ الَّذِي تَحَقَّقَ فِيهِ مَجَازٌ وَقَدْ سَبَقَ اسْتِعْمَالُ مَصْدَرِهِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَقَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ الرَّحْمَةِ إلَخْ بَيَانٌ لِوُجُوبِ كَوْنِهِ مَجَازًا فِي حَقِّهِ تَعَالَى لَا حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَتِهِ وَبِهَذَا يَتِمُّ التَّمْثِيلُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لَهُ تَعَالَى فَهُوَ زِيَادَةُ فَائِدَةٍ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ التَّمْثِيلُ عَلَى نَفْيِ اسْتِعْمَالِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَقَوْلُ سم إنَّ التَّجَوُّزَ فِي الرَّحْمَنِ يَقْتَضِي عَلَى تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ سَبْقَ اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ بِمَعْنَى رِقَّةِ الْقَلْبِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ السَّبْقِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ اهـ
لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ الرَّحْمَةِ وَحَقِيقَتُهَا الرِّقَّةُ وَالْحُنُوُّ الْمُسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا قَوْلُ بَنِي حَنِيفَةَ فِي مُسَيْلِمَةَ رَحْمَانُ الْيَمَامَةِ وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ فِيهِ:
سَمَوْت بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمَيْنِ أَبًا
…
وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا
أَيْ ذَا رَحْمَةٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ أَيْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لَجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْبَارِي مِنْ آلِهَتِهِمْ وَقِيلَ إنَّهُ شَاذٌّ لَا اعْتِدَادَ بِهِ وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ وَالْمُخْتَصُّ بِاَللَّهِ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ
(وَهُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (وَاقِعٌ) فِي الْكَلَامِ (خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ) أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَ) أَبِي عَلِيٍّ (الْفَارِسِيِّ) فِي نَفْيِهِمَا وُقُوعَهُ
ــ
[حاشية العطار]
لَا اتِّجَاهَ لَهُ، أَمَّا السُّؤَالُ فَلَا وُرُودَ لَهُ فَإِنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ بِحَسَبِ الْقَانُونِ الْعَرَبِيِّ.
وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ الرَّحْمَةُ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ وَسَاغَ بِحَسَبِ هَذَا الْقَانُونِ اسْتِعْمَالُ رَحْمَنٍ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَكِنَّهُ لَمَّا اخْتَصَّ بِهِ سبحانه وتعالى مَنَعَ ذَلِكَ الِاخْتِصَاصُ اسْتِعْمَالَهُ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى كَالرَّحْمَةِ أَيْضًا فَوُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً لِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ لَا يُعَارِضُ قَاعِدَةَ اللُّغَةِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ كَوْنَهُ كِنَايَةً فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْكِنَايَةَ يَجُوزُ مَعَهَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِيهِ فَأَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ يَجُوزُ مَعَهَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ امْتِنَاعُهُ لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ كَمَا هُنَا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ فَسَاقِطٌ عَنْ رُتْبَةِ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ أُولِي الْأَنْظَارِ.
وَقَدْ تَفَطَّنَ رحمه الله لِمِثْلِ مَا قُلْنَا حَيْثُ كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ رَادًّا عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُمْ خَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَنْ نَهْجِ اللُّغَةِ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ اهـ.
بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ رَحْمَنٌ مِنْ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَمِنْ لَازِمِهَا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ جَوَازَ إطْلَاقِهَا عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى كَانَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مُوَافِقًا لِقِيَاسِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَنُطْقًا بِمَا قِيَاسُ اللُّغَةِ جَوَازُ النُّطْقِ بِهِ وَمِثْلُهُ بِمَا يَجِبُ صِحَّتُهُ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَبِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ نَهْجِ اللُّغَةِ وَتَجْوِيزُ كَوْنِ الْوَاضِعِ شَرْطَ أَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِالْخَطَأِ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ قَالَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ قُوَّةُ مَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ إلَخْ وَضَعَّفَ قَوْلَ الْكَمَالِ فِيهِ أَنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا أَخَّرَهُ لِكَوْنِهِ أَضْعَفَ الْأَوْجُهِ وَلِبَعْضِ الْحَوَاشِي الْمُتَأَخِّرَةِ هَاهُنَا كَلَامٌ تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ وَتَأْبَاهُ الطِّبَاعُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ بَنِي حَنِيفَةَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يُورَدُ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا لِلَّهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ فَكَيْفَ هَذَا الْحَصْرُ.
(قَوْلُهُ: فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ) التَّعَنُّتُ تَطَلُّبُ الْإِيقَاعِ فِي الْعَنَتِ أَيْ الْأَمْرِ الشَّاقِّ فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ إيقَاعُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَوْ إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمْ نَفْسَهُ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ) قَالَ سم ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ إلَخْ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَ إشْكَالِهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ فَمِنْ تَعَنُّتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ التَّعَنُّتَ سَبَبٌ فِي الْإِطْلَاقِ وَمَتَى ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ فَقَدْ وُجِدَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْجُمْلَةِ غَايَتُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ سَبَبَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ التَّعَصُّبُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَيْسَ إطْلَاقًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ اللَّجَاجُ فِي كُفْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَفَرُوا بِادِّعَائِهِمْ لِمُسَيْلِمَةَ النُّبُوَّةَ وَتَوَغَّلُوا فِي الْكُفْرِ بِإِطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ مَا يَخْتَصُّ بِالْإِلَهِ تَوَغُّلًا خَرَجُوا بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ عَنْ طَرِيقِ اللُّغَةِ.
قَالَهُ الْكَمَالُ وَفِيهِ أَنَّ اللَّجَاجَ لَا يُخْرِجُ الْعَرَبِيَّ عَنْ لُغَتِهِ وَإِلَّا لَأَدَّى ذَلِكَ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِاسْتِعْمَالِهِمْ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِدْلَالِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ شَرْعًا لَا لُغَةً لِأَنَّ قِيَاسَ اللُّغَةِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ اتَّصَفَ بِالرَّحْمَةِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ) هُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ
(مُطْلَقًا) قَالَا وَمَا يُظَنُّ مَجَازًا نَحْوُ رَأَيْت أَسَدًا يَرْمِي فَحَقِيقَةٌ (وَ) خِلَافًا (لِلظَّاهِرِيَّةِ) فِي نَفْيِهِمْ وُقُوعَهُ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) قَالُوا لِأَنَّهُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ وَكَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْكَذِبِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا كَذِبَ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ وَهِيَ فِيمَا ذُكِرَ الْمُشَابَهَةُ فِي الصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ
ــ
[حاشية العطار]
الشَّارِحُ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ الْأَوْجُهِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يَتَخَرَّجُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا بِقَيْدِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
(قَوْلُهُ: فَحَقِيقَةٌ) إنْ اكْتَفَوْا فِي الْحَقِيقَةِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِعْمَالِ رَجَعَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا وَإِنْ أَرَادُوا اسْتِوَاءَ الْكُلِّ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَهَذَا مُرَاغَمَةٌ فِي الْحَقَائِقِ فَإِنَّ الْعَرَبَ مَا وَضَعَتْ اسْمَ الْحِمَارِ لِلْبَلِيدِ وَمَا أَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَسْتَعْمِلْ لَفْظَ أَسَدٍ فِي الشُّجَاعِ مَثَلًا فَبَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ أَشْعَارَ الْعَرَبِ طَافِحَةٌ بِالْمَجَازَاتِ قَالُوا لَوْ وَقَعَ الْمَجَازُ لَلَزِمَ الْإِخْلَالُ بِالتَّفَاهُمِ إذْ قَدْ تَخْفَى الْقَرِينَةُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يُنْتِجُ امْتِنَاعَهُ بَلْ اسْتِبْعَادَ وُقُوعِهِ مَعَ أَنَّهُ وَاقِعٌ قَطْعًا وَبِالْجُمْلَةِ فَأَدِلَّةُ النَّافِي لَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ) كَذِبٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ وَإِذَا صَحَّ نَفْيُهُ لَمْ يَصِحَّ إثْبَاتُهُ لِلتَّنَاقُضِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ شَرْطَ التَّنَاقُضِ اتِّحَادُ الْجِهَةِ وَالنَّفْيُ وَارِدٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْمَجَازِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَذِبَ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْمُرَكَّبِ الْخَبَرِيِّ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَجَازِ هُنَا الْمَجَازُ اللُّغَوِيُّ كَمَا يَقْتَضِيهِ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ فِي التَّمْثِيلِ لَهُ أَشْكَلَ وَصْفُهُ بِالْكَذِبِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ وَإِنْ أُرِيدَ مُطْلَقُ الْمَجَازِ الشَّامِلِ اللُّغَوِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ الْعَضُدِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ لَنَا عَلَى وُقُوعِ الْمَجَازِ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْأَسَدَ لِلشُّجَاعِ وَالْحِمَارَ لِلْبَلِيدِ وَشَابَتْ لَمَّةُ اللَّيْلِ وَقَامَتْ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ مِمَّا لَا يُحْصَى مَجَازَاتٌ اهـ.
فَالْوَصْفُ بِالْكَذِبِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَلِلْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ بِتَأْوِيلِ أَنَّ نِسْبَةَ الْكَذِبِ إلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ نِسْبَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ أَوْ نِسْبَتِهِ إلَى شَيْءٍ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الدَّلِيلُ تَامَّ التَّقْرِيبِ وَعَلَى صَنِيعِ الشَّارِحِ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الْمُدَّعَى وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي تَمَامِيَّةِ التَّقْرِيبِ كَمَا بَيَّنَ فِي عِلْمِ الْآدَابِ وَإِنَّمَا قَصَرَ الشَّارِحُ الْكَلَامَ عَلَى الْمَجَازِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ هُنَا وَإِنْ كَانَ يَرِدُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ فِي تَخْصِيصِ مُدَّعَاهُمْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ قَصَرَهُ عَلَى أَحَدِ الْفَرْدَيْنِ لِخَفَائِهِ وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالُ الْفَرْدِ الثَّانِي.
فَإِنْ قُلْت إنَّمَا تَعَرَّضَ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَهُمْ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْفَرْقِ بِالِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا تَجْرِي فِي الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ أَيْضًا قُلْت أَجَابَ مُنَجِّمٌ بَاشَا عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ أَشَدُّ احْتِيَاجًا إلَى بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَذِبِ لِكَوْنِهِ أَشْبَهَ بِهِ مِنْ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ادِّعَاءِ اتِّحَادِ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مَعَ مُغَايَرَتِهِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا عَيْنُ الْكَذِبِ لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّأْوِيلُ بِخِلَافِ الْمُرْسَلِ إذْ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الِادِّعَاءُ.
وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْبُعْدَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَجَازِيِّ وَالْحَقِيقِيِّ فِي الِاسْتِعَارَةِ أَزْيَدُ مِنْ الْبُعْدِ بَيْنَهُمَا فِي الْمُرْسَلِ لِأَنَّ عَلَاقَةَ الِاسْتِعَارَةِ ضَعِيفَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلَاقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ إذْ الْمُشَابَهَةُ أَضْعَفُ عَلَائِقِ الْمَجَازِ وَزِيَادَةُ الْبُعْدِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ تَقْتَضِي زِيَادَةَ الْمُشَابَهَةِ بِالْكَذِبِ اهـ.
ثُمَّ إنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ بِكَوْنِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إنْ كَانَ وَاقِعًا فِي كَلَامِ النَّافِي فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا فَعُذِرَ الشَّارِحُ فِي زِيَادَتِهِ أَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُرَادِهِمْ وَإِنْ أَطْلَقُوا إذْ لَا يُسَوَّغُ لَهُمْ دَعْوَى كَوْنِهِ كَذِبًا فِي الْحَقِيقَةِ فَيَرِدُ حِينَئِذٍ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَ الْمُجِيبِ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ وَقَوْلَ الْمُسْتَدِلِّ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَجَدْت الْجَوَابَ غَيْرَ مُلَاقٍ لِلدَّلِيلِ وَالْمُنَاسِبُ سَوْقُ الدَّلِيلِ مُجَرَّدًا عَنْ قَوْلِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ اهـ.
وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُلَاقَاةِ أَنَّ مَرْجِعَ الدَّلِيلِ لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ نَظْمُهُ هَكَذَا الْمَجَازُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَرْجِعُ الْجَوَابِ نَمْنَعُ الصُّغْرَى فَنَفْيُ كَوْنِهِ كَذِبًا فِي الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ مُفَادُهُ
أَيْ عَدَمِ الْفَهْمِ (وَإِنَّمَا يُعْدَلُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الْأَصْلِ (لِثِقَلِ الْحَقِيقَةِ) عَلَى اللِّسَانِ كَالْخِنْفِقِيقِ اسْمٌ لِلدَّاهِيَةِ يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الْمَوْتِ مَثَلًا (أَوْ بَشَاعَتِهَا) كَالْخِرَاءَةِ يُعْدَلُ عَنْهَا إلَى الْغَائِطِ وَحَقِيقَتُهُ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ (أَوْ جَهْلِهَا) لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ
ــ
[حاشية العطار]
تَبْقَى مَعَهُ الصُّغْرَى عَلَى حَالِهَا وَهُوَ أَنَّهُ كَذِبٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ سم أَنَّ إيهَامَ الْكَذِبِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ لِاقْتِضَائِهِ بَقَاءَ الدَّلِيلِ سَالِمًا عَنْ الْمَنْعِ فَيَتِمُّ نَعَمْ قَوْلُ النَّاصِرِ: الْمُنَاسِبُ سَوْقُ الدَّلِيلِ مُجَرَّدًا عَنْ قَوْلِهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْته مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُخَاطَبَ الَّذِي يُلْقَى إلَيْهِ الْمَجَازُ هُوَ الْمُتَفَطِّنُ الْعَارِفُ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَوُجُوهِ اعْتِبَارَاتِهِ وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إذَا خُوطِبَ بِالْمَجَازِ مُحْتَفًّا بِقَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ فَهِمَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَلَا يَتَبَادَرُ ذِهْنُهُ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَصْلًا فَلَا كَذِبَ فِي الْمَجَازِ أَصْلًا لَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ وَلَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَيُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْأَدَبِ نَوَادِرُ كَثِيرَةٌ تَقْضِي بِأَنَّ الْعَرَبَ الْخُلَّصَ وَصَلُوا إلَى غَايَةٍ مِنْ الْفَطِنَةِ فِي أَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَسُرْعَةِ الْبَدِيهَةِ مَا وَصَلَ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأُمَمِ سِوَاهُمْ.
مِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ أَنَّ مُهَلْهَلًا كَانَ فِي سَفَرٍ مَعَ عَبْدَيْنِ لَهُ فَفَهِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا يُرِيدَانِ اغْتِيَالَهُ فَأَوْصَاهُمَا إذَا وَرَدَا الْحَيَّ أَنْ يُنْشِدَا هَذَا الشِّعْرَ:
مَنْ يُخْبِرُ الْبِنْتَيْنِ أَنَّ مُهَلْهَلًا
…
بِاَللَّهِ رَبِّكُمَا وَرَبِّ أَبِيكُمَا
فَاتَّفَقَ أَنْ قَتَلَاهُ وَوَصَلَا لِلْحَيِّ فَسُئِلَا عَنْهُ فَقَالَا مَاتَ فَقِيلَ وَهَلْ أَوْصَى بِشَيْءٍ قَالَا نَعَمْ أَوْصَى بِأَنْ نُنْشِدَ هَذَا الشِّعْرَ فَقِيلَ إنَّ لِهَذَا الشِّعْرِ بَقِيَّةٌ وَإِنَّكُمَا قَتَلْتُمَاهُ فَأَقَرَّا بِذَلِكَ وَأَنْشَدَ الْبِنْتَانِ هَذَا الشِّعْرَ بِحَسَبِ سَلِيقَتِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ
مَنْ يُخْبِرُ الْبِنْتَيْنِ أَنَّ مُهَلْهَلًا
…
أَضْحَى قَتِيلًا بِالْفَلَاةِ مُجَنْدَلَا
بِاَللَّهِ رَبِّكُمَا وَرَبِّ أَبِيكُمَا
…
لَا تَتْرُكَا الْعَبْدَيْنِ حَتَّى يُقْتَلَا
فَقُتِلَ الْعَبْدَانِ فَانْظُرْ كَيْفَ اهْتَدَيَا بِصَفَاءِ أَذْهَانِهِمَا بِالْكَلَامِ مُطْوًى لَمْ يُرْمَزْ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَمَا ظَنُّك لِكَلَامِ مُحْتَفٍّ بِالْقَرَائِنِ فَظَهَرَ لَك بِهَذَا صِدْقُ مَا ادَّعَيْنَاهُ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى الشَّارِحِ مَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْكَذِبَ لَازِمٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَارْتِفَاعُهُ إنَّمَا هُوَ بِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالدَّالُّ عَلَيْهَا هُوَ الْقَرِينَةُ فَانْتِفَاءُ الْكَذِبِ لِأَجْلِ وُجُودِ الْقَرِينَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لَا لِأَجْلِ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ اهـ.
وَهُوَ وَجِيهٌ إذْ قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبَيَانِيُّونَ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُؤَوِّلُ كَلَامُهُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ الظَّاهِرِ وَيَنْصِبُ قَرِينَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِمُرَادٍ لَهُ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ فَإِنَّهُ يَدَّعِي الظَّاهِرَ وَيُرِيدُهُ وَيَصْرِفُ هِمَّتَهُ عَلَى إثْبَاتِهِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَا أَجَابَ بِهِ سم بِأَنَّ الْمُحَقِّقَ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الدَّافِعِ لِلْكَذِبِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا هُوَ اعْتِبَارُ الْعَلَاقَةِ.
وَأَمَّا الْقَرِينَةُ فَإِنَّمَا هِيَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ الِانْتِفَاءِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ إنَّمَا يُنَاسِبُ التَّعَرُّضَ لِنَفْيِ الْكَذِبِ فِي الْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ مَسَاقُ كَلَامِ الْمُجِيبِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْخَصْمَ إنَّمَا يَدَّعِي الْكَذِبَ ظَاهِرًا، وَجَوَابُ الشَّارِحِ لَا يُلَاقِي دَلِيلَهُ وَأَنَّ النَّافِيَ لِلْكَذِبِ ظَاهِرًا هُوَ نَصْبُ الْقَرِينَةِ إذْ لَوْلَاهَا لَتَبَادَرَ الذِّهْنُ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَجِيءُ الْكَذِبُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَدَمِ الْفَهْمِ) قَالَ سم وَجْهُ كَوْنِهِ صِفَةً ظَاهِرَةً أَنَّهُ مِمَّا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِالْمُخَاطَبَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ عَدَمَ الْفَهْمِ يَظْهَرُ بِمُخَاطَبَةِ صَاحِبهِ ظُهُورًا تَامًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُجَرِّبِ اهـ.
وَأَرَادَ بِنَحْوِ الْمُخَاطَبَةِ تَرْكِيبَ الشَّكْلِ وَالسَّجِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كُتُبِ الْفِرَاسَةِ عَلَامَاتٍ فِي الْأَشْخَاصِ ظَاهِرَةً تَدُلُّ عَلَى أَخْلَاقٍ بَاطِنَةٍ مَنْ أَحَاطَ بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ خُبْرًا اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوهُ وَكُنْت ظَفِرْت بِنُبْذَةٍ مِنْ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشِّيرَازِيِّ عَلَى الْقَانُونِ ذَكَرْت بَعْضَهَا مِنْهَا فِي شَرْحِي عَلَى نُزْهَةِ الْأَذْهَانِ فِي عِلْمِ الطِّبِّ.
(قَوْلُهُ: الْأَصْلِ) بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْحَقِيقَةِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لِأَنَّ الْمَجَازِ ابْتَنَى عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ سَبْقِ وَضْعِهَا أَوْ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا حَمَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ كَالنَّائِبَةِ وَالْحَادِثَةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ جَهْلِهَا لِلْمُتَكَلِّمِ) أَيْ مَعَ عِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْعُدُولِ عَدَمُ الْإِتْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
لِلْمُخَاطَبِ دُونَ الْمَجَازِ (أَوْ بَلَاغَتِهِ) نَحْوُ زَيْدٌ أَسَدٌ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ شُجَاعٍ (أَوْ شُهْرَتِهِ) دُونَ الْحَقِيقَةِ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَإِخْفَاءِ الْمُرَادِ عَنْ غَيْرِ الْمُتَخَاطِبِينَ الْجَاهِلِ بِالْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَكَإِقَامَةِ الْوَزْنِ وَالْقَافِيَةِ وَالسَّجْعِ بِهِ دُونَ الْحَقِيقَةِ (وَلَيْسَ الْمَجَازُ غَالِبًا عَلَى اللُّغَاتِ خِلَافًا لِابْنِ جِنِّي) بِسُكُونِ الْيَاءِ مُعَرَّبُ كِنِّي بَيْنَ الْكَافِ وَالْجِيمِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ غَالِبٌ فِي كُلِّ لُغَةٍ
ــ
[حاشية العطار]
مَعْرِفَةِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَجَازٌ مَعْرِفَةُ الْحَقِيقَةِ بِعَيْنِهَا فَلَا يُقَالُ الْمَجَازُ مَصْحُوبٌ بِالْعَلَاقَةِ وَهِيَ ارْتِبَاطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمَجَازِ الْعِلْمُ بِالْحَقِيقَةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَلَاغَتِهِ) لَيْسَ الْمُرَادُ الْبَلَاغَةَ الْبَيَانِيَّةَ إذْ لَا تَكُونُ فِي الْمُفْرَدِ بَلْ الْمُرَادُ الْأَبْلَغِيَّةُ فِي الْوَصْفِ لِأَنَّ الْمَجَازَ انْتِقَالٌ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ فَهُوَ كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنَةٍ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ شُجَاعٍ (قَوْلُهُ: زَيْدٌ أَسَدٌ) التَّمْثِيلُ بِهِ عَلَى مُخْتَارِ التَّفْتَازَانِيِّ أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ أَبْلَغُ) مِنْ شُجَاعٍ قَالَ النَّاصِرُ تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِأَبْلَغَ الْمُوَافِقِ لِتَعْبِيرِهِمْ فِي اقْتِضَاءِ ثُبُوتِ الْبَلَاغَةِ لِلْحَقِيقَةِ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَالَ أَوْ أَبْلَغِيَّتُهُ كَانَ أَوْلَى اهـ.
قَالَ سم وَقَدْ يُوَجَّهُ عُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ إذْ قَدْ يَنْفَرِدُ الْمَجَازُ بِالْبَلَاغَةِ دُونَهَا بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِبَلَاغَتِهِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَإِنَّهُ مُطَّرِدٌ سَوَاءٌ تَشَارَكَا فِي الْأَصْلِ أَوْ لَا. اهـ.
أَقُولُ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَبْلَغِيَّةِ لَوُجِّهَ أَيْضًا فَإِنَّهُ نَقَلَ دده أَفَنْدِي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ تَصْرِيفِ الْعِزِّيِّ لِلتَّفْتَازَانِيِ إنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ قَدْ يَكُونُ الْمُشَارَكَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُ تَقْدِيرِيَّةً فَرْضِيَّةً اعْتِقَادِيَّةً وَمِنْهُ حَدِيثُ اللَّهُمَّ أَبْدَلَنِي خَيْرًا مِنْهُمْ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرًّا أَيْ فِي اعْتِقَادِهِمْ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم شَرٌّ وقَوْله تَعَالَى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُمْ زَيْدٌ أَعْلَمُ مِنْ الْحِمَارِ وَعَمْرٌو أَفْصَحُ مِنْ الْأَشْجَارِ أَيْ لَوْ كَانَ لِلْحِمَارِ عِلْمٌ وَلِلْأَشْجَارِ فَصَاحَةٌ.
(قَوْلُهُ: غَالِبٌ فِي كُلِّ لُغَةٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ فِي اللُّغَاتِ
عَلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَّا وَيَشْتَمِلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَجَازٍ تَقُولُ مَثَلًا رَأَيْت زَيْدًا وَضَرَبْته وَالْمَرْئِيُّ وَالْمَضْرُوبُ بَعْضُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كُلُّهُ وَلَا مُعْتَمَدًا حَيْثُ تَسْتَحِيلُ الْحَقِيقَةُ
ــ
[حاشية العطار]
اسْتِغْرَاقِيَّةٌ وَإِنْ عَلَى بِمَعْنَى فِي وَيُمْكِنُ بَقَاؤُهَا عَلَى حَالِهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي اللُّغَاتِ صَارَ غَالِبًا عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْحَقِيقَةِ) أَيْ عَلَى الْكَلِمَاتِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعَانٍ وَضْعًا أَوَّلِيًّا أَيْ إنَّ أَكْثَرَهَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ مَجَازِيَّةٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَخْ) قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْمَجَازُ لَا الْحَقِيقَةُ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ الْفُصَحَاءِ وَالْبُلَغَاءِ فِي نَظْمِهِمْ وَنَثْرِهِمْ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا تَشْبِيهَاتٌ وَاسْتِعَارَاتٌ وَكِنَايَاتٌ وَإِسْنَادَاتُ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَى مَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِذَلِكَ كَالْحَيَوَانَاتِ وَالدَّهْرِ وَالْأَطْلَالِ وَالزَّمَنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَجَوُّزٌ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ الْمَعْلُومِ فَكَذَلِكَ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ سَافَرْت الْبِلَادَ وَرَأَيْت الْعِبَادَ وَلَبِسْت الثِّيَابَ وَمَلَكْت الْعَبِيدَ مَعَ أَنَّهُ مَا سَافَرَ كُلَّهَا وَلَا رَأَى كُلَّهُمْ وَمَا لَبِسَ كُلَّ الثِّيَابِ وَلَا مَلَكَ كُلَّ الْعَبِيدِ وَكَذَلِكَ تَقُولُ ضَرَبْت زَيْدًا مَعَ أَنَّك مَا ضَرَبْت إلَّا جُزْءًا مِنْهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ طَابَ الْهَوَاءُ وَبَرَدَ الْمَاءُ وَمَاتَ زَيْدٌ وَمَرِضَ عَمْرٌو بَلْ إسْنَادُ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كُلِّهَا إلَى الْحَيَوَانَاتِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ مَجَازٌ لِأَنَّ فَاعِلَهَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِسْنَادُهَا إلَى غَيْرِهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ اهـ.
وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ قَوْلَهُ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَخْ لَا يُوفِي بِمُدَّعَى ابْنِ جِنِّي مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ غَالِبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصِدْقِهِ بِمُسَاوَاتِهَا اهـ.
وَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَا مِنْ لَفْظٍ إلَّا وَهُوَ فِي أَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مُشْتَمِلٌ فِي الْغَالِبِ عَلَى مَجَازٍ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فِي أَكْثَرِ اسْتِعْمَالَاتِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنًى مَجَازِيٍّ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا أَكْثَرَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ حَقِيقَةً.
(قَوْلُهُ: عَلَى مَجَازٍ) أَيْ تَجَوُّزًا وَمَعْنَى مَجَازِيٍّ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَرْئِيُّ وَالْمَضْرُوبُ إلَخْ) فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَالْمَجَازُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ الْأَعْلَامَ مَجَازُ الِاسْتِعَارَةِ وَقِيلَ هُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالْحَقُّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تَنْبَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُضَايَقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِغْرَاقُ الْفِعْلِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وَضْعًا فِي الْفِعْلِ هُوَ نِسْبَةُ إيقَاعِ الْحَدَثِ عَلَى الْمَفْعُولِ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ عَمَّهُ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَلَا تَجَوُّزَ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ كُلُّهُ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ اشْتِمَالُ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَضْرُوبَ بَعْضُهُ لَا كُلُّهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نِسْبَةِ التَّأَلُّمِ الَّذِي هُوَ إحْسَاسُ الْجِسْمِ بِالْآلَةِ لَا فِي نِسْبَةِ التَّأَلُّمِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْإِحْسَاسِ (قَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَمَدًا) أَيْ مُعَوَّلًا عَلَيْهِ فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْحَقِيقَةِ مِنْ قَرَائِنِ الْمَجَازِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِحَالَةَ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَجَازِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ فِي الِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ
خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ وَأَلْغَيْنَاهُ كَصَاحِبَيْهِ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ بِمَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا كَانَ مِثْلُ الْعَبْدِ يُولَدُ لِمِثْلِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا كَقَوْلِهِمْ إنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً بِاللَّازِمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ
(وَهُوَ) أَيْ الْمَجَازُ (وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ) فَإِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ أَوْ الْمَنْقُولَ عَنْهُ وَإِلَيْهِ فَالْأَصْلُ أَيْ الرَّاجِحُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ فَعِنْدَهُمَا هِيَ الْحُكْمُ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي الْمَجَازِ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَعِنْدَهُ التَّكَلُّمُ حَتَّى تَكْفِيَ صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ سَوَاءٌ صَحَّ مَعْنَاهُ أَوْ لَا فَقَوْلُ الْقَائِلِ هَذَا ابْنِي لِعَبْدٍ مَعْرُوفِ النَّسَبِ مَجَازٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ فَعِنْدَهُ مَجَازٌ يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا لَغْوٌ لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَكْبَرَ مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةِ الْأَصْغَرِ اهـ.
وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ شَيْخِهِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْأَصْلَ اهـ.
لَكِنْ نَقَلَ سم عَنْ شَيْخِهِ الشِّهَابِ أَنَّهُ كَتَبَ بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ الْكَمَالِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَصْلَ ظَهِيرُ الدِّينِ الزَّنْجَانِيُّ فِي كِتَابِ تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ فَقَالَ مَسْأَلَةُ الْمَجَازِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله خَلَفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ فِي التَّكَلُّمِ اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَة لِمَا اعْتَذَرَ بِهِ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ فَهِمَ مِنْ مُوَافَقَتِهِمَا فِي الْفَرْعِ مُوَافَقَتَهُمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ سم وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ النِّيَّةِ قَالَ وَعِبَارَةُ الْقَرَافِيِّ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ إنْ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَكَانَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هُنَاكَ مُسْتَحِيلًا بِالْمَجَازِ عِنْدَنَا لَاغٍ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْمُولٌ بِهِ مِثَالُهُ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ هَذَا ابْنِي وَأَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَنَا لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَصْلُحُ مَجَازًا إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَيُلْغَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْتِقُ اهـ.
قَالَ سم أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ وَأَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ مَعَ قَوْلِهِ لَمْ يَعْتَقْ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ مَعَ النِّيَّةِ اهـ.
وَاَلَّذِي رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ أَفَاضِلِ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ أَدْرَكْنَا عَصْرَهُمْ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ الْعَمَلُ بِالْقَرَائِنِ خِلَافًا لِمَا فِي الْقَرَافِيِّ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالِاسْتِحَالَةِ الِاسْتِحَالَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَوْ الْعَادِيَةُ لَا الشَّرْعِيَّةُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْعِتْقِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ فِيهِ اعْتِمَادَ الْمَجَازِ مَعَ اسْتِحَالَةِ الْحَقِيقَةِ شَرْعًا (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ) لِكِبَرِ الْعَبْدِ وَصِغَرِ سِنِّ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ لَازِمٌ لِلْبُنُوَّةِ) فَتَكُونُ عَلَاقَةُ الْمَجَازِ الْمَلْزُومِيَّةَ أَوْ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِتْقِ لَا يُقَالُ هَذَا ابْنِي مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وَلَيْسَ بِاسْتِعَارَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَيْ هَذَا كَابْنِي وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا أَوْرَدَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ زَيْدٌ أَسَدٌ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَالُ نَاطِقَةٌ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ ابْنِي مَعْنَاهُ مَوْلُودٌ لِي وَمَخْلُوقٌ مِنْ مَائِي فَيَكُونُ مُشْتَقًّا مِثْلُ الْحَالُ نَاطِقَةٌ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَصْحِيحِهِ) أَيْ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ مَثَلًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ آحَادِ النَّاسِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ عَدَمُ الِاعْتِمَادِ دَائِمًا وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ قَوْلَهُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَخْ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22]{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فَإِنَّ الْمَجَازَ بِالنُّقْصَانِ اعْتَمَدَ فِيهِ لِضَرُورَةِ الصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فِي كَلَامِ الصَّادِقِ إلَى اعْتِمَادِهِ وَإِنْ آلَ الْأَمْرُ مَعَهُ إلَى الْحَقِيقَةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى سَبِيلِ الْكُلِّيَّةِ لَا فِي الْجُمْلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ)
لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فِيهِ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ اسْتِصْحَابًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ أَوَّلًا مِثَالُهُمَا رَأَيْت الْيَوْمَ أَسَدًا وَصَلَّيْت أَيْ حَيَوَانًا مُفْتَرِسًا وَدَعَوْت بِخَيْرٍ أَيْ سَلَامَةٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ الرَّجُلَ الشُّجَاعَ وَالصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ (وَ) الْمَجَازُ وَالنَّقْلُ (أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ) فَإِذَا احْتَمَلَ لَفْظٌ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى أَنْ يَكُونَ فِي آخَرَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً وَمَنْقُولًا فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ الْمَنْقُولِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُؤَدِّي إلَى الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَغْلَبِ أَوْلَى وَالْمَنْقُولُ لِإِفْرَادِ مَدْلُولِهِ قَبْلَ النَّقْلِ وَبَعْدَهُ لَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْمُشْتَرَكُ لِتَعَدُّدِ مَدْلُولِهِ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُعَيِّنُ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا إلَّا إذَا قِيلَ
ــ
[حاشية العطار]
إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَصُورَةِ الِاسْتِحَالَةِ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ هُنَا مُمْكِنُ الثُّبُوتِ وَهُنَاكَ مُسْتَحِيلُهُ اهـ. نَاصِرٌ
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَأَمَّا قَرِينَةُ الْمُشْتَرَكِ فَلِتَعَارُضِ الْمَعَانِي.
(قَوْلُهُ: وَصَلَّيْتُ) أَيْ إذَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ فَلَا يُقَالُ إنْ أَرَادَ الْحَمْلَ فِي نَحْوِ هَذَا الْمِثَالِ بِالنِّسْبَةِ لِعُرْفِ اللُّغَةِ كَانَ مِنْ قَبِيلِ احْتِمَالِ اللَّفْظِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ وَالْمَجَازِيَّ لَا الْمَنْقُولَ عَنْهُ وَالْمَنْقُولَ إلَيْهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّسْبَةِ لِعُرْفِ الشَّرْعِ خَالَفَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي ثُمَّ هُوَ أَيْ اللَّفْظُ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الْمُخَاطَبِ فَفِي خِطَابِ الشَّرْعِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ عُرْفُهُ ثُمَّ اللُّغَوِيِّ إلَخْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَنَّ مَا لَهُ مَعَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مَعْنًى عُرْفِيٌّ عَامٌّ أَوْ مَعْنًى لُغَوِيٌّ أَوْ هُمَا يُحْمَلُ أَوَّلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: أَيْ سَلَامَةٍ مِنْهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صَلَّيْتُ جُزْءٌ مِنْ الْمِثَالِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ مِثَالًا مُشْتَمِلًا عَلَى شَيْئَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ الْمُتَبَادَرُ أَنَّ كُلًّا مِثَالٌ مُسْتَقِلٌّ (قَوْلُهُ: وَالْمَجَازُ وَالنَّقْلُ إلَخْ) تُفِيدُ أَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَيَيْهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَالْمَنْقُولِ إلَيْهِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ وَإِنْ كَانَ لَفْظًا وَاحِدًا مُتَعَدِّدَ الْمَعْنَى وَالْوَضْعِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ التَّفْتَازَانِيِّ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ.
قَالَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَيْ إنْ كَانَ مَعْنَى الِاسْمِ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ وَضْعُهُ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ عَلَى السَّوِيَّةِ بِأَنْ وُضِعَ لِهَذَا كَمَا وُضِعَ لِذَاكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ النَّقْلُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ سُمِّيَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْمَعَانِي مُشْتَرَكًا وَإِلَى أَحَدِهِمَا مُجْمَلًا كَالْعَيْنِ لِلْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَالذَّهَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَضْعُهُ لِلْمَعَانِي عَلَى السَّوِيَّةِ بَلْ وُضِعَ أَوَّلًا لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْآخَرِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِمَّا أَنْ يُتْرَكَ وَيَهْجُرَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ حَقِيقَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ أَوْ لَا فَإِنْ تُرِكَ سُمِّيَ مَنْقُولًا وَيُنْسَبُ إلَى النَّاقِلِ وَإِنْ لَمْ يُتْرَكْ فَحَالُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي نُقِلَ إلَيْهِ يُسَمَّى مَجَازًا اهـ.
وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ تَعَدُّدَ الْمَعْنَى فِي الْمَنْقُول بِالنِّسْبَةِ إلَى وَاضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا وَضَعَهُ لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ وَالْآخَرُ وَضَعَهُ لِلْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَاتَّضَحَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمَنْقُولُ لِإِفْرَادِ مَدْلُولِهِ إلَخْ وَفِي زِيَادَةِ قَيْدٍ تَعَدَّدْ الْوَضْعِ فِي الْمُشْتَرَكِ نِزَاعٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَذَكَرْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِيمَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى ذَلِكَ الشَّرْحِ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا احْتَمَلَ لَفْظٌ) هُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَعْنَى أَيْ بِلَا تَرَدُّدِ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنًى آخَرَ حَقِيقَةً أَيْ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى الْآخَرِ وَمَجَازًا أَيْ وَأَنْ يَكُونَ مَجَازًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْأَوَّلِ مَجَازًا فِي الْآخَرِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ أَوْ حَقِيقَةً وَمَنْقُولًا وَإِنَّمَا عُطِفَ قَوْلُهُ وَمَجَازًا وَمَنْقُولًا بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ مُتَعَدِّدٍ بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَلِذَا أَتَى فِيهِ بِأَوْ هُنَا بِلَفْظٍ وَفِيمَا سَبَقَ بِاللَّفْظِ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي الْأُولَى تَحَقَّقَتْ لَهُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازِيَّةُ وَالِاحْتِمَالُ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ مَجَازًا فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَفِي الثَّانِيَةِ تَحَقَّقَتْ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْآخَرِ بِهِ وَالِاحْتِمَالُ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ مَجَازًا أَوْ مَنْقُولًا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ) إنَّمَا لَمْ يُعَلَّلْ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ فِي الْوَضْعِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَصْلِ لَازِمَةٌ فِي الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: لِإِفْرَادِ مَدْلُولِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَصْدَرٌ أَيْ اتِّحَادُهُ وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ لَا يَمْتَنِعُ.
(قَوْلُهُ: لَا يَمْتَنِعُ) بَلْ يُعْمَلُ بِهِ اكْتِفَاءً بِعُرْفِ التَّخَاطُبِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى قَرِينَةٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ أَوْ مَعَانِيهِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قِيلَ إلَخْ) فَإِنَّ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِمَا لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ الْعَمَلُ بِالْمُشْتَرَكِ بِدُونِ قَرِينَةٍ فَلَا
بِحَمْلِهِ عَلَيْهِمَا وَمَا لَا يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَالْأَوَّلُ كَالنِّكَاحِ حَقِيقَةُ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ الْعَكْسُ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مُحْتَمِلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْآخَرِ وَالثَّانِي كَالزَّكَاةِ حَقِيقَةُ فِي النَّمَاءِ أَيْ الزِّيَادَةِ مُحْتَمِلٌ فِيمَا يُخْرَجُ مِنْ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَقِيقَةً أَيْضًا أَيْ لُغَوِيَّةً وَمَنْقُولًا شَرْعِيًّا:
(قِيلَ وَ) الْمَجَازُ وَالنَّقْلُ أَوْلَى (مِنْ الْإِضْمَارِ) فَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَجَازٌ وَإِضْمَارٌ أَوْ نَقْلٌ وَإِضْمَارٌ فَقِيلَ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ النَّقْلِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْإِضْمَارِ لِكَثْرَةِ الْمَجَازِ وَعَدَمِ احْتِيَاجِ النَّقْلِ إلَى قَرِينَةٍ وَقِيلَ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ لِأَنَّ قَرِينَتَهُ مُتَّصِلَةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ وَإِنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ الَّذِي يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ الْمَشْهُورِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ هَذَا ابْنِي أَيْ عَتِيقٌ تَعْبِيرًا عَنْ اللَّازِمِ بِالْمَلْزُومِ فَيُعْتَقُ أَوْ مِثْلُ ابْنِي فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَقُ وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَنَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .
فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ أَخْذَهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مَثَلًا فَإِذَا أُسْقِطَتْ صَحَّ الْبَيْعُ وَارْتَفَعَ الْإِثْمُ وَقَالَ غَيْرُهُ نُقعلَ الرِّبَا شَرْعًا إلَى الْعَقْدِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَإِنْ أُسْقِطَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَثَلًا وَالْإِثْمُ فِيهَا بَاقٍ
ــ
[حاشية العطار]
يَنْتَهِضُ الدَّلِيلُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَبِيلِ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُنْفَرِدُ أَغْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فَالْإِلْحَاقُ بِهِ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى ذَلِكَ وَلِذَا ذَكَرَهُ بِالْفَاءِ الْمُؤْذِنَةِ بِتَسَبُّبِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: مُحْتَمِلٌ لِلْحَقِيقَةِ) أَيْ عَلَى الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ وَالْمَجَازُ أَيْ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ بِاعْتِبَارِنَا وَإِلَّا فَكُلُّ قَائِلٍ جَازِمٌ بِمَا قَالَهُ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ النَّاصِرِ أَنَّ الْأَقْوَالَ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لَا تَدَّعِي الْقَطْعَ بَلْ الظَّنَّ وَالِاحْتِمَالُ قَائِمٌ مَعَهُ.
(قَوْلُهُ: فِي النَّمَاءِ) بِالْمَدِّ الزِّيَادَةُ وَبِالْقَصْرِ صِغَارُ النَّمْلِ.
(قَوْلُهُ: قِيلَ وَالْمَجَازُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَجَازُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَهُوَ التَّجَوُّزُ فِي اللَّفْظِ فَصَحَّ مُقَابَلَتُهُ بِالْإِضْمَارِ وَإِلَّا فَهُوَ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ احْتَمَلَ الْكَلَامُ إلَخْ) إنَّمَا عَبَّرَ هُنَا بِالْكَلَامِ دُونَ اللَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَعُمُّ الْمُفْرَدَ وَالْمُرَكَّبَ وَالْإِضْمَارُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمُرَكَّبِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ.
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ احْتِيَاجِ النَّقْلِ إلَى قَرِينَةٍ) أَيْ وَاحْتِيَاجُ الْإِضْمَارِ إلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَرِينَتَهُ مُتَّصِلَةٌ) لِأَنَّ الْإِضْمَارَ هُوَ الْمُسَمَّى سَابِقًا بِالِاقْتِضَاءِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ قَرِينَتَهُ تَوَقُّفُ الصِّدْقِ أَوْ الصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَوْ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ وَتَوَقُّفُ صِدْقِ الْكَلَامِ وَصِحَّتُهُ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ وَذَلِكَ غَايَةُ الِاتِّصَالِ اهـ. نَاصِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سِيَّانِ) أَيْ وَاسْتِوَاؤُهُمَا لَا يُنَافِي تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِمُدْرَكٍ يَخُصُّهُ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْآتِي وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لَا يُنَافِي تَرْجِيحَ النَّقْلِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِمُدْرَكٍ يَخُصُّهُ قَالَ سم.
(قَوْلُهُ: لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا) إلَى قَرِينَةٍ يَعْنِي وَأَمَّا كَثْرَةُ الْمَجَازِ فَمُقَابَلَةٌ بِاتِّصَالِ قَرِينَةِ الْإِضْمَارِ وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ تَمَامُ الْعِلَّةِ اهـ. نَاصِرٌ.
(قَوْلُهُ: لِسَلَامَتِهِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى) وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبَلَاغَةِ بِخِلَافِ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ) أَيْ الْكَلَامُ الْمُحْتَمَلُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهِ مَجَازٌ وَإِضْمَارٌ.
(قَوْلُهُ: عَنْ اللَّازِمِ) وَهُوَ عَتِيقٌ بِالْمَلْزُومِ وَهُوَ ابْنِي إذْ بُنُوَّةُ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكِهِ تَسْتَلْزِمُ عِتْقَهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: أَوْ مِثْلُ ابْنِي) فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ.
(قَوْلُهُ: وَهُمَا وَجْهَانِ عِنْدَنَا) فَإِنْ قِيلَ الرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِ
(وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ.
فَإِذَا احْتَمَلَ الْكَلَامُ لَأَنْ يَكُونَ فِيهِ تَخْصِيصٌ وَمَجَازٌ أَوْ تَخْصِيصٌ وَنَقْلٌ فَحَمْلُهُ عَلَى التَّخْصِيصِ أَوْلَى أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ بِأَنْ يَتَعَدَّدَ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِسَلَامَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّقْلِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] .
فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مِمَّا لَمْ يُتَلَفَّظْ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ ذَبْحِهِ وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي لَهَا فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ تَعْبِيرًا عَنْ الذَّبْحِ بِمَا يُقَارِنُهُ غَالِبًا مِنْ التَّسْمِيَةِ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
فَقِيلَ هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ لِعَدَمِ حِلِّهِ وَقِيلَ نُقِلَ شَرْعًا إلَى الْمُسْتَجْمِعِ لِشُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ فَمَا شَكَّ فِي اسْتِجْمَاعِهِ لَهَا يَحِلُّ وَيَصِحُّ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ دُونَ الثَّانِي
ــ
[حاشية العطار]
الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةً بِاللَّازِمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ وَذَلِكَ تَرْجِيحٌ لِلْمَجَازِ عَلَى الْإِضْمَارِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّ تَرْجِيحَ الْمَجَازِ هُنَا لِخَارِجٍ وَهُوَ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهَذَا الْمَحَلِّ لَا يَطَّرِدُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ بِمُجَرَّدِ هَذَا ابْنِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِتْقِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُجْرَى فِي قَوْلِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ نُقِلَ الرِّبَا شَرْعًا إلَى الْعَقْدِ فَيَقِلُّ فِي تَرْجِيحِ النَّقْلِ عَلَى الْإِضْمَارِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ عَكْسُهُ رُجِّحَ لَا لِكَوْنِهِ نَقْلًا بَلْ لِمُرَجِّحٍ خَاصٍّ وَهُوَ تَنْظِيرُ الرِّبَا بِالْبَيْعِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا يُطَابِقُهُ بِحَمْلِ الرِّبَا فِيهِ عَلَى الْعَقْدِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا يَجْرِي فِي تَعَارُضِ التَّخْصِيصِ وَالْمَجَازِ الْآتِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] . اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَالتَّخْصِيصُ) أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ مِنْ الْعَامِّ.
(قَوْلُهُ: فَلِتَعَيُّنِ الْبَاقِي مِنْ الْعَامِّ إلَخْ) فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَامٌّ ثُمَّ أَخْرَجْنَا مِنْهُ بَعْضَ أَفْرَادِهِ بِدَلِيلٍ بَقِيَ الْبَاقِي مُتَعَيَّنُ الْإِرَادَةِ فَيُعْمَلُ بِهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَجَازِيِّ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَعَيَّنُ) إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَجَازِ مُصَاحَبَةُ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت بَحْرًا فِي الْحَمَّامِ احْتَمَلَ الرَّجُلَ الْكَرِيمَ وَالْعَالِمَ وَلَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ أَحَدَهُمَا فَإِنَّ الْقَرِينَةَ الْمَوْجُودَةَ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَقَطْ وَهِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ قَالَ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ الْقَرِينَةُ الَّتِي هِيَ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِ الْمَجَازِ وَيَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَيْهِ هِيَ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا الْمُعَيِّنَةُ الَّتِي بِهَا يَتَعَيَّنُ الْمَجَازِيُّ الْمُرَادُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ذِكْرُهُمَا مُحَسِّنًا لِلْكَلَامِ وَلِذَلِكَ اسْتَكْرَهَ الْبُلَغَاءُ الْمَجَازَ الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ قَرِينَةٌ مُعَيِّنَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُتَكَلِّمُ الْبَلِيغُ إذْهَابَ نَفْسِ السَّامِعِ إلَى كُلِّ مَعْنًى مَجَازِيٍّ مُمْكِنٍ فِي الْمَقَامِ وَتَشْوِيقَهَا إلَى التَّعْيِينِ فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ تَرْكُهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَعَدَّدَ) كَمَا إذَا قُلْت وَاَللَّهِ لَا أَشْتَرِي وَتُرِيدُ السَّوْمَ وَالشِّرَاءَ بِالْوَكِيلِ.
(قَوْلُهُ: فَلِسَلَامَةِ التَّخْصِيصِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى) لَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ نَسْخًا لِرَفْعِهِ الْحُكْمَ عَنْ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ نَسْخُ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ بِرُمَّتِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي التَّخْصِيصِ بِخِلَافِ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ: وَخُصَّ مِنْهُ النَّاسِي) أَيْ مَذْبُوحُ النَّاسِي.
(قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يُذْبَحْ) أَيْ ذَبْحًا شَرْعِيًّا.
(قَوْلُهُ: بِمَا يُقَارِنُهُ) فَهُوَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُجَاوَرَةُ وَلَمْ تُجْعَلْ الْعَلَاقَةُ اللَّازِمِيَّةَ وَالْمَلْزُومِيَّة لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الذَّبْحُ بِدُونِ التَّسْمِيَةِ وَالْأَنْسَبُ تَأْوِيلُ بَعْضِهِمْ بِمَا ذُكِرَ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ مِمَّا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا لِيُطَابِقَ قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَرُجِّحَ الْمَجَازُ هُنَا لِمَدْرَكٍ خَاصٍّ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ مُرَجَّحَةً فِي الْأُصُولِ أَنْ تَكُونَ مُرَجَّحَةً فِي الْفُرُوعِ.
(قَوْلُهُ: هُوَ الْمُبَادَلَةُ مُطْلَقًا) أَيْ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْبَيْعِ اسْتِغْرَاقِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: يَحِلُّ)
لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِجْمَاعِهِ لَهَا وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَوْلَوِيَّةِ التَّخْصِيصِ مِنْ الْمَجَازِ الْأَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمُسَاوِي لِلْإِضْمَارِ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَأَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَمَنْ ذَكَرَ الْمَجَازَ قَبْلَ النَّقْلِ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْهُ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَوَجْهُ الْأَخِيرِ سَلَامَةُ الْمَجَازِ مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِخِلَافِ النَّقْلِ.
وَقَدْ تَمَّ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةَ الْعَشَرَةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي تَعَارُضِ
ــ
[حاشية العطار]
لِأَنَّهُ شَكَّ فِي الْمَانِعِ وَالْمُرَادُ بِالْحِلِّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَبِالصِّحَّةِ عَدَمُ الْفَسَادِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فَسَادِهِ) أَيْ الْمُقْتَضِي لِإِخْرَاجِهِ أَيْ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اسْتِجْمَاعِهِ) فِيهِ أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِجْمَاعِ هُوَ الْفَسَادُ فَيُنَاقِضُ قَوْلَهُ عَدَمُ فَسَادِهِ كَذَا لِلنَّاصِرِ وَالشِّهَابِ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْقَائِلَ مُخْتَلِفٌ وَلَوْ حُكْمًا فَإِنَّ قَوْلَيْ التَّنَاقُضِ بِاعْتِبَارِ رَأْيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ شَرْطَ الدَّلِيلِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عِنْدَ الْخَصْمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاسْتِدْلَال بِمَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ بِعِلَّةِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ قَالَ النَّاصِرُ وَلَوْ قَالَ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَفْرَادِهِ أَخْرَجَ مِنْهَا الْفَاسِدَ أَيْ الْمَحْكُومَ بِفَسَادِهِ فَمَا شَكَّ فِي فَسَادِهِ بَاقٍ عَلَى عَدَمِ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ لَأَجَادَ وَيَتَحَصَّلُ هَذَا الْمَعْنَى بِأَنْ يَسْتَبْدِلَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِعَدَمِ الْإِخْرَاجِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَسَادِ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ وَالشَّارِحِ فَإِنَّ مُسَاوَاةَ الْمَجَازِ لِلْإِضْمَارِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّارِحِ فَبَعْدَ أَنْ تَمَّمَ الْكَلَامَ عَلَى السِّتَّةِ أَخَذَ فِي بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَوْلَوِيَّةِ التَّخْصِيصِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي تَمْشِيَتِهِ عَلَى قَانُونِ الْعَرَبِيَّةِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِتْيَانِ بِمِنْ الْجَارَّةِ لِلْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ مِنْ الْمَجَازِ وَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ وَيُؤْخَذُ كَوْنُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ أَوْلَى إلَخْ.
(قَوْلُهُ: الْمُسَاوِي) أَيْ الْمَجَازُ فَهُوَ صِفَةٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْمُسَاوِي بِالْوَاوِ وَهِيَ أَوْلَى لِإِيهَامِ الْأُولَى رُجُوعَ الْمُسَاوِي لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ مَعَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمَجَازِ وَالثَّانِيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: أَوْلَى) لِأَنَّ الْأَوْلَى مِنْ الْأَوْلَى مِنْ الْمُسَاوِي أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى لِمُسَاوَاةِ الْإِضْمَارِ لِلْمَجَازِ) الْأَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ ذِكْرِ الْمَجَازِ) أَيْ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذِكْرِ الْمَجَازِ إلَخْ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفُ الْمَجَازَ قَبْلَ النَّقْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَوْلَوِيَّةِ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْهَا ذَلِكَ بِأَنْ يُصَرِّحَ بِأَوْلَوِيَّةِ الْإِضْمَارِ الْمُسَاوِي لِلْمَجَازِ عَلَى النَّقْلِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْأَخِيرِ) أَيْ أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَمَّ بِهَذِهِ الْأَرْبَعَةِ) وَهِيَ تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالْإِضْمَارِ تَعَارُضُ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ وَقَوْلُهُ الْعَشَرَةُ فَاعِلُ تَمَّ وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَعْنِي الْمَجَازَ وَالنَّقْلَ وَالِاشْتِرَاكَ وَالْإِضْمَارَ وَالتَّخْصِيصَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُؤْخَذُ مَعَ مَا بَعْدَهُ فَتَبْلُغُ عَشْرَةً.
وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:
تَجَوُّزُ ثُمَّ إضْمَارٌ وَبَعْدَهُمَا
…
نَقْلٌ تَلَاهُ اشْتَرَاك فَهُوَ يَخْلُفُهُ
وَأَرْجَحُ الْكُلِّ تَخْصِيصٌ وَآخِرُهَا
…
نَسْخٌ فَمَا بَعْدَهُ قَسَمٌ يَخْلُفُهُ
قَالَ النَّاصِرُ إنْ قُلْت هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا يَشْتَمِلُ عَلَى سِتَّةٍ اثْنَانِ فِي قَوْلِهِ وَالْمَجَازُ وَالنَّقْلُ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَاثْنَانِ فِي قَوْلِهِ قِيلَ وَمِنْ الْإِضْمَارِ عَلَى مَا بَيَّنَ أَنَّهُ مُرَادُهُ وَاثْنَانِ فِي قَوْلِهِ وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنْهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَالْمَجَازُ وَالنَّقْلُ خِلَافُ الْأَصْلِ يَشْتَمِلُ عَلَى اثْنَيْنِ أَيْضًا فَمَا بَالُ الشَّارِحِ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِمَا
مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ مِثَالُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَقَالَ الْحَنَفِيُّ أَيْ مَا وَطْؤُهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ مَزْنِيَّةُ أَبِيهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْ مَا عَقَدُوا عَلَيْهِ فَلَا تَحْرُمُ وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ الِاشْتِرَاكُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ نَحْوُ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] وَيَلْزَمُ الثَّانِي التَّخْصِيصُ حَيْثُ قَالَ تَحِلُّ لِلرَّجُلِ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهُ فَاسِدًا بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْعَقْدِ لِلْفَاسِدِ كَالصَّحِيحِ.
وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الِانْكِفَافُ عَنْ الْقَتْلِ فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا أَوْ فِي الْقِصَاصِ نَفْسِهِ حَيَاةٌ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ الْمُقْتَصِّينَ بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ الَّذِي صَارَ عَدُوًّا لَهُمْ فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُخْتَصًّا بِهِمْ وَمِثَالُ الثَّالِثِ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا وَقِيلَ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَهْلِ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوُ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يونس: 98] وَمِثَالُ الرَّابِعِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] أَيْ الْعِبَادَةَ الْمَخْصُوصَةَ فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ
ــ
[حاشية العطار]
قُلْت لِأَنَّ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي التَّعَارُضِ هِيَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ.
وَأَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خِلَافِهَا مِنْ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ إذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَصْلٍ وَغَيْرِ أَصْلٍ (قَوْلُهُ: مَا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ لَا الظَّنِّ وَلَهُمْ خَمْسَةٌ أُخْرَى تُخِلُّ بِالْفَهْمِ وَهِيَ النَّسْخُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَتَغَيُّرُ الْإِعْرَابِ وَالتَّصْرِيفِ وَالْمُعَارِضُ الْعَقْلِيُّ وَاقْتَصَرَ كَالْمُصَنِّفِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَلِقُوَّةِ الظَّنِّ مَعَ انْتِفَائِهَا (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَأْخُوذَةِ وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ) كَمَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا ثَبَتَ) أَيْ فِي اللُّغَةِ.
(قَوْلُهُ: لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ) وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازُ الْمَشْهُورُ خِلَافُ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: نَحْوُ حَتَّى تَنْكِحَ) هِيَ وَمَا بَعْدُ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِيهَا الْعَقْدُ وَالْوَطْءُ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَارِجٍ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الثَّانِي) أَيْ الشَّافِعِيُّ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى تَنَاوُلِ الْعَقْدِ) هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ وَإِنْ أَوْهَمَتْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ خِلَافَ ذَلِكَ وَالتَّحْقِيقُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ مَوْضُوعَةٌ لِمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ) فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّخْصِيصِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الثَّانِي) أَيْ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ الْإِضْمَارِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ) أَيْ فَيَكُونُ مِنْ الْإِضْمَارِ.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا) أَيْ فِي لَكُمْ لِلْقَاتِلِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْقِصَاصِ) أَيْ فَيَكُونُ تَخْصِيصًا.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْخِطَابُ مُخْتَصًّا بِهِمْ) أَيْ فَيَلْزَمُ التَّخْصِيصُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّخْصِيصِ فِي الْخِطَابِ التَّخْصِيصُ فِي الْحُكْمِ الْعَامِّ فَإِنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّمْثِيلَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الثَّالِثِ) أَيْ أَنَّ الْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: كَالْأَبْنِيَةِ) أَيْ كَمَا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْأَبْنِيَةِ فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ.
(قَوْلُهُ: لِهَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ هُوَ هَذِهِ الْآيَةُ وَغَيْرُهَا وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ بَلْ تَحْتَمِلُ الْإِضْمَارَ وَقَوْلُهُ {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ} [يونس: 98] حَيْثُ أُسْنِدَ الْإِيمَانُ إلَى ضَمِيرِ الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ الرَّابِعِ) أَيْ أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ.
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ) يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْكَانِ مَجَازٌ
فِيهَا عَنْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ نُقِلَتْ إلَيْهَا شَرْعًا.
(وَقَدْ يَكُونُ) الْمَجَازُ مِنْ حَيْثُ الْعَلَاقَةُ (بِالشَّكْلِ) كَالْفَرَسِ لِصُورَتِهِ الْمَنْقُوشَةِ
ــ
[حاشية العطار]
مَعَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ كَمَا مَرَّ هَلْ نُقِلَتْ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ يُوضَعُ ثَانٍ مُسْتَقِلٌّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ الْتَفَتَ لِمُجَرَّدِ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا رَاجِحًا أَوْ لَا
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ) قَدْ تَحْقِيقِيَّةٌ لَا تَقْلِيلِيَّةٌ لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ كَثِيرٌ.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْعَلَاقَةُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ بِاعْتِبَارِهَا وَهِيَ شَرْطٌ لِلْمَجَازِ وَالْعُمْدَةُ فِي ضَبْطِهَا الِاسْتِقْرَاءُ وَالْمَشْهُورُ بُلُوغُهَا إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ نَوْعًا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ عَلَاقَاتِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ بِلَا خِلَافٍ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَوْعًا.
وَقِيلَ تَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِرُجُوعِ الْأَخِيرِ مِنْهَا إلَى الثَّالِثِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ بَلَغَتْ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ تَرْجِعُ إلَى عَلَاقَتَيْنِ عَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَعَلَاقَةِ اللُّزُومِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِهِمَا الدَّلَالَةُ التَّضَمُّنِيَّةُ وَالدَّلَالَةُ الِالْتِزَامِيَّةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّزُومَ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْ الْعَقْلِيِّ وَالْعَادِيِّ بَلْ هُوَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُلَابَسَةِ فِي الْجُمْلَةِ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ الْقَوْمُ أَنَّ الْمَجَازَ لَهُ وَضْعٌ نَوْعِيٌّ لِمَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ مُطَابِقِيَّةً وَضْعِيَّةً لَا تَضَمُّنِيَّةً وَلَا الْتِزَامِيَّةً قُلْت مَجَازِيَّةُ كُلِّ مَجَازٍ حَالَةٌ تَسَبُّبِيَّةٌ إضَافِيَّةٌ إنَّمَا تَتَحَصَّلُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ وَإِلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا الْوَضْعُ الثَّانِي فَلَيْسَ اعْتِبَارُهُ إلَّا لَأَنْ يُقَرِّرَ هَذِهِ الْحَالَةَ الْمَجَازِيَّةَ لَا لَأَنْ يَجْعَلَهُ حَقِيقَةً فَمَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ عَلَاقَةٌ تُصَحِّحُ الدَّلَالَةَ التَّضَمُّنِيَّةَ أَوْ الِالْتِزَامِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ تَعَيُّنُهُ لِلْمَجَازِيَّةِ فَمَبْنَى الْمَجَازِيَّةِ عَلَى الْوَضْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: بِالشَّكْلِ) أَيْ بِالْمُشَابَهَةِ فِيهِ لَا أَنَّهَا نَفْسُ الشَّكْلِ فَهُوَ مَجَازُ
(أَوْ صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ) كَالْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ دُونَ الرَّجُلِ الْأَبْخَرِ لِظُهُورِ الشَّجَاعَةِ دُونَ الْبَخَرِ فِي الْأَسَدِ الْمُفْتَرِسِ (أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (قَطْعًا) نَحْوُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ} [الزمر: 30](أَوْ ظَنًّا) كَالْخَمْرِ لِلْعَصِيرِ (لَا احْتِمَالًا) كَالْحُرِّ لِلْعَبْدِ فَلَا يَجُوزُ أَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ كَالْعَبْدِ لِمَنْ عَتَقَ فَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاشْتِقَاقِ (وَبِالضِّدِّ) كَالْمَفَازَةِ لِلْبَرِيَّةِ الْمُهْلِكَةِ (وَالْمُجَاوَرَةِ)
ــ
[حاشية العطار]
اسْتِعَارَةٍ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يُخَصُّ هَذَا النَّوْعُ بِاسْمِ الِاسْتِعَارَةِ عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ وَبِمَجَازِ الْمُشَابَهَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ صِفَةٍ ظَاهِرَةٍ) فِيهِ تَسَمُّحٌ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ هِيَ الْمُشَابَهَةُ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ بِظُهُورِهَا ظُهُورُ آثَارِهَا لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ مِنْ قَبِيلِ الْمَلَكَاتِ ثُمَّ إنَّ قَضِيَّةَ عَطْفِهَا عَلَى الشَّكْلِ أَنَّهَا نَوْعٌ آخَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْمُشَابَهَةُ أَيْ الِاشْتِرَاكُ فِي صِفَةٍ وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ بِاعْتِبَارِ الشَّجَاعَةِ أَوْ مَحْسُوسَةً وَهِيَ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَنْقُوشِ عَلَى الْجِدَارِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالشَّكْلِ فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الشَّكْلِ مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ فِي الصِّفَةِ الظَّاهِرَةِ (قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِالشَّجَاعَةِ مُطْلَقُ الْجَرَاءَةِ لَا الْمَلَكَةُ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَى الْإِقْدَامِ فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْعَاقِلِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْكَوْنِ وَهُوَ الْأَيْلُولَةُ فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ وَلَيْسَتْ وَاقِعَةً عَلَى مَعْنًى فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي سَيَقَعُ لَيْسَ هُوَ الْعَلَاقَةُ بَلْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ظَنًّا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الشَّأْنِ وَالْعَادَةِ لَا بِاعْتِبَارِ ظَنِّ الْمُسْتَعْمِلِ فَلَا يُقَالُ قَدْ يُحَرِّمُ مَالِكُ الْعَصِيرِ بِشُرْبِهِ عَصِيرًا فَأَيْنَ الظَّنُّ وَكَذَا قَوْلُهُ لَا احْتِمَالًا فَلَا يُقَالُ إنَّهُ قَدْ يُظَنُّ عِتْقُ الْعَبْدِ لِنَحْوِ وَعْدٍ مِنْ السَّيِّدِ.
(قَوْلُهُ: فَتَقَدَّمَ) أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ تَقَدُّمَ أَنَّ الْمُشْتَقَّ يَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى الذَّاتِ حَالَةَ الِاتِّصَافِ حَقِيقَةٌ وَبَعْدَهَا مَجَازٌ.
(قَوْلُهُ: وَبِالضِّدِّ) أَيْ بِضِدِّيَّةِ الضِّدِّ لِأَنَّ الضِّدِّيَّةَ هِيَ الْعَلَاقَةُ لَا الضِّدُّ لِأَنَّهُ ذَاتٌ لَا عَلَاقَةَ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ الْبَاءَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا لَا احْتِمَالًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ ضِدٍّ يُسْتَعْمَلُ فِي ضِدِّهِ وَهُوَ مُقْتَضَى الِاكْتِفَاءِ بِسَمَاعِ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ.
وَفِي التَّلْوِيحِ وَالرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ أَنَّ أَهْلَ التَّحْقِيقِ عَلَى رُجُوعِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْعَلَاقَةِ إلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الصِّفَةِ أَعْنِي إلَى عَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فَتَكُونُ مُخْتَصَّةً بِالِاسْتِعَارَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ يَسْتَعْمِلُ اسْمَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ فِي الْآخَرِ يُنَزِّلُ التَّضَادَّ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ تَهَكُّمًا وَاسْتِهْزَاءً أَوْ مُطَايَبَةً وَاسْتِمْلَاحًا أَوْ مُشَاكَلَةً فَيُشَبِّهُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ التَّضَادِّ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ وَيَسْتَعِيرُ لَفْظَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَيَقُولُ رَأَيْت أَسَدًا وَيُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا وَرَأَيْت كَافُورًا وَيُرِيدُ زِنْجِيًّا وَكَمَا فِي إطْلَاقِ السَّيِّئَةِ عَلَى جَزَاءِ السَّيِّئَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُجَاوَرَةِ) أَيْ الْمُجَاوِرِيَّةِ فَلَا يُقَالُ إنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُفَاعَلَةٌ فَيَقْتَضِي اعْتِبَارَ الْعَلَاقَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ قَالَ سم لَمْ أَرَ لَهَا ضَابِطًا وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهَا صِحَّةُ التَّجَوُّزِ بِإِطْلَاقِ نَحْوِ الْأَرْضِ عَلَى النَّابِتِ فِيهَا مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ
كَالرَّاوِيَةِ لِظَرْفِ الْمَاءِ الْمَعْرُوفِ تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ مَا يَحْمِلُهُ مِنْ جَمَلٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ (وَالزِّيَادَةِ) نَحْوُ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فَالْكَافُ زَائِدَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ بِمَعْنَى مِثْلِ فَيَكُونُ لَهُ تَعَالَى مِثْلٌ وَهُوَ مُحَالٌ.
وَالْقَصْدُ بِهَذَا الْكَلَامِ نَفْيُهُ (وَالنُّقْصَانِ) نَحْوُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا فَقَدْ تَجَوَّزَ أَيْ تَوَسَّعَ
ــ
[حاشية العطار]
وَلَفْظُ الشَّفَةِ عَلَى الْأَسْنَانِ وَلَفْظُ السَّقْفِ عَلَى الْجِدَارِ بَلْ وَلَفْظُ الْمَسْجِدِ عَلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ نَحْوِ الدُّورِ وَبِالْعَكْسِ وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ عَنْ غَرَابَةٍ وَبُعْدٍ اهـ.
وَفِي التَّلْوِيحِ الْمُرَادُ بِالْمُجَاوَرَةِ مَا يَعُمُّ كَوْنَ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ الْحُلُولِ وَكَوْنِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَكَوْنُهُمَا مُتَلَازِمَيْنِ فِي الْوُجُودِ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ الْخَيَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ عَلَاقَةَ الْمُجَاوَرَةِ تَعُمُّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهَا قَسِيمًا لَهَا اهـ.
وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِعَلَاقَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى مَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اهـ. وَمِنْ قَبِيلِ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْخَيَالِ عَلَاقَةُ الْمُشَاكَلَةِ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْمُولَةِ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصُّحْبَةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْعَلَاقَةَ فِي الْمُشَاكَلَةِ هِيَ الصُّحْبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ أَوْ التَّقْدِيرِيَّةُ مُصَاحَبَتُهُ مَدْلُولَيْ اللَّفْظَيْنِ وَمَرْجِعُهُمَا إلَى مُجَاوَرَتِهِمَا فِي الْخَيَالِ نَحْوُ قَوْلِهِ
قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ
…
قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا
وَلِدُخُولِ الْمُشَاكَلَةِ فِي النَّوْعِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَذْكُرُوهَا مُسْتَقِلَّةً (قَوْلُهُ: كَالرِّوَايَةِ) عَدَلَ عَنْ الْمِثَالِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ إطْلَاقُ الْغَائِطِ عَلَى الْفَضْلَةِ لِمَا قَالَ الْعِصَامُ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ أَنَّ الْعَلَاقَةَ فِيهِ تُؤَوَّلُ إلَى الْحَالِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ مُشَارَكَةُ الْأَمْرَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذِهِ الْمُشَارَكَةُ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بَلْ الْعَلَاقَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهَا هِيَ الْمُلَابَسَةُ بَيْنَ الْحَالِ وَالْمَحَلِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهِيَ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً لَمْ يَسْتَقِمْ الْمَعْنَى لِأَنَّهَا بِمَعْنًى مِثْلُ إلَخْ فَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ وَمَا ذُكِرَ بَعْدُ إلَّا فَهُوَ دَلِيلُهُ.
قَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي الْقَرْيَةِ قُدْرَةَ الْكَلَامِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِذَلِكَ النَّبِيِّ وَيَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَا يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ اهـ.
وَأَقُولُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ هُنَا مُسْتَحِيلٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ وُجُوهِ الْعُدُولِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ اسْتِحَالَةُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَاحْتِمَالُ الْمَجَازِ قَوِيٌّ بَلْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ اللَّيْثِيِّ عَلَى الْمُطَوَّلِ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَقْصُودَ السُّؤَالُ لِطَلَبِ الْجَوَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِذَوِي الْعُقُولِ.
وَأَمَّا خَلْقُ اللَّهِ فِي الْجَمَادِ الشُّعُورَ وَالتَّكَلُّمَ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ خَرْقِ الْعَادَةِ إظْهَارًا لِلْمُعْجِزَةِ أَوْ لِلْكَرَامَةِ وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَأَمَّا السُّؤَالُ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ وَاعِظًا وَمُذَكِّرًا أَوْ لِنَفْسِهِ مُتَّعِظًا وَمُعْتَبِرًا اسْأَلْ الْقَرْيَةَ عَنْ أَهْلِهَا فَلَيْسَ لِطَلَبِ الْجَوَابِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَالْكَافُ زَائِدَةٌ) لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْمِثْلِ وَقِيلَ الْكَافُ بِمَعْنَى الْمِثْلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِ الذَّاتُ وَقِيلَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ عَلَى حَدِّ مِثْلُك لَا يَبْخَلُ أَيْ إذَا كَانَ مِثْلُهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَأَوْلَى هُوَ وَقِيلَ إنَّهُ عَلَى حَدِّ لَيْسَ لِأَخِي زَيْدٍ أَخٌ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ الْأَخِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ لَكَانَ أَخًا لِأَخِيهِ فَلَوْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ لَكَانَ هُوَ مِثْلًا لِذَلِكَ الْمِثْلِ فَإِذَا انْتَفَى مِثْلُ الْمِثْلِ انْتَفَى الْمِثْلُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهِيَ بِمَعْنَى مِثْلُ) أَيْ وَإِلَّا تَكُنْ زَائِدَةً فَهِيَ بِمَعْنَى الْمِثْلِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْمِثْلِ لَهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: نَفْيُهُ) أَيْ نَفْيُ الْمِثْلِ.
(قَوْلُهُ: فَقَدْ تَجَوَّزَ أَيْ تَوَسَّعَ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ
وَإِنْ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى ذَلِكَ حَدُّ الْمَجَازِ السَّابِقُ.
وَقِيلَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ نَفْيَ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي نَفْيِ الْمِثْلِ وَسُؤَالَ الْقَرْيَةِ فِي سُؤَالِ أَهْلِهَا
ــ
[حاشية العطار]
عَدَّهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْمَجَازِ الْمُعَرَّفِ بِالتَّعْرِيفِ السَّابِقِ تَسَمُّحٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ إنَّ لَفْظَ الْمَجَازِ مَقُولٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْمَجَازِ الْمُعَرَّفِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ التَّشَابُهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمِفْتَاحِ، وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ لِلْمَجَازِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى لَا لِلْمَجَازِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْإِعْرَابِ أَوْ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ حُكْمِ إعْرَابِهِ لَا يُقَالُ اللَّفْظُ الزَّائِدُ مُسْتَعْمَلٌ لَا لِلْمَعْنَى فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إنَّمَا وُضِعَ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنًى لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ لَا لِمَعْنًى بَلْ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِمَعْنًى وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِزِيَادَةِ كَلِمَةٍ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَوْ السَّبَبِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَجَعْلُهُ مِنْ الْعَلَاقَاتِ تَسَمُّحٌ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ رَابِطَةً بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ حَقِيقِيٍّ وَمَجَازِيٍّ وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ هَذَا وَلَوْ جَعَلَ الْقَرِينَةَ مَجَازًا عَنْ الْأَهْلِ بِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ لَمْ يَحْتَجْ لِتَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمُضَافِ كَمَا لَوْ جُعِلَتْ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجُدْرَانِ وَالْأَهْلِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ مُنَجِّمٌ بَاشَا فِي حَوَاشِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّهُمْ بِأَيِّ مَانِعٍ تَرَكُوا إرْجَاعَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ إلَى عَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ الْقَرْيَةَ مَثَلًا لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلْجُزْءِ وَهُوَ مَعْنَى الْقَرْيَةِ أَيْ الْجُدْرَانِ وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْكُلِّ أَيْ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُرَكَّبِ مِنْ مَعْنَى الْأَهْلِ وَالْقَرْيَةِ بِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ مَعَ قَرِينَةِ السُّؤَالِ وَبِعَكْسِ ذَلِكَ فَنَقُولُ إنَّ كَمَثَلِ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ أَيْ لِمَجْمُوعِ مَعْنَى الْكَافِ وَالْمِثْلِ وَاسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي جُزْئِهِ وَهُوَ مَعْنَى الْمِثْلِ فَقَطْ بِالْعَلَاقَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ قَرِينَةِ فَقْدِ الْمِثْلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ) هَذَا مَا قَرَّرَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ قَالَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ يَعْنِي الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَرْيَةَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي أَهْلِهَا مَجَازًا وَلَمْ يُرِيدُوا بِقَوْلِهِمْ إنَّهَا مَجَازٌ بِالنُّقْصَانِ أَنَّ الْأَهْلَ مُضْمَرٌ هُنَاكَ مُقَدَّرٌ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّ الْإِضْمَارَ يُقَابِلُ الْمَجَازَ عِنْدَهُمْ بَلْ أَرَادُوا أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فَلَمَّا حُذِفَتْ الْأَصْلُ اسْتَعْمَلَ الْقَرْيَةَ مَجَازًا فَهِيَ مَجَازٌ بِالْمَعْنَى الْمُتَعَارَفِ وَسَبَبُهُ النُّقْصَانُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ كَمِثْلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمِثْلِ مَجَازًا وَسَبَبُ هَذَا الْمَجَازِ هُوَ الزِّيَادَةُ وَلَوْ قِيلَ لَيْسَ مِثْلُهُ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَجَازٌ اهـ. وَكَلَامُ مُنَجِّمٍ بَاشَا مَأْخُوذٌ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ اسْتَعْمَلَ إلَخْ) مُفَادُهُ أَنَّ الْمَجَازَ فِي الْكَلَامِ بِتَمَامِهِ لَا فِي لَفْظِ كَمِثْلِهِ وَالْأُولَى حَذْفُ نَفْيٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَجَازَ
وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ (وَالسَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ) نَحْوُ لِلْأَمِيرِ يَدٌ أَيْ قُدْرَةٌ فَهِيَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْيَدِ بِحُصُولِهَا بِهَا (وَالْكُلِّ لِلْبَعْضِ) نَحْوُ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ أَيْ أَنَامِلَهُمْ (وَالْمُتَعَلِّقِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (لِلْمُتَعَلَّقِ) بِفَتْحِهَا نَحْوُ {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11] أَيْ مَخْلُوقُهُ وَرَجُلٌ عَدْلٌ أَيْ عَادِلٌ (وَبِالْعُكُوسِ) أَيْ الْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ كَالْمَوْتِ لِلْمَرَضِ الشَّدِيدِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ لَهُ عَادَةً وَالْبَعْضِ لِكُلٍّ نَحْوُ فُلَانٌ يَمْلِكُ أَلْفَ رَأْسٍ مِنْ الْغَنَمِ
ــ
[حاشية العطار]
فِي اسْتِعْمَالِ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِ وَقَوْلُهُ وَسُؤَالُ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْأَوْلَى حَذْفُ سُؤَالٍ كَمَا عَلِمْت.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ) لِأَنَّ الْإِسْنَادَ فِيهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَى مَا هُوَ لَهُ وَهَذَا جَوَابُ اعْتِرَاضٍ عَلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ سم اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالسَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ) أَيْ السَّبَبِيَّةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْكُلِّ لِلْبَعْضِ أَيْ الْكُلِّيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ وَقِسْ الْبَاقِي فَفِي كَلَامِهِ تَسَمُّحٌ اتَّكَلَ فِيهِ عَلَى ظُهُورِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَالْمُرَادُ بِالسَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ هُنَا مَا هُوَ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لَا مَا هُوَ سَبَبٌ مَحْضٌ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ الْمُفْضِي إلَى الشَّيْءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ إذْ السَّبَبُ بِهَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ مُسَبَّبِهِ عَلَيْهِ مَجَازًا بِخِلَافِ السَّبَبِ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْآخَرُ مَجَازًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجِ الْمَعْلُولِ إلَيْهَا وَابْتِنَائِهِ عَلَيْهَا وَالْمَعْلُولُ الْمَقْصُودُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِيَّةِ وَالْغَائِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُولَةً لِلْفَاعِلِ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ فِي الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا فِي الذِّهْنِ عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَيْهَا وَلِهَذَا قَالُوا الْإِحْكَامُ عِلَلٌ مَآلِيَّةٌ وَالْأَسْبَابُ عِلَلٌ آلِيَّةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ احْتِيَاجَ النَّاسِ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ إلَى الْإِحْكَامِ دُونَ الْأَسْبَابِ قَالَهُ مُنَجِّمٌ بَاشَا.
(قَوْلُهُ: أَيْ قُدْرَةٌ) أَرَادَ بِهِ الِاقْتِدَارَ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الْقُدْرَةَ بِمَعْنَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّهَا لَا تَتَسَبَّبُ عَنْ الْيَدِ وَالنَّاصِرُ حَمَلَ الْقُدْرَةَ عَلَى الصِّفَةِ فَجَعَلَ التَّعْبِيرَ عَنْ آثَارِ الْقُدْرَةِ بِالْيَدِ مَجَازًا عَلَى مَجَازٍ حَيْثُ تَجَوَّزَ بِالْيَدِ عَنْ الْقُدْرَةِ وَبِالْقُدْرَةِ عَنْ آثَارِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ أَنَامِلَهُمْ) مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ أَيْ يَجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمْ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ فَلَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمْ إلَّا أُصْبُعٌ وَأُنْمُلَةٌ وَالْأُنْمُلَةُ بَعْضُ الْأَصَابِعِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا فَلَا يُقَالُ إنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَكُلُّ أُصْبُعٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَنَامِلَ مَا عَدَا الْإِبْهَامَ فَإِنَّ لَهُ أُنْمُلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي التَّشْرِيحِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَضْعَهَا كُلِّهَا وَهَاهُنَا فَائِدَةٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهِيَ أَنَّ الْكَلَامَ الْوَارِدَ لِأَمْرٍ خَطَابِيٍّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُطَابِقُ الْوَاقِعَ لَا يُقْصَدُ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ بَلْ هُوَ مَسْلُوبُ الدَّلَالَةِ عَنْهُ إلَى مَعْنًى يُنَاسِبُ الْمَقَامَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْكَشَّافِ عَلَى الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ النَّاسِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47] أَرَادَ أَنَّهُ مَسْلُوبُ الدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ فِي الْكَلَامِ لَا الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُلَاحَظُ لَا لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بَلْ لِلِانْتِقَالِ مِنْهُ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَبِذَلِكَ تَنْدَفِعُ الشُّكُوكُ وَالْأَوْهَامُ عَنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمُبَالَغَةِ لِأَمْرٍ خَطَابِيٍّ يُنَاسِبُ الْمَقَامَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19] فَإِنَّ مَا يُجْعَلُ فِي الْأُذُنِ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَذِكْرُ الْأَصَابِعِ مُبَالَغَةٌ فَلَا تَجُوزُ فِي لَفْظِ الْأَصَابِعِ وَإِلَّا لَفَاتَتْ الْمُبَالَغَةُ كَمَا تَفُوتُ إذَا كَانَ لَفْظُ الْعَدْلِ مَجَازًا عَنْ الْعَادِلِ فِي قَوْلِك رَجُلٌ عَادِلٌ
وَالْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا نَحْوُ {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] أَيْ الْفِتْنَةُ وَقُمْ قَائِمًا أَيْ قِيَامًا (وَمَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ) كَالْمُسْكِرِ لِلْخَمْرِ فِي الدَّنِّ
ــ
[حاشية العطار]
«وَكَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ» فِي قَوْلِهِ «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ» الْحَدِيثَ فَإِنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47] اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُتَعَلَّقِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مُطْلَقَ التَّعَلُّقِ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْعَلَاقَاتِ فَلَا يُعَدُّ عَلَاقَةً مُسْتَقِلَّةً فَإِنْ أُرِيدَ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ رَجَعَ لِغَيْرِهِ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ التَّعَلُّقُ الْمَعْهُودُ الْخَاصُّ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُشْتَقَّاتِ فَيَرْجِعُ إلَى عَلَاقَةِ اللُّزُومِ وَفَسَّرُوهُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَجِبُ عِنْدَ وُجُودِهِ وُجُودُ شَيْءٍ آخَرَ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ اللُّزُومِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْهِ الْمَجَازُ وَالْكِنَايَةُ مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَلِكَ اللُّزُومَ هُوَ لُزُومُ أَهْلِ الْمَعْقُولِ بِمَعْنَى امْتِنَاعِ الِانْفِكَاكِ فِي أَحَدِ الْوُجُودَيْنِ أَوْ فِي كِلَيْهِمَا كَمَا فِي لَوَازِمِ الْمَاهِيَّةِ بِخِلَافِ اللُّزُومِ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْمَجَازُ وَالْكِنَايَةُ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ صِحَّةِ الِانْتِقَالِ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ لُزُومُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ فَحِينَئِذٍ يَنْدَفِعُ الِاشْتِبَاهُ بَيْنَ اللُّزُومَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَالْبَعْضِ لِلْكُلِّ) لَيْسَ كُلُّ جُزْءٍ يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ اسْمُهُ عَلَى الْكُلِّ وَأَنَّ كُلَّ جُزْئِيَّةٍ تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ عَلَاقَةً مُعْتَبَرَةً بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْجُزْءُ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْكُلِّ غَالِبًا وَعُرْفًا مِثْلُ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ الْإِنْسَانُ عَلَى فَاقِدِ نَحْوِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ.
وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّقِيبِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ رَقِيبًا لَا يُوجَدُ بِدُونِهِ كَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ عَلَى التُّرْجُمَانِ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْغَالِبِ وَالْعُرْفِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْجُزْءِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْكُلِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةً لِأَنَّ أَيَّ جُزْءٍ كَانَ مَتَى زَالَ لَمْ يَبْقَ الْكُلُّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلٌّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ زَوَالِ ذَلِكَ الْجُزْءِ الزَّائِلِ بَلْ الْبَاقِي بَعْضُهُ الَّذِي هُوَ مَا عَدَا الْجُزْءَ الزَّائِلَ لَكِنَّ الْعُرْفَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ بِمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ آنِفًا وَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ غَالِبًا فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْعُرْفُ.
قَوْلُهُ {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} [القلم: 6] أَيْ الْفِتْنَةُ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَفْتُونِ لِكَوْنِهَا مِنْ أَوْصَافِهِ وَسَبَبًا عَادِيًّا فِي اتِّصَافِهِ بِكَوْنِهِ مَفْتُونًا وَالسِّرُّ فِيهِ الْمُبَالَغَةُ كَأَنَّهُ قَامَ بِالْمَفْتُونِ مَفْتُونٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَقُمْ قَائِمًا وَقِيلَ إنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ وَأَصْلُ الْكَلَامِ أَيُّكُمْ الْمَفْتُونُ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ قُلْنَا إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ قُمْ قَائِمًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا حَالًا مُؤَكَّدَةً أَيْ حَالَ كَوْنِكَ قَائِمًا فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَمَا بِالْفِعْلِ) أَيْ وَقَدْ يَكُونُ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ أَيْ الشَّيْءِ الْمُتَّصِفِ بِصِفَةٍ بِالْفِعْلِ عَنْ الشَّيْءِ الْمُتَّصِفِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِالْقُوَّةِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَبِالْعُكُوسِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِيهِ وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِالِاسْتِعْدَادِ قَالَ فِي الرِّسَالَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّصِفَ بِوَصْفٍ وَلَمْ يَتَّصِفْ بِهِ بَعْدُ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الِاسْتِعْدَادِ وَالْإِمْكَانِ اسْمُ الْمُتَّصِفِ بِهِ بِالْفِعْلِ اهـ.
قَالَ مُنَجِّمٌ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهَا وَأَوْرَدُوا مِثَالًا لَهُ الْمُسْكِرُ إذَا أُطْلِقَ عَلَى الْخَمْرِ الَّتِي أُرِيقَتْ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُسْكِرِ عَلَيْهَا مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ عَلَاقَةِ الْقُوَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْنَ عَلَاقَةِ الْأَوَّلِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ لِلْخَمْرِ الْمُرَاقَةِ الَّتِي هِيَ الْمُسَمَّى الْمَجَازِيُّ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْإِسْكَارِ فِي الزَّمَانِ اللَّاحِقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي وَجْهِ الضَّبْطِ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ اللَّفْظُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّصِفًا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي حَالِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَكَانَ حَقِيقَةً وَهَذَا خِلَافُ الْمَفْرُوضِ ثُمَّ إنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ أَيْ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْفِعْلِ فِي زَمَانٍ سَابِقٍ عَلَى زَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَيَكُونُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ فِي زَمَانٍ لَاحِقٍ بِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ يَتَّصِفُ بِهِ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ عَلَاقَةِ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِعْدَادِ كَمَا فِي إطْلَاقِ الْمُسْكِرِ عَلَى الْخَمْرِ الْمُرَاقَةِ فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَ الْعَلَاقَتَيْنِ أَعْنِي عَلَاقَةَ الْأَوَّلِ وَعَلَاقَةَ الْقُوَّةِ تَغَايُرٌ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَدْ اُعْتُبِرَ الِاتِّصَافُ بِالْفِعْلِ لَكِنْ لَا فِي زَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ بَلْ فِي زَمَانٍ لَاحِقٍ بِهِ وَفِي الثَّانِي اُعْتُبِرَ الِاتِّصَافُ بِالْقُوَّةِ دُونَ الْفِعْلِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ
(وَقَدْ يَكُونُ) الْمَجَازُ (فِي الْإِسْنَادِ) بِأَنْ يُسْنَدَ الشَّيْءُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2] أُسْنِدَتْ الزِّيَادَةُ وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ سَبَبًا لَهَا عَادَةً (خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي نَفْيِهِمْ الْمَجَازَ فِي الْإِسْنَادِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْمَجَازَ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْهُ
ــ
[حاشية العطار]
الزَّمَانُ أَصْلًا اهـ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ عَلَاقَةِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذِهِ الْعَلَاقَةِ أَعْنِي عَلَاقَةَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ هُوَ كَوْنُ الْمُسَمَّى الْمَجَازِيِّ مُتَّصِفًا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْفِعْلِ فِي زَمَانٍ لَاحِقٍ بِزَمَانِ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ لَا مُجَرَّدُ اسْتِعْدَادِهِ لِلِاتِّصَافِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي عَلَاقَةِ الْقُوَّةِ نَعَمْ قَدْ يَكْفِي فِيهِ تَقْدِيرُ الِاتِّصَافِ لَكِنْ هَذَا أَخَصُّ مِنْ الْقُوَّةِ هَذَا مَا حَرَّرَهُ مُحَقِّقُو الْقُوَّةِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ الشَّارِحَ لَوْ عَبَّرَ بِالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَسَلِمَ مِمَّا أُورِدَ عَلَى مِثَالِهِ أَنَّ هَذِهِ الْعَلَاقَةَ يُغْنِي عَنْهَا قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَاعْتِبَارُ مَا يَكُونُ إلَخْ وَأَنَّ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وسم بَعِيدٌ عَنْ مَرَامِ الْقَوْمِ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ فِيمَا نَقَلْنَاهُ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْإِسْنَادِ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِيَكُونُ عَلَى أَنَّهَا تَامَّةٌ أَوْ بِمَحْذُوفٍ خَبَرِهَا عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ أَيْ كَائِنًا فِي الْإِسْنَادِ أَيْ فِي عِدَادِهِ وَمِنْ أَفْرَادِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَجَازِ بِمَعْنَى التَّجَوُّزِ وَإِنْ كَانَ رِعَايَةُ الْمَعْنَى تَقْتَضِيهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَيَانًا لِلضَّمِيرِ وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُرَادُهُ بِالْمَجَازِ هُنَا مُطْلَقُهُ لَا مَا عَرَّفَهُ بِمَا مَرَّ اهـ.
وَالْمُطْلَقُ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِي غَيْرِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَلَا شَكَّ فِي تَنَاوُلِهِ الْقِسْمَيْنِ الْمَجَازَ اللُّغَوِيَّ وَالْعَقْلِيَّ، وَكَوْنُ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ لَفْظًا وَالْآخَرِ إسْنَادًا لَا يَقْدَحُ فِي تَنَاوُلِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَهُمَا ضَرُورَةَ اخْتِلَافِ الْأَفْرَادِ بِقُيُودٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَكُونُ لَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَى الْمَجَازِ السَّابِقِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الظَّرْفِيَّةِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى.
وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي الْإِسْنَادِ وَلَا مَعْنَى لَهُ فَأَرْجَعَ الضَّمِيرَ لِلْمَجَازِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ لِتَصْحِيحِهَا فَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمُطْلَقِ فِي أَحَدِ فَرْعَيْهِ بِمَعْنَى تَحَقُّقِهِ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامٌ وَالشَّارِحُ رحمه الله رَمَزَ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ الْمَجَازُ وَلَمْ يَقُلْ أَيْ الْمَجَازُ لِأَنَّ أَيْ تُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ مَعَ الْإِيمَاءِ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالِاسْمِ الظَّاهِرِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمَجَازَ هُنَا غَيْرُ الْمُعَرَّفِ السَّابِقِ فَإِنَّ الِاسْتِخْدَامَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ لَك مِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ يَظْهَرُ لَك سُقُوطُ قَوْلِ سم إنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَجَازِ الْمَارِّ تَعْرِيفُهُ وَالْمَجَازِ فِي الْإِسْنَادِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ لِاخْتِلَافِ حَقِيقَتِهِمَا وَجَوَابُهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الصَّادِقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ إذْ مَعَ كَوْنِهِ بَعِيدًا عَنْ مَذَاقِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِهِمْ مِنْ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا مُنْطَبِقًا عَلَى أَفْرَادِهِ مَعًا بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَلَا كَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الشَّيْءِ وَمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ قَيْدًا بِتَأَوُّلِ الَّذِي زَادَهُ الْبَيَانِيُّونَ فِي التَّعْرِيفِ فَدَخَلَ فِيهِ صُورَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ الْمَجَازِ الْأَوْلَى قَوْلُ الدَّهْرِيِّ أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ الثَّانِيَةُ الْكَذِبُ كَمَا إذَا قَالَ الْقَائِلُ جَاءَ زَيْدٌ عَالِمًا لِمَا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأُولَى خَارِجَةٌ بِمُلَاحَظَةِ قَيْدِ الْحَيْثِيَّةِ أَيْ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْ هُوَ لَهُ وَالدَّهْرِيُّ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِسْنَادَ لِمَا هُوَ لَهُ وَالثَّانِيَةُ بِقَوْلِهِ لِمُلَابَسَةٍ إذْ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْمُلَابَسَةِ وَمُلَاحَظَتِهَا وَالْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لَمْ يُلَاحِظْ عَلَاقَةً وَإِنَّمَا حَذَفَ الْمُصَنِّفُ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ فِي احْتِيَاجِ التَّعْرِيفِ إلَيْهِ نِزَاعًا كَمَا بَسَطَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي مُطَوَّلِهِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَنْكُورٍ فِي تَعَارِيفِ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ ثُمَّ إنَّ الْمُسْنَدَ وَالْمُسْنَدَ إلَيْهِ قَدْ يَكُونَانِ حَقِيقِيَّيْنِ كَالْآيَةِ الْمُمَثَّلِ بِهَا وَقَدْ يَكُونَانِ مَجَازَيْنِ كَمَا فِي أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك أَوْ أَحَدُهُمَا حَقِيقِيًّا وَالْآخَرُ مَجَازِيًّا كَمَا فِي سَرَّنِي اكْتِحَالِي بِرُؤْيَتِك أَوْ أَحْيَتْنِي رُؤْيَتُك.
(قَوْلُهُ: سَبَبًا لَهَا عَادَةً) قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا يَحْمِلُ الْفَاعِلَ عَلَى إحْدَاثِ فِعْلِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً أَوْ غَرَضًا أَوْ عُذْرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُنَاسِبُ إذَا
فِي الْمُسْنَدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ فَمَعْنَى زَادَتْهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ ازْدَادُوا بِهَا وَعَلَى الثَّانِي زَادَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إطْلَاقًا لِلْآيَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِإِسْنَادِ فِعْلِهِ إلَيْهَا
(وَ) قَدْ يَكُونُ الْمَجَازُ (فِي الْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ وِفَاقًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ والنقشواني) مِثَالُهُ فِي الْأَفْعَالِ {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] أَيْ يُنَادِي {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البقرة: 102] أَيْ تَلَتْهُ وَفِي الْحُرُوفِ {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8] أَيْ مَا نَرَى (وَمَنَعَ) الْإِمَامُ الرَّازِيّ (الْحَرْفَ مُطْلَقًا) أَيْ قَالَ لَا يَكُونُ فِيهِ مَجَازُ إفْرَادٍ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا بِضَمِّهِ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ ضُمَّ إلَى مَا يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي ضَمُّهُ إلَيْهِ فَمَجَازُ تَرْكِيبٍ قَالَ النَّقْشَوَانِيُّ مِنْ أَيْنَ أَنَّهُ مَجَازُ تَرْكِيبٍ بَلْ ذَلِكَ الضَّمُّ قَرِينَةُ مَجَازِ الْإِفْرَادِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَيْ عَلَيْهَا (وَ) مَنَعَ أَيْضًا (الْفِعْلَ وَالْمُشْتَقَّ) كَاسْمِ الْفَاعِلِ فَقَالَ لَا يَكُونُ فِيهِمَا مَجَازٌ (إلَّا بِالتَّبَعِ) لِلْمَصْدَرِ
ــ
[حاشية العطار]
كَانَ الْفَاعِلُ هُوَ اللَّهُ كَمَا فِي الْآيَةِ فَلَوْ قَالَ مَا يَكُونُ وَاسِطَةً وَلَوْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ عَادَةً بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لَكَانَ أَقْرَبَ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُطَّرِدَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُوَ كَوْنُ الْفَاعِلِ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ ذَلِكَ وَبِاعْتِبَارِهِ يُرَادُ بِالْحَمْلِ الثَّمَرَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ كَمَا فِي نَحْوِ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56](قَوْلُهُ: فِي الْمُسْنَدِ) أَيْ كَابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: فِي الْمُسْنَدِ إلَيْهِ) وَمِنْهُمْ السَّكَّاكِيُّ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ إلَى الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: ازْدَادُوا بِهَا) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا مِنْ أَوْجُهِ تَفْسِيرِ الْمُتَعَدِّي بِاللَّازِمِ مَعَ أَنَّ نَصْبَ الْمَفْعُولِ مَانِعٌ مِنْهُ وَقَلْبَ التَّرْكِيبِ يَجْعَلُ الْفَاعِلَ مَفْعُولًا وَبِالْعَكْسِ، وَزِيَادَةُ الْبَاءِ فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْعَضُدِ أَنَّ الْمَعْنَى كَانَتْ سَبَبًا فِي إيمَانِهِمْ فَشَبَّهَ السَّبَبَ بِالزِّيَادَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَأَطَالَ سم فِي رَدِّهِ بِمَا أَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ لَائِحٌ.
(قَوْلُهُ: إطْلَاقًا لِلْآيَاتِ عَلَيْهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ تَوْقِيفِيَّةٌ خُصُوصًا وَالْآيَاتُ مُؤَنَّثَةٌ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الشَّارِحَ نَاقِلٌ عَنْ الْغَيْرِ فَلَعَلَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ يَرَى الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّوَقُّفِ وَبِأَنَّهُ إطْلَاقٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَلَا تَوْقِيفَ بَعْدَهُ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ الْقَائِلَ بِعَدَمِ التَّوْقِيفِ يَشْتَرِطُ عَدَمَ الْإِيهَامِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلَا قَاطِعَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ وَمِثْلُهُ لَا يُثْبِتُ جَوَازَ الْإِطْلَاقِ وَكُلُّ هَذَا إنَّمَا جَاءَ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ إطْلَاقًا إلَخْ مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ كَالسَّكَّاكِيِّ يَجْعَلُهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ وَهِيَ عَلَى مُخْتَارِهِ ذِكْرُ الْمُشَبَّهِ وَإِرَادَةُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِوَاسِطَةِ قَرِينَةٍ هِيَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ اللَّوَازِمِ الْمُسَاوِيَةِ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالرَّبِيعِ فِي أَنْبَتَ الرَّبِيعُ الْبَقْلَ عِنْدَهُ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلْإِنْبَاتِ يَعْنِي الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ بِقَرِينَةِ نِسْبَةِ الْإِنْبَاتِ إلَى الرَّبِيعِ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إطْلَاقٌ بَلْ مُجَرَّدُ ادِّعَاءِ اسْتِعْمَالِهِ فَيُقَالُ هَاهُنَا الْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى ادِّعَاءٌ نَعَمْ مَذْهَبُهُ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ لَا يَخْلُو عَنْ تَعَسُّفٍ وَهُوَ شَهِيرٌ فِي كُتُبِ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: والنقشواني) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الشِّينِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَا تَرَى) فَيَكُونُ مَجَازًا مُرْسَلًا عَلَاقَتُهُ اللَّازِمِيَّةُ والملزومية لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ يَلْزَمُهُ عَدَمُ التَّحَقُّقِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّفْيِ (قَوْلُهُ: الْحَرْفُ) أَيْ الْمَجَازُ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ بِالذَّاتِ لَا بِالتَّبَعِ فِي
فَوَاضِحٌ أَصْلُهُمَا فَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَلَا مَجَازَ فِيهِمَا وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالتَّجَوُّزِ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْعَكْسُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ فِي أَصْلِهِمَا وَبِأَنَّ الِاسْمَ الْمُشْتَقَّ يُرَادُ بِهِ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلُ مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ فِي أَصْلِهِ وَكَأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَا قَالَهُ نَظَرَ إلَى الْحَدِيثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ
(وَلَا يَكُونُ) الْمَجَازُ (فِي الْأَعْلَامِ) لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُرْتَجَلَةً أَيْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ كَسُعَادَ أَوْ مَنْقُولَةً لِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ كَفَضْلٍ فَوَاضِحٌ
ــ
[حاشية العطار]
الْإِفْرَادِ.
(قَوْلُهُ: إلَى مَا يَنْبَغِي) أَيْ عَامِلٍ يَنْبَغِي إلَخْ (قَوْلُهُ: أَصْلُهُمَا) صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَجَوُّزٍ إلَخْ) لِأَنَّ الزَّمَانَ خَارِجٌ عَنْ مَعْنَى الْمَصْدَرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّجَوُّزُ.
(قَوْلُهُ: وَكَانَ الْإِمَامُ إلَخْ) اعْتِذَارٌ مِنْ الشَّارِحِ عَنْ الْإِمَامِ يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَا تَجَوُّزَ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ مُجَرَّدًا عَنْ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا التَّجَوُّزُ فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ وَالْمَصْدَرُ لَيْسَ أَصْلًا لَهُمَا بِاعْتِبَارِهِ بَلْ هُوَ اعْتِبَارُ الْحَدَثِ فَلَا اعْتِرَاضَ بِالتَّجَوُّزِ فِيهِمَا مَعَ عَدَمِ التَّجَوُّزِ فِي أَصْلِهِمَا لِمَا ذُكِرَ قَالَ سم وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْإِمَامِ فِي الْمَحْصُولِ ظَهَرَ لَهُ سُلُوكُ الْإِمَامِ بِطَرِيقَةِ الْبَيَانِيِّينَ نَعَمْ يَرِدُ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ اسْمُ الْفَاعِلِ إذَا أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ وَبِالْعَكْسِ إلَّا أَنْ يُجِيبَ عَنْ الْإِمَامِ بِمَنْعِ التَّجَوُّزِ فِي ذَلِكَ إذْ كُلٌّ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ فِيمَا ذُكِرَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ ظَاهِرِهِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنْ التَّجَوُّزِ فِيهِ أَوْ بِمَنْعِ عَدَمِ التَّجَوُّزِ فِي الْمَصْدَرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْفَاعِلِ إنَّمَا تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ الْمَفْعُولِ بَعْدَ التَّجَوُّزِ بِمَصْدَرِ الْمَعْلُومِ عَنْ مَصْدَرِ الْمَجْهُولِ وَأَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَفْعُولِ إنَّمَا تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ بَعْدَ التَّجَوُّزِ بِمَصْدَرِ الْمَجْهُولِ عَنْ الْمَعْلُومِ اهـ.
وَأَقُولُ تَرْكُ الِاعْتِذَارِ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ خَيْرٌ مِنْ ذِكْرِهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّجَوُّزَ فِي الْمِثَالَيْنِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْأَصَالَةُ وَالتَّبَعِيَّةُ إنَّمَا يَكُونَانِ فِيهَا فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ الْمَجَازُ فِي الْأَعْلَامِ) أَيْ أَنَّ الْعَلَمَ لَا يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ مَجَازًا وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِهِمْ الِاسْتِعَارَةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَعْلَامِ إلَّا إذَا اُشْتُهِرَتْ بِصِفَةٍ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّجَوُّزِ عَنْ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ إلَى غَيْرِهِ فَهُمَا مَقَامَانِ مُتَغَايِرَانِ.
وَقَدْ الْتَبَسَا عَلَى الْكُورَانِيِّ فَتَوَهَّمَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامِ الثَّانِي وَقَالَ إنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ إذْ قَالُوا إذَا قُلْت رَأَيْت حَاتِمًا وَأَرَدْت بِهِ شَخْصًا مُعَيَّنًا فَإِنَّمَا أَطْلَقْت لَفْظَ حَاتِمٍ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّشْبِيهِ بِهِ فِي الْجُودِ فَهُوَ مَجَازٌ لِكَوْنِهِ اسْتِعَارَةً إلَى أَنْ قَالَ فَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ قَبُولِهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ) الْأَوْلَى وَضْعٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ سَبْقِ الِاسْتِعْمَالِ نَفْيُ التَّجَوُّزِ لِإِمْكَانِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ الْمُشْتَرَطُ فِي الْمَجَازِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِعْمَالِ الْوَضْعُ كِنَايَةً لِلتَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا غَالِبًا (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ) الْأَوْلَى لِغَيْرِ مَعْنَاهَا لِاقْتِضَاءِ كَلَامِهِ أَنَّ مَا اُسْتُعْمِلَ اسْمَ جِنْسٍ أَوْ عَلَمَهُ ثُمَّ نُقِلَ لِغَيْرِهِ مُرْتَجَلٌ مَعَ أَنَّهُ مَنْقُولٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَلْ لِلْحُضُورِ فَالْمَعْنَى لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ الْحَاضِرَةِ.
(قَوْلُهُ: فَوَاضِحٌ) جَوَابُ أَنْ قَالَ النَّاصِرُ هُوَ غَيْرُ وَاضِحٍ إذْ الْمَجَازُ يَكْفِي فِيهِ سَبْقُ الْوَضْعِ بِمُجَرَّدِهِ وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ بِالنِّسْبَةِ لِلشِّقِّ الثَّانِي وَهُوَ الْمَنْقُولَةُ لِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ إذْ النَّقْلُ
أَوْ لِمُنَاسَبَةٍ كَمَنْ سَمَّى وَلَدَهُ بِمُبَارَكٍ لِمَا ظَنَّهُ فِيهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فَكَذَلِكَ لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ زَوَالِهَا (خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي مُتَلَمَّحِ الصِّفَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ كَالْحَارِثِ فَقَالَ إنَّهُ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ الصِّفَةُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ مَوْضُوعًا لَهَا وَهَذَا خِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَعَدَمُهَا أَوْلَى
(وَيُعْرَفُ) الْمَجَازُ أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلَّفْظِ (بِتَبَادُرِ غَيْرِهِ) مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ (لَوْلَا الْقَرِينَةُ) وَمِنْ الْمَصْحُوبِ بِهَا الْمَجَازُ الرَّاجِحُ وَسَيَأْتِي
ــ
[حاشية العطار]
لِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ يُنَافِي اعْتِبَارَ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَجَازِ الَّتِي هِيَ مُنَاسَبَةٌ مَخْصُوصَةٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ.
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُرْتَجَلَةُ الْمُفَسَّرَةُ بِاَلَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهَا اسْتِعْمَالٌ لِغَيْرِ الْعَلَمِيَّةِ فَالتَّوَقُّفُ فِي مَحَلِّهِ.
وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ فَقَالَ إنَّ الْوَاجِبَ فِي تَحَقُّقِ الْمَجَازِ سَبْقُ الْوَضْعِ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ اتِّفَاقٌ لَا سَبْقٌ لِلِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَعَلَيْهِ يُتَجَوَّزُ فِي اللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ اسْتِعْمَالٌ وَأَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ وَتَعْبِيرُهُمْ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ الِاسْتِعْمَالُ فِي مَعْنًى لَمْ يَسْبِقْ الْوَضْعُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ نَفْيُ سَبْقِ الْوَضْعِ وَتَوَجَّهَ إفَادَةُ الْعِبَادَةِ لَهُ بِحَمْلِهَا عَلَى الْكِنَايَةِ لِأَنَّ الْوَضْعَ لَازِمٌ لِلِاسْتِعْمَالِ بِحَسَبِ الْغَالِبِ وَاللُّزُومُ فِي الْكِتَابَةِ يُكْتَفَى فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ فَكَالْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي وُضُوحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمَجَازُ فِيهَا لِفَوَاتِ الْمُصَحِّحِ لِلتَّجَوُّزِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي هِيَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي مُتَلَمَّحِ الصِّفَةِ) أَيْ الْعَلَمُ الْمُتَلَمَّحُ فِيهِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ كَوْنُهُ صِفَةً كَالْحَارِثِ فَإِنَّهُ كَانَ صِفَةً ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْعَلَمِيَّةِ.
وَقَدْ يُتَلَمَّحُ فِيهِ الْأَصْلُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ اللَّامُ جَوَازًا وَهَذَا الَّذِي عَنَاهُ الشَّارِحُ بِالْعَلَمِ الْمَنْقُولِ لِمُنَاسَبَةٍ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْأَعْلَامِ الَّتِي وُضِعَتْ لِمَحْضِ الْفَرْقِ بَيْنَ الذَّوَاتِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلَا يَدْخُلُهَا مَجَازٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ الصِّفَةُ) أَيْ حَالَ الْعَلَمِيَّةِ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ مَوْضُوعًا لَهَا فَانْطَبَقَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْمَجَازِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا بِوَضْعٍ ثَانٍ لِعَلَاقَةٍ.
وَالْجَوَابُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّجَوُّزِ بَقَاءُ الْمُنَاسَبَةِ حَالَ الْإِطْلَاقِ وَهَذَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ بَعْدَ زَوَالِهَا.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا خِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ) أَيْ هَلْ يُسَمَّى مُتَلَمَّحُ الصِّفَةِ مَجَازًا أَوْ لَا وَعَدَمُهَا أَيْ عَدَمُ التَّسْمِيَةِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَجَازًا أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّ وَضْعَ الْعَلَمِ شَخْصِيٌّ وَوَضْعَ الْمَجَازِ نَوْعِيٌّ وَلِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ بَعْدَ زَوَالِ الْمُنَاسَبَةِ وَزَوَالِهَا فِي الْمَجَازِ يَنْفِي صِحَّةَ الْإِطْلَاقِ
(قَوْلُهُ: أَيْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ) حُمِلَ الْمَجَازُ عَلَى الْمَعْنَى مَعَ أَنَّ حَقِيقَتَهُ اللَّفْظُ لِأَنَّ التَّبَادُرَ إنَّمَا هُوَ لِلْمَعْنَى وَلِذَلِكَ احْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ وَجَمْعُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِلَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَصْحُوبِ بِهَا) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ الْمَجَازُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَدُفِعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَجَازِ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ وَهُوَ يَتَبَادَرُ عَلَى غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الْعَلَامَةَ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا وَأَيْضًا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ لَوْلَا الْقَرِينَةُ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ فَائِدَةٍ.
وَفِي الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ أَنَّ الْمَجَازَ الرَّاجِحَ نَادِرٌ وَالتَّبَادُرُ فِي الْأَغْلَبِ يَخْتَصُّ بِالْحَقِيقَةِ وَتَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ لَا يَقْدَحُ فِيهِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَبَاحِثِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْأَمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَيْ يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَعْرِفُ الْمَجَازُ إلَخْ وَاعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا تَقَدَّمَ نَفْيُ تَبَادُرُ الْغَيْرِ لَا تَبَادُرِ الْحَقِيقَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْعَلَامَةُ ثُبُوتَ التَّبَادُرِ لَهَا لَمْ يَشْمَلْ الْمُشْتَرَكَ فَإِنَّ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ عَدَمُ تَبَادُرِ الْغَيْرِ وَأَيْضًا مَا قَالَهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْعَلَاقَةُ مُنْعَكِسَةً مَعَ أَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ التَّبَادُرِ نَفْيُ الْمَجَازِ وَثُبُوتُ الْحَقِيقَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْعَلَامَةِ نَفْيُ الْمُعَلَّمِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا تَقَدَّمَ نَفْيُ تَبَادُرِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَا هُوَ غَيْرٌ فِي الْوَاقِعِ وَلَيْسَ إلَّا الْحَقِيقَةُ وَإِنْ كَانَ مَفْهُومُ الْغَيْرِ عَامًّا شَامِلًا لَهَا وَغَيْرِهَا فَأَفَادَ أَنَّ عَلَامَةَ الْحَقِيقَةِ تَبَادُرُهَا لَا يُقَالُ كَمَا يَصْدُقُ الْغَيْرُ بِالْحَقِيقَةِ يَصْدُقُ اللَّفْظُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ فَلَا نُسَلِّمُ الْأَخْذَ إلَّا لَوْ
وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ التَّبَادُرَ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تُعْرَفُ بِهِ الْحَقِيقَةُ (وَصِحَّةُ النَّفْيِ) كَمَا فِي قَوْلِك فِي الْبَلِيدِ هَذَا حِمَارٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْحِمَارِ عَنْهُ (وَعَدَمُ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ) فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَطَّرِدَ كَمَا فِي {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا فَلَا يُقَالُ وَاسْأَلْ الْبِسَاطَ أَيْ صَاحِبَهُ
ــ
[حاشية العطار]
كَانَ الْغَيْرُ مَحْصُورًا فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ اللَّفْظُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ لَا يُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَالتَّبَادُرُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَلَا يَرِدُ الْمُشْتَرَكُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّبَادُرِ إنَّمَا هُوَ إذَا الْتَفَتَ إلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى حِدَتِهِ.
وَأَمَّا إذَا اُلْتُفِتَ لِلْمَجْمُوعِ فَمُتَبَادَرٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُتَبَادَرٌ عَلَى الْبَدَلِ وَأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ لِانْعِكَاسِ الْعَلَاقَةِ بَلْ لِأَنَّ الْغَيْرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ التَّبَادُرُ هُوَ الْحَقِيقَةُ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِهِ الطَّوِيلِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ الْكَلَامِ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْعَلَاقَةِ لَا تَنْعَكِسُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ تَنْعَكِسُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِخُصُوصِيَّةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةُ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَصِحَّةُ النَّفْيِ) أَيْ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ قَدْ تَنْتَفِي فِي الِاسْتِعْمَالِ نَحْوُ مَا أَنْتَ بِإِنْسَانٍ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِهِ الْمَجَازُ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ يُقَابِلُهُ النَّفْيُ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَصِحَّةُ النَّفْيِ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ الْإِثْبَاتِ الَّذِي فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَمَحَطُّ الْإِثْبَاتِ غَيْرُ مَحَطِّ النَّفْيِ فَلَا تَنَاقُضَ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذِهِ الْعَلَاقَةِ بِلُزُومِ الدَّوْرِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ مِنْ الْمَعَانِي الْحَقِيقِيَّةِ وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّةَ نَفْيِهِ بِاعْتِبَارِ التَّعَقُّلِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنْ يَعْلَمَ كَوْنَهُ مَجَازًا فَيَنْفِيهِ وَبِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي مَعْنَى جَهْلِ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِيهِ بَلْ فِي مَعْنَى عِلْمِ أَنَّ لَفْظَهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا الْمُرَادُ فَيُعْرَفُ بِصِحَّةِ النَّفْيِ كَوْنُهُ مَجَازًا.
(قَوْلُهُ: فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ) أَيْ فِي اللَّفْظِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِوُجُوبٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْمَجَازِ اطِّرَادُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَيُسْتَعْمَلُ دَائِمًا فِي إفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بَلْ يَجُوزُ اطِّرَادُهُ.
قَوْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] هَذَا التَّمْثِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ وَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ هُنَا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَلَيْسَ مَجَازًا بِالْحَذْفِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ ثُمَّ إنَّ مَعْنَى الِاطِّرَادِ فِيهِ اسْتِعْمَالُ نَظَائِرِهِ فِي نَظَائِرِ مَعْنَاهُ لَا بِاسْتِعْمَالِهِ هُوَ فِي أَفْرَادِ مَعْنَاهُ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ الِاطِّرَادِ.
(قَوْلُهُ: وَاسْأَلْ الْبِسَاطَ) كَلَامُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَفِي التَّسْهِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ الْمُضَافِ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ فِي إعْرَابِهِ وَقَسَّمَ ذَلِكَ إلَى قِيَاسِيٍّ وَسَمَاعِيٍّ وَذَكَرَ أَنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ اسْتِقْلَالُ الْمُضَافِ إلَيْهِ بِالْحُكْمِ فَهُوَ قِيَاسِيٌّ نَحْوُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 93] إذْ الْقَرْيَةُ لَا تُسْأَلُ وَالْعِجْلُ لَا يُشْرَبُ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ فَهُوَ سَمَاعِيٌّ كَقَوْلِهِ
عَشِيَّةَ فَرَّ الْحَارِثِيُّونَ بَعْدَمَا
…
قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْقَوْمِ هَوْبَرُ
أَوْ يَطَّرِدَ لَا وُجُوبًا كَمَا فِي الْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ فَيَصِحُّ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الْجَوَازِ أَنْ يُعَبِّرَ فِي بَعْضِهَا بِالْحَقِيقَةِ بِخِلَافِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَيَلْزَمُ اطِّرَادُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ لِانْتِفَاءِ التَّعْبِيرِ الْحَقِيقِيِّ بِغَيْرِهَا (وَجَمْعُهُ) أَيْ جَمْعُ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ (عَلَى خِلَافِ جَمْعِ الْحَقِيقَةِ) كَالْأَمْرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ مَجَازًا يُجْمَعُ عَلَى أُمُورٍ بِخِلَافِهِ بِمَعْنَى الْقَوْلِ حَقِيقَةً
ــ
[حاشية العطار]
أَيْ ابْنُ هَوْبَرٍ اهـ.
عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعَلَاقَةِ نَوْعُهَا لَا شَخْصُهَا وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هُنَا وَالِاسْتِحَالَةُ قَرِينَةٌ فَمَا وَجْهُ الِامْتِنَاعِ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِيمَا إذَا حُذِفَ الْمُضَافُ غَيْرَ مُرَادٍ بَعْدَ حَذْفِهِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي مَعْنَى الْمُضَافِ وَكَلَامُ النَّحْوِيِّينَ فِيمَا إذَا حُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ إرَادَتِهِ بَعْدَ حَذْفِهِ فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ لَفْظُ الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي مَعْنَى الْمُضَافِ بَلْ بَقِيَ بِحَالِهِ بِأَنْ حَذَفَ فِي الْمِثَالِ لَفْظَ الْأَهْلِ مَعَ إرَادَتِهِ وَأُرِيدَ بِلَفْظِ الْقَرْيَةِ فِيهِ بَعْدَ الْحَذْفِ نَفْسُ الْأَبْنِيَةِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي وَلَكِنْ يَبْقَى إشْكَالُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْعَلَاقَةِ نَوْعُهَا فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ اطِّرَادُ إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَجَازَ يَلْزَمُ اطِّرَادُهُ لِانْتِفَاءِ التَّعْبِيرِ الْمَجَازِيِّ بِغَيْرِهِ فَإِنْ نَظَرَ لِمُطْلَقِ التَّعْبِيرِ كَانَ تَحْقِيقُهُ أَوَّلًا يَلْزَمُ عَدَمُ الِاطِّرَادِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى جَعْلِ الْعَلَامَةِ عَدَمَ الِاطِّرَادِ إلَخْ الدَّوْرُ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ مُطَّرِدٌ إلَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَقَدْ تَوَقَّفَ الِاطِّرَادُ أَوْ عَدَمُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُعَلَّمِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عَلَامَةً وَلِذَلِكَ أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعَلَامَةَ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ صِحَّةُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعَ إمْكَانِ الْعُدُولِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ إلَى إطْلَاقٍ يَكُونُ حَقِيقِيًّا وَبِوُجُوبِ الِاطِّرَادِ صِحَّةُ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ الْعُدُولِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ إلَى إطْلَاقٍ يَكُونُ حَقِيقِيًّا وَلَا دَوْرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ الْآخَرِ حَقِيقِيًّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ مَجَازِيًّا كَمَا أَنَّ مَعْرِفَةَ أَنَّ مَا عَدَا الْإِطْلَاقَ الْأَوَّلَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَنَّ الْإِطْلَاقَ الْأَوَّلَ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى الشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَرَادِفَيْنِ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ الرَّدِيفِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ أَيْضًا فَقَدْ وُجِدَ عَدَمُ وُجُوبِ الِاطِّرَادِ بِالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلْت عَلَيْهِ كَلَامَهُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَرَادِفَيْنِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ قُلْت يُمْكِنُ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْعَلَامَةِ بِمَا إذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ التَّرَادُفِ وَاحْتَمَلَ الِاشْتِرَاكُ وَالتَّجَوُّزُ. اهـ.
وَلَوَائِحُ التَّعَسُّفِ لَائِحَةٌ عَلَيْهِ لِمَنْ تَدَبَّرَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الِاطِّرَادِ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْقُوضٌ بِأَنَّ مِنْهَا مَا لَا يَطَّرِدُ كَالْفَاضِلِ وَالسَّخِيِّ فَإِنَّهُمَا يُطْلَقَانِ حَقِيقَةً فِي الْإِنْسَانِ لَا فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَكَالْقَارُورَةِ وَالدَّبَرَانِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُطْلَقُ حَقِيقَةً فِي الزُّجَاجَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَا فِي كُلِّ مَا فِيهِ قَرَارٌ وَالثَّانِي فِي مَنْزِلَةِ الْقَمَرِ لَا فِي كُلِّ مَا فِيهِ دَبُورٌ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ إطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ وَلِإِيهَامِ النَّقْصِ لِأَنَّ الْفَاضِلَ يُطْلَقُ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْجَهْلَ وَالسَّخِيَّ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْبُخْلَ وَعَدَمُ إطْلَاقِ الْأَخِيرَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الْمُعَيَّنَ قَدْ اُعْتُبِرَ فِي وَضْعِهِمَا وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا ذُكِرَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ جَمْعُ اللَّفْظِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَا عَدَا الضَّمِيرَ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى نَفْسِ لَفْظِ
فَيُجْمَعُ عَلَى أَوَامِرَ.
(وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ تَقْيِيدِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَجَنَاحِ الذُّلِّ أَيْ لِينِ الْجَانِبِ وَنَارِ الْحَرْبِ أَيْ شِدَّتِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ كَالْعَيْنِ الْجَارِيَةِ (وَتَوَقُّفِهِ) فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ (عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ) نَحْوُ {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] أَيْ جَازَاهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ حَيْثُ تَوَاطَئُوا وَهُمْ الْيَهُودُ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا عِيسَى عليه الصلاة والسلام بِأَنْ أَلْقَى شَبَهَهُ عَلَى مَنْ وَكَلُوا بِهِ قَتْلَهُ وَرَفَعَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَتَلُوا الْمُلْقَى عَلَيْهِ الشَّبَهُ ظَنًّا أَنَّهُ عِيسَى وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى قَوْلِهِ أَنَا صَاحِبُكُمْ ثُمَّ شَكُّوا فِيهِ لَمَّا لَمْ يَرَوْا الْآخَرَ فَإِطْلَاقُ الْمَكْرِ عَلَى الْمُجَازَاةِ عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهِ
ــ
[حاشية العطار]
الْمَجَازِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ وَلَكِنَّ الشَّارِحَ أَعَادَ جَمِيعَ الضَّمَائِرِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَقَدَّرَ الْمُضَافَ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِتَكُونَ الضَّمَائِرُ رَاجِعَةً إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ حَذَرًا مِنْ التَّشْتِيتِ ثُمَّ إنَّهُ نَقَضَ طَرْدَ هَذِهِ الْعَلَامَةِ بِالْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ الْجَمْعُ فِي مَعْنَيَيْهِ كَالذُّكْرَانِ وَالذُّكُورِ فِي جَمْعِ الذَّكَرِ ضِدِّ الْأُنْثَى، وَالْمَذَاكِيرُ فِي جَمْعِ الذَّكَرِ بِمَعْنَى الْفَرْجِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ.
وَأُجِيبَ أَنَّ هَذَا فِيمَا ثَبَتَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ حَقِيقِيٌّ ثُمَّ أُرِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنًى آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ ثُبُوتِ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْأَوَّلَ حَقِيقَةٌ لَزِمَ الْحَمْلُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ يُغْنِي عَنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْجَمْعِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ صُوَرِ الْمَجَازِ قَدْ يَخْلُو عَنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: أَيْ لِينِ الْجَانِبِ) تَفْسِيرٌ لِلْجَنَاحِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي اللِّينِ وَإِضَافَةُ الذُّلِّ إلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّكَّاكِيُّ فِي قَرِينَةِ الْمَكْنِيَّةِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ كَمَا فِي أَظْفَارِ الْمَنِيَّةِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَوْمِ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازَ فِي الْإِثْبَاتِ فَالْمَجَازُ عَقْلِيٌّ لَا إفْرَادِيٌّ وَهُوَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ شِدَّتِهِ) جَرَى فِيهِ عَلَى لُغَةِ تَذْكِيرِهَا وَالْمَشْهُورُ تَأْنِيثُهُمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّاصِرِ مِنْ أَنَّ تَأْنِيثَ الضَّمِيرِ وَاجِبٌ اهـ.
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا بِالتَّأْوِيلِ بِالْقِتَالِ فَإِنَّهُ قَدْ يُذَكَّرُ الْمُؤَنَّثُ وَيُؤَنَّثُ الْمُذَكَّرُ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ
تَرَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَسِيفًا كَأَنَّمَا
…
يَضُمُّ إلَى كَشْحَيْهِ كَفًّا مُخَضَّبَا
فَذَكَّرَ وَصْفَ الْكَفِّ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الْعُضْوِ، وَالثَّانِي كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ أَتَتْهُ كِتَابِي فَاحْتَقَرَهَا فَأَنَّثَ ضَمِيرَ الْكِتَابِ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الصَّحِيفَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْعُدُولِ عَنْ التَّأْنِيثِ خَشْيَةَ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ لِلنَّارِ دُونَ الْحَرْبِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسَمَّى الْآخَرِ) أَيْ عَلَى وُجُودِهِ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْعِبَارَةِ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْحَوَاشِي هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْوُجُودُ فِي الْعِبَارَةِ لِتَقْسِيمِهِمْ لَهُ إلَى الْوُجُودِ التَّحْقِيقِيِّ وَالتَّقْدِيرِيِّ فَالْأَوَّلُ كَمِثَالِ الشَّارِحِ.
وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف: 99] أَيْ مُجَازَاتَهُ لَهُمْ عَلَى مَكْرِهِمْ إذْ التَّقْدِيرُ أَفَأَمِنُوا حِينَ مَكَرُوا مَكْرَ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَهِيَ مَجَازٌ عَلَاقَتُهُ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ وَنُوقِشَ بِأَنْ تَكُونَ الْمُصَاحَبَةُ فِي الذِّكْرِ حَاصِلَةً بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَلَاقَتَهُ لِوُجُوبِ حُصُولِهَا قَبْلَهُ لِابْتِنَائِهِ عَلَيْهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمُصَاحَبَةِ فِي الذِّكْرِ قَبْلَ التَّعْبِيرِ