الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ) سَوَاءٌ كَانَ جَائِزَ الْفِعْلِ أَيْضًا أَمْ مُمْتَنِعَهُ (لَيْسَ بِوَاجِبٍ)
ــ
[حاشية العطار]
وَبِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ شَرْعِيٌّ أَنَّ الشَّيْءَ الْحَسَنَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ لِكَوْنِ الشَّيْءِ مَأْمُورًا بِهِ بِدَلِيلِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ.
وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ تَنْظِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالْحَسَنِ عِنْدَ هَذَا الْبَعْضِ بِالْمُرَادِ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالتَّقْدِيرُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَالْحَسَنِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي ضِمْنِ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ بِمَعْنَى تَرَتُّبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّهُمْ نَظَرُوا فِيهِ إلَى مَا ذُكِرَ وَلَا إشْكَالَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ حَوَالَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُسْتَشْكَلَ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِذَلِكَ حَتَّى تَصِحَّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ كَمَا ظَنَّهُ الشَّيْخُ فَاسْتَشْكَلَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الْحَوَالَةِ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَعُ الْحَوَالَةُ بِاعْتِبَارِهِ، وَلِمَ لَا يَكْفِي فِي الْحَوَالَةِ إرَادَتُهُ وَيَكُونُ تَنْبِيهًا عَلَى إرَادَتِهِ اهـ. وَأَثَرُ التَّكَلُّفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ
[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]
(قَوْلُهُ: جَائِزُ التَّرْكِ) أَيْ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَطَرَأَ الْعُذْرُ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّ لِحِينِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَيْضِ.
وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ سَبَبٌ فَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَزَادَ بَعْضٌ قَيْدًا مُطْلَقًا لِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي حَالَةٍ دُونَ الْأُخْرَى وَلَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ تَرْكُهُ فِيهِمَا لَيْسَ الْوَاجِبُ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ إلَّا حَدُّ الْمُبْهَمُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ دُخُولُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ التَّرْكِ مَعَ قِيَامِ الْعُذْرِ وَهُمَا لَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ جَائِزَ إلَخْ) الْأَوَّلُ كَفِطْرِ الْمُسَافِرِ وَالثَّانِي كَصَوْمِ الْحَائِضِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْإِمْكَانِ الْعَامِّ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الْمَنَاطِقَةُ وَهُوَ سَلْبُ الضَّرُورَةِ عَنْ الطَّرَفِ الْمُخَالِفِ وَبَعْضُ النَّاظِرِينَ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ النَّاصِرِ فَهُوَ كَالْإِمْكَانِ الْعَامِّ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَخْرِيجُ مَا هُنَا عَلَيْهِ وَمَا دَرَى أَنَّ الْجَوَازَ وَالِامْتِنَاعَ هُنَا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَكَذَلِكَ الْوُجُوبُ وَاَلَّذِي اعْتَبَرُوهُ هُنَاكَ هُوَ الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ كَالْوُجُوبِ وَالِامْتِنَاعِ فَكَيْفَ مَعَ تَخَالُفِ الِاصْطِلَاحَيْنِ يَنْطَبِقُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ، وَأَيْضًا الْجَوَازُ هُنَا وَقَعَ مَوْضُوعَ الْقَضِيَّةِ وَالْجَوَازُ بِمَعْنَى الْإِمْكَانِ جِهَةً لِلْقَضِيَّةِ مُعْتَبَرٌ حُصُولُهُ بَعْدَ
(وَإِلَّا لَكَانَ مُمْتَنِعَ التَّرْكِ) وَقَدْ فُرِضَ جَائِزُهُ.
(وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ
ــ
[حاشية العطار]
انْعِقَادِهَا وَلِذَلِكَ ارْتَبَكَ فِي تَقْرِيرِ الْإِمْكَانِ وَخَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَكَانَ إلَخْ) دَلِيلٌ اسْتِثْنَائِيٌّ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزَ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِأَنْ كَانَ وَاجِبًا كَانَ مُمْتَنِعَ التَّرْكِ، لَكِنَّ التَّالِيَ بَاطِلٌ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ.
وَأَمَّا بَيَانُ بُطْلَانِ التَّالِي فَقَدْ أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ فَرَضَ إلَخْ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِ تَحَقُّقِ الِامْتِنَاعِ أَنْ لَا يَكُونَ جَائِزَ التَّرْكِ، وَالْغَرَضُ أَنَّهُ جَائِزُ التَّرْكِ فَيَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ وَهُوَ مُحَالٌ وَمَلْزُومُ الْمُحَالِ، وَهُوَ امْتِنَاعُ التَّرْكِ مُحَالٌ فَمَلْزُومُهُ وَهُوَ الْوُجُوبُ مُحَالٌ فَثَبَتَ نَقِيضُهُ أَعْنِي عَدَمَ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُدَّعِي.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ التَّنَاقُضِ، فَإِنَّ الْمُنَافِيَ لِلْوُجُوبِ هُوَ جَوَازُ التَّرْكِ مُطْلَقًا لَا جَوَازُهُ وَقْتَ الْعُذْرِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمُرَادُ فَاللَّازِمُ كَوْنُهُ جَائِزَ التَّرْكِ وَقْتَ الْعُذْرِ وَغَيْرَ جَائِزِ التَّرْكِ فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ، وَلَيْسَ هَذَا تَنَاقُضًا لِاخْتِلَافِ زَمَنَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَفِي قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي: وَجَوَازُ التَّرْكِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَجَعَلَهُ النَّاظِرُونَ هُنَا مِنْ قَبِيلِ قِيَاسِ الْحَلِفِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا بَلْ هُوَ كَبَقِيَّةِ الْأَقْيِسَةِ الِاسْتِثْنَائِيَّة الَّتِي يُسْتَدَلُّ فِيهَا بِبُطْلَانِ التَّالِي فَيَبْطُلُ نَقِيضُهُ فَيَثْبُتُ الْمُدَّعِي كَمَا قَرَّرْنَاهُ إذْ لَيْسَ كُلُّ قِيَاسٍ أُبْطِلَ فِيهِ الْمُقَدَّمُ لِيَثْبُتَ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمُدَّعِي قِيَاسَ الْخُلْفِ، قَالَ السَّعْدُ فِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ: وَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ مُنْحَصِرًا فِي الِاقْتِرَانِيِّ وَالِاسْتِثْنَائِيّ وَجَبَ رَدُّ هَذَا الْقِيَاسِ يَعْنِي قِيَاسَ الْخُلْفِ وَتَحْلِيلُهُ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ عَظِيمٌ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُ الشَّيْخِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ قِيَاسَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: اقْتِرَانِيٌّ مُرَكَّبٌ مِنْ مُتَّصِلَتَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الْمَطْلُوبِ الْمَوْضُوعِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ وَنَقِيضُ الْمَطْلُوبِ وَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ بَيِّنَةٌ بِذَاتِهَا وَالْأُخْرَى مِنْ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ نَقِيضِ الْمَطْلُوبِ الْمَوْضُوعِ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ وَبَيْنَ أَمْرٍ مُحَالٍ، وَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ رُبَّمَا تَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ فَيَنْتِجُ مُتَّصِلَةٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ وَمِنْ الْأَمْرِ الْمُحَالِ.
وَثَانِيهِمَا: اسْتِثْنَائِيٌّ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُتَّصِلَةٍ لُزُومِيَّةٍ هِيَ نَتِيجَةُ ذَلِكَ الِاقْتِرَانِيِّ وَاسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ التَّالِي لِيَنْتِجَ نَقِيضُ الْمُقَدَّمِ فَيَلْزَمُ تَحَقُّقُ الْمَطْلُوبِ، وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَطْلُوبُ يَتَحَقَّقُ نَقِيضُهُ لِتَحَقُّقِ الْمُحَالِ، لَكِنْ الْمُحَالُ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فَنَقِيضُ الْمَطْلُوبِ لَيْسَ بِمُتَحَقِّقٍ فَالْمَطْلُوبُ مُتَحَقِّقٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ فُرِضَ إلَخْ) ضَمِيرُهُ الْمُسْتَتِرُ يَعُودُ لِلشَّيْءِ الْمُتَّصِفِ بِجَوَازِ التَّرْكِ مُجَرَّدًا عَنْ صِفَتِهِ وَإِلَّا صَارَ الْمَعْنَى، وَقَدْ فُرِضَ جَائِزُ التَّرْكِ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إلَخْ) أَيْ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالُوا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَلَفٍ لِلْمُصَنِّفِ فِي نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمَحْصُولَ مُنْتَقَدٌ، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْمَحْصُولِ نَقَلَهُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا عَنْ أَكْثَرِهِمْ وَيُعَارِضُهُ فِي الْحَائِضِ نَقْلُ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ إلَّا وَجْهًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ مُقَابِلِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ، فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ الصَّوْمُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَتُؤْمَرُ بِتَأْخِيرِهِ اهـ.
وَقَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ قَالَ الْفُقَهَاءُ: مُرَادُهُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ نَعَمْ نَقَلَ ابْنُ بَرْهَانٍ الْوُجُوبَ عَلَى الْحَائِضِ عَنْ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ نَقْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافُهُ وَبِمَا سَبَقَ مِنْ نَقْلِ النَّوَوِيِّ خِلَافُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَهُ الْكَمَالُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزَّرْكَشِيَّ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ
يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهَؤُلَاءِ شَهِدُوهُ وَجَوَازُ التَّرْكِ لَهُمْ لِعُذْرِهِمْ أَيْ الْحَيْضُ الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ أَيْضًا، وَالْمَرَضُ وَالسَّفَرُ اللَّذَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ فَكَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ شُهُودَ الشَّهْرِ مُوجِبٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ هُنَا شُهُودُ الشَّهْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ
ــ
[حاشية العطار]
الْأُصُولِ أَنَّ مَذْهَبَنَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ تَأْخِيرُهُ إلَى زَوَالِ الْعُذْرِ، وَيَكْفِي هَذَا مَعَ نَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ سَلَفًا لِلْمُصَنِّفِ وَنَقْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ إنَّمَا يُعَارِضُ نَقْلَ ابْنِ بَرْهَانٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِأَصْحَابِنَا.
(قَوْلُهُ: يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْحَائِضِ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُونَ مُخَاطَبِينَ بِهِ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ بِمَعْنَى أَنَّ ذِمَّتَهُمْ مَشْغُولَةٌ بِهِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَلَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ لَا لِكَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ.
(قَوْلُهُ: وَهَؤُلَاءِ شَهِدُوهُ) فِيهِ إشَارَةٌ لِقِيَاسٍ اقْتِرَانِيٍّ تَقْرِيرُهُ هَكَذَا الْحَائِضُ وَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ شَهِدُوا الشَّهْرَ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ.
وَأَمَّا الْكُبْرَى فَدَلِيلُهَا الْآيَةُ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ فِي مَعْنَى الْمُشْتَقِّ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ مُؤْذِنٌ بِعِلِّيَّةِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الصَّوْمِ شُهُودُ الشَّهْرِ أَيْ حُضُورُهُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ مُعَارَضًا بِالدَّلِيلِ السَّابِقِ احْتَاجَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَنْعِ التَّنَاقُضِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا وَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَجَوَازُ التَّرْكِ لَهُمْ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: الْمَانِعُ مِنْ الْفِعْلِ) الْمَنْعُ فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ اللَّذَيْنِ لَا يَمْنَعَانِ إلَخْ لَا يُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ لِظُهُورِ انْتِفَائِهِ وَلَا الْمَانِعُ الْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَانِعُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَهُوَ الْوُجُوبُ ثَابِتٌ عِنْدَهُمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحَرَّمَ أَيْ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، لَكِنْ يَرِدُ حِينَئِذٍ عَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ مَا أَدَّى إلَى التَّلَفِ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ اهـ. نَاصِرٌ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُحَرَّمَ تَحْرِيمًا بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ كَانَ فَاسِدًا غَيْرَ مُجْزِئٍ، وَهَذَا لَيْسَ إلَّا فِي الْحَيْضِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ فَإِنَّهُمَا يَصِحُّ صَوْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُجْزِئُ مَعَ التَّحْرِيمِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ عُذْرٌ فِي التَّرْكِ، وَهَذَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَمْ مُمْتَنِعَةٌ وَقَوْلُهُ: وَالْمَرَضُ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ جَائِزَ الْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إلَخْ) عُطِفَ عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ لِشُهُودِهِمْ الشَّهْرَ وَلِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَهَذَا دَلِيلٌ ثَانٍ لِلْأَكْثَرِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِهِ أَيْ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْأَيَّامِ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ الْأَصْلُ وَاجِبًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِبَدَلِهِ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ وَاجِبًا فَيَكُونُ الصَّوْمُ وَاجِبًا فِي حَقِّهِمْ حَالَةَ الْعُذْرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَمَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ فِي مَحَلِّ الْعُذْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ الْمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ وَقَعَ بِالْآيَةِ مَعَ أَنَّهَا ذُكِرَتْ سَنَدًا لِكُبْرَى الْقِيَاسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى السَّنَدِ غَيْرُ مُوَجَّهٍ مِنْ طَرَفِ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَالْوَجْهُ مَا قُلْنَا: إنَّهُ مَنْعٌ لِكُبْرَى الْقِيَاسِ.
(قَوْلُهُ: مُوجِبٌ) أَيْ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَالْعُذْرُ قَائِمٌ هُنَا.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ) جَوَابٌ مِنْ طَرَفِهِمْ أَيْضًا عَنْ الدَّلِيلِ الثَّانِي حَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي أَصْلَ الْوُجُوبِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى تَحَقُّقِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ، وَقَدْ حَصَلَ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ لَا يُلَاقِي مَا أُجِيبَ عَنْهُ وَهُوَ الدَّلِيلُ الثَّانِي لِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُوبَ
لَا عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الظُّهْرِ مَثَلًا عَلَى مَنْ نَامَ جَمِيعَ وَقْتِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ لِغَفْلَتِهِ (وَقِيلَ) يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى (الْمُسَافِرِ دُونَهُمَا) أَيْ دُونَ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ لِقُدْرَةِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهِ وَعَجْزِ الْحَائِضِ عَنْهُ شَرْعًا وَالْمَرِيضِ حِسًّا فِي الْجُمْلَةِ
ــ
[حاشية العطار]
الْقَضَاءِ بِقَدْرِ الْفَائِتِ وَاجِبٌ كَبَدَلِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ بَدَلًا بَلْ فِعْلًا مُقْتَضِيًا، وَأَمَّا كَوْنُ الْقَضَاءِ يَتَرَتَّبُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ أَوْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فَشَيْءٌ آخَرُ لَا تَعَلُّقَ بِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَلَا تَعَرُّضَ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ اهـ.
قَالَ سم وَهُوَ إشْكَالٌ حَسَنٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَضَاءِ فِي قَوْلِهِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ إلَخْ مَعْنَاهُ الْقَضَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي كَوْنَهُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ الْمُشْعِرُ ذَلِكَ بِبَدَلِيَّتِهِ فَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كَوْنَ الْقَضَاءِ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمْ الْمُشْعِرُ بِالْبَدَلِيَّةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبْقِ نَفْسِ الْوُجُوبِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ سَبْقُ إدْرَاكِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَيْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُجَرَّدُ إدْرَاكِ سَبَبِ الْوُجُوبِ مُصِحًّا لِكَوْنِ الْقَضَاءِ بِقَدْرِ مَا فَاتَ وَلِلْبَدَلِيَّةِ إذْ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهَا أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ لَوْلَا الْعُذْرُ وَلَا بُدَّ لِنَفْيِ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ.
(قَوْلُهُ: لَا عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبَ فِي الْجُمْلَةِ أَعَمُّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا إلَخْ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبَ فِي حَقِّ الْقَاضِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّوَقُّفَ إنَّمَا هُوَ السَّبَبُ لِجَوَازِ التَّوَقُّفِ عَلَى الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ حَيْثُ قَالُوا اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ لَهُ وُجُوبٌ مُطْلَقًا قَالَهُ النَّاصِرُ.
قَالَ سم وَجَوَابُهُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّوَقُّفَ إنَّمَا هُوَ عَلَى السَّبَبِ إلَخْ، قُلْنَا: الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ إضَافِيٌّ أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالْفِعْلِ عَلَى الْقَاضِي بَلْ يَكْفِي فِيهِ اسْتِدْرَاكُ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِ الْقَضَاءِ الْوُجُوبَ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ السَّبَبَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ قَدْ يَنْتَفِي الْوُجُوبُ فِي الْجُمْلَةِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ لِإِدْرَاكِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ عَمَّ الْعُذْرُ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ، فَإِنَّهُ لَا وُجُوبَ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ السَّبَبَ وَمِنْ هُنَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْحَصْرِ حَقِيقِيًّا وَأَنْ لَا يَتَوَقَّفَ إلَّا عَلَى إدْرَاكِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ دَارَ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا بِخِلَافِ الْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الظُّهْرِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ عَلَى الْقَاضِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ أَمَّا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ الْوُجُوبُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُعْسِرَ بِالدَّيْنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَفِي حَالِ الْعُسْرِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلَهُ وَقِيلَ يَجِبُ الصَّوْمُ إلَخْ) نَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: حِسًّا أَوْ شَرْعًا مُطْلَقًا) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ لَا فِي التَّفْصِيلِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، وَقَدْ يُمْكِنُهُ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ تُبِيحُ الْفِطْرَ، فَإِذَا قِيلَ: إنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ حِسًّا عَلَى الْإِجْمَالِ، صَحَّ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى عَجْزِهِ فِي إحْدَى حَالَتَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ نِسْبَةُ الْعَجْزِ إلَيْهِ تَفْصِيلًا
(وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَافِرِ دُونَهُمَا (أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ) الْحَاضِرِ أَوْ آخَرَ بَعْدَهُ فَأَيُّهُمَا أَتَى بِهِ فَقَدْ أَتَى بِالْوَاجِبِ كَمَا فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ حَالَةَ الْعُذْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَالْقَضَاءُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا.
(وَفِي كَوْنِ الْمَنْدُوبِ مَأْمُورًا بِهِ) أَيْ مُسَمًّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً (خِلَافٌ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَمَ رَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِيجَابِ كَصِيغَةِ أَفْعَلَ فَلَا يُسَمَّى وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ أَوْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ أَيْ طَلَبُ الْفِعْلِ فَيُسَمَّى وَرَجَّحَهُ الْآمِدِيُّ أَمَّا كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ أَيْ صِيغَةُ أَفْعَلَ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهَا مَجَازٌ فِي النَّدْبِ أَمْ حَقِيقَةٌ فِيهِ كَالْإِيجَابِ خِلَافٌ يَأْتِي (وَالْأَصَحُّ لَيْسَ) الْمَنْدُوبُ (مُكَلَّفًا بِهِ وَكَذَا الْمُبَاحُ) أَيْ الْأَصَحُّ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهِ.
(وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا، وَهُوَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهِ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (كَانَ التَّكْلِيفُ إلْزَامَ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ) مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ (لَا طَلَبُهُ) أَيْ طَلَبُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ أَوْ لَا
ــ
[حاشية العطار]
لِعَدَمِ عَجْزِهِ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى قَالَهُ الْكَمَالُ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ مُوَافِقٌ لِمَا قَبْلَهُ فِي الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَمُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الشَّهْرُ الْحَاضِرُ لَا يَجِبُ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِطَرِيقِ الْبَدَلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْمَرِيضِ لِأَنَّ عُذْرَهُ كَالْمُسَافِرِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِي مَرِيضٍ يُفْضِي بِهِ الصَّوْمُ لِهَلَاكِ نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَلَوْ تَحَمَّلَ وَصَامَ صَحَّ صَوْمُهُ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا.
(قَوْلُهُ: أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ) فَيُخَاطَبُ حَالَ سَفَرِهِ بِالْأَحَدِ الدَّائِرِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّهُ يُخَاطَبُ بِرَمَضَانَ وَجَوَازُ التَّأْخِيرِ لِلْعُذْرِ.
(قَوْلُهُ: دُونَ الْمَعْنَى) أَيْ فَلَا ثَمَرَةَ لَهُ وَفِيهِ أَنَّ لَهُ ثَمَرَةً فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ظُهُورَ فَائِدَتِهِ فِي وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي النِّيَّةِ وَنُوقِشَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مُسَمًّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ كَوْنُهُ يُسَمَّى مَأْمُورًا بِهِ تَسْمِيَةً حَقِيقِيَّةً لَا كَوْنُهُ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ أَيْ صِيغَةَ أَفْعَلَ إذْ لَا خِلَافَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أم ر) كُتِبَتْ مُفَكَّكَةَ الْحُرُوفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ هَذِهِ الْمَادَّةُ حَيْثُمَا وُجِدَتْ فِي فِعْلٍ أَوْ مَصْدَرٍ أَوْ مُشْتَقٍّ.
(قَوْلُهُ: كَصِيغَةِ أَفْعَلَ) لَيْسَ التَّنْظِيرُ بِهَا فِي أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِيجَابِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهَا مَجَازٌ فِي النَّدْبِ إلَخْ بَلْ التَّنْظِيرُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ أَمَرَ حَقِيقَةٌ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ لَيْسَ الْمَنْدُوبُ مُكَلَّفًا بِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَلْزُومًا بِهِ فَيَجُوزُ تَرْكُهُ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَحِينَئِذٍ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى بَلْ الْخُلْفُ لَفْظِيٌّ مَبْنَاهُ الْخُلْفُ فِي تَفْسِيرِ التَّكْلِيفِ وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَكْتَنِفْ بِالْعِلْمِ بِالْخِلَافِ فِيهِ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّكْلِيفِ كَمَا تَرَكَ التَّعَرُّضَ لِلْمَكْرُوهِ وَخِلَافُ الْأَوْلَى اكْتِفَاءً بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي خُصُوصِ الْمَنْدُوبِ وَلَمْ يَقَعْ فِي خُصُوصِ الْمَكْرُوهِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَعْرِيفَ التَّكْلِيفِ بِمَا ذُكِرَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى انْتِفَاءِ التَّكْلِيفِ بِالْمَنْدُوبِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ مَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْعَضُدِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ بَيْنَهُمَا تَلَازُمًا مُصَحِّحًا لِتَرَتُّبِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ الْعَكْسَ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الشَّارِحُ وَالْمُبَاحُ وَأَنَّ قَوْلَهُ أَيْ الْأَصَحُّ لِمُجَارَاةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَخُصَّ الْمَنْدُوبُ دُونَ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْعُدُولِ عَنْ أَحَدِ التَّعْرِيفَيْنِ إلَى الْآخَرِ.
وَقَالَ سم بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ
(خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي فَعِنْدَهُ الْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَبِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى مُكَلَّفٌ بِهَا كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ، وَزَادَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ عَلَى ذَلِكَ الْمُبَاحَ فَقَالَ: إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ) وَقِيلَ: إنَّهُ جِنْسٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِمَا وَاخْتَصَّ الْوَاجِبَ بِفَصْلِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ قُلْنَا وَاخْتَصَّ الْمُبَاحَ أَيْضًا بِفَصْلِ الْإِذْنِ فِي التَّرْكِ عَلَى السَّوَاءِ
ــ
[حاشية العطار]
الْمُبَاحُ مُكَلَّفًا بِهِ مَا صَحَّ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا إلْزَامَ فِيهِ فَيَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ اهـ.
وَيَرِدُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِالْمُبَاحِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَكُونُ مَلْزُومًا بِهِ فَيَدْخُلُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ، فَأَمَّا التَّكْلِيفُ فَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنَّهُ الْأَمْرُ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَالنَّهْيُ عَمَّا فِي الِامْتِنَاعِ عَنْهُ كُلْفَةٌ، فَإِنْ جَمَعْتهمَا قُلْت: الدُّعَاءُ إلَى مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَعَدُّ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَالْأَوْجَهُ عِنْدَنَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ يُشْعِرُ بِتَطْوِيقِ الْمُخَاطَبِ الْكُلْفَةَ مِنْ غَيْرِ خِيرَةٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ يَفْتَرِقَانِ بِتَخْيِيرِ الْمُخَاطَبِ وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ آيِلٌ إلَى الْمُنَاقَشَةِ فِي عِبَارَةِ نَعَمْ الشَّرْعُ يَجْمَعُ الْوَاجِبَ وَالنَّدْبَ وَالْحَظْرَ وَالْكَرَاهَةَ، فَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَا يَحْتَوِي عَلَيْهَا مَعْنَى التَّكْلِيفِ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذُ رحمه الله: إنَّهَا مِنْ التَّكْلِيفِ وَهِيَ هَفْوَةٌ ظَاهِرَةٌ، ثُمَّ فَسَّرَ قَوْلَهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْإِبَاحَةِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ رَدُّ الْكَلَامِ إلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ التَّكْلِيفِ وَهُوَ مُوَافِقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلْ تَعُدُّونَ الْإِبَاحَةَ مِنْ الشَّرْعِ قُلْنَا: نَعَمْ هِيَ مَعْدُودَةٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا اهـ. بِلَفْظِهِ.
(قَوْلُهُ: كَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ) ذِكْرُهُمَا إنْ كَانَ مُتَّفِقًا عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ وَالْمَكْرُوهَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى لِيَرْجِعَ إلَى الْأَرْبَعَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ.
(قَوْلُهُ: تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ زَادَ أَوْ بِقَوْلِهِ فَقَالَ وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا، أَيْ: وَإِنْ لَمْ نَقُلْ: إنَّ زِيَادَتَهُ لِتَتْمِيمِ الْأَقْسَامِ فَلَا يَصِحُّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الِاعْتِقَادِ.
(قَوْلُهُ: إنَّ الْمُبَاحَ) لَيْسَ بِجِنْسٍ لِلْوَاجِبِ بَلْ هُوَ نَوْعَانِ لِجِنْسٍ وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَهُمَا مَفْهُومَانِ مُتَبَايِنَانِ كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ، وَأَحَدُ الْمُتَبَايِنَيْنِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْآخَرِ، فَلَوْ كَانَ جِنْسًا لَهُ لَوَجَبَ صِدْقُهُ عَلَيْهِ كَصِدْقِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِمَا) أَفَادَ هَذَا التَّعْلِيلُ أَنَّ الْمُبَاحَ وَالْوَاجِبَ انْدَرَجَا تَحْتَ أَمْرٍ كُلِّيٍّ وَهُوَ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ قِسْمٌ لِلْوَاجِبِ وَلَيْسَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي يُفِيدُهُ هُوَ أَنَّ الْمُبَاحَ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاجِبِ صِدْقَ الْجِنْسِ عَلَى نَوْعِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَطَّ التَّعْلِيلِ قَوْلُهُ: وَاخْتَصَّ الْوَاجِبُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِفَصْلِ الْمَنْعِ مِنْ التَّرْكِ) أَيْ فَيَكُونُ مُنْدَرِجًا تَحْتَهُ مُمْتَازًا عَنْهُ بِهَذَا الْفَصْلِ، وَقَوْلُهُ: بِفَصْلِ الْمَنْعِ، الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: قُلْنَا وَاخْتَصَّ الْمُبَاحَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أُخِذَ الْمُبَاحُ عَلَى عُمُومِهِ فَحَيْثُ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصْلٌ مُبَايِنٌ لِلْآخَرِ كَانَا مُتَبَايِنَيْنِ تَبَايُنًا كُلِّيًّا لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَهُمَا نَوْعَانِ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى السَّوَاءِ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُبَاحِ الْوَاجِبَ سَوَاءً فِي
فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى إذْ الْمُبَاحُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ الْمَأْذُونِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ اتِّفَاقًا وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي أَيْ الْمُخَيَّرِ فِيهِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ غَيْرُ جِنْسٍ لَهُ اتِّفَاقًا.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُبَاحَ (غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ) فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ وَقَالَ الْكَعْبِيُّ: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ أَيْ وَاجِبٌ إذْ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَيَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ مَا فَيَتَحَقَّقُ بِالسُّكُوتِ تَرْكُ الْقَذْفِ وَبِالسُّكُوتِ تَرْكُ الْقَتْلِ وَمَا يَتَحَقَّقُ بِالشَّيْءِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ كَمَا سَيَأْتِي فَالْمُبَاحُ وَاجِبٌ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ
ــ
[حاشية العطار]
اخْتِصَاصِ كُلٍّ بِقَيْدٍ أَوْ حَالٍ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّرْكِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُسَاوِيًا لِلْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى) تَفْرِيعٌ عَلَى مَجْمُوعِ تَعْلِيلِ الْمُخَالِفِ وَرَدِّهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُبَاحَ بِمَعْنَى الْمَأْذُونِ فِيهِ جِنْسٌ لِلْوَاجِبِ، وَأَمَّا بِمَعْنَى الْمُخَيَّرِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ فَهُوَ مُقَابِلٌ لَهُ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ جِنْسًا لَهُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَمَفْهُومُ الْوَاجِبِ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَنْعُ التَّرْكِ وَيَجِبُ تَحَقُّقُ مَفْهُومِ الْجِنْسِ فِي نَوْعِهِ، فَلَوْ كَانَ جِنْسًا لَهُ لَلَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْمُبَاحِ اسْتِعْمَالَانِ فَلَمْ يَتَوَارَدْ الْقَوْلَانِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْخِلَافَ وَارِدٌ عَلَى الْمُبَاحِ بِمَعْنَى الْمُخَيَّرِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ غَيْرُهُ مُعَارَضٌ بِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ، وَفُسِّرَتْ الْإِبَاحَةُ بِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ فَيَنْدَرِجُ فِيهَا الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ وَلَا يَخْرُجُ سِوَى الْحَرَامِ، وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنَّمَا فَسَّرَهَا بِمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ الْمُتَأَخِّرُونَ نَعَمْ اعْتِرَاضُهُ بِأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ يُفْضِي إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصَحَّ غَيْرُ صَحِيحٍ مُتَوَجِّهٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّصْحِيحَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْأَوَّلِ مُوَافِقًا لِلْمَشْهُورِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ) الضَّمِيرُ لِلْمَعْنَى الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ حَيْثُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْجُمَلِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْيِيدَ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَاللَّائِقُ أَنْ يَقُولَ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ كَالَّتِي قَبْلَهَا تَنْبِيهًا بِالْفَاءِ وَأَيْ عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ لَفْظِيًّا مَعَ إفَادَةِ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا أَيْضًا لَفْظِيًّا.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا الْإِيهَامَ مُنْدَفِعٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اتِّحَادِ مَحَلِّ الْخِلَافِ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَيَانٌ مِنْهُ لِمُرَادِهِمْ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَيْثِيَّةَ لِلْإِطْلَاقِ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ وَاجِبٌ) فُسِّرَ الْمَأْمُورُ بِهِ بِالْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ أَعَمُّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الَّذِي يُنْتِجُهُ دَلِيلُ الْكَعْبِيِّ (وَاعْلَمْ) أَنَّ دَلِيلَ الْكَعْبِيِّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ هَكَذَا فِعْلُ الْمُبَاحِ تَرْكُ الْحَرَامِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ فَأَوْرَدَ عَلَى الصُّغْرَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَامِ بَلْ هُوَ شَيْءٌ يَحْصُلُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ كَذَلِكَ مُنِعَتْ الْكُبْرَى بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الشَّيْءِ وُجُوبُ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَحْصُلُ الْوَاجِبُ بِهِ إذْ يُمْكِنُ حُصُولُهُ بِغَيْرِهِ وَهُنَا كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُبَاحِ، فَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْمَنْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي تَرْكِ الْحَرَامِ هُوَ ذَلِكَ الْمُبَاحُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ذَلِكَ التَّرْكُ، فَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِكُلٍّ مِنْهَا الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ لَا مِنْ حَيْثُ
كَالْمَكْرُوهِ (وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) أَيْ رَاجِعٌ إلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْكَعْبِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلِهِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَمْ يُخَالِفْ غَيْرَهُ وَمِنْ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ تَحَقُّقِ تَرْكِ الْحَرَامِ بِهِ، وَغَيْرُهُ لَا يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْإِبَاحَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ) إذْ هِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ
ــ
[حاشية العطار]
خُصُوصُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُخَيَّرَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُقَالُ يَكْفِي التَّعْيِينُ النَّوْعِيُّ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا.
قُلْنَا: لَا بُدَّ فِي التَّعْيِينِ النَّوْعِيِّ مِنْ تَعْيِينِ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ كَالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ مَثَلًا إذْ لَا يَكْفِي مُجَرَّدٌ اعْتِبَارِيٌّ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْعَامَّةِ وَالشَّارِحُ رحمه الله لَمَّا رَأَى تَوَجُّهَ الْمَنْعِ عَلَى الصُّغْرَى عَدَلَ إلَى الْأُسْلُوبِ الَّذِي ذَكَرَهُ، ثُمَّ أَنَّهُ طَوَى الصُّغْرَى وَذَكَرَ ثَلَاثَ مُقَدِّمَاتٍ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الْأُولَى أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ.
الثَّانِيَةُ: تَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ. الثَّالِثَةُ: مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الشَّيْءُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَهُوَ الْكُبْرَى فَنَظْمُ الْقِيَاسِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ هَكَذَا الْمُبَاحُ شَيْءٌ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ يُنْتِجُ الْمُبَاحُ وَاجِبٌ.
(قَوْلُهُ: كَالْمَكْرُوهِ)، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ مُحَرَّمٌ وَمِثْلُهُ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ بِالْأَوْلَى قَالُوا: وَيَتَحَقَّقُ بِالْحَرَامِ أَيْضًا فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْجِهَتَانِ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَفِي كَوْنِ الْحَرَامِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ ذَا جِهَتَيْنِ تَوَقُّفٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَافُتِ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حِينَئِذٍ طَلَبَ فِعْلٍ وَمَنْعٍ وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ.
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ دَرَجَاتِ الْحَرَامِ مُتَفَاوِتَةٌ كَالسُّكْرِ مَثَلًا وَالْقَتْلِ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ وَسِيلَةً لِدَفْعِ الثَّانِي وَكَقُبْلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِتَرْكِ الزِّنَا بِهَا مَثَلًا فَيُدْفَعُ أَشَدُّ الضَّرَرَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْحَرَامِ هُوَ الْكَفُّ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ وَالْكَفُّ عَنْ شَيْءٍ يَقْتَضِي أَنْ يُقْصَدَ وَأَنْ يَخْطُرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالْبَالِ فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْكَفَّ عَنْ شَيْءٍ وَفَعَلَ مُبَاحًا مَثَلًا وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْحَرَامُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَفٌّ فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِتَرْكِ الْحَرَامِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ آثِمٍ فَاجْتِمَاعُ تَرْكِ الْحَرَامِ وَفِعْلِ الْمُبَاحِ أَوْ غَيْرِهِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَالْوَاجِبُ الْكَفُّ لَا مَا يُقَارِنُهُ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالدَّلِيلَ فِي مُصَادَمَةِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُسْمَعَانِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ وَالْوَاجِبَ قِسْمَانِ مُتَبَايِنَانِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ جَائِزُ التَّرْكِ دُونَ الثَّانِي، وَمِنْهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا هُوَ تَرْكُ الْحَرَامِ يَكُونُ وَاجِبًا وَإِنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا إذَا حُمِدَ فَاعِلُهُ وَذُمَّ تَارِكُهُ فَالْفِعْلُ الَّذِي زَعَمْت أَنَّهُ فِعْلُ الْمُبَاحِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ إنْ قُصِدَ بِهِ التَّعَبُّدُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُبَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ، وَهَذَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) ظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْخُلْفِ بَيْنَ الْكَعْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ كَوْنَ الْخُلْفِ الَّذِي قَبْلَهُ لَفْظِيًّا مِمَّا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ كَوْنَ الْمُصَنِّفِ أَشَارَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ إلَى أَنَّ الْخُلْفَ لَفْظِيٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْكَعْبِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْخُلْفِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْخُلْفِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْكَمَالُ.
(قَوْلُهُ: قَدْ صَرَّحَ) أَيْ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ) مِنْ هُنَا أَخَذَ سم جَوَابُهُ عَنْ بَحْثِ الْكَمَالِ السَّابِقِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْأَصَحِّ بِمَعْنَى الْأَوْلَى وَإِلَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: إذْ هِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ) أَشَارَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِ فِي تَعْلِيلِ مُقَابِلِ الْأَصَحِّ بِقَوْلِهِ: إذْ هِيَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ إلَى ابْتِنَاءِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْإِبَاحَةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لَمْ
الْمُتَوَقِّفِ وُجُودُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى الشَّرْعِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا إذْ هِيَ انْتِفَاءُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَهُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَهُ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْوُجُوبَ) لِشَيْءٍ (إذَا نُسِخَ) كَأَنْ قَالَ الشَّارِعُ نَسَخْتُ وُجُوبَهُ (بَقِيَ الْجَوَازُ) لَهُ الَّذِي كَانَ فِي ضِمْنِ وُجُوبِهِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ بِمَا يُقَوِّمُهُ مِنْ الْإِذْنِ فِي التَّرْكِ الَّذِي خَلَفَ الْمَنْعُ مِنْهُ إذْ لَا قِوَامَ لِلْجِنْسِ بِدُونِ فَصْلٍ وَلَا إرَادَةَ ذَلِكَ قَالَ (أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ) يَعْنِي فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ مِنْ الْإِبَاحَةِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمَا (وَقِيلَ) الْجَوَازُ الْبَاقِي بِمُقَوِّمِهِ (الْإِبَاحَةَ) إذْ بِارْتِفَاعِ الْوُجُوبِ يَنْتَفِي الطَّلَبُ فَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ (وَقِيلَ) هُوَ (الِاسْتِحْبَابُ) إذْ الْمُتَحَقِّقُ بِارْتِفَاعِ الْوُجُوبِ انْتِفَاءُ الطَّلَبِ الْجَازِمِ فَيَثْبُتُ الطَّلَبُ غَيْرُ الْجَازِمِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا يَبْقَى الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ نَسْخَ الْوُجُوبِ يَجْعَلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
ــ
[حاشية العطار]
يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى، فَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ: وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ، عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِيَعُودَ إلَيْهَا أَيْضًا كَانَ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: إذْ هِيَ انْتِفَاءٌ إلَخْ) فَإِنَّ انْتِفَاءَ الْحَرَجِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالسُّكُوتِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ وَلَوْ فَسَّرَ هَذَا الْبَعْضُ الْإِبَاحَةَ بِالتَّخْيِيرِ مَا صَحَّ لَهُ نَفْيُ أَنَّهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلِذَلِكَ قِيلَ الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ هُنَا أَيْضًا وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ عَلَى التَّعْرِيفِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَجِ مَا يَشْمَلُ اللَّوْمَ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ الْإِبَاحَةَ فِعْلٌ وَانْتِفَاءَ الْحَرَجِ انْفِعَالٌ فَلَا يَصِحُّ التَّفْسِيرُ وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ نَقْلِ الِاصْطِلَاحِ مَا هُوَ فِعْلٌ إلَى مَا هُوَ انْفِعَالٌ.
(قَوْلُهُ: إذْ نُسِخَ) أَيْ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ مَا نُسِخَ إلَيْهِ، فَإِنْ بَيَّنَ اُتُّبِعَ.
(قَوْلُهُ: بِمَا) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى فَصْلٍ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَا قِوَامَ)، أَيْ: تَحَقُّقَ ضَرُورَةِ انْتِفَاءِ الْمَعْلُولِ لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ عِلَّةٌ لِوُجُودِ حِصَّةِ النَّوْعِ مِنْ الْجِنْسِ فَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ الْفَصْلِ.
وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَطَالِعِ كَوْنُ الْفَصْلِ عِلَّةً لِحِصَّةِ النَّوْعِ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ إنَّمَا يَتَخَصَّصُ بِمُقَارَنَةِ الْفَصْلِ، فَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْفَصْلُ لَا يَصِيرُ حِصَّةً.
(قَوْلُهُ: لِلْجِنْسِ) وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الْفِعْلِ، فَإِنَّهُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ.
(قَوْلُهُ: عَدَمُ الْحَرَجِ) أَيْ عَدَمُ الْإِثْمِ فَلَا يَرِدُ بَحْثُ النَّاصِرِ بِأَنَّ عَدَمَ الْحَرَجِ يُخْرِجُ الْمَكْرُوهَ فَلَا يَصِحُّ شُمُولُ الْجَوَازِ لَهُ وَحَاصِلُ رَدِّهِ أَنَّ الْجَوَازَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهُوَ عَدَمُ الْإِثْمِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْجَوَازُ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ عَدَمُ الْحَرَجِ فَالْخِلَافُ فِي التَّفْسِيرِ وَلَيْسَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ بَقِيَ الْجَوَازُ وَيَأْتِي مُقَابِلُهُ فِي قَوْلِهِ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ (قَوْلُهُ: يَنْتَفِي الطَّلَبُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفْيَ يَنْصَبُّ عَلَى الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ مَعًا، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْغَالِبِ مِنْ انْصِبَابِهِ عَلَى الْقَيْدِ.
(قَوْلُهُ: فَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ انْصِبَابُ النَّفْيِ عَلَى الْقَيْدِ.
(قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ وُجُوبٌ.
(قَوْلُهُ: