الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْعِلْمِ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ كَمَا هُوَ بَعْضُ الْأَشَاعِرَةِ قِيَاسًا عَلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْأَشْعَرِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى تَعَدُّدِ الْعِلْمِ بِتَعَدُّدِ الْمَعْلُومِ فَالْعِلْمُ بِهَذَا الشَّيْءِ غَيْرُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ.
وَأُجِيبَ عَنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ خَالٍ عَلَى الْجَامِعِ وَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ: يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَتَفَاوَتُ الْعِلْمُ فِي جُزْئِيَّاتِهِ إذْ الْعِلْمُ مَثَلًا بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْجَزْمِ مِنْ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْجَزْمُ بَلْ مِنْ حَيْثُ غَيْرُهُ كَإِلْفِ النَّفْسِ بِأَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.
(وَالْجَهْلُ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ بِأَنْ لَمْ يُدْرَكْ أَصْلًا
ــ
[حاشية العطار]
بِحَسَبِ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ تَفَاوُتًا فِي الْحَقِيقَةِ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ فِيهَا دُونَ الْعِلْمِ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ بِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَأَمَّا عَلَى التَّعَدُّدِ فَلَا يُعْقَلُ التَّفَاوُتُ فِي الْمُتَعَلِّقَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَعَلِّقٍ لَهُ عِلْمٌ.
(قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ، فَإِنَّهُ وَاحِدٌ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْلُومَاتِ خِلَافًا لِقَوْلِ أَبِي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ بِتَعَدُّدِهِ.
(قَوْلُهُ: خَالٍ عَنْ الْجَامِعِ) لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ قَدِيمٌ وَعِلْمَ الْمَخْلُوقَاتِ حَادِثٌ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَالِاشْتِرَاكُ فِي التَّسْمِيَةِ لَا يُسَوِّغُ الْقِيَاسَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُدْرَةَ الْحَادِثَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَقْدُورَيْنِ عَلَى أَصْلِنَا، مَعَ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْقَدِيمَةَ يَجُوزُ تَعَلُّقُهَا بِمَقْدُورَيْنِ فَصَاعِدًا وَالرِّفْقُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي ذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ، وَأَيْضًا تَعَدُّدُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ بَلْ عَدَمُ تَنَاهِيهَا؛ لِأَنَّ مَعْلُومَاتِهِ سبحانه وتعالى غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا) أَيْ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ.
(قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) أَيْ مِنْ النَّظَرِيَّاتِ الَّتِي بَعْضُهَا أَخْفَى مِنْ بَعْضٍ.
(قَوْلُهُ: كَأَلْفِ النَّفْسِ بِأَحَدِ الْمَعْلُومَيْنِ) أَيْ لِوُضُوحِهِ وَعَدَمِ خَفَائِهِ.
[تَعْرِيف الْجَهْل]
(قَوْلُهُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ) صَدَقَ بِاعْتِقَادِ الْمَقْصُودِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ وَيَظُنُّهُ كَذَلِكَ
فَإِنْ قِيلَ: صِدْقُهُ عَلَى الظَّنِّ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ لِلْأَحْكَامِ مِنْ الْأَمَارَاتِ جَهْلٌ.
قُلْت: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ ظَنٌّ يُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِمُوجِبِ الْأَمَارَةِ فَلَا يَنْدَرِجُ فِي الظَّنِّ الَّذِي يَصْدُقُ بِهِ الْحَدُّ، قَالَهُ النَّاصِرُ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَنْفِيِّ الْعِلْمُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، فَلَوْ حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَجَازٌ فَوُقُوعُهُ فِي التَّعْرِيفِ مُحْتَاجٌ لِقَرِينَةٍ وَلَا قَرِينَةَ هُنَا.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْأُصُولِيِّينَ لَا يَتَحَاشَوْنَ عَنْ أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفَاتِ، وَقَدْ يَدَّعِي وُجُودَ الْقَرِينَةِ وَهِيَ ظُهُورُ أَنَّ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ الْمُطَابِقَ لِغَيْرِ مُوجِبٍ وَالظَّنَّ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا جَهْلًا، ثُمَّ لَا يَخْفَى شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِلتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ فَيَكُونُ انْتِفَاؤُهُ جَهْلًا بَسِيطًا وَلَيْسَ فِي التَّصَوُّرَاتِ جَهْلٌ مُرَكَّبٌ، فَإِنَّهُ إذَا تَصَوَّرَ الْإِنْسَانُ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ صَاهِلٌ مَثَلًا لَيْسَ فِيهِ خَطَأٌ فِي نَفْسِ التَّصَوُّرِ بَلْ فِي الْحُكْمِ الْمُتَضَمِّنِ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.
(قَوْلُهُ: بِالْمَقْصُودِ) اللَّامُ فِيهِ وَفِي الْمَعْلُومِ لِلْجِنْسِ أَيْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْدٍ
وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْبَسِيطُ أَوْ أُدْرِكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ؛ لِأَنَّهُ جَهْلُ الْمُدْرِكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِهِ كَاعْتِقَادِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ.
(وَقِيلَ) الْجَهْلُ (تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ) أَيْ إدْرَاكُ
ــ
[حاشية العطار]
فَأَكْثَرَ وَإِلَّا لَكَانَ مَفْهُومُ التَّعْرِيفَيْنِ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ بِكُلِّ مَقْصُودٍ وَتَصَوُّرُ كُلِّ مَعْلُومٍ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فَلَا يَتَنَاوَلَانِ إلَّا النَّزْرَ مِنْ أَفْرَادِ الْجَهْلِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ أَصْلًا) تَفْسِيرٌ لِانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ بِهِ تَنَاوُلُهُ لِتَسَمِّي الْجَهْلِ أَعْنِي الْبَسِيطَ وَالْمُرَكَّبَ وَقَصْرُ التَّعْرِيفِ الثَّانِي عَلَى الْمُرَكَّبِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ: انْتِفَاءُ الْعِلْمِ إلَخْ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْقِسْمَانِ.
وَقَدْ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَخْ أَوْ أَدْرَكَ، وَهَذَا الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ وَقَعَ مَحْمُولًا عَلَى الْجَهْلِ فَيَكُونُ الْجَهْلُ شَامِلًا لِلْقِسْمَيْنِ وَصَادِقًا عَلَيْهِمَا صِدْقَ الْكُلِّيِّ عَلَى أَفْرَادِهِ وَلَا يَضُرُّ شُمُولُ هَذَا الْمَفْهُومِ لِلْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ: أَوْ أَدْرَكَ إلَخْ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ تَقْسِيمُ الْجَهْلِ إلَى بَسِيطٍ وَمُرَكَّبٍ لَا نَقْلَ خِلَافٍ فِي تَعْرِيفِهِمَا وَمَا أَوْرَدَهُ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ الْإِدْرَاكَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ عَدَمِيٌّ اهـ.
فَإِنَّ مَبْنَى الْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاءَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِدْرَاكِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ يَصْدُقُ الِانْتِفَاءُ عَلَيْهِ تَحَقُّقُهُ فِيهِ تَحَقُّقَ الْكُلِّيِّ فِي أَفْرَادِهِ، نَعَمْ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: الْإِدْرَاكُ انْتِفَاءٌ إلَخْ اتَّجَهَ مَا ذَكَرَهُ وَلَا حَمْلَ هَاهُنَا وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ جَوَازِ حَمْلِ الْعَدَمِيِّ عَلَى الْوُجُودِيِّ كَمَا فِي قَوْلِك: الْبَيَاضُ لَا سَوَادَ نَاقِلًا لَهُ عَنْ السَّيِّدِ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ دَافِعًا بِهِ إشْكَالَ التَّفْتَازَانِيِّ تَفْسِيرَ الْفَصَاحَةِ بِالْخُلُوصِ بِأَنَّهَا وُجُودِيَّةٌ وَالْخُلُوصُ عَدَمِيٌّ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ الْعَدَمِيِّ عَلَى الْوُجُودِيِّ وَلِمَا لَا تَكَلَّفَهُ سم فِي جَوَابِهِ بِمَا لَا يَخْلُو مَعَ طُولِهِ مِنْ سَقَامَةٍ وَمَا سَلَكَهُ مِنْ نَقْلِ كَلَامِ مَنْ تَعَسَّفَ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى الْجَهْلُ الْبَسِيطُ) التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِلْمِ تَقَابُلُ الْعِلْمِ وَالْمَلَكَةِ وَالتَّقَابُلُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ تَقَابُلُ التَّضَادِّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وُجُودِيٌّ.
وَقَالَ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: إنَّ الْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ مُمَاثِلٌ لِلْعِلْمِ فَامْتِنَاعُ الِاجْتِمَاعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا هُوَ لِلْمُمَاثَلَةِ لَا لِلْمُضَادَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُمَيَّزَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَعَلِّقِ وَهِيَ الْمُطَابِقَةُ وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ وَالنِّسْبَةُ لَا تَدْخُلُ فِي حَقِيقَةِ الْمُنْتَسِبِينَ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ طَرَفَيْهِمَا فَتَكُونُ خَارِجَةً عَنْهُمَا وَالِامْتِيَازُ بِالْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ لَا يُوجِبُ الِاخْتِلَافَ بِالذَّاتِ وَحَيْثُ لَا اخْتِلَافَ إلَّا بِهَذَا الْوَجْهِ لَزِمَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي تَمَامِ الْمَاهِيَةِ فَيَكُونَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَدْرَكَ عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ فِي الْوَاقِعِ) يَشْمَلُ ظَنَّ الْمُجْتَهِدِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ فَيَكُونُ جَهْلًا مُرَكَّبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَحْذُوفَ فِي تَسَلُّمِ ذَلِكَ وَلَا يُنَافِيهِ تَرَتُّبُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ فِي حَقِّهِ وَالْعِلْمُ بِأَنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْأَمَارَاتِ الَّتِي اسْتَنَدَ إلَيْهَا وَالْكَلَامُ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْوَاقِعِ نَعَمْ قَوْلُ الْمَوَاقِفِ وَالْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ أَنَّهُ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْغَيْرُ الْمُطَابِقُ يُخْرِجُ الظَّنَّ أَفَادَهُ سم.
وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الشَّنَاعَةِ الْقَوِيَّةِ فَالْحَقُّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ كَالْقَاضِي وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْهُذَيْلِ وَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ يَكُونُ ظَنُّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَارَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْمُصِيبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ.
وَلَكِنَّ هَذَا مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ جَارٍ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَمِثْلُهُ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ جَعْلُ الْحُكْمِ الظَّنِّيِّ الِاجْتِهَادِيِّ مِنْ أَفْرَادِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ بَلْ ذَاكَ تَجْوِيزٌ عَقْلِيٌّ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ اللَّازِمِ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَعَدَمِ الْعِلْمِ
مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ (عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ) فِي الْوَاقِعِ فَالْجَهْلُ الْبَسِيطُ عَلَى الْأَوَّلِ
ــ
[حاشية العطار]
بِالْمُطَابِقَةِ، وَالْمَوْجُودُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ) فِي التَّعْبِيرِ بِهَيْئَتِهِ إشَارَةٌ إلَى مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَنَّ الْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ لَا يَكُونُ فِي التَّصَوُّرَاتِ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي التَّصْدِيقَاتِ؛ لِأَنَّ الْهَيْئَةَ هِيَ الْحَالَةُ الثَّابِتَةُ لِلشَّيْءِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ فَيَخْرُجُ تَصَوُّرُهُ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ صَاهِلٌ، فَإِنَّهُ لَا جَهْلَ فِي التَّصَوُّرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ الْإِنْسَانَ وَإِنَّمَا الْجَهْلُ فِي تَصْدِيقٍ ضِمْنِيٍّ وَهُوَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ لِلْإِنْسَانِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ: إنَّ تَصَوُّرَ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ فِي الْوَاقِعِ كَإِدْرَاكِ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ حَيَوَانٌ صَاهِلٌ جَهْلٌ قَطْعًا، فَلَوْ قَالَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ لَكَانَ أَشْمَلَ اهـ. وَلَا حَاجَةَ لِمَا أَطَالَ بِهِ سم فِي دَفْعِهِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَجَهْلُ الْمُدْرِكِ بِمَا فِي الْوَاقِعِ) أَيْ بِالْهَيْئَةِ الثَّابِتَةِ لِلشَّيْءِ فِي الْوَاقِعِ وَقَوْلُهُ: مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُصَاحِبًا وَلَازِمًا لَهُ الْجَهْلُ بِأَنَّهُ جَاهِلٌ لَهُ فَتَسْمِيَتُهُ جَهْلًا مُرَكَّبًا؛ لِأَنَّهُ تَصْحَبُهُ وَيَلْزَمُهُ جَهْلٌ آخَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مُسَمَّى الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مَجْمُوعُ هَذَيْنِ الْجَهْلَيْنِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، فَإِنَّ مُسَمَّاهُ الَّذِي هُوَ الِاعْتِقَادُ بَسِيطٌ، إذْ لَا يُعْقَلُ التَّرْكِيبُ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ سُمِّيَ مُرَكَّبًا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ الشَّيْءَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَهَذَا جَهْلٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَهَذَا جَهْلٌ آخَرُ قَدْ تَرَكَّبَا مَعًا.
(قَوْلُهُ: مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ) أَفَادَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ انْدِفَاعَ إشْكَالِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْمَعْلُومِ عُلِمَ بِهِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى عِلْمُ الْمَعْلُومِ وَالْمَعْلُومُ لَا يُعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ وَشُمُولُ التَّعْرِيفِ لِمَا فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَا وُرُودَ لِهَذَا الْأَشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ مَعْلُومٌ وَالْمَجْهُولَ إنَّمَا هُوَ صِفَتُهُ مَثَلًا إذَا تَصَوَّرَ الْعَالَمَ بِأَنَّهُ قَدِيمٌ فَالْعَالَمُ مَعْلُومٌ وَالْجَهْلُ فِي إثْبَاتِ صِفَةِ الْقِدَمِ لَهُ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ وَمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ مَرْجِعُهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ.
وَادَّعَى النَّاصِرُ أَنَّ بَيْنهمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا وَجْهِيًّا يَجْتَمِعَانِ فِيمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ وَأَنْ يُقْصَدَ كَالْمَعْلُومَاتِ الشَّرْعِيَّةِ
لَيْسَ جَهْلًا عَلَى هَذَا وَالْقَوْلَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ قَصِيدَةِ ابْنِ مَكِّيٍّ فِي الْعَقَائِدِ وَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ عَنْ التَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ غَيْرِهِ عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْعِلْمُ
ــ
[حاشية العطار]
مَثَلًا وَيَنْفَرِدُ الْأَزَلُ فِيمَا شَأْنُهُ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ كَذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ وَشَأْنُهُ أَنْ لَا يُعْلَمَ لِتَعَذُّرِ أَسْبَابِ عِلْمِهِ تَعَالَى وَيَنْفَرِدُ الثَّانِي فِيمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْصَدَ لِيُعْلَمَ كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ اهـ.
وَرُدَّ بِأَنْ قَصَدَ عِلْمَ مَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ، وَأَنَّ مَا تَحْتَ الْأَرْضِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ فَلَا انْفِرَادَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَادَّةٍ عَنْ الْآخَرِ.
(قَوْلُهُ: لَيْسَ جَهْلًا عَلَى هَذَا) أَيْ بَلْ هُوَ وَاسِطَةٌ.
(قَوْلُهُ: مِنْ قَصِيدَةِ ابْنِ مَكِّيٍّ) الْمُسَمَّاةِ بِالصَّلَاحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَهْدَاهَا لِلسُّلْطَانِ يُوسُفَ صَلَاحِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا وَأَمَرَ بِتَعْلِيمِهَا حَتَّى لِلصِّبْيَانِ فِي الْمَكَاتِبِ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَصِيدَةِ:
وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَحُدَّ الْجَهْلَا
…
مِنْ بَعْدِ حَدِّ الْعِلْمِ كَانَ سَهْلَا
وَهُوَ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ
…
فَاحْفَظْ فَهَذَا أَوْجَزُ الْحُدُودِ
وَقِيلَ فِي تَحْدِيدِهِ مَا أَذْكُرُ
…
مِنْ بَعْدِ هَذَا وَالْحُدُودُ تَكْثُرُ
تَصَوُّرُ الْمَعْلُومِ هَذَا جُزْؤُهُ
…
وَجُزْؤُهُ الْآخَرُ يَأْتِي وَصْفُهُ
مُسْتَوْعِبًا عَلَى خِلَافِ هَيْئَتِهِ
…
فَافْهَمْ فَهَذَا الْقَيْدُ مِنْ تَتِمَّتِهِ
(قَوْلُهُ: وَاسْتَغْنَى إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الِانْتِفَاءَ لَا يَصِحُّ إلَّا حَيْثُ يَكُونُ الثُّبُوتُ بِخِلَافِ الْعَدَمِ، فَإِنَّهُ أَعَمُّ.
(قَوْلُهُ: عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْعِلْمُ) قَالَ النَّاصِرُ: الْمَقَامُ لِمَنْ دُونَ مَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: صِفَةٌ بِعَدَمِ الْعِلْمِ قُرْبُهُ إلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ اهـ.
قَالَ سم، وَأَيْضًا فَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْعَاقِلِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَعَلَّ وَجْهَ إيثَارِ مَا نُقِلَ اجْتِمَاعُ مِنْ مَعَ حَرْفِ الْجَرِّ الْمُمَاثِلِ لَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِحَ نَاقِلٌ لِهَذِهِ الْعِبَارَةِ عَنْ غَيْرِهِ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ غَرَضَ النَّاصِرِ إبْدَاءُ مُنَاسَبَةٍ لِلتَّعْبِيرِ بِمَا دُونَ مِنْ لَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى
لِإِخْرَاجِ الْجَمَادِ وَالْبَهِيمَةِ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ إنَّمَا يُقَالُ فِيمَا مَنْ شَأْنُهُ الْعِلْمُ بِخِلَافِ عَدَمِ الْعِلْمِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ مَا لَا يُقْصَدُ كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ فَلَا يُسَمَّى انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِهِ جَهْلًا، وَاسْتِعْمَالُهُ التَّصَوُّرَ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ خِلَافُ مَا سَبَقَ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَيُقْسَمُ حِينَئِذٍ إلَى تَصَوُّرٍ سَاذَجٍ أَيْ لَا حُكْمَ مَعَهُ وَإِلَى تَصَوُّرٍ مَعَهُ حُكْمٌ
ــ
[حاشية العطار]
الشَّارِحِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ سم وَلَا يَخْفَى إلَخْ، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ فُهِمَ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ الِاعْتِرَاضُ فَأَشَارَ بِهَا إلَى أَنَّ الشَّارِحَ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلُ عِبَارَةِ الْغَيْرِ فَاعْتِرَاضُ النَّاصِرِ يَتَوَجَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَقَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَفُهِمَ مِنْهُ خِلَافُ مَا هُوَ الْغَرَضُ، فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ يَحْذِفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى مَا زَادَهُ عَلَى النَّاصِرِ مِنْ التَّوْجِيهِ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ رَادًّا عَلَى الْمُتَعَقِّبِ.
وَمِنْ الْمَصَائِبِ أَنَّ بَعْضَ مَنْ طَمَسَتْ غِشَاوَةُ التَّعَصُّبِ بَصِيرَتَهُ فَهِمَ أَنَّهُ تَعْقِيبٌ لِمَا قَالَهُ النَّاصِرُ وَقَالَ: إنَّ كَلَامَ سم كَلَامُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ فَانْظُرُوا مَنْ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ مَوَاقِعَ الْكَلَامِ وَاعْجَبُوا مِنْ اجْتِرَاءِ هَذَا الرَّجُلِ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامِ اهـ.
خُرُوجٌ عَمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَمَحْضُ تَشْنِيعٍ فِي الْمَقَالِ، وَمِثْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَكِبَهُ فُحُولُ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْإِنْصَافِ إلَى سُلُوكِ طَرِيقِ الِاعْتِسَافِ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ: إنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَهِمَ أَنَّ كَلَامَ سم تَعَقَّبَ لِلنَّاصِرِ وَهْمٌ، فَإِنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ فَحْوَى الْخِطَابِ تُفِيدُ أَنَّهُ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ سم الِانْتِصَارَ لِلشَّارِحِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ النَّاصِرِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: لِإِخْرَاجِ الْجَمَادِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّقْيِيدِ وَكَمَا يَخْرُجُ الْجَمَادُ وَالْبَهِيمَةُ يَخْرُجُ النَّائِمُ وَالْغَافِلُ وَنَحْوُهُمَا، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ الْعِلْمُ.
(قَوْلُهُ: كَأَسْفَلِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهِ) أَيْ فِي الْأَسْفَلِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسِ دُونَ الْجِنِّ وَمِثْلُهُ مَا فَوْقَ السَّمَوَاتِ وَمَا فِيهَا.
(قَوْلُهُ: وَاسْتِعْمَالٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ: خِلَافُهُ إلَخْ حَالٌ، وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ إنَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَوُّرِ التَّصَوُّرُ الْمُطْلَقُ الْمُرَادِفُ لِلْعِلْمِ الصَّادِقُ بِالتَّصَوُّرِ السَّاذَجِ، وَالتَّصْدِيقُ لَا التَّصَوُّرُ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ الْمُقَابِلِ لِلتَّصْدِيقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيَنْقَسِمُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْإِدْرَاكِ إلَى تَصَوُّرٍ سَاذَجٍ إلَخْ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ الْجَهْلُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِقُصُورِهِ عَلَى التَّصْدِيقِ وَقَوْلُهُ: خِلَافُ مَا سَبَقَ أَيْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي التَّصَوُّرِ السَّاذَجِ خَاصَّةً، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ لِلتَّصَوُّرِ اسْتِعْمَالَيْنِ وَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي مُطْلَقِ التَّصَوُّرِ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي التَّصَوُّرِ السَّاذَجِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الشَّرْحِ هُنَا هُوَ بِمَعْنَى مَا فِي طَالِعَةِ الشَّمْسِيَّةِ وَلِلسَّرَّاجِ وَالْحَوَاشِي هُنَاكَ كَلَامٌ كَثِيرٌ لَمْ يَخُصَّنَا هُنَا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ عَلَى أَنَّهُ سَبْقُ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِمَا هُنَا، وَتَكَلَّمْنَا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ مُقْنِعٌ وَالنَّاصِرُ لِشَغَفِهِ بِالِاعْتِرَاضِ لَخَّصَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ وَذَكَرَهُ هُنَا وَتَكَلَّمَ مَعَهُ سم وَمَنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ أَيْضًا وَالْكُلُّ مُسْتَمَدٌّ مِنْ مَوَادِّ ذَلِكَ الْكِتَابِ.
فَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَبْحَثَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهِ، وَمَسْأَلَةُ تَقْسِيمِ الْعِلْمِ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ حَتَّى إنَّ الْقُطْبَ الرَّازِيَّ أَفْرَدَهَا
وَهُوَ التَّصْدِيقُ.
(وَالسَّهْوُ الذُّهُولُ) أَيْ الْغَفْلَةُ (عَنْ الْمَعْلُومِ) الْحَاصِلِ فَيَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ فَهُوَ زَوَالُ الْمَعْلُومِ فَيَسْتَأْنِفُ تَحْصِيلَهُ.
(مَسْأَلَةُ الْحَسَنِ) فِعْلُ الْمُكَلَّفِ (الْمَأْذُونُ) فِيهِ (وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَمُبَاحًا) الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ وَالْمَنْصُوبَاتُ أَحْوَالٌ لَازِمَةٌ لِلْمَأْذُونِ أَتَى بِهَا لِبَيَانِ أَقْسَامِ الْحَسَنِ.
(قِيلَ وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ) أَيْضًا كَالصَّبِيِّ
ــ
[حاشية العطار]
بِتَأْلِيفٍ مُسْتَقِلٍّ وَحَشَّاهُ الْعَلَّامَةُ مِيرْ زَاهِدْ الْهِنْدِيُّ بِحَاشِيَةٍ أَتَى فِيهَا بِنَفَائِسَ تَحْقِيقَاتٍ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا، وَنَحْنُ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي حَوَاشِي الْخَبِيصِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّصْدِيقُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمَجْمُوعِ التَّصَوُّرِ وَالْحُكْمُ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ مِنْ التَّأْوِيلِ لَا لِلتَّصَوُّرِ الْمُقَيَّدِ بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرَ مِنْ الْعِبَارَةِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَالسَّهْوُ الذُّهُولُ) مَضْمُونُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الذُّهُولَ وَالْغَفْلَةَ مُتَرَادِفَانِ وَأَنَّهُمَا أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ السَّهْوِ وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ مُبَايِنَةٌ لِلنِّسْيَانِ، وَقَدْ قَالَ النَّاصِرُ هَذَا قَوْلٌ لَا أَعْلَمُ لَهُ سَنَدًا، ثُمَّ سَاقَ مَا يُخَالِفُهُ عَنْ الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ اهـ.
وَقَوْلُ سم فِي جَوَابِهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَبْتَدِعَا ذَلِكَ بَلْ هُمَا نَاقِلَانِ لَهُ وَأَنَّهُمَا ثِقَتَانِ حُجَّتَانِ وَأَنَّهُمَا لَمْ يَنْقُلَا ذَلِكَ عَنْ الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ وَلَا الْتَزَمَا مُوَافَقَتَهُمَا حَتَّى يَضُرَّهُمَا مُخَالَفَتُهُمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا بَلْ الْوَاجِبُ فِي صِنَاعَةِ التَّوْجِيهِ الْإِتْيَانُ بِنَقْلٍ عَنْ إمَامٍ ثِقَةٍ بِمَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الشَّارِحِ وَالْمُصَنِّفِ وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَنَبَّهْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ بَلْ هُوَ مُخِلٌّ بِرُتْبَةِ قَائِلِهِ مِنْ الْعِلْمِ.
(قَوْلُهُ: الْحَاصِلُ) أَيْ فِي الْحَافِظَةِ وَالذُّهُولِ مِنْ الْمُدْرِكَةِ فَلَا تَنَافِيَ.
(قَوْلُهُ: فَيَتَنَبَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الْحَاصِلِ.
(قَوْلُهُ: زَوَالُ الْمَعْلُومِ) أَيْ مِنْ الْحَافِظَةِ وَالْمُدْرِكَةِ مَعًا، وَهَذَا إنَّمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِ الْقُوَى الْبَاطِنَةِ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا الْحُكَمَاءُ وَنَفَاهَا الْمُتَكَلِّمُونَ.
(قَوْلُهُ: فِعْلُ الْمُكَلَّفِ إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَأْذُونَ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ وَلْتَحْسُنْ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ قِيلَ وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَالْمُرَادُ بِالْمُكَلَّفِ الْمَلْزُومُ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ إلَّا الْبَالِغَ الْعَاقِلَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَالسَّاهِي إلَخْ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ هُنَا بِالْمَأْذُونِ وَالْمَنْهِيِّ وَلَوْ بِالْعُمُومِ، وَفِيمَا سَبَقَ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ إلَخْ الْأَخَصُّ مِمَّا تَقَدَّمَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ لَهُمَا إطْلَاقَيْنِ.
(قَوْلُهُ: الْوَاوُ لِلتَّقْسِيمِ) وَهِيَ فِي تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتٍ إنْ لُوحِظَ اجْتِمَاعُهَا تَحْتَهُ أَجْوَدُ.
(قَوْلُهُ: أَحْوَالٌ لَازِمَةٌ) أَيْ لِأَنْوَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: أُتِيَ بِهَا لِبَيَانِ أَقْسَامِ الْحُسْنِ أَمَّا عَلَى وَجْهِ التَّوْزِيعِ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالٌ لَازِمَةٌ لِقِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا مَثَّلَ بِهِ النُّحَاةُ مِنْ قَوْلِهِمْ حَبَّذَا الْمَالُ فِضَّةً وَذَهَبًا أَوْ عَلَى وَجْهِ لُزُومِ مَجْمُوعِهَا لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْحَسَنُ فِعْلَ الْمُكَلَّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مُتَنَوِّعًا إلَى مَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَازِمَةٌ لِمَفْهُومِ الْمَأْذُونِ حَتَّى يَرُدَّ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ أَنَّ الْحَالَ اللَّازِمَةَ هِيَ غَيْرُ الْمُنْفَكَّةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ يَنْفَكُّ عَنْ الْمَأْذُونِ بِأَنْ يَتَّصِفَ الْمَأْذُونُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأُخْرَى فَاللَّازِمُ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ لَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَا مَجْمُوعِهَا.
(قَوْلُهُ: قِيلَ) قَائِلُهُ الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ مَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا فَقَبِيحٌ وَإِلَّا فَحَسَنٌ كَالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ وَفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ وَهُوَ لِتَنَاوُلِهِ فِعْلَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْمَأْذُونِ فِيهِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَتَبَ عَلَى الْمِنْهَاجِ اعْتَرَضَهُ بِأَنْ جَعَلَ فِعْلَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ جِنْسًا غَيْرَ حَسَنٍ، فَإِنَّ تَقْسِيمَ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةِ الْمُتَعَلِّقِ يَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا حَسَنَ إلَّا بِالشَّرْعِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَوُرُودُ الشَّرْعِ بِحُسْنِ أَفْعَالِ الْبَهَائِمِ مَمْنُوعٌ اهـ.
وَحِينَئِذٍ فَيُقْرَأُ " وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ " بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَعَلَى مَوْصُوفِهِ الْمَحْذُوفِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ
وَالسَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْبَهِيمَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ (وَالْقَبِيحُ) فِعْلُ الْمُكَلَّفِ (الْمَنْهِيُّ) عَنْهُ (وَلَوْ) كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ (بِالْعُمُومِ) أَيْ بِعُمُومِ النَّهْيِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ أَوَامِرِ النَّدْبِ كَمَا تَقَدَّمَ (فَدَخَلَ) فِي الْقَبِيحِ (خِلَافُ الْأَوْلَى) كَمَا دَخَلَ فِيهِ الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ.
(وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَيْسَ الْمَكْرُوهُ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوْلَى (قَبِيحًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُذَمُّ عَلَيْهِ (وَلَا حَسَنًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ يَسُوغُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ وَاسِطَةً أَيْضًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَسَنَ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَنَّ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ بِمَعْنَى تَرْتِيبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ شَرْعِيٌّ
ــ
[حاشية العطار]
وَلَا يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْأَحْوَالِ السَّابِقَةِ، إذْ لَا يَصِحُّ إدْرَاجُهُ فِي الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا إذْنَ فِيهِ وَالْحَسَنُ أَحَدُ قِسْمَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الْحُكْمُ فَيَحْتَاجُ لِلْجَوَابِ بِأَنَّهُ انْدَرَجَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ أَحَدَ قِسْمَيْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ النَّظَرَ فِيهِ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ إنَّ فِعْلَ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ يَشْمَلُ عِبَادَاتِهِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالْحَسَنِ عَلَى الْقَوْلِ كَمَا لَا تُوصَفُ بِالْقُبْحِ فَيَكُونُ وَاسِطَةً عَلَيْهِ وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا فِعْلَهُ الْمَنْهِيَّ عَنْ نَوْعِهِ نَحْوَ زِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَمِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ ذَهَابُ أَحَدٍ إلَى حُسْنِ ذَلِكَ فَيُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ أَيْ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْ نَوْعِهِ فَيَخْرُجُ وَفِيهِ بُعْدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِاسْتِثْنَائِهِ، فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي التَّعْرِيفَاتِ غَيْرُ مَعْهُودٍ.
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ) يَتَنَاوَلُ التَّعْرِيفُ أَفْعَالَ اللَّهِ كَذَا قَالُوا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ مِنْهَاجٍ الْبَيْضَاوِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَفِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ النَّهْيِ عَنْهُ شَرْعًا إمَّا لِعَدَمِ صُلُوحِهِ لِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَذَلِكَ إمَّا لِتَعَالِيهِ كَفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنُّقْصَانِ كَفِعْلِ السَّاهِي وَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالطِّفْلِ وَالْبَهِيمَةِ وَإِمَّا لِتَعَلُّقِ مُنَافِيَاتِ النَّهْيِ بِهِ مَعَ صُلُوحِهِ لِذَلِكَ كَالْمَذْكُورَاتِ الثَّلَاثَةِ.
(قَوْلُهُ: لَيْسَ الْمَكْرُوهُ قَبِيحًا) فَعَلَى هَذَا لَيْسَ كُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ قَبِيحٌ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْحَرَامِ وَقَوْلُهُ: أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ إلَخْ الْمَحَلُّ لِلْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْرُوهِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَتَفْسِيرُهُ بِمَا يَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوَّلِ الظَّاهِرِ فَلَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِأَيٍّ.
وَقَدْ يُوَجَّهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي الشَّامِلِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِخِلَافِ الْأَوَّلِ) لَا يُقَالُ لَا قُصُورَ عَلَى إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْأَخَصِّ لِاسْتِفَادَةِ نَفْيِ خِلَافِ الْأَوْلَى بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الْأَوْلَوِيِّ مِنْ نَفْيِ قُبْحِ الْمَكْرُوهِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَكْفِي اسْتِفَادَةُ نَفْيِ قُبْحِهِ بِالْأَوْلَى فِي جَعْلِهِ وَاسِطَةً بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ حُسْنِهِ أَيْضًا وَهُوَ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ نَفْيِ حُسْنِ الْمَكْرُوهِ لَا بِالْأَوْلَى وَلَا بِالْمُسَاوِي؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ أَعْلَى وَأَغْلَظُ وَالْمَفْهُومُ لَا يَكُونُ أَدْوَنَ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُذَمُّ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنَّمَا يُلَامُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُبَاحِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ الْحَسَنُ مَا أُمِرَ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعَلَهُ وَاسِطَةً أَيْضًا) صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا فِي تَلْخِيصِ التَّقْرِيبِ وَالْإِرْشَادِ فَيَكُونُ لَهُ فِي الْمُبَاحِ قَوْلَانِ، وَإِنْ أَوْهَمَ خِلَافَهُ اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ عَلَى جَعْلِ الْمَكْرُوهِ وَاسِطَةً وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ جَعَلَهُ وَاسِطَةً أَيْضًا لَأَفَادَ ذَلِكَ وَكَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَلِذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ: وَعَجِيبٌ نَقْلُ الشَّارِحِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَعَ تَصْرِيحِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ شَمْسِ الدِّينِ الْبِرْمَاوِيِّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ بَحْثًا لَهُ نَعَمْ وَقَعَ لِلْإِمَامِ فِي التَّلْخِيصِ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ.
(قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى الْحَسَنِ إلَخْ) ، وَأَمَّا الْقُبْحُ فَبَاقٍ عَلَى تَعْرِيفِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمُبَاحِ وَاسِطَةَ تَغْيِيرِ تَعْرِيفِ الْمُبَاحِ.
(قَوْلُهُ: تَرَتُّبِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ) قَالَ النَّاصِرُ التَّرَتُّبُ لُزُومُ شَيْءٍ عَنْ آخَرَ وَفِعْلُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ لَيْسَ لَازِمًا لِلْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ فَالْمُرَادُ هُنَا تَرَتُّبُ طَلَبِهِمَا أَوْ جَوَازُهُمَا، فَتَرَتُّبُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا فَقَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ صَنِيعِ الشَّارِحِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالثَّنَاءِ عَلَى الشَّيْءِ تَابِعٌ لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ