المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة من الألطاف حدوث الموضوعات اللغوية] - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ١

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدَّمَة الْكِتَاب]

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ]

- ‌[تَعْرِيفِ الْأُصُولِيّ]

- ‌ تَعْرِيفِ الْفِقْهِ

- ‌[تَعْرِيف الْفَرْض وَالْوَاجِب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْمَنْدُوبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ وَالسُّنَّةُ]

- ‌[تَعْرِيفِ السَّبَب]

- ‌[تَعْرِيفِ الْقَضَاء]

- ‌[تَعْرِيفِ الدَّلِيلُ]

- ‌[تَعْرِيف الْعِلْم]

- ‌[تَعْرِيف الْجَهْل]

- ‌[مَسْأَلَةٌ جَائِزُ التَّرْكِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مِنْ أَشْيَاءَ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ]

- ‌[فَرْضِ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ جَوَازًا وَقْتَ الْأَدَاءِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْفِعْلُ الْمَقْدُورُ لِلْمُكَلَّفِ الَّذِي لَا يُوجَدُ الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ إلَّا بِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ مُطْلَقُ الْأَمْرِ) بِمَا بَعْضُ جُزْئِيَّاتِهِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ مُطْلَقًا) :

- ‌[مَسْأَلَةُ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّكْلِيفِ بِمَشْرُوطِهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ) :

- ‌(مَسْأَلَةٌ: يَصِحُّ التَّكْلِيفُ وَيُوجَدُ مَعْلُومًا لِلْمَأْمُورِ آثَرَهُ) :

- ‌(خَاتِمَةٌ الْحُكْمُ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِأَمْرَيْنِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْأَوَّلُ) :فِي الْكِتَابِ وَمَبَاحِثِ الْأَقْوَالِ

- ‌(الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمَفَاهِيمِ) الْمُخَالَفَةُ (إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةً لُغَةً)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْغَايَةِ قِيلَ مَنْطُوقٌ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ

- ‌[مَسْأَلَةُ إنَّمَا بِالْكَسْرِ قَالَ الْآمِدِيُّ وَأَبُو حَيَّانَ لَا تُفِيدُ الْحَصْرَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ، وَالْجُمْهُورُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةٌ) :

- ‌[مَسْأَلَةٌ ثْبُوت اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[وَمَسْأَلَةُ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحِدَا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ: الِاشْتِقَاقُ) مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِالْفِعْلِ:

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُتَرَادِفِ وَاقِعٌ خِلَافًا لِثَعْلَبَ وَابْنِ فَارِسٍ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ الْمُتَعَدِّدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُشْتَرَكِ يَصِحُّ لُغَةً إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ]

- ‌(الْحَقِيقَةُ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ) لَهُ ابْتِدَاءً

- ‌الْمَجَازُ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الْمُعَرَّبُ

- ‌[مَسْأَلَةٌ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْكِنَايَةُ لَفْظٌ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ مُرَادًا مِنْهُ لَازِمُ الْمَعْنَى]

- ‌(الْحُرُوفُ)

- ‌(الْأَمْرُ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ مِنْ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا هَلْ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ]

- ‌[مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِطَلَبِ الْمَاهِيَّةِ]

- ‌[الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرُ النَّفْسِيُّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ إيجَابًا أَوْ نَدْبًا نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْوُجُودِيِّ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْأَمْرَانِ غَيْرَ مُتَعَاقِبَيْنِ أَوْ بِغَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ]

- ‌(النَّهْيُ)

- ‌(الْعَامِّ)

الفصل: ‌[مسألة من الألطاف حدوث الموضوعات اللغوية]

عَلَى اسْتِئْثَارِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ كَغَيْرِهِ مُتَعَدِّدًا كَمَا عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُونَ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آيَةِ {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ} [الحديد: 20] أَرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إلَّا هَذِهِ الْأُمُورُ الْمُحَقَّرَاتُ أَيْ وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ وَالْقُرَبُ فَمِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ لِظُهُورِ ثَمَرَتِهَا فِيهَا.

وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ إفَادَتَهَا الْحَصْرَ عَنْ التَّوَخِّيِّ أَيْضًا فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ وَفِي قَوْلِهِ كَابْنِ هِشَامٍ ادَّعَى إشَارَةً إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ بَقَاءِ إنَّ فِيهَا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهَا مَعَ كَفِّهَا بِمَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت اكْتِفَاءً بِكَوْنِهَا فِيهَا مِنْ أَفْرَاد إنَّ وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ الْأُولَى مَا يُوحَى إلَيَّ فِي أَمْرِ الْإِلَهُ إلَّا وَحْدَانِيَّتَهُ أَيْ لَا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ اشْتِرَاكٍ، وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ اعْلَمُوا حَقَارَةَ الدُّنْيَا أَيْ فَلَا تُؤْثِرُوهَا عَلَى الْآخِرَةِ الْجَلِيلَةِ فَبَقَاءُ إنَّ فِي الْآيَتَيْنِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِمَا مِنْ نَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَحْقِيرِ الدُّنْيَا

(مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ) :

جَمْعُ لَطَفٍ بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ

ــ

[حاشية العطار]

أَمْرِ الْإِلَهِ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْإِلَهِ بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّعَدُّدِ فَقَطْ فَالْقَصْر بِإِنَّمَا مَكْسُورَةٌ إضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى اسْتِيثَارِ) أَيْ اخْتِصَاصِ اللَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَهَذَا مِنْ أَنَّمَا الْمَفْتُوحَةِ فَالْمَقْصُورُ هُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَالْمَقْصُورُ عَلَيْهِ هُوَ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَهُوَ قَصْرُ أَفْرَادٍ رَدًّا عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ الشَّرِكَةَ وَفِيهِ أَنَّ اعْتِقَادَ الشَّرِكَةِ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ تُدَافَعُ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا اعْتِقَادٌ، فَإِنَّهَا نَفْيُ التَّعَدُّدِ فَلَا يَتَأَتَّى الرَّدُّ إذْ مَتَى مَا حَصَلَ إشْرَاكٌ وَلَا وَحْدَانِيَّةٌ كَذَا أَوْرَدَ النَّاصِرُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَحْصُورُ إلَهَكُمْ وَهُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ وَالْمَحْصُورُ فِيهِ إلَهٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اللَّهِ.

وَأَجَابَ النَّجَّارِيُّ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْقَلْبِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى اللَّهِ لَا يُوصَفُ بِهَا غَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَمْ يَعْتَقِدُوا قَصْرَ الْوَحْدَانِيَّةِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِمْ بِقَصْرِ الْقَلْبِ.

وَقَالَ سم: إنَّهُ مِنْ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِلَهَ وَهُوَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ مَقْصُورٌ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى التَّعَدُّدِ كَمَا قَالَ الْمُخَاطَبُونَ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ قَالَ وَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ خِلَافُ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ بِإِنَّمَا، فَإِنَّهَا لِقَصْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَيْهِ، وَجَعْلُ الْوَصْفِ كِنَايَةً عَنْ الْعِلْمِ بَعِيدٌ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِ الشَّارِحِ اسْتِيثَارُ اللَّهِ الْوَحْدَانِيَّةَ، فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ نَعَمْ جَعْلُ الْوَصْفِ كِنَايَةً عَنْ الْعِلْمِ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ مَحْوٌ لِخَوَاصِّ الْأَلْفَاظِ وَتَصَرُّفٌ فِي التَّرَاكِيبِ بِمَا لَا يُسَوِّغُهُ أَرْبَابُ الْمَعَانِي

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَتَجَاوَزُهُ) أَيْ لَا يَتَجَاوَزُ الْوَحْيُ الِاسْتِئْثَارَ وَدَفَعَ بِهَذَا مَا أَوْرَدَهُ أَبُو حَيَّانَ عَلَى الزَّمَخْشَرِيِّ بِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُوحَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِ الْإِلَهِ سِوَى التَّوْحِيدِ مَعَ أَنَّهُ أُوحِيَ إلَيْهِ فِي شَأْنِ الْإِلَهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الْإِيرَادَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ فِي الْآيَةِ حَقِيقِيٌّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ إضَافِيٌّ

(قَوْلُهُ: كَمَا عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُونَ) فِيهِ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَا يَقُولُونَ بِالْوَحْيِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ تَنْزِيلِ الْمُنَكَّرِ مَنْزِلَةَ غَيْرِ الْمُنَكَّرِ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا أَنَّ تَأَمُّلَهُ ارْتَدَعَ عَنْ إنْكَارِهِ وَلَمَّا تَقَوَّى ذَلِكَ بِالْبَرَاهِينِ صَارَ إنْكَارُهُمْ كَالْعَدَمِ

(قَوْلُهُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ) أَيْ الزَّمَخْشَرِيِّ قَوْلُهُ {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [محمد: 36] فَالْقَصْرُ فِيهِ مِنْ قَصْرِ الْمَوْصُوفِ عَلَى الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: أَرَادَ أَنَّ الدُّنْيَا) مَقُولُ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَقْصَى الْقَرِيبِ) اسْمُ كِتَابٍ وَلَا تَنَافِي فِي كَوْنِهِ أَقْصَى وَقَرِيبًا إذْ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ اسْتِيعَابِ الْأَحْكَامِ وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ سُهُولَةِ الْمَأْخَذِ مِنْ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَصْدَرِيَّتِهَا) أَيْ عَلَى مُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمَصْدَرِيَّةُ لَا تُنَافِي الْحَصْرَ (قَوْلُهُ: فِيمَا عَلِمْته) قَالَ ذَلِكَ تَحَرِّيًا لِلصِّدْقِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ أَبَا حَيَّانَ صَرَّحَ بِهِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ تَصْرِيحُ الْمُتَقَدِّمِينَ

(قَوْلُهُ: اعْلَمُوا حَقَارَةَ الدُّنْيَا) هَذَا الْحَلُّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَعْنَى وَلَا يَقْتَضِيهِ السَّبْكُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ خَبَرُ اسْمِ إنَّ جَامِدًا أُضِيفَ إلَيْهِ الْكَوْنُ فَيُقَالُ هُنَا اعْلَمُوا كَوْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إلَخْ (قَوْلُهُ: كَافٍ) إلَى أَنَّ الْحَصْرَ أَبْلَغُ

[مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ]

(قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ مِنْ الْأَلْطَافِ إلَخْ) :

هَذِهِ فِي الْحَقِيقَةِ تَرْجَمَةٌ لِمَسَائِلَ مُتَعَدِّدَةٍ (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَلْطُوفٍ) إنَّمَا أُوِّلَ الْمَصْدَرُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ لِيَصِحَّ الْإِخْبَارُ بِقَوْلِهِ حُدُودٌ إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا كَانَ الْمُنَاسِبُ إحْدَاثَ) ؛ لِأَنَّ اللَّطَفَ صِفَةُ فِعْلٍ أَوْ صِفَةُ ذَاتٍ بِمَعْنَى

ص: 341

أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْمَلْطُوفِ بِالنَّاسِ بِهَا (حُدُوثُ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ) بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى وَإِنْ قِيلَ وَاضِعُهَا غَيْرُهُ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِهِمْ (لِيُعَبِّرَ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَيُعَبِّرَ كُلٌّ مِنْ النَّاسِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ لِغَيْرِهِ حَتَّى يُعَاوِنَهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِهِ (وَمَرَّ) فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ (أَفْيَدُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْمِثَالِ) أَيْ الشَّكْلُ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْمَوْجُودَ وَالْمَعْدُومَ وَهُمَا يَخُصَّانِ الْمَوْجُودَ الْمَحْسُوسَ (وَأَيْسَرُ) مِنْهُمَا أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهَا لِلْأَمْرِ الطَّبِيعِيِّ دُونَهُمَا بِأَنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلنَّفْسِ الضَّرُورِيَّ

ــ

[حاشية العطار]

إيصَالِ الْإِحْسَانِ إلَى الْعَبْدِ أَوْ إرَادَةِ ذَلِكَ الْحُدُوثِ وَلَيْسَ الْحُدُوثُ بَعْضًا مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِمَعْنًى مَلْطُوفٍ بِهِ بِحَيْثُ يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ اللَّفْظُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَيَانُ الْمَعْنَى فَلَا يُقَالُ إنَّ فِيهِ حَذْفَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَهُوَ كَأَصْلِهِ مُمْتَنِعُ الْحَذْفِ (قَوْلُهُ: بِهَا) أَيْ بِسَبَبِهَا بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ لِحُصُولِ أَثَرِ اللَّطَفِ وَهُوَ إفْهَامُ مَا فِي النَّفْسِ بِالْأَلْفَاظِ، فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى حُدُوثِ الْمَوْضُوعَاتِ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ اللَّطَفَ لَازِمٌ يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ بِالْبَاءِ هِيَ فِي الْأَوَّلِ لِمُجَرَّدِ التَّعْدِيَةِ وَفِي الثَّانِي لَهَا مَعَ السَّبَبِيَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا يَتَعَدَّى إلَى اثْنَيْنِ بِحَرْفَيْنِ مُتَّحِدِي الْمَعْنَى

(قَوْلُهُ: الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ) خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُنَا مُطْلَقَ اللُّغَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يَحْتَاجُ إلَى لُغَتِهِ أَوْ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ وَغَيْرَهَا وَالْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ الْآتِي أَعْنِي قَوْلَهُ وَهِيَ الْأَلْفَاظُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى) تَحْقِيقٌ لِلْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ الْحُدُوثَ لَا يَكُونُ إلَّا بِإِحْدَاثِهِ تَعَالَى

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِهِمْ) أَيْ وَمِنْهَا الْوَضْعُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَوْضُوعَاتِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَوْضُوعَاتٌ، فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ خَلْقِ الْأَلْفَاظِ الْوَضْعُ، فَإِنَّهُ لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْأَفْعَالِ الْأَلْفَاظُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ) فَيَكُونُ الْفِعْلُ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ

(قَوْلُهُ: مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى كُلٍّ وَضَمِيرُ إلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى مَا وَضَمِيرُ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ يَرْجِعُ إلَى كُلٍّ أَيْضًا، وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي لِغَيْرِهِ وَأُتِيَ بِالْمَعْمُولِ عَامًّا؛ لِأَنَّ حَذْفَهُ يُؤْذِنُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ أَيْ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْغَيْرِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْمَوْضُوعَاتُ اللُّغَوِيَّةُ أَيْ دَلَالَتُهَا وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فِي الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: أَفْيَدُ) مَصُوغٌ مِنْ فَادَ الثُّلَاثِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فَادَتْ لَهُ فَائِدَةٌ بِمَعْنَى حَصَلَتْ أَوْ مِنْ أَفَادَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ سم أَنَّ فِي أَخْذِ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ الْمَصْدَرِ بِالْهَمْزَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَهُوَ جَارٍ عَلَى أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْمَوْضُوعَاتِ أَيْ دَلَالَتُهَا

(قَوْلُهُ: وَهُمَا يَخُصَّانِ إلَخْ) وَأَيْضًا يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِثَالًا يُطَابِقُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْثِلَةَ الْمُجَسَّمَةَ كَمَا يَجْعَلُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ لَا نَفْيَ بِالْمَعْدُومَاتِ وَالْمُخَطَّطَةِ كَانَ يَنْقُشُ صُورَةَ الْفَرَسِ عَلَى جِدَارٍ كَذَلِكَ وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ شُمُولِ الْمِثَالِ وَالشَّكْلِ لِلْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخُصُّ الْمَوْجُودَ الْمَحْسُوسَ بَلْ تَشْمَلُ الْمَعْدُومَ أَيْضًا لَكِنَّ الْأَلْفَاظَ أَيْسَرُ مِنْهَا وَكَانَ وَجْهُ تَرْكِ الْمُصَنِّفُ لَهَا أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْأَلْفَاظِ فَهِيَ مِنْ تَوَابِعِهَا

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا كَيْفِيَّاتٌ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّوْتَ كَيْفِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْهَوَاءِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحُكَمَاءِ وَفِي الطَّوَالِعِ أَنَّ الْحُرُوفَ كَيْفِيَّاتٌ عَارِضَةٌ لِلْأَصْوَاتِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الشِّفَاءِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْحُكَمَاءِ فَكَيْفَ جَعَلَهَا هُنَا كَيْفِيَّةً لِلنَّفْسِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَوْتٍ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَرْفَ عَارِضٌ لِلصَّوْتِ وَهُوَ لِلنَّفْسِ وَالْعَارِضُ لِلْعَارِضِ عَارِضٌ وَفِيهِ قِيَامُ الْعَارِضِ بِالْعَرَضِ وَالْحُكَمَاءُ

ص: 342

(وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي) خَرَجَ الْأَلْفَاظُ الْمُهْمَلَةُ

ــ

[حاشية العطار]

يُجَوِّزُونَهُ وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْمَقُولَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَلْفَاظُ إلَخْ) دَخَلَ فِيهَا الْأَلْفَاظُ الْمُقَدَّرَةُ كَالضَّمَائِرِ الْمُسْتَتِرَةِ وَخَرَجَتْ الدَّوَالُّ الْأَرْبَعُ ثُمَّ إنَّهُ جَمَعَ فِي التَّعْرِيفِ عَلَى وِزَانِ الْجَمْعِ فِي الْمُعَرَّفِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ لِلْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِأَلْ يُفِيدُ الْعُمُومَ وَمَدْلُولُ الْعَامِّ كُلِّيَّةً لَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ دَالٌّ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ اللُّغَةِ فَسَاوَى قَوْلَ ابْنِ الْحَاجِبِ اللُّغَةُ كُلُّ لَفْظٍ وُضِعَ لِمَعْنًى انْدَفَعَ قَوْلُ النَّاصِرِ: إنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ اللُّغَةَ تُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنًى بِخِلَافِ تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَأُورِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ أَنَّ فِيهِ تَجْدِيدَ الْجَمْعِ وَالْحَدُّ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَاهِيَّةِ.

وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهَا مُفْرَدٌ وَأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ الْحَدِّ عَنْ الْحُكْمِ بِأَيُّهَا أَفْيَدُ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ حَدٌّ لِلْمَاهِيَّةِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهَا فِي ضِمْنِ الْأَفْرَادِ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَعْرِيفَ الْمَاهِيَّةِ بَلْ هُوَ حَدٌّ لَفْظِيٌّ لِلْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ فِي قَوْلِك مَثَلًا الْمَوْضُوعَاتُ اللُّغَوِيَّةُ تَوْقِيفِيَّةٌ فَالسَّامِعُ عَرَّفَ الْمَوْضُوعَاتِ بِوَجْهٍ مَا وَيُعَرِّفُ الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَعَانِي وَلَكِنْ يَجْهَلُ التَّطْبِيقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا الْحَدُّ يُفِيدُهُ مَا كَانَ يَجْهَلُهُ.

وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا بِوَجْهٍ مَا، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَيْضًا شُمُولَ تَعْرِيفِ الْمُصَنِّفِ الْمَجَازَ وَالْكِنَايَةَ وَالْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعُرْفِيَّةَ وَفِي صِدْقِ الْمَحْدُودِ عَلَيْهَا نَظَرٌ اهـ.

وَأَقُولُ: مَبْنِيُّ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْضِعِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِ الْمَوْضُوعَاتِ الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ فِي قَوْلِ اللَّفْظِ الدَّالِّ الدَّلَالَةُ بِالنَّفْسِ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَضْعِ مَا يَشْمَلُ الشَّخْصِيَّ وَالنَّوْعِيَّ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَشَمِلَ الْحَدُّ الْمُرَكَّبَ الْإِسْنَادِيَّ وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ إذْ لَوْ أُرِيدَ الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ لَمَا تَنَاوَلَهُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْمُرَكَّبِ نَوْعِيٌّ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّلَالَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الدَّلَالَةِ بِالنَّفْسِ أَوْ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ فَيَدْخُلُ الْمَجَازُ وَالْكِنَايَةُ وَكَيْفَ يَدْخُلَانِ فِي الْمَحْدُودِ وَهُمَا شَائِعَانِ فِي اللُّغَةِ وَأَمَّا الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ فَهِيَ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ فَتَدْخُلُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ أَيْضًا، وَأَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلَا خَفَاءَ فِي دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهِ دَالٌّ بِنَفْسِهِ، وَاحْتِيَاجُهُ لِلْقَرِينَةِ إنَّمَا هُوَ لِمُزَاحَمَةِ الْمَعَانِي فَتَأَمَّلْ فَهَذَا أَدَقُّ مِمَّا تَكَلَّفَهُ سم

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعَانِي) الْمُرَادُ بِهَا مَدْلُولَاتُ الْأَلْفَاظِ مَعَانِيَ كَانَتْ أَوْ أَلْفَاظًا فَلَا يُنَافِي تَقْسِيمَهُ بَعْدَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ إلَى مَعْنًى وَإِلَى لَفْظٍ (قَوْلُهُ: خَرَجَ الْأَلْفَاظُ الْمُهْمَلَةُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَا عُنِيَ مِنْ اللَّفْظِ وَقُصِدَ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُهْمَلَاتُ وَهَذَا لَا يُنَافِي دَلَالَتَهَا عَلَى حَيَاةِ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ عَقْلِيَّةٌ وَقَوْلُ النَّاصِرِ: إنَّ فِي خُرُوجِهَا شَيْئًا لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَعْنًى كَحَيَاةِ اللَّافِظِ

ص: 343

وَشَمَلَ الْحَدُّ الْمُرَكَّبَ الْإِسْنَادِيَّ وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ عَلَى الْمُخْتَارِ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ (وَتُعْرَفُ بِالنَّقْلِ تَوَاتُرًا) نَحْوُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ لِمَعَانِيهَا الْمَعْرُوفَةِ (أَوْ آحَادًا) كَالْقُرْءِ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ (وَبِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ مِنْ النَّقْلِ) نَحْوُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ عَامٌّ فَإِنَّ الْعَقْلَ يَسْتَنْبِطُ ذَلِكَ مِمَّا نُقِلَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِهِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِأَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ وَكُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ كَمَا سَيَأْتِي لِلُّزُومِ تَنَاوُلُهُ لِلْمُسْتَثْنَى (لَا مُجَرَّدَ الْعَقْلِ) فَلَا تُعْرَفُ بِهِ إذْ لَا مَجَالَ لَهُ فِي ذَلِكَ

(وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ إمَّا مَعْنًى جُزْئِيٌّ أَوْ كُلِّيٌّ) الْأَوَّلُ مَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ الشَّرِكَةِ فِيهِ كَمَدْلُولِ زَيْدٍ، وَالثَّانِي مَا لَا يَمْنَعُ كَمَدْلُولِ الْإِنْسَانِ كَمَا سَيَأْتِي

ــ

[حاشية العطار]

سَاقِطٌ بِمَا قُلْنَاهُ وَمَا قَالَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ: إنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُقْصَدُ مِنْ اللَّفْظِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَضْعِ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ الْمَحْدُودِ) أَيْ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) مِنْ أَنَّ دَلَالَتَهُ وَضْعِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَتُعْرَفُ) أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي وَلَيْسَ الْمُرَاد تُعْرَفُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ بَلْ الْمُرَادُ تُعْرَفُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى الْمَعَانِي (قَوْلُهُ: تَوَاتُرًا) أَيْ نَقْلَ تَوَاتُرٍ فَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ثُمَّ إنَّ طُرُقَ الِاسْتِفَادَةِ مُطْلَقًا ثَلَاثَةٌ عَقْلٌ وَنَقْلٌ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِقْلَالُ الْعَقْلِ بِإِدْرَاكِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ انْحَصَرَ الطُّرُقُ فِي اثْنَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بِالنَّقْلِ أَيْ مُجَرَّدًا أَوْ بِاسْتِنْبَاطِ الْعَقْلِ أَيْ بِوَاسِطَةِ النَّقْلِ، وَالْعَضُدُ لَمَّا أَرَادَ بِالنَّقْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ جَعَلَهَا قِسْمًا وَاحِدًا فَلَا يَعْتَرِضُ بِكَلَامِهِ عَلَى صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ كَمَا فَعَلَ النَّاصِرُ (قَوْلُهُ: نَحْوُ الْجَمْعِ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ نَتِيجَةُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِأَلْ عَامٌّ وَقَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ إلَخْ مُقَدِّمَةٌ صُغْرَى نَقْلِيَّةٌ وَيَشْهَدُ بِنَقْلِهَا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ وَقَوْلُهُ أَيْ إخْرَاجُ تَفْسِيرٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يُضَمَّ إلَخْ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى مَعَ، وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ إلَى مَا نُقِلَ وَقَوْلُهُ وَكُلَّمَا صَحَّ إلَخْ مُقَدِّمَةٌ كُبْرَى عَقْلِيَّةٌ وَالشَّارِحُ قَيَّدَ مَوْضُوعَهَا بِقَوْلِهِ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ لِيَخْرُجَ نَحْوُ قَوْلِنَا لَهُ عَلَى عَشْرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِعَامٍّ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُضَمَّ) تَفْسِيرٌ لِلِاسْتِنْبَاطِ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ مَا صَحَّ إلَخْ مَفْعُولُ يُضَمُّ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ) خَرَجَ الْعَدَدُ كَمَا نَبَّهْنَاك عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ هَذَا الْقَيْدِ فِي الصُّغْرَى أَيْضًا لِيَتَكَرَّرَ الْحَدُّ الْوَسَطُ

(قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ وَمِعْيَارِ الْعُمُومِ وَالِاسْتِثْنَاءِ

(قَوْلُهُ: وَمَدْلُولُ اللَّفْظِ إلَخْ) أَرَادَ مَا يَشْمَلُ الْمَفْهُومَ وَالْمَاصَدَقَ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ (قَوْلُهُ: إمَّا مَعْنًى جُزْئِيٌّ) قَدْ يُقَالُ هَذَا إنَّمَا يُنَاسِبُ اخْتِيَارَ وَالِدِهِ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا اخْتِيَارُهُ هُوَ وَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ؛ لِأَنَّ الْخَارِجِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا جُزْئِيًّا فَلَا يَصِحُّ تَقْسِيمُهُ لِلْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ وَاخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلذِّهْنِيِّ، فَإِنَّهُ وَإِنَّ صَحَّ التَّقْسِيمُ لِلْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ لَا يُوصَفُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ بِكَوْنِهِ لَفْظًا فَلَا يَصِحُّ تَقْسِيمُ الْمَدْلُولِ إلَى الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُنَاسِبُ كُلًّا مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّكِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْكَلَامُ هُنَا فِيمَا يَشْمَلُ الْمَعْرِفَةَ وَسَيَأْتِي أَنَّ مِنْهَا مَا وُضِعَ لِلْخَارِجِيِّ وَمِنْهَا مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ (قَوْلُهُ: جُزْئِيٌّ) نِسْبَةً لِلْجُزْءِ وَهُوَ الْكُلِّيُّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ كُلِّهِ وَالْكُلِّيُّ

ص: 344

مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ (أَوْ لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُسْتَعْمَلٌ كَالْكَلِمَةِ فَهِيَ قَوْلٌ مُفْرَدٌ) ، وَالْقَوْلُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ يَعْنِي كَمَدْلُولِ الْكَلِمَةِ بِمَعْنَى مَاصَدَقِهَا كَرَجُلٍ وَضَرَبَ وَهَلْ (أَوْ) لَفْظٌ مُفْرَدٌ (مُهْمَلٌ كَأَسْمَاءِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ) يَعْنِي كَمَدْلُولِ أَسْمَائِهَا نَحْوُ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَالسِّينِ أَسْمَاءٌ لِحُرُوفِ جَلَسَ مَثَلًا أَيْ جه لَهْ سَهْ (أَوْ) لَفْظٌ (مُرَكَّبٌ مُسْتَعْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْخَبَرِ) أَيْ مَاصَدَقُهُ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ أَوْ مُهْمَلٌ كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْإِخْبَارِ التَّصْرِيحُ بِقِسْمَيْ الْمُرَكَّبِ مَعَ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي وَضْعِ الْأَوَّلِ وَوُجُودِ الثَّانِي وَإِطْلَاقِ الْمَدْلُولِ عَلَى الْمَاصَدَقِ كَمَا هُنَا سَائِغٌ، وَالْأَصْلُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ

ــ

[حاشية العطار]

نِسْبَةً لِلْكُلِّ وَهُوَ الْجُزْئِيُّ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ

(قَوْلُهُ: مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ تَعْرِيفُ الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ، وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى إنْ اتَّحَدَا، فَإِنَّهُ مَنَعَ تَصَوُّرَ مَعْنَاهُ الشَّرِكَةَ فَجُزْئِيٌّ وَإِلَّا فَكُلِّيٌّ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ تَعْرِيفُهُمَا

(قَوْلُهُ: أَوْ لَفْظٌ) عَطْفٌ عَلَى مَعْنَى (قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ) جَارِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَلِمُقَابَلَةِ الْمُهْمَلِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لَفْظٌ وُضِعَ لِمَعْنًى مُفْرَدٍ اُسْتُعْمِلَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: يَعْنِي كَمَدْلُولِ الْكَلِمَةِ) قَدْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَدْلُولِ وَلَمَّا كَانَ مَدْلُولُهَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلِ الْمُفْرَدِ وَهُوَ كُلِّيٌّ فَهُوَ صُورَةٌ ذِهْنِيَّةٌ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا قَوْلٌ إذْ الْقَوْلُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ أُرْدِفَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بِمَعْنَى مَاصَدَقَهَا لِيَصِحَّ التَّمْثِيلُ

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَاصَدَقَهَا) أَيْ الْأَفْرَادِ الَّتِي يَصْدُقُ لَفْظُ الْكَلِمَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَسْمَاءً كَانَ أَوْ فِعْلًا أَوْ حَرْفًا (قَوْلُهُ: الْهِجَاءِ) هُوَ تَقْطِيعُ الْكَلِمَةِ بِذِكْرِ أَسْمَاءِ حُرُوفِهَا

(قَوْلُهُ: كَمَدْلُولِ أَسْمَائِهَا) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ مَاصَدَقَهُ قَالَهُ النَّاصِرُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَذَفَهَا اكْتِفَاءً بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ جه مَثَلًا مَنْطُوقًا لِزَيْدٍ غَيْرُهُ مَنْطُوقًا لِعَمْرٍو وَفِي جَلَسَ غَيْرُهُ فِي جَعْفَرٍ فَجَهْ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَسْمَاءٌ لِحُرُوفِ جَلَسَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَدْلُولَ شَخْصِيٌّ وَفِيهِ مَا قَدْ عَلِمْت وَأَنَّ جه فِي جَلَسَ وَجَعْفَرٍ وَاحِدٌ شَخْصِيٌّ قَائِمٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِمَحَلَّيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ وَذَلِكَ مُحَالٌ بَدِيهَةً اهـ.

فَمَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ الِاعْتِبَارِيِّ وَهُوَ تَدْقِيقٌ فَلْسَفِيٌّ لَا تَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ عِلْمًا

(قَوْلُهُ: أَيْ جه) الْهَاءُ لِلسَّكْتِ وَالْحُرُوفُ جَ لَ سَ (قَوْلُهُ: أَوْ مُرَكَّبٌ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ مُفْرَدٌ الْوَاقِعُ صِفَةً لِلَّفْظِ فَيَنْقَسِمُ كَمَتْبُوعِهِ إلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمُهْمَلِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُقَابِلِ وَعَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: أَيْ مَاصَدَقَهُ) أَيْ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُهْمَلٍ) إنْ قِيلَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُرَكَّبِ الْمُهْمَلِ حَدُّ الْمُرَكَّبِ وَهُوَ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزْءِ مَعْنَاهُ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُهْمَلًا قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ هُنَا مَا فِيهِ كَلِمَتَانِ فَأَكْثَرُ

(قَوْلُهُ: كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَمَدْلُولُهُ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ فَالْهَذَيَانُ مَخْصُوصٌ بِالْمُرَكَّبِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ قَالَ النَّاصِرُ وَلَمْ يَقُلْ مَاصَدَقَهُ لِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ فِي وُجُودِهِ خِلَافًا لَكِنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَا يَجُوزُ عَدَمُ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ إذْ التَّمْثِيلُ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْمَاصَدَقَ، وَأَمَّا وُجُودُهُ فَأَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ اهـ.

أَقُولُ: قَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ الْمَاصَدَقَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَحَذَفَهُ فِي بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ لِلِاعْتِمَادِ عَلَى فَطَانَةِ السَّامِعِ عَلَى تَقْدِيرِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذِكْرُهُ فِي كُلِّ مِثَالٍ

(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي مَبْحَثِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنًى مُرَادٍ هُنَا بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ

(قَوْلُهُ: وَوُجُودُ الثَّانِي) أَيْ الْمُرَكَّبِ الْمُهْمَلِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَاصَدَقَ) أَيْ مَعَ الْمَفْهُومِ أَيْضًا لَا الْمَاصَدَقَ وَحْدَهُ وَإِلَّا لَفَسَدَ التَّقْسِيمُ؛ لِأَنَّ الْمَدْلُولَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ أَوْ لَفْظٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْسِيمَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّ أُرِيدَ بِهِ الْمَاصَدَقَ وَحْدَهُ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ كَمَدْلُولِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَفْهُومٌ لَا لِمَا صَدَقَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ لَا كُلِّيٌّ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَدْلُولِ مَا يَعُمُّ الْمَاصَدَقَ وَالْمَفْهُومَ إمَّا عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ عُمُومِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ: سَائِغٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ لُغَةً، وَأَصْلُهُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ فَحَذَفَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَاللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى مَاصَدَقَهُ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَفْهُومِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ) أَيْ الْحَقِيقَةُ

ص: 345

أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ

(وَالْوَضْعُ جَعْلُ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى) فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ لَهُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى لُغَوِيَّةٍ وَعُرْفِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَفِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مَا ذَكَرَ فَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ وَالشَّرْعِيِّ خِلَافَ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ إنَّهُمَا

ــ

[حاشية العطار]

الِاصْطِلَاحِيَّةُ

(قَوْلُهُ: أَيْ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ) وَتَسْمِيَتُهُ مَفْهُومًا بِاعْتِبَارِ فَهْمِ السَّامِعِ لَهُ مِنْ اللَّفْظِ وَمَعْنًى بِاعْتِبَارِ عِنَايَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ قَصْدِهِ إيَّاهُ مِنْ اللَّفْظِ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ ذَاتًا مُخْتَلِفَانِ اعْتِبَارًا

(قَوْلُهُ: وَالْوَضْعُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ فَأَلْ لِلْعَهْدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جَعْلِ اللَّفْظِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الْوَضْعِ لَقَالَ جَعَلَ الشَّيْءَ ثُمَّ إنْ أُرِيدَ الْجَعْلُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إطْلَاقُهُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مُفِيدًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى لَا تَتَقَيَّدُ إفَادَتُهُ لَهُ بِاشْتِرَاطِ وُجُودِ قَرِينَةٍ وَيُسَمَّى وَضْعًا شَخْصِيًّا كَزَيْدٍ عَلَمًا وَيَنْدَرِجُ فِيهِ بَعْضُ أَقْسَامِ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ أَيْضًا وَهُوَ الْمُنْدَرِجُ تَحْتَ قَاعِدَةٍ لَهُ كُلِّيَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الدَّلَالَةِ الْقَرِينَةُ كَدَلَالَةِ الْمُثَنَّى عَلَى اثْنَيْنِ كَانَ الْمَجَازُ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ، وَإِنَّ أُرِيدَ الْجَعْلُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إطْلَاقُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُفِيدًا لِفَهْمِ الْمَعْنَى وَهُوَ وَقْتُ اقْتِرَانِ الْقَرِينَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى انْضِمَامُ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ كَانَ الْمَجَازُ مَوْضُوعًا فَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعًا أَوْ لَا لَفْظِيٌّ مَنْشَؤُهُ الِاخْتِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْوَضْعِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِي الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ

(قَوْلُهُ: فَيَفْهَمُهُ) لَا يَصِحُّ نَصْبُهُ بِأَنَّ مُضْمَرَةٍ عَطْفًا عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ جَعْلُ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ جَعَلَهُ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى فَيَفْهَمُهُ مِنْهُ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْفَهْمَ قَيْدٌ فِي تَعْرِيفِ الْوَضْعِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ مَرْفُوعٌ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَضْعَ كَافٍ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فِي الْفَهْمِ فَهَذَا الْحَدُّ مُسَاوٍ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ تَعْيِينُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ وَلَا خَفَاءَ فِي صِدْقِ شَيْءٍ مِنْهُمَا عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ؛ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ لَا أَحَدُهُمَا فَمَا رَامَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ انْدِرَاجِ وَضْعِ الْمَجَازِ بِأَقْسَامِهِ فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ فَيَفْهَمُهُ إلَخْ وَالصَّوَابُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ أَنَّ الْمَجَازَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ أَلْبَتَّةَ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْوَضْعِ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّاصِرُ.

وَقَدْ عَلِمْت انْدِفَاعَهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْوَضْعِ وَأَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ السَّيِّدِ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ مُعَارَضٌ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي حَاشِيَةِ الشَّرْحِ الْعَضُدِيِّ وَأَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الدَّالَّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ مَمْنُوعٌ بَلْ الدَّالُّ هُوَ اللَّفْظُ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ وَأَنَّ تَفْسِيرَ الْوَضْعِ بِتَعْيِينِ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ أَحَدُ تَفْسِيرَيْنِ لَهُ.

وَقَدْ بَسَطَ الْمُحَقِّقُ الْعِصَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ شَرْحِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ مَعَ مَا كَتَبْنَاهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى ذَلِكَ الشَّرْحِ

(قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ اللَّفْظِ (قَوْلُهُ: الْعَارِفُ بِوَضْعِهِ) أَيْ فَهُوَ فَهْمُ تَذْكِيرٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ مَجْهُولٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْوَضْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَضْعَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَيَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَقُّلِ الطَّرَفَيْنِ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي ذِكْرُ الْوَضْعِ) الْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الْوَضْعَ سِتَّةُ أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَثَلَاثَةٌ فِي الْمَجَازِ وَكُلُّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ جَعْلَ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْجَعْلَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ وَيَصْدُقُ بِكَوْنِ الْجَاعِلِ وَاضِعَ اللُّغَةِ أَوْ الشَّارِعِ أَوْ أَهْلِ الْعُرْفِ بِقِسْمَيْهِ بِقَرِينَةِ مَا سَيَأْتِي مِنْ ذِكْرِ الْوَضْعِ فِي حَدِّ الْحَقِيقَةِ مَعَ تَقْسِيمِهَا إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِّ الْمَجَازِ مَعَ انْقِسَامِهِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: مَعَ انْقِسَامِهِ) عَبَّرَ هُنَا بِالِانْقِسَامِ وَفِي الْحَقِيقَةِ بِالتَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ الْحَقِيقَةَ فَقَطْ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ انْقِسَامُ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا وَالِانْقِسَامُ أَثَرُ التَّقْسِيمِ

(قَوْلُهُ: إلَى مِثْلِ إلَخْ) زَادَ لَفْظَ " مِثْلِ "؛ لِأَنَّ أَقْسَامَ الْمَجَازِ غَيْرُ أَقْسَامِ الْحَقِيقَةِ فَالْمَاصَدَقَ مُخْتَلِفٌ (قَوْلُهُ: يَصْدُقُ عَلَى الْعُرْفِيِّ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَجَازِ أَوْ فِي الْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَصْرِ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ (قَوْلُهُ: خِلَافُ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ) أَيْ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ الْقَرَافِيِّ وَمُرَادُهُ أَنَّ الْوَضْعَ الْعُرْفِيَّ أَوْ الشَّرْعِيَّ كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَحَاصِلُ رَدِّهِ أَنَّ الْوَضْعَ جَعْلُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى

ص: 346

فِي الْحَقِيقَةِ كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى بِحَيْثُ يَصِيرُ فِيهِ أَشْهَرَ مِنْ غَيْرِهِ نَعَمْ يُعْرَفَانِ فِيهَا بِالْكَثْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ بِالنَّقْلِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَوِيِّ (وَلَا يُشْتَرَطُ مُنَاسَبَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى) فِي وَضْعِهِ لَهُ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ لِلضِّدَّيْنِ كَالْجَوْنِ لِلْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ لَا يُنَاسِبُهُمَا خِلَافًا (لِعَبَّادٍ) الصَّيْمَرِيِّ (حَيْثُ أَثْبَتَهَا) بَيْنَ كُلِّ لَفْظٍ وَمَعْنَاهُ.

قَالَ وَإِلَّا فَلِمَ اخْتَصَّ بِهِ (فَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ عَلَى الْوَضْعِ) عَلَى وَفْقِهَا فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَقِيلَ بَلْ) بِمَعْنَى أَنَّهَا (كَافِيَةٌ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَضْعِ يُدْرِكُ ذَلِكَ مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا فِي الْقَافَةِ وَيَعْرِفُهُ غَيْرُهُ مِنْهُ قَالَ الْقَرَافِيُّ حُكِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَقِيلَ لَهُ مَا مُسَمَّى آذغاغ وَهُوَ مِنْ لُغَةِ الْبَرْبَرِ فَقَالَ أَجِدُ فِيهِ يُبْسًا شَدِيدًا وَأَرَاهُ اسْمَ الْحَجَرِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عَبَّادٍ (وَاللَّفْظُ) الدَّالُّ عَلَى مَعْنًى ذِهْنِيٍّ خَارِجِيٍّ أَيْ

ــ

[حاشية العطار]

وَالِاسْتِعْمَالُ عَلَامَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَمَارَةُ تَعْرِيفٍ بِهَا إذْ الْمُرَادُ بِالْجَعْلِ عِنْدَهُمْ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعُرْفِ اعْلَمُوا أَنَّ كَذَا اسْمٌ لِكَذَا أَوْ أَنَا عَيْنَا كَذَا لِكَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ قَوْلِ الشَّارِعِ كَذَلِكَ بَلْ تَحْصُلُ مَعْرِفَةُ التَّعْيِينِ بِتَكَرُّرِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ وَتَكَرُّرِ وُرُودِ اللَّفْظِ فِي الشَّرْعِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَفَهِمَ الرَّسُولُ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُ وَفَهِمَ الْأُمَّةُ ذَلِكَ عَنْهُ

(قَوْلُهُ: فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ قِسْمَيْ الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْ وَلَيْسَ هُنَاكَ تَعْيِينٌ وَهَذَا أَدَقُّ وَأَظْهَرُ فِي مُرَادِ الْقَرَافِيِّ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَصِيرُ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ وَالْأَوْلَى بِحَيْثُ يَصِيرُ فِيهِ أَشْهَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ أَيْ بِحَيْثُ يَصِيرُ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَشْهَرُ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى إفَادَةِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ

(قَوْلُهُ: نَعَمْ يُعْرَفَانِ) اسْتِدْرَاكٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْكَثْرَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا وَيُعْرَفَانِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ لَا التَّعْرِيفِ وَضَمِيرُ فِيهَا يَعُودُ عَلَى الْحَقِيقَةِ

(قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ) أَيْ عَلَى الْعُرْفِيِّ الْعَامِّ وَالْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ يَشْمَلُ الشَّرْعِيَّ وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ (قَوْلُهُ: بِالنَّقْلِ) أَيْ الْإِخْبَارِ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ كَأَنْ يَنْقُلَ عَنْ النُّحَاةِ مَثَلًا أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الِاسْمُ الْمَرْفُوعُ إلَخْ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ لِكُلِّ أَحَدٍ كَالدَّابَّةِ لِذَاتِ الْأَرْبَعِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَعْنًى إلَى مَعْنًى، فَإِنَّهُ لَا يَخُصُّ الْعُرْفِيُّ الْخَاصُّ إذْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْعَامِّ أَيْضًا، فَإِنَّ الدَّابَّةَ لُغَةٌ لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ نُقِلَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ لِذَاتِ الْأَرْبَعِ

(قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) أَيْ النَّقْلُ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ الْأَصْلُ فِي اللُّغَوِيِّ، وَأَمَّا الِاسْتِنْبَاطُ فَخِلَافُ الْأَصْلِ

(قَوْلُهُ: لِعِبَادٍ) هُوَ أَبُو سَهْلِ ابْنُ سُلَيْمَانَ الصَّيْمَرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا نِسْبَةً إلَى صَيْمَرَ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَرْيَةٍ آخِرِ عِرَاقِ الْعَجَمِ وَأَوَّلِ عِرَاقِ الْعَرَبِ وَهُوَ مِنْ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ

(قَوْلُهُ: حَيْثُ أَثْبَتَهَا) الْمُطَابِقُ لِلْمُخَالَفَةِ فِي عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ أَنْ يَقُولَ: حَيْثُ اشْتَرَطَهَا لَكِنَّ نِسْبَةَ اشْتِرَاطِهِمَا إلَيْهِ تَسْتَلْزِمُ قَوْلَهُ بِالِافْتِقَارِ إلَى الْوَضْعِ، وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فَنِسْبَةُ الْإِثْبَاتِ إلَيْهِ أَوْلَى لِصِدْقِهَا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ شُمُولُ الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ بَعْدَ أَنْ نَسَبَ لِعَبَّادٍ أَنَّ اللَّفْظَ يُفِيدُ الْمَعْنَى لِذَاتِهِ مَا نَصُّهُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ أَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ لَوْ كَانَتْ ذَاتِيَّةً لَمَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ النَّوَاحِي وَالْأُمَمِ وَلَاهْتَدَى كُلُّ إنْسَانٍ إلَى كُلِّ لُغَةٍ، وَبُطْلَانُ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْمَلْزُومِ

(قَوْلُهُ: فَلِمَ اخْتَصَّ) أَيْ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُخَصِّصٍ وَإِلَّا لَزِمَ التَّخْصِيصُ بِدُونِ مُخَصِّصٍ وَالْمُخَصِّصُ هُنَا الْمُنَاسَبَةُ وَفِيهِ أَنَّ الْمُخَصِّصَ إرَادَةُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ وَلَوْ عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ غَيْرُ اللَّهِ إذْ الْمُخَصِّصُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمُنَاسَبَةِ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ بِمَعْنَى أَنَّهَا حَامِلَةٌ) وَهُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الْآمِدِيِّ عَنْ عَبَّادٍ وَمُقَابِلُهُ مُقْتَضَى نَقْلِ الْإِمَامِ عَنْهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى شَنَاعَةُ هَذَا التَّعْبِيرِ عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ (قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَضْعِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْتَاجُ إلَخْ) وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الْوَضْعَ مَوْجُودٌ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَاجَةِ لَهُ عَدَمُ وُجُودِهِ (قَوْلُهُ: وَيَعْرِفُهُ غَيْرُهُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إذَا كَانَ قَاصِرًا عَلَى مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ ضَاعَتْ ثَمَرَةُ الْوَضْعِ (قَوْلُهُ: وَأَرَاهُ) أَيْ أَظُنُّهُ الْحَجْرَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ يُبْسٌ كَذَلِكَ (مَعْنًى ذِهْنِيٍّ خَارِجِيٍّ) أَوْرَدَهُمَا لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَعْنَى

ص: 347

لَهُ وُجُودٌ فِي الذِّهْنِ بِالْإِدْرَاكِ وَوُجُودٌ فِي الْخَارِجِ بِالتَّحَقُّقِ كَالْإِنْسَانِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ فَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ كَبَحْرِ زِئْبَقٍ (مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ لَا الذِّهْنِيِّ خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَوْضُوعَ لَهُ وَاحِدٌ بِالذَّاتِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ هَلْ الْوَضْعُ لَهُ مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ أَوْ لَا مِنْ حَيْثُ شَيْءٌ

(قَوْلُهُ: لَهُ وُجُودٌ فِي الذِّهْنِ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ، وَقَدْ نَفَاهُ الْمُتَكَلِّمُونَ وَأَثْبَتَهُ الْحُكَمَاءُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُوَافِقِ لِلْحُكَمَاءِ، فَإِنَّ النَّافِيَ لَهُ جُمْهُورُهُمْ أَوْ الْمُرَادَ وُجُودٌ لَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قَالَ بِهِ الْحُكَمَاءُ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: وَوُجُودٌ فِي الْخَارِجِ بِالتَّحَقُّقِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ التَّحَقُّقُ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا مَا رَادَفَ الْأَعْيَانَ، فَإِنَّ لَفْظَ نِسْبَةِ اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٌ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي بَلْ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَالثُّبُوتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شَامِلٌ لَهُ وَالْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ هُنَا وَأَوْفَقُ بِمَسَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ وُجُودِ الْكُلِّيِّ الطَّبِيعِيِّ الَّتِي حَارَتْ فِيهَا أَذْهَانُ الْأَذْكِيَاءِ كَمَا فَعَلَ الْحَوَاشِي هُنَا فَمُوجِبٌ لِصُعُوبَةِ الْمَرَامِ وَتَشْتِيتِ الْأَفْهَامِ

(قَوْلُهُ: كَالْإِنْسَانِ) الْأَوْلَى كَإِنْسَانٍ بِالتَّنْكِيرِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْآتِيَ فِي النَّكِرَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ وَمَدْخُولَهَا فِي مَعْنَى النَّكِرَةِ قَالَ النَّاصِرُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكُلِّيَّ يَتَحَقَّقُ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِهِ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرِيٌّ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَإِلَّا لَكَانَ جُزْئِيًّا لِعَدَمِ قَبُولِ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ لِلِاشْتِرَاكِ نَعَمْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ جُزْئِيَّاتٌ مُطَابِقَةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ) أَيْ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنًى مَعْدُومٍ أَيْ فَلَا تَتَأَتَّى فِيهِ الْأَقْوَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْإِمَامِ) قَالَ النَّاصِرُ الْحَقُّ قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي النَّكِرَةِ أَيْ مَا لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ وَهُوَ إمَّا اسْمُ جِنْسٍ وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَإِمَّا نَكِرَةٌ وَهُوَ الْمَوْضُوعُ لِلْفَرْدِ الْمُنْتَشِرِ وَكِلَاهُمَا كُلِّيٌّ يَمْتَنِعُ تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ فَهُمَا مَوْضُوعَانِ لِلذِّهْنِيِّ، وَإِنْ صَحَّ إطْلَاقُهُمَا حَقِيقَةً عَلَى الْفَرْدِ الْمَوْجُودِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ أَيْ عَلَى مَا يُطَابِقُهُ فَمَا رَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا

ص: 348

فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي قَالَ لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا جِسْمًا مِنْ بَعِيدٍ وَظَنَنَّاهُ صَخْرَةً سَمَّيْنَاهُ بِهَذَا الِاسْمِ، فَإِذَا دَنَوْنَا مِنْهُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ حَيَوَانٌ لَكِنْ ظَنَنَّاهُ طَيْرًا سَمَّيْنَاهُ بِهِ.

فَإِذَا ازْدَادَ الْقُرْبُ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنْسَانٌ سَمَّيْنَاهُ بِهِ فَاخْتَلَفَ الِاسْمُ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ لَهُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ لِظَنِّ أَنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ لَا لِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِهِ فِي الذِّهْنِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِجِ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ تَابِعٌ لِإِدْرَاكِ الذِّهْنِ لَهُ حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ.

(وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ هُوَ مَوْضُوعٌ (لِلْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ هُوَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ التَّقْيِيدِ بِالذِّهْنِيِّ أَوْ الْخَارِجِيِّ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى فِي ذِهْنٍ كَانَ أَوْ خَارِجٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى هَذَا دُونَ الْأَوَّلَيْنِ

ــ

[حاشية العطار]

يُخَالِفُ مَا يَأْتِي لَهُ فِيهِمَا وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ اشْتِرَاكُ اللَّفْظِ بَيْنَ الْجُزْئِيَّاتِ الْخَارِجِيَّةِ أَوْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهَا مَجَازًا فِي بَاقِيهَا وَلَا قَائِلَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ وَمُحَصِّلُ مَا أَجَابَ بِهِ سم أَنَّ هَذَا الْمَبْحَثَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الْأَفْرَادُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ مَعَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْكَلَامِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي الْأَفْرَادِ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: إنَّ اسْتِعْمَالَ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِيهِ حَقِيقَةٌ اهـ.

وَاَلَّذِي قَالَهُ شَارِحُ الْمِنْهَاجِ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ بِأَسْرِهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ مِمَّا لَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ الْفُضَلَاءِ غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَذَهَبَ الشَّيْخُ ابْنُ سِينَا وَالْفَارَابِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْقُطْبِ الرَّازِيّ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ذِهْنِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْلُومُ بِالذَّاتِ لَا الْأَمْرُ الْعَيْنِيُّ بِمَا هُوَ عَيْنِيٌّ وَذَهَبَ النُّصَيْرُ الطُّوسِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ وَالتَّفْتَازَانِي وَالدَّوَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِإِزَاءِ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْمُلْتَفَتُ إلَيْهَا بِالذَّاتِ وَهُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْمَوْضُوعِ لَهُ بِخِلَافِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ، فَإِنَّهَا مِرْآةٌ لِمُشَاهَدَتِهَا وَذَهَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ إلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لِمَا أَنَّ مَنَاطَ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِمَا فِي التَّمَدُّنِ إنَّمَا هُوَ الْمَعَانِي مُطْلَقًا لَا الْخُصُوصِيَّاتُ الذِّهْنِيَّةُ أَوْ الْخَارِجِيَّةُ، فَإِنَّهَا مُلْغَاةٌ وَالْحَقُّ هُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَيْنِيًّا كَانَ أَوْ ذِهْنِيًّا وَقَوَّاهُ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ الدَّوَانِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ وَقَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ مَصْرُوفٌ عَنْ الظَّاهِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الشَّيْءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ فِي الذِّهْنِ اهـ.

فَهَذَا رُجُوعٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ وَتَمَامُ هَذَا كَلَامٌ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْخَبِيصِيِّ

(قَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ بِالثَّانِي) ؛ لِأَنَّهَا التَّعْرِيفُ مَا فِي الضَّمِيرِ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِيهِ فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً لَهُ (قَوْلُهُ: سَمَّيْنَاهُ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَافٌ بِمَا قَالَهُ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى هُوَ الْمَرْئِيُّ الْمَظْنُونُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّهُ فِي الْخَارِجِ كَذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يُسَمَّى فِي الْخَارِجِ بِهَذَا الِاسْمِ فَالْمَوْضُوعُ لَهُ مَا فِي الْخَارِج وَالذِّهْنُ طَرِيقٌ لِلْخَارِجِ، وَالْوَضْعُ لَهُ كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ آخِرُ عِبَارَتِهِ

(قَوْلُهُ: لِظَنٍّ) خَبَرُ أَنَّ قَوْلُهُ لِاخْتِلَافٍ نَعْتٌ لِقَوْلِهِ اخْتِلَافَ الِاسْمِ أَوْ حَالٌ مِنْهُ أَيْ أُجِيبَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الِاسْمِ التَّابِعِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ تَابِعًا لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى فِي الذِّهْنِ سَبَبُهُ ظَنُّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْخَارِجِ كَمَا فِي الذِّهْنِ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ كَالْمَعْنَى الَّذِي فِي الذِّهْنِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَرِدُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الِاخْتِلَافِ لِظَنِّ مَا ذَكَرَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ

(قَوْلُهُ: حَسْبَمَا أَدْرَكَهُ) هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلتَّعْبِيرِ أَوْ نَعْتٌ لِتَابِعٍ أَيْ التَّعْبِيرُ قَدْرُ مَا أَدْرَكَهُ أَوْ تَابِعٌ قَدْرَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ) فَعَلَى هَذَا مُفَادُ الْكَلَامِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْخَارِجِ أَوْ الذِّهْنِ (قَوْلُهُ: حَقِيقِيٌّ) عَلَى هَذَا يُقَالُ: إنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ وَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ (قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ، فَإِنَّهُ مَجَازٌ، وَفِيهِ أَنَّ الذِّهْنِيَّ وَالْخَارِجِيَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَالِاخْتِلَافُ بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَوْضُوعًا لِلْمَعْنَى الْخَارِجِيِّ وَاسْتُعْمِلَ فِي الذِّهْنِيِّ أَوْ بِالْعَكْسِ.

وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى الِاعْتِبَارِ فَالِاخْتِلَافُ الِاعْتِبَارِيُّ فِيهَا مُضِرٌّ، فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ خَارِجِيًّا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ

ص: 349

وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ أَيْ فِي النَّكِرَةِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْهُ مَا وُضِعَ لِلْخَارِجِيِّ وَمِنْهُ مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ بَلْ) اللَّفْظُ (لِكُلِّ مَعْنًى مُحْتَاجٍ أَوْ اللَّفْظُ) فَإِنَّ أَنْوَاعَ الرَّوَائِحِ مَعَ كَثْرَتِهَا جِدًّا لَيْسَ لَهَا أَلْفَاظٌ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّقْيِيدِ كَرَائِحَةِ كَذَا فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةً إلَى الْأَلْفَاظِ وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الْآلَامِ وَبَلْ هُنَا انْتِقَالِيَّةٌ لَا إبْطَالِيَّةٌ (وَالْمُحْكَمُ) مِنْ (الْمُتَّضِحِ الْمَعْنَى)

ــ

[حاشية العطار]

كَوْنُهُ ذِهْنِيًّا (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي النَّكِرَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِاسْمِ الْجِنْسِ خُصُوصَ مَا وُضِعَ لِلْمَاهِيَّةِ بَلْ يَشْمَلُ مَا وُضِعَ لِلْفَرْدِ الْمُنْتَشِرِ (قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَذُكِرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَفْظٌ (قَوْلُهُ: لِلْخَارِجِيِّ) كَعَلَمِ الشَّخْصِ

(قَوْلُهُ: مَا وُضِعَ لِلذِّهْنِيِّ) كَاسْمِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي) مِنْ أَنَّ عِلْمَ الشَّخْصِ مَا وُضِعَ لِمُعَيَّنٍ فِي الْخَارِجِ، وَعِلْمُ الْجِنْسِ مَا وُضِعَ لِمُعَيِّنٍ فِي الذِّهْنِيِّ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظٌ) مُحْتَمِلٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ وَالْجَوَازِ وَبِهِمَا قِيلَ.

وَقَالَ فِي الْمَحْصُولِ لَا يَجِبُ بَلْ لَا يَجُوزُ قَالَ النَّاصِرُ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْنَى هُوَ الْخَارِجِيُّ، وَإِنَّ أُرِيدَ بِهِ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ مِنْ حَيْثُ وُضِعَ بِإِزَائِهَا لَفْظٌ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ لِكُلِّ مَعْنًى لَفْظًا اهـ.

وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ قَائِلٌ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ: فَلَا إشْكَالَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَلْفَاظُ الْخَاصَّةُ بِالْمَعَانِي فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ صُورَةٍ ذِهْنِيَّةٍ لَهَا لَفْظٌ خَاصٌّ بِهَا وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ عَنْ التَّبْرِيزِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ اللَّفْظَ الدَّالَّ كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ أَمْ لَا مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ الْفَصِيحَ لَا يَعْجِزُ عَنْ التَّعْبِيرِ عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَا يَدُلُّ بِالْمُطَابَقَةِ مُفْرَدًا فَاسْتِيعَابُ الْوَضْعِ لِجَمِيعِ الْمَعَانِي غَيْرُ مَعْلُومٍ بِدَلِيلِ الْحَالِ وَالرَّوَائِحِ

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ أَنْوَاعَ الرَّوَائِحِ) لِلرَّوَائِحِ جِنْسٌ عَالٍ وَهُوَ مَقُولَةُ الْكَيْفِ وَتَحْتَهُ رَائِحَةٌ وَهَذَا الْجِنْسُ تَحْتَهُ جِنْسَانِ أَيْضًا عَطِرَةٌ وَمُنْتِنَةٌ وَتَحْتَ هَذَيْنِ أَنْوَاعٌ هِيَ رَائِحَةُ مِسْكٍ وَرَائِحَةُ عَنْبَرٍ وَرَائِحَةُ جِيفَةٍ وَرَائِحَةُ عَذِرَةٍ إلَخْ فَاكْتَفَوْا فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بِالْمُرَكَّبِ التَّقْيِيدِيِّ مَعَ أَنَّ أَجْنَاسَهَا دَلَّ عَلَيْهَا بِأَلْفَاظٍ مُفْرَدَةٍ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا إلَخْ) أَيْ فَلَا يُمْكِنُ الْوَضْعُ لَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ الْبَشَرُ إمَّا عَلَى أَنَّهُ الْمَوْلَى سبحانه وتعالى، فَإِنَّ الْوَضْعَ لِمَصْلَحَةِ تَخَاطُبِ الْبَشَرِ وَلَا يُخَاطَبُونَ بِمَا لَا يَعْقِلُونَهُ فَلَا وَضْعَ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ زَائِدٌ عَلَى مَا يَخُصُّنَا، فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ إنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ لِلَّفْظِ لَا وَضْعَ وَعَدَمُ الِانْضِبَاطِ قَدْرٌ زَائِدٌ وَاَلَّذِي يُنْتِجُهُ تَعَسُّرُ الْوَضْعِ أَوْ تَعَذُّرُهُ لَا عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ فَلَا يُنْتِجُ. قَوْلُهُ: فَلَيْسَتْ مُحْتَاجَةً فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا إلَخْ

(قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَيْهَا) أَيْ دَلَالَةَ كِفَايَةٍ فِي الْغَرَضِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي الْمَوْضُوعِ لَهَا الْأَلْفَاظُ يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالتَّقْيِيدِيِّ (قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهَا أَلْفَاظٌ) أَيْ خَاصَّةً مِنْ أَصْلِ الْوَضْعِ

(قَوْلُهُ: أَنْوَاعُ الْآلَامِ) أَيْ مُعْظَمُهَا وَإِلَّا فَلِبَعْضِهَا أَسْمَاءٌ خَاصَّةٌ كَالصُّدَاعِ وَالرَّمَدِ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً لِلْأَلَمِ فَالرَّمَدُ مَثَلًا مَوْضُوعٌ لِهَيَجَانِ الْعَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَنْشَأْ

ص: 350

مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ (وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ) أَيْ اخْتَصَّ (بِعَمَلِهِ) فَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا مَعْنَاهُ.

(وَقَدْ يُطْلِعُ) أَيْ اللَّهُ (عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ الْمُشْكِلَةِ عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ بِتَفْوِيضِ مَعْنَاهَا إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي مَعَ قَوْلِ الْخَلَفِ بِتَأْوِيلِهَا فِي أُصُولِ الدِّينِ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]

(قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ (، وَاللَّفْظُ الشَّائِعُ) بَيْنَ الْخَوَاصِّ، وَالْعَوَامِّ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى خَفِيٍّ إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ) ؛ لِامْتِنَاعِ تَخَاطُبِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعَوَامّ بِمَا هُوَ خَفِيٌّ عَلَيْهِمْ لَا يُدْرِكُونَهُ (كَمَا يَقُولُ) مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (مُثْبِتُو الْحَالِ)، أَيْ: الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ (الْحَرَكَةُ مَعْنًى تُوجِبُ تَحَرُّكَ الذَّاتِ)، أَيْ: الْجِسْمِ فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى خَفِيُّ التَّعَقُّلِ عَلَى الْعَوَامّ فَلَا يَكُونُ مَعْنَى الْحَرَكَةِ الشَّائِعَ بَيْنَ الْجَمِيعِ، وَالْمَعْنَى الظَّاهِرُ لَهُ تَحَرُّكُ الذَّاتِ

ــ

[حاشية العطار]

عَنْهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ فَيُقَالُ أَلَمُ الرَّمَدِ كَمَا يُقَالُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ) خَرَجَ الْمُجْمَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمُتَشَابِهِ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالْقَرَائِنِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّاهِرِ مَا يَشْمَلُ الظَّاهِرَ بِالْقَرَائِنِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُجْمَلُ إنْ قَامَتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ فَهُوَ مِنْ الْمُحْكَمِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَشَابِهُ مِنْهُ) قِيلَ مِنْ تَبْعِيضِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ بَعْضَ الْمُتَشَابِهِ بِهِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَبَعْضٌ أَطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْضَ أَصْفِيَائِهِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ إلَخْ وَقَوْلِهِ.

وَقَدْ يَطَّلِعُ، وَكَذَا قِيلَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْمُتَشَابِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ، وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ لِلَّفْظِ فَلَا تَنَاقُضَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِيثَارِ أَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لِلْبَشَرِ لِلْعِلْمِ بِهِ طَرِيقًا عَادِيًّا فَلَا يُمْكِنُ كَسْبُهُ وَلَوْ قِيلَ الْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ أَوْ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْضُ أَصْفِيَائِهِ لَكَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَ فِي الْآيَةِ عَلَى إلَّا اللَّهَ، وَالثَّانِي عَلَى الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.

وَقَدْ ذَهَبَ لِكُلٍّ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ إنَّهُ كَمَا يُطْلَقَانِ عَلَى مَا ذَكَرَ بِالِاصْطِلَاحِ الْمَذْكُورِ يُطْلَقُ الْمُحْكَمُ عَلَى مَا أُحْكِمَ أَيْ أُتْقِنَ فَلَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ خَلَلٌ وَالْقُرْآنُ بِهَذَا الْمَعْنَى كُلُّهُ مُحْكَمٌ قَالَ تَعَالَى {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1] أَيْ نُظِمَتْ نَظْمًا مُحْكَمًا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ اخْتِلَالٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَيُطْلَقُ لِلْمُتَشَابِهَةِ وَيُرَادُ بِهِ مَا تَمَاثَلَتْ أَبْعَاضُهُ فِي الْأَوْصَافِ، وَالْقُرْآنُ بِهَذَا الْمَعْنَى كُلُّهُ مُتَشَابِهٌ قَالَ تَعَالَى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23] أَيْ مُتَمَاثِلَ الْأَبْعَاضِ فِي الْإِعْجَازِ وَصِحَّةِ الْمَعْنَى وَالدَّلَالَةِ

(قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا مَعْنَاهُ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُصَنِّفِ لِلْمُتَشَابِهِ بِمَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ تَعْرِيفٌ بِمَلْزُومِ ذَلِكَ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ تَعْرِيفِهِ بِمَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ الْمُنَاسِبُ لِتَعْرِيفِ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمُحْكَمُ بِمَا ذَكَرَهُ لِيُشِيرَ إلَى مَأْخَذِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 7] وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَمَالِ التَّأْدِيبِ بِالنِّسْبَةِ لِكَلَامِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ السَّلَفِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْخَلَفِ غَيْرُ مُتَشَابِهٍ مَعَ أَنَّهُ مُتَشَابِهٌ، فَإِنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ التَّأْوِيلِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْمُرَادُ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ حَصَلَ فِي بَعْضٍ اتِّضَاحٌ قُلْنَا كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ السَّلَفُ، فَإِنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ وَجْهٌ مَثَلًا لَا كَوُجُوهِ الْحَوَادِثِ

(قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَأْتِي وَقَوْلُهُ بِتَأْوِيلِهَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلٍ وَقَوْلُهُ فِي أُصُولِ إلَخْ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ يَأْتِي (قَوْلُهُ:، وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ إلَخْ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الِاصْطِلَاحَ طَارِئٌ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَإِنَّ الْمُحْكَمَ لُغَةً الْمُتْقَنُ وَالْمُتَشَابِهُ مَا تَمَاثَلَتْ أَبْعَاضُهُ

قَوْلُهُ: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7] أَيْ مُعْظَمُهُ

(قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَفْعُولٍ أَيْ خَفِيٍّ عَلَى كُلِّ النَّاسِ إلَّا عَلَى الْخَوَاصِّ.

(قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ تَخَاطُبِ غَيْرِهِمْ) يَعْنِي: أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْخِطَابِ الْإِفْهَامُ فَيَسْتَحِيلُ عَادَةُ التَّخَاطُبِ مَعَ عَدَمِ الْإِفْهَامِ بِخِلَافِ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ: الْإِفْهَامُ، فَيَجُوزُ خِطَابُهُ إيَّاهُمْ بِمَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَهُ: النَّاصِرُ.

وَأَقُولُ: أَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يُخَاطِبَ الْعَامِّيُّ عَامِّيًّا بِمَا لَا يَعْرِفَانِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ قَالَ لِي فُلَانٌ قُلْ لِفُلَانٍ أَحْضِرْ الأذغاغ مَثَلًا، ثُمَّ مِنْ أَسْمَائِهِ سبحانه وتعالى مَا يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ دَقِيقَةٍ لَا يُدْرِكُ مَعْنَاهَا الْعَوَامُّ، وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّهَا صِفَةُ مَدْحٍ فِي

ص: 351